دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٤

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: توحيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٨١

٣ ـ أن يكونوا منفصلين بالولادة ، فلايكفى كونهم حملاً.

٤ ـ أن يكونوا مسلمين وأحراراً.

٥ ـ أن يكون الأب حيّاً.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما أنّ الحجب على نحوين ، فواضح ، فإنّ الحاجب تارةً يمنع المحجوب من الإرث رأساً فيكون حجبه حجب حرمان ، واُخرى يمنعه من بعض الإرث فيكون حجبه حجب نقصان.

ومصاديق كلّ واحد من القسمين قد اُشير اليها فى المتن.

٢ ـ وأما أنّ كل طبقة لاحقة تحجب بالطبقة السابقة ، فهو من واضحات الفقه ، وممّا لا خلاف فيه بين المسلمين وتأتى ان شاء الله تعالى فى مطاوى الأبحاث الآتية بعض الروايات التى يستفاد منها ذلك.

٢ ـ وأما حجب أفراد الطبقة الواحدة بعضها لبعض فواضح ، فإنّ الأقرب منهم يمنع الأبعد لقاعدة اُولى الأرحام ، فالولد يمنع ولد الولد ، والأخ يمنع ولد الأخ ، والجدّ يمنع أباه ، والأعمام والأخوال وأولادهم وإن نزلوا يمنعون أعمام الأب وأخواله.

٣ ـ وأما الحجب بالكفر ، فهو مما لا خلاف فيه ، فالكافر لايرث المسلم بخلاف المسلم فإنّه يرث الكافر. والنصوص فى ذلك مستفيضة ، كصحيحة جميل وهشام عن أبيعبداللّه‏ عليه‌السلام : « روى الناس عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : لايتوارث أهل ملتين ، قال : نرثهم ولايرثونا ، ان الاسلام لم‏يزده فى حقه إلاّ شدّة » (١) وغيرها. وقد دلّت الصحيحة على أنّ المراد من الحديث النبوى المشهور الدال على نفى التوارث بين

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٣٧٦ ، باب ١ من ابواب موانع الارث ، حديث ١٤.

١٨١

اهل ملتين هو نفى التوارث من الطرفين ، لا نفيه حتى من طرف واحد.

٤ ـ وأما تحقق الحجب بالقتل عمداً ظلماً ، فهو ممّا لا خلاف فيه ، فالقاتل لايرث المقتول. والروايات فى ذلك متواترة ، كصحيحة أبيعبيدة : « سألت أباجعفر عليه‌السلام عن امرأة شربت دواء وهى حامل ولم‏يعلم بذلك زوجها فألقت ولدها ، فقال : إن كان له عظم وقد نبت عليه اللحم ، عليها الدية تسلّمها الى أبيه ، وإن كان حين طرحته علقة أو مضغة فإنّ عليها أربعين ديناراً أو غرَّة (١) تؤدّيها الى أبيه. قلت له : فهى لاترث ولدها من ديته مع أبيه؟ قال : لا ، لأنّها قتلته فلا ترثه » ، (٢) وغيرها.

٥ ـ وأما التقييد بكون القتل عمداً ، فهو المشهور. ويدلّ عليه صحيح عبداللّه‏ بن سنان : « سألت اباعبدالله عليه‌السلام عن رجل قتل اُمه أيرثها؟ قال : إن كان خطأً ورثها ، وإن كان عمداً لم‏يرثها » (٣) وغيره.

وأما ما ورد فى رواية العلاء بن فضيل عن أبى عبدالله عليه‌السلام : « ... ولايرث الرجلُ الرجلَ اذا قتله وإن كان خطأً » (٤) ومثله فى رواية الفضيل بن يسار(٥) فهو ضعيف السند بمحمد بن سنان فى الأول وبالإرسال وغيره فى الثاني ، فلاحظ.

٦ ـ وأما التقييد بكون القتل ظلماً ، فلا خلاف فى اعتباره. وقد يوجَّه بانصراف دليل المنع الى القتل العمدي ، فيبقى القاتل خطأً مشمولاً لمطلقات الارث.

٧ ـ وأما الحجب بالرقية ، فلا خلاف فيه ، فالرق فى الوارث أو الموروث مانع من

__________________

١ ـ الغُرَّة ـ بالضم ـ عبد أو أمة. وفى بعض الاحاديث ، تحديد قيمتها بأربعين ديناراً.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٣٩٠ ، باب ٨ من ابواب موانع الارث ، حديث ١.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٣٩٢ ، باب ٩ من ابواب موانع الارث ، حديث ٢.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٣٩٢ ، باب ٩ من ابواب موانع الارث ، حديث ٤.

٥ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٣٩٢ ، باب ٩ من ابواب موانع الارث ، حديث ٣.

١٨٢

الارث لصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام : « لايتوارث الحرّ والمملوك » (١) وغيرها.

٨ ـ وأما الحجب بالزنا ، فلا خلاف فيه أيضاً ، فلاتوارث بين الولد والزاني ، ولا بينه والمزنيبها. والروايات فى ذلك متعددة ، كصحيحة الحلبى عن أبيعبدالله عليه‌السلام : « أيّما رجل وقع على وليدة قوم حراماً ، ثم اشتراها فادّعى ولدها ، فإنّه لايورث منه شيء ، فإنّ رسول‏اللّه‏ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : الولد للفراش وللعاهر الحجر » (٢) وغيرها.

