دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٤

الشيخ محمّد باقر الإيرواني

دروس تمهيديّة في الفقه الإستدلالي - ج ٤

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر الإيرواني


الموضوع : الفقه
الناشر: المركز العالمي للدّراسات الإسلامية
المطبعة: توحيد
الطبعة: ٢
الصفحات: ٢٨١

المتيقن فى الخارج عن الأصل المذكور حالة ما إذا ردّ المدّعى عليه اليمين علي المدّعى أو ما إذا ردّ الحاكم عليه ذلك ، وأما حالة عدم تحقق الرد من أحد الطرفين فهى للشك فى خروجها عن الأصل يحكم ببقائها تحته.

ب) التمسك بما دلّ على أنّ القضاء بين الناس إنّما هو بالبينات والأيمان ، كما دلت على ذلك صحيحة هشام بن الحكم عن أبى عبدالله عليه‌السلام قال : « قال رسول‏الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنما أقضى بينكم بالبينات والأيمان. وبعضكم ألحن بحجته من بعض ، فأيّما رجل قطعت له من مال أخيه شيئاً فإنّما قطعت له به قطعة من النار » (١) ، بتقريب أنّ المدّعى إذا لم‏تكن له بينة والمدّعى عليه لم‏يحلف فالقضاء آنذاك على المدّعي عليه بمجرد نكوله عن كلا الأمرين قضاء من دون بينة ولايمين فلا يكون نافذاً (٢).

٦ ـ وأمّا أنّ حكم حالة السكوت نفس حكم حالة الانكار ، فلإطلاق صحيحة جميل وهشام المتقدمة الدالة على أنّ البينة على من ادّعى واليمين على من ادّعى عليه ، غايته يلزم فى حالة الانكار حلف المدعى عليه على نفى الحق واقعاً ، بينما في حالة السكوت ودعوى المدّعى عليه الجهل بالحال يمكن للمدّعى طلب احلافه على عدم العلم بالحال وليس على نفى الحق واقعاً لفرض عدم إنكاره.

٧ ـ وأمّا أنّ حلف المدّعى عليه يمنع من قبول البينة بعد ذلك ومن المقاصة ، فلصحيحة ابن أبى يعفور المتقدمة عند البحث عن عدم جواز نقض حكم القاضي.

ولا ينبغى أن يفهم من هذا صيرورة المال حلالاً واقعاً للحالف ، كلاّ بل هو حرام واقعاً لو كان كاذباً. والأمر فى ذلك واضح. وتدلّ عليه أيضاً صحيحة هشام بن الحكم المتقدمة.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ١٦٩ ، باب ٢ من ابواب كيفية الحكم ، حديث ١.

٢ ـ العروة الوثقي : ٣ / ٦٧.

٢١

٨ ـ وأمّا أنّ الحاكم لايجوز له احلاف المدّعى عليه قبل طلب المدّعى ، فلأن عدم طلب المدّعى لذلك يعنى غلقه للدعوى ولو مؤقتاً ، وذلك حق ثابت له.

شروط سماع الدعوى

يلزم لسماع الدعوى من المدّعى ـ لدى المشهور ـ توفر شروط أهمها :

أ) البلوغ والعقل.

ب) أن يكون جازماً فى دعواه لاظاناً أو محتملاً. واستثنى بعض من ذلك ما إذا دفع شخص الى غيره ماله كوديعة أو غيرها وادّعى تلفه فإنّه مع اتهامه يضمن إلاّ أن يقيم البينة على نفى اتهامه.

ج) أن تكون دعواه لنفسه أو لمن له الولاية عليه أو الوكالة عنه.

د) أن يكون متعلق الدعوى أمراً سائغاً ، فلا تسمع الدعوى من المسلم على غيره اشتغال ذمته بالخمر أو ما شاكله.

ذ) أن‏يكون المتعلق ذا أثر شرعى فلاتسمع دعوى الهبة أو الوقف من دون اقباض.

ه) أن يكون المدّعى به معلوماً فى الجملة.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا اعتبار البلوغ ، فقد علل بأنّه لو لم‏تكن للصبى بينة فليس له طلب احلاف المدّعى عليه ، كما لايتمكن من الحلف لو ردّ المدّعى عليه ذلك.

بل إذا كان للصبى ولى ـ يمكنه إقامة البينة والتصدى للحلف أو طلبه ـ فلا دليل على وجوب سماع دعواه ، وذلك يكفى فى رفضها بعد عدم لزوم الإخلال بالنظام واقرار الظلم حيث فرض وجود وليٍّ بإمكانه التصدي.

٢٢

وأما بالنسبة الى شرطية العقل ، فوجه اعتبارها واضح.

