دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٤

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: توحيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٨١

الدية واقسامها

الدية (١) غرامة مالية شرِّعت كجزاء على ارتكاب الجناية.

وهى مشروعة بالكتاب والسنّة القطعية.

وتنقسم الى المقدَّرة شرعاً وغيرها.

وهى ثابتة فى موارد خاصة.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما أنّ تحديد الدية ما تقدم ، فهو من واضحات اللغة والفقه.

وأما أنّها مشروعة ، فهو من ضروريات الاسلام. ويدل عليه قوله تعالي : ( ومن قتل مؤمنا خطأً فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ ودية مسلّمة الى أهله ) ، (٢) والروايات الكثيرة التى تأتى الاشارة الى بعضها.

٢ ـ وأما انقسامها الى المقدَّرة شرعاً وغيرها ، فباعتبار أنّ الجناية تارة يكون لها تقدير شرعى واُخرى لايكون لها ذلك. ويصطلح على الأول بالدية وعلى الثاني بالأرش أو الحكومة.

__________________

١ ـ بكسر الدال وتخفيف الياء.

٢ ـ النساء : ٩٢.

٢٦١

ويتمّ تعيين الأرش وفق طريقة يأتى بيانها فى ما بعد إن شاء الله تعالي.

والدية بكلا قسميها تؤخذ من الجانى إن كانت الجناية عمدية أو شبه ذلك ، ومن العاقلة إن لم تكن كذلك.

٣ ـ وأما موارد ثبوتها ، فهي :

أ ـ الخطأ المحض والشبيه بالعمد. وثبوت الدية فيهما دون القود أمر متسالم عليه بيننا. ويدل عليه قوله تعالي : ( ومن قتل مؤمنا خطأً فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ ودية مسلّمة الى أهله ) (١) ، فإنّه بإطلاقه يشمل الخطأ بكلا قسميه. ويمكن استفادة ذلك من الروايات أيضاً ـ ولكن الطابع العام عليها ضعف السند ـ كرواية الفضل بن عبدالملك عن أبيعبدالله عليه‌السلام : « سألته عن الخطأ الذى فيه الدية والكفارة ، هو الرجل يضرب الرجل ولايتعمد؟ قال : نعم ... » (٢) وغيرها.

هذا وقد تقدمت فيبداية البحث عن‏القصاص الإشارة الى خلاف مالك فلاحظ.

ب ـ الموارد التى لايثبت فيها القصاص بالرغم من كون القتل عمداً ، كقتل الأب ولده أو المسلم الذمي. وقد تقدمت الإشارة الى وجه ثبوت الدية فى مثل ذلك في بداية البحث عن القصاص.

ج ـ الموارد التى لايمكن فيها القصاص ، كبعض الجروح التى لايمكن ضبطها. وقد تقدّمت الإشارة الى ذلك فى نهاية البحث عن القصاص.

د ـ موارد القصاص فيما اذا تراضى الطرفان على الدية. وقدتقدّمت الإشارة الي ذلك فى مبحث القصاص تحت عنوان « من أحكام قصاص النفس ».

__________________

١ ـ النساء : ٩٢.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ٢٨ ، باب ١١ من ابواب القصاص فى النفس ، حديث ١٩.

٢٦٢

مقادير الديات

الديات المقدَّرة شرعاً هى على أنحاء مختلفة نشير الى بعضها : (١)

دية القتل عمداً

دية قتل المسلم عمداً ـ إذا تمّ التراضى عليها ـ أحد اُمور ستة :

* مائة من الإبل الفحولة المسنّة. (٢)

* أو مائتا بقرة.

* أو ألف دينار ذهب. (٣)

* أو عشرة آلاف درهم فضة. (٤)

* أو ألف شاة.

* أو مائتا حلّة (٥) ، وكل حلّة ثوبان : ازار ورداء.

واستيفاؤها يكون ضمن فترة سنة.

ويجوز الاستيفاء بالأوراق النقدية المتداولة فى زماننا مع تعذر الستة أو تراضي الطرفين على ذلك.

__________________

١ ـ حيث إنّ الديات المقدّرة شرعاً كثيرة جداً ، واستيعابها يوجب التطويل ويورث الملل اقتصرنا على البعض المهم منها.

٢ ـ المسنّة من الإبل ـ على ما قيل ـ هى ما دخلت فى السنة السادسة.

