دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٤

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: توحيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٨١

٩ ـ وأمّا اعتبار طهارة المولد ، فقد دلّت عليه صحيحة محمد بن مسلم : « قال أبوعبداللّه‏ عليه‌السلام لاتجوز شهادة ولد الزنا » (١) وغيرها.

وأمّا استثناء اليسير ، فلصحيحة عيسى بن عبداللّه‏ : « سألت أبا عبداللّه‏ عليه‌السلام عن شهادة ولد الزنا ، فقال : لاتجوز إلاّ فى الشيء اليسير إذا رأيت منه صلاحاً » (٢).

١٠ ـ وأمّا اعتبار أن لاتجر الشهادة نفعاً ـ كشهادة الشريك ـ فيمكن الاستدلال له بالوجهين التاليين :

أ ـ التمسّك بموثقة سماعة : « سألته عمّا يردّ من الشهود ، قال : المريب ، والخصم والشريك ، ودافع مغرم ، والأجير ، والعبد ، والتابع ، والمتهم. كل هؤلاء تردّ شهادتهم » (٣) ، فإنّ المنصرف من الشريك ، شهادته لشريكه فى ما هو مشترك بينهما.

ب ـ إنّ الحكم ثابت بمقتضى القاعدة ، فإنّ‏الشريك إذا شهدبشراء عين مشتركة لهما يصير الشاهد مدّعياً والمدّعى شاهداً ، وعدم جواز مثل ذلك لايحتاج إلى دليل.

١١ ـ وأمّا عدم قبول شهادة من يدفع عن نفسه بشهادته ضرراً ، فلأنّه بمثابة المدّعى عليه ، ولا معنى لقبول شهادته ويصدق عليه عنوان الخصم المذكور في موثقة سماعة المتقدمة.

١٢ ـ وأمّا اعتبار عدم العداوة الدنيوية ، فلموثقة اسماعيل بن مسلم عن الصادق عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام : « لاتقبل شهادة ذى شحناء أو ذى مخزية فى الدين » (٤).

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٧٦ ، باب ٣١ من أبواب الشهادات ، حديث ٣.

٢ ـ وسائل الشيعة ، ١٨ / ٢٧٦ ، باب ٣١ من أبواب الشهادات ، حديث ٥.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٧٨ ، باب ٣٢ من أبواب الشهادات ، حديث ٣.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٧٨ ، باب ٣٢ من أبواب الشهادات ، حديث ٥.

و « ذو مخزية » هو من وقع فى بلية يشار اليه بها ، كالمحدود قبل توبته وولدالزنا.

٤١

وإطلاقها يقتضى عدم الفرق بين استلزام العداوة الفسق وعدمه ، هذا في العداوة الدنيوية.

وأمّا العداوة الاُخروية فلاتمنع جزماً ، فإنّها تؤكد العدالة ، والموثقة منصرفة عن مثلها. وقد ورد فى صحيحة أبى عبيدة عن أبى عبداللّه‏ عليه‌السلام « تجوز شهادة المسلمين على جميع أهل الملل ولاتجوز شهادة أهل الذمّة على المسلمين » (١).

١٣ ـ وأمّا منع السؤال بالكف عن قبول الشهادة ، فلصحيحة على بن جعفر عن أخيه أبى الحسن موسى عليهما‌السلام : « سألته عن السائل الذى يسأل بكفّه هل تقبل شهادته؟ فقال : كان أبى لايقبل شهادته إذا سأل فى كفّه » (٢) وغيرها.

والمقصود ما إذا اتّخذ ذلك حرفة ، دون ما لو تحققت مرّة أو مرّتين لعارض ، للانصراف عن مثل ذلك.

اختلاف الحقوق فى الاثبات

تثبت الدعوى بمقتضى الأصل الأوّلى بالبينة ، أى بشهادة رجلين عدلين. وخرج عن ذلك :

١ ـ دعوى الدين (٣) على الميت ، فإنّها لاتثبت بالبينة وحدها ، بل مع ضم يمين المدّعي.

٢ ـ دعوى الدين على الحي ، فإنّها كما تثبت بشهادة رجلين كذلك تثبت بشهادة رجل ويمين المدّعي ، وبرجل وامرأتين ، وبامرأتين ويمين المدّعي.

٣ ـ دعوى عين من الأموال على الحي ، فإنّها تثبت بما سبق ما عدا الرجل والمرأتين.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٨٤ ، باب ٣٨ من أبواب الشهادات ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٨١ ، باب ٣٥ من أبواب الشهادات ، حديث ١.

٣ ـ يراد بالدين مطلق المال الذى اشتغلت به الذمّة ، أعم من كونه بالقرض أو الغصب أو الاتلاف أو البيع وما شاكل ذلك.

٤٢

٤ ـ اللواط والمساحقة ، فإنهما لايثبتان إلاّ بشهادة أربعة رجال عدول.

٥ ـ الزنا ، فإنّه لايثبت إلاّ بشهادة أربعة رجال عدول أو ثلاثة وامرأتين ، بل برجلين وأربع نساء ، غايته يثبت الجلد بذلك دون الرجم.