٢ ـ وأمّا اعتبار الجزم فى الدعوى ، فقد علل :

تارةً : بانتفاء عنوان المدعى مع عدم الجزم ، وبانتفائه لايمكن تطبيق قاعدة البينة على من ادّعى واليمين على من ادّعى عليه.

واُخرى : بأنّ المدّعى إذا ادّعى سرقة مثلاً على شخص ، فالأصل يقتضى عدم ذلك وبراءة ذمة المدّعى عليه ، وهذا الأصل كما هو حجة للمدّعى عليه هو حجة على المدّعي ، ومعه فلا يحق له الزام المدّعى عليه بشيء. وهذا بخلافه عند فرض الجزم فإنّ الأصل لايكون حجة على المدّعى لفرض جزمه ، وشرط حجية الأصل الشك بمعنى عدم العلم.

٣ ـ وأمّا وجه الاستثناء ، فاستدل له بصحيحة أبى بصير عن أبى عبد الله عليه‌السلام : « سألتة عن قصّار دفعت اليه ثوباً فزعم أنّه سرق من بين متاعه ، قال : فعليه أن يقيم البينة أنّه سرق‏من‏بين‏متاعه‏وليس عليه شيء ، فإن سرق‏ متاعه‏كله ‏فليس عليه شيء » (١) وغيرها.

والرواية صحيحة بطريق الشيخ الصدوق والطوسى وإن كانت ضعيفة بالارسال فى طريق الشيخ الكلينى إلاّ أنّ ذلك غير مهم لأنّه يكفى فى صحة الرواية صحة بعض طرقها.

٤ ـ وأمّا اعتبار أن تكون دعوى المدّعى لنفسه أو لمن له الولاية أو الوكالة عنه ، فلأنّه لولا ذلك يكون أجنبياً عن الدعوى ومن ثم يكون قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « البينة على من ادّعى واليمين على من ادّعى عليه » (٢) منصرفاً عنه.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٣ / ٢٧٢ ، باب ٢٩ من احكام الاجارة ، حديث ٥.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ١٧٠ ، باب ٢ من ابواب كيفية الحكم ، حديث ١.

٢٣

٥ ـ وأمّا اعتبار كون متعلق الدعوى أمراً ، سائغاً فواضح بعد عدم اشتغال الذمة شرعاً بغيره.

٦ ـ وأمّا اعتبار كون المتعلق ذا أثر شرعى ، فلعدم الفائدة فى قبول الدعوى في غير ذلك.

٧ ـ وأمّا اعتبار المعلومية في الجملة ، فلأنّ المجهول بشكل كلى ـ كما لوقال المدّعي : لى عليه شيء ـ لايمكن‏الالزام به لتردده بين ماتسمع فيه الدعوى وما لاتسمع.

أجل ، إذا فسره بما يمكن الالزام به قُبل ذلك منه وتحصل آنذاك دعوى ثانية.

وسائل الاثبات

الوسائل التى يعتمد عليها للإثبات وحلّ الخصومة فى باب القضاء هي : البينة ، واليمين ، والاقرار ، والقرعة ، وعلم الحاكم.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا البينة ، فهى حجة لإثبات دعوى المدّعى بخلاف اليمين ، فإنّها حجة لاسقاط المدّعى عليه الدعوى عن نفسه. وهكذا هى حجة للمدّعى لإثبات دعواه لو ردت عليه إما من قبل المدّعى عليه أو الحاكم.

وبينة المدّعى هى المقدمة ، فإن لم‏تكن فالنوبة تصل الى يمين المدّعى عليه. والمستند لذلك قول النبى صلى‌الله‌عليه‌وآله : « البينة على من ادّعى واليمين على من ادّعي عليه » (١) وغيرها.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ١٧٠ ، باب ٣ من ابواب كيفية الحكم ، حديث ١.

٢٤

٢ ـ وأمّا الاقرار ، فلا إشكال فى حجيته ، للسيرة العقلائية الممضاة بعدم الردع.

لايقال : إنّ مدارك القضاء منحصرة بالبينات والأيمان لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان. وبعضكم ألحن بحجته من بعض ، فأيّما رجل قطعت له من مال أخيه شيئاً فإنّما قطعت له به قطعة من النار » (١) وليس الاقرار منها.

فإنّه يقال : بناءً على دلالة الحديث على الحصر ، فبالإمكان دعوى اختصاص نظره الى حالة الخصومة ، ومع الاقرار لاخصومة.

٣ ـ وأمّا القرعة ، فتدل على حجيتها سيرة العقلاء والسنّة الشريفة.

أما السيرة ، فانعقادها على العمل بها فى الاُمور المشكلة واضح ، وحيث لاردع عنها شرعاً فيثبت امضاؤها.

