دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٤

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: توحيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٨١

٣ ـ وأمّا أنّ السمك الذى يكون خارج الماء ـ إما لأنه وثب اليه أو نضب عنه الماء ـ لايحلّ إلاّ بأخذه حياً ولايكفى مجرد موته خارج الماء ، فباعتبار أنّ التذكية تدور مدار عنوان الأخذ فلابدَّ من تحققه.

هذا ، مضافاً الى صحيحة على بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام : « سألته عن سمكة وثبت من نهر فوقعت على الجُدّ(١) من النهر فماتت ، هل يصلح اكلها؟ قال : ان اخذتها قبل ان تموت ثم ماتت فكلها وان ماتت قبل ان تأخذها فلاتأكلها ». (٢)

وأمّا مثل صحيحة محمد بن مسلم عن أبيجعفر عليه‌السلام : « لاتأكل ما نبذه الماء من الحيتان وما نضب الماء عنه » (٣) فلابدَّ من تقييده بما إذا لم‏يأخذ حياً.

هذا ولكن ورد فى بعض الروايات حل السمك بخروجه من الماء واضطرابه وإن لم‏يؤخذ ، كما فى صحيحة زرارة : « قلت له : سمكة ارتفعت فوقعت على الجدد فاضطربت حتى ماتت ، آكلها؟ فقال : نعم » (٤) وغيرها.

والاضمار لايضرها بعد كون المضمر من أجلاّء الأصحاب الذين لاتليق بهم الرواية عن غير الامام عليه‌السلام.

إلاّ أنّ مثل الصحيحة المذكورة ، إن ثبت هجران الأصحاب لمضمونها كان ساقطاً عن الحجّية وإلاّ فالحكم بعدم الاكتفاء بمثل ذلك لابدَّ وأن يكون مبنياً علي الاحتياط تحفظاً من مخالفة المشهور.

٤ ـ وأمّا تحقق التذكية بنصب الشبكة أو الحظيرة وموت السمك فيها بعد نضوب

__________________

١ ـ الجُدّ بالضم والتشديد : شاطئ النهر.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ٣٦٦ ، باب ٣٤ من ابواب الذبائح ، حديث ١.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ٣٦٧ ، باب ٣٤ من ابواب الذبائح ، حديث ٣.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ٣٦٧ ، باب ٣٤ من ابواب الذبائح ، حديث ٥.

١٤١

الماء ، فهو ممّا لا خلاف فيه. ويمكن توجيهه ببيانين :

أ ـ أنّ عنوان أخذ السمك من الماء صادق عرفاً بنصب الشبكة وغيرها للاصطياد.

ب ـ التمسك بصحيحة الحلبي : « سألته عن الحظيرة من القصب تجعل فى الماء للحيتان فتدخل فيها الحيتان فيموت بعضها فيها ، فقال : لابأس ، إنّ تلك الحظيرة إنّما جعلت ليصاد بها » (١) وغيرها. وبقرينة التعليل يتعدى الى غير الحظيرة من الأجهزة التى تعدُّ للاصطياد.

هذا لو مات السمك فى الحظيرة ونحوها بعد نضوب الماء.

ويمكن أن تستفاد من اطلاق الصحيحة الحلية وتحقق التذكية حتّى على تقدير الموت قبل نضوب الماء.

إلاّ أنّ فى مقابل ذلك رواية عبد المؤمن : « أمرت رجلاً أن يسأل لى أباعبدالله٧ عن رجل صاد سمكاً وهنَّ أحياء ، ثم أخرجهن بعد ما مات بعضهنّ ، فقال : ما مات فلاتأكله ، فإنّه مات فى ما كان فيه حياته ». (٢)

وهى إذا لم يناقش فى سندها ـ من ناحية عبد المؤمن نفسه باعتبار تردّده بين عبدالمؤمن بن القاسم الأنصارى الثقة وبين غيره ، ومن ناحية ذلك الرجل الوسيط ، حيث إنّه مجهول الحال ـ فبالإمكان حملها على الكراهة بقرينة صحيحة الحلبي ، فان ذلك قد يكون أقرب عرفاً من تقييد الصحيحة بحالة الموت بعد نضوب الماء.

وعليه فالحكم بحلية السمك لو مات فى الحظيرة حتّى قبل نضوب الماء وجيه ،

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ٣٦٨ ، باب ٣٥ من ابواب الذبائح ، حديث ٣.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ٣٦٨ ، باب ٣٥ من ابواب الذبائح ، حديث ١.

١٤٢

تمسّكاً بإطلاق الصحيحة بعد ردِّ المعارض بما تقدم.

٥ ـ وأمّا حرمة السمك لو اُخرج من الماء ثم اُرجع اليه ومات فيه ، فلوجهين :

أ ـ أنّ عنوان الأخذ لايفهم العرف منه الموضوعيّة التامّة بحيث يكفى حيث مع ارجاع السمك الى الماء ، بل يفهم منه الأخذ المقيّد بعدم الارجاع.