٣ ـ المقصود الدينار الشرعى الذى مقداره مثقال ذهب بوزن ١٨ حمصة. وقيل انّ الدينار الشرعى يعادل أربعة غرامات ذهب وربع تقريباً ، فالدية على هذا أربعة كيلوات من الذهب وربع الكيلو تقريباً.

٤ ـ المقصود الدرهم الشرعى الذى هو من الفضة ويعادل ٦/١٢ حمصة. وقيل انّ الدرهم الشرعى يعادل ثلاثة غرامات إلاّ ربع عشر الغرام تقريباً ، فالدية على هذا ثلاثون كيلواً إلاّ ربع الكيلو من الفضة تقريباً.

٥ ـ الحُلَّة ـ بضم الاول ـ مطلق الثوب أو خصوص الثوب الساتر لجميع البدن. والفقهاء فسّروها بالثوبين ، بل قيل : إنّ ذلك هو معناها لغة.

٢٦٣

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما أنّ دية القتل عمداً ما تقدم ، فممّا لا خلاف فيه. وتدل عليه صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج : « سمعت ابن أبى ليلى يقول : كانت الدية فى الجاهلية مائة من الإبل فأقرّها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم إنّه فرض على أهل البقر مائتى بقرة ، وفرض على أهل الشاة ثنية (١) ، وعلى أهل الذهب ألف دينار ، وعلى أهل الورق عشرة آلاف درهم ، وعلى أهل اليمن الحلل مائتى حلّة. قال عبدالرحمن بن الحجاج : فسألت أباعبداللّه‏ عليه‌السلام عما روى ابن أبى ليلي ، فقال : كان على عليه‌السلام يقول : الدية ألف دينار ـ وقيمة الدينار عشرة دراهم ـ وعشرة آلاف لأهل الأمصار ، وعلى أهل البوادى مائة من الإبل ولأهل السواد مائتا (٢) بقرة أو ألف شاة » (٣) وغيرها.

وموضع الاستشهاد نقل ابن الحجاج عن الإمام عليه‌السلام وإلاّ فما نقله ـ فى صدر الصحيحة ـ عن ابن أبى ليلى ليس حجة كما هو واضح.

ومنه يتضح أن مستند عدِّ مائتى حُلّة من جملة أفراد الدية ينحصر بالتسالم الفقهى على ذلك وإلاّ فكلام ابن أبيليلى ـ الذى ذكر فيه ذلك ـ ليس حجة.

ثم إنّ المذكور فى الصحيحة أنّ على أهل السواد مائتى بقرة وعلى ... وهذا لا ينبغى أن يفهم منه التعيين ، بل هو وارد مورد الارفاق والتسهيل كما هو واضح.

وينبغى الالتفات الى أنّ المعروف بين الفقهاء بل ادّعى عدم الخلاف فيه أن التخيير بين الأفراد الستة ثابت للجانى دون أولياء المجنى عليه. وهو إن لم‏يستفد

__________________

١ ـ الثنية من الغنم : ما دخل فى السنة الثالثة.

٢ ـ الوارد فى الطبع القديم من وسائل الشيعة : مائة بقرة. وهو اشتباه ، فانّ الموجود فى المصادر الاصلية للصحيحة وهى الكتب الأربعة : مائتا ـ مائتى ـ بقرة.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ١٤١ ، باب ١ من ابواب ديات النفس ، حديث ١.

٢٦٤

من الصحيحة المتقدمة فيكفى لإثباته كونه مقتضى الأصل.

وينبغى الالتفات أيضاً الى أنّ المسألة تشتمل على روايات اُخرى قد تدل علي مضامين اُخرى تغاير مضمون الصحيحة المتقدمة من بعض الجهات ، ولكن لأجل عدم القائل بذلك وهجران الأصحاب لها تكون ساقطة عن الحجية.

٢ ـ وأما أنه يعتبر فى الإبل أن تكون فحولة مسنّة ، فهو رأى معروف. وتدل عليه صحيحة معاوية بن وهب : « سألت أباعبدالله عليه‌السلام عن دية العمد ، فقال : مائة من فحولة الإبل المسان ... » (١) وغيرها.

٣ ـ وأما أنّ استيفاء دية العمد يكون ضمن فترة سنة ، فممّا لا خلاف فيه ، وتدل عليه صحيحة أبيولاّد عن أبيعبداللّه‏ عليه‌السلام : « كان على عليه‌السلام يقول : تستأدى دية الخطأ فى ثلاث سنين ، وتستأدى دية العمد فى سنة ». (٢)

٤ ـ وأما جواز الاستيفاء بالأوراق النقدية مع التعذر أو التراضى ، فواضح؛ لأنّه مع التعذر حيث لايحتمل سقوط الدية رأساً فيتعين الرجوع الى البدل الأقرب وهو الأوراق النقدية.