وأما السنّة ، الشريفة فالدال منها فى الموارد الخاصة كثير إلاّ أنّ المهم هو الروايات العامة. ويمكن الاستشهاد بصحيحة محمد بن حكيم : « سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن شيء ، فقال لي : كل مجهول ففيه القرعة ... » (٢) ، فإنّه وإن لم‏يحدد فيها المقصود من كلمة « شيء » ، ومن المحتمل اختصاصه بمورد معيّن إلاّ أنّ ذلك لايمنع من استفادة العموم منها ، فإنّ العبرة بعموم الجواب ، ولايضر بذلك اختصاص السؤال بمورد معيّن.

وهكذا يمكن الاستشهاد بصحيحة ابراهيم بن عمر عن أبى عبد الله عليه‌السلام : « رجل قال : أول مملوك أملكه فهو حر فورث ثلاثة ، قال : يقرع بينهم فمن أصابه القرعة اُعتق. قال : والقرعة سنّة » (٣) ، فان موردها وإن كان خاصاً إلاّ أنّه يمكن استفادة

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ١٦٩ ، باب ٢ من ابواب كيفية الحكم ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ١٨٩ ، باب ١٣ من ابواب كيفية الحكم ، حديث ١١.

٣ ـ وسائل الشيعه : ١٨ / ١٨٧ ، باب ١٣ من ابواب كيفية الحكم ، حديث ٢.

٢٥

التعميم منها بتوسط الذيل.

ثم إنّه ينبغى الالتفات الى أنّ القرعة ـ بناءً على حجيتها ـ يختص جواز التمسك بها فى مورد القضاء بما إذا فرض تساوى الخصمين من جهة جميع وسائل الإثبات وجوداً وعدماً وإلاّ فلاتصل النوبة اليها كما هو واضح.

٤ ـ وأمّا اعتبار علم القاضى كوسيلة للإثبات ، فهو المشهور ، بل المتفق عليه علي ما ذكر صاحب الجواهر ، من غير فرق بين حقوق الناس وحقوق الله سبحانه ، خلافاً لابن الجنيد حيث نسب له المنع مطلقاً (١).

واستدل على الاعتبار بعدّة وجوه ، نذكر منها :

أ) أنّ البينة جعلت حجة لكاشفيتها ، ومن الواضح أنّ العلم أقوى منها كاشفية فيلزم أن يكون حجة بالأولوية.

ب) التمسك بما دلّ على وجوب الحكم بالعدل والحق ، كقوله تعالي : ( يا داود إنّا جعلناك خليفة فى الأرض فاحكم بين الناس بالحق ) ، (٢) ( وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) (٣) ، بتقريب أنّ الحاكم لو علم أنّ هذا زانٍ مثلاً فمتى ما حكم بزناه وثبوت الحدّ عليه ، كان ذلك حكماً بالحق والعدل فيكون جائزاً ، بل واجباً.

ج) التمسك بصحيحة سليمان بن خالد عن أبى عبد الله عليه‌السلام : « فى كتاب على عليه‌السلام : أنّ نبياً من الأنبياء شكا الى ربّه ، فقال : يا رب كيف أقضى فى ما لم أر وأشهد؟ قال : فأوحى الله اليه : احكم بينهم بكتابى وأضفهم الى اسمى فحلِّفهم به.

__________________

١ ـ جواهر الكلام : ٤٠ / ٨٨.

٢ ـ ص : ٢٦.

٣ ـ النساء : ٥٨.

٢٦

وقال : هذا لمن لم‏تقم له بينة » (١) ، حيث دلت على جواز قضاء الحاكم فيما إذا رأى الواقعة وشهدها. والظاهر من نقل القصة فى الحديث امضاء ما نقل فيها من حكم.

هذه بعض المدارك لاعتبار علم القاضى فى باب القضاء. وإذا أمكنت المناقشة فى بعضها ففى البقية كفاية.

ولا معارض لذلك سوى بعض الوجوه الضعيفة ، من قبيل :

انّ صحيحة هشام بن الحكم المتقدمة دلت على حصر الوسائل المثبتة فى باب القضاء بالبينة واليمين ، حيث قال صلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّما أقضى بينكم بالبينات والأيمان » (٢)؛

أو من قبيل ما دلّ على عدم جواز إقامة الحد عند رؤية الزنا ، فقد ورد في صحيحة داود بن فرقد : « سمعت أباعبدالله عليه‌السلام يقول : إنّ أصحاب رسول ‏الله قالوا لسعد بن عبادة : أرأيت لو وجدت على بطن امرأتك رجلاً ما كنت صانعاً به؟ قال : كنت أضربه بالسيف. قال : فخرج رسول اللّه‏ ، فقال : ماذا يا سعد؟ فقال سعد : قالوا : لو وجدت على بطن امرأتك رجلاً ما كنت صانعاً به؟ فقلتُ : أضربه بالسيف ، فقال : يا سعد فكيف بالأربعة الشهود؟ فقال : يا رسول الله : بعد رأى عينى وعلم الله أن قد فعل؟ قال : إى والله بعد رأى عينك وعلم الله أن قد فعل. إنّ الله قد جعل لكل شيء حدّاً ، وجعل لمن تعدّى ذلك الحدّ حدّاً » (٣).