٦ ـ النكاح والدية ، فإنّهما كما يثبتان بشهادة عدلين كذلك يثبتان برجل وامرأتين.

٧ ـ العذرة ، (١) والعيوب الباطنية للنساء ، والرضاع ، وكلّ مالايجوز للرجال النظر إليه ، فإنّه يثبت بأربع نساء.

٨ ـ الوصية لشخص بمال ، فإنّه يثبت ربعه بشهادة امرأة واحدة ، ونصفه بشهادة ثنتين ، وعلى هذا المنوال.

وهكذا لو شهدت القابلة بل مطلق المرأة باستهلال الطفل عند فرض موت أبيه ، فإنّه يرث ربع التركة بذلك ، ولو شهدت ثنتان ورث النصف ، وعلى هذا المنوال.

وهكذا لو شهدت المرأة بالقتل ، فإنّه يثبت ربع الدية ، وإذا شهدت ثنتان يثبت نصفها ، وعلى هذا المنوال.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا أن الأصل الأوّلى فى الإثبات هو البينة ، بمعنى شهادة رجلين عدلين ، فلأن ذلك هو المنصرف من كلمة « البينة » المعتبرة فى الإثبات فى مثل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « البينة على من ادّعي » (٢) أو « إنّما أقضى بينكم بالبينات والأيمان » (٣).

وعلى تقدير التشكيك فى ذلك يمكن التمسك بالإطلاق المقامي ، فإنَّ الوسيلة

__________________

١ ـ العذرة : جلدة البكارة. مجمع البحرين : ٣ / ٣٩٨.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ١٧٠ ، باب ٣ من أبواب الشهادات ، حديث ١.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ١٦٩ ، باب ٢ من أبواب الشهادات ، حديث ١.

٤٣

المعروفة فى الإثبات هى شهادة عدلين ، والسكوت عن تحديد البينة لابدَّ وأن يكون اعتماداً على ذلك.

٢ ـ وأمّا اعتبار ضمّ يمين المدّعى إلى البينة فى دعوى الدين على الميت ، فلم ينقل فيه خلاف.

واستدل لذلك بصحيحة محمد بن يحيي : « كتب محمد بن الحسن يعنى الصفار إلى أبى محمّد عليه‌السلام : هل تقبل شهادة الوصى للميت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل؟ فوقّع : إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدّعى يمين ... وكتب أو تقبلُ شهادة الوصى على الميت (بدين) مع شاهد آخر عدل؟ فوقّع : نعم من بعد يمين » (١) ، بتقريب أنّ قوله عليه‌السلام فى الذيل : « نعم من بعد يمين » يراد به : بعد يمين المدّعى لا يمين الوصي الذى هو أحد الشاهدين بقرينة التعبير فى الصدر : « فعلى المدّعى يمين » ، فإطلاق كلمة « اليمين » فى الذيل جاء اعتماداً على تقييدها بالمدّعى فى الصدر.

٣ ـ وأمّا ثبوت الدين على الحى برجلٍ ويمين المدّعى ، فممّا لا إشكال فيه. وقد دلّت عليه روايات كثيرة كادت أن تبلغ حدَّ التواتر ، من قبيل صحيحة محمد ابن مسلم عن أبى عبداللّه‏ عليه‌السلام : « كان رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله يجيز فى الدين شهادة رجل واحد ويمين صاحب الدين ولم‏يجز فى الهلال إلاّ شاهدى عدل » (٢).

٤ ـ وأمّا ثبوت ذلك برجل وامرأتين ، فلقوله تعالي : ( فإن لم‏يكونا رجلين فرجل وامرأتان ) (٣) ، وصحيحة الحلبى عن أبى عبداللّه‏ عليه‌السلام : « ... تجوز شهادة النساء مع الرجل فى الدين؟ قال : نعم ... » (٤) وغيرها.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٧٣ ، باب ٢٨ من أبواب الشهادات ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ١٩٣ ، باب ١٤ من أبواب كيفيّة الحكم ، حديث ١.

٣ ـ البقرة : ٢٨٢.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٥٨ ، باب ٢٤ من أبواب الشهادات ، حديث ٢.

٤٤

٥ ـ وأمّا ثبوت ذلك بامرأتين ويمين المدعى ، فلصحيحة الحلبى الأخرى عن أبى عبداللّه‏ عليه‌السلام : « إن رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله أجاز شهادة النساء مع يمين الطالب فى الدين يحلف باللّه‏ إنَّ حقّه لحق » (١) وغيرها.

والمراد؛ من شهادة النساء شهادة امرأتين؛ لأن الديون حيث يكفى لإثباتها رجل ويمين ، فيلزم أن يكون القائم مقام الرجل هو المرأتين.

٦ ـ وأمّا أنّ الأعيان تثبت بشاهدٍ ويمين ، فلإطلاق بعض النصوص ، من قبيل صحيحة منصور بن حازم عن أبى عبداللّه‏ عليه‌السلام : « كان رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله يقضى بشاهدٍ واحد مع يمين صاحب الحق » (٢).

