دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٤

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: توحيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٨١

قالا فى ذبائح أهل الكتاب : « فاذا شهدتموهم وقد سمّوا اسم الله فكلوا ذبائحهم ، وإن لم‏تشهدوهم فلاتأكلوا ، وإن أتاك رجل مسلم فأخبرك أنّهم سمّوا فكُل » (١) وغيرها.

د ـ ما دلَّ على عدم الحلية حتى مع التسمية ، كرواية زيد الشحّام : « سئل ابوعبدالله عليه‌السلام عن ذبيحة الذمي ، فقال : لاتأكله إن سمّى وان لم ‏يسمِّ » (٢) ، وموثقة الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام : « إنّ علياً عليه‌السلام كان يقول : كلوا من طعام المجوس كلّه ما خلا ذبائحهم ، فإنّها لاتحل وإن ذكر اسم الله عليها ». (٣)

إلاّ ان هذه الطائفة لابدَّ من حذفها من الحساب لضعف سند الاُولى بالمفضل بن صالح الذى لم‏يوثق بل ضُعِّف ، واختصاص الثانية بالمجوسى الذى يحتمل أن يكون النهى عن ذبيحته من باب أنّه ليس من أهل الكتاب.

وعليه نبقى نحن والطوائف الثلاث الاُولي. والجمع بينها ممكن ، فإنّه بقرينة الطائفة الثالثة تحمل الطائفة الاُولى على حالة عدم تحقق التسمية والثانية علي حالة تحققها.

فمقتضى الصناعة على هذا هو التفصيل بين حالة تحقق التسمية من الكتابى وحالة العدم ، فيحكم بالحلّ فى الأوّل دونه فى الثاني.

إلاّ أنّ الشهرة بين الأصحاب على عدم الحلّ مطلقاً تحول دون جزم الفقيه بالتفصيل المذكور وتفرض عليه التنزّل الى الاحتياط فى الفتوي.

٥ ـ وأمّا عدم جواز الذبح إلاّ بالحديد ، فلم‏يعرف فيه خلاف. وتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم : « سألت أباجعفر عليه‌السلام عن الذبيحة بالليطة وبالمروة ، فقال : لا ذكاة إلاّ

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ٣٥٢ ، باب ٢٧ من ابواب الذبائح ، حديث ٣٤.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ٣٤٦ ، باب ٢٧ من ابواب الذبائح ، حديث ٥.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ٣٤٨ ، باب ٢٧ من ابواب الذبائح ، حديث ١٢.

١٢١

بحديدة » (١) ، وصحيحة عبدالرحمن بن الحجاج المتقدمة فى رقم (٣) وغيرهما.

وإذا قيل : لِمَ لا تفسر الحديد بكل فلز حادّ بقرينة جعل المقابلة بين الليطة والمروة وبين الحديد؟

قلنا : هذا مجرد احتمال ، وهو ليس حجة ما دام لم‏يرتقِ الى مستوى الظهور ، فإنّ الحجة هو الظهور دون مجرد الاحتمال.

وينبغى الالتفات الى أنّه قد تداول فى زماننا صنع السكاكين من الاستيل ، وقد وقع الكلام فى كونه مصداقاً للحديد كى يجوز الذبح به أو لا.

والمنقول عن بعض أهل الخبرة أنّه حديد مصفّى مشتمل على خليط من مواد اُخرى كالحديد نفسه فإنّه مشتمل على مواد اُخرى أيضاً. وعلى هذا لابدَّ من ملاحظة نسبة الخليط فى الاستيل ، فإذا كانت مقاربة لنسبته فى الحديد المتعارف ـ ولعل الغالب هو ذلك ـ جاز الذبح به.

٦ ـ وأمّا عدم حلّية الحيوان مع ذبحه بغير الحديد عمداً ، فلأنّ ذلك لازم نفى الذكاة إلاّ مع الحديد.

٧ ـ وأمّا جواز الذبح بغير الحديد إذا لم‏يمكن الذبح به ، فممّا لا إشكال فيه. وتدل عليه صحيحة ابن الحجاج المتقدمة فى رقم (٣) وغيرها.

٨ ـ وأمّا اعتبار ذكر اسم الله سبحانه حين الذبح ، فهو ممّا لا خلاف فيه. ويدل عليه قوله تعالي : ( فكلوا ممّا ذكر اسم الله عليه(٢) ) ، وقوله تعالي : ( ولاتأكلوا ممّا

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ٣٠٧ ، باب ١ من ابواب الذبائح ، حديث ١.

والليطة بفتح اللام : القشر الظاهر من القصبة. والمروة : الحجر الحادّ.

٢ ـ الأنعام : ١١٨.

١٢٢

لم‏ يذكر اسم الله عليه(١) ) ، وصحيحة محمد بن مسلم : « سألت أباجعفر عليه‌السلام عن الرجل يذبح ولايسمّى قال : إن كان ناسياً فلا بأس إذا كان مسلماً وكان يحسن أن يذبح ولا ينخع ولا يقطع الرقبة بعد ما يذبح » (٢) وغيرها.