ب ـ التمسك بصحيحة أبيأيوب حيث : « سأل أباعبدالله عليه‌السلام عن رجل اصطاد سمكة فربطها بخيط وأرسلها فى الماء فماتت ، أتؤكل؟ فقال : لا ». (١)

٦ ـ وأمّا عدم حلّية السمك لو طفى بإلقاء السم ، فباعتبار أنّ التذكية لاتتحقق إلاّ بالأخذ أو الاصطياد بتوسّط الحظيرة ، والمفروض عدمهما ، ومعه فلايحلّ إلاّ إذا اُخذ من الماء وهو بعدُ حيّ.

٧ ـ وأمّا أنّه لايعتبر فى صائد السمك الاسلام ، فهو ممّا لا كلام فيه. وتدلّ عليه موثقة أبيبصير المتقدمة فى رقم (٢) وغيرها.

وأمّا أنّه لايعتبر ذكراللّه‏ سبحانه ، فلصحيحة الحلبي : « سألت أباعبدالله عليه‌السلام عن صيد الحيتان وإن لم‏يسمِّ ، فقال : لا بأس به » (٢) وغيرها.

٨ ـ وأمّا عدم حجية إخبار الكافر عن تحقق تذكية السمك ، فباعتبار أنّ الأصل عدم التذكية ، ولايمكن رفع اليد عنه إلاّ بالإطمئنان ـ الذى هو حجّة بالسيرة العقلائية الممضاة بعدم الردع عنها شرعاً ـ أو يد المسلم أو سوق المسلمين أو البيّنة الشرعية ، بل وإخبار الثقة على قول.

٩ ـ وأمّا أنّ تذكية الجراد تتحقق بما ذكر ، فلا خلاف فيه بين الأصحاب ، فكما أنّ

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ٣٦٥ ، باب ٣٣ من ابواب الذبائح ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ٣٦٠ ، باب ٣١ من ابواب الذبائح ، حديث ١.

والمناسب : ان لم يسمّ ... بدون الواو الا ان العبارة جاءت كذلك فى وسائل الشيعة والمصادر الأصلية.

١٤٣

تذكية السمك تتحقق بأخذه فكذلك تذكية الجراد. وتدل عليه صحيحة على بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام : « سألته عمّا أصاب المجوس من الجراد والسمك أيحلّ أكله؟ قال : صيده ذكاته ، لا بأس » (١) وغيرها.

وأما عدم اعتبار الاسلام فى الصائد ، فتدلّ عليه الصحيحة المتقدّمة وغيرها.

وأمّا عدم اعتبار ذكر اللّه سبحانه ، فيمكن استفادته من الصحيحة المتقدّمة أيضاً.

أجل ، هو مستفاد من إطلاقها ، ومعه فيمكن أن يقال : إنّ الإطلاق المذكور معارض بإطلاق قوله تعالي : ( ولا تأكلوا ممّا لم‏يذكر اسم اللّه عليه ) (٢) بنحو العموم من وجه ، والإطلاق الثانى إن لم‏يكن مقدّماً باعتبار كونه قرآنياً فلا أقلّ من التساقط والرجوع الى أصالة عدم التذكية ، وبالتالى يكون ذكر اللّه سبحانه واجباً ، وينحصر المدرك آنذاك لنفى الاعتبار بالتسالم.

٢ ـ ما يقبل التذكية واثرها

التذكية تتحقق بالذبح وبالاصطياد على ما تقدّم. وكل حيوان ـ حتّى محرَّم الأكل إلاّ نجس العين بل والحشرات على قولٍ ـ تقبل التذكية بأحد الطريقين المذكورين.

نعم إذا كان الحيوان أهلياً فتذكيته لا تكون إلاّ بالذبح ، وإذا كان وحشياً فتتحقق بالذبح وبالاصطياد.

وأثر التذكية فى محلّل الأكل حلّية لحمه وطهارته وطهارة الجلد وجواز البيع بناءً علي عدم جواز بيع الميتة النجسة.

وأثرها فى محرّم الأكل طهارة لحمه وجلده وحلية الانتفاع به فى ما تعتبر فيه الطهارة ،

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ٣٦٤ ، باب ٣٢ من ابواب الذبائح ، حديث ٨.

٢ ـ الأنعام : ١٢١.

١٤٤

كجعل الجلد وعاءً للدهن ونحوه.

هذا كلّه فيما إذا كان للحيوان نفس سائلة.