وأمّا ثبوتها بامرأتين مع اليمين ، فلصحيحة منصور بن حازم الاُخري : « إنَّ أبا الحسن موسى بن جعفر عليه‌السلام قال : إذا شهد لطالب الحق امرأتان ويمينه فهو جائز » (٣).

وأمّا أنّها لاتثبت برجل وامرأتين ، فلاختصاص دليل اعتبار ذلك وهو الآية الكريمة وصحيحة الحلبى المتقدمتان فى رقم (٤) بالدين ، فيتمسك بالأصل فى غيره.

إلاّ أنّ المنسوب إلى المشهور هو التعدى إمّا لإلغاء خصوصية المورد أو لأنّ الأعيان إذا كانت تثبت برجلٍ ويمين المدّعى فيلزم أن تثبت برجل وامرأتين أيضاً لقيام المرأتين مقام اليمين.

وكلاهما كما تري.

٧ ـ وأمّا أنّ اللواط والمساحقة لايثبتان إلاّ بأربعة رجال ، فقد ذكر صاحب

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ١٩٨ ، باب ١٥ من أبواب كيفيّة الحكم ، حديث ٣.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ١٩٣ ، باب ١٤ من أبواب كيفيّة الحكم ، حديث ٢.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ١٩٧ ، باب ١٥ من أبواب كيفيّة الحكم ، حديث ١.

٤٥

الجواهر عدم عثوره فى النصوص على ما يدل على ذلك وإن كان ذلك أمراً متسالماً عليه بين الأصحاب(١).

بَيْدَ أنّ بالإمكان التمسّك فى المساحقة بقوله تعالي : ( واللاتى يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهنّ أربعة منكم ) (٢) ، فإنّ الفاحشة لاتختص بالزنا.

وأمّا بالنسبة إلى اللواط فقد يتمسك لاعتبار الأربعة بمقدّمتين :

إحداهما : أن اللواط يثبت بالاقرار أربع مرّات ، كما دلّت عليه بعض النصوص الآتية.

ثانيتهما : أن كل إقرار واحد منزل منزلة شهادة واحدة ، كما دلّت عليه بعض النصوص الآتية أيضاً.

ولازم المقدمتين المذكورتين عدم ثبوت اللواط إلاّ بأربع شهادات.

أمّا الدال على المقدّمة الاُولى فهو صحيحة مالك بن عطية عن أبى عبداللّه‏ عليه‌السلام : « بينما أمير المؤمنين عليه‌السلام فى ملاءٍ (٣) من أصحابه إذ أتاه رجل فقال : يا أمير المؤمنين عليه‌السلام إنى أوقبت (٤) على غلام فطهِّرني ، فقال له : ياهذا امضِ إلى منزلك لعلَّ مراراً (٥) هاج بك. فلمّا كان من غد عاد إليه ، فقال له : يا أمير المؤمنين إنّى أوقبت على غلامٍ فطهِّرني ، فقال له : اذهب إلى منزلك لعلَّ مراراً هاج بك ، حتى فعل ذلك ثلاثاً بعد مرّته الاُولي ، فلمّا كان فى الرابعة قال له : ياهذا إنّ رسول اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله حكم فى مثلك

__________________

١ ـ جواهر الكلام : ٤١ / ١٥٤.

٢ ـ النساء : ١٥.

٣ ـ فى الوافي : ١٥ / ٣٣٥ : ملأ.

٤ ـ الإيقاب : الادخال.

٥ ـ جاء فى مجمع البحرين فى مادة مرر : « المُرَّة : خلط من اخلاط البدن غير الدم ، والجمع مِرار بالكسر ».

٤٦

بثلاثة أحكام فاختر أيّهن شئت. قال : وما هنَّ يا أمير المؤمنين؟ قال : ضربة بالسيف فى عنقك بالغة ما بلغت ، اهداب (اهداء) (١) من جبل مشدود اليدين والرجلين ، أو إحراق بالنار. قال : يا أمير المؤمنين أيّهنَّ أشد عليَّ؟ قال : الاحراق بالنار ، قال : فإنّى قد اخترتها يا أمير المؤمنين ، فقال : خذ لذلك أُهبتك ، فقال : نعم. قال : فصلّى ركعتين ثم جلس فى تشهده ، فقال : اللّهم إنّى قد أتيت من الذنب ما قد علمته وإنّى تخوفت من ذلك فأتيت إلى وصيّ رسولك وابن عمّ نبيّك فسألته أن يطهِّرنى فخيرنى ثلاثة أصناف من العذاب ، اللّهم فإنّى اخترت أشدّهن ، اللّهم فإنّى أسألك أن تجعل ذلك كفارة لذنوبى وأن لاتحرقنى بنارك فى آخرتي ، ثم قام وهو باكٍ حتى دخل الحفيرة التي حفرها له أمير المؤمنين عليه‌السلام وهو يرى النار تتأجج حوله. قال : فبكى أمير المؤمنين عليه‌السلام وبكى أصحابه جميعاً ، فقال له أمير المؤمنين عليه‌السلام : قم يا هذا فقد أبكيت ملائكة السماء وملائكة الأرض ، فإنَّ اللّه‏ قد تاب عليك(٢) فقم ولا تعاودن شيئاً ممّا فعلت » (٣).