وقيل بوقوع التوارث بينه وبين المزنى بها ومن يتقرب بها ، لموثقة اسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام : « أنّ علياً عليه‌السلام كان يقول : ولد الزنا وابن الملاعنة ترثه اُمه وأخواله وإخوته لاُمه أو عصبتها ». (٣)

ويمكن الجواب : بأنّ مقتضى التعليل فى صحيحة الحلبى نفى التوارث مطلقاً؛ والموثقة المذكورة يمكن حملها على حالة كون الوط‏ء من طرف المرأة بالشبهة ، كما ذكره صاحب الوسائل فى ذيل الموثقة فلاحظ.

٩ ـ وأما الحجب باللعان ، فلا إشكال فيه ، فعلاقة الإرث تنقطع بين الوالد ومن يتقرب به وبين ولده وتبقى بينه وبين اُمه ومن يتقرب بها. وقد تقدّمت الاشارة الى ذلك عند البحث عن اللعان.

١٠ ـ وأما أن الولد قد يحجب غيره حجب نقصان ، فواضح فهو :

أ ـ يحجب الأبوين عمّا زاد عن السدس إلاّ إذا فرض كونه بنتاً واحدة قد اجتمعت معهما ـ فإنّه يبقى سدس يردّ عليهم أخماساً ـ أو اجتمعت مع احدهما ،

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٣٩٩ ، باب ١٦ من ابواب موانع الارث ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٥٦٦ ، باب ٨ من ابواب ميراث ولد الملاعنة وما اشبهه ، حديث ١.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٥٦٩ ، باب ٨ من ابواب ميراث ولد الملاعنة ، حديث ٩.

١٨٣

فإنّه يبقى ثلث يردّ عليهما أرباعاً.

وإلاّ اذا فرض اجتماع أحدهما مع البنتين فصاعداً ، فإنّه يبقى سدس يردّ عليهما أخماساً.

ب ـ ويحجب الزوج والزوجة عن نصيبهما الأعلى الى الأدني.

١١ ـ وأما حجب الإخوة للاُم عمّا زاد عن السدس ـ بالرغم من أنّهم لايرثون معها ـ فهو ممّا لا تأمّل فيه ، لقوله تعالي : ( فإن لم‏يكن له ولد وورثه أبواه فلاُمه الثلث فإن كان له إخوة فلاُمه السدس ). (١)

١٢ ـ وأما أنّه يعتبر فى حجب الإخوة للاُم عما زاد على السدس الشرط الأول ، فأمر متسالم عليه. ويدل عليه صحيح أبي العباس(٢) عن أبي عبداللّه‏ عليه‌السلام : « اذا ترك الميت أخوين فهم إخوة مع الميت حجبا الاُم عن الثلث ، وإن كان واحداً لم ‏يحجب الاُم. وقال : اذا كنَّ أربع أخوات حجبن الاُم عن الثلث لأنهنّ بمنزلة الأخوين. وإن كنَّ ثلاثاً لم‏يحجبن ». (٣) ويمكن أن يستفاد من التعليل المذكور فيه ، حاجبية الأخ الواحد اذا اجتمع مع الاُختين.

١٣ ـ وأما أنّه يعتبر فى حجب الإخوة أن يكونوا للأبوين أو للأب فقط ، فلا خلاف فيه. وتدل عليه صحيحة زرارة : « ... فإن كان له إخوة ـ يعنى الميت ـ يعنى إخوة لأب واُم أو إخوة لأب فلاُمه السدس وللأب خمسة أسداس. وإنما وفّر للأب من أجل عياله. والإخوة لاُم ليسوا لأب فإنّهم لايحجبون الاُم عن الثلث ولايرثون ... » (٤) وغيرها.

__________________

١ ـ النساء : ١١.

٢ ـ اى البقباق.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٤٥٦ ، باب ١١ من ابواب ميراث الابوين والاولاد ، حديث ١.

٤ ـ وسائل الشيعة ، ١٧ / ٣٥٥ ، باب ١٠ من ابواب ميراث الابوين والاولاد ، حديث ٤.

١٨٤

١٤ ـ وأما اعتبار الانفصال بالولادة ، فهو المشهور. ويدل عليه انصراف عنوان « الإخوة » المذكور فى الآية الكريمة عن الحمل ، بل قد يمنع صدق عنوان الإخوة مع عدم الانفصال.

١٥ ـ وأما اعتبار الاسلام والحرية ، فهو متسالم عليه. ويدل عليه صحيح محمد بن مسلم : « سألت أباعبداللّه‏ عليه‌السلام عن المملوك والمشرك يحجبان إذا لم‏يرثا؟ قال : لا » (١) وغيره.

وقد يناقش بظهوره فى ارادة حجب الحرمان دون النقصان.

وفيه : انه إن لم‏يكن ظاهراً فى الثانى فلا أقلّ من شموله له ، فيتمسك بالإطلاق أو احتمال شموله ، فيتمسك بعدم الاستفصال.

١٦ ـ وأما اعتبار حياة الأب ، فهو المشهور. ويدل على ذلك ظاهر الآية الكريمة : « وورثه أبواه ». وهى إن دلت على اعتبار حياة الأب وإلاّ فلا ريب فى اختصاصها بها ، فتبقى حالة عدم الحياة مشمولة لإطلاق ما دل على أنّ لها الثلث.

هذا مضافاً الى دلالة صحيحة زرارة المتقدمة فى الرقم (١٣) على ذلك ، حيث ورد فى ذيلها ( ... إن مات رجل وترك امه واخوة واخوات لاب وام واخوة واخوات لام وليس الاب حياً ، فانهم لايرثون ولايحجبونها ، لانه لم‏يورث كلالة ). (٢)

بل إنّ حكمة الحجب المذكورة فى الصحيحة تدل على المطلوب أيضاً ، فلاحظ.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة ، ١٧ / ٤٥٩ ، باب ١٤ من ابواب ميراث الابوين والاولاد ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٤٥٨ ، باب ١٢ من ابواب ميراث الابوين والاولاد ، حديث ٣.