وأمّا إذا لم‏يكن له ذلك ، فإن كان محلّل الأكل ـ كالسمك والجراد ـ فأثر تذكيته حلّية اللحم ، وإن كان محرّم الأكل ـ كالحيّة ـ فلا أثر لتذكيته.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا أنّ كل حيوان يقبل التذكية ، فهو محل للخلاف بين الأعلام ، فقيل بأنّ الأصل الأولى فى كل حيوان عدم قبوله للتذكية إلاّ ما خرج بالدليل ، باعتبار أنّ التذكية ليست مجرد فرى الأوداج مع سائر الشرائط ، بل هى المجموع المذكور مع ضميمة اُخري ، وهى قابلية المحل للتذكية ، فإذا شكّ فيها ـ كما فى المسوخ والحشرات ـ فمقتضى استصحاب عدم التذكية هو عدم تحققها.

وقيل ـ وهو الأوجه ـ أنّ الأصل الأولى يقتضى قبول كل حيوان للتذكية إلاّ ما خرج بالدليل ، كنجس العين؛ لأنّ القابلية حتى لو سلمنا باعتبارها فبالإمكان أن نقول : إنّ مقتضى بعض الروايات وجود القابلية المذكورة فى كل حيوان وقبوله للتذكية ، كصحيحة على بن يقطين : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن لباس الفراء والسمور والفنك والثعالب وجميع الجلود قال : لا بأس بذلك » (١) ، فإنّ نفى البأس عن جميع الجلود يدل بالاطلاق على جواز لبسها فى الصلاة ، وبالتالى على قبولها للتذكية.

وكموثقة سماعة : « سألته عن جلود السباع أينتفع بها؟ فقال : إذا رميت وسمّيت فانتفع بجلده ، وأما الميتة فلا » (٢) وغيرهما.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ٣ / ٢٥٥ ، باب ٥ من ابواب لباس المصلي ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ٤٥٣ ، باب ٣٣ من ابواب الاطعمة المحرمة ، حديث ٤.

١٤٥

أجل ، بالنسبة الى الحشرات ـ كالفأر وابن عرس ـ قد يدعى انصراف العمومات المذكورة عنها.

٢ ـ وأمّا أنّ أثر التذكية فى محلّل الأكل ما تقدم ، فباعتبار أنّ غير المذكى هو ميتة شرعاً ، وهى نجسة ومحرمة الأكل ، ولايجوز بيعها فإذا فرض تحقق التذكية ارتفعت الآثار المذكورة.

٣ ـ وأمّا أنّ مثل السمك لا أثر لتذكيته إلاّ حلّية اللحم ، فباعتبار أنّ ميتته طاهرة فيجوز آنذاك استعمالها فى ما تعتبر فيه الطهارة ، بل ويجوز بيعها بناءً على جواز بيع الميتة الطاهرة.

٤ ـ وأمّا أنّه لا أثر لتذكية محرّم الأكل ممّا لا نفس له ، فلأنّه طاهر ومحرّم الأكل على كل حال.

١٤٦

كتاب

الأنفال والمشتركات

الأنفال(ملكية الامام عليه‌السلام أو الدولة).

انحاء الملكية ووسائل تحصيلها.

من احكام المشتركات.

١٤٧
١٤٨

الأنفال (ملكية الإمام عليه‌السلام أو الدولة)

للأنفال ـ التى هى ملك النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والامام عليه‌السلام من بعده أو ملك الدولة ـ مصاديق متعددة ، اختلف الفقهاء فى ضبطها ، فذكر منها :

١ ـ الأرض الميتة (١) التى لا ربّ لها.

٢ ـ الأرض التى يأخذها المسلمون من الكفار بغير قتال.

٣ ـ المعادن إما مطلقاً أو على تفصيل.

٤ ـ سيف(٢) البحار.

٥ ـ بطون الأودية.

٦ و ٧ ـ رؤوس الجبال والآجام. (٣)

٨ ـ قطائع الملوك وصفاياهم. (٤)

٩ ـ غنيمة الحرب الواقعة من دون إذن الإمام عليه‌السلام.

١٠ ـ ميراث من لا وارث له.

__________________

١ ـ وهى الأرض التى لايمكن الانتفاع بها إلاّ بعد اصلاحها واعمارها ، كالصحاري.

٢ ـ سِيف ـ بكسر السين ـ هو بمعنى الساحل.

٣ ـ الآجام : جمع أَجَمة ـ بالتحريك ـ وهى الأرض المملوءة بالقصب أو بالشجر الملتف بعضه ببعض.

٤ ـ قطائع الملوك هى الأراضى التى اقتطعها الملوك لانفسهم.

وصفاياهم هى الاموال المنقولة النفيسة للملوك غير الارض.

١٤٩

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا أنّ الأنفال للنبى والإمام عليه‌السلام من بعده ، فهو من ضروريات الدين.

ويدل عليه الكتاب الكريم : ( يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول ... ) (١) ، بعد الالتفات الى أنّ كل ما كان للنبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو للإمام عليه‌السلام بالضرورة.

والمراد من الأنفال(٢) الأموال المملوكة للنبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وللإمام عليه‌السلام من بعده زيادة على ما لهما من سهم الخمس.