وأمّا الدال على المقدمة الثانية فهو ما رواه سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة « أن امرأة أتت أمير المؤمنين عليه‌السلام فقالت : يا أمير المؤمنين إنّى زنيت فطهِّرنى طهّرك اللّه‏ فإنَّ عذاب الدنيا أيسر من عذاب الآخرة الذى لاينقطع ، فقال : مِمَ أطهِّرك؟ قالت : من الزنا ، فقال لها : فذات بعل أنت أم غير ذات بعل؟ فقالت : ذات بعل ، فقال لها : فحاضراً كان بعلك أم غائباً؟ قالت : حاضراً ، فقال : انتظرى حتى تضعى مافى بطنك ثم ائتيني ، فلمّا ولّت عنه من حيث لاتسمع كلامه قال : اللّهم هذه شهادة ، فلم تلبث أن أتته ، فقالت : إنى وضعت فطهِّرني ... قال : اذهبى حتى ترضعيه ، فلمّا ولّت حيث لاتسمع

__________________

١ ـ وفى الوافي : ١٥ / ٣٣٥ : أو دهداء.

٢ ـ ومن هنا يقول الأصحاب بأن من أقرَّ بحدٍّ ثم تاب ، كان الإمام مخيراً فى إقامته.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ٤٢٣ ، باب ٥ من أبواب حد اللواط ، حديث ١.

٤٧

كلامه ، قال : اللّهم إنّهما شهادتان ، فلما أرضعته عادت إليه ، فقالت : يا أمير المؤمنين إنّى زنيت فطهِّرني .... قال : اذهبى فاكفليه حتى يعقل أن يأكل ويشرب ... فانصرفت وهى تبكي ، فلمّا ولّت حيث لاتسمع كلامه ، قال : اللّهم هذه ثلاث شهادات ... وفي الرابعة رفع أمير المؤمنين عليه‌السلام رأسه إلى السماء وقال : اللّهم إنّى قد أثبتتُ ذلك عليها أربع شهادات ... » (١).

٨ ـ وأمّا أنّ الزنا لايثبت بأقلّ من أربعة ، فممّا لا إشكال فيه. وقد دلَّ على ذلك قوله تعالي : ( والذين يرمون المحصنات ثم لم‏يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ) (٢) ، ( إنَّ الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لاتحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم ... لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء ... ) (٣) ( واللاتى يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهنّ أربعة منكم ) (٤).

والروايات فى ذلك كادت أن تبلغ حدَّ التواتر ، من قبيل موثقة أبى بصير : « قال أبو عبداللّه‏ عليه‌السلام : « لايرجم الرجل والمرأة حتى يشهد عليهما أربعة شهداء على الجماع والإيلاج والإدخال كالميل فى المكحلة » (٥).

وأمّا أنّه يثبت بثلاثة رجال وامرأتين ، وبرجلين وأربع نساء بالنسبة إلى الجلد ، فلصحيحة الحلبى عن أبى عبداللّه‏ عليه‌السلام : « سُئل عن رجل محصن فجر بامرأة فشهد عليه ثلاثة رجال وامرأتان وجب عليه الرجم. وإن شهد عليه رجلان وأربع نسوة فلاتجوز

__________________

١ ـ الفقيه : ٤ / ٢٢.

٢ ـ النور : ٤.

٣ ـ النور : ١٣.

٤ ـ النساء : ١٥.

٥ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ٣٧١ ، باب ١٢ من أبواب حدّ الزنا ، حديث ٤.

٤٨

شهادتهم ولايرجم ولكن يضرب حدَّ الزاني » (١).

٩ ـ وأمّا ثبوت النكاح برجل وامرأتين ، فلصحيحة الحلبى عن أبى عبداللّه‏ عليه‌السلام : « سُئل عن شهادة النساء فى النكاح ، فقال : تجوز إذا كان معهنّ رجل ... » (٢).

وأمّا ثبوت الدية بذلك ، فلصحيحة جميل بن دراج ومحمد بن حمران عن أبي عبد اللّه‏ عليه‌السلام : « قلنا : أتجوز شهادة النساء فى الحدود؟ فقال : فى القتل وحده ، إنَّ علياً عليه‌السلام كان يقول : لايبطل دم امري‏ءٍ مسلم » (٣) ، فإنه بعد ضمها إلى موثقة غياث ابن ابراهيم عن جعفر بن محمد عن أبيه عن على : : « لاتجوز شهادة النساء فى الحدود ولا فى القود » (٤) يفهم أنّ الذى لايثبت بشهادة النساء فى باب القتل هو القود دون الدية ، إذ بعدم ثبوت الدية يلزم بطلان دم المسلم ، بخلاف نفى القود مع ثبوت الدية فإنّه لايلزم منه ذلك.