ووجه الضعف :

أمّا بالنسبة الى الأول ، فباعتبار أنّ صحيحة هشام ناظرة الى الحالة الغالبة التى لا علم فيها للحاكم كما يتضح ذلك بأدنى تأمل.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ١٦٧ ، باب ١ من ابواب كيفية الحكم ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ١٦٩ ، باب ٢ من ابواب كيفية الحكم ، حديث ١.

٣ ـ وسائل الشيعة : /١٨ ٣١٠ ، باب ٢ من ابواب مقدمات الحدود ، حديث ١.

٢٧

وأمّابالنسبة الى الثاني ، فلأن المدّعى جواز قضاء الحاكم بعلمه دون أى شخص كان.

أحكام عامة فى باب القضاء

المدّعى هو من خالف قوله الحجة. وقيل غير ذلك.

وهو مطالب بالبينة بلا حاجة الى ضمّ يمينه إلاّ فى الدعوى على الميت بدين.

والحلف لايصحّ إلاّ باللّه‏ سبحانه وبأسمائه الخاصة ولو مع الترجمة.

والدعوى على الغائب مسموعة إذا أقام المدّعى البينة على مايدّعيه ويأخذ الحاكم بحقه من أموال المدّعي‏عليه بعد طلب كفيل منه على المال. ويبقى الغائب على حجته إذا رجع. ولو أثبت عدم استحقاق شيء عليه يسترجع الحاكم ما دفعه إلى المدّعي.

وإذا كان لشخص مال فى يد غيره ، جاز له أخذه منه من دون استئذانه إن لم‏يستلزم ذلك تصرفاً فى ملكه أو كان الامتناع بغير حق.

هذا إذا كان المال عيناً.

وأمّا إذا كان ديناً فى ذمّته فمع اعترافه وبذله لايجوز له أخذه منه من دون استئذانه. وهكذا لو كان غير باذل له وكان امتناعه بحق.

أجل ، إذا كان امتناعه بظلم جازت المقاصة بلاحاجة إلى استئذان من‏الحاكم الشرعي.

ومن ادّعى مالاً لا يدَ لأحدٍ عليه ، حُكم له به بلا مطالبة بالبينة.

وإذا كان ذلك المال فى يد الغير ، فلا يحكم به للمدّعى إلاّ مع إقامته البينة.

وإذا ادّعى شخص زوجية امرأة أو بالعكس ، فمع تصديق الآخر يحكم بها بلا حاجة إلي

٢٨

بينة أو يمين. ومع عدم تصديق الآخر يلزم المدّعى إقامة البينة ، فإن لم‏يقمها فله احلاف الآخر.

وإذا تصادق رجل وامرأة على الزوجية وادّعاها آخر ، لزمه إقامة البينة على إثبات مدّعاه ، وله مع عدم إقامة البينة طلب احلاف أيّهما شاء.

وإذا اختلف‏الزوجان فيالعقد فادّعي‏أحدهما دوامه والآخرانقطاعه ، فالمناسب على رأي المشهور ترجيح مدّعى الدوام بعد يمينه إن لم‏يكن للآخر بينة على إثبات مدّعاه.

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا تحديد الضابط للمدّعى ، فقد وقع محلاًّ للإختلاف بين الأعلام بعد اتفاقهم على كونه هو المطالب بالبينة ، فقيل :

أ ـ انّ المدّعى هو من إذا تَرك تُرك.

وفيه : انَّ هذا يتمّ فيما لو ادّعى شخص على آخر ديناً أو عيناً أوغيرهما ، ولايتمّ فيما إذا اعترف شخص بالدين وادّعى ايفائه أو اعترف بأخذ العين عارية أو وديعة وادّعى إرجاعها ، فإنّه مدّعٍ جزماً بالرغم من أنّه إذا ترك لايُترك.

ب ـ ما يظهر من صاحب الجواهر وصرح باختياره الآشتيانى وغيره من أن المرجع فى تحديد المدّعى هو العرف ، فكل من صدق عليه عرفاً عنوان المدّعي ثبت كونه كذلك وكان مُلزماً بالبينة (١).

وفيه : انّ التحديد المذكور وإن كان من جهةٍ جيداً ، لأن الشارع مادام لم‏يتصدَ لتحديد مفهوم المدّعي ، فالمرجع يكون هو العرف ـ كما هو الحال فى كل مفهوم

__________________

١ ـ جواهر الكلام : ٤٠ / ٣٧١ ؛ كتاب القضاء للآشتياني : ٣٣٦.

