محاضرات في أصول الفقه - ج ٣

آية الله الشيخ محمّد إسحاق الفيّاض

محاضرات في أصول الفقه - ج ٣

المؤلف:

آية الله الشيخ محمّد إسحاق الفيّاض


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
المطبعة: الصدر
الطبعة: ٤
الصفحات: ٣٦٣

الذين لهما ثالث فلا يتم. وقد تقدم ذلك بشكل واضح فلا نعيد.

وأما القسم الثالث وهو التزاحم في موارد اجتماع الأمر والنهي على القول بالجواز مع فرض عدم المندوحة في البين فهو داخل في القسم الرابع ، وهو ما إذا كان التزاحم من جهة التلازم الاتفاقي بين الفعلين في الخارج ، ضرورة ان التزاحم في موارد الاجتماع على هذا القول أيضا من ناحية التلازم بين متعلق الأمر ومتعلق النهي في الوجود الخارجي ، فاذن لا معنى لجعله قسما على حدة.

ونتيجة ما ذكرناه هي ان الصحيح تقسيم التزاحم إلى ثلاثة أقسام :

الأول ـ ما إذا كان التزاحم ناشئاً من عدم قدرة المكلف اتفاقاً.

الثاني ـ ما إذا كان الحرام مقدمة لواجب.

الثالث ـ ما إذا كان ناشئاً من التلازم الاتفاقي بين فعلين في الخارج.

اما القسم الأول ـ فقد تقدم الكلام فيه بصورة مفصلة.

بقي شيء قد تعرض له شيخنا الأستاذ (قده) وهو ان التزاحم إذا كان بين واجبين طوليين يكون كل منهما مشروطاً بالقدرة عقلا ، فان لم يكن الواجب المتأخر أهم من الواجب المتقدم فقد ذكر (قده) انه يتقدم الواجب المتقدم على المتأخر ، فلا وجه للتخيير أصلا ، ولكن قد ذكرنا سابقاً انه لا وجه لما أفاده (قده) هنا بل المتعين فيه التخيير ، فان المتقدم زماناً إنما يكون مرجحاً إذا كان كل منهما مشروطاً بالقدرة شرعاً ، لا فيما إذا كان مشروطا بها عقلا ، فانه لا فرق فيه بين ان يكون التزاحم بين واجبين عرضيين أو طوليين أصلا ، واما إذا كان الواجب المتأخر أهم من الواجب المتقدم فقد ذكر (قده) أن في هذه الصورة تقع المزاحمة بين وجوب الواجب المتقدم ووجوب حفظ القدرة للواجب المتأخر في ظرفه ، وبما ان الثاني أهم من الأول فيتقدم عليه ، وهذا ظاهر.

وإنما الكلام والإشكال في انه هل يمكن الالتزام بالترتب في هذا الفرض أعني جواز تعلق الأمر بالواجب المتقدم مترتباً على عصيان الأمر المتعلق بالواجب

٣٤١

المتأخر أم لا وجهان بل قولان :

فقد اختار (قده) القول الثاني. وأفاد في وجه ذلك هو ان القول بإمكان الترتب هنا يبتنى على جواز الشرط المتأخر ، بان يكون العصيان المتأخر شرطاً لتعلق الأمر بالمتقدم. وقد ذكرنا استحالته وانه غير معقول. ودعوى ـ انه لا مانع من الالتزام بكون الشرط هو عنوان التعقب ، كما التزمنا بذلك في اشتراط التكليف بالقدرة في الواجبات التدريجية كالصلاة وما شاكلها. وعليه فلا يلزم الالتزام بالشرط المتأخر ـ يدفعها بان جعل عنوان التعقب شرطا يحتاج إلى قيام دليل عليه ، ولا دليل في المقام. واما في الواجبات التدريجية فقد دل الدليل على ذلك.

الثاني ـ ان العمدة في جواز تعلق الأمر بالضدين على نحو الترتب هي ان الواجب المهم مقدور للمكلف في ظرف عصيان الأمر بالواجب الأهم ، وقابل لتعلق التكليف به عندئذ ، من دون ان يستلزم ذلك محذور طلب الجمع كما عرفت ، نعم المهم إنما لا يكون مقدوراً في ظرف امتثال الأمر بالأهم ، وهذا لا يضر بعد ما كان مقدوراً في ظرف عصيانه. وهذا الوجه غير جار فيما نحن فيه ، ضرورة أن عصيان الواجب المتأخر في ظرفه لا يوجب قدرة المكلف على الواجب المتقدم وجواز صرفها في امتثاله ، والمفروض ان الخطاب بحفظ القدرة على الواجب المتأخر فعلى من ناحية ، وأهم من ناحية أخرى. ومن المعلوم انه مع هذا الحال مانع من صرف القدرة في الواجب المتقدم ، ولا يكون المكلف في هذا الحال قادراً عليه ، لأنه معجز عنه ، فلا يعقل تعلق الأمر به عندئذ ، لاستلزامه طلب المحال ، لفرض أنه مأمور فعلا بحفظ القدرة في هذا الحال ، فلو كان مع ذلك مأموراً بإتيان الواجب المتقدم ، للزم المحذور المزبور.

وعلى الجملة فملاك إمكان الترتب وهو كون المهم مقدوراً في ظرف عصيان الأهم غير موجود ، هنا ، وذلك لأنه في ظرف تحقق عصيان الواجب المتأخر ووجوده ينتفي الواجب المتقدم بانتفاء موضوعه ، فلا يعقل كونه مقدوراً عندئذ

٣٤٢

ضرورة ان القدرة لا تتعلق بأمر متقدم منصرم زمانه ، واما في ظرف الواجب المتقدم وقبل مجيء زمان عصيان الواجب المتأخر فهو مأمور بحفظ القدرة له فعلا ، ومعه أي ـ مع حفظ القدرة ـ لا يكون الواجب المتقدم مقدوراً ، ليكون قابلا لتعلق الأمر به.

