دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٤

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: توحيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٨١

صحيحه : « سمعت أباعبداللّه‏ عليه‌السلام يقول : من قتل نفسه متعمداً فهو فى نار جهنم خالداً فيها ». (١)

ثم إنّ حرمة قتل الغير لاتختص بما اذا كان واجداً للروح ، بل تعمُّ الحمل الذي هو نطفة أو علقة. وتدلّ على ذلك موثقة اسحاق بن عمار : « قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : المرأة تخاف الحبل فتشرب الدواء فتلقى ما فى بطنها ، قال : لا ، فقلت : انما هو نطفة ، فقال : إن أول ما يخلق نطفة ». (٢)

وبهذا اتّضح أنّ الحرمة تعمّ ما إذا كان الحمل من الزنا ، لإطلاق الموثقة.

قصاص النفس

لايثبت الحق لأولياء المقتول فى الاقتصاص من القاتل إلاّ إذا تمّت الشروط التالية :

الأول : أن يكون القتل بنحو العمد.

الثاني : التساوى فى الحرية والعبودية ، فيقتل الحر بالحر والعبد بالعبد ولايقتل الحر بالعبد ، بل يغرم قيمته يوم قتله مع تعزيره بالضرب الشديد.

الثالث : التساوى فى الدين ، فلايقتل المسلم بالكافر ـ وإن لزم تعزيره فيما اذا لم‏يكن القتل جائزاً ـ بل يغرم ديته لو كان ذمياً.

الرابع : أن لايكون القاتل أباً للمقتول ، فلايقتل الأب بقتله لابنه ، بل يعزر ويلزم بالدية.

الخامس : أن يكون القاتل بالغاً عاقلاً وإلاّ فلايقتل وتلزم العاقلة بالدية.

السادس : أن يكون المقتول محقون الدم ، فلا قصاص فى القتل السائغ ، كقتل سابِّ النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو أحد الأئمة عليهم‌السلام أو قتل المهاجم دفاعاً وما شاكل ذلك.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ١٣ ، باب ٥ من ابواب القصاص فى النفس ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ١٥ ، باب ٧ من ابواب القصاص فى النفس ، حديث ١.

٢٤١

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما أنّ حق القصاص لايثبت إلاّ إذا كان القتل بنحو العمد ، فهو ممّا لا خلاف فيه. وتدل عليه صحيحة عبدالله بن سنان : « سمعت أباعبداللّه‏ عليه‌السلام يقول : من قتل مؤمناً متعمداً قيدَ منه إلاّ أن يرضى أولياء المقتول أن يقبلوا الدية ، فإن رضوا بالدية واحبَّ ذلك القاتل فالدية » (١) وغيرها.

ولا إشكال فى ظهور الصحيحة فى ثبوت حق القصاص فى موارد القتل العمدي ، وأما ظهورها فى نفيه فى غير ذلك ، فلو شكك فيه فبالامكان الاستعانة بالنصوص الدالة على ثبوت الدية ونفى القصاص فى موارد القتل خطأً والشبيه بالعمد ، كقوله تعالي : ( ومن قتل مؤمناً خطأً فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ ودية مسلّمة الي أهله ) (٢) فإنّه بإطلاقه يدلّ على أنّ الخطأ بكلا قسميه تثبت فيه الدية دون القصاص.

والحكم متسالم عليه بيننا وإن نسب الى « مالك » القول بلزوم القود فى الشبيه بالعمد. وعلَّق صاحب الجواهر على ذلك بقوله : « لكن الإجماع والسنّة بل والكتاب على خلافه ، ضرورة عدم صدق قتل المؤمن متعمّداً عليه ». (٣)

متى يصدق القتل متعمداً

ثم إنّه لا إشكال فى صدق القتل متعمّداً فيما اذا قصد القاتل القتل بآلة يتحقق بها القتل غالباً. وأما اذا قصده بآلة لايتحقق بها القتل إلاّ نادراً أو لم يقصده ولكن كانت الآلة يتحقق بها القتل غالباً فلايبعد صدقه أيضاً. أما فى الحالة الاُولى فلفرض القصد

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ٣٧ ، باب ١٩ من ابواب القصاص فى النفس ، حديث ٣.

٢ ـ النساء : ٩٢.

٣ ـ جواهر الكلام : ٤٣ / ٤.

٢٤٢

الى القتل فيها ، وهو كافٍ عرفاً لصدق القتل متعمداً.

وأما فى الحالة الثانية ، فلأن الاستعانة بالآلة التى يعلم بترتب القتل عليها عادة ، لاتنفك عن قصده بالتبع.

اقسام القتل

ثم إنّ القتل على أقسام ثلاثة : القتل عمداً ، والقتل الشبيه بالعمد ، والقتل بنحو الخطأ المحض ، المعبّر عنه فى بعض الروايات بالقتل الذى لا شك فيه. (١)

والفارق بينها أنّ القاتل اذا كان قاصداً للقتل أو كانت الآلة التى استعان بها قاتلة غالباً فالقتل عمدي.

