يجري قد ارتفع كأنه الماء الجاري ، فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : « يا أبا حنيفة ، ماذا عند الميل (٧) كأنه يجري ؟ » قال : ذاك الماء ، يا ابن رسول الله ، فلما وافيا الميل وجداه أمامهما فتباعد ، فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : « اقبض ثمن البغل قال الله تعالى : ( كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ ) (٨) » قال : خرج أبو حنيفة إلى أصحابه كئيباً حزيناً ، فقالوا له : ما لك يا أبا حنيفة ؟ قال : ذهبت البغلة هدراً ، وكان قد أعطي بالبغلة عشرة آلاف درهم .
[ ١٥٤٨٥ ] ٧ ـ القاضي نعمان المصري صاحب الدعائم ، في كتاب شرح الأخبار : عن عمر بن حماد القتادة ، بإسناده عن أنس قال : كنت مع عمر بمنى ، إذ أقبل أعرابي ومعه ظهر ، فقال لي عمر : سله هلّا يبيع الظهر (١) ؟ فقمت إليه فسألته ، فقال : نعم ، فقام إليه ، فاشترى منه أربعة عشر بعيراً ، ثم قال : يا أنس الحق هذا الظهر ، فقال الاعرابي : جردها من أحلاسها (٢) وأقتابها (٣) فقال : إنّما اشتريتها بأحلاسها وأقتابها ، فاستحكما عليا ( عليه السلام ) ، فقال : كنت اشترطت عليه أقتابها وأحلاسها ، فقال عمر : لا ، قال : فجردها له ، فإنما لك الإِبل ، فقال عمر : يا أنس جردها وادفع أقتابها وأحلاسها إلى الأعرابي ، وألحقها بالظهر ، ففعلت .
_________________________
(٧) الميل : قدر منتهى مد البصر ، وقيل للأعلام المبنية في طريق مكة : أميال ، لأنها بنيت على مقادير مدى البصر من الميل إلى الميل ، وكل ثلاثة أميال منها فرسخ ( لسان العرب ـ ميل ـ ج ١١ ص ٦٣٩ ) .
(٨) النور ٢٤ : ٣٩ .
٧ ـ شرح الأخبار :
(١) الظهر : الابل التي يحمل عليها ويركب ( لسان العرب ـ ظهر ـ ج ٤ ص ٥٢٢ ) .
(٢) الأحلاس : جمع حِلْس وهو ما يوضع علىٰ ظهر البعير تحت الرحل والقتب وهو كساء رقيق ( لسان العرب ـ حلس ـ ج ٦ ص ٥٤ ) .
(٣) الأقتاب : جمع قتب وهو رحل صغير علىٰ قدر سنام البعير ( لسان العرب ـ قتب ـ ج ١ ص ٦٦١ ) .