أجل ، مع تركها نسياناً لاتحرم للصحيحة المذكورة وغيرها ، وهذا بخلاف تركها جهلاً ، فإنّها تحرم لإطلاق دليل الشرطية ، ولاستفادة ذلك من تقييد نفى البأس في الصحيحة بالنسيان.

وهل تلزم العربية فى الذكر؟ مقتضى إطلاق أدلة اعتبار الذكر عدمه ، وإن كان ذلك هو المناسب للاحتياط.

٩ ـ وأمّا اعتبار استقبال القبلة بالذبيحة ، فهو مورد لتسالم الأصحاب. وتدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن أبيجعفر عليه‌السلام : « سألته عن الذبيحة ، فقال : استقبل بذبيحتك القبلة » (٣) وغيرها.

أجل ، إنّ الشرطية تختص بحالة الالتفات ولاتعم حالة النسيان والجهل والاضطرار ، لصحيحة الحلبى عن أبيعبدالله عليه‌السلام : « سئل عن الذبيحة تذبح لغير القبلة فقال : لا بأس إذا لم‏ يتعمد » (٤) وغيرها ، فإنّ التعمد لايصدق فى الحالات المتقدمة.

١٠ ـ وأمّا اعتبار قصد الذبح فهو معروف فى كلمات الأصحاب. وعلّله الشيخ النراقى بـ « أن المتبادر من الذبح المحلل هو الصادر من القاصد ». (٥)

__________________

١ ـ الأنعام : ١٢١.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ٣٢٦ ، باب ١٥ من ابواب الذبائح ، حديث ٢.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ٣٢٤ ، باب ١٤ من ابواب الذبائح ، حديث ١.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ٣٢٥ ، باب ١٤ من ابواب الذبائح ، حديث ٣.

٥ ـ مستند الشيعة : ١٥ / ٣٨٩.

١٢٣

ولعل الأنسب من ذلك أن يقال : إن التذكية المحللة للأكل قد نسبت الى الفاعل فى قوله تعالي : ( إلاّ ما ذكيتم(١) ) ، والمفهوم عرفاً من نسبة المادة الى الفاعل صدورها منه بالاختيار والقصد ، فلو قيل : « أكل فلان الطعام » فالمفهوم أنّه أكله عن قصد واختيار ، وهذا الانصراف إن لم‏يجزم به فى كلمة « ذكيتم » فلا أقلّ من كونه محتملاً ، ومعه يشك فى تحقق التذكية المعتبرة شرعاً ، والأصل عدمه.

١١ ـ وأمّا اعتبار خروج الدم ، فيمكن استفادته من صحيحة زيد الشحام المتقدمة ، حيث ورد فيها : « اذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس » وغيرها.

وأمّا اعتبار كونه بالمقدار المتعارف فلأنّ ذلك هو المنصرف من جملة : « وخرج الدم ».

وأمّا اعتبار الحركة ، فلصحيحة الحلبى عن أبي عبدالله عليه‌السلام : « سألته عن الذبيحة فقال : إذا تحرك الذنب أو الطرف أو الأذن فهو ذكي » (٢) وغيرها.

وقد يقال : إنّ الجمع بين الطائفتين يقتضى اعتبار كلا الأمرين : الحركة وخروج الدم.

١٢ ـ وأمّا اعتبار عدم تثاقل الدم فى خروجه ، فتدل عليه صحيحة بكر بن محمد : « كنت عند أبيعبدالله عليه‌السلام إذا جاءه محمد بن عبدالسلام ، فقال له : جعلت فداك يقول لك جدي : ان رجلاً ضرب بقرة بفأس فسقطت ثم ذبحها ... فإن كان الرجل الذى ذبح البقرة حين ذبح خرج الدم معتدلاً فكلوا وأطعموا ، وإن كان خرج خروجاً متثاقلاً فلاتقربوه ». (٣) والدلالة واضحة.

__________________

١ ـ المائدة : ٣.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ٣٢٠ ، باب ١١ من ابواب الذبائح ، حديث ٣.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ٣٢١ ، باب ١٢ من ابواب الذبائح ، حديث ٢.

١٢٤

١٣ ـ وأمّا عدم جواز قطع رأس الذبيحة قبل أن تخرج روحها ، فقد صار اليه جمع من الأصحاب لصحيحة محمد بن مسلم ـ المتقدمة فى رقم (٨) عند البحث عن التسمية ـ وغيرها.

هذا ولكن المنسوب الى كثير من الأصحاب الكراهة ، بل عن الشيخ فى خلافه دعوى الإجماع على ذلك(١) ، ومن هنا يكون المناسب التنزل من الفتوى بالتحريم الى الاحتياط.

وأمّا نخع الذبيحة ، فتدل على النهى عنه الصحيحة المتقدمة ، بَيْدَ أنّ المشهور بين الاصحاب على ما قيل هو الكراهة (٢) ، بل عن الشيخ فى مبسوطه نفى الخلاف عن ذلك(٣) ، ومعه يكون المناسب التنزّل الى الاحتياط أيضاً.

