كره الله لاوليائه ، واقعاً ذلك من هواك حيث وقع ، والصق بأهل الورع والصدق ، ثم رضهم على ان لا يطروك ولا يبجحوك بباطل لم تفعله ، فان كثرة الاطراء يحدث الزهو (٩٣) ويدني من العزة ، ولا يكونن المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء ، فان في ذلك تزهيداً لأهل الاحسان في الاحسان ، وتدريباً لاهل الاساءة على الإِساءة ، والزم كلاً منهم ما الزم نفسه .
واعلم انه ليس شيء بأدعى الى حسن ظن وال (٩٤) برعيته ، من احسانه اليهم ، وتخفيفه للمؤونات عنهم ، وترك استكرامه اياهم على ما ليس له قبلهم ، فليكن منك في ذلك امر يجتمع لك به حسن الظن برعيتك ، فان حسن الظن يقطع عنك نصباً طويلاً ، وان احق من حسن ظنك به ، لمن حسن بلاؤك عنده ، وان احق من ساء ظنك به ، لمن ساء بلاؤك عنده ، ولا تنقض (٩٥) سنة صالحة عمل بها صدور هذه الامة ، واجتمعت بها الالفة ، وصلحت عليها الرعية ، ولا تحدثن سنة تضر بشيء من ماضي تلك السنن ، فيكون الاجر لمن سنها ، والوزر عليك بما نقضت منها ، واكثر مدارسة العلماء ، ومناقشة الحكماء ، في تثبيت ما صلح عليه امر بلادك ، واقامة ما استقام به الناس قبلك .
واعلم ان الرعية طبقات ، لا يصلح بعضها الا ببغض ، ولا غنى ببعضها عن بعض ، فمنها جنود الله ، ومنها كتاب العامة والخاصة ، ومنها قضاة العدل ، ومنها عمال الانصاف والرفق ، ومنها اهل الجزية والخراج من أهل الذمة ومسلمة الناس ، ومنها التجار وأهل الصناعات ، ومنها الطبقة السفلى من ذوي الحاجة والمسكنة ، وكل قد سمّى الله سهمه ، ووضع على حدّه فريضة في كتابه أو سنة نبيّه محمد صلّى الله عليه وآله ، عهداً منه عندنا محفوظاً .
فالجنود باذن الله حصون الرعية ، وزين الولاة ، وعز الدين ، وسبل
_________________________
(٩٣) الزهو : الكبر والاختيال ( القاموس المحيط « زهو » ج ٤ ص ٣٤٠ ) .
(٩٤) في المصدر : راع .
(٩٥) في نسخة : تنقضن .