وإن كان قاصداً لفعل معيّن من دون قصد القتل ولاترتب القتل عليه غالباً فالقتل شبيه بالعمد ، كالضرب تأديباً بالعصا فيتفق القتل ، وكاجراء الطبيب عملية جراحية لايترتب عليها الموت عادة ، فيتفق حصوله من دون قصده.

وإن كان غير قاصد للفعل المعيّن فضلاً عن فرض قصد القتل أو كون الآلة قاتلة غالباً فالقتل بنحو الخطأ المحض ، كمن وجّه طلقة مسدّسة على حيوان فأصابت إنساناً ، أو كان يصلحه فانطلقت منه رصاصة فقتلت إنساناً.

وحكم القتل العمدى القصاص إلاّ مع التراضى على الدية ، بينما حكم القتل في النحوين الأخيرين ـ كما تقدّمت الاشارة الى ذلك وتأتى ثانية أيضاً إن شاء الله تعالى ـ هو الدية ، غايته فى القتل الشبيه بالعمد ، يتحملها القاتل بينما في القتل خطأً تتحملها عاقلة الجاني.

__________________

١ ـ لاحظ : الباب ١١ من ابواب القصاص فى النفس من الوسائل : حديث ٧ ، ٩ ، ١٣ ، ١٧ ، ١٩.

٢٤٣

٢ ـ وأما أنّ الحر يقتل بالحر والعبد بالعبد ، فممّا لا إشكال فيه ، وهو القدر المتيقن من مورد تشريع القصاص وقد قال تعالي : ( كتب عليكم القصاص فى القتلي الحر بالحر والعبد بالعبد ). (١)

وأما أنّ الحرَّ لايقتل بالعبد ، فلم يعرف فيه خلاف للروايات الكثيرة ، كصحيحة أبيبصير عن أحدهما عليهما‌السلام : « قلت له : قول الله عزوجل : ( كتب عليكم القصاص في القتلى الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد والاُنثى بالاُنثي ) فقال : لايقتل حر بعبد ولكن يضرب ضرباً شديداً ويغرم ثمنه دية العبد » (٢) وغيرها.

أجل ، ورد فى بعض الروايات ما يدل على الخلاف ، كموثقة اسماعيل بن أبي زياد(٣) عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام : « أنّه قتل حرّاً بعبد قتله عمداً » (٤) ، وموثقة زيد بن على عن آبائه عن على عليهم‌السلام : « ليس بين الرجال والنساء قصاص إلاّ في النفس ، وليس بين الأحرار والمماليك قصاص إلاّ فى النفس ... » (٥) ، وموثقة السكونى عن جعفر عن أبيه عن على عليهم‌السلام : « ليس بين العبيد والأحرار قصاص فيما دون النفس ». (٦)

إلاّ أنّ الروايات الثلاث المذكورة وإن كانت دلالة بعضها واضحة غير أنّها ساقطة عن الاعتبار ، إما لهجران الأصحاب لمضمونها ، أو لمخالفتها للكتاب الكريم حيث يستفاد من الآية المتقدمة أنّ الحر لايقتل بالعبد فلاحظ.

__________________

١ ـ البقرة : ١٧٨.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ٧٠ ، باب ٤٠ من ابواب القصاص فى النفس ، حديث ١.

٣ ـ وهو المعروف بالسكوني.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ٧٢ ، باب ٤٠ من ابواب القصاص فى النفس ، حديث ٩.

٥ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ١٣٩ ، باب ٢٢ من ابواب قصاص الطرف ، حديث ٢.

٦ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ١٣٩ ، باب ٢٢ من ابواب قصاص الطرف ، حديث ٣.

٢٤٤

٣ ـ وأما أنّ المدار على قيمة العبد يوم قتله ، فلأنه اليوم الذى تشتغل فيه ذمة القاتل بالقيمة.

٤ ـ وأما اعتبار التساوى فى الدين ، فلم يعرف فيه خلاف ، للنصوص المتعددة ، كصحيحة محمد بن قيس عن أبيجعفر عليه‌السلام : « لا يقاد مسلم بذمى فى القتل ولا في الجراحات ولكن يؤخذ من المسلم جنايته للذمى على قدر دية الذمى ثمانمائة درهم » (١) وغيرها.

ومورد النصوص وإن كان هو الذمى إلاّ أنّه يتعدى الى غيره ـ كالحربى والمستأمن ـ بالأولوية القطعية التى هى واضحة بلحاظ المستأمن أيضاً؛ لأنّ الذمي مستأمن وزيادة ، فاذا ثبت الحكم له ثبت لمن دونه بالأولوية القطعية.

٥ ـ وأما لزوم التعزير ، فلما تقدم فى البحث عن الحدود من ثبوته على ارتكاب ايّ محرم من المحرمات.