وتخيل ـ ان الشرط إنما هو العزم والبناء على عصيان المتأخر في ظرفه ، لا نفس العصيان وعليه فلا يلزم المحذور المزبور ـ فاسد ، وذلك لأن الشرط لو كان هو العزم والبناء على العصيان لا نفسه ، للزم طلب الجمع بين الضدين ، لفرض ان كلا الأمرين في هذا الآن فعلى ، اما الأمر بالأهم فلفرض عدم تحقق عصيانه بعد ، فلا موجب لسقوطه ، واما الأمر بالمهم فلفرض تحقق شرطه وهو العزم والبناء على العصيان.

فقد تحصل مما ذكرناه انه كما لا يمكن ان يكون عصيان الواجب المتأخر في ظرفه شرطا ، كذلك لا يمكن ان يكون العزم عليه شرطاً.

الثالث ـ ان توهم كون الشرط لتعلق الأمر بالمتقدم إنما هو عصيان الأمر بحفظ القدرة للمتأخر ، أو العزم على عصيانه ، وعلى هذا فلا محذور في البين ، وأن المحذور إنما هو على أساس كون الشرط له عصيان الأمر بالمتأخر لا أصل له أبداً.

والوجه فيه اما كون العزم على عصيانه فقد عرفت ان شرطيته تستلزم طلب الجمع بين الضدين ، ولا يعقل ان يكون شرطا ، لأنه خلاف مفروض القول بالترتب. وأما عصيانه المتحقق باعمال القدرة في غير الأهم فشرطيته غير معقولة ، وذلك لأن المكلف في ظرف ترك التحفظ بقدرته للواجب المتأخر ، لا يخلو أمره من ان يصرفها في المهم أو ان يصرفها في فعل آخر ، ضرورة ان عصيان الأمر به لا يتحقق إلا بصرفها في أحدهما. وعليه فيستحيل اشتراط الأمر بالمهم به على كلا التقديرين.

٣٤٣

اما على الأول (وهو اشتراطه بالعصيان المتحقق بفعل المهم) فلأنه يستلزم اشتراط الأمر بالشيء بوجوده وتحققه في الخارج ، وهو محال ، لأنه طلب الحاصل.

وأما على الثاني (وهو اشتراطه بالعصيان المتحقق بفعل آخر) فلأنه يستلزم تعلق الأمر بالمحال ، لأن في فرض صرف المكلف قدرته في فعل آخر يستحيل له الإتيان بالمهم ، لفرض انه ليس له إلا قدرة واحدة ، فلو صرف تلك القدرة في غيره ، فلا محالة لا يقدر عليه ، مع انه لا معنى لاشتراط الأمر بالمهم بصرف القدرة فيما هو أجنبي عن الأهم والمهم معاً.

ونتيجة ما ذكرناه هي انه لا يمكن الترتب في أمثال هذا المورد ، بل يتعين حفظ القدرة للواجب المتأخر.

وللمناقشة فيما أفاده (قده) مجال واسع.

اما ما أفاده أولا من ان القول بالترتب هنا يرتكز على القول بجواز الشرط المتأخر ، وهو محال فيرده ما حققناه في بحث الواجب المطلق والمشروط من انه لا مانع من الالتزام بالشرط المتأخر ، وانه بمكان من الإمكان ، غاية الأمر ان وقوعه في الخارج يحتاج إلى دليل والمفروض أن الدليل عليه في المقام موجود ، وهو ان العقل مستقل بلزوم التحفظ بخطاب المولى بالمقدار الممكن ، ولا يجوز رفع اليد عنه بوجه من الوجوه أي لا عن أصله ولا عن إطلاقه ما لم تقتضه الضرورة. وعليه فإذا وقعت المزاحمة بين التكليفين لا يتمكن المكلف من الجمع بينهما في مقام الامتثال ، لا مناص له من الالتزام بالاخذ بأحدهما معيناً ، إذا كان واجداً للترجيح ، كما إذا كان أهم ، ورفع اليد عن الآخر ، ولكن حينئذ يدور الأمر بين أن يرفع اليد عن أصله أو عن إطلاقه ، وبما انا قد حققنا إمكان الترتب ، وقد ذكرنا ان معناه عند التحليل عبارة عن تقييد إطلاق الأمر بالمهم بترك امتثال الأمر بالأهم ، وعدم الإتيان بمتعلقه في الخارج ، وقد قلنا ان هذا التقييد ليس تقييداً حادثاً بحكم العقل ، بل هو نتيجة اشتراط التكليف بالقدرة ، فلا محالة يكون المرفوع هو إطلاقه

٣٤٤

لا أصله ، ضرورة ان رفع اليد عند عندئذ بلا موجب ومقتض ، وهو غير جائز ، وهذا معنى الدليل على وقوع هذا الشرط.

أو فقل ان اشتراط التكليف بالمتقدم بعصيان الواجب المتأخر ، وعدم الإتيان بمتعلقه على نحو الشرط المتأخر أمر ممكن في نفسه ، ولكن وقوعه في الخارج يحتاج إلى دليل ، والدليل على وقوعه في المقام هو نفس البناء على إمكان الترتب وجوازه ، لما عرفت من ان حقيقة الترتب ذلك الاشتراط والتقييد ، ولا نعنى به غير ذلك. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى قد ذكرنا ان إمكان الترتب يكفي لوقوعه ، فلا يحتاج وقوعه في الخارج إلى دليل خاص. وعليه فيلتزم بوقوع ذلك الاشتراط لا محالة ، وهذا واضح.