وأما أنّه مع التراضى يجوز ذلك ، فأوضح؛ لأنّ الحق لا يعدو الطرفين.

ثم إنّه لو فرض وجود بعض الأفراد الستة وعدم التراضى بالأوراق النقدية ، فهل يحقّ للجانى الالزام بها؟ المناسب هو العدم؛ لأنّ ظاهر الصحيحة الالزام بالأعيان نفسها فمع التمكن منها لا وجه للالزام بالبدل.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ١٤٦ ، باب ٢ من ابواب ديات النفس ، حديث ٢.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ١٥٠ ، باب ٤ من ابواب ديات النفس ، حديث ١.

٢٦٥

دية الشبيه بالعمد

دية القتل الشبيه بالعمد هى أحد الاُمور الستة المتقدّمة ، غير أنّه يعتبر فى الإبل أن تكون : أربعون منها خَلِفة من بين ثنية الى بازل عامها ، وثلاثون حقة ، وثلاثون بنت لبون. (١)

وتستوفى من الجانى خلال سنوات ثلاث.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما أنّ دية القتل الشبيه بالعمد هو أحد الأفراد الستة أيضاً ، فباعتبار إطلاق صحيحة عبدالرحمن المتقدمة.

٢ ـ وأما أنّه يعتبر فى الإبل ماذكر من الأوصاف ، فهو رأى معروف. وتدل عليه صحيحة عبدالله بن سنان : « سمعت أباعبداللّه‏ عليه‌السلام يقول : قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في الخطأ شبه العمد أن يقتل بالسوط أو بالعصا أو بالحجر ، إنَّ دية ذلك تغلظ وهى مائة من الابل : منها أربعون خلفة من بين ثنية الى بازل عامها ، وثلاثون حقة ، وثلاثون بنت لبون » (٢)

وهى إذا كانت ضعيفة السند ببعض طرقها ، ففى بعضها الآخر كفاية فلاحظ.

٣ ـ وأما أنّها تستوفى من الجانى دون العاقلة ، فهو المشهور بين الأصحاب. و

__________________

١ ـ الخلفة ـ بفتح الحاء وكسر اللام ـ هى الحامل من النوق.

والثنية من الابل : ما دخل فى السنة السادسة.

والبازل من الابل : ما دخل فى التاسعة. يقال : هو بازل ، أى طلع نابه. واذا دخل فى العاشرة قيل هو بازل عام.

وعلى هذا يكون المقصود أنه تجب أربعون من الابل الحامل التى عمرها بين ست الى عشر سنوات.

والحقة هى الناقة الداخلة فى الرابعة. سميت بذلك لأنها استحقت أن يحمل عليها.

وبنت اللبون هى الناقة الداخلة فى الثالثة. سميت بذلك لأن أمّها قد وضعت وصار لها لبن.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ١٤٦ ، باب ٢ من ابواب ديات النفس ، حديث ١.

٢٦٦

يدل عليه إطلاق الآية الكريمة : ( ومن قتل مؤمناً خطأً فتحرير رقبةٍ مؤمنةٍ وديةٌ مسلّمةٌ الى أهله ) (١) ، فإنّها ظاهرة فى أنّ الدية ثابتة على الجاني ، وبإطلاقها تشمل كلا قسمى الخطأ ، غايته خرج الخطأ المحض ـ الذى تجب فيه الدية على العاقلة ـ بالدليل الخاص.

٤ ـ وأما أنّها تستوفى فى سنين ثلاث ، فلصحيحة أبيولاّد المتقدمة.

هذا ، ولكن المشهور أنّها تستوفى فى سنتين لا ثلاث ، إلاّ أنّه لا دليل على ذلك سوى الإجماع المدّعى من بعض. وعليه فالمناسب العمل بالصحيحة بناءً على أنّ إعراض المشهور عن روايةٍ لايوجب سقوطها عن الاعتبار.