٦ ـ وأما لزوم دفع الدية لو كان المقتول ذمياً ، فلصحيحة محمد بن قيس المتقدمة.

٧ ـ وأما اعتبار أن لايكون القاتل أباً للمقتول ، فهو ممّا لا خلاف فيه ، لصحيحة حمران عن أحدهما عليهما‌السلام : « لايقاد والد بولده ويقتل الولد اذا قتل والده عمداً » (٢) وغيرها.

وأما أنّه يعزر ، فلما تقدم من ثبوته على ارتكاب أى محرم.

وأما لزوم دفع الدية ، فلقاعدة « أنّ دم المسلم لايذهب هدراً » المستفادة من صحيحة عبدالله بن سنان وعبدالله بن بكير جميعاً عن أبيعبداللّه‏ عليه‌السلام : « قضي

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ٨٠ ، باب ٤٧ من ابواب القصاص فى النفس ، حديث ٥.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ٥٦ ، باب ٣٢ من ابواب القصاص فى النفس ، حديث ١.

٢٤٥

أميرالمؤمنين عليه‌السلام فى رجل وجد مقتولاً لايدرى من قتله ، قال : إن كان له أولياء يطلبون ديته اُعطوا ديته من بيت مال المسلمين. ولايبطل دم امرئ مسلم؛ لأنّ ميراثه للإمام فكذلك تكون ديته على الإمام ... » (١) وغيرها.

على أن صحيحة ظريف قد دلّت فى ذيلها على ذلك حيث ورد فيها : « ويكون له الدية ولايقاد ». (٢)

٨ ـ وأما اعتبار أن يكون القاتل بالغاً عاقلاً ، فأمر لا خلاف فيه ، لحديث رفع القلم(٣) المشتهر بين الأصحاب. أجل ، هو لايدل على لزوم تحمل العاقلة للدية ولابدَّ من الاستناد فى ذلك الى الروايات الخاصة ، كصحيحة محمد بن مسلم عن أبيجعفر عليه‌السلام : « كان أميرالمؤمنين عليه‌السلام يجعل جناية المعتوه على عاقلته خطأً كان أو عمداً » (٤) ، وموثقة اسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه : « أنّ علياً عليه‌السلام كان يقول : عمد الصبيان خطأ يحمل على العاقلة » (٥) وغيرهما.

٩ ـ وأما اعتبار أن يكون المقتول محقون الدم ، فواضح ، إذ بعد جواز القتل لا معنى للاقتصاص من القاتل ، بل لا مجال أيضاً لاحتمال ثبوت الدية.

وسائل اثبات القتل عمداً

يثبت القتل عمداً بوسائل ثلاث : الاقرار ولو مرة واحدة ، والبيّنة بمعنى شهادة رجلين عدلين ، والقسامة.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ١٠٩ ، باب ٦ من ابواب القصاص فى النفس ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ٥٨ ، باب ٣٢ من ابواب القصاص فى النفس ، حديث ١٠.

٣ ـ وسائل الشيعة : ج ١ ، باب ٤ من ابواب مقدمة العبادات.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ٣٠٧ ، باب ١١ من ابواب العاقلة ، حديث ١.

٥ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ٣٠٧ ، باب ١١ من ابواب العاقلة ، حديث ٣.

٢٤٦

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما ثبوت القتل عمداً باقرار القاتل ، فلإطلاق دليل حجية الاقرار المتمثل في السيرة العقلائية على نفوذ اقرار كل عاقل عليه. ويؤكد ذلك صحيحة الفضيل : « قال أبوعبداللّه‏ عليه‌السلام : ومن أقرَّ على نفسه عند الامام بحقّ حدٍّ من حدود الله فى حقوق المسلمين ، فليس على الإمام أن يقيم عليه الحد الذى أقرّ به عنده حتى يحضر صاحب الحق أو وليّه فيطالبه بحقه ، قال : فقال له بعض أصحابنا : يا أباعبدالله فما هذه الحدود التى اذا اقرّ بها عند الإمام مرة واحدة على نفسه اُقيم عليه الحدُّ فيها؟ فقال : اذا أقرَّ على نفسه عند الإمام بسرقة قطعه ، فهذا من حقوق اللّه‏ ، وإذا أقرَّ على نفسه أنّه شرب خمراً حدّه فهذا من حقوق الله ، وإذا أقرَّ على نفسه بالزنا وهو غير محصن فهذا من حقوق اللّه‏ قال : وأما حقوق المسلمين فإذا أقرّ على نفسه عند الإمام بفرية لم يحدّه حتى يحضر صاحب الفرية أو وليّه. واذا أقرَّ بقتل رجل لم‏يقتله حتى يحضر أولياء المقتول فيطالبوا بدم صاحبهم ». (١)

هذا والمنسوب الى جماعة ـ كالشيخ وابن ادريس وغيرهما ـ اعتبار الاقرار مرّتين. وعلّق صاحب الجواهر على ذلك بقوله : « ولا نعرف له وجهاً إلاّ الاحتياط فى الدماء الذى لا يعارض الأدلة ، مع أنّه معارض بمثله وعدم بطلان دم المسلم ». (٢)

وما ذكره وجيه. ويمكن أن يضاف اليه بأنّ ذلك لو تمّ ، فلازمه اعتبار الاقرار أربع مرات ، فإنّ ذلك معتبر فى الزنا ، والقتل ليس بأدون منه.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ٣٤٤ ، باب ٣٢ من ابواب مقدمات الحدود ، حديث ١.