ولو تنزلنا عن ذلك وسلمنا استحالة الشرط المتأخر فلا مانع من الالتزام بكون الشرط هو عنوان التعقب ، وذلك لأنه إذا بنينا على إمكان الترتب وان الساقط إنما هو إطلاق الخطاب دون أصله ، فلا بد من التحفظ عليه بحكم العقل بشكل من الإشكال ، فإذا فرض انه لم يمكن تقييد إطلاقه بعصيان التكليف بالمتأخر فلا مناص من الالتزام بتقييده بعنوان التعقب ، أو بالغرم على عصيانه فما ذكره (قده) من ان اشتراط التكليف به يحتاج إلى دليل خاص لا يرجع إلى معنى محصل ، ضرورة انه بعد البناء على أن الساقط هو إطلاق الخطاب لا أصله من ناحية ، وعدم إمكان اشتراطه وتقييده بعصيان التكليف بالمتأخر من ناحية أخرى ، لم يكن مناص من الالتزام بتقييده بعنوان التعقب أو العزم على عصيانه ، لأنه المقدار الممكن. ومن المعلوم ان هذا لا يحتاج إلى دليل خاص في المقام.

وبكلمة أخرى انا قد ذكرنا سابقاً ان كون أحد الخطابين مشروطاً بترك امتثال الآخر وعدم الإتيان بمتعلقه في الخارج لم يرد في لسان دليل من الأدلة ، لنقتصر على مقدار مدلوله ، ونأخذ بظاهره ، بل هو من ناحية حكم العقل بعدم إمكان تعلق الخطاب الفعلي بأمرين متضادين ، إلا على هذا الفرض والتقدير ،

٣٤٥

ضرورة استحالة تعلقه بكل منهما مطلقاً وفي عرض الآخر. وعليه فإذا لم يمكن تقييد إطلاق الخطاب بالمهم بترك امتثال خطاب الأهم وعصيانه من جهة استلزامه جواز الشرط المتأخر ـ وهو ممتنع على الفرض ـ يستقل العقل بتقييده بالعزم عليه أو بعنوان التعقب بعين هذا الملاك وهو ان الساقط إطلاقه دون أصله ، ضرورة أن هذا يقتضى تقييده بشيء ما ، ولا فرق بين أن يكون التقييد بهذا أو بذاك بنظر العقل أبداً ، فاذن لا موجب لرفع اليد عن أصل الأمر بالمهم ، ضرورة انه بلا مقتض ، بل لا بد من تقييده بشيء كالعزم على المعصية ، أو عنوان التعقب بها أو نحو ذلك.

واما ما ذكره (قده) من ان شرطية العزم تستلزم طلب الجمع بين الضدين فلا يمكن المساعدة عليه. والوجه فيه هو ان ذلك يبتنى على نقطة واحدة وهي ان يكون العزم بحدوثه شرطاً لفعلية الأمر بالمهم ، فوقتئذ لا محالة يلزم طلب الجمع بينهما ضرورة ان بعد حدوثه يصير الأمر بالمهم فعلياً ومطلقاً ، كالأمر بالأهم فيقتضى كل منهما إيجاد متعلقه في الخارج في عرض الآخر وعلى نحو الإطلاق ، وهو معنى طلب الجمع ، إلا ان تلك النقطة خاطئة جداً وغير مطابقة للواقع. وذلك لأن الشرط ليس هو حدوث العزم آنا ما ، بل الشرط هو العزم على المعصية على نحو الدوام والاستمرار ، بمعنى ان حدوثه شرط لحدوث الأمر بالمهم وبقاءه شرط لبقائه.

وبكلمة أخرى انه لا فرق بين كون الأمر بالمهم مشروطاً بالعزم على العصيان أو بنفس العصيان من هذه الناحية أصلا ، لما ذكرناه سابقاً من ان الشرط لفعلية الأمر بالمهم ليس حدوث العصيان آنا ما ، وإلا لزم المحذور المزبور وهو طلب الجمع بين الضدين في الآن الثاني والثالث. وهكذا ، لفرض ان الأمر بالمهم في هذا الآن ولو مع ارتفاع العصيان فيه باق على حاله ، والمفروض ان الأمر بالأهم أيضا موجود في هذا الآن فاذن يجتمع الأمر بالمهم والأمر بالأهم في زمان واحد على نحو الإطلاق ، وهو غير معقول ، فاذن لا فرق بين كون الشرط هو العزم على

٣٤٦

عصيان الأمر بالأهم أو نفس عصيانه في النقطة المزبورة ، فان الالتزام بتلك النقطة في شرطية كلا الأمرين يستلزم محذور طلب الجمع ، من دون فرق بينهما من هذه الناحية أبداً.

ولكن العجب من شيخنا الأستاذ (قده) انه كيف التزم بتلك النقطة في شرطية العزم ، ولأجلها قال بعدم إمكان كونه شرطاً لاستلزامه المحذور المذكور غافلا عن ان الالتزام بهذه النقطة في شرطية نفس العصيان أيضاً يستلزم ذلك ، فلا فرق بينهما من هذه الجهة أصلا.

ولكن بما ان تلك النقطة خاطئة كما عرفت فلا مانع من الالتزام بكون العزم شرطاً على الشكل المتقدم ، ولا يلزم معه طلب الجمع ، وذلك لما تقدم بصورة مفصلة من ان الأمر بالمهم بما انه مشروط بعصيان الأمر بالأهم أو بالعزم على عصيانه ، فلا يلزم من اجتماعهما في زمان واحد طلب الجمع ، بل هو مناف ومضاد له ، كما سبق.