١٠ ـ وأمّا ثبوت العذرة وما تلاها بأربع نساء ، فلموثقة عبداللّه‏ بن بكير عن أبى عبداللّه‏ عليه‌السلام : « تجوز شهادة النساء فى العذرة وكل عيب لايراه الرجل » (٥) ، وصحيحة عبداللّه‏ بن سنان : « سمعت أبا عبداللّه‏ عليه‌السلام يقول : .... تجوز شهادة النساء وحدهنّ بلا رجال فى كل مالايجوز للرجال النظر إليه ... » (٦) وغيرها.

وبذلك يتضح الحال فيالرضاع ، فإنّه ممّا لايراه الرجال.

وأما اعتبار أن تكون النساء أربع بالرغم من إطلاق النصوص ، فلأنّ القائم مقام

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ٤٠١ ، باب ٣٠ من أبواب حدّ الزنا ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٥٨ ، باب ٢٤ من أبواب الشهادات ، حديث ٢.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٥٨ ، باب ٢٤ من أبواب الشهادات ، حديث ١.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٦٤ ، باب ٢٤ من أبواب الشهادات ، حديث ٢٩.

٥ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٦٠ ، باب ٢٤ من أبواب الشهادات ، حديث ٩.

٦ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٦٠ ، باب ٢٤ من أبواب الشهادات ، حديث ١٠.

٤٩

رجلين هو أربع نساء.

١١ ـ وأمّا أنّ الوصية تثبت بالنحو المتقدم ، فلصحيحة محمد بن قيس عن أبيجعفر عليه‌السلام عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « قضى فى وصية لم‏تشهدها إلاّ امرأة فأجاز شهادة المرأة فى ربع الوصية » (١) وغيرها.

١٢ ـ وأمّا أنّ القابلة تمضى شهادتها بلحاظ الربع ، فلصحيحة عمر بن يزيد : « سألت أبا عبداللّه‏ عليه‌السلام عن رجل مات وترك امرأته وهى حامل فوضعت بعد موته غلاماً ثم مات الغلام بعد ما وقع إلى الأرض ، فشهدت المرأة التى قبَّلتها أنّه استهلّ وصاح حين وقع إلى الأرض ثم مات ، قال : على إلامام أن يجيز شهادتها فى ربع ميراث الغلام » (٢) وغيرها.

وأما تعميم الحكم لمطلق المرأة فلما يستفاد من بعض النصوص ، من قبيل صحيحة محمد بن مسلم : « سألته تجوز شهادة النساء وحدهنّ؟ قال : نعم فى العذرة والنفساء » (٣) وغيرها.

على أنّ مادلَّ على ثبوت ربع التركة بشهادة القابلة ليس له دلالة على تقييد الحكم بها ، بل كان ذلك مورد السؤال ، ومعه يتعدّى إلى غيره لعدم فهم الخصوصية بلا حاجة إلى البحث عن إطلاق يعم مطلق المرأة.

١٣ ـ وأمّا أنّ الدية يثبت ربعها بشهادة المرأة الواحدة ونصفها بشهادة ثنتين وهكذا ، فلصحيحة محمد بن قيس عن أبى جعفر عليه‌السلام : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في غلام شهدت عليه امرأة أنّه دفع غلاماً فى بئر فقتله ، فأجاز شهادة المرأة بحساب

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ٣٩٦ ، باب ٢٢ من أحكام الوصايا ، حديث ٤.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٥٩ ، باب ٢٤ من أبواب الشهادات ، حديث ٦.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٦٢ ، باب ٢٤ من أبواب الشهادات ، حديث ١٩.

٥٠

شهادة المرأة » (١) ، فإنّ جملة « بحساب شهادة المرأة » يدل على ثبوت النصف بشهادة المرأتين ، وهكذا.

أحكام عامة فى باب الشهادات

لاتجوز الشهادة إلاّ مع العلم بالمشهود به عن حس أو مايقرب منه ، كالحاصل من التواتر.

وتحمّل الشهادة مع الدعوة إلى ذلك واجب. وكذا أداؤها بعد التحمل فيما إذا تحققت الدعوة إلى التحمّل ، وإلاّ ثبت التخيير بين الأداء وعدمه ، إلاّ إذا كان أحد الطرفين ظالماً فيجب أداؤها مطلقاً.

وتقبل الشهادة على الشهادة فى حقوق الناس ـ كالطلاق والنسب ـ دون حقوق اللّه‏ سبحانه ، سواء كانت خاصة أم مشتركة.

ولا يعتبر الاشهاد إلاّ فى الطلاق والظهار.

وتصدَّق المرأة فيدعواها أنّها خلية وأنّ عدّتها قدانقضت ، إلاّ إذا ادّعت‏ذلك بشكل مخالف للعادة الجارية بين‏النساء ، كما إذا ادّعت ‏أنّها حاضت‏ فيشهر واحد ثلاث مرات.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا اعتبار العلم فى جواز الشهادة ، فلأنّها قسم من الأخبار الجازم وهو لايجوز بدون العلم وإلاّ يلزم الكذب.

هذا مضافاً إلى صحيحة معاوية بن وهب : « قلت له : إن ابن أبى ليلى يسألني الشهادة عن(٢) هذه الدار مات فلان وتركها ميراثاً وإنّه ليس له وارث غير الذي شهدنا

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٦٣ ، باب ٢٤ من أبواب الشهادات ، حديث ٢٦.