ثم إنّه يحتمل أن يكون المقصود من التعليل « لانه لم‏يورث كلالة » أنّه لاترثه الكلالة ـ أى الإخوة ـ لوجود الأقرب وإنما يورث كلالة اذا لم‏يكن.

١٨٥

العول والتعصيب

اذا كان جميع الورثة ذوى فروض فتارةً تفترض فروضهم مساوية لستة أسداس ، واُخرى يفترض كونها أكثر من ذلك ، وثالثة يفترض كونها أقل.

مثال الاُولي : ما لو فرض أن الوارث أبوان وبنتان.

مثال الثانية : ما لو فرض أنّ الوارث زوج واُخت للأب واُختان للاُم.

مثال الثالثة : ما لو فرض أن الوارث بنت واحدة لا غير.

والاُولى لا إشكال فيها.

والثانية هى مورد العول(١) الذى ذهب اليه غيرنا وقالوا بورود النقص على جميع ذوى الفروض على نسبة فرضه ، كما يرد النقص على الديّان بنسبة دينهم.

وذهبت الإمامية الى استحالة العول وأنّ النقص يدخل على بعض منهم دون بعض ، ففى المثال السابق يدخل النقص على الاُخت من الأبوين.

والثالثة هى مورد التعصيب الذى ذهب اليه غيرنا ، بمعنى اعطاء الزائد للعَصَبة (٢) ـ وهم الذكور من اقارب الميت ممن ينتسب اليه من دون واسطة كالأخ أو بواسطة ذكر كالعم(٣) وابنه وابن الأخ(٤) ـ فلو ترك الميت بنتاً يدفع اليها نصف المال ويدفع النصف الآخر للأخ أو ابنه إن كان ، أو للعم أو ابنه.

وقالت الإمامية ببطلان ذلك ولزوم ردِّ النصف الثانى الى البنت نفسها.

__________________

١ ـ المراد من « العول » : زيادة مجموع السهام على ستة اسداس. يقال : عالت الناقة ذنبها ، اذا رفعته. وسميت الزيادة فى المقام عولاً ، لارتفاع مجموع السهام عن التركة التى هى ستة اسداس.

٢ ـ فى الصحاح : عَصَبة الرجل : بنوه وقرابته لأبيه. وإنما سموا عصبة ، لانهم عَصَبوا ، أى احاطوا به ، فالأب طرف والابن طرف والعم جانب والأخ جانب.

٣ ـ فإنّ العم هو أخ الأب فيكون منتسباً بواسطة الأب.

٤ ـ وربما تعمم للانثى أو للمنتسب بواسطة الانثي.

١٨٦

هذا اذا كان جميع الورثة ذوى فروض. وفى ذلك ينحصر مورد العول والتعصيب.

أما إذا كان بعضهم ذا فرض دون بعض ، دفع الى ذى الفرض فرضه واُعطى الباقي لغيره.

وأما إذا لم يكن فى الورثة ذو فرض ـ كما فى الأعمام والأخوال ـ قسمت بينهم التركة على بيانٍ يأتى فى ما بعد ، إن شاء اللّه‏ تعالي.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما أنّ الصورة الاُولى لا إشكال فيها ، فواضح.

وأما أنّ الصورة الثانية هى مورد العول ، فباعتبار أنّ للزوج نصفاً ، وللاُخت من الأبوين النصف ، وللاختين من الاُم الثلث ، والمجموع يزيد على ستة أسداس بمقدار ثلث.

وأوّل من قال بالعول ولزوم ادخال النقص على الجميع بالنسبة ، هو الخليفة الثانى كما طفحت بذلك كتب القوم. قال ابن قدامي : « أول مسألة عائلة حدثت في زمن عمر ، فجمع الصحابة للمشورة فيها ، فقال العباس : أرى أن تقسم المال بينهم على قدر سهامهم ، فأخذ به عمر واتبعه الناس على ذلك ». (١) وخالف فى ذلك ابن عباس متحدياً بالمباهلة ، ومن هنا سمّيت المسألة المذكورة بمسألة المباهلة. يقول ابن قدامي : « روى عن ابن عباس أنه قال فى زوج واُخت واُمّ : من شاء باهلته أنّ المسائل لاتعول ، إنّ الذى أحصى رمل عالج(٢) عدداً أعدل من أن يجعل فى مال

__________________

١ ـ المغنى لابن قدامى (المتوفّى سنة ٦٣٠ ه ) : ٧ / ٢٦.

وقد جاء نقل ذلك فى احكام القرآن للجصاص : ٢ / ١١٤ ؛ والمستدرك للحاكم النيسابوري : ٤ / ٣٤٠ ؛ والسنن الكبرى للبيهقي : ٦ / ٢٥٣ ؛ وكنزالعمال للمتقى الهندي : ٦ / ٧.

٢ ـ عالج اسم موضع فيه رمل.