واما ما أفاده (قده) ثانياً من ان الترتب إنما يجري فيما إذا كان المهم مقدوراً في ظرف عصيان الأمر بالأهم وعدم الإتيان بمتعلقه ، وفي المقام بما ان الأمر ليس كذلك ، فلا يمكن الالتزام بالترتب فيه ، فقد ظهر فساده مما ذكرناه من انه لا مانع من الالتزام بكون عصيان الواجب المتأخر في ظرفه شرطاً لوجوب الواجب المتقدم على نحو الشرط المتأخر ، بناء على ما حققناه من إمكانه ، غاية الأمر وقوعه في الخارج يحتاج إلى دليل ، وفي المقام الدليل على وقوعه موجود ، وهو عدم جواز رفع اليد عن أصل التكليف ما دام يمكن التحفظ عليه بنحو من الأنحاء ، وهنا يمكن التحفظ عليه على نحو الالتزام بالشرط المتأخر.

ودعوى ان المعتبر في جريان الترتب ان يكون المهم مقدوراً في ظرف عصيان الواجب الأهم ، وفي المقام بما انه لا يكون مقدوراً في ظرف عصيانه ، فلا يجري فيه الترتب.

٣٤٧

مدفوعة بان المهم وان لم يكن مقدوراً في ظرف عصيان الأهم ، ضرورة استحالة تعلق القدرة بأمر متقدم منصرم زمانه ، إلا انه مقدور في ظرفه عقلا وشرعاً. اما عقلا فواضح. واما شرعاً فلفرض انه في نفسه أمر سائغ ومشروع وعليه فلا مانع من تعلق الأمر به على تقدير عصيان الأمر بالأهم في ظرفه.

وتخيل ان وجوب حفظ القدرة له معجز عن الإتيان بالمهم ، فلا يكون معه قادراً عليه شرعاً فاسد جداً ، وذلك لأن وجوب حفظ القدرة له لو كان مانعاً عن تعلق الأمر بالمهم وموجباً لخروجه عن القدرة ، لكان وجوب الأهم فيما إذا كان في عرض المهم أيضاً كذلك ، ضرورة ان الأمر بالأهم لا يسقط بمجرد عصيانه ، ولذا قلنا ان لازم القول بالترتب هو اجتماع الأمر بالأهم والأمر بالمهم في زمان واحد. وعليه فإذا فرض ان وجوب حفظ القدرة للواجب الأهم فيما إذا كان متأخراً عن المهم زماناً مانع عن تعلق الأمر بالمهم ومعجز عنه شرعاً. لكان وجوب الأهم فيما إذا كان مقارناً معه زماناً أولى بالمنع والتعجيز عنه ، مع أنه (قده) قد التزم بالترتب في هذا الفرض أعني ما إذا كان الواجب الأهم مقارناً مع المهم زماناً ، وبذلك نعلم ان الأمر بالأهم في ظرف عصيانه لا يكون مانعاً عن تعلق الأمر بالمهم ولا يوجب عجز المكلف عنه شرعاً.

والسر في ذلك واضح وهو ان الأمر بالأهم إنما يمنع عن تعلق الأمر بالمهم إذا كان في عرضه وعلى الإطلاق ، لا فيما إذا كان في طوله وعلى نحو الترتب ، لما عرفت من عدم التنافي بين مقتضى الأمرين كذلك. وعليه فلا يكون الأمر بالأهم معجزاً مولوياً عن الإتيان بالمهم على الشكل المزبور ، ليكون مانعاً عن تعلق الأمر به.

فما أفاده (قده) من ان العمدة في القول بجواز الترتب هو كون المهم مقدوراً في ظرف عصيان الأمر بالأهم ، ان أراد بذلك ان الأمر بالأهم قد سقط في هذا الظرف وعليه فلا مانع من تعلق الأمر بالمهم ، فهو خلاف فرض القول بالترتب فان لازم هذا القول كما عرفت هو اجتماع كلا الأمرين في زمان واحد ، وعدم

٣٤٨

سقوط الأمر بالأهم بالعصيان ، لما تقدم من ان الأمر به مطلق بالإضافة إلى حالتي امتثاله وعصيانه ، وحالتي الإتيان بالمهم وعدم إتيانه ، فالالتزام بسقوط الأمر بالأهم في ظرف عصيانه والإتيان بالمهم مناف للالتزام بالقول بالترتب ، ضرورة ان تعلق الأمر بالمهم في ظرف سقوط الأمر عن الأهم خارج عن محل الكلام في جواز الترتب وعدم جوازه ، كما تقدم ذلك بصورة مفصلة ، فلاحظ. وان أراد ان الأمر بالأهم باق في هذا الحال كما هو المفروض ومع ذلك لا مانع من تعلق الأمر بالمهم على نحو الترتب ، وان الأمر بالأهم لا يكون مانعاً منه ، ولا يوجب عجز المكلف عنه ، فنقول ان وجوب حفظ القدرة أيضا كذلك ، بمعنى انه لا يكون مانعاً منه ، لفرض انه لا تنافي بين الأمر بالمهم ووجوب حفظ القدرة للواجب المتأخر الأهم في ظرفه على هذا التقدير ـ أي على تقدير عصيانه وعدم الإتيان بمتعلقه في زمانه. نعم لو كان الأمر به في عرضه وعلى نحو الإطلاق لكان مانعاً منه وغير جائز قطعاً.

فالنتيجة على ضوء ما ذكرناه قد أصبحت ان ما أفاده شيخنا الأستاذ (قده) لا يرجع بالتحليل العلمي إلى معنى محصل أصلا.

وثانياً لو تنزلنا عن ذلك وسلمنا ان الشرط المتأخر غير جائز ، إلا انه لا مانع من الالتزام بكون الشرط لتعلق الأمر بالمهم هو عنوان تعقبه بعصيان الأهم في ظرفه ، أو بالعزم على عصيانه ، ضرورة انه لا موجب لرفع اليد عن إطلاق دليله (دليل وجوب المهم) بالإضافة إلى هذا الحال ـ أعنى حال تعقبه بعصيان الأهم أو بالعزم عليه ـ فاللازم إنما هو رفع اليد عن إطلاقه بمقدار تقتضيه الضرورة ومن المعلوم انها لا تقتضي أزيد من رفع اليد عن إطلاقه بالإضافة إلى حال امتثال الواجب الأهم في ظرفه لا مطلقاً.