وقد تداول فى كلمات الفقهاء الحكم على الأنفال بكونها ملك النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإمام عليه‌السلام ، وقد يستظهر من ذلك كونها ملكاً شخصياً لهما ، وربما يستدل له بظهور كلمة الرسول والامام فى ملك الشخص ، إلاّ أن فى مقابل ذلك قولاً بكونها ملك المنصب والدولة بدليل عدم انتقالها بالارث. وبناءً على هذا القول يكون البحث عن الأنفال ضرورياً ، لأنّه بحث عن‏ممتلكات الدولة التى تستعين بها فى ادارة شؤونها.

وفى الحديث الشريف : « الأنفال هو النفل. وفى سورة الأنفال جَدْعُ الأنف(٣) ». (٤)

٢ ـ وأمّا أنّ الأرض الميتة هى للامام عليه‌السلام ، فهو ممّا لا خلاف فيه سواء لم‏يجر عليها ملك مالك ـ كما فى الصحارى ـ أو جري ، ولكنه لم‏يبق له وجود.

__________________

١ ـ الأنفال : ١.

٢ ـ الأنفال جمع نفل ـ بسكون الفاء وفتحها ـ بمعنى الزيادة. ومنه صلاة النافلة ، حيث إنّها زيادة علي الفريضة. ومنه قوله تعالي : « ومن الليل فتهجد به نافلة لك » (الإسراء : ٧٩) أى زيادة لك ، ومنه أيضاً قوله تعالي : « ووهبنا له اسحاق ويعقوب نافلة » (الانبياء : ٧٣) ، اى زيادة على ما سأل.

والاموال الخاصة بالنبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبالامام عليه‌السلام حيث إنّها زيادة على ما لهما من سهم الخمس فهى نفل.

٣ ـ أى قطع أنف الخصوم. قال فى الوافي : ١٠ / ٣٠٢ : « يعنى فى هذه السورة قطع أنف الجاحدين لحقوقنا وارغامهم ».

٤ ـ وسائل الشيعة : ٦ / ٣٧٣ ، باب ٢ من ابواب الأنفال ، حديث ١.

١٥٠

وقد دلّت على ذلك مرسلة حماد بن عيسى عن بعض أصحابنا عن العبد الصالح عليه‌السلام : « ... والأنفال ... كل أرض ميتة لا ربّ لها ... » (١) ، والروايات المعبِّرة بالأرض الخربة ، كصحيحة حفص بن البخترى عن أبيعبداللّه‏ عليه‌السلام : « الأنفال ما لم‏يوجف عليه بخيل ولا ركاب أو قوم صالحوا أو قوم أعطوا بأيديهم وكل أرض خربة وبطون الأودية فهو لرسول‏اللّه‏ عليه‌السلام وهو للإمام من بعده يضعه حيث يشاء » (٢) وغيرها. وقد فهم الفقهاء من الأرض الخربة الأرض الميتة. (٣)

والمعروف فى كلمات الفقهاء تقييد الأرض بالميتة. ويمكن أن يقال بكون المدار على عدم وجود مالك للأرض حتى لو كانت عامرة ، كالغابات والجزر المشتملة على الأشجار والفواكة ، لموثقة اسحاق بن عمار : « سألت أباعبداللّه‏ عليه‌السلام عن الأنفال ، فقال : هى القرى التى قد خربت ... وكل أرض لا ربّ لها ... ». (٤)

ومرسلة حماد المتقدمة وإن ورد فيها التقييد بالميتة إلاّ أنّه لا مفهوم له لوروده مورد الغالب. هذا لو قطعنا النظر عن السند وإلاّ فلا تعود صالحة للمعارضة.

ومن خلال هذا يتضح أنّ الأرض اذا لم يكن لها مالك فهى للإمام عليه‌السلام أو للدولة سواء كانت ميتة أو عامرة ، وإذا كان لها مالك فليست كذلك سواء كانت ميتة أو عامرة ، فإنّ الأرض ما دام لها مالك فمجرد موتها وخرابها لايستوجب خروجها عن ملكه.

وبعض النصوص وإن كانت مطلقة وتعدُّ كل أرض خربة جزءاً من الأنفال من دون تقييد بعدم وجود ربٍّ لها ـ كما فى صحيحة حفص بن البخترى المتقدمة و

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ٦ / ٣٦٥ ، باب ١ من ابواب الأنفال ، حديث ٤.

٢ ـ وسائل الشيعة : ٦ / ٣٦٤ ، باب ١ من ابواب الأنفال ، حديث ١.

٣ ـ الخرِب لغة : ما يقابل العامر.

٤ ـ وسائل الشيعة : ٦ / ٣٧١ ، باب ١ من ابواب الأنفال ، حديث ٢٠.