١٨٧

نصفاً ونصفاً وثلثاً. هذان نصفان ذهبا بالمال ، فاين الثلث؟ فسمّيت هذه المسألة مسألة المباهلة لذلك ». (١)

٣ ـ وأما استحالة العول فى مذهب الإمامية ، فباعتبار أنّه يستحيل على الحكيم العالم أن يفرض فى مال ما لايقوم به ، إنّ ذلك لايصدر من جاهل فضلاً عن رب العزّة الحكيم العالم ، فإنّ النصفين إذا ذهبا بالمال فاين موضع الثلث؟ ومن هنا جاءت روايات أهل‏البيت عليهم‌السلام تردُّ بلهجة شديدة على فكرة العول. يقول محمد بن مسلم : « أقرأنى أبوجعفر عليه‌السلام صحيفة كتاب الفرائض التى هى املاء رسول ‏الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخط على عليه‌السلام بيده ، فإذا فيها : إنّ السهام لاتعول ». (٢)

وفى موثقة أبى بصير : « قلت لأبيجعفر عليه‌السلام : ربما اُعيل السهام حتي ‏يكون علي المائة اُو أقلّ أو أكثر ، فقال : ليس تجوز ستة ، ثم قال : كان أميرالمؤمنين عليه‌السلام يقول : إنّ‏الذي أحصى رمل عالج ليعلم أنّ‏ السهام لاتعول على ستة ، لو يبصرون وجهه الم ‏تجز ستة ». (٣)

وورد فى صحيحة الحضرمى عن أبي عبداللّه‏ عليه‌السلام : « كان ابن عباس يقول : إنّ الذي يحصى رمل عالج ليعلم ان السهام لاتعول من ستة ، فمن شاء لاعنته عند الحجر ، ان السهام لاتعول من ستة ». (٤)

__________________

١ ـ المغني : ٧ / ٢٦.

يبقى الاشكال فى انه كيف ترث الاخت مع وجود الام؟

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٤٢٣ ، باب ٦ من ابواب موجبات الارث ، حديث ١١.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٤٢٣ ، باب ٦ من ابواب موجبات الارث ، حديث ٩.

ثم إنّ فى المراد من قوله عليه‌السلام : « لم‏تجز ستة » احتمالين :

١ ـ إنّ السهام المذكورة فى القرآن الكريم ستة ، فلو دخل النقص على من له فرض أعلى وأدنى يلزم صيرورة السهام أكثر من ستة ، وهذا بخلاف ما لو دخل على من له حد أعلى فقط ، فإنّه لايلزم ذلك ، حيث إنّه لو تجاوزه يرث الباقى بالقرابة.

٢ ـ إنّ التركة ستة اسداس ولايمكن أن يشرَّع الحكيم تعالى الارث بما يزيد على ذلك.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٤٢٣ ، باب ٦ من ابواب موجبات الارث ، حديث ١٢.

١٨٨

٤ ـ وأما ما ذهبت اليه الاماميّة من دخول النقص على بعض دون بعض ، فقد تبعوا فى ذلك ائمتهم عليهم‌السلام.

وضابط ذلك البعض الذى يدخل عليه النقص هو أن يكون ذا فرض واحد بحيث لو تغير عنه ورث الباقى بالقرابة الذى قد يكون زائداً أو ناقصاً. إنّ مثل هذا يدخل عليه النقص بخلاف من قرّر له القرآن الكريم فرضين أعلى وأدني ، فإنّ مثله لايدخل عليه النقص لفرض تشريع سهم معين له لايتجاوز عنه.

ففى مثال الزوج والاُخت من الأبوين والاُختين من الاُم يدخل النقص علي الاُخت للأبوين ، لأنّ فرضها النصف واذا تغير بسبب انضمام الأخ لها ورثت الباقي مع اخيها بالقرابة للذكر مثل حظ الانثيين ، ولايدخل على الزوج ، لأنّ فرضه النصف عند عدم الولد وينتقل عنه ـ بسبب وجود الولد ـ الى الربع. وهكذا لا يدخل النقص على الاُختين من الاُم؛ لأنّ فرضهما الثلث ، ولا يتغير الى ارث الباقى بانضمام أخ أو اُخت ثالثة ، بل يبقى هو الثلث.

هذا هو الضابط.

والدليل عليه صحيحة عمر بن اُذينة : « قال زرارة : إذا أردت أن تلقى العول فإنما يدخل النقصان على الذين لهم الزيادة من الولد والإخوة من الأب ، وأما الزوج والإخوة من الاُم فإنّهم لاينقصون ممّا سمّى لهم شيئاً ». (١)

٥ ـ وأمّا أنّ التعصيب باطل ، فينبغى أن يكون من الواضحات ، بل هو من ضروريات مذهبنا ، لكونه على خلاف القاعدة القرآنية ( واُولو الأرحام بعضهم أولي

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٤٢٥ ، باب ٧ من ابواب موجبات الارث ، حديث ١.

١٨٩

ببعض فى كتاب اللّه). (١) وقد جاء فى الحديث : ( المال للأقرب والعصبة فى فيه التراب ). (٢)

من تفاصيل إرث الطبقات

إرث الطبقة الاُولى

اذا انفرد الأب او الاُم ورث جميع المال. واذا انفردا معاً بالتركة كان للاُم الثلث مع عدم الحاجب والباقى للأب ، ومع الحاجب لها السدس والباقى للأب.

واذا اجتمع الزوج أو الزوجة مع أحد الأبوين كان للزوج ـ لو فرض ـ النصف وللزوجة ـ لو فرضت ـ الربع والباقى للأب بالقرابة أو للاُم فرضاً وردّاً.

واذا اجتمع الزوج أو الزوجة مع الأبوين معاً كان للزوج النصف ـ لو فرض ـ وللزوجة الربع ـ لوفرضت ـ وللاُم الثلث والباقى للأب.

