بدرجة عالية من الكمال إلا أنّ ذلك لا يمنع من تكامله إلى درجة أرقى ، يقول الشهيد السيد محمّد الصدر رحمهالله : ـ ويمكن لقائد عالمي ممن يوجد عنده المستوى الأوّل من قابلية القيادة العالمية كالمهدي أن يتكامل بأسباب معيّنة ـ (١).
وهذا التكامل تستوجبه المهمّة الصعبة المعقّدة التي أنيطت بعهدة الإمام ـ فعملية التغيير الكبرى تتطلّب وضعاً نفسياً فريداً في القائد الممارس لها مشحوناً بالشعور بالتفوّق والإحساس بضآلة الكيانات الشامخة التي أعدّ للقضاء عليها وتحويلها حضارياً إلى عالم جديد ـ (٢).
إنّ امتداد عمر المهدي عجل الله تعالى وانتظاره الطويل مكّنه من مواكبة قيام حضارات ودول ثمّ انحدارها وزوالها ، مما يجعله يواجه كلّ القوى التي قد تتحرّك ضده حين ظهوره ، وهو يتخطى هيبة التاريخ وقوته ، ولا يخاف كلّ هذه الكيانات والحضارات؛ لأنّه عاصرها منذ كانت بذرة تنمو وعرفها وهي تمتدّ ومنحته خبرته الطويلة عمق الإحساس أنّ زوالها لابدّ منه ، على عكس من ينشأ داخل هذه الحضارات ـ وتفتّحت أفكاره ومشاعره في إطارها فإنّه لا يتخلّص غالباً من رواسب تلك الحضارة ومرتكزاتها وإن قاد حملة تغييرية ضدها ـ (٣).
إضافة إلى ذلك أنّ هذه المواكبة الطويلة تمنح الإمام الخبرة القيادية الكاملة لليوم الموعود ـ لأنّها تضع الشخص المُدَّخر أمام ممارسات كثيرة للآخرين بكلّ ما فيها من نقاط الضعف والقوة ومن ألوان الخطأ والصواب وتعطي لهذا الشخص قدرة أكبر على تقييم الظواهر الاجتماعية بالوعي الكامل على أسبابها وكلّ ملابساتها التاريخية ـ (٤).
الدلالة الثالثة : الدلالة الثالثة لانتظار الإمام هي حتمية سقوط كلّ النظريات المخالفة ، فانتظار الإمام هو إقامة للحجّة على كلّ المدارس الفكرية الأخرى والمشاريع الحضارية المخالفة التي استنفذت وستنفذ كلّ فرصها في الواقع الحياتي للناس زمن الغيبة.
__________________
١ ـ تاريخ الغيبة الكبرى ، ص ٥٠٥.
٢ ـ محمّد باقر الصدر ، بحث حول المهدي ، ص ١٠٢.
٣ ـ المصدر نفسه ، ص ٧٢.
٤ ـ المصدر نفسه ، ص ٧٢.