١٥١

غيرها ـ إلاّ أنّه بقرينة الروايات الاُخرى وتسالم الفقهاء لابدَّ من تقييدها بذلك ، فلاحظ موثقة اسحاق بن عمار المتقدمة ، حيث ورد فيها : « سألت أباعبدالله عليه‌السلام عن الأنفال فقال : هى القرى التى قد خربت وانجلى أهلها ... وكل أرض لا ربّ لها ... » ، فلو كان الخراب وحده كافياً لصيرورة الشيء من الأنفال ، فلا داعى الى التقييد بالانجلاء أو عدم وجود رب لها.

أجل ، هناك كلام فى الأرض المملوكة بالإحياء(١) هل تزول ملكية المحيى لها بطروّ الخراب عليها أو لا؟ وقد دلّت صحيحة الكابلى الآتية إن شاء اللّه‏ تعالى وغيرها على زوالها ، إلاّ أن ذلك خاص بما إذا كان سبب الملك هو الإحياء دون ما لو كان مثل الارث والشراء.

٣ ـ وأمّا الأرض التى يأخذها المسلمون من الكفار بغير قتال ـ إما بانجلاء أهلها عنها أو بتمكينهم المسلمين منها طوعاً ـ فلا خلاف فى كونها من الأنفال ، لقوله تعالي : ( وما أفاء اللّه‏ على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ) (٢) ، ولصحيحة حفص بن البخترى المتقدمة ، وصحيحة معاوية بن وهب : « قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام : السرية يبعثها الإمام فيصيبون غنائم كيف تقسم؟ قال : إن قاتلوا

__________________

١ ـ يأتى فيما بعد إن شاء اللّه‏ تعالى أنّ الأرض الميتة وإن كانت ملكاً للإمام عليه‌السلام ولكنه يجوز لأيّ فرد من الناس احياؤها ويثبت بذلك تملكها أو الحق فيها على احتمالين فى المسألة.

٢ ـ الحشر : ٦.

والفيء لغة بمعنى الرجوع. والمراد منه فى الآية الكريمة : الغنيمة التى يتم الحصول عليها بدون قتال.

والايجاف هو السير السريع.

والركاب هى الابل.

والمعني : الذى أرجعه الله على رسوله من أموال بنيالنضير وخصّه به هو لم‏تسيروا عليه بفرس ولا إبل حتي يكون لكم فيه حق.

١٥٢

عليها مع أمير أمّره الإمام عليهم اُخرج منها الخمس لله وللرسول وقسّم بينهم أربعة أخماس(١) ، وإن لم يكن قاتلوا عليها المشركين كان كلّ ما غنموا للإمام يجعله حيث أحبَّ » (٢) وغيرهما.

وينبغى تعميم الأرض المذكورة للمحياة أيضاً ، إذ الميتة هى للإمام عليه‌السلام بقطع النظر عن الاستيلاء عليها من دون قتال ، وحفظاً للمقابلة بين هذا القسم وسابقه لابدَّ من التعميم المذكور.

ثم إنّه قد وقع الخلاف فى اختصاص القسم المذكور بالأرض وعمومه لكلّ ما يغنمه المسلمون من الكفار بغير قتال ، ولعل المشهور هو الاول ، حيث قيّدوا القسم المذكور بالأرض ، إلاّ أنّ المستفاد من الصحيحتين السابقتين العموم.

٤ ـ وأمّا المعادن ، فقد اختار جمع من الأعلام المتقدمين ـ كالشيخ الكلينى والمفيد والطوسى و ... (٣)ـ كونها من الأنفال بما فى ذلك الموجودة فى الملك الشخصى للأفراد ، غايته قد أباحها الأئمة عليهم‌السلام لكلّ من أخرجها بعد أداء خمسها. وتشهد لذلك موثقة اسحاق المتقدمة : « سألت أباعبداللّه‏ عليه‌السلام عن الأنفال فقال : هى القري التى خربت وانجلى أهلها ... وكل أرض لا ربَّ لها ، والمعادن منها ... » (٤) وغيرها.

وفى مقابل هذا القول قولان آخران :

أحدهما : أنها من المباحات العامة والناس فيها شرع.

وقد وجِّه ذلك بالأصل والسيرة ، بل وبدلالة أخبار وجوب الخمس فيها ،

__________________

١ ـ الموجود فى الطبع القديم لوسائل الشيعة « ثلاثة أخماس » والصواب ما ذكرناه.

٢ ـ وسائل الشيعة : ٦ / ٣٦٥ ، باب ١ من ابواب الأنفال ، حديث ٣.

٣ ـ نقل ذلك فى جواهر الكلام : ١٦ / ١٢٩.

٤ ـ وسائل الشيعة : ٦ / ٣٧١ ، باب ١ من ابواب الأنفال ، حديث ٢٠.

١٥٣

ضرورة أنّه لا معنى لوجوب الخمس على غير الإمام عليه‌السلام ما دامت هى ملكاً له. مضافاً الى أنّ ظاهرها كون الباقى بعد الخمس هو للمخرج باصل الشرع لا بتمليك الإمام عليه‌السلام.