واذا انفرد الابن كان له تمام المال بالقرابة.

واذا انفردت البنت كان لها التمام أيضاً.

واذا اجتمعا كان للذكر مثل حظ الاُنثيين.

واذا انفرد الإبنان او الأبناء كان لهما اولهم تمام المال بالسوية.

واذا انفردت البنتان أو البنات كان لهما او لهُنَّ التمام بالسوية أيضاً.

واذا اجتمعا كان للذكر مثل حظ الاُنثيين.

ويقوم أولاد الأولاد وإن نزلوا مقام الأولاد فى مقاسمة الأبوين وحجبهما عن أعلي السهمين الى أدناهما.

__________________

١ ـ الأنفال : ٧٥ ؛ الاحزاب : ٦.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٤٣١ ، باب ٨ من ابواب موجبات الارث ، حديث ١.

١٩٠

ولايرث ولد الولد مع وجود الولد وان كان انثي.

ويرث ـ ولد الولد ـ نصيب من يتقرب به ، فولد البنت يرث نصيب اُمّه ذكراً كان أو انثي ، ويرث ولد الابن نصيب ابيه ذكراً كان او انثي.

ولو كان للميت أولاد بنت واولاد ابن كان لأولاد البنت الثلث نصيب اُمهم ، يقسّم بينهم للذكر مثل حظ الاُنثيين ولأولاد الابن الثلثان نصيب أبيهم ، يقسم بينهم كذلك.

ويحبى الولد الأكبر الذكر للميت بأربعة أشياء من تركة أبيه : ثياب بدنه ، وخاتمه ، وسيفه ، ومصحفه.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما أنّ الأب يرث جميع المال مع انفراده ، فلعدم كونه ذا فرض ، ومعه فيرث بقاعدة ( واُولو الأرحام ... ) ، وحيث لا مشارك له حسب الفرض ، فيلزم استحقاقه للجميع.

وأما أن الاُم ترث جميع المال مع انفرادها ، فلأن لها الثلث بالفرض والباقي بالقرابة.

٢ ـ وأما حالة انفراد الأبوين ومابعدها ، فأمرها واضح.

٣ ـ وأما أنّ للابن المنفرد تمام التركة بالقرابة ، فلأنه لا فرض له فيرث جميع المال بقاعدة ( واُولو الأرحام ... ).

وأما أنّ للبنت المنفردة تمام التركة أيضاً ، فلأن لها النصف بالفرض والباقي بقاعدة ( واولو الأرحام ... ).

وأما أنّه عند اجتماع الابن والبنت يقسّم المال بينهما للذكر مثل حظّ الاُنثيين ، فلعدم الفرض لهما فيرثان بالقرابة ويقسّم بينهما طبقاً للقاعدة المذكورة.

١٩١

٤ ـ وأما أنّ للابنين المنفردين تمام التركة بالسوية ، فلأنه لا فرض لهما فيرثان ذلك بقاعدة « واُولو الأرحام ... » بالسوية.

وأما أنّ للبنتين أو البنات المنفردات تمام المال بالسوية أيضاً ، فباعتبار أن للبنتين فصاعداً الثلثين بالفرض والباقى بالقرابة ويقسّم الجميع بالسوية.

وأما أنّه مع اجتماع البنين والبنات يقسم للذكر مثل حظ الاُنثيين ، فلأنه لا فرض لهما ، بل يرثان بالقرابة ويلزم تقسيمه طبقاً للقاعدة المذكورة.

٥ ـ وأما قيام أولاد الأولاد وإن نزلوا ذكوراً واناثاً مقام آبائهم فى مقاسمة الأبوين وحجبهم من أعلى السهمين الى أدناهما ، فهو المعروف بين الأصحاب ، ويمكن الاستدلال له بوجهين :

أ ـ التمسك بقوله تعالي : ( ولأبويه لكلّ واحدٍ منهما السدس ممّا ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلاُمه الثلث ) (١) ، فإن مقتضى كلمة « ولد » فيها الشمول لولد الولد وإن نزل ، وإذا كان ولد الولد حاجباً للأبوين الى السدسين فلازم ذلك أن لايكون لهما معه جميع المال ، وإلاّ فلمن يكون الباقي؟

ب ـ التمسك بالنصوص الخاصة ، كصحيحة عبدالرحمن بن الحجاج عن أبى عبداللّه‏ عليه‌السلام : « بنات الابنة يرثن اذا لم‏يكن بنات كنَّ مكان البنات » (٢) ، وموثقة اسحاق بن عمار عن أبيعبداللّه‏ عليه‌السلام : « ابن الابن يقوم مقام ابيه » (٣).

٦ ـ وأما أنّ ولد الولد لايرث مع وجود الولد ولو كان اُنثى ، فهو ممّا لا خلاف فيه ، فإنّ الأقرب يمنع الأبعد. على أنّ صحيحة سعد بن أبى خلف عن ابى الحسن عليه‌السلام :

__________________

١ ـ النساء : ١١.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٤٤٩ ، باب ٧ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ، حديث ١.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٤٤٩ ، باب ٧ من أبواب ميراث الأبوين والأولاد ، حديث ٢.

١٩٢

« بنات الابنة يقمن مقام البنات إذا لم يكن للميّت بنات ولاوارث غيرهنّ ، وبنات الابن يقمن مقام الابن اذا لم يكن للميّت اولاد ولاوارث غيرهنّ » (١)؛ واضحة فى المدّعي.