ثم إنّه بناءً على تحريم إبانة الرأس والانخاع هل تحرم الذبيحة بذلك؟ اختار جمع من الأصحاب ذلك بدعوى أنّ الذبح الشرعى هو عبارة عن قطع الأوداج الأربعة فقط ، فإذا اُضيف شيء على ذلك خرج الذبح عن كونه ذبحاً شرعياً ، فلايكون مبيحاً ، ويجرى ذلك مجرى ما لو قطع عضو من أعضاء الحيوان فمات بسبب انضمام ذلك. (٤)

وفيه : انّ مقتضى ما دلَّ على جواز الأكل عند فرى الأوداج أو خصوص الحلقوم عدم اشتراط حلية الأكل بما زاد على ذلك. أجل ، بالنسبة الى الذكر والاستقبال وغير ذلك خرج بالدليل المقيد. وأما بالنسبة الى الإبانة والانخاع فحيث

__________________

١ ـ جواهر الكلام : ٣٦ / ١٢١.

٢ ـ لاحظ : مجمع الفائدة والبرهان : ١١ / ١٣٠.

٣ ـ جواهر الكلام : ٣٦ / ١٣٥.

٤ ـ لاحظ : جواهر الكلام : ٣٦ / ١٢٣.

١٢٥

لايدل دليل تحريمها على تحريم الأكل ، فيعود ذلك مشمولاً للإطلاق المتقدم.

هذا كله فى حالة تعمّد الإبانة والانخاع ، وإلاّ فلا إشكال فى عدم التحريم التكليفى والوضعى لموثقة الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن على عليهم‌السلام : « اذا أسرعت السكين فى الذبيحة ، فقطعت الرأس فلا بأس بأكلها » (١) وغيرها.

هذا بناءً على كون كلمة « السكين » فاعلاً ، وأما بناءً على كونها مفعولاً ، فيستفاد نفى الحرمة الوضعية حتى فى حالة التعمد.

١٤ ـ وأمّا أنّ الذبح بالمكائن الحديثة جائز مع اجتماع الشروط المتقدمة ، فللتمسك بإطلاق ما دلّ على حلية الحيوان بالتذكية أو بفرى الأوداج. ولايتصور وجود مانع من حلية الحيوان إلاّ :

أ ـ عدم وضعه على الأرض حالة ذبحه.

ب ـ عدم استقرار الحياة الطبيعية فيه بسبب توجيه الشحنة الكهربائية اليه ليخمد عن الاضطراب والتحرك.

ج ـ عدم تحقق الذبح بالسكين.

د ـ عدم مقارنة ذكرالله‏سبحانه عند ذبح كل حيوان ، بل قد يتخلل فاصل في البين.

ذ ـ عدم تحقق ذكر الله سبحانه من الذابح باعتبار عدم وجود ذابح فى البين.

والكل لايصلح للمانعية.

أما الأول : فلعدم اعتبار وضع الحيوان على الأرض حالة تذكيته لعدم الدليل على ذلك ، بل هو منفى بإطلاق ما دلَّ على الحلية عند تحقق فرى الأوداج.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ٣١٦ ، باب ٩ من ابواب الذبائح ، حديث ٦.

١٢٦

وأمّا الثاني : فلعدم الدليل على اعتبار استقرار الحياة بشكلها الطبيعي ، بل ذلك منفى بالإطلاق المتقدم.

وأمّا الثالث : فلعدم اعتبار السكين بعنوانه ، بل يكفى مطلق الحديد.

وأمّا الرابع : فلأن الفاصل الزمنى إذا كان قليلاً ولم‏يكن مانعاً عرفاً من صدق ذكر اسم الله عند ذبح الحيوان فلا مشكلة.

وأمّا الخامس : فباعتبار أنّ من يضغط على الزر الكهربائى يصدق عليه عرفاً عنوان الذابح ، فإذا ذكر اسم الله ذلك الحين وكان مسلماً حسب الفرض فلاتبقي مشكلة.

ب ـ النحر

تختص الإبل من بين بقية الحيوانات بأنّ تذكيتها لاتتحقق إلاّ بالنحر ، وذلك بطعن الآلة الحديدية فى لبّتها (١) ، سواء كان ذلك حالة قيامها أم فى غيرها من الحالات.

ولابدَّ من تحقق جميع الشرائط المتقدمة غير الأول منها.

والنحر خاص بالإبل ولاتتحقق التذكية به فى بقية الحيوانات.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا أنّ التذكية فى الإبل تتحقق بالنحر ، فهو ممّا لا إشكال فيه. وتدل عليه الروايات المذكورة فى باب الحج وأنّ صاحب البدنة ينحرها ، كصحيحة محمدبن‏مسلم عن أبيجعفر عليه‌السلام : « سألته عن البدنة تنتج أيحلبها؟ قال : احلبها حلباً

__________________

١ ـ اللبة : الموضع المنخفض فى اعلى الصدر متصلاً بالعنق.

١٢٧

غير مضر بالولد ، ثم انحرهما جميعاً ... » (١) وغيرها.

وكذلك لا إشكال فى أنّ تذكية غير الإبل لا تتحقق بالنحر ، وذلك لأمرين :

أ ـ الاصل ، حيث يشك فى تحقق التذكية بالنحر ، والأصل عدمها.

ب ـ صحيحة صفوان : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن ذبح البقر من المنحر ، فقال : للبقر الذبح ، وما نحر فليس بذكي » (٢) وغيرها.

وإنّما الاشكال فى وجه عدم جواز تذكية الابل بالذبح بعد شمول إطلاق أدلة تحقق التذكية بفرى الأوداج لها. ولا دليل يمكن التمسك به لتقييد الإطلاق المذكور سوي :

أ ـ التمسك بمثل صحيحة معاوية بن عمار : « قال أبوعبدالله عليه‌السلام : النحر فى اللبّة ، والذبح فى الحلق ». (٣)

وفيه : انّها تدلّ على أنّ بعض الحيوانات تتحقق فيه التذكية بالنحر ولاتدلّ علي أنّ هذا البعض لاتتحقق فيه التذكية بغير النحر.

ب ـ التمسك بقوله تعالي : ( فصل لربّك وانحر ) (٤) ، فإنّه ظاهر فى وجوب النحر وتعيّنه ، وحيث لايجب نحر غير الإبل فيثبت وجوب النحر فيها وتعينه.

وفيه : انّ من المحتمل أن يكون المقصود من الأمر فى كلمة « وانحر » رفع اليدين بالتكبير حالة الصلاة ، كما دلت على ذلك بعض الأخبار. (٥)

__________________

١ ـ وسائل الشيعة ، باب ٣٤ من ابواب الذبح ، حديث ٧.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ٣١٢ ، باب ٥ من ابواب الذبائح ، حديث ١.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ٣٠٩ ، باب ٣ من ابواب الذبائح ، حديث ١.

٤ ـ الكوثر : ٢.

٥ ـ وسائل الشيعة : ٤ / ٧٢٥ ، باب ٩ من ابواب تكبيرة الاحرام.

١٢٨

ج ـ التمسك برواية الشيخ الصدوق : « قال الصادق عليه‌السلام : كل منحورٍ مذبوحٌ حرام ، وكل مذبوحٍ منحورٌ حرام » (١) ، فإنّه يدل على أنّ ما ينحر يحرم إذا ذبح ، وحيث إنّ الذى ينحر هو الإبل فيلزم أن تكون حراماً لو ذبحت.

وفيه : انّ السند ضعيف بالارسال ، وعليه فالحكم بتعيّن النحر فى الإبل مشكل. ومن هنا مال الشيخ الأردبيلى الى جواز الذبح فيها بمقتضى الصناعة وإن احتاط باعتبار أنّه طريق السلامة. (٢)

٢ ـ وأمّا أنّ النحر يتحقق بطعن السكين ونحوها فى اللبّة ، فهو ممّا لا إشكال فيه. وتدل عليه صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة.

وأمّا جواز النحر فى حال القيام وغيره ، فلإطلاق الصحيحة المتقدمة وغيرها.

٣ ـ وأمّا أنّه لابدَّ من توفر جميع شرائط التذكية المتقدمة ما عدا الأول منها ، فباعتبار إطلاق أدلة اعتبارها وعدم اختصاصها بما إذا كانت التذكية بالذبح فلاحظ.

ج ـ الاصطياد

تتحقق التذكية بالاصطياد فى ثلاثة من الحيوانات : الحيوان الوحشى طيرٍ أو غيره ، والسمك ، والجراد.

الحيوان الوحشى

لا تتحقق التذكية فى الحيوان الوحشى بالاصطياد إلاّ إذا كانت وسيلة ذلك أحد أمرين : كلب الصيد أو السلاح.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ٣١٣ ، باب ٥ من ابواب الذبائح ، حديث ٣.

٢ ـ مجمع الفائدة والبرهان : ١١ / ٩٩.

١٢٩

الاصطياد بالكلب

أما كلب الصيد فعضّه للحيوان وجرحه له هو بمنزلة ذبحه. ولاتتحقق به الذكاة إلاّ إذا توفرت الاُمور التالية :

١ ـ أن يكون الكلب مُعلَّما للاصطياد. ويتحقق ذلك فيما إذا كان ينبعث إذا بعثه صاحبه وينزجر إذا زجره.

٢ ـ أن لايأكل ما يمسكه إلاّ نادراً.

٣ ـ ذكر الله سبحانه عند الارسال.

٤ ـ ارساله للاصطياد ، فلاتتحقق الذكاة لو استرسل بنفسه.

٥ ـ أن يكون المرسل مسلماً.

٦ ـ استناد موت الحيوان الى جرح الكلب ، أما إذا استند الى سبب آخر من تعب أو اصطدام ونحو ذلك فلايحل.

٧ ـ عدم ادراك صاحب الكلب الحيوان حيّاً مع تمكّنه من ذبحه ، بأن يدركه ميتاً أو حيّاً فى زمان لايسع لذبحه.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا أنّ الاصطياد لاتتحقق به التذكية إلاّ فى الثلاثة المتقدمة ، فلوجهين :

أ ـ انّ النصوص الشرعية قد دلّت على تحقق تذكية الثلاثة بالاصطياد ، ويبقي غيرها مشمولا لإصالة عدم تحقق التذكية لو اصطيد وشك فى تحقق التذكية بذلك.

ب ـ انّ عنوان الاصطياد لايصدق إلاّ بلحاظ الحيوان الوحشى ولايصدق بلحاظ الأهلى كالبقر والدجاج وما شاكل ذلك.

١٣٠

والفارق بين الوجهين أنّه على الثانى يجزم بعدم تحقق التذكية ، فلاتصل النوبة الى أصالة عدم التذكية ، بخلافه على الأول ، فإنّه يفترض الشك فى تحقق التذكية فتصل النوبة الى ذلك.

٢ ـ وأمّا أنّ التذكية بالاصطياد لاتتحقق إلاّ إذا كانت الوسيلة هى كلب الصيد دون بقيه الجوارح ، فلوجهين أيضاً :

أ ـ أن الدليل قد دلَّ على تحقق التذكية بما ذكر ويشك فى تحققها بغير ذلك ، فيتمسك بأصالة عدم التذكية.

ب ـ أنّ الروايات قد دلّت على انحصار وسيلة التذكية بكلب الصيد ، كما في صحيحة أبيعبيدة الحذّاء عن أبيعبدالله عليه‌السلام : « ... قلت : فالفهد؟ قال : ان أدركت ذكاته فكل. قلت : أليس الفهد بمنزلة الكلب؟ قال : لا ، ليس شيء يؤكل منه مكلب (١) إلاّ الكلب » (٢) وغيرها.

بل قد يستفاد ذلك من قوله تعالي : ( قل اُحلَّ لكم الطيبات وما علّمتم من الجوارح مكلّبين تعلّمونهن مما علّمكم الله فكلوا ممّا أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه ) (٣) ، فإنّ تقييد الجوارح بقيد « مكلّبين » (٤) قد يفهم منه أنّ مطلق الجوارح لايجوز الاصطياد بها ، بل بخصوص الكلاب التى قد دربت على الاصطياد.

إلاّ أنّ فى مقابل ذلك روايات دلّت على تحقق التذكية بغير الكلب أيضاً كصحيحة زكريا بن آدم : « سألت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام عن الكلب والفهد يرسلان

__________________

١ ـ اى مدرب على الاصطياد.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ٢٥٩ ، باب ٦ من ابواب الصيد ، حديث ١.

٣ ـ المائدة : ٤.

٤ ـ أى مدربين للكلب على الاصطياد.

١٣١

فيقتل فقال : هما ممّا قال الله : ( مكلّبين ) فلا بأس بأكله » (١) وغيرها.

وحيث إنّ التعارض بين الطائفتين مستقر فيلزم إعمال المرجحات ، وبما أنّ الاُولى هى الموافقة للكتاب الكريم بناءً على تمامية دلالته ، فيلزم ترجيحها. ومع التنزل يلزم ترجيحها أيضاً للزوم حمل الثانية على التقية بقرينة صحيحة الحلبي : « قال أبوعبدالله عليه‌السلام : كان أبى عليه‌السلام يفتى وكان يتّقى ونحن نخاف فى صيد البزاة والصقورة ، وأما الآن فإنّا لانخاف ولايحلّ صيدها إلاّ أن تدرك ذكاته ... » (٢) وغيرها.

ومن خلال هذا يتضح التأمل فى ما ينسب الى ابن أبى عقيل من جواز الاصطياد بغير الكلاب من السباع المعلّمة كالفهد والنمر وغيرهما. (٣)

هذا كله بالنسبة الى الاصطياد بالكلب.

وأما الاصطياد بالسلاح ، فيأتى البحث عنه مستقلاًّ إن شاء الله تعالي.

٣ ـ وأمّا اعتبار أن يكون الكلب مُعلَّما فهو ممّا لا خلاف فيه. ويدل عليه الوجهان التاليان :

أ ـ التمسك بالآية الكريمة المتقدمة ، حيث قيدت الجوارح بما إذا كانت مكلَّبة وقد عُلّمت. والتكليب هو تدريب الكلب على الاصطياد.

ب ـ التمسك بصحيحة أبيعبيدة الحذّاء : « سألت أباعبدالله عليه‌السلام عن الرجل يسرّح كلبه المعلّم ويسمّى إذا سرّحه ، قال : يأكل ممّا أمسك عليه ، فإن أدركه قبل قتله ذكّاه ، وإن وجد معه كلباً غير معلّم فلا يأكل منه » (٤) وغيرها.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ٢٦٠ ، باب ٦ من ابواب الصيد ، حديث ٤.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ٢٦٤ ، باب ٩ من ابواب الصيد ، حديث ٣.

٣ ـ جواهر الكلام : ٣٦ / ٩.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ٢٥٠ ، باب ١ من ابواب الصيد ، حديث ٢.

١٣٢

٤ ـ وأمّا أنّ كون الكلب مُعلَّما يتحقق بما ذكر ، فليس ذلك لتحديد شرعي ، بل لأنّ المفهوم عرفاً من كون الكلب مُعلَّما هو ذلك.

٥ ـ وأمّا اعتبار أن لايأكل ما يمسكه إلاّ نادراً ، فهو المشهور بين الأصحاب. واستدل له بمايلي :

أ ـ التمسك بأصالة عدم تحقق التذكية فيما إذا كان الكلب معتاداً على أكل ما يمسكه.

وفيه : انّ الأصل لا مجال له بعد اطلاق مثل قوله تعالي : ( قل اُحلَّ لكم الطيبات وما علّمتم من الجوارح مكلّبين ... ) (١).

ب ـ أن عنوان المعلّم لايصدق مع الأكل بنحو معتاد.

وفيه : انّ ذلك وجيه لو كان أكله المعتاد لمجموع الحيوان أو لغالبه ، أما إذا كان لجزءٍ يسير منه فلايضر ذلك بصدق العنوان المذكور.

ج ـ التمسك بقوله تعالي : ( فكلوا ممّا أمسكن عليكم ) (٢) ، فإنّ الإمساك علينا لايتحقق مع اعتياد الأكل.

وفيه : انّ ذلك لايصدق لو فرض أكل الكلب لجميع الحيوان دون ما لو أبقي بعضه أو غالبه.

د ـ التمسك بالروايات الدالة على ذلك ، كموثقة سماعة : ( سألته عمّا أمسك عليه الكلب المعلّم للصيد ... قال : لا بأس أن تأكلوا ممّا أمسك الكلب ممّا لم‏يأكل الكلب منه ، فإذا أكل الكلب منه قبل أن تدركه فلا تأكل منه ) (٣) وغيرها.

__________________

١ ـ المائدة : ٤.

٢ ـ المائدة : ٤.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ٢٥٥ ، باب ٢ من ابواب الصيد ، حديث ١٦.

١٣٣

وفيه : انّ الروايات المذكورة معارضة بغيرها ، كصحيحة الحلبى عن أبيعبدالله عليه‌السلام : « وأما ما قتله الكلب وقد ذكرت اسم الله عليه فكل منه وإن أكل منه » (١) وغيرها. والتعارض غير مستقر لإمكان الجمع عرفاً بحمل الاُولى على الكراهة بقرينة الثانية.

والنتيجة انّه لا دليل على الشرط المذكور غير أنّ ما صار اليه مشهور الأصحاب هو مقتضى الاحتياط.

٦ ـ وأمّا اعتبار ذكر الله سبحانه عند ارسال الكلب ، فهو ممّا لا خلاف فيه. ويدل عليه قوله تعالي : ( واذكروا اسم الله عليه ) (٢) ، ( ولاتأكلوا ممّا لم يذكر اسم الله عليه ) (٣) ، وصحيحة الحلبي : « قال أبوعبدالله عليه‌السلام : من أرسل كلبه ولم‏يسمِ فلا يأكله » (٤) وغيرها.

وهل يعتبر تحقق الذكر عند الارسال أو يكفى كونه بعده وقبل الإصابة؟ في ذلك خلاف بين الأصحاب. ولايبعد استفادة الأول من الصحيحة المتقدمة.

٧ ـ وأمّا اعتبار ارسال الكلب للاصطياد ولايكفى استرساله من قبل نفسه ، فلم يعرف فيه خلاف. وقد يستدل له بما يلي :

أ ـ التمسك بأصالة عدم التذكية ـ كما صنع فى الجواهر(٥) ـ المقتصر فى الخروج عنها بالمتيقن ، وهو الارسال للصيد.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ٢٥٣ ، باب ٢ من ابواب الصيد ، حديث ٩.

٢ ـ المائدة : ٤.

٣ ـ الانعام : ١٢١.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ٢٧١ ، باب ١٢ من ابواب الصيد ، حديث ٥.

٥ ـ جواهر الكلام : ٣٦ / ٢٧.

١٣٤

وفيه : انّ ذلك لا وجه له بعد ثبوت الإطلاق فى الآية الكريمة وغيرها.

ب ـ التمسك برواية أبيبكر الحضرمى ـ برواية على بن ابراهيم فى تفسيره ـ عن أبيعبدالله عليه‌السلام حيث ورد فى ذيلها : « اذا أرسلت الكلب المعلّم فاذكر اسم الله عليه فهو ، ذكاته ». (١)

وفيه : انّها ضعيفة دلالةً وسنداً.

اما دلالة ، فلأنّها مسوقة لبيان وجوب التسمية عند الارسال لا لبيان وجوب الارسال ووجوب التسمية عنده.

وأمّا سنداً ، فلأنّ الحضرمى ـ عبدالله بن محمد الحضرمى ـ لم‏يوثق إلاّ بناءً علي وثاقة كل من ورد فى أسانيد كامل الزيارة. (٢)

ج ـ التمسك برواية القاسم بن سليمان : « سألت أباعبدالله عليه‌السلام عن كلب أفلت ولم‏يرسله صاحبه ، فصاد ، فأدركه صاحبه وقد قتله ، أيأكل منه؟ فقال : لا » (٣).

وفيه : انّها قابلة للمناقشة دلالةً وسنداً.

أما دلالة ، فلاحتمال أن يكون عدم جواز الأكل من جهة عدم التسمية وليس من جهة عدم الارسال.

وأما سنداً ، فلعدم ثبوت وثاقة القاسم بن سليمان.

د ـ انّ ذكر الله سبحانه حيث إنّه معتبر حين الارسال ، فيلزم لتحقيق مقارنة الارسال للاصطياد ولايكفى استرسال الكلب من قبل نفسه.

وهذا وجيه ، بناءً على اعتبار المقارنة دون ما إذا لم‏نعتبرها ، أو اعتبرناها في

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ٢٥١ ، باب ١ من ابواب الصيد ، حديث ٤.

٢ ـ لاحظ : كتاب دروس تمهيدية فى القواعد الرجالية : ص ١٧٥.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ٢٦٩ ، باب ١١ من ابواب الصيد ، حديث ١.

١٣٥

حالة الارسال دون الاسترسال.

ومن خلال هذا كله يتضح أنّ الحكم باعتبار الشرط المذكور لابدَّ وأن يكون مبنياً على الاحتياط دون الفتوي.

٨ ـ وأمّا اعتبار اسلام المرسل ، فهو المعروف بين الأصحاب. وقد يستدل له بما يلي :

أ ـ انّه من دون اسلام المرسل يشك فى تحقق التذكية ، ومقتضى الأصل عدمها.

وفيه : انّ ذلك وجيه لو لم‏يكن لدينا مثل إطلاق الآية الكريمة المتقدمة.

ب ـ انّ الاصطياد فرد من التذكية ، وحيث يعتبر فيها الاسلام فيعتبر فيه أيضاً.

وفيه : انّ الكبرى لم‏تثبت بنحو الموجبة الكلية ، بل قد تقدم فى التذكية بالذبح وجاهة القول بتحقق التذكية بالذبح من غير المسلم إذا تحقق معه ذكر الله سبحانه.

ج ـ التمسك برواية السكونى عن أبيعبدالله عليه‌السلام : « كلب المجوسى لاتأكل صيده إلاّ أن يأخذه المسلم فيعلّمه ويرسله ... ». (١)

وفيه : انّ الرواية لو تمّت سنداً ولم‏يناقش من ناحية النوفلى ـ الذى لم‏تثبت وثاقته إلاّ من خلال كامل الزيارة ـ فبالامكان المناقشة فى دلالتها ، لاحتمال أن يكون الوجه فى اعتبار إرسال المسلم هو عدم تحقق ذكر الله سبحانه من المجوسي ، أو لعدم الاكتفاء بتدريبه ، وليس لاعتبار الارسال من المسلم بعنوانه.

د ـ التمسك بالشهرة الفتوائية على اعتبار اسلام المرسل.

وهذا وجيه ، بناءً على حجية الشهرة الفتوائية فى إثبات الحكم.

ومن خلال هذا يتضح أنّ الحكم باعتبار اسلام المرسل ـ عند من لايقول بحجية

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ٢٧٣ ، باب ١٥ من ابواب الصيد ، حديث ٣.

١٣٦

الشهرة الفتوائية ـ لابدَّ وأن يكون مبنياً على الاحتياط تحفظاً من مخالفة المشهور بل دعوى عدم الخلاف فى المسألة.

٩ ـ وأمّا اعتبار استناد موت الحيوان الى جرح الكلب فقط دون المجموع منه ومن الضميمة ، فينبغى أن يكون واضحاً باعتبار أنّ الأدلة قد دلت على تحقق التذكية بجرح الكلب ولم‏تدل على تحققه بالمجموع المركب منه ومن الضميمة ، وإذا شك فى تحقق التذكية بذلك فبالامكان التمسك بأصالة عدم التذكية.

١٠ ـ وأمّا اعتبار عدم ادراك الحيوان فى وقت يسع لتذكيته ، فيمكن تقريبه بوجهين :

أ ـ التمسك‏بأصالة عدم‏التذكية ، فإنّ الخارج منها هوالحالتان المتقدمتان دون ما زاد.

وهذا وجيه بناءً على عدم تحقق الإطلاق فى أدلة تحقق التذكية بالاصطياد.

ب ـ التمسك بصحيحة محمد بن مسلم وغير واحد عنهما عليهما‌السلام : « قالا فى الكلب يرسله الرجل ويسمّى قالا : إن أخذته فأدركت ذكاته فذكِّه » (١) وغيرها.

الاصطياد بالسلاح

لا تتحقق تذكية الحيوان الوحشى بالسلاح إلاّ إذا توفّرت الاُمور التالية :

١ ـ أن تكون الآلة ممّا يصدق عليها عنوان السلاح ، كالسيف والسكّين والسهم وطلقات البندقيّة.

٢ ـ أن يكون الصائد مسلماً.

٣ ـ ذكر اللّه سبحانه عند استعمال السلاح للاصطياد.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ٢٥٧ ، باب ٤ من ابواب الصيد ، حديث ٢.

١٣٧

٤ ـ أن يكون الرمى بقصد الاصطياد ، فلو رمى هدفاً معيّناً لا بقصد الاصطياد فأصاب غزالاً مثلاً فقتله لم‏يحلّ.

٥ ـ ادراك الحيوان ميتاً أو حياً فى وقتٍ لايتسع لتذكيته.

٦ ـ أن يكون السلاح مستقلاً فى قتله.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا أنّ التذكية بالاصطياد بالسلاح لاتثبت إلاّ فى الحيوان الوحشى ، فلأنّ عنوان الاصطياد لايتحقق بلحاظ غيره كما تقدم.

٢ ـ وأمّا اعتبار صدق عنوان السلاح على آلة الاصطياد ، فلصحيحة محمد بن قيس عن أبيجعفر عليه‌السلام : « من جرح صيداً بسلاح وذكر اسم الله عليه ثم بقى ليلة أو ليلتين لم‏يأكل منه سبع وقد علم أنّ سلاحه هو الذى قتله ، فليأكل منه إن شاء » (١) وغيرها.

ومنه يتّضح الوجه فى جواز الاصطياد بالبندقية ، فإنّها مصداق للسلاح.

أجل ، يلزم فى الطلقات أن تكون بنحوٍ صالحٍ للنفوذ فى بدن الحيوان وخرقه ، أمّا إذا لم‏تكن كذلك بل كانت تقتل الحيوان بسبب ضغطها أو ما فيها من الحرارة المحرقة فلا يمكن الحكم بحلية الحيوان؛ لصحيحة أبيعبيدة عن أبيعبدالله عليه‌السلام : « إذا رميت بالمعراض(٢) فخرق فكل ، وإن لم‏يخرق واعترض فلاتأكل » (٣) وغيرها.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ٢٧٣ ، باب ١٦ من ابواب الصيد ، حديث ١.

والتقييد بعدم اكل السبع هو لاحتمال عدم تحقق القتل بالسلاح فقط بل به وبجرح السبع غير الكلب الذي لاتتحقق التذكية بواسطته.

٢ ـ المعراض : سهم لايشتمل على حديدة فى طرفه ويكون دقيق الطرفين غليط الوسط يصيب بعرضه دون حدِّه.

١٣٨

وهل يلزم فى السلاح أن يكون من جنس الحديد؟ كلاّ ، تمسكاً بالإطلاق.

٣ ـ وأمّا اعتبار اسلام الصائد بالسلاح ، فهو المعروف بين الأصحاب ، وليس فيه كلام آخر يغاير ما تقدم عند البحث عن اعتبار اسلام الصائد بالكلب.

٤ ـ وأمّا اعتبار ذكر الله سبحانه ، فهو ممّا لا خلاف فيه. ويدل عليه قوله تعالي : ( ولاتأكلوا ممّا لم‏يذكر اسم الله عليه ) (١) ، والروايات الخاصة ، كصحيحة محمد بن قيس المتقدمة وغيرها.

٥ ـ وأمّا اعتبار أن يكون الرمى بقصد الاصطياد ، فيمكن التمسك له بالبيان المتقدم فى الذبح.

٦ ـ وأمّا اعتبار ادراك الحيوان ميتاً أو فى وقت لايتسع لتذكيته ، فلا وجه له سوي تعميم ما ذكر فى الاصطياد بالكلب للمقام ، لعدم فهم الخصوصية.

على أن الحكم مشهور وبناءً على حجيّة الشهرة الفتوائية يصلح ذلك بنفسه للمدركيّة.

أما من رفض هذا وذاك فالحكم عنده يكون مبنياً على الاحتياط تحفظاً من مخالفة المشهور.

٧ ـ وأمّا اعتبار استقلال السلاح فى قتل الحيوان ، فللبيان المتقدّم فى الاصطياد بالكلب.

__________________

١ ـ الأنعام : ١٢١.

١٣٩

السمك والجراد

لابدَّ لحلية السمك من تذكيته المتحققة باصطياده بأخذه حيّاً إما من الماء أو من خارجه لو وثب اليه بنفسه أو نضب الماء.

وتتحقق أيضاً فيما إذا نصب الصائد شبكة أو صنع حضيرة فدخلها السمك ثم نضب الماء وهو حيّ.

ولواُخرج‏السمك من‏الماء وهو حيّ ثم ربط بخيط ونحوه واُرجع اليه ومات فيه حرم.

ولو ألقى السم فى الماء وطفى السمك بسببه فلا يحلّ إلاّ إذا أخذ حيّاً.

ولايلزم فى صائد السمك الاسلام ولا ذكره للّه‏ سبحانه. وعلى هذا تتحقق تذكية السمك من الكافر ولكن لايكون إخباره عن تحققها حجة إلاّ مع الاطمئنان بصدقه.

وتذكية الجراد تتحقق بأخذه من الهواء ولو من الكافر ومن دون ذكراللّه سبحانه.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا أنّ السمك لايحل إلاّ بالتذكية ، فهو ممّا لا خلاف فيه. وتدل عليه النصوص الآتية إن شاء الله تعالي.

٢ ـ وأمّا أنّ تذكية السمك تتحقق باصطياده وأخذه ، فهو ممّا لا خلاف فيه أيضاً. وتدل عليه موثقة أبيبصير : « سألت اباعبدالله عليه‌السلام عن صيد المجوس للسمك حين يضربون للشبك ولايسمّون أو يهودى قال : لابأس إنّما صيد الحيتان(١) أخذها » (٢) وغيرها.

__________________

١ ـ الحيتان : جمع حوت وهى السمكة.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ٣٦٣ ، باب ٣٢ من ابواب الذبائح ، حديث ٥.

١٤٠