فالنتيجة هي لزوم التحفظ على أصل الدليل والخطاب ورفع اليد عن إطلاقه ، فان إطلاقه منشأ التزاحم دون أصله ، فرفع اليد عنه بلا موجب ، وهو غير جائز.

٣٤٩

واما ما ذكره ثالثاً من ان الأمر بالمهم لا يمكن ان يكون مشروطاً بعصيان الأمر بحفظ القدرة للواجب المتأخر الأهم ، لأن ترك التحفظ على القدرة له اما بصرفها في الواجب المهم ، أو بصرفها في شيء آخر ، فعلى الأول ، يلزم اشتراط وجوب الشيء بوجوده في الخارج ، وهو محال ، وعلى الثاني يلزم التكليف بالمحال ضرورة ان مع صرف القدرة في غير المهم يستحيل المهم.

فيرد عليه ان ما أفاده (قده) إنما يتم بناء على الالتزام بنقطة واحدة ، وهي ان يكون ترك التحفظ على القدرة للواجب المتأخر عين صرفها في الواجب المتقدم المهم ، أو صرفها في شيء آخر ، فعندئذ يلزم المحذور الّذي أفاده (قده) إلا ان تلك النقطة خاطئة جداً وبعيدة عن الواقع بمراحل ، وذلك ضرورة ان ترك التحفظ على القدرة ليس عين فعل المهم أو فعل آخر ، فان معنى التحفظ هو إبقاء القدرة على حالها وعدم إعمالها في شيء ، وهو ملازم هنا لترك المهم وعدم الإتيان به في الخارج ومعنى ترك التحفظ بها عدم إبقائها على حالها وهو ملازم في المقام لفعل المهم أو لفعل آخر ، لا انه عينه ، كما هو واضح.

وعليه فلا يلزم من اشتراط وجوب المهم بترك التحفظ اشتراط وجوب الشيء بوجوده وتحققه ، ليقال انه محال ، بل الحال هنا عندئذ كالحال في بقية موارد التزاحم. ـ مثلا ـ إذا وقعت المزاحمة بين وجوب الصلاة في آخر الوقت ووجوب الإزالة ، فكما ان ترك الصلاة في الخارج ملازم اما لفعل الإزالة فيه أو لفعل غيرها ، فكذلك ترك التحفظ على القدرة ملازم في الخارج اما لفعل المهم أو لفعل غيره ، فكما انه لا مانع من اشتراط وجوب الإزالة بترك الصلاة ، فكذلك لا مانع من اشتراط وجوب المهم بترك التحفظ.

فما أفاده شيخنا الأستاذ (قده) من ان عصيان وجوب حفظ القدرة اما ان يتحقق بصرف القدرة في المهم أو بصرفها في فعل آخر ، وعلى كلا التقديرين لا يعقل اشتراط الأمر بالمهم به لا يرجع إلى معنى صحيح ، وذلك لأن عصيانه

٣٥٠

يتحقق بتركه ، أي بترك التحفظ ، غاية الأمر انه في الخارج ملازم اما لفعل المهم أو لفعل غيره ، كما هو الحال في بقية موارد التزاحم من دون فرق بينهما من هذه الناحية أصلا ، لا ان عصيانه عين فعل المهم في الخارج أو عين فعل آخر ، لئلا يمكن اشتراط وجوبه به ، وهذا لعله من الواضحات الأولية ، فاذن لا مانع من الاشتراط المزبور من ناحية ما أفاده (قده).

ولكن يمكن منعه من ناحية أخرى ، وهي ان وجوب حفظ القدرة ليس وجوباً شرعياً مولوياً ، بل وجوبه وجوب عقلي. وعليه فلا معنى لوقوع المزاحمة بينه وبين وجوب المهم ، ضرورة انه لا شأن للوجوب العقلي ، الا إدراكه حفظ القدرة للواجب المتأخر الأهم ، فاذن لا محالة تكون المزاحمة بين وجوب المهم ووجوب الأهم في ظرفه ، ومعه يكون وجوب المهم مشروطاً بعصيان الأمر بالأهم وعدم الإتيان بمتعلقه في الخارج ، ولا معنى لاشتراط وجوبه بعصيان وجوب حفظ القدرة ، لما عرفت من ان وجوبه عقلي ولا واقع موضوعي له ما عدا إدراك العقل ، ولا يكون في مخالفته عصيان.

نعم لو قلنا باستحالة الشرط المتأخر فلا مانع من الالتزام بكون وجوبه مشروطاً بترك حفظ القدرة خارجاً ، كما انه لا مانع من الالتزام بكونه مشروطاً بعنوان التعقب أو العزم على العصيان.

واما القسم الثاني ـ وهو ما إذا وقعت المزاحمة بين حرمة المقدمة ووجوب ذيها فقد تقدم الكلام فيه في بحث مقدمة الواجب بصورة مفصلة ، فلا حاجة إلى الإعادة فلاحظ.