٢ ـ المناسب : « علي » بدل « عن » ، كما فى الوافي : ١٦ / ١٠٣٣.

٥١

له ، فقال : اشهد بما هو علمك. قلت : إنّ ابن أبى ليلى يحلفنا الغموس (بغموس) ، فقال : احلف إنّما هو على علمك (١) » (٢).

واضمارها لايضرّ بعدما كان المضمر من أجلاّء الأصحاب الذين لايحتمل في حقهم الرواية من غير الإمام عليه‌السلام. على أنّ الاضمار هو فى رواية الكافي ، (٣) وإلاّ فالشيخ نقلها مسندة إلى الإمام عليه‌السلام. (٤)

٢ ـ وأمّا أنّ مستند العلم لابدَّ من كونه الحس أو مايقرب منه ، فذلك :

اما لأنّ سكوت الروايات عن بيان مستند الشهادة يفهم منه إيكال القضية إلي العرف ، وهو يعتبر ماذكر.

أو لأنّ الشهادة عن حدس لادليل على اعتبارها فلاتكون حجة ، بخلاف ماكانت عن حس ، فإنّها القدر المتيقن من دليل جواز الشهادة ، وهكذا إذا كان مستندها يقرب من‏الحس ، حيث لايحتمل الفرق بينها وبين ما إذا كانت مستندة إلى الحس مباشرة.

ثم إنّه ممّا يؤكد اعتبار كون المدرك العلم عن حس او ما يقرب منه رواية علي بن غراب عن أبى عبداللّه‏ عليه‌السلام : « لاتشهدنّ بشهادة حتى تعرفها كما تعرف كفّك » (٥) ، فإنّ ضعفها بابن غراب وغيره لايمنع من التمسّك بها على مستوى التأييد.

ومثلها مارواه المحقق فى الشرائع عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله مرسلاً حينما سئل عن الشهادة :

__________________

١ ـ فى الوافي : ١٦ / ١٠٣٤ ، الغموس : الأمرالشديد الغامس فى الشدّة.

« إنّما هو على علمك » : يعنى إنّما تشهد أو تحلف على ما تعلم من ذلك دون ما لاتعلم.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٤٥ ، باب ١٧ من أبواب الشهادات ، حديث ١.

٣ ـ الكافي : ٧ / ٣٨٧.

٤ ـ تهذيب الأحكام : ٦ / ٢٦٢.

٥ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٥٠ ، باب ٢٠ من أبواب الشهادات ، حديث ١.

٥٢

« هل ترى الشمس؟ على مثلها فاشهد أو دع » (١).

٣ ـ وأمّا وجوب تحمّل الشهادة مع الدعوة إليه ، فهو المعروف بين الأصحاب لقوله تعالي : ( ولا يأبَ الشهداء إذا مادعوا ) (٢) بعد الغاء خصوصية المورد بفهم العرف ، ولصحيحة أبى الصباح عن أبى عبداللّه‏ عليه‌السلام : « قوله تعالي : « ولايأبَ الشهداء إذا ما دعوا » قال : لاينبغى لأحد إذا دعى إلى شهادة ليشهد عليها أن يقول : لا أشهد لكم عليها » (٣) وغيرها.

هذا وقد نقل صاحب الجواهر عن ابن‏ادريس أنّ الآية الكريمة ناظرة إلى أداء الشهادة دون تحملها بقرينة التعبير بكلمة « الشهداء » الظاهرة فى تمامية الشهادة وتحققها.

وأضاف صاحب الجواهر قائلاً : إنّ ملاحظة ماقبل الآية المذكورة وما بعدها يعطى أنّها فى صدد بيان بعض الآداب الشرعية ، كقوله تعالي : ( وليكتب بينكم كاتب بالعدل ) ( ولا تسأموا أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً ) ( ولا يأب كاتب أن يكتب ). ومعه يكون المناسب حمل فقرة الاستشهاد على بيان الكراهة (٤).

ثم أضاف : وأمّا الروايات فقد ورد فيها التعبير بـ « لاينبغي » المشعر بالكراهة.

وفيه : انَّ بعض الروايات ظاهر فى الالزام ، من قبيل ما رواه داود بن سرحان عن أبى عبداللّه‏ عليه‌السلام : « لا يأب الشاهد أن يجيب حين يدعى قبل الكتاب » (٥). وبعد الرواية

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٥٠ ، باب ٢٠ من أبواب الشهادات ، حديث ٣.

٢ ـ البقرة : ٢٨٢.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٢٥ ، باب ١ من أبواب الشهادات ، حديث ٢.

٤ ـ جواهر الكلام : ٤١ / ١٨٢.

٥ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٢٦ ، باب ١ من أبواب الشهادات ، حديث ٦.

المراد من الكتاب كتابة الدين المشار اليه قى قوله تعالي : « وليكتب بينكم كاتب بالعدل ... » ، والمعنى لايأبَ الشاهد عن تحمل الشهادة اذا دعى اليها قبل الكتابة.

٥٣

المذكورة لايبقى مجال لكل ماذكر.

٤ ـ وأمّا وجوب أداء الشهادة ، فلم ينقل فيه خلاف. ويدل عليه قوله تعالي : ( ومن يكتمها فإنّه آثم قلبه ) (١) بعد الغاء خصوصية المورد بفهم العرف ، وقوله تعالي : ( ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ) (٢) لاطلاقه الشامل للأداء.

ومجردذكرذلك بعد طلب‏الاستشهاد بشهيدين لايدل علي‏الاختصاص بالتحمّل.

٥ ـ وأمّا اشتراط وجوب الأداء بالدعوة إلى التحمّل ، فلصحيحة محمد بن مسلم عن أبى جعفر عليه‌السلام : « إذا سمع الرجل الشهادة ولم‏يشهد عليها فهو بالخيار إن شاء شهد وإن شاء سكت إلاّ إذا علم من الظالم فيشهد ولايحل له أن لايشهد » (٣) وغيرها.

ولولاها كان المناسب الوجوب مطلقاً ، لإطلاق الآيتين الكريمتين.

٦ ـ وأمّا استثناء حالة ظلم أحد الطرفين ، فلوجوب إزالة الظلم والصحيحة المتقدّمة.

٧ ـ وأمّا الشهادة على الشهادة ، فهى مقبولة عندنا من دون خلاف. ولاتثبت شهادة الأصل إلاّ بشهادة رجلين.

والمستند فى ذلك : أمران :

أ ـ اقتضاء القاعدة لذلك ، فإنّ شهادة الأصل كسائر الأشياء مشمولة لإطلاق أدلة حجية الشهادة.

ب ـ النصوص الخاصة ، كموثقة طلحة بن زيد عن أبى عبداللّه‏ عليه‌السلام عن أبيه عن

__________________

١ ـ البقرة : ٢٨٣.

٢ ـ البقرة : ٢٨٢.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٣٢ ، باب ٥ من أبواب الشهادات ، حديث ٤.

٥٤

على عليه‌السلام : « كان لايجيز شهادة رجل على رجل إلاّ شهادة رجلين على رجل » (١) وغيرها.

ثم إنّه ورد فى موثقة غياث بن ابراهيم عن جعفر عن أبيه : « أنّ علياً عليه‌السلام قال : لا أقبل شهادة رجلٍ على رجلٍ حيٍ وإن كان باليمن » (٢).

ويمكن حمل ذلك على كون المقصود : لا اُجيز شهادة شخص واحد من دون انضمام ثانٍ إليه لإثبات شهادة الأصل.

وممّا يؤكد ذلك موثقته الاُخري ، حيث ورد فيها : « إنّ علياً عليه‌السلام كان لايجيز شهادة رجل على شهادة رجل إلاّ شهادة رجلين على شهادة رجل » (٣).

٨ ـ وأمّا استثناء حدود اللّه‏ سبحانه ، فلموثقة طلحة بن زيد عن أبى عبداللّه‏ عليه‌السلام عن أبيه عن على عليه‌السلام : « كان لايجيز شهادة على شهادة فى حدٍ » (٤) وغيرها.

ومقتضى إطلاقها عدم الفرق بين كون الحدّ خاصاً باللّه‏ سبحانه او مشتركاً كما هو واضح.

وطلحة وإن لم‏يوثق إلاّ أنّ تعبير الشيخ عنه بأنّه « عامّى المذهب إلاّ أنّ كتابه معتمد » (٥) يسهّل الأمر فيه.

٩ ـ وأمّا عدم اعتبار الاشهاد فى غير الطلاق والظهار ، فللأصل بعد عدم الدليل على الاعتبار.

وأمّا اعتباره فى الطلاق ، فممّا لاخلاف فيه عندنا لقوله تعالي : ( يا أيّها النبّى إذا

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٩٨ ، باب ٤٤ من أبواب الشهادات ، حديث ٢.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٩٨ ، باب ٤٤ من أبواب الشهادات ، حديث ٣.

والمقصود من اليمن البلاد المعروفة.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٩٨ ، باب ٤٤ من أبواب الشهادات ، حديث ٤.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٩٩ ، باب ٤٥ من أبواب الشهادات ، حديث ١.

٥ ـ الفهرست : ٨٦ ، رقم ٣٦٢.

٥٥

طلقتم النساء فطلّقوهن لعدَّتهن واحصوا العدّة ... فإذا بلغن أجلهنَّ فامسكوهنَّ بمعروفٍ أو فارقوهن بمعروفٍ وأشهدوا ذوى عدلٍ منكم ) (١).

وإذا لم‏يكن فى ذلك دلالة واضحة على اعتبار الإشهاد فى الطلاق ، فيمكن الاستعانة بصحيحة أحمد بن أبى نصر : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل طلّق امرأته بعدما غشيها بشهادة عدلين ، قال : ليس هذا طلاقاً. قلت : فكيف طلاق السنّة؟ فقال : يطلقها إذا طهرت من حيضها قبل أن يغشيها بشاهدين عدلين ، كما قال اللّه‏ عزّوجلّ في كتابه ، فإن خالف ذلك ردّ الى كتاب اللّه‏ » (٢) وغيرها.

وأمّا اعتباره فى الظهار ، فممّا لاخلاف فيه أيضاً لصحيحة حمران : « قال أبوجعفر عليه‌السلام ... لايكون ظهار إلاّ فى طهر من غير جماع بشهادة شاهدين مسلمين » (٣) وغيرها.

١٠ ـ وأمّا تصديق المرأة فى دعوى كونها خلية ، فلموافقة ذلك للأصل فلاتحتاج إلى بيّنة ، كما ولاتحتاج إلى يمين لعدم كونها مدّعيً عليها.

وأمّا تصديقها فى انقضاء العدّة بالرغم من مخالفة ذلك للأصل ، فلصحيحة زرارة عن أبى جعفر عليه‌السلام : « العدّة والحيض للنساء ، إذا ادّعت صدّقت » (٤).

وأمّا أنّها لاتصدَّق إذا ادَّعت مايخالف عادة النساء ، فلعدم وجود المثبت لذلك ، فإنّ الصحيحة المتقدمة منصرفة عن مثل ذلك.

__________________

١ ـ الطلاق : ١ ـ ٢.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٢٨٢ ، باب ١٠ من أبواب مقدمات الطلاق ، حديث ٤.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٥٠٩ ، باب ٢ من كتاب الظهار ، حديث ١.

٤ ـ وسائل الشيعة : ٢ / ٥٩٦ ، باب ٤٧ من أبواب الحيض ، حديث١.

٥٦

كتاب الإقرار

١ ـ حقيقة الإقرار ومدرك حجيّته

٢ ـ من أحكام الإقرار

٥٧
٥٨

حقيقة الإقرار ومدرك حجيته

الإقرار : إخبار الشخص عن حق ثابت عليه ، أو نفى حق له على غيره.

وهو حجّة ونافذ عل المقرّ بلا اشكال.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا أنّ حقيقة الاقرار ما ذكر ، فممّا لا تأمل فيه ، فإن لفظه ـ بناءً على كون مدرك حجية الاقرار لفظياً ـ ظاهر عرفاً فى ما ذكرناه. وإذا كان مدرك الحجية هو السيرة العقلائية فهى تقتضى ثبوت الحجية للاقرار بالمعنى المذكور ايضاً.

ثم إنّ لازم كون الاقرار إخباراً خروجه عن العقود والايقاعات ، وكونه شيئاً ثالثاً فى مقابلهما كما هو واضح.

وينبغي التفرقة بين‏قاعدة حجية ‏الاقرار وقاعدة : « من ملك شيئاً ملك الاقرار به » فإنّ معنى الاُولى أنّ من أقرَّ على نفسه بشيء كان ملزماً به ، بينما معنى الثانية : أنّ من كان له الحق فى تصرف معيّن فإخباره عن تحققه نافذ ، فالزوج مادام له الحق فى طلاق زوجته فإخباره عن تحققه نافذ ، والوكيل فى بيع دار ونحوها بما أنّ له الحق فى ايقاع ذلك فإخباره عن تحققه نافذ.

٥٩

٢ ـ وأمّا أنّ الاقرار حجة على المقرّ وملزم ، به فلاينبغى التأمل فيه للسيرة العقلائية على ذلك. وهى حجة بسبب عدم الردع عنها الكاشف عن امضائها.

هذا هو مدرك حجية اقرار العاقل على نفسه.

وأمّا الحديث المشهور عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « اقرار العقلاء على أنفسهم جائز » (١) فلاوجود له فى كتب الحديث وإنّما هو مذكور فى الكتب الاستدلالية لفقهائنا ـ من دون سند ـ كما أشار الى ذلك الحر العاملي. (٢)

ودعوى صاحب الجواهر أنّه حديث نبوى مستفيض أو متواتر لانعرف وجهها (٣) ، فإنّه لم‏يثبت كونه حديثاً ليكون مستفيضاً أو متواتراً.

وأمّا شهرة العمل به ـ على تقدير كونه حديثاً ـ فهى لو تمّت صغريً وكبريً فلايمكن الاعتماد عليها فى المقام ، لاحتمال أن استنادهم اليه ليس لكونه حديثاً صادراً من النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حقاً ، بل لأنّ مضمونه مضمون عقلائى لايحتاج الى رواية.

وعليه فالمدرك منحصر بالسيرة العقلائية.

من أحكام الاقرار

لايلزم الشخص باقراره إلاّ إذا كان إخباره ـ بثبوت الحق عليه أو انتفائه عنه ـ بنحو الجزم دون الاحتمال أو الظن.

ولايكون الاقرار حجة إلاّ بلحاظ الآثار التى هى فى ضرر المقرّ دون الآثار التى هى في

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ١٣٣ ، باب ٣ من ابواب الاقرار ، حديث ٢ ؛ مستدرك الوسائل نقلاً عن عوالى اللآلي : ١٣ / ٣٦٩.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٦ / ١٣٣.

٣ ـ جواهر الكلام : ٣٥ / ٣.

٦٠