٢ ـ جواهر الكلام : ٤٢ / ٢٠٤.

٢٤٧

٢ ـ وأما ثبوت ذلك بالبينة ، فلإنصراف كلمة (البينة) فى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « البينة علي من ادّعي » (١) ، وقوله : « إنما أقضى بينكم بالبينات والأيمان » (٢) الى شهادة الرجلين العدلين. وعلى تقدير التشكيك فى الانصراف المذكور يمكن التمسك بالإطلاق المقامي ، فإنّ الوسيلة المعروفة للإثبات هى شهادة رجلين عدلين ، والسكوت عن تحديد البينة لابدَّ وأن يكون اعتماداً على ذلك.

٣ ـ وأما القَسامة (٣) ، فالاتّكال عليها كوسيلة للإثبات مخالف للقاعدة الأولية ، إذ مقتضى قاعدة « البينة على من ادّعى واليمين على من ادّعى عليه » ، أنّ كل من ادّعي شيئاً فلاتثبت دعواه إلاّ إذا أقام البيّنة عليها ، ولكن شذَّ من ذلك مورد الدم ، فإنّ ولي المقتول اذا ادّعى أنّ القاتل فلان ، فإن كانت له بيّنة على ذلك حكم بصدق دعواه ، وإن لم‏تكن له بيّنة فالمناسب للقاعدة المتقدمة وصول النوبة الى يمين المدّعى عليه ، ولكن لأجل النصوص الخاصة انعكست القاعدة فى ذلك فالمدّعى عليه لايمكنه دفع الدعوى عن نفسه باليمين ، بل ينحصر دفعها بالبيّنة التى تشهد بنفى نسبة القتل اليه ، واذا لم‏تكن له بيّنة فبإمكان المدّعى اثبات دعواه من خلال حلف خمسين رجلاً من أقاربه أو غيرهم على صدق الدعوي. وقد دلت على ذلك عدة نصوص ، كصحيحة بريد بن معاوية عن أبيعبداللّه‏ عليه‌السلام : « سألته عن القسامة ، فقال : الحقوق كلّها

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ١٧٠ ، باب ٣ من ابواب الشهادات ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ١٦٩ ، باب ٢ من ابواب الشهادات ، حديث ١.

٣ ـ القَسامة ـ بفتح القاف ـ هى الأيمان التى يؤديها جماعة ، أو هى الجماعة التى تؤدى الأيمان. ويحتمل صدقها عليهما معاً. وقد قيل إنّ القسامة كانت جاهلية وقد أقرها الاسلام. ويظهر من بعض الأخبار أنّها سنّة شرَّعها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلاحظ رواية أبيبصير : « سألت أباعبداللّه‏ عليه‌السلام عن القسامة أين كان بدوها؟ فقال : كانت من قبل رسول‏الله لما كان بعد فتح خيبر تخلّف رجل من الأنصار ... » (وسائل الشيعة ، باب ١٠ من ابواب دعوى القتل ، حديث ٥ ، ج ١٩ : ١١٨) بناءً على قراءة « قبل » بكسر الاول وفتح الثاني.

٢٤٨

البيّنة على المدّعى واليمين على المدّعى عليه إلاّ فى الدم خاصة ، فإنّ رسول‏اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بينما هو بخيبر إذ فقدت الأنصار رجلاً منهم فوجدوه قتيلاً ، فقالت الأنصار : إنّ فلان اليهودى قتل صاحبنا ، فقال رسول‏الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للطالبين : أقيموا رجلين عدلين من غيركم اقده برمته ، (١) فإن لم‏تجدوا شاهدين فأقيموا قسامة خمسين رجلاً أقده برمته ، فقالوا : يا رسول‏الله ما عندنا شاهدان من غيرنا وإنّا لنكره أن نقسم علي ما لم‏نره فوداه رسول‏الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : انما حقن دماء المسلمين بالقسامة لكى اذا رأي الفاجر الفاسق فرصة من عدوه حجزه مخافة القسامة ... » (٢)

وموثقة أبى بصير عن أبيعبدالله عليه‌السلام : « إن الله حكم فى دمائكم بغير ما حكم به فى أموالكم ، حكم فى أموالكم أن البيّنة على المدّعى واليمين على المدّعى عليه ، وحكم فى دمائكم أنّ البينة على المدّعى عليه واليمين على من ادّعي ، لئلاّ يبطل دم امرئ مسلم » (٣) وغيرهما.

