يضجره عيّ العي ، ولا يفرطه جور الظلم (٤٨) ، ولا تشرف نفسه على الطمع ، ولا يدخل في اعجاب (٤٩) يكتفي بأدنى فهم دون اقصاه ، أوقفهم عند الشبهة ، وآخذهم لنفسه بالحجة ، واقلهم تبرّماً من تردد الحجج ، واصبرهم على كشف الامور وايضاح الخصمين ، ولا يزدهيه الاطراء ، ولا يشليه (٥٠) الاغراء ، ولا يأخذ فيه التبليغ بان يقال : قال فلان وقال فلان ، فول القضاء من كان كذلك ، ثم اكثر تعاهد امره وقضاياه ، وابسط عليه من البذل ما يستغني به عن الطمع ، وتقلّ به حاجته الى الناس ، واجعل له منك منزلة لا يطمع فيها غيره ، حتى يأمن اغتيال الرجال (٥١) اياه عندك ، ولا يحابي احداً للرجاء ، ولا يصانعه لاستجلاب حسن الثناء ، احسن توقيره في مجلسك ، وقرّبه منك ، وانفذ قضاياه وامضها ، واجعل له اعواناً يختارهم لنفسه ، من أهل العلم والورع ، واختر لاطرافك قضاة تجهد فيهم نفسك على قدر ذلك ، ثم تفقد امورهم وقضاياهم ، وما يعرض لهم من وجوه الأحكام ، فلا يكن في حكمهم اختلاف ، فان ذلك ضياع للعدل ، وعورة في الدين ، وسبب للفرقة ، وانما يختلف القضاة لاكتفاء كلّ امرىء منهم برأيه دون الامام ، فاذا اختلف القاضيان فليس لهما ان يقيما على اختلافهما في الحكم ، دون رفع ما اختلفا فيه من ذلك الى الامام ، وكلّ ما اختلف فيه الناس فمردود اليه ، ولا قوّة الّا بالله .
ذكر ما ينبغي ان ينظر فيه من امور عمّاله :
انظر في امور عمالك الذين تستعمل (٥٢) ، فليكن استعمالك اياهم اختياراً ، ولا يكونن محاباة ولا ايثارا ، فان الاثرة بالاعمال والمحاباة بها ، جماع من
_________________________
(٤٨) في المصدر : الظلوم .
(٤٩) في المصدر زيادة : ولا .
(٥٠) أشلى الكلب على الصيد : أغراه به ، ودعاه إليه وأطعمه به ، وحثّه عليه ( لسان العرب « شلا » ج ١٤ ص ٤٤٣ ) .
(٥١) في نسخة : الرجل .
(٥٢) في المصدر : تستعملهم .