دية الخطأ المحض

دية الخطأ المحض أحد الاُمور الستة المتقدمة ـ غايته يلزم فى الإبل أن تكون ثلاثون منها حقة ، وثلاثون بنت لبون ، وعشرون بنت مخاض(٢) ، وعشرون ابن لبون ـ وتستوفى من العاقلة خلال سنين ثلاث.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما أنّ دية الخطأ المحض أحد الاُمور الستة السابقة أيضاً ، فلنفس ما تقدّم في القتل الشبيه بالعمد.

٢ ـ وأما أنّه تلزم فى الإبل الاوصاف السابقة ، فهو المشهور بين الأصحاب. وتدل عليه صحيحة عبداللّه‏ بن سنان : « سمعت أباعبداللّه‏ عليه‌السلام يقول : ... والخطأ يكون فيه

__________________

١ ـ النساء : ٩٢.

٢ ـ بنت المخاض هى الناقة التى دخلت فى الثانية. وسمّيت بذلك لأنّ اُمّها قد حملت.

٢٦٧

ثلاثون حقة وثلاثون ابنة لبون وعشرون بنت مخاض وعشرون ابن لبون ذكر ». (١)

٣ ـ وأما أنّها تستوفى من العاقلة ، فأمر لا خلاف فيه. وتدل عليه صحيحة الحلبي : « سألت أباعبداللّه‏ عليه‌السلام ... والاعمى جنايته خطأ تلزم عاقلته يؤخذون بها في ثلاث سنين فى كلّ سنة نجماً ... ». (٢)

وأما أنها تستوفى فى سنوات ثلاث ، فللصحيحة المذكورة وصحيحة أبى ولاّد المتقدمة.

دية الجوارح

فى الجناية على العين الواحدة نصف الدية وعلى كلتيهما الدية كاملة. وهكذا الحال في الجناية على الأذن الواحدة والأذنين ، والشفة الواحدة والشفتين ، واليد الواحدة واليدين ، والرجل الواحدة والرجلين. وفى استئصال اللسان الدية كاملة.

والمستند فى ذلك :

إن ما ذكر ممّا لا خلاف فيه وتقتضيه قاعدة « أنّ كلّ ما كان منه فى الجسد واحد ففيه الدية كاملة ، وما كان فيه اثنان ففى كل واحد منهما نصف الدية ، وفيهما معاً الدية كاملة » المستفادة من صحيحة عبدالله بن سنان عن أبيعبدالله عليه‌السلام : « ما كان فى الجسد منه اثنان ففيه نصف الدية ، مثل اليدين والعينين. قلت : رجل فقئت عينه ، قال : نصف الدية ، قلت : فرجل قطعت يده ، قال : فيه نصف الدية ... » (٣) وغيرها

ومن ذلك يتضح الوجه فى حكم البقية.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ١٤٦ ، باب ٢ من ابواب ديات النفس ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ٣٠٦ ، باب ٢ من ابواب العاقلة ، حديث ١.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ٢١٤ ، باب ١ من ابواب ديات الاعضاء ، حديث ١.

٢٦٨

دية الأصابع

فى قطع كل واحد من أصابع اليد عُشر دية اليد ، وفى قطع كل إصبع من أصابع الرجل عُشر دية الرجل.

والمستند فى ذلك :

بعد كونه هو المشهور صحيحة عبدالله بن سنان عن أبيعبدالله عليه‌السلام : « أصابع اليدين والرجلين سواء فى الدية فى كلّ إصبع عشر من الإبل » (١) وغيرها.

وفى مقابل ذلك صحيحة ظريف عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : « ... ففى الإبهام اذا قطع ثلث دية اليد ... وفى الأصابع فى كل إصبع سدس دية اليد ... ». (٢)

إلاّ أنّ الصحيحة المذكورة ، لإعراض المشهور عنها (٣) ، ساقطة عن الاعتبار بناءً على تمامية كبرى سقوط الرواية عن الحجية باعراض المشهور عنها ، وتعود الصحيحة الاُولى بناءً على ذلك سالمة عن المعارض ويتمّ رأى المشهور.

دية الضرب

دية اللطمة على الوجه اذا احمرّ دينار ونصف ، وإذا اخضرّ فثلاثة دنانير واذا اسودّ فستة دنانير. (٤) واذا كان ذلك فى البدن فالدية نصف ما فى الوجه.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ٢٩٤ ، باب ٣٩ من ابواب ديات الاعضاء ، حديث ٤.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ٢٢٩ ، باب ١٢ من ابواب ديات الاعضاء ، حديث ١.

٣ ـ لاستيضاح ذلك لاحظ : كتاب دروس تمهيدية فى القواعد الرجالية : ٢٠٥.