ثم إنّه توجد عدة أسئلة ترتبط بالمقام نذكر منها :

الاول : هل يشترط فى قبول القسامة اللوث؟(٤)

مقتضى إطلاق النصوص عدم اعتبار ذلك إلاّ أنّه لابدَّ من رفع اليد عنه لتسالم

__________________

١ ـ أقدت القاتل بالمقتول : قتلته قصاصاً.

والرُمة ـ بضم الراء ـ قطعة حبل يشدُّ بها القاتل عند أخذه الى محل القصاص لئلا يهرب. هذا فى الأصل ولكنه قد تستعمل ـ لمناسبة أو بدونها ـ بمعنى جميع ، يقال : أخذت الشيء برمته ، أى أخذته كله وجميعه. والمراد في الروايات ذلك.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ١١٤ ، باب ٩ من ابواب دعوى القتل ، حديث ٣.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ١١٥ ، باب ٩ من ابواب دعوى القتل ، حديث ٤.

٤ ـ اللوث : كل امارة توجب الظن بصدق المدّعي ، كما اذا وجد عند المقتول شخص قد شهر السلاح الملوث بالدم أو أخبر صبى بأنى رأيت فلاناً يزاول عملية القتل وما شاكل ذلك من الأمارات الموجبة للظن.

٢٤٩

الأصحاب على اعتبار ذلك ، فإنّه على ما قيل لم‏يعرف الخلاف إلاّ من المحقق الأردبيلى القائل : « كأن لهم على ذلك إجماعاً أو نصّاً ما اطلعت عليه ». (١)

الثاني : هل يجوز أن يكون المدّعى أحد الخمسين أو يلزم أن يكون خارجاً عنهم؟

يجوز أن يكون أحدهم كما هو مقتضى ظاهر صحيحة بريد المتقدمة فلاحظ.

الثالث : هل يلزم فى الأيمان الخمسين أن تكون من خمسين رجلاً ، أو يجوز تكرارها من الرجل الواحد اذا كان العدد أقلّ من ذلك؟

مقتضى صحيحة بريد المتقدمة هو الأول ، إلاّ أنّ المنسوب الى المشهور هو الثاني ، بل ادّعى تسالم الأصحاب عليه. ويدعم ذلك أنّ بعض النصوص(٢) قد دل على أنّ العلة فى تشريع القسامة هو الاحتياط للدماء ، فإذا كان يعتبر أن يكون عدد الحالفين خمسين‏رجلاً يلزم عدم إمكان تحقق الاحتياط لندرة تحصيل خمسين رجلاً.

ولك أن تقول بصيغة أو روح اُخري : إنّ لازم اعتبار خمسين رجلاً لَغوية تشريع القسامة ، لندرة حصول ذلك.

من احكام قصاص النفس

إذا قتل الرجل المرأة عمداً اقتصّ منه بعد ردِّ نصف ديته الى أوليائه.

وإذا أكره شخص غيره على قتل ثالث وتوعده على المخالفة فلايجوز له قتله ، سواء كان ما توعد به ما دون القتل أو هو.

والحكم فى القتل العمدى هو القصاص دون التخيير بينه وبين المطالبة بالدية إلاّ اذا

__________________

١ ـ جواهر الكلام : ٤٢ / ٢٣٠.

٢ ـ فلاحظ : صحيحة عبدالله بن سنان الواردة فى باب ٩ من ابواب دعوى القتل ، حديث ٩ ، ج ١٨ : ١١٦.

٢٥٠

فرض تراضى الطرفين على ذلك.

والمشهور أنّ جواز المبادرة الى القصاص ، مشروط بالاستئذان من وليّ المسلمين.

وفى تحديد من له حق القصاص خلاف.

ومع تعدد الأولياء فلايبعد القول بجواز اقتصاص كل واحد منهم مستقلاً ومن دون إذن البقية.

واذا اقتصّ بعض الأولياء مع رضا البقية فلا إشكال ، وإلاّ ضمن المقتصّ حصّتهم من الدية إن طالبوا بها ، ويضمنها لورثة الجانى على تقدير العفو عن القصاص والدية.

والمشهور لزوم كون الاقتصاص بالسيف دون غيره.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما أنّ الرجل لو قتل المرأة متعمداً اقتصّ منه بعد ردّ نصف ديته الى أوليائه ، فلم يعرف فيه خلاف لما يأتى فى باب الديات ـ إن شاء الله تعالى ـ من أنّ دية المرأة نصف دية الرجل ، فإذا جاز الاقتصاص منه لزم ردُّ نصف الدية الى أوليائه ، كما دلّت على ذلك صحيحة الحلبى عن أبيعبدالله عليه‌السلام : « الرجل يقتل المرأة متعمّداً فأراد أهل المرأة أن يقتلوه ، قال : ذاك لهم إذا أدّوا الى أهله نصف الدية. وإن قبلوا الدية فلهم نصف دية الرجل ... » (١) وغيرها.