ثانيهما : التفصيل بين المعادن المستخرجة من أرض الأنفال وبين المستخرجة من غيرها. فالاُولى هى من الأنفال بخلاف الثانية. ويساعد على التفصيل المذكور أنّ بعض النسخ فى موثقة اسحاق المتقدمة قد اشتملت على كلمة « فيها » بدل « منها » ، أى والمعادن فى الأرض التى لا ربّ لها ، بل إنّ من الوجيه كون ذلك هو المقصود حتى بناءً على كون النسخة « منها » فالضمير لايرجع الى الأنفال ، بل الى ما ماذكرناه.

ولعلّ البحث المذكور علمى بحت ولا أثر عملى له؛ لأن التخميس واجب علي كلّ حال ، وإنّما الكلام فى الأربعة أخماس الباقية هل هى ملك للمخرج بتحليل من الله ابتداءً ، أو بتمليك من الامام عليه‌السلام؟

٥ ـ وأمّا أسياف البحار فقد اُشير الى كونها من الأنفال فى الشرائع. (١) ولايوجد نص شرعى يدلّ على كونها كذلك ، إلاّ أنّه لا حاجة اليه بعد كونها من قبيل الأرض التى لا ربَّ لها التى تقدم كونها من الأنفال.

٦ ـ وأمّا بطون الأودية ، فقد اُشير اليها فى صحيحة حفص المتقدمة فى رقم (٢) وغيرها.

٧ ـ وأمّا رؤوس الجبال والآجام ، فقد ادّعى عدم الخلاف فى كونهما من الأنفال. وقد ورد ذكرهما فى أخبار ضعيفة السند ، كمرسلة حمّاد المتقدمة : « ... وله رؤوس

__________________

١ ـ شرائع الاسلام : ١ / ١٣٧.

١٥٤

الجبال وبطون الأودية والآجام ... » (١) وغيرها.

والحكم بعدِّهما من الأنفال يبتنى إما على تمامية كبرى الانجبار(٢) ، أو على ضمّ عدم القول بالفصل ، بتقريب أنّ مستند عدِّ بطون الأودية من جملة الأنفال حيث إنّه صحيح السند ، فيلزم من ذلك عدُّ رؤوس الجبال والآجام من جملة الأنفال أيضاً ، لعدم القول بالفصل بين الثلاثة.

هذا لو قبلنا أحد المبنيين المذكورين وإلاّ فينحصر الوجه فى عدِّهما من جملة الأنفال بكونهما مصداقين للأرض التى لا ربّ لها.

وهل الحكم بعدِّهما من الأنفال يعمُّ حالة مّا إذا كانا جزءاً من ملك الغير؟ والجواب : أنّه على المبنيين المتقدمين يلزم الحكم بالعموم بخلافه بناءً على المبني الأخير فإنّه لايحكم بالعموم.

٨ ـ وأمّا أن قطائع الملوك وصفاياهم هى من الأنفال ، فهو ممّا لا خلاف فيه. وتدل على ذلك صحيحة داود بن فرقد : « قال أبوعبداللّه‏ عليه‌السلام : قطايع الملوك كلّها للإمام وليس للناس فيها شيء » (٣) ، وموثقة سماعة : « سألته عن الأنفال ، فقال : كل أرض خربة أو شيء يكون للملوك فهو خالص للإمام وليس للناس فيها سهم ... » (٤)و غيرهما.

٩ ـ وأمّا أنّ غنيمة الحرب الواقعة من دون إذن الإمام عليه‌السلام هى له بأجمعها ، فقد ادّعى فى الجواهر أنه المشهور بين الأصحاب. (٥)و تدل عليه :

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ٦ / ٣٦٥ ، باب ١ من ابواب الأنفال ، حديث ٤.

٢ ـ لاحظ : هامش ص ٧٠ من هذا الكتاب.

٣ ـ وسائل الشيعة : ٦ / ٣٦٦ ، باب ١ من ابواب الأنفال ، حديث ٦.

٤ ـ وسائل الشيعة : ٦ / ٣٦٧ ، باب ١ من ابواب الأنفال ، حديث ٨.

٥ ـ جواهر الكلام : ١٦ / ١٢٦.

١٥٥

أ ـ مرسلة الوراق عن رجل سماه عن أبيعبداللّه‏ عليه‌السلام : « اذا غزا قوم بغير إذن الإمام فغنموا كانت الغنيمة كلّها للإمام ، وإذا غزوا بأمر الإمام فغنموا كان للإمام الخمس ». (١)

وضعفها السندى لايضرّ ، بناءً على تمامية كبرى الانجبار.

ب ـ صحيحة معاوية بن وهب المتقدمة فى رقم (٣) ، فإنّ القيد المذكور فيها « أمّره الإمام » يدلّ بالمفهوم على المطلوب.

١٠ ـ وأمّا أن ميراث من لا وارث له هو من الأنفال ، فقد ادّعى عليه الإجماع. وتدلّ عليه صحيحة محمد بن مسلم عن أبيجعفر عليه‌السلام : « من مات وليس له وارث من قرابته فماله من الأنفال » (٢)و غيرها.

أنحاء الملكية ووسائل تحصيلها

لملكية الثروة الطبيعية (٣) ثلاثة انحاء :

١ ـ ملكية جميع المسلمين بالنسبة الى الأرض الخراجية ، أى الأرض المفتوحة بإذن الإمام عليه‌السلام عنوة (٤) المحياة حالة الفتح.

٢ ـ ملكية الإمام عليه‌السلام أو الدولة بالنسبة الى الأنفال.

٣ ـ الملكية الشأنية بالنسبة الى المباحات العامة.

أما ما كان من النحو الأول فأمره بيد ولى الأمر ، فله دفع الأرض الخراجية الى من شاء

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ٦ / ٣٦٩ ، باب ١ من ابواب الأنفال ، حديث ١٦.

٢ ـ وسائل الشيعة ، ١٧ / ٥٤٧ ، باب ٣ من ابواب ولاء ضمان الجريرة والامامة ، حديث ١.

٣ ـ المقصود من الثروة الطبيعية : الأرض وما فيها وما عليها.

٤ ـ بفتح العين وسكون النون ، بمعنى القهر والقوة.

١٥٦

مقابل الخراج(١) بما يراه صلاحاً ، ولايجوز بيعها ولا وقفها ولا هبتها ولا تملكها بنحو الملك الشخصي.

ويصرف ولى الأمر الخراج فى المصالح العامة للمسلمين.

وأمّا النحو الثانى فتنتقل الأرض فيه بالإحياء الى المحيى ملكاً أو حقاً ، والمعدن باستخراجه الى المخرج ، والآجام بحيازتها الى الحائز.

وأمّا ما كان من النحو الثالث ـ كالماء والطيور والأسماك وما شاكل ذلك ـ فيملك بالحيازة.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا أن الأرض المفتوحة عنوة هى لجميع المسلمين ، فقد تقدّمت الاشارة الي وجهه فى كتاب الجهاد.

٢ ـ وأمّا تقييد الفتح بما إذا كان بإذن الإمام عليه‌السلام ، فلما تقدم من كون المفتوح بغير إذنه عليه‌السلام هو من الأنفال.

وأمّا تقييد الفتح بكونه عنوة ، فلما تقدم من كون المفتوح بلا قتال هو من الأنفال.

وأمّا تقييد الأرض بما إذا كانت محياة حين الفتح ، فلأن الأرض الميتة هى من الأنفال على ما تقدم.

٣ ـ وأمّا الترديد فى ملكية الأنفال بين كونها للإمام عليه‌السلام أو للدولة ، فقد تقدمت الاشارة الى وجهه سابقاً.

__________________

١ ـ الخراج : اُجرة الأرض.

١٥٧

كما تقدمت الاشارة سابقاً الى الوجه فى ملكية الإمام عليه‌السلام للأنفال فراجع.

٤ ـ وأمّا كون الملكية فى النحو الثالث شأنية ، فلأنّ كلّ فرد من الناس له شأنية تملك المباحات العامة بالحيازة.

أما كيف يمكن إثبات الإباحة العامة للأشياء ما سوى الأرض الخراجية والأنفال؟ يمكن إثباته بوجهين :

أ ـ أنّ ثبوت الملكية لخصوص الإمام عليه‌السلام أو لجميع المسلمين هو الذى يحتاج الى دليل ، وأما كون الشيء ليس مملوكاً لأحد بل لكلّ شخص الحق فى تملكه بالحيازة فهو لايحتاج الى دليل ، بل هو مقتضى الأصل المستفاد من مثل قوله تعالي : ( خلق لكم ما فى الأرض جميعاً ) (١).

ب ـ التمسك بسيرة المتشرعة ، فإنّها منعقدة على تملك الماء والطيور والأسماك والحيوانات والأعشاب وما شاكل ذلك بالحيازة ، ولا يحتمل نشوءِ مثل السيرة المذكورة عن تهاون وتسامح ، فإنّها منعقدة فى حق جميع المتشرعة ، وذلك يكشف عن وصولها يداً بيد من معدن العصمة والطهارة.

وممّا يؤيد ذلك فى الجملة رواية محمد بن سنان عن أبيالحسن عليه‌السلام : « سألته عن ماء الوادي ، فقال : إنّ المسلمين شركاء فى الماء والنار والكلاء » (٢) وغيرها.

٥ ـ وأمّا أنّ أمر الأرض الخراجية بيد ولى المسلمين ، فلأن ذلك مقتضى ملكيتها لجميع المسلين ، على أنّ صحيحة الحلبى السابقة واضحة فى ذلك.

