دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٤

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: توحيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٨١

صالحه ، أو التى هى مرتبطة بالغير وهو أجنبى عنها.

ولاتختص حجية الاقرار بما إذا كان بلفظ معيّن ، بل يكفى كلّ ما يدلّ عليه ولو بالاشارة أو الدلالة الالتزامية.

ولو عقّب المقرّ اقراره بما يضادّه فإن كان ذلك تراجعاً منه عن اقراره فلاينفذ ، بخلاف ما إذا كان تفسيراً وتوضيحاً.

ولو قال المقرّ : « هذا الشيء لفلان » ثم قال : « بل لفلان » ، فالمشهور ذهب الى لزوم دفعه الى الأول وغرامة قيمته للثاني.

ولو قال : « لفلان عليَّ مالٌ » اُلزم بتوضيحه.

ومن ادّعى زوجيّة امرأة وصدّقته قُبل ذلك منه. ولو أنكرت ذلك ولم‏تكن له بيّنة اُلزم بترتيب ما عليه من الآثار.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا أنّ الاقرار لايكون ملزماً للمقر إلاّ إذا كان بنحو الإخبار الجازم ، فلقصور السيرة عن الشمول إلاّ لمثل ذلك. ولا أقلّ من الشك فى الشمول ، وهو كاف في إثبات المطلوب.

٢ ـ وأمّا أنّ الاقرار لايكون حجة إلاّ بلحاظ الآثار التى هى فى ضرر المقرّ ، فباعتبار أنّ الاقرار على النفس لايصدق إلاّ بلحاظ ذلك.

ومنه يتّضح لزوم التفكيك فى كلّ اقرار بلحاظ آثاره فيلزم المقرّ بالآثار التى هي فى ضرره دون غيرها ، فلو أقر باُبوّة شخص له اُلزم بالانفاق عليه دون العكس.

٣ ـ وأمّا عدم اختصاص حجيّة الاقرار بما إذا كان بلفظ معيّن وكفاية الاشارة والدلالة الالتزامية ، فلإطلاق السيرة العقلائية من هذه الناحية.

٦١

٤ ـ وأمّا التفصيل ـ فى ما لو عقّب المقرّ اقراره بما يضادّه ـ بين ما كان تراجعاً فلايقبل وبين ما إذا كان تفسيراً ، فيقبل فلاقتضاء السيرة ـ التى هى المستند لحجيّة الاقرار ـ لذلك.

٥ ـ وأمّا أنّه لو قال المقرّ : « هذا الشيء لفلان » ، ثمّ قال : « بل لفلان » دفع الى الأوّل وغرم قيمته للثانى ، فقد عللّه المشهور بأنّ دفع العين للأول هو باعتبار حجيّة الاقرار الأوّل ، ودفع القيمة الى الثانى هو باعتبار أنّ المقرّ باقراره الأوّل قد حال بينه وبينها فهو كالمتلف.

٦ ـ وأمّا أنّ المقرّ يلزم بالتوضيح لو قال : « لفلان عليَّ مالٌ » ، فباعتبار أنّ ذمة المقرّ لما ثبت اشتغالها بالمال بمقتضى الاقرار فمن اللازم تفريغها ـ على تقدير المطالبة ـ وهو لا يتحقّق إلاّ بذلك.

٧ ـ وأمّا أنّ من ادّعى زوجيّة امرأة وصدّقته قُبل ذلك منهما وحُكم بالزوجيّة ، فلقاعدة : « من ملك شيئاً ملك الاقرار به » الثابتة بالسيرة العقلائية.

وأمّا أنّ المرأة لو أنكرت اُلزم بترتيب الآثار التى هى عليه ـ كحرمة التزويج باُمّها أو اُختها ـ فباعتبار حجيّة الاقرار على النفس. وأمّا بقية الآثار ـ كجواز النظر ونحوه ـ فحيث إنّه لاتدخل تحت القاعدة المذكورة فتعود بلا مثبت.

أجل ، بالنسبة الى الانفاق بالخصوص يمكن أن يقال بعدم وجوبه ، لأنّه مقابل التمكين ـ إذ مع عدمه تكون ناشزاً ، وهى لا نفقة لها ـ المفروض عدمه.

٦٢

كتاب اللقطة

اللقطة وأقسامها

من أحكام اللقطة بالمعنى الأخصّ

من أحكام اللقيط

من أحكام مجهول المالك

٦٣
٦٤

اللقطة وأقسامها :

اللقطة (١) كلّ مالٍ ضائع إذا اُخذ وكان مالكه مجهولاً.

والمستند فى اعتبار القيود الثلاثة هو :

أمّا بالنسبة الى القيد الأوّل فلتقوّم عنوان اللقطة بالضياع ، فمن تبدّل حذاؤه مثلاً بحذاء الغير من دون معرفة صاحبه فلايصدق على ذلك عنوان اللقطة وإن صدق عنوان مجهول المالك.

ومنه يتّضح أنّ النسبة بين عنوان اللقطة وعنوان مجهول المالك هو العموم والخصوص المطلق ، فكلّ لقطة هى مجهول المالك من دون عكس.

ويأتى فى ما بعد ـ ان شاء الله ـ الفرق بين العنوانين من حيث الحكم.

وأمّا بالنسبة الى القيد الثاني ، فلأنّه بمجرد رؤية الشيء من دون أخذه لايصدق عنوان اللقطة. وهكذا لو فرض أخذ الغير له بعد أمره بذلك ، فإنّه لايصدق العنوان المذكور بالنسبة الى الآمر.

وأمّا القيد الثالث ، فاعتباره واضح.

ثمّ إنّ المال الضائع تارةً يكون طفلاً ، واُخرى حيواناً ، وثالثةً غير ذلك.

__________________

١ ـ بضم الأوّل وفتح القاف أو اسكانها.

٦٥

ويصطلح على الأوّل باللقيط ، وعلى الثانى بالضالّة ، وعلى الثالث باللقطة أو باللقطة بالمعنى الأخص.

ولكلّ واحد من الأقسام الثلاثة أحكامه الخاصّة به. والمهمّ منها هو الثالث.

من أحكام اللقطة بالمعنى الأخص :

يجوز أخذ اللقطة وإن كان مكروهاً.

ويلزم فيها تعريفها والفحص عن مالكها لفترة سنة ، فإن لم‏يعثر عليه كان الملتقط بالخيار بين تملّكها مع الضمان ، أو التصدّق بها مع الضمان ، أو ابقائها أمانةً فى يده بلاضمان. هذا إذا لم‏تكن دون الدرهم الشرعي(١) ، وإلاّ جاز أخذها بلا تعريف.

كما أنّ هذا يختصّ بغير لقطة حرم مكة ـ زادها الله شرفاً ـ وأمّا هي ، فحكمها بعد التعريف سنة التصدق بها لا غير.

والمعروف أنّ التصدّق لابدّ وأن يكون بقصد كونه عن صاحبها.

واللقطة التى لايمكن تعريفها ـ إمّا لفقدانها العلامة الخاصة المميّزة لها عن غيرها ، أو لأنّ مالكها سافر الى مكان بعيد لايمكن الوصول اليه ، أو لأنّ الملتقط يخاف الخطر أو التهمة لو عرّف ، وما شاكل ذلك ـ يسقط وجوب تعريفها.

والمناسب وجوب التصدّق بها وعدم جواز تملّكها.

وفى جواز دفع الملتقط اللقطة الى الحاكم الشرعى وسقوط وجوب التعريف عنه بذلك خلاف.

والمناسب دفع اللقطة ـ إذا اريد التصدّق بها ـ الى خصوص الفقراء دون الأغنياء.

__________________

١ ـ المقصود من الدرهم الشرعى هو الفضة التى تعادل قيمتها ثلاثة غرامات إلاّ ربع‏عشر الغرام تقريباً.

٦٦

كما أنّ المناسب دفعها الى الغير ، ولايكفى الملتقط احتسابها على نفسه إذا كان فقيراً.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا جواز أخذ اللقطة ـ بالرغم من اقتضاء القاعدة الأولية عدم ذلك ـ فللروايات الخاصة التى يأتى بعضها. على أنّه يكفى لإثبات ذلك تسالم الاصحاب.

٢ ـ وأمّا أنّ ذلك مكروه ، فلصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام : « سألته عن اللقطة قال : لاترفعوها فإن ابتليت فعرّفها سنة ، فإن جاء طالبها وإلاّ فاجعلها في عرض مالك يجرى عليها ما يجرى على مالك الى أن يجيء لها طالب » (١) وغيرها.

وإنّما حمل النهى على الكراهة ـ بالرغم من ظهوره فى التحريم ـ لدلالة موثقة زرارة : « سألت اباجعفر عليه‌السلام عن اللقطة فأرانى خاتماً فى يده من فضة ، قال : إنّ هذا ممّا جاء به السيل وأنا اُريد أن أتصدّق به » (٢) على جواز الالتقاط.

على أنّ الجواز قضية واضحة فى أذهان المتشرعة ، وذلك بنفسه صالح للقرينية على حمل النهى على الكراهة.

٣ ـ وأمّا أنّه يلزم فى اللقطة التعريف لفترة سنة وبعدها يثبت التخيير بين الاُمور الثلاثة المتقدمة ، فهو المعروف بين الأصحاب. ويمكن الاستدلال لذلك :

أما بالنسبة الى جواز التصدق مع الضمان ، فبصحيحة على بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام : « وسألته عن الرجل يصيب اللقطة فيعرّفها سنة ثم يتصدّق بها فيأتى صاحبها ما حال الذى تصدّق بها؟ ولمن الأجر؟ هل عليه أن يردّ على صاحبها؟ أو قيمتها؟ قال : هو

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٣٥٠ ، باب ٢ من ابواب اللقطة ، حديث ٣.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٣٥٨ ، باب ٧ من ابواب اللقطة ، حديث ٣.

٦٧

ضامن لها والأجر له إلاّ أن يرضى صاحبها فيدعها والأجر له ». (١)

وسندها تامّ؛ لأنّها بطريق قرب‏الاسناد وإن كانت ضعيفة بـ« عبدالله بن الحسن » حيث إنّه مجهول الحال إلاّ أن صاحب الوسائل رواها من كتاب على بن جعفر وطريقه اليه صحيح على ما أوضحنا فى أبحاثٍ سابقة. (٢)

وأمّا بالنسبة الى جواز التملك مع الضمان ، فيمكن التمسّك له بصحيحة الحلبى عن أبى عبدالله عليه‌السلام : « اللقطة يجدها الرجل ويأخذها قال : يعرفها سنة فإن جاء لها طالب وإلاّ فهى كسبيل ماله » (٣) إلاّ أنّها لاتدلّ على الضمان.

ويمكن الاستدلال له :

إمّا بالأولوية ، بتقريب أنّ الضمان إذا كان ثابتاً فى حالة التصدق فبالأولى يكون ثابتاً فى حالة التملك.

أو بصحيحة على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه‌السلام : « سألته عن رجل أصاب شاة فى الصحراء هل تحلُّ له؟ قال : قال رسول‏الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هى لك أو لاخيك أو للذئب فخذها وعرّفها حيث أصبتها ، فإن عرفت فردّها الى صاحبها ، وإن لم‏تعرف فكلها وأنت ضامن لها إن جاء صاحبها يطلب ثمنها ان تردّها عليه » (٤) بناءً على التعدى من الضالة الى اللقطة وعدم فهم الخصوصية لذلك.

ثمّ إنّ جملة : « وإلاّ فهى كسبيل ماله » الواردة فى صحيحة الحلبى قد يستفاد منها أنّ اللقطة تصير بعد التعريف وعدم العثور على المالك ملكاً للملتقط بلا حاجة الي

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٣٥٢ ، باب ٢ من ابواب اللقطة ، حديث ١٤.

٢ ـ لاحظ : ص ٢٣٢ من الجزء الثانى من هذا الكتاب.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٣٤٩ ، باب ٢ من ابواب اللقطة ، حديث ١.

٤ ـ وسائل الشيعة : ٣ / ٣٦٥ ، باب ١٣ من ابواب اللقطة ، حديث ٧.

٦٨

قصده. وفى المقابل قد لايستفاد منها إلاّ جواز التصرف والانتفاع بها كما ينتفع بالملك. وتبقى القضية بعد هذا مرهونة باستظهار الفقيه.

وأمّا بالنسبة الى الاحتفاظ باللقطة بلا ضمان ، فيمكن استفادة جوازه من صحيحة الحلبى المتقدمة ، فإن جعل اللقطة كسبيل أموال الملتقط يدلّ بوضوح على جواز الاحتفاظ بها من دون ضمان.

وإذا قلت : إنّ صحيحة على بن جعفر الاُخري : « وسألته عن الرجل يصيب اللقطة دراهم أو ثوباً أو دابة كيف يصنع؟ قال : يعرّفها سنة ، فإن لم‏يعرف صاحبها حفظها فى عرض ماله حتى يجيء طالبها فيعطيها إياه ، وإن مات أوصى بها ، فإن أصابها شيء فهو ضامن » (١) قد دلّت على الضمان.

قلت : لابدّ من حملها على حالة التعدّى أو التفريط ، وإلاّ كانت ساقطة عن الاعتبار لهجران مضمونها لدى الأصحاب.

٤ ـ وأمّا أنّ اللقطة دون الدرهم الشرعى يجوز أخذها بلاحاجة الى تعريف ، فلم يعرف فيه خلاف بين الأصحاب. ويمكن الاستدلال له بأحد أمرين :

أ ـ رواية الشيخ الصدوق : « قال الصادق عليه‌السلام : ... وإن كانت اللقطة دون درهم فهي لك فلاتعرّفها ... ». (٢)

ب ـ مرسلة محمد بن أبى حمزة عن بعض أصحابنا عن ابى عبدالله عليه‌السلام : « سألته عن اللقطة قال : تعرّف سنة قليلاً كان أو كثيراً. قال : وما كان دون الدرهم فلايعرف ». (٣)

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٣٥٢ ، باب ٢ من ابواب اللقطة ، حديث ١٣.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٣٥١ ، باب ٢ من ابواب اللقطة ، حديث ٩.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٣٥٤ ، باب ٤ من ابواب اللقطة ، حديث ١.

٦٩

وكلتا الروايتين ضعيفة السند بالارسال إلاّ أن يقال بكبرى الانجبار بفتوي المشهور. (١)

ثمّ إنّه بناءً على عدم وجوب التعريف هل يكون الحكم هو وجوب التصدق أو جواز التملك؟ المعروف بين الاصحاب جواز قصد التملك ، ولكنّا إذا لاحظنا الرواية الثانية نراها ساكتة عن ذلك ، ولو لاحظنا الرواية الاُولى رأيناها تدلّ على تحقق الملك القهرى بمجرد الأخذ من دون حاجة الى قصده على خلاف ما عليه المشهور بين الاصحاب من الحاجة الى ذلك.

٥ ـ وأمّا أنّ لقطة الحرم المكّى تعرّف سنة ثمّ يتصدّق بها ولايجوز تملكها ، فهو المشهور بين الاصحاب ، بل ادّعى فى الجواهر عدم وجدان الخلاف فيه. (٢) وتدلّ عليه صحيحة ابراهيم بن عمر عن ابى عبدالله عليه‌السلام : « اللقطة لقطتان : لقطة الحرم وتعرّف سنة ، فإن وجدت صاحبها وإلاّ تصدّقت بها ، ولقطة غيرها تعرّف سنة فإن لم‏تجد صاحبها فهى كسبيل مالك » (٣) ، فإنّها تدلّ على عدم جواز التملك لقاعدة التفصيل قاطع للشركة.

٦ ـ وأمّا أنّ التصدّق لابدّ وأن يكون عن صاحبها ، فهو المعروف فى كلمات الأصحاب ، إلاّ أن الروايات خالية عنه. ولعل ذلك للانصراف اليه ، وإلاّ فالمناسب كفاية التصدق المطلق لولا كونه أولى من جهة موافقته للاحتياط.

٧ ـ وأمّا أنّ المناسب فى اللقطة التى لايمكن تعريفها هو التصدّق بها لا غير ، فباعتبار أنّ جواز تملّك مال الغير والتصرف فيه من دون احراز رضاه أمر علي

__________________

١ ـ لاحظ : كتاب دروس تمهيدية فى القواعد الرجالية : ٢٠٩.

٢ ـ جواهر الكلام : ٣٨ / ٢٩٠.

٣ ـ وسائل الشيعة : ٩ / ٣٦١ ، باب ٢٨ من ابواب مقدمات الطواف ، حديث ٤.

٧٠

خلاف قاعدة : « لايحل دم امرئ مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفس منه » (١) ولابدَّ من الاقتصار على المورد الذى دلّ الدليل فيه على جوازه ، وهو بعد التعريف سنة ، وفي غير ذلك يلزم تطبيق حكم مجهول المالك ـ بعد تعذّر تطبيق حكم اللقطة التى هي مصداق من مصاديق مجهول المالك ـ وهو التصدّق.

٨ ـ وأمّا جواز دفع اللقطة الى الحاكم الشرعى وسقوط وجوب التعريف عن الملتقط بذلك ، فقد ذكر صاحب الجواهر فى توجيهه بأنّه وليّ الغائب فى الحفظ ، بل قد يقال بوجوب القبول عليه لأنّه معدٌ لمصالح المسلمين. (٢)

وفيه : ان ولاية الحاكم مختصة بالمورد الذى لم‏يجعل الشارع فيه الولاية للغير ، فإنّه وليّ من لا وليّ له ، وفى المقام قد جعلها للملتقط حيث جعل له الحق في التصدّق. أجل ، لا بأس بدفع الللقطة اليه على أن تبقى أمانة بيده ويستمر الملتقط بالتعريف طيلة فترة السنة ، وإذا انتهت ولم‏يجد المالك تخيّر بين الاُمور الثلاثة المتقدمة أو يوكل الأمر فى ذلك الى الحاكم.

٩ ـ وأمّا أنّ المناسب دفع اللقطة ـ إذا اُريد التصدق بها ـ الى خصوص الفقراء ، فباعتبار أنّ المتبادر من مفهوم التصدق لزوم الفقر فى المتصدق عليه ، ولا أقلّ من الشك فى صدقه بدون ذلك ، فيلزم الاحتياط بعد عدم إمكان التمسك بالإطلاق ، لأنّه تمسك به فى الشبهة المصداقية ، وهو غير جائز.

١٠ ـ وأمّا اعتبار الدفع الى الغير وعدم الاكتفاء باحتساب الملتقط اللقطة صدقة على نفسه ، فلأن ظاهر طلب التصدق فى مثل صحيحة ابراهيم بن عمر المتقدمة في رقم ٢ هو المغايرة ، وأنّه تصدّق على الغير.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ٣ / ٤٢٤ ، باب ٣ من ابواب مكان المصلي ، حديث ١.

٢ ـ جواهر الكلام : ٣٨ / ٣٦٨.

٧١

أحكام اللقيط

يجب أخذ الطفل الضائع إذا خيف عليه التلف ورعايته والانفاق عليه سواء علم بتعمد أهله لنبذه عجزاً عن تربيته أو خوفاً من الفضيحة أو لغير ذلك أم علم بضياعه عن أهله أم علم بهلاك أهله وبقائه وحده أم جهل حاله.

ولا فرق فى كونه طفلاً رضيعاً أو أكبر من ذلك مادام هو بحاجة ماسّة الى من يتكفّل شؤونه.

والمتلقط أحق باللقيط من غيره الى أن يبلغ ، فإن له الحق آنذاك فى أن يوالى من شاء بعد أن يرد على الملتقط كل ما أنفق عليه.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا لزوم أخذ الطفل الضائع إذا خيف عليه التلف ، فلأنّه بعد كونه نفساً محترمة فالتحفظ عليه يكون واجباً بالضرورة.

وأمّا عدم الفرق بين كون الطفل رضيعاً أو أكبر من ذلك ، فلعموم النكتة المقدمة.

٢ ـ وأمّا أنّ الملتقط أحق من غيره مادام اللقيط لم‏يبلغ ، فلأنّ الأسبقية نفسها تمنح صاحبها حقاً بالسيرة العقلائية الممضاة من خلال عدم ثبوت الردع عنها.

هذا مضافاً الى إمكان استفادة ذلك من صحيحة عبدالرحمن العزرمى عن أبيعبدالله عن أبيه عليهما‌السلام : « المنبوذ حر ، فإذا كبر فإن شاء توالى الى الذى التقطه وإلاّ فليرد عليه النفقة وليذهب فليوال من شاء » (١) الدالة على لزوم ردّ النفقة بعد البلوغ إذا أراد أن يوالى الغير.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٣٧١ ، باب ٢٢ من ابواب اللقطة ، حديث ٣.

٧٢

من أحكام مجهول المالك :

عنوان اللقطة لايرادف عنوان مجهول المالك.

وحكم اللقطة ما تقدم ، بينما حكم المال المجهول مالكه هو الفحص عنه الى حدّ اليأس ـ من دون تقيد بفترة سنة ـ فإن تحقق تصدّق به.

وإذا كان المالك معلوماً وتعذر الوصول اليه وكسب الاجازة منه لتحديد كيفية التصرف ، فحكمه حكم المال المجهول مالكه.

وعليه فمن أخذ قلماً أو مسبحة أو غير ذلك من الغير لقضاء حاجة ولم‏يعرف ممن أخذ ذلك ، أو كان يعرفه ولكن لايعرف خبره ، فحكمه حكم مجهول المالك دون اللقطة.

وهكذا الحال فيمن أودع بعض أثاث بيته فى دار شخص وسافر من دون أن يعرف خبره ، فإنّه يلزمه تطبيق حكم مجهول المالك عليه دون اللقطة. وهكذا الحال فى سائر الامثلة التى لايكون فيها عنوان الضياع متحققاً.

ومن خلال هذا يتضح الحال فيمن تبدل حذاؤه أو عباءته اشتباهاً ، فإنّه يجرى فى مثل ذلك حكم مجهول المالك ، ولايجوز التصرف إلاّ مع احراز رضا المالك. وفى جواز المقاصة اشكال خصوصاً إذا كان الاشتباه منه لا من الغير.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا أن عنوان اللقطة عنوان آخر يغاير عنوان مجهول المالك ، فواضح ، إذ اللقطة فرد من أفراد مجهول المالك. ولا تصدق عرفاً إلاّ مع الضياع. وقد رتب عليها شرعاً حكم خاص ، وهو وجوب الفحص عن المالك لفترة سنة ثم مع عدم العثور عليه يتخير بين اُمور ثلاثة حسبما تقدم حتى مع فرض عدم اليأس من العثور عليه ،

٧٣

وهذا بخلاف عنوان مجهول المالك ـ غير اللقطة ـ فإن الفحص عن مالكه لازم من دون تقيد بفترة سنة ، بل المدار ـ حسبما هو المختار لجملة من الأصحاب ، وتدل عليه بعض الروايات الآتية ـ على اليأس عنه ، ومع تحققه لايتخير بين الاُمور الثلاثة ، بل يتعين التصدق.

٢ ـ وأمّا الفرق بين اللقطة ومجهول المالك فى الحكم ، فمستنده :

أما بالنسبة الى اللقطة ، فهو ما تقدم من الروايات.

وأمّا بالنسبة الى مجهول المالك ، فهو ما يظهر من بعض الروايات ، كصحيحة يونس بن عبدالرحمن : « سئل أبوالحسن الرضا عليه‌السلام وأنا حاضر ... رفيق كان لنا بمكة فرحل منها الى منزله ورحلنا الى منازلنا ، فلما أن صرنا فى الطريق أصبنا بعض متاعه معنا فأى شيء نصنع به؟ قال : تحملونه حتى تحملوه الى الكوفة. قال : لسنا نعرفه ولانعرف بلده ولا نعرف كيف نصنع؟. قال : إذا كان كذا فبعه وتصدق بثمنه. قال له : على من جعلت فداك؟ قال : على أهل الولاية » (١) ، وصحيحة معاوية بن وهب عن أبى عبدالله عليه‌السلام : « رجل كان له على رجل حق ففقده ولايدرى أين يطلبه ، ولايدري أحيّ هو أم ميّت ، ولايعرف له وارثاً ولانسباً ولاولداً. قال : اطلب. قال : فإن ذلك قد طال فأتصدق به؟ قال : اطلبه ». (٢)

بل يمكن التمسك لإثبات وجوب الفحص فى مجهول المالك الى حدّ اليأس

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٣٥٧ ، باب ٧ من ابواب اللقطة ، حديث ٢.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٥٨٣ ، باب ٦ من ابواب ميراث الخنثي ، حديث ٢ ؛ ايضاً فى الباب ٢٢ من ابواب الدين والقرض : ١٣ / ١١٠.

وسند الصحيحة الذى سجّله الحر فى الوسائل ضعيف ـ لعدم ثبوت وثاقة ابن عون وأبى ثابت ـ إلاّ أن هناك سندا آخر صحيحاً اشار اليه الشيخ فى تهذيبه : ٦ / ١٨٨.

٧٤

بقوله تعالي : ( إنّ اللّه‏ يأمركم أن تؤدّوا الأمانات الى أهلها ) (١) ، فان الفحص مقدمة للاداء المأمور به.

٣ ـ وأمّا تعميم حكم مجهول المالك للمال المعلوم مالكه مع تعذر الوصول اليه ، فباعتبار أن مورد الروايات السابقة هو معلوم المالك وإنّما تعدّينا الى مجهول المالك باعتبار الغاء الخصوصية عرفاً.

٤ ـ وأمّا اعتبار تعذر كسب الاجازة من المالك المعلوم ، فباعتبار أنّه لايجوز التصرف فى مال الغير بدون طيب نفسه ، فاذا أمكن كسب الاجازة فى تحديد كيفية التصرف فلايجوز من دونه.

٥ ـ وأمّا الحكم المذكور لتبدل العباءة أو الحذاء ، فواضح ، إذ مع احراز رضا المالك بالتصرف بنحوٍ خاص فلاتعود مشكلة ، ومع عدم احراز ذلك يلزم تطبيق حكم مجهول المالك.

٦ ـ واما وجه الاشكال فى جواز المقاصة فباعتبار ان مستندها خاص بمورد التعمد والمفروض فى محل كلامنا هو الاشتباه ، فلاحظ صحيحة داود بن رزين : « قلت لأبى الحسن موسى عليه‌السلام : إنى اُخالط السلطان فتكون عندى الجارية فيأخذونها والدابة الفارهة فيبعثون فيأخذونها ، ثم يقع لهم عندى المال فلى أن آخذه؟ قال : خذ مثل ذلك ولا تزد عليه ». (٢)

وأمّا أوضحية الاشكال فى جواز المقاصة فى حالة كون الاشتباه من الشخص نفسه دون الغير ، فباعتبار أنّ مستند جواز المقاصة على تقدير عمومه لحالة الاشتباه خاص بما إذا كان الاشتباه من الغير لا من الشخص نفسه.

__________________

١ ـ النساء : ٥٨.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ٢٠١ ، باب ٨٣ من ابواب ما يكتسب به ، حديث ١.

٧٥
٧٦

كتاب الغصب

اسباب الضمان

الغصب والاحكام الثابتة له

من احكام الغصب

٧٧
٧٨

١ ـ اسباب الضمان

ذكرت للضمان اسباب متعدّدة ، نذكر من بينها :

١ ـ اليد ، فمن استولى على مال الغير بدون رضاه ولاولاية شرعية له عليه ، كان ضامناً.

ويصطلح على ذلك بالضمان لقاعدة على اليد. والضمان فى باب الغصب ثابت من هذه الناحية.

٢ ـ الإتلاف ، فمن أتلف مال غيره كان له ضامناً حتى لو لم يكن صاحبَ يدٍ عليه ، كمن رمي زجاجة الغير بحصاة وكسرها.

ويصطلح على ذلك بالضمان لقاعدة الإتلاف.

٣ ـ الغرور ، فمن غرَّ غيره وأوقعه فى الخسارة كان استقرار الضمان عليه ، فلو فرض إن شخصاً قدّم طعاماً الى غيره موحياً له انه ملكه واباح له أكله ، فأكله واتضح بعد ذلك انه ملك شخص ثالث ، فمن حق الثالث الرجوع على الا آكل لقاعدة الإتلاف ولكن من حق الا آكل ايضاً الرجوع على الاول لانه غرَّه.

ويصطلح على ذلك بالضمان لقاعدة الغرور.

٤ ـ التسبيب ، فلو ان شخصاً سبّب لثانٍ الوقوع فى خسارة كان ضامناً ، كما اذا نجّس شخص قطعة فرش لغيره وكان تطهيرها بحاجة الى أجرة ، ضمن المنجّس ذلك ، كما يلزمه

٧٩

ضمان النقص الطاري‏ء على العين بسبب التطهير لو فرض نقصان قيمتها بذلك.

ويصطلح على ذلك بالضمان لقاعدة التسبيب او كما جاء فى لسان القدماء لقاعدة السبب اقوى من المباشر.

٥ ـ الامر بالعمل ، فانّ من أمر غيره بعمل معين كان له ضامناً اذا ادّاه ذلك الغير ولم‏يقصد به التبرع ، فلو قال شخص للحمّال : « احمل متاعى الى البيت » او قال للبنّاء : « ابنِ داري » ، كان ضامناً لأجرة المثل.

٦ ـ احترام عمل المسلم.

٧ ـ الاقدام على الضمان.

والمستند فى ذلك :

١ ـ اما قاعدة على اليد ، فقد يتصوّر ان مدركها هو الحديث المنقول عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله : « على اليد ما اخذت حتّى تؤدّي ».

الا ان ذلك ضعيف ، فانّه لا اثرله فى معاجمنا الحديثية المعروفة الا ما سجلّه الأحسائى فى عواليه بشكل مرسل(١) ونقله عنه المحدّث النورى فى مستدركه. (٢)

نعم تمسك به فقهاؤنا كثيراً فى كتبهم الفقهيّة الإستدلالية ، وأوّل من تمسّك به شيخ الطائفة فى خلافه. (٣)

ولعل المصدر الأصلى له هو المعاجم الحديثية للجمهور ، فقد رواه كثير منهم

__________________

١ ـ عوالى اللآلي : ١ / ٢٢٤ ، حديث ١٠٦.

٢ ـ مستدرك الوسائل : ١٧ / ٨٨.

٣ ـ الخلاف ، كتاب الغصب ، مسألة ٢٢.

٨٠