هذا وفى مقابل ذلك رواية السكونى عن أبيعبداللّه‏ عليه‌السلام : « أنّ أميرالمؤمنين عليه‌السلام قتل رجلاً بامرأة قتلها عمداً ... » (٢) وموثقة اسحاق بن عمّار عن جعفر عليه‌السلام : « أنّ رجلاً

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ٥٩ ، باب ٣٣ من ابواب القصاص فى النفس ، حديث ٣.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ٦١ ، باب ٣٣ من ابواب القصاص فى النفس ، حديث ١٤.

٢٥١

قتل امرأة فلم يجعل عليّ عليه‌السلام بينهما قصاصاً وألزمه الدية ». (١)

ويمكن الجواب :

أما عن الرواية الاُولي ، فبأنّها ـ لو تمّت سنداً ولم‏يناقش من ناحية النوفلى الذي لم‏يرد فى حقه توثيق ـ مطلقة قابلة للتقييد بصحيحة الحلبى وغيرها الدالة علي لزوم دفع نصف الدية.

وأما عن الرواية الثانية ، فبأنّه لو أمكن حملها على كون المراد عدم جعل القصاص مجرداً عن ردّ نصف الدية فلا مشكلة ، وإلاّ فهى ساقطة عن الاعتبار ، لهجران الأصحاب لمضمونها.

٢ ـ وأما أنّ من اُكره على قتل ثالثٍ فلا يجوز له قتله إن كان ما توعّد به دون القتل ، فالأمر فيه واضح ، إذ يحرم قتل المؤمن ظلماً ومن دون حق ، ولا ترتفع الحرمة بالإكراه على ما دون القتل.

وبكلمة اُخري : المورد داخل تحت باب التزاحم ، فيلزم تقديم الأهمّ جزماً أو احتمالاً ، وهو حرمة قتل المؤمن.

وإذا قيل : لِمَ لاترتفع الحرمة بحديث رفع التسعة؟(٢)

قلنا : حيث إنّ الحديث مسوق مساق الإمتنان على النوع ، فيلزم عدم شموله للموارد التى يلزم فيها خلاف ذلك ، كما هو المفروض فى المقام لو قيل بالشمول.

٣ ـ وأما أنّه لايجوز القتل حتى اذا كان المتوعد به هو القتل أيضاً ، فلما دلّ علي أنه لا تقية فى الدماء ، كصحيحة محمد بن مسلم عن أبيجعفر عليه‌السلام : « إنّما جعلت

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ٦٢ ، باب ٣٣ من ابواب القصاص فى النفس ، حديث ١٦.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١١ / ٢٩٥ ، باب ٥٦ من ابواب جهاد النفس ، حديث ١.

٢٥٢

التقية ليحقن بها الدم ، فإذا بلغت الدم فليس تقية » (١) وغيرها.

ولولا ذلك لكان المناسب جواز القتل؛ لأنّ المورد داخل تحت باب التزاحم ، إذ الأمر يدور بين واجب ـ حفظ النفس ـ وحرام ـ قتل النفس المحترمة ـ وحيث لاترجيح فلابدَّ من الحكم بالتخيير ، إلاّ أنّ قاعدة : « لا تقية فى الدماء » ـ بناءً علي شمولها لموارد الإكراه كما يظهر من الشيخ الأعظم فى مكاسبه(٢) ـ تمنع من ذلك.

٤ ـ وأما أنّ الحكم فى القتل العمدى هو القصاص ، فهو المشهور. ويدل عليه ظاهر الكتاب الكريم كقوله تعالي : ( كتب عليكم القصاص فى القتلى الحرّ بالحرّ ... ) (٣) وغيره ، والنصوص الخاصة ، كصحيحة عبدالله بن سنان : « سمعت أباعبدالله عليه‌السلام يقول : من قتل مؤمناً متعمداً قِيدَ منه ، إلاّ أن يرضى أولياء المقتول أن يقبلوا الدية ، فإن رضوا بالدية وأحبّ ذلك القاتل فالدية ». (٤)

هذا ولكن المنسوب الى الاسكافى والعمانى الحكم بتخيير أولياء المقتول بين القصاص والمطالبة بالدية. (٥)

٥ ـ وأما أنّه مع تراضى الطرفين على الدية يسقط القصاص ، فباعتبار أنّ الحق لايعدو الطرفين فاذا تراضيا على الدية بمقدارها الشرعى أو غيره جاز لهما ذلك. على أنّ صحيحة عبداللّه‏ بن سنان السابقة واضحة فى ذلك.