٢٩

لم‏ يرد فيه تحديد شرعى ـ إلاّ أن الكلام الآن هو فى تحديد نظر العرف وأنّه من هو المدّعى عنده ليكون ملزماً بالبينة؟

ولعلَّ المناسب أنّ يقال : ان المدّعى فى نظر العرف هو من خالف قوله الحجة ، فاليد حجة كاشفة عن ملكية صاحبها ، واستصحاب الحالة السابقة حجة علي بقائها ، ومن خالف فى دعواه احدى هاتين الحجتين وما شاكلهما فهو المدّعي ويكون ملزماً بالإثبات ، لأنه يدّعى شيئاً يخالف ما عليه الحجة ، بخلاف المدّعي عليه ، فإنَّ قوله موافق للحجة.

ولعل هذا هو مقصود من فسَّر المدّعى بمن خالف قوله الأصل أو الظاهر بعد أخذ الأصل والظاهر كمثال لمطلق الحجة.

٢ ـ وأمّا أنّ المدّعى لايطالَب باليمين إضافة الى البينة ، فلدلالة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « البينة على من ادّعى واليمين على من ادّعى عليه » (١) على ذلك بعد الالتفات إلى أن التفصيل قاطع للشركة.

٣ ـ وأمّا وجه استثناء دعوى الدين على الميت ، فيأتى إن شاء اللّه‏ تعالى فى كتاب الشهادات.

٤ ـ وأمّا أن الحلف لايصح إلاّ باللّه‏ سبحانه ، فلصحيحة سليمان بن خالد المتقدمة : « فى كتاب على عليه‌السلام أنّ نبياً من الأنبياء شكا إلى ربّه ، فقال : يارب كيف أقضى فى ما لم‏أرَ ولم ‏أشهد؟ قال : فأوحى اللّه‏ إليه : احكم بينهم بكتابى وأضفهم إلى اسمى فحلّفهم به. وقال : هذا لمن لم‏تقم له بينة » (٢) ، فإنّها تدل بوضوح على صحة الحلف بتوسط

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ١٧٠ ، باب ٣ من أبواب كيفيّة الحكم ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ١٦٧ ، باب ١ من أبواب كيفيّة الحكم ، حديث ١.

٣٠

لفظ الجلالة ، بل بجميع أسمائه عزّوجلّ ولو مع الترجمة تمسكاً بإطلاق كلمة « اسمي » فى قول اللّه‏ عزّوجلَّ : « وأضفهم الى اسمي ».

إن قلت : لِمَ لانتمسك لإثبات جواز الحلف بغير اللّه سبحانه بإطلاق ما دلّ علي أنّ اليمين على المدّعى عليه ، كما فى قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « البينة على من ادّعى واليمين علي من ادّعى عليه ». (١)

قلت : إنّ الحديث لو كان له إطلاق من الناحية المذكورة ، فهو مقيد بالصحيحة المتقدمة ، فإنّها واردة فى مقام بيان تحديد الوظيفة وقد قالت : « وأضفهم الى اسمي فحلّفهم به » ، وهذا يفهم منه أنّ الحلف بغير اسمه تعالى ليس بنافع.

٥ ـ وأمّا أنّ الدعوى على الغائب مسموعة ، فلصحيحة جميل عن جماعة من أصحابنا عنهما عليهما‌السلام : « الغائب يقضى عليه إذا قامت عليه البينة ويباع ماله ويقضي عنه دينه وهو غائب ، ويكون الغائب على حجّته إذا قدم. قال : ولايدفع المال إلي الذى أقام البينة إلاّ بكفلاء » (٢).

ولا يشكل بأنّ الصحيحة مرسلة حيث عُبِّر « عن جماعة من أصحابنا » بدون تشخيصهم.

فإنّه يجاب أنّ الجماعة ـ التى أقلّها ثلاثة ـ لايحتمل اجتماعها على الكذب وعدم وجود ثقة من بينهم خصوصاً وهم مشايخ لجميل بن دراج الذى هو من أعاظم الرواة.

على أنّه فى بعض الطرق الاُخرى قد صُرح هكذا : عن جميل عن محمد بن

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ١٧٠ ، باب ٢ من ابواب كيفية الحكم ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ٢١٦ ، باب ٢٦ من أبواب كيفية الحكم ، حديث ١.

٣١

مسلم عن أبى جعفر عليه‌السلام.

وإذا قيل : إنّ الرواية المذكورة معارضة برواية الحميرى فى قرب الإسناد عن السندى بن محمد عن أبى البخترى عن جعفر عن أبيه عن على : « لا يقضى علي غائب » (١).

قلنا : هى مطلقة فيمكن حملها بقرينة الرواية السابقة على أن المقصود : لايقضي عليه بنحو بتى بل يبقى على حجته ، أو أنه لايقضى عليه من دون كفلاء.