وأمّا انحصار التصرف الجائز فيها بدفعها مقابل الخراج ، فهو لازم ابقاء عينها

__________________

١ ـ البقرة : ٢٩.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٣٣١ ، باب ٥ من ابواب احياء الموات ، حديث ١.

١٥٨

لجميع المسلمين مع التصرف فيها وفق مصلحتهم.

أجل ، لا بأس ببيع الحق الثابت فيها لفقدان المانع ووجود المقتضي ، بل قيل بجواز بيعها تبعاً للآثار.

وأمّا صرف ولى الأمر الخراج فى صالح المسلمين ، فلأن ذلك لازم ملكية جميع المسلمين لها. بل قد يقال بأنّه لا معنى لملكية جميع المسلمين لها إلاّ استحقاقهم لصرف واردها فى مصالحهم ، ولايتصور معنى صحيح لملكية الجميع لها إلاّ ذلك.

٦ ـ وأمّا أنّ الأرض الميتة ـ التى هى من مصاديق النحو الثانى ـ يجوز احياؤها وتنتقل الى المحيي ، فلم يعرف فيه خلاف بين الأصحاب. ويدلّ على ذلك أمران :

أ ـ السيرة المستمرّة للمتشرعة على التصرف فى الأرض الموات واحيائها من دون احتمال نشوء ذلك عن التساهل والتسامح.

ب ـ صدور الإذن من أصحاب تلك الأرض بذلك ، كما دلّت عليه صحيحة زرارة عن أبيجعفر عليه‌السلام : « قال رسول ‏الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أحيى أرضاً مواتاً فهى له » (١)و غيرها.

أجل ، دلّت بعض النصوص الاُخرى على أنّ الإذن المذكور ليس بنحو المجانية بل مشروط بدفع الاُجرة إلاّ إذا كان المحيى من الشيعة ، فإنّه لايجب عليه ذلك ، فلاحظ صحيحة أبيخالد الكابلى عن أبيجعفر عليه‌السلام : « وجدنا فى كتاب على عليه‌السلام أنّ الأرض للّه‏ يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ، أنا وأهل بيتى الذين أورثنا الأرض ونحن المتقون والأرض كلّها لنا ، فمن أحيى أرضاً من المسلمين فليعمرها وليؤدّ خراجها الى الإمام من أهل بيتى وله ما أكل منها ، فإن تركها وأخربها فأخذها رجل من المسلمين من بعده فعمرها وأحياها فهو أحق بها من الذى تركها فليؤدِّ

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٣٢٧ ، باب ١ من ابواب احياء الموات ، حديث ٦.

١٥٩

خراجها الى الإمام من أهل بيتى وله ما أكل منها حتى يظهر القائم عليه‌السلام من أهل بيتي بالسيف فيحييها ويمنعها ويخرجهم منها كما حواها رسول‏الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومنعها إلاّ ما كان فى أيدى شيعتنا فإنّه يقاطعهم على ما فى أيديهم ويترك الأرض في ت أيديهم ». (١)

٧ ـ وأمّا الترديد فى أمر الإحياءِ بين كونه مولّداً للملك أو للحق ، فهو باعتبار وجود احتمالين فى المسألة : فيحتمل انتقال ملكية الأرض من الإمام عليه‌السلام أو الدولة الي المحيى وصيرورتها ملكاً شخصياً له؛ ويحتمل بقاء ملكيتها السابقة على ما هي عليه ولايتولد للمحيى سوى أولويته من غيره فى التصرف فيها.

وقد صار مشهور الفقهاء الى الاحتمال الاوّل ، تمسكاً بظهور اللام فى قولهم عليهم‌السلام : « من أحيى أرضاً مواتاً فهى له » فى إفادة الملكية.

بينما صار الشيخ الطوسى الى الاحتمال الثاني ، حيث يقول : « فأما الموات فإنّها لاتغنم وهى للإمام خاصة ، فإن أحياها أحد من المسلمين كان أولى بالتصرف فيها ويكون للإمام طسقها (٢) ». (٣)

وقد صار الى ذلك أيضاً الفقيه السيد محمد بحر العلوم قدس‌سره فى بلغته. (٤)

ويمكن توجيه ذلك بأنّ فرض الاُجرة ـ المعبر عنها بالطسق ـ لايتناسب مع انتقال العين الى المحيي ، بل يتناسب مع انتقال المنفعة فقط.

وأمّا اللام ، فلا ظهور لها فى الملك ، فإنّها جارية مجرى قول الملاّك للفلاّحين

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٣٢٩ ، باب ٣ من ابواب احياء الموات ، حديث ٢.

٢ ـ الطسق : الاُجرة.

٣ ـ المبسوط : ٢ / ٢٩.

٤ ـ بلغة الفقيه : ٩٨.

١٦٠