وبتحوّل الأجواء
السياسية إلى ظرف ملائم لقيام الدولة العالمية كأن يكون ذلك نتيجة ـ فراغ كبير
يحدث نتيجة نكسة أو أزمة حضارية خانقة ـ .
ولقد كان غيابه وانتظاره الطويل ضرورة
ماسة قصد الحفاظ على شرط أساسي من شروط تحقّق اليوم الموعود ألا وهو وجود القائد
المعصوم نفسه ، فالغيب تدخّل لحفظ هذه البقية الباقية من خطّ الأوصياء ، ( بَقِيَّتُ
اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ)
[ هود ]. عن زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام
: ـ إنّ للقائم غيبة قبل ظهوره ، قلتُ لِمَ؟ قال : يخاف القتل ـ .
وهذا الغياب ـ وإن طال في مداه ـ لكنّه
ليس بدعة مهدوية؛ بل هي سنّة الأنبياء الأوائل كما مرّ بنا ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ـ إنّ الله عزّ
وجلّ أبى إلا أن يُجري فيه سنن الأنبياءعليهمالسلام
في غيباتهم ، وأنّه لابدّ يا سَدير من استيفاء غيباتهم ، قال عزّ وجلّ : (لَتَرْكَبُنَّ
طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ )
[ الانشقاق ] ، أي سننا على سنن من كان قبلكم ـ .
إنّ هذا المستوى من الانتظار ـ انتظار
الإمام ـ يمتلك دلالات رسالية قوية تؤثّر في طبيعة العلاقة التي تشدّ الأُمّة ، أو
على الأقلّ الطليعة الرسالية بإمامها ، وتعزّز أدوارها التاريخية.
الدلالة
الأولى : الإحساس بأنّ الإمام ينتظر تشكّل سرايا
أنصاره من أجل قيادتهم نحو الأهداف الربّانية الكبرى ، وتغيير الأوضاع العالمية
يعمّق مسؤوليات المؤمنين في تفعيل عبادة الانتظار والعمل على تحقيق هذا الشرط ،
وتلك الظروف في أقرب وقت ، وما يستلزمه ذلك من أن تصبح الأُمّة تعيش حركة دائبة
وتفاعلاً مستمرّاً مع رسالتها ، ومحاولات متكرّرة للنهوض والانعتاق ، واستدعاء
حضور الإمام. هذه الدلالة الأولى من دلالات انتظار الإمام.
الدلالة
الثانية : مقولة ( تكامل ما بعد العصمة ) فقد ذكرنا أنّ الإمام وإن كان يتمتّع
__________________