٧ ـ وأما أنّ أولاد الأولاد يرثون نصيب من يتقربون به ، فهو المشهور. ويدل عليه :

أ ـ النصوص المتقدمة الدالة على قيام الأولاد مقام الآباء ، فإنّ ظاهرها إرادة التنزيل لا فى أصل الإرث فقط ، بل فيه وفى كيفيته وإلاّ لاكتفى بذكر أولاد الأولاد من دون تفصيل فى الذكر بين أولاد البنين وأولاد البنات فإنّه مجرد تطويل يمكن الاستغناء عنه.

ب ـ صحيحة أبى أيوب الخزاز عن أبى عبداللّه‏ عليه‌السلام : « إنّ فى كتاب على عليه‌السلام أنّ كلّ ذى رحم بمنزلة الرحم الذى يجربه إلاّ أن يكون وارث أقرب الى الميت منه فيحجبه ». (٢)

٨ ـ وأما أنّه لو اجتمع أولاد البنت وأولاد الابن دفع الى أولاد البنت الثلث يقتسمونه بينهم للذكر مثل حظ الاُنثيين ـ وليس بالسوية كما هو الحال فى كلالة الاُم ـ فهو المشهور لصدق الأولاد عليهم حقيقة ، فيدخلون فى عموم ( يوصيكم اللّه‏ في أولادكم للذكر مثل حظ الاُنثيين ).

ونسب الى القاضى والشيخ لزوم اقتسامهم للثلث بالسوية ، بدعوى أنّ التقرب بالاُنثى يقتضى ذلك كما هو الحال فى كلالة الاُم.

والتأمل فيه واضح ، فإنّ ذلك لا يعدو القياس ، إذ كون حكم كلالة الاُم ذلك

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٤٤٩ ، باب ٧ من ابواب ميراث الابوين والاولاد ، حديث ٣.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٤١٨ ، باب ٢ من ابواب موجبات الارث ، حديث ١.

١٩٣

لايقتضى تعميم الحكم لكلّ من ينتسب بواسطة الاُنثى ولو لم‏تكن اُمّاً.

٩ ـ وأما اختصاص الولد الذكر الأكبر بالأربعة المتقدمة ، فهو على ما ذكر صاحب الجواهر ممّا انفردت به الإمامية ومعلومات مذهبهم ، وبذلك تظافرت نصوصهم عن أئمتهم عليهم‌السلام (١).

ومن جملة النصوص صحيحة ربعى بن عبدالله عن أبيعبداللّه‏ عليه‌السلام : « اذا مات الرجل فسيفه ومصحفه وخاتمه وكتبه ورحله وراحلته وكسوته لأكبر ولده ، فإن كان الأكبر ابنة فللأكبر من الذكور ». (٢)

وصحيحة حريز عن أبيعبداللّه‏ عليه‌السلام : « اذا هلك الرجل وترك ابنين فللأكبر السيف والدرع والخاتم والمصحف ، فإن حدث به حدث فللأكبر منهم ». (٣)

وصحيحة أبى بصير عن أبيعبداللّه‏ عليه‌السلام : « الميت إذا مات فإنّ لابنه الأكبر السيف والرحل والثياب ثياب جلده ». (٤)

والمعروف بين الأصحاب تحديد المحبوّ بالأربعة المتقدمة إلاّ أنّه لايوجد نص يجمعها ، بل هى كما تراها. ومن هنا صار البعض الى الاستحباب مستنداً فى ذلك الى اختلاف الأخبار فى بيان العدد كمّاً وكيفاً.

__________________

١ ـ جواهر : ٣٩ / ١٢٧.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٤٣٩ ، باب ٣ من ابواب ميراث الابوين والاولاد ، حديث ١.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٤٤٠ ، باب ٣ من ابواب ميراث الابوين والاولاد ، حديث ٣.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٤٤٠ ، باب ٣ من ابواب ميراث الابوين والاولاد ، حديث ٥.

١٩٤

إرث الطبقة الثانية

إذا لم‏يخلّف الميت قريباً من الطبقة الثانية غير أخيه لأبويه ورث المال كلّه بالقرابة ، ومع التعدد يقسّم بينهم بالسوية.

وللاُخت الواحدة من الأبوين بانفرادها جميع المال أيضاً نصف بالفرض ونصف يردّ بالقرابة.

وللاُختين أو الأخوات من الابوين المال كله ، يرثن ثلثيه بالفرض والباقى بالقرابة.

واذا خلّف الميت إخوة وأخوات لأبويه ، اقتسموا جميع المال بالقرابة للذكر مثل حظ الاُنثيين.

وللأخ المنفرد من الاُم والاُخت المنفردة منها المال كلّه السدس بالفرض والباقى يردّ بالقرابة.

وللإثنين فصاعداً من الإخوة من الاُم ذكوراً او إناثاً أو ذكوراً وإناثاً المال كلّه ، ثلثه بالفرض والباقى بالقرابة يقسّم بينهم بالسوية وليس بالتفاضل.

وكلالة الأب فقط ، تقوم مقام كلالة الأبوين عند فقدها ولاترث معها.

والجد إذا انفرد له المال كلّه لأبٍ كان أو لاُم. وكذا الحال فى الجدة إذا انفردت.

ولو اجتمع جد أو جدة أو هما لاُم مع جد أو جدة أو هما لأب كان لمن يتقرب بالاُم الثلث بالسوية ولمن يتقرب بالأب الباقى للذكر مثل حظّ الاُنثيين.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما أنّ الأخ يرث المال كلّه بالقرابة مع انفراده ، فممّا لا إشكال فيه. ويدل عليه :

أ ـ قوله تعالي : ( يستفتونك قل الله يفتيكم فى الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد

١٩٥

وله اُخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد ) ، (١) فإن الذيل يدل بإطلاقه على أنّ الأخ يرث جميع التركة مع عدم شريك له فى طبقته وعدم وارث من الطبقة الاُولي.