٤ ـ مرَّ المقصود من الدينار تحت عنوان « دية القتل عمداً ».

٢٦٩

والمستند فى ذلك :

بعد كونه هو المشهور بين الأصحاب موثقة اسحاق بن عمار ـ برواية الشيخ الصدوق ـ عن أبيعبدالله عليه‌السلام : « قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام فى اللطمة يسود أثرها في الوجه أنّ أرشها ستة دنانير ، فإن لم‏تسود واخضرَّت فإنّ أرشها ثلاثة دنانير ، فإن احمارَّت ولم‏تخضرَّ فإنّ أرشها دينار ونصف. وفى البدن نصف ذلك » (١) وغيرها.

والوارد فى الموثقة وإن كان هو كلمة « اللطمة » الظاهرة فى الضرب باليد إلاّ أنّ‏المناسب هو التعدّى الى غير الضرب والى غير ماكان باليد للقطع بعدم الخصوصية لذلك.

دية الحمل

فى اسقاط الحمل إذا كان نطفة عشرون ديناراً ، وإذا كان علقة فأربعون ديناراً ، وإذا كان مضغة فستوّن ديناراً ، وإذا كان فيه عظم فثمانون ديناراً ، وإذا كُسى لحماً فمائة دينار ، وإذا ولجته الروح فألف دينار إن كان ذكراً وخمسمائة إن كان اُنثي.

والحكم المذكور يعمّ ما إذا زاولت الاُم نفسها عملية الاسقاط ولو بشرب دواء ونحوه.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما أنّ دية الحمل ما ذكر ، فهو المعروف بين الأصحاب. وتدل عليه صحيحة ظريف عن أميرالمؤمنين عليه‌السلام : « جعل دية الجنين مائة دينار ، وجعل منى الرجل الى أن يكون جنيناً خمسة أجزاء ، فاذا كان جنيناً قبل أن تلجه الروح مائة دينار ، وذلك أنّ الله عزّوجل خلق الانسان من سلالة وهى النطفة فهذا جزء ، ثم علقة فهو جزآن ، ثمّ مضغة

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ٢٩٥ ، باب ٤ من ابواب ديات الشجاج والجراح ، حديث ١.

٢٧٠

فهو ثلاثة أجزاء ، ثم عظماً فهو أربعة أجزاء ، ثمّ يكسا لحماً فحينئدٍ تمَّ جنيناً فكملت لخمسة أجزاء مائة دينار ، والمائة دينار خمسة أجزاء فجعل للنطفة خمس المائة عشرين ديناراً ، وللعلقة خمسى المائة أربعين ديناراً ، وللمضغة ثلاثة أخماس المائة ستين ديناراً ، وللعظم أربعة أخماس المائة ثمانين ديناراً ، فاذا كسا اللحم كانت له مائة كاملة ، فاذا نشأ فيه خلق آخر وهو الروح فهو حينئذ نفس بألف دينار كاملة إن كان ذكراً وإن كان اُنثى فخمسمائة دينار ... » (١) وغيرها.

٢ ـ وأما أنّ الحكم المذكور يعمُّ ما إذا زاولت الاُم نفسها عملية الاسقاط ، فباعتبار إطلاق الصحيحة المتقدمة. وتدفع الدية ـ كما هو واضح ـ الى الأب.

من احكام القتل والديات

تجب على القاتل عمداً ـ مضافاً الى الدية لو تَمَّ التراضى عليها ـ كفارة الجمع.

وتجب أيضاً فى القتل الشبيه بالعمد والخطأ المحض ولكنّها مرتّبة ، فيجب العتق ، فإن لم‏يمكن فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم‏يمكن فإطعام ستّين مسكيناً.

والجناية تارة يكون لديتها مقدّر شرعى واُخرى لايكون.

ويصطلح على الأول بالدية وعلى الثانى بالأرش أو الحكومة.

ويتمُّ تعيين الأرش بواسطة الحاكم الشرعى بعد استعانته بذوى عدل.

ودية المرأة نصف دية الرجل فى القتل. وأما فى غيره فديتها تساوى دية الرجل ـ فيما إذا كان لها مقدرّ شرعى ـ ما لم‏تبلغ الثلث وإلاّ رجعت الى نصف دية الرجل.