٦ ـ وأما أنّ جواز المبادرة الى القصاص مشروط بالاستئذان من ولى المسلمين ،

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١١ / ٤٨٣ ، باب ٣١ من ابواب الامر والنهي ، حديث ١.

٢ ـ المكاسب : ١ / ٣٩٩ ، منشورات دارالحكمة.

٣ ـ البقرة : ١٧٨.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ٣٧ ، باب ١٩ من ابواب قصاص النفس ، حديث ٣.

٥ ـ جواهر الكلام : ٤٢ / ٢٧٨.

٢٥٣

فقد ادّعى عدم الخلاف فيه. والإستناد اليه وجيه لو فرض تحقق تسالم بين الكل بنحوٍ يكون كاشفاً عن وصول الحكم من الامام عليه‌السلام يداً بيد وإلاّ فالمناسب التمسك بإطلاق أدلة جواز القصاص.

٧ ـ وأما من له حق القصاص ، فقيل : هو كل من يرث المال عدا الزوج والزوجة.

أما أنّه هو كل من يرث المال ، فلعموم ادلة الارث من آية أوليالأرحام(١) وغيرها ، وإطلاق قوله تعالي : ( فقد جعلنا لوليه سلطاناً ) (٢) بناءً على كون المقصود من الولى مطلق الوارث لا حصّة خاصة منه.

وأما استثناء الزوج والزوجة ، فللتسالم على ذلك. ويمكن استفادته من موثقة البقباق عن أبيعبداللّه‏ عليه‌السلام : « هل للنساء قود أو عفو؟ قال : لا ، وذلك للعصبة ». (٣)

وقيل : إنّ من له حق القصاص هو كل وارث للمال غير النساء والزوج والزوجة ومن يتقرب بالاُم.

والوجه فى ذلك هو الموثقة المتقدمة ، فإنّها حصرت حق القصاص بالعصبة وهم بنوه وقرابته لأبيه. (٤)

٨ ـ وأما جواز الاقتصاص لكلّ واحد من الأولياء بلا حاجة الى كسب الإذن من البقية ، فهو رأى معروف. ويدلّ عليه ظاهر الآية الكريمة : ( ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليّه سلطاناً ) ، فإنّ الحكم ما دام مجعولاً لطبيعى الولى فيلزم انحلاله بعدد

__________________

١ ـ الأنفال : ٧٥.

٢ ـ الإسراء : ٣٣.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٤٣٢ ، باب ٨ من ابواب موجبات الارث ، حديث ٦.

٤ ـ فى الصحاح : عصبة الرجل : بنوه وقرابته لابيه. وانما سموا عصبة لانهم عَصَبُوا ، أى أحاطوا به ، فالأب طرف ، والابن طرف ، والعم جانب والاخ جانب.

٢٥٤

أفراده ، كما فى سائر الموارد التى ينحلّ فيها الحكم بانحلال موضوعه.

واحتمال كون الحق قائماً بالمجموع أو بالجامع بنحو صرف الوجود بعيد ، بل ظاهر الآية تعلقه بالجامع بنحو الانحلال.

٩ ـ وأما أنّه على تقدير اقتصاص بعض الأولياء من دون اذن البقية ، فعليه دفع مقدار حصته من الدية إن طالب بذلك ويدفع ذلك الى ورثة الجانى على تقدير العفو عن القصاص والدية فهو المشهور بين الأصحاب. وتدل عليه صحيحة أبى ولاّد الحناط : « سألت أباعبداللّه‏ عليه‌السلام عن رجل قتل وله اُم وأب وابن ، فقال الابن : أنا اُريد أن أقتل قاتل أبي ، وقال الأب : أنا اُريد أن أعفو ، وقالت الاُم : أنا اُريد أن آخذ الدية ، فقال : فليعط الابن اُمَّ المقتول السدس من الدية ، ويعطى ورثةَ القاتل السدس من الدية حقّ الأب الذى عفا وليقتله ». (١)

١٠ ـ وأما لزوم كون الاقتصاص بالسيف ، فتدل عليه صحيحة الحلبى وأبيالصباح الكنانى عن أبيعبداللّه‏ عليه‌السلام قالا : « سألناه عن رجل ضرب رجلاً بعصا فلم يقلع عنه الضرب حتى مات ، أيدفع الى وليّ المقتول فيقتله؟ قال : نعم ، ولكن لايترك يعبث به ولكن يجيز عليه بالسيف ». (٢)

إلاّ أنّه قد يقال أنّ ذكر السيف هو من باب كونه آلة القتل المتداولة تلك الفترة ، ومعه فلا تدل على الحصر والاختصاص.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ٨٣ ، باب ٥٢ من ابواب القصاص فى النفس ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ٩٥ ، باب ٦٢ من ابواب القصاص فى النفس ، حديث ١.