واما القسم الثالث ـ وهو ما إذا وقعت المزاحمة بين فعلين متلازمين في الخارج اتفاقاً ، كما إذا كان أحدهما محكوماً بالوجوب والآخر محكوماً بالحرمة ، كاستقبال القبلة واستدبار الجدي لمن سكن العراق وما والاه من البلاد لا مطلقاً ، فلا بد فيه أيضا من الرجوع إلى قواعد ومرجحات بابها ، فان كان أحدهما أهم من الآخر

٣٥١

فيقدم عليه وان كانا متساويين فيحكم بالتخيير بينهما ، ولا إشكال فيه من هذه الناحية أصلا ، وإنما الكلام فيه من ناحية أخرى ، وهي انه هل يمكن الالتزام بالترتب فيه أم لا؟

فنقول : انه لا يمكن الالتزام به أصلا. والوجه في ذلك واضح ، وهو انه لا يعقل ان تكون حرمة استدبار الجدي مشروطة بعصيان الأمر باستقبال القبلة وعدم الإتيان بمتعلقه ، ضرورة ان ترك استدبار الجدي في هذا الحال قهري ومعه لا معنى للنهي عنه ، فانه لغو محض وطلب للحاصل ، فلا يصدر من الحكيم ، وكذا لا يعقل ان يكون وجوب استقبال القبلة مشروطاً بعصيان النهي عن استدبار الجدي والإتيان بمتعلقه ، بداهة انه ضروري الوجود عند عصيان النهي عن الاستدبار ، ومعه لا يمكن تعلق الأمر به ، لأنه لغو وطلب للحاصل.

فالنتيجة هي انه لا يمكن الالتزام بالترتب في خصوص هذا الصنف من المتلازمين لا من جانب واحد ولا من جانبين ، وهذا واضح.

بقي هنا شيء ، وهو ان شيخنا الأستاذ (قده) قد أنكر جريان الترتب في موارد اجتماع الأمر والنهي بناء على القول بالجواز ووقوع المزاحمة بينهما. وبيان ذلك هو انه لو قلنا بان التركيب بينها اتحادي كما اختاره المحقق صاحب الكفاية (قده) بدعوى ان تعدد العنوان لا يوجب تعدد المعنون فتدخل المسألة في كبرى باب التعارض ، فلا بد من الرجوع إلى قواعد ذلك الباب ، واما ان قلنا بان التركيب بينهما انضمامي بان تكون هناك ماهيتان متعددتان ذاتاً وحقيقة ، ولكن بنينا على سراية الحكم من إحداهما إلى الأخرى ، فائضاً تدخل في ذلك الباب ، وتقع المعارضة بين دليليهما فلا بد من الرجوع إلى قواعدها. وأما إذا بنينا على عدم السراية كما هو الصحيح ، فعندئذ ان كانت هناك مندوحة فلا تزاحم أيضا ، لفرض قدرة المكلف على امتثال كلا الحكمين معاً ، وأما إذا لم تكن مندوحة في البين فتقع المزاحمة بينهما ، فاذن لا بد من الرجوع إلى مرجحات وقواعد بابها. وهذا لا كلام فيه ، وإنما

٣٥٢

الكلام في ناحية أخرى ، وهي انه هل يمكن الالتزام بالترتب فيه أم لا؟

فقد ذكر شيخنا الأستاذ (قده) انه لا يمكن الالتزام بالترتب فيه ببيان ان عصيان النهي في مورد الاجتماع أما ان يكون بإتيان فعل مضاد للمأمور به في الخارج وهو الصلاة ـ مثلا ـ كان يشتغل بالأكل أو الشرب أو ما شاكل ذلك ، واما ان يكون بنفس الإتيان بالصلاة ، وعلى كلا التقديرين لا يمكن أن يكون الأمر بالصلاة مشروطاً به ، اما على التقدير الأول فلأنه يلزم ان يكون الأمر بأحد الضدين مشروطاً بوجود الضد الآخر ، وهذا غير معقول ، لأن مردّه إلى طلب الجمع بين الضدين في الخارج ، لفرض انه امر بإيجاد ضد على تقدير وجود ضد آخر. واما على التقدير الثاني ، فلأنه يلزم ان يكون الأمر بالشيء مشروطاً بوجوده في الخارج ، وهو غير معقول ، لأنه طلب الحاصل. كما لا يخفى.

ولكن للمناقشة فيما أفاده (قده) مجال واسع. وهي ان المنهي عنه في المقام إنما هو الكون في الأرض المغصوبة ، لأنه تصرف في مال الغير حقيقة ومصداق للغصب. ومن الواضح جداً انه لا مانع من اشتراط الأمر بالصلاة على عصيان النهي عنه ، كان يقول المولى لا تكن في أرض الغير وان كنت فيها فتجب عليك الصلاة ، فيكون الأمر بالصلاة معلقاً على عصيان النهي عن الكون فيها ، ولا يلزم من اشتراط امرها بعصيانه أحد المحذورين المذكورين ، أعني بهما لزوم طلب الجمع بين الضدين ، واشتراط الأمر بالشيء بوجوده وتحققه في الخارج.

والوجه في ذلك هو ان لزوم المحذور الأول يبتنى على ركيزة واحدة وهي ان يكون الأمر بالصلاة مشروطاً بتحقق أحد الأفعال الخاصة فيها كالأكل والنوم والشرب وما شاكل ذلك ، فان اشتراط امرها به لا محالة يستلزم المحذور المزبور وهو طلب الجمع بين الضدين ، ضرورة ان مرد هذا الاشتراط إلى تعلق الأمر بالصلاة على تقدير تحقق أحد تلك الأفعال الخاصة المضادة لها ، إلا ان تلك الركيزة خاطئة جداً وليس لها واقع موضوعي ، وذلك لما عرفت من ان الأمر

٣٥٣

بالصلاة مشروط بالكون في الأرض المغصوبة ، لا بأحد تلك الأفعال الخاصة الوجودية. ولذا لو فرض خلو المكلف عن جميع تلك الأفعال الخاصة ، فمع ذلك كونه فيها تصرف في مال الغير ومصداق للغصب.

وعلى ضوء هذا الأصل فلا مانع من تعلق الأمر بالصلاة على تقدير تحقق عصيان النهي عن الكون فيها ، فإذا تحقق تحقق الأمر بها لا محالة.

وبعبارة أخرى المفروض ان المكلف قادر على الصلاة عند كونه في الأرض المغصوبة وان فرض كونه في ضمن أحد الأفعال المزبورة ، لفرض انه قادر على تركه والاشتغال بالصلاة ، ومع القدرة عليها لا مانع من الأمر بها.

ومن ذلك يظهر الفرق بين اشتراط الأمر بالصلاة بالكون في الأرض المغصوبة واشتراطه بأحد الأفعال الخاصة الوجودية فيها كالأكل والشرب وما شاكلهما ، وهو ان الأمر بالصلاة لو كان مشروطاً بأحد تلك الأفعال الخاصة المضادة لها فلا محالة يلزم محذور طلب الجمع بين الضدين ، وذلك لفرض ان الأمر بالصلاة عندئذ تابع لتحقق ذلك الفعل المضاد لها في الخارج حدوثاً وبقاء بمعنى ان حدوثه موجب لحدوث الأمر بها وبقاءه موجب لبقاء الأمر بها. وعليه فلا محالة يلزم طلب الجمع بين الضدين ، وهذا بخلاف ما إذا كان مشروطاً بالكون فيها لفرض انه ليس مضاداً لها ، فانه كما يتحقق في ضمنها كذلك يتحقق في ضمن غيرها من الأفعال الوجودية ، فاذن لا يلزم من اشتراط الأمر بالصلاة به المحذور المتقدم.

وسره ما أشرنا إليه من انه إذا تحقق الكون في الأرض المغصوبة تحقق الأمر بها ، ومع تحقق الأمر بها لا محالة يجب إتيانها وترك غيرها من الأفعال الخاصة ، وذلك لفرض ان فعلية امرها تدور مدار تحقق الكون فيها حدوثاً وبقاء.

ولكن العجب من شيخنا الأستاذ (قده) فانه كيف غفل عن هذه النقطة وقال ان اشتراط الأمر بالصلاة بعصيان النهي عن الكون في الأرض المغصوبة المتحقق في ضمن أحد الأفعال الخاصة يرجع إلى طلب الجمع بين الضدين ، مع انه

٣٥٤

فرق واضح بين اشتراط الأمر بها بعصيان النهي عن الكون فيها ، واشتراط الأمر بها بعصيان النهي عن أحد تلك الأفعال الوجودية ، فان الأول لا يستلزم طلب الجمع دون الثاني ، كما هو واضح.

وأما لزوم المحذور الثاني ، فهو يبتنى على ان يكون الكون في الأرض المغصوبة عين الصلاة خارجاً ومتحداً معها ، وهذا خلاف مفروض الكلام ، فانه فيما إذا كان لكل منهما وجود مستقل ، غاية الأمر أن وجود أحدهما وهو الصلاة في الخارج ملازم لوجود الآخر فيه وهو الغصب ، ولأجل ذلك تقع المزاحمة بينهما وقد تقدم ان مورد الاجتماع على القول بالاتحاد داخل في كبرى باب التعارض دون التزاحم. واما على القول بالجواز وتعدد المجمع فحيث ان الكون والصلاة في مورد الاجتماع من المتلازمين الذين لهما ثالث فلا مانع من أن يكون الأمر بالصلاة مشروطاً بعصيان النهي عن الكون فيها ، ضرورة ان المكلف عند الكون فيها قادر على إتيان الصلاة. هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى المفروض ان الصلاة سائغة في نفسها وليست مبغوضة ومصداقاً للمحرم.

فالنتيجة على ضوء هاتين الناحيتين هي انه لا مانع من تعلق الأمر بالصلاة مترتباً على عصيان النهي عن الكون فيها بناء على ما حققناه من إمكان الترتب وانه لا مناص من الالتزام به. واما محذور اشتراط الأمر بالشيء بتحققه ووجوده في الخارج إنما يلزم في المقام بناء على ان يكون الأمر بالصلاة فيها مشروطاً بالصلاة فيها وهو من الفساد بمكان من الوضوح. نعم لو فرض ان الكون في الأرض المغصوبة ملازم للصلاة خارجاً ، بحيث لا يمكن تحققه فيها بدونها أصلا ، لكان مرد اشتراط الأمر بالصلاة بعصيان النهي عنه إلى ذلك لا محالة ، إلا انه فرض خاطئ جداً وغير مطابق للواقع قطعاً.

ثم انه لو تنزلنا عن ذلك وفرضنا عدم إمكان الترتب من هذا الطرف أعنى ترتب الأمر بالصلاة على عصيان النهي عن الكون في الأرض المغصوبة ، إلا أنه

٣٥٥

لا مانع من الالتزام به من الطرف الآخر ، وهو ترتب حرمة الكون فيها على عصيان الأمر بالصلاة وعدم الإتيان بمتعلقه في الخارج ، فيما إذا كان أهم منها أو مساوياً لها ، ضرورة انه لا يلزم من الالتزام بالترتب في هذا الطرف أي محذور توهم لزومه من الالتزام به في ذاك الطرف. وهذا واضح.

فالنتيجة قد أصبحت مما ذكرناه انه لا مانع من الالتزام بالترتب في موارد الاجتماع على القول بالجواز بناء على وقوع التزاحم بين الحكمين. ولكن قد ذكرنا ان هذا ليس قسما آخر للتزاحم بل هو داخل في التزاحم بين الفعلين المتلازمين اتفاقاً.

نلخص نتيجة ما ذكرناه في عدة نقاط :

الأولى ـ ان تقسيم التزاحم إلى سبعة أقسام كما عن شيخنا الأستاذ غير صحيح الثانية ـ ان الصحيح تقسيمه إلى ثلاثة أقسام كما تقدم منا.

الثالثة ـ لا فرق في جريان الترتب بين الواجبين يكون كل منهما مشروطاً بالقدرة عقلا ان يكونا عرضيين أو طوليين ، وعلى التقدير الثاني لا يفرق بين ان يكون الواجب المتأخر أهم من المتقدم أو يكون مساوياً له ، خلافاً لشيخنا الأستاذ (قده) حيث قد منع عن جريان الترتب فيهما مطلقاً ، وقد استدل على ذلك بوجوه ، وقد تقدمت المناقشة في جميع تلك الوجوه ، فلاحظ.

الرابعة ـ ان الترتب لا يجري في المتلازمين يكون أحدهما محكوماً بالحرمة والآخر محكوماً بالوجوب وكانا مما لا ثالث لهما ، كاستقبال القبلة واستدبار الجدي لمن سكن العراق وما سامته من البلاد.

الخامسة ـ ان الترتب يجري في المتلازمين يكون بينهما ثالث كما في موارد اجتماع الأمر والنهي على القول بالجواز ، مع فرض عدم وجود مندوحة في البين ، خلافاً لشيخنا الأستاذ (قده) حيث قد أنكر جريان الترتب فيهما كما سبق هذا آخر ما أوردناه في بحث الضد.

إلى هنا قد تم بعون الله تعالى وتوفيقه الجزء الثالث من كتاب (محاضرات في أصول الفقه) وستتلوه الاجزاء التالية إن شاء الله تعالى.

٣٥٦

فهرس الجزء الثالث

من كتاب محاضرات في اصول الفقه

٤

مقدمة الكتاب

٢٢

لا يجري قياس المساواة في التقدم والتاخر الرتبيين.

٥

هل الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده؟

٢٤

لا يصح نفي المقدمية بقياس المساواة.

٦

مسالة الضد من السائل الاصولية العقلية

٢٤

لا تحتاج المعية في الرتبة الى ملاك وجودي

٧

الضابط في كون المسالة الاصولية العقلية.

٢٥

نقد ما افاده المحقق صاحب الكفاية.

٨

ما هو المراد من الاقتضاء ، والضد في عنوان المسالة.

٢٦

مقدمية عدم احد الضدين للضد الآخر مستلزم للدور.

٨

الضد الخاص

٢٩

التفصل بين الضد الموجود والضد المعدوم.

٩

توهم مقدمية احد الضدين للآخر

٣٠

حدوث الحادث وبقاءه يحتاج الى علة.

١٠

نقد المحقق النائيني هذا التوهم

٣٢

سر حاجة الاشياء الى العلة

١٣

نقاط اساسية فيما افاده.

٣٣

مناقشة التعاصر بين العلة والمعلول زماناً

١٤

فساد بعض تلك النقاط.

٣٤

نقد هذه المناقشة.

١٧

استناد عدم الضد في ظرف ثبوت مقتضية الى مقتضى الآخر.

٣٥

نتيجة البحث

٢٠

استحالة مقدمية عدم الضد للآخر.

٣٦

بطلان نظرية الحدوث

٢١

ليس الغرض نفي المقدمية بقياس المساواة.

٣٥٧

٣٦

الاستدلال على حرمة الضد

٦٩

دعوى القطع بان الفرد المزاحم تام الملاك

٣٧

نقد هذا الاستدلال

٧٠

فساد هذه الدعوى

٤٠

شبهة الكعبي بانتفاء المباح

٧١

لا يسقط المدلول الالتزامي بسقوط المدلول المطابقي

٤١

الايراد على تلك الشبهة

٧٤

نقده نقضاً ، وحلاً

٤٢

نتائج الابحاث المتقدمة

٧٧

لا وجه لقياس الدلالة الالتزامية

٤٤

الضد العام

٧٩

نقطة امتياز احداهما عن الاخرى

٥٠

نتيجة البحث عن الضد العام

٧٩

استدلال شيخنا الاستاذ على ان الفرد المزاحم تام الملاك

٥٠

ثمرة المسالة

٨٣

عدة خطوط في هذا الاستدلال وقد بعضها

٥٢

مختار المحقق الثاني

٨٧

لا يمتنع النهي الغيري عن صحة العبادة

٥٤

نقد شيخنا الاستاذ على ما اختاره المحقق الثاني

٨٨

نتائج الابحاث المتقدمة

٥٨

عدة نقاط فيما افاده

٩١

الواجبان المتزاحمان ، وصورهما

٥٨

نقد على هذه النقاط

٩٤

امكان تعلق الامر بالضدين على نحو الترتب

٦٣

لا يقتضي التكليف اعتبار القدرة في متعلقه

٩٦

المراد من الوجدان في الآية وجوده الخاص

٦٤

التقابل بين الاطلاق والتقييد من تقابل التضاد

٩٧

نقد على ما افاده شيخنا الاستاذ

٦٥

لا يعقل التزاحم بين الواجب الموسع والمضيق

٦٦

نقد ما هو المشهور في معنى الانشاء

٦٧

لا تدل الصيغة على الوجوب

٦٨

النتيجة فيما ذكرناه امران

٣٥٨

١٠٠

لا يعقل التزاحم بين اجزاء وشرائط واجب واحد

١٣٧

ادلة استحالة الترتب ، ونقدها

١٠٢

ادلة امكان الترتب

١٣٩

عدم صحة ما افاده المحقق الخراساني

١٠٢

الوجدان ، الدليل الاني

١٤٠

الاستدلال على بطلان الترتب باستلزامه تعدد العقاب

١٠٥

الدليل اللمي

١٤٢

نقد هذا الاستدلال

١٠٥

لا يعقل الترتب فيما اذا كان الواجب الاهم آنياً

١٤٦

فعلية الامرين في زمان واحد لا تستلