وبتحوّل الأجواء السياسية إلى ظرف ملائم لقيام الدولة العالمية كأن يكون ذلك نتيجة ـ فراغ كبير يحدث نتيجة نكسة أو أزمة حضارية خانقة ـ (١).
ولقد كان غيابه وانتظاره الطويل ضرورة ماسة قصد الحفاظ على شرط أساسي من شروط تحقّق اليوم الموعود ألا وهو وجود القائد المعصوم نفسه ، فالغيب تدخّل لحفظ هذه البقية الباقية من خطّ الأوصياء ، ( بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ) [ هود ]. عن زرارة عن أبي عبد الله عليهالسلام : ـ إنّ للقائم غيبة قبل ظهوره ، قلتُ لِمَ؟ قال : يخاف القتل ـ (٢).
وهذا الغياب ـ وإن طال في مداه ـ لكنّه ليس بدعة مهدوية؛ بل هي سنّة الأنبياء الأوائل كما مرّ بنا ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ـ إنّ الله عزّ وجلّ أبى إلا أن يُجري فيه سنن الأنبياءعليهمالسلام في غيباتهم ، وأنّه لابدّ يا سَدير من استيفاء غيباتهم ، قال عزّ وجلّ : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ ) [ الانشقاق ] ، أي سننا على سنن من كان قبلكم ـ (٣).
إنّ هذا المستوى من الانتظار ـ انتظار الإمام ـ يمتلك دلالات رسالية قوية تؤثّر في طبيعة العلاقة التي تشدّ الأُمّة ، أو على الأقلّ الطليعة الرسالية بإمامها ، وتعزّز أدوارها التاريخية.
الدلالة الأولى : الإحساس بأنّ الإمام ينتظر تشكّل سرايا أنصاره من أجل قيادتهم نحو الأهداف الربّانية الكبرى ، وتغيير الأوضاع العالمية يعمّق مسؤوليات المؤمنين في تفعيل عبادة الانتظار والعمل على تحقيق هذا الشرط ، وتلك الظروف في أقرب وقت ، وما يستلزمه ذلك من أن تصبح الأُمّة تعيش حركة دائبة وتفاعلاً مستمرّاً مع رسالتها ، ومحاولات متكرّرة للنهوض والانعتاق ، واستدعاء حضور الإمام. هذه الدلالة الأولى من دلالات انتظار الإمام.
الدلالة الثانية : مقولة ( تكامل ما بعد العصمة ) (٤) فقد ذكرنا أنّ الإمام وإن كان يتمتّع
__________________
١ ـ محمّد باقر الصدر ، بحث حول المهدي ، ص ١٠٢.
٢ ـ محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ٩٨.
٣ ـ محمّد باقر المجلسي ، بحار الأنوار ، ج ٥٢ ، ص ٢٩١.
٤ ـ راجع الفصل الخامس.