هذا مضافاً إلى ضعف سندها بأبى البخترى وهب بن وهب الذى قيل فى حقه بأنّه أكذب أهل البرية. (٢)

٦ ـ وأمّا جواز أخذ الشخص ماله إذا كان فى يد غيره بدون استئذانه مادام لايستلزم ذلك تصرفاً فى ملكه أو يكون الامتناع بغير حق ، فلقاعدة الناس : « مسلّطون على أموالهم » الثابتة بسيرة العقلاء.

والتقييد بعدم استلزام ذلك التصرف فى ملك الغير أو يكون الامتناع بغير حق باعتبار أنّ ذلك هو القدر المتيقن من معقد السيرة.

٧ ـ وأمّا أنّ المال إذا كان ديناً لايجوز أخذه بدون استئذان مع فرض الاعتراف والبذل ، فلأن الكلّى فى الذمّة لايتشخص فى الفرد الخارجى إلاّ بتشخيص صاحب الذمّة المشغولة ، فإنّه ذو الولاية على ذلك.

ونفس النكتة المذكورة تأتى لو كان الامتناع من البذل بحق.

٨ ـ وأمّا جواز المقاصة مع الامتناع بغير حق ، فلصحيحة داود بن رزين : « قلت

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ٢١٧ ، باب ٢٦ من ابواب كيفية الحكم ، حديث ٤.

٢ ـ اختيار معرفة الرجال ، رقم ٥٥٨.

٣٢

لأبى الحسن عليه‌السلام : إنى اُخالط السلطان فتكون عندى الجارية فيأخذونها والدابة الفارهة فيبعثون فيأخذونها ثم يقع لهم عندى المال فلى أن آخذه؟ قال : خذ مثل ذلك ولاتزد عليه » (١) وغيرها.

ومقتضى اطلاقها عدم الحاجة الى الإستئذان من الحاكم الشرعي ، بل بعد ثبوت الإذن من الشرع لاتعود حاجة إلى الاستئذان المذكور.

٩ ـ وأمّا أنّ من ادّعى مالاً لا يدَ لأحدٍ عليه حكم له به بلا مطالبة بالبينة ، فلقاعدة قبول دعوى المدّعى بلا منازع ، الثابتة بسيرة العقلاء والممضاة بعدم الردع.

وتدل على ذلك أيضاً صحيحة منصور بن حازم عن أبى عبداللّه‏ عليه‌السلام : « قلت : عشرة كانوا جلوساً ، وسطهم كيس ، فيه ألف درهم ، فسأل بعضهم بعضاً : ألكم هذا الكيس؟ فقالوا كلّهم : لا ، وقال واحد منهم : هو لي ، فلمن هو؟ قال : للذى ادّعاه » (٢).

١٠ ـ وأمّا أنّ من ادّعى مالاً فى يد غيره لايحكم به للمدّعى إلاّ إذا أقام البينة ، فلقاعدة « البينة على من ادّعى واليمين على من ادّعى عليه ». أجل ، إذا لم‏يكن للمدّعى بينة فبإمكانه المطالبة بإحلاف صاحب اليد ، كما تقدّم توضيح ذلك تحت عنوان « كيفية القضاء ».

١١ ـ وأمّا الحكم بالزوجية عند تصادق الرجل والمرأة عليها بلا مطالبة بالبينة ، فلعدم وجود مدعٍ عليه ليستحق المطالبة بالبينة. وعلى الحاكم تصديقهما تطبيقاً لأصالة الصحة. هذا مضافاً إلى أنّ الحق لايعدوهما فلا معنى لعدم تصديقهما.

أجل ، مع عدم تصديق الطرف الثانى يتحقق عنوان المدّعى والمدّعى عليه

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٢ / ٢٠٢ ، باب ٨٣ من أبواب مايكتسب به ، حديث ١.

٢ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٠٠ ، باب ١٧ من أبواب كيفية الحكم ، حديث ١.

٣٣

فيكون الأول ملزماً بالبينة ، وإذا لم‏يقمها فبإمكان الثانى الحلف لنفى الزوجية واسقاط الدعوي.

١٢ ـ وأمّا أنّه مع تصادق الطرفين على الزوجية ، فعلى الرجل الثانى إقامة البينة لو ادّعى الزوجية ، فلأنّه مدّعٍ.

وأمّا أنّه مع عدم إقامته البينة فبإمكانه طلب احلاف أيّهما شاء وتسقط بذلك الدعوي ، فباعتبار أنّ كل واحد من الرجل والمرأة المتصادقين على الزوجية ينطبق عليه عنوان المدّعى عليه ، فإذا حلف تسقط بذلك الدعوي.

١٣ ـ وأمّا ترجيح مدّعى الدوام أو الانقطاع عند اختلاف الزوجين فى دوام العقد وانقطاعه ، فيتضح بعد الالتفات إلى أنّ الاختلاف فى دوام العقد وانقطاعه ينشأ عادة من الاختلاف فى ذكر الأجل فى العقد وعدمه ، فإذا بنى على أن عدم ذكر الأجل مع قصد الانقطاع يوجب قلبه دائماً كما هو المشهور ـ استناداً إلى بعض الروايات ، من قبيل موثقة عبداللّه‏ بن بكير : قال أبو عبداللّه‏ عليه‌السلام فى حديث : « إن سمّي الأجل فهو متعة وإن لم‏يسمِّ الأجل فهو نكاح بات » (١) ـ فالمناسب تقديم قول مدّعى الدوام مع يمينه لأصالة عدم ذكر الأجل.

وأمّا إذا بنى على بطلان العقد رأساً عند عدم ذكر الأجل ولو نسياناً ـ كما هو مختار بعض الأعلام ـ فالمناسب تقديم قول مدّعى الانقطاع بيمينه؛ لأن دعواه موافقة لأصالة الصحة. هذا مضافاً إلى اتفاق الطرفين على جعل الزوجية بمقدار الأجل ، والأصل عدم اعتبارها بالمقدار الزائد.

__________________

١ ـ وسائل الشيعة : ١٤ / ٤٦٩ ، باب ٢٠ من أبواب المتعة ، حديث ١.

٣٤

كتاب الشهادات

شرائط الشاهد

اختلاف الحقوق فى الاثبات

أحكام عامة فى باب الشهادات

٣٥
٣٦

شرائط الشاهد

يلزم لقبول شهادة الشاهد فى مطلق موارد الشهادة توفر :

١ ـ البلوغ فلاتقبل شهادة غير البالغ إلاّ فى القتل فإنّه يؤخذ بأول كلامه. وفيالتعدى إلي الجرح خلاف. هذا فى الصبي ، وأمّا الصبية فينبغى الجزم بعدم قبول شهادتها.

٢ ـ العقل.

٣ ـ العدالة.

٤ ـ الاسلام ، بل الإيمان فلا تقبل شهادة غير المسلم على المسلم ـ إلاّ الذمّى فى الوصية بالمال إذا لم‏يوجد شاهدان عادلان من المسلمين ـ ولا شهادة غير المؤمن.

٥ ـ طهارة المولد إلاّ فى الشيء اليسير.

٦ ـ أن لاتجرّ الشهادة نفعاً ولاتدفع ضرراً ، كشهادة الشريك لشريكه بأنّه اشترى من ثالث عيناً لهما أو شهادة بعض أفراد العاقلة بجرح شهود الجناية.

٧ ـ أن لايكون الشاهد ذا عداوة دنيوية مع المشهود عليه ولو لم‏توجب فسقاً.

٨ ـ أن لايكون سائلاً بكفّه.

٣٧

والمستند فى ذلك :

١ ـ أمّا الصبى غير المميّز ، فلايمكن تحقق الشهادة منه ، وأمّا المميّز فقد يدّعي وجود بعض المطلقات الدالة على حجّية شهادته أيضاً ، كقوله تعالي : ( فإذا دفعتم إليهم أموالهم فأشهدوا عليهم ) (١) ( واللاتى يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهنّ أربعة منكم ) (٢).

إلاّ أنّه على تقدير تمامية الإطلاق المذكور ـ وعدم المناقشة بكون الخطابات المذكورة فى مقام بيان الحث على الشهادة وطلبها لا أكثر ـ لابدَّ من تقييده بصحيحة محمد بن حمران : « سألت أبا عبداللّه‏ عليه‌السلام عن شهادة الصبى فقال : لا ، إلاّ فى القتل يؤخذ بأول كلامه ولايؤخذ بالثاني » (٣) وغيرها.

وممّا يؤكد عدم حجية شهادة غير البالغ قوله تعالي : ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم‏يكونا رجلين فرجل وامرأتان ) (٤) ، فإنّ اعتبار بلوغ الشاهد فى باب الدين يدل على اعتباره فى غيره إمّا بالأولوية أو بتنقيح المناط والغاء الخصوصية.

٢ ـ وأمّا أنه يؤخذ بأول كلام الصبى ، فللصحيحة المتقدّمة.

٣ ـ وأمّا الجرح ، فقد قيل بقبول شهادة الصبى فيه أيضاً بالأولوية ، وفى المقابل يمكن أن يقال باختصاص القبول بمورد القتل لاحتمال وجود خصوصية له فى نظر الشارع ، وهى التحفظ على الدماء. بل إنّ لازم القول بالأولوية التعدّى إلى جميع الموارد الاُخري ، لأنها أدون من القتل.

__________________

١ ـ النساء : ٦.

٢ ـ النساء : ١٥.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٥٢ ، باب ٢٢ من أبواب الشهادات ، حديث ٢.

٤ ـ البقرة : ٢٨٢.

٣٨

٤ ـ ووجه الجزم فى رفض شهادة الصبية ، أن مثل صحيحة محمد بن حمران المتقدّمة جاءت استثناءً من شرطية البلوغ وليس من شرطية الذكورة.

٥ ـ وأمّا العقل ، فاعتباره واضح. أجل ، فى الأدوارى لامحذور فى قبول شهادته حالة إفاقته ، لإطلاق الأدلة.

٦ ـ وأمّا العدالة ، فلا اشكال فى اعتبارها فى الشاهد فى الجملة. وقد قال تعالي فى شاهدى الطلاق : ( فإذا بلغن أجلهنّ فامسكوهنّ بمعروف أو فارقوهنّ بمعروف وأشهدوا ذوى عدلٍ منكم ) (١). وقال فى شاهدى الوصية : ( شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصيّة إثنان ذوا عدل منكم ) (٢).

وفى موثقة عبداللّه‏ بن أبى يعفور : « قلت لأبى عبداللّه‏ عليه‌السلام : بِمَ تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم؟ فقال : أن تعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن والفرج واليد واللسان ويعرف باجتناب الكبائر التى أوعد اللّه‏ عليها النار من شرب الخمر والزنا ... والدلالة على ذلك كلّه أن يكون ساتراً لجميع عيوبه حتي يحرم على المسلمين ماوراء ذلك من عثراته ... » (٣).

وفيها دلالة واضحة على شرطية العدالة لا بمعناها الدقيق ، بل بمعنى حسن الظاهر. وفى صحيح محمد بن قيس الآتى دلالة واضحة على المطلوب.

٧ ـ وأمّا اشتراط الاسلام ، فهو من واضحات الفقه ، وقد دلّت على ذلك موثقة سماعة : « سألت أبا عبداللّه‏ عليه‌السلام عن شهادة أهل الملّة ، فقال : لاتجوز إلاّ على أهل ملتهم » (٤) وغيرها.

__________________

١ ـ الطلاق : ٢.

٢ ـ المائدة : ١٠٦.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٨٨ ، باب ٤١ من أبواب الشهادات ، حديث ١.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٨٤ ، باب ٣٨ من أبواب الشهادات ، حديث ٢.

٣٩

وأمّا الاستثناء المذكور ، فممّا لاخلاف فيه لقوله تعالي : ( يا أيّها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدلٍ منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم فى الأرض فأصابتكم مصيبة الموت ... ) (١)والروايات الكثيرة (٢).

٨ ـ وأمّا الإيمان ، فلا إشكال فى اشتراطه إذا كان غير المؤمن معانداً ، لأنّه فاسق ، والحديث الشريف يقول : « كان أمير المؤمنين عليه‌السلام يقول : ... لا أقبل شهادة الفاسق إلاّ على نفسه » كما فى صحيح محمد بن قيس(٣).

وأمّا إذا كان مستضعفاً فالمشهور عدم قبول شهادته أيضاً ـ حيث لم‏يفصلوا في رفض شهادة غير المؤمن بين القسمين ـ إلاّ أن الشهيد الثانى قدس‌سره شكّك فى ذلك وأبرز احتمال قبول شهادته ، لوجود المقتضى وفقدان المانع.

أماّ وجود المقتضي ، فلإطلاق مثل قوله عليه‌السلام ـ فيصحيحة محمدبن‏مسلم : « لوكان الأمر إلينا لأجزنا شهادة الرجل إذا علم منه خير مع يمين الخصم فى حقوق الناس » (٤).

وأمّا فقدان المانع فلأنّ مايتصور كونه مانعاً ليس إلاّ صدق عنوان الفاسق عليه ، وهو مدفوع ، باعتبار أنّ صدقه يختص بالمعاند ، أى الذى يفعل المعصية وهو يعلم أنّها معصية دون من يرتكبها وهو يعتقد أنّها طاعة.

ثم أضاف قائلاً : إنّ تحقق العدالة لايختص بالإمامي ، بل تتحقق فى جميع أهل الملل مع قيامهم بمقتضاها بحسب اعتقادهم(٥).

__________________

١ ـ المائدة : ١٠٦.

٢ ـ وهى مذكورة فى الباب ٤ من أبواب الشهادات فى وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٨٧.

٣ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٧٨ ، باب ٣٢ من أبواب الشهادات ، حديث ٤.

٤ ـ وسائل الشيعة : ١٨ / ٢٩١ ، باب ٤١ من أبواب الشهادات ، حديث ٨.

٥ ـ مسالك الأفهام : ٢ / ٤٠١.

٤٠