والعاقلة التى يلزمها تحمّل دية الجناية فى الخطا المحض هى عصبة الجاني ، اى الرجال

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ٢٣٧ ، باب ١٩ من ابواب ديات الاعضاء ، حديث ١.

٢٧١

المتقربون اليه بالاب ، كالاُخوة والاعمام واُولادهم وان نزلوا. وليس من العاقلة الصبي والمجنون والمرأة.

والتقسيم على افراد العاقلة يتم بالتساوى من دون فرق بين الغنى والفقير والقريب والبعيد.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما أنّه تجب على القاتل عمداً ـ مضافاً الى الدية اذا تَمَّ التراضى عليهاـ كفارة الجمع ، فهو ممّا لا خلاف فيه بين الأصحاب. وتدل عليه صحيحة عبدالله‏بن سنان : « قال أبوعبدالله عليه‌السلام : كفارة الدم إذا قتل الرجلُ المؤمنَ متعمّداً فعليه أن يمكّن نفسه من أوليائه ، فإن قتلوه فقد ادّى ما عليه إذا كان نادماً على ما كان منه عازماً على ترك العود. وإن عفا عنه فعليه أن يعتق رقبة ويصوم شهرين متتابعين ويطعم ستّين مسكيناً ، وأن يندم على ما كان منه ويعزم على ترك العود ... » (١) وغيرها.

٢ ـ وأما أنّ الكفارة مرتبة فى قتل الخطأً بكلا قسميه ، فلصحيحة عبدالله بن سنان أيضاً : « قال أبوعبدالله عليه‌السلام : ... وإذا قتل خطأً أدّعى ديته الى أولياءه ثم أعتق رقبة ، فإن لم‏يجد صام شهرين متتابعين ، فإن لم‏يستطع أطعم ستّين مسكيناً مدّاً مدّاً. وكذلك إذا وهبت له دية المقتول فالكفارة عليه فيما بينه وبين ربّه لازمة ». (٢)

الأرش والحكومة

٣ ـ وأما أنّ الدية قد لايكون لها مقدّر شرعي ، فيجب دفع ما يصطلح عليه

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٥٧٩ ، باب ٢٨ من ابواب الكفارات ، حديث ٢.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٥ / ٥٥٩ ، باب ١٠ من ابواب الكفارات ، حديث ١.

٢٧٢

بالأرش أو الحكومة ، فهو من المسلّمات فإنّه لايحتمل عدم ثبوت دية فى الموارد التى ليس فيها مقّدر شرعى وإلاّ يلزم إمّا ذهاب دم المسلم هدراً أو نقصان الاسلام فى تشريعه ، وكلاهما غير محتمل.

ويمكن استفادة ذلك من صحيحة عبدالله بن سنان عن أبيعبدالله عليه‌السلام : « دية اليد إذا قطعت خمسون من الابل. وما كان جروحاً دون الاصطلام (١) فيحكم به ذوا عدل منكم ». (٢)

٤ ـ وأما أنّه يتم تعيين الأرش بواسطة الحاكم الشرعى بعد الاستعانة بذوى عدل ، فيمكن استفادته من صحيحة ابن سنان المتقدمة ، فإنّها وإن لم‏تصرح بأنّ المتصدي لتعيين الأرش هو الحاكم إلاّ أنّ ذلك هو المقصود جزماً ، فإنّه لابدَّ من وجود شخص يتصدّى لتعيين العدول واتخاذ القرار بعد ذلك. بل من دون افتراض مثل الشخص المذكور يلزم ازدياد المشاكل تعقيداً ، والقدر المتيقن من ذلك الشخص هو الحاكم الشرعي. ولا إطلاق فى الصحيحة من هذه الناحية ليمكن التمسك به لإثبات الاكتفاء بتصدّى أى شخص عادل لذلك.

يبقى شيء ، وهو أنّ أى طريق يسلكه العدلان لتعيين الأرش؟ ان ذلك لم‏تتعرض له الروايات. والمعروف فى كلمات الأصحاب ـ كما فى الشرائع(٣) وغيرها ـ أنّ المجروح يفترض مملوكاً ثم يقوّم صحيحاً تارةً ومعيباً بالجرح اُخري ، ويؤخذ من دية النفس بحساب التفاوت بين القيمتين.

__________________

١ ـ الاصطلام : الاستئصال.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ٢٩٩ ، باب ٩ من ابواب الشجاج والجراح ، حديث ١.

٣ ـ شرائع الاسلام : ٤ / ١٠٤٥.