ب ـ صحيحة عبدالله بن سنان عن أبيعبداللّه‏ عليه‌السلام : « سألته عن رجل مات وترك أخاه ولم‏يترك وارثاً غيره ، قال : المال له ... ». (٢)

٢ ـ وأما أنه مع تعدد الإخوة تقسّم التركة بينهم بالسوية ، فذلك مقتضى الاشتراك فى المال الواحد وبطلان الترجيح بلا مرجح.

٣ ـ وأما أنّ الاُخت الواحدة من الأبوين لها المال كلّه ، فهو من المسلّمات حيث ترث نصفاً بالفرض ، لقوله تعالي : ( يستفتونك قل الله ... وله اُخت فلها نصف ما ترك ) (٣) ونصفاً بالقرابة لقوله تعالي : ( واُولو الأرحام ... ). (٤)

٤ ـ وأما أنّ الاُختين أو الأخوات من الأبوين يرثن المال كلّه ، فلا كلام فيه ، فلهنّ الثلثان بالفرض لقوله تعالي : ( فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان ممّا ترك ) (٥) والثلث الآخر بالقرابة لآية اُولى الأرحام.

٥ ـ وأما أنّ الميت إذا خلّف إخوة وأخوات لأبويه قسّم المال بينهم للذكر مثل حظّ الاُنثيين ، فلا خلاف فيه. ويدل عليه قوله تعالي : ( وإن كانوا إخوة رجالاً ونساء فللذكر مثل حظّ الاُنثيين ) (٦) والروايات الخاصة. (٧)

__________________

١ ـ النساء : ١٧٦.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٤٧٩ ، باب ٢ من ابواب ميراث الاخوة والاجداد ، حديث ١.

٣ ـ النساء : ١٧٦.

٤ ـ الأنفال : ٧٥ ؛ احزاب ، ٦.

٥ ـ النساء : ١٧٦.

٦ ـ النساء : ١٧٦.

٧ ـ وسائل الشيعة : باب ٢ من ابواب ميراث الاخوة والاجداد ، حديث ٥.

١٩٦

٦ ـ وأما أنّ الواحد أخاً أو اُختاً من الاُم له السدس بالفرض ، فممّا لا تأمل فيه لقوله تعالي : ( وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو اُخت فلكلّ واحد منهما السدس ). (١)

وأما أنّ الباقى يردّ عليهما بالقرابة فواضح لآية اُولى الأرحام.

وأما أنّ الإثنين فصاعداً من الإخوة للاُم يرثون جميع المال ، فواضح ، إذ الثلث يرثونه بالفرض لقوله تعالى فى الآية السابقة : ( فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث ) ، والباقى يرثونه بالقرابة لآية اُولى الأرحام.

أما كيف نثبت لزوم تقسيم الباقى ـ المردود بالقرابة ـ بالسوية أيضاً بعد الالتفات الى اختصاص الآية الكريمة الدالة على التسوية فى التقسيم بخصوص الثلث المدفوع بالفرض؟ يمكن اثبات ذلك إما ببيان أنّ الثلث إذا كان يقسّم بينهم بالسوية بنصّ الآية الكريمة فيلزم ذلك فى غير الثلث أيضاً لعدم احتمال الفرق ، أو ببيان أن التفاضل فى التقسيم هو الذى يحتاج الى دليل ـ وإلاّ فوحدة سبب الاستحقاق تقتضى التساوى ـ وقد ثبت ذلك فى حق الإخوة من الأبوين أو الأب لقوله تعالي فى آخر سورة النساء : ( وإن كانوا إخوة رجالاً ونساء فللذكر مثل حظ الاُنثيين ) (٢) ، وفى حق الأولاد لقوله تعالي : ( يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الاُنثيين ) (٣) ، ولم‏يثبت فى حق الاخوة من الاُم فيلزم الحكم بالتساوي.

٧ ـ وأما أنّ كلالة الأب تقوم مقام كلالة الأبوين عند فقدها ولاترث معها ، فلم

__________________

١ ـ النساء : ١٢.

٢ ـ النساء : ١٧٦.

٣ ـ النساء : ١١.

١٩٧

يعرف فيه خلاف. وقد وُجّه ذلك بأنّ أصل إرثها هو مقتضى آية اُولى الأرحام ، وأما أنّها لاترث إلاّ بعد فقد كلالة الأبوين فباعتبار أن ما كان واجداً لسببين هو أقرب ممّن كان واجداً لسبب واحد ، والأقرب مقدّم بمقتضى آية اُولى الأرحام.

ويؤيد ذلك خبر يزيد الكناسى عن أبيعبداللّه‏ عليه‌السلام : « ... وأخوك لأبيك واُمك أولى بك من أخيك لأبيك ... » (١) وغيره.

٨ ـ وأما أنّ الجد أو الجدة إذا انفردا كان لهما جميع المال ، فينبغى أن يكون واضحاً لفرض عدم وجود مشارك لهما ليدفع له بعضه.