٢٥٥

قصاص ما دون النفس

يجوز القصاص فى الأطراف اذا جُنى عليها عمداً متى ما تمّت الشروط السابقة في قصاص النفس.

ولا يشترط التساوى فى الذكورة والاُنوثة ، فلو جنت المرأة على الرجل اقتصّ منها. أجل ، لو جنى هو عليها اقتصت منه بعد ردِّ التفاوت اليه اذا بلغت دية الجناية الثلث وإلاّ فلا ردَّ ، فلو قطع الرجل اصبع امرأة جاز لها قطع اصبعه بدون ردِّ شيء اليه بينما لو قطع يدها جاز لها قطع يده بعد ردِّ نصف دية يده اليه.

ويجوز القصاص أيضاً فى الجروح فيما اذا أمكن ضبطها ، بأن كان يمكن القصاص بمقدار الجرح ، وإلاّ تعيّنت الدية.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما جواز القصاص فى الأطراف اذا جنى عليها عمداً ، فهو من ضروريات الاسلام. ويدل عليه قوله تعالي : ( وكتبنا عليهم فيها أنّ النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والاُذن بالاُذن والسنّ بالسنّ والجروح قصاص ) (١) ، والعمومات المذكورة عند البحث عن قصاص النفس. والروايات فى ذلك كثيرة. وستأتى الاشارة الى بعضها ان شاء الله تعالي.

٢ ـ وأما اعتبار شروط قصاص النفس فى المقام أيضاً ، فهو ممّا تسالم عليه الأصحاب. وتدل على ذلك الأدلة المتقدمة لشروط القصاص فى النفس فإنّها عامّة.

__________________

١ ـ المائدة : ٤٥.

٢٥٦

وإذا كان فى بعضها قصور عن إثبات التعميم ، فالتسالم القطعى كافٍ لإثبات ذلك.

٣ ـ وأما أن جواز القصاص ليس مشروطاً بالتساوى فى الذكورة والاُنوثة ، فيدل عليه إطلاق الآية المتقدمة ، مضافاً الى قضاء الروايات الخاصة ـ التى ستأتي الإشارة الى بعضها ـ بذلك.

هذا وفى المقابل دلّت موثقة زيد بن على عن آبائه عن على عليهم‌السلام : « ليس بين الرجال والنساء قصاص إلاّ فى النفس ... » (١) على أنّ المرأة لاتقتص من الرجل.

ويردّها :

أولاً : انّ مضمونها مهجور بين الأصحاب ، فتكون ساقطة عن الاعتبار.

وثانياً : انّها معارضة للروايات الآتية الدالة على أنّ للمرأة حق القصاص من الرجل ، وحيث إنّ المعارضة مستقرة فتقدم الروايات الدالة على جواز القصاص ، لموافقتها لإطلاق الكتاب الكريم.

٤ ـ وأما أنّ المرأة يجوز لها الاقتصاص من الرجل لو جنى عليها بشرط ردِّ التفاوت فيما إذا بلغت دية الجناية الثلث ، فهو يتضمّن مطلبين :

أحدهما : أنّ المرأة تساوى الرجل فى دية الأعضاء مادام لم‏يحصل تجاوز عن‏الثلث.

ثانيهما : أنّ المرأة يجوز لها القصاص من الرجل بشرط ردّ التفاوت إن حصل تجاوز عن الثلث وإلاّ جاز لها القصاص من دون ردٍّ.

اما بالنسبة الي المطلب الأول ، فيأتى ما يدل عليه فى باب الديات إن ‏شاءاللّه ‏تعالي.

وأما بالنسبة الى المطلب الثاني ، فتدل عليه صحيحة الحلبى عن أبي عبداللّه‏ عليه‌السلام :

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ١٣٩ ، باب ٢٢ من ابواب قصاص الطرف ، حديث ٢.

٢٥٧

« رجل فقأ عين امرأة ، فقال : إن شاءوا أن يفقأوا عينه ويؤدّوا اليه ربع الدية ، وإن شاءت أن تأخذ ربع الدية. وقال فى امرأة فقأت عين رجل : إنّه إن شاء فقأ عينها وإلاّ أخذ دية عينه ». (١)

٥ ـ وأما جواز القصاص فى الجروح ، فيدل عليه قوله تعالي : ( والجروح قصاص ) (٢) ، وإطلاق قوله : ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) (٣) ونحوه.

وأما اعتبار إمكان ضبط الجرح فواضح ، لعدم جواز القصاص من دون مماثلة ( فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ) (٤) ، بل مع عدم المماثلة لايصدق عنوان القصاص.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ١٢٤ ، باب ٢ من ابواب قصاص الطرف ، حديث ١.

٢ ـ المائدة : ٤٥.

٣ ـ النحل : ١٢٦.

٤ ـ البقرة : ١٩٤.

٢٥٨

كتاب الديات

الدية واقسامها

مقادير الديات

من احكام القتل والديات

٢٥٩
٢٦٠