٢٧٣

دية المرأة

٥ ـ وأما أنّ دية المرأة نصف دية الرجل فى القتل ، فلا خلاف فيه بين الأصحاب. وتدل عليه صحيحة عبدالله بن مسكان عن أبيعبدالله عليه‌السلام : « إذا قتلت المرأة رجلاً قتلت به. وإذا قتل الرجل المرأة فإن أرادوا القود أدّوا فضل دية الرجل على دية المرأة وأقادوه بها ، وإن لم‏يفعلوا قبلوا الدية دية المرأة كاملة. ودية المرأة نصف دية الرجل » (١) وغيرها.

وأما أنّ دية المرأة فى غير القتل تساوى دية الرجل ما لم‏تبلغ الثلث وإلاّ رجعت الى نصف دية الرجل ، فتدل عليه صحيحة أبان بن تغلب : « قلت لأبي عبدالله عليه‌السلام : ما تقول فى رجل قطع إصبعاً من أصابع المرأة ، كم فيها؟ قال : عشرة من الابل. قلت : قطع اثنتين؟ قال : عشرون. قلت : قطع ثلاثاً؟ قال : ثلاثون. قلت : قطع أربعاً؟ قال : عشرون. قلت : سبحان الله يقطع ثلاثاً فيكون عليه ثلاثون ويقطع أربعاً فيكون عليه عشرون! إنّ هذا كان يبلغنا ونحن بالعراق فنبرأ ممّن قاله ونقول : الذي جاء به شيطان. فقال : مهلاً يا أبان هذا حكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إنّ المرأة تعاقل (٢) الرجل الى ثلث الدية ، فإذا بلغت الثلث رجعت الى النصف. يا أبان إنّك أخذتنى بالقياس ، والسنّة إذا قيست محق الدين » (٣) وغيرها من الروايات الكثيرة.

العاقلة

٦ ـ وأما أنّ العاقلة تختص بالمتقربين بالأب ولاتشمل المتقرّبين بالاُم ، فهو

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ٥٩ ، باب ٣٣ من ابواب القصاص فى النفس ، حديث ٢.

٢ ـ كلمة « تعاقل » مشتقة من العقل بمعنى الدية ـ سميت بذلك إما لأنّ من معانى العقل المنع ، والدية تمنع صاحبها من الجرأة على الجناية ، أو باعتبار أنّ الدية كانت إبلاً تعقل عند ولى المقتول ـ والمقصود أنّ المرأة تستحق العقل وهو الدية بمقدار دية الرجل وتساويه فى ذلك الى حدَّ الثلث.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٩ / ٢٦٨ ، باب ٤٤ من ابواب ديات الاعضاء ، حديث ١.

٢٧٤

المشهور بين الأصحاب. ووجهه : أنّ ذلك هو معنى العصبة لغة.

٧ ـ وأما أنّ الصبى والمجنون ليس من العاقلة ، فهو ممّا لا خلاف فيه. ويدل عليه حديث رفع القلم حتى بناءً على اختصاصه بقلم التكليف ، فإنّ ثبوت الدية علي العاقلة تكليف محض ومن البعيد أن يكون حكماً وضعياً.

وأما أنّ المرأة ليست من العاقلة ، فباعتبار اختصاص العاقلة لغة بالذكور.

٨ ـ وأما أنّ التقسيم يتمّ بالتساوى ، فباعتبار أنّ ما دلَّ على كون الدية علي العاقلة يدل بنفسه على ذلك ، فإنّ التقسيط بشكل آخر يحتاج الى دليل ، وهو مفقود.

وقيل : إنّ أمر التقسيم بيد الإمام عليه‌السلام أو نائبه.

وقيل : إنّ على الغنى نصف دينار وعلى الفقير ربعه.

وكلاهما لا دليل عليه. والمناسب ما تقدّم.

٩ ـ وأما عدم الفرق بين الغنى والفقير ، فلعدم الدليل على الاختصاص بالغني. أجل ، إذا كان الفقير عاجزاً عن الدفع اختصّ العقل بغيره؛ لأنّ ثبوت الدية علي العاقلة ـ كما تقدّم ـ تكليف محض ، وهو لا يعمّ العاجز.

١٠ ـ وأما عدم اختصاص العقل بالقريب ، فلأنّ لفظ العاقلة يشمل البعيد أيضاً ، ولا دليل على التقييد.

