نجّني من القوم الظالمين) (١).
فتلاحظ أن هؤلاء الكُبّار من الانبياء كرهوا مجاورة الظالمين ورغبوا في الابتعاد عن دار الفاسقين ، فآثروا الاعتزال والغياب. ورغبة الانبياء فيه تكشف عن محبوبيّته.
هذا مضافاً الى أن هذا الاعتزال بنفسه تأديب للظالم وتأنيب له ، عسى أن يرتدع ويعود الى رُشده.
ونفس تأنيب الظالمين حسن ، كما كان من تأنيب مؤمن آل فرعون لهم أشد تأنيب ، ثم وقاه اللّه سيئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب ، كما تلاحظه في سورة غافر : الآية ٣٠ ، وما بعدها.
ومن المعلوم أن أهل البيت عليهمالسلام ، هم المثل الأعلى لتحمل الأذى والصبر عند البلوى ، آذاهم الظالمون أشدّ إيذاء مقابل ما صدر منهم من اللطف والهُدى.
وقد لاقوا عليهمالسلام من الظالمين أشدّ المصائب والنوائب ، بالرغم من أنهم كانوا مأمورين بالصبر ولم يقوموا بالسيف.
فكيف بالامام المهدي عليهالسلام الذي هو مأمور بالقيام بالسيف. فيا تُرى ماذا يواجهه الظالمون من الإِحَن والمِحن؟
وقد بَدَت منذ أوان ولادته عليهالسلام محاولات استشهاده ، وايراد الظلم عليه. فاختار اللّه تعالى له الابتعاد عن جوار الظالمين ، والاعتزال عن مساكن الجائرين. فكان حُسن الابتعاد عن الظالم وتأنيبه وجهاً وحكمةً لغيبته.
فغاب كراهة لمجاورة الظالمين والاعداء ، وفي قباله حصول كثرة اشتياق المظلومين والأولياء ، وشدّة انتظاره من محبيه وشيعته في أيام غيبته.
__________________
(١) سورة القصص : الآية ٢١.