٩ ـ وأما أنّه اذا اجتمع الجد أو الجدة أو هما للاُم مع المماثل للأب كان لمن يتقرب بالاُم الثلث ولمن يتقرب بالأب الباقى فهو المشهور. ويدل عليه :

أ ـ عموم ما دلّ على إرث كل قريب نصيب من يتقرب به ، كصحيحة أبيأيوب الخزاز عن أبيعبداللّه‏ عليه‌السلام : « إنّ فى كتاب على عليه‌السلام أنّ كلّ ذى رحم بمنزلة الرحم الذى يجربه إلاّ أن يكون وارث أقرب الى الميت منه فيحجبه ». (٢)

ب ـ موثقة محمد بن مسلم عن أبيجعفر عليه‌السلام : « اذا لم‏يترك الميت إلاّ جدّه من قبل أبيه وجدّ أبيه وجدّته من قبل اُمّه وجدّة اُمه كان للجدة من قبل الاُم الثلث وسقط جدّة الاُم والباقى للجدّ من قبل الأب وسقط جدّ الأب ». (٣)

وسند الشيخ الى ابن فضّال وإن اشتمل على الزبيرى الذى لم‏يوّثق ، إلاّ أنّ الأمر فيه سهل بناءً على كفاية شيخوخة الإجازة فى اثباث الوثاقة. (٤)

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٥٠٢ ، باب ١٣ من ابواب ميراث الاعمام والاخوال ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٤١٨ ، باب ٢ من ابواب موجبات الارث ، حديث ١.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٤٩٨ ، باب ٩ من ابواب موجبات الارث ، حديث ٢.

٤ ـ لاستيضاح الحال لاحظ : كتاب دروس تمهيدية فى القواعد الرجالية : ١٥٨.

١٩٨

١٠ ـ وأما أنّ المدفوع لجدود الاُم يقسّم بينهم بالسوية بخلاف المدفوع الى جدود الأب ، فإنّه يقسّم بالتفاوت فقد ذكر صاحب الجواهر : إنى لم أجد فيه خلافاً وإن وسوس فيه بعض متأخرى المتأخرين. (١)

ويمكن التمسّك لإثبات التقسيم بالتفاضل فى جدود الأب بصحيحة زرارة وبكير ومحمد والفضيل وبريد عن احدهما عليهما‌السلام : « إنّ الجدّ مع الإخوة من الأب يصير مثل واحد من الإخوة ما بلغوا ... وإن ترك إخوة وأخوات لأب واُم أو لأب وجّدٍ فالجد أحد الإخوة والمال بينهم للذكر مثل حظ الاُنثيين. وقال زرارة : هذا مما لايؤخذ عليَّ فيه قد سمعته من أبيه ومنه قبل ذلك ، وليس عندنا فى ذلك شك ولا اختلاف » (٢) ، فإنها دلّت على أنّ الجدّ للأب بمنزلة الأخ للأب ، وبالتالى يفهم أنّ الجدة للأب هي بمنزلة الاُخت للأب ، وحيث يلزم التفاضل بين الأخ والاُخت للأب اذا اجتمعا ، فيلزم ذلك فى الجد والجدة للأب أيضاً.

وأما لزوم التساوى فى جدود الاُم ، فيمكن الاستدلال لإثباته بأنّ التفاضل هو المحتاج الى اثبات ، وإلاّ فالمناسب هو التساوى كما تقدم بيانه.

إرث الطبقة الثالثة

يرث الأعمام او العمات والأخوال او الخالات الميت مع عدم وجود وارث من الطبقة السابقة.

وإذا انفرد العم أو العمة او الخال او الخالة كان له جميع المال.

__________________

١ ـ جواهر الكلام : ٣٩ / ١٥٤.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٤٩٠ ، باب ٦ من ابواب ميراث الاخوة والاجداد ، حديث ٩.

١٩٩

وعند اجتماع الخؤولة والعمومة يكون للاُولى الثلث وللثانية الباقي.

واذا اجتمع الأخوال والخالات اقتسموا حصتهم بالسوية.

واذا اجتمع الأعمام والعمات اقتسموا حصتهم بالتفاضل للذكر مثل حظ الاُنثيين.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أما أنّ الأعمام او العمات والأخوال او الخالات يرثون الميت ، فأمر مسلّم. وتدلّ عليه الروايات الآتية.

وأما أنّهم يرثون مع عدم وجود وارث من الطبقة السابقة ، فهو المعروف. واستدل له بقاعدة الأقرب يمنع الأبعد ، وبصحيحة أبيبصير : « الخال والخالة يرثان إذا لم‏يكن معهما أحد يرث غيرهم ، إنّ اللّه‏ تبارك وتعالى يقول : ( واُولو الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ فى كتاب الله ) ». (١) وبضمّ عدم القول بالفصل وملاحظة التعليل يتعدّى الى العم والعمة.

هذا ، ولكن المنسوب الى الفضل بن شاذان قسمة المال نصفين اذا اجتمع الخال والجدة للاُم. (٢)

٢ ـ وأما أنّه اذا انفرد العم أو العمة أو الخال أو الخالة كان له جميع المال ، فأمر واضح ، إذ مع عدم وارث آخر يلزم إرثه للجميع وإلاّ يلزم خلف الفرض.

٣ ـ وأما أنّه عند اجتماع الخؤولة مع العمومة يكون للاُولى الثلث وللثانية الباقى ، فهو المشهور. وتدل عليه صحيحة الخزاز المتقدمة فى الرقم (٩) ، وصحيحة أبيبصير : « سألت أباعبداللّه‏ عليه‌السلام عن شي‏ء من الفرائض ، فقال لي : ألا اُخرج لك كتاب

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٧ / ٥٠٣ ، باب ١ من ابواب ميراث الاعمام والاخوال ، حديث ١.

٢ ـ جواهر الكلام : ٣٩ / ١٧٢.

٢٠٠