٢٧٥
٢٧٦

فهرس

مقدمة المكتب................................................................ ٥

الأحكام

كتاب القضاء.............................................................. ١١

القضاء فى الشريعة........................................................ ١٣

الشروط اللازمة فى القاضى................................................ ١٧

كيفية القضاء............................................................. ١٩

شروط سماع الدعوى..................................................... ٢٢

وسائل الاثبات........................................................... ٢٤

أحكام عامة فى باب القضاء................................................ ٢٨

كتاب الشهادات........................................................... ٣٥

شرائط الشاهد........................................................... ٣٧

اختلاف الحقوق فى الاثبات................................................ ٤٢

٢٧٧

أحكام عامة فى باب الشهادات............................................. ٥١

كتاب الإقرار.............................................................. ٥٧

حقيقة الإقرار ومدرك حجيته............................................... ٥٩

من أحكام الاقرار......................................................... ٦٠

كتاب اللقطة............................................................... ٦٣

اللقطة وأقسامها.......................................................... ٦٥

من أحكام اللقطة بالمعنى الأخص : ......................................... ٦٦

أحكام اللقيط............................................................ ٧٢

من أحكام مجهول المالك : ................................................. ٧٣

كتاب الغصب.............................................................. ٧٧

اسباب الضمان........................................................... ٧٩

الغصب والأحكام الثابتة له................................................ ٨٦

من احكام الغصب........................................................ ٨٧

كتاب الاطعمة والاشربة.................................................... ٩٧

أفراد ما يحرم تناوله....................................................... ٩٩

حيوان البحر............................................................. ٩٩

حيوان البرّ.............................................................. ١٠١

الطيور................................................................. ١٠٧

ما يحرم من الحيوان المذبوح............................................... ١١٠

التحريم الطارئ......................................................... ١١١

كتاب الصيد والذباحة.................................................... ١١٥

وسائل تحقق التذكية..................................................... ١١٧

٢٧٨

الذبح.................................................................. ١١٧

النحر.................................................................. ١٢٧

الاصطياد............................................................... ١٢٩

الحيوان الوحشى........................................................ ١٢٩

الاصطياد بالكلب....................................................... ١٣٠

الاصطياد بالسلاح...................................................... ١٣٧

السمك والجراد......................................................... ١٤٠

ما يقبل التذكية واثرها................................................... ١٤٤

كتاب الأنفال والمشتركات................................................ ١٤٧

الأنفال (ملكية الإمام عليه‌السلام أو الدولة)..................................... ١٤٩

أنحاء الملكية ووسائل تحصيلها............................................. ١٥٦

من أحكام المشتركات................................................... ١٦٢

كتاب الإرث............................................................. ١٦٩

ما يوجب الإرث........................................................ ١٧١

فروض الإرث.......................................................... ١٧٣

الارث بالفرض وبالقرابة................................................. ١٧٧

الحجب................................................................ ١٨٠

العول والتعصيب........................................................ ١٨٦

من تفاصيل إرث الطبقات................................................ ١٩٠

إرث الطبقة الثانية.................................................... ١٩٥

إرث الطبقة الثالثة.................................................... ١٩٩

كتاب الحدود............................................................ ٢٠٣

٢٧٩

موجبات الحدّ........................................................... ٢٠٥

الأول : الزنا......................................................... ٢٠٥

حدُّ الزنا............................................................. ٢٠٨

الإحصان............................................................ ٢١٣

شرائط ثبوت حدِّ الزنا................................................ ٢١٦

الوسائل المثبتة للزنا................................................... ٢١٧

كيفية اقامة الحدِّ...................................................... ٢١٩

الثاني : اللواط........................................................ ٢٢٠

الثالث : التفخيذ..................................................... ٢٢٢

الرابع : السَّحق...................................................... ٢٢٤

الخامس : القذف..................................................... ٢٢٥

السادس : شرب المسكر.............................................. ٢٢٧

السابع : السرقة...................................................... ٢٢٨

الثامن : المحاربة والإفساد.............................................. ٢٣٢

التعزير................................................................. ٢٣٣

اقامة الحدود فى عصر الغيبة.............................................. ٢٣٤

كتاب القصاص........................................................... ٢٣٧

القصاص واقسامه....................................................... ٢٣٩

قصاص النفس.......................................................... ٢٤١

متى يصدق القتل متعمداً............................................... ٢٤٢

اقسام القتل.......................................................... ٢٤٣

وسائل اثبات القتل عمداً.............................................. ٢٤٦

٢٨٠