ثم انظر في امور عمالك ، فاستعملهم اختياراً ، ولا تولهم محاباة واثرة ، فانهما جماع من شعب الجور والخيانة ، وتوخ منهم أهل التجربة والحياء ، من أهل البيوتات الصالحة والقدم في الاسلام المتقدمة ، فانهم اكرم اخلاقاً ، واصح اعراضاً ، واقل في المطامع اسرافاً (١٠٠) ، وأبلغ في عواقب الامور نظراً ، ثم اسبغ عليهم الارزاق ، فان ذلك قوة لهم على استصلاح انفسهم ، وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم ، وحجة عليهم ان خالفوا امرك ، او ثلموا امانتك ، ثم تفقّد اعمالهم ، وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء عليهم ، فان تعاهدك في السر لامورهم ، حدوة (١٠١) لهم على استعمال الامانة والرفق بالرعية ، وتحفظ من الاعوان ، فان احد منهم بسط يده الى خيانة ، اجتمعت بها عليه عندك اخبار عيونك ، اكتفيت بذلك شاهداً ، فبسطت عليه العقوبة في بدنه ، واخذت ما اصاب من عمله ، ثم نصبته بمقام المذلة ، ووسمته بالخيانة ، وقلدته عار التهمة . وتفقد امر الخراج بما يصلح اهله ، فان في صلاحه وصلاحهم صلاحاً لمن سواهم ، ولا صلاح لغيرهم الا بهم ، لان الناس كلهم عيال على الخراج واهله ، وليكن نظرك في عمارة الأرض ، ابلغ من نظرك في استجلاب الخراج ، لان ذلك لا يدرك الا بالعمارة ، ومن طلب الخراج بغير عمارة ، اخرب البلاد واهلك العباد ، ولم يستقم امره الا قليلاً ، فان شكوا علة او ثقلاً أو انقطاع شرب ، أو بالّة ، أو احالة أرض اغتمرها غرق ، واجحف بها عطش ، خففت عنهم بما ترجو أن يصلح به امرهم ، ولا يثقلن شيء عليك خففت به المؤونة عنهم ، فانه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك وتزيين ولايتك ، مع استجلابك حسن ثنائهم ، وتبجحك باستفاضة العدل فيهم ، معتمداً فضل قوتهم ، بما ذخرت عندهم من اجمامك لهم ، والثقة منهم بما عودتهم من عدلك عليهم ، في رفقك بهم ، فربما حدث من الامور ما اذا عولت فيه عليهم من بعد ، احتملوه طيبة انفسهم به ،
_________________________
(١٠٠) في المصدر : اشرافاً .
(١٠١) حدوة : في حديث الدعاء : تحدوني عليها خلة واحدة ، أي : تبعثني وتسوقني عليها خصلة واحدة ( لسان العرب « حدا » ج ١٤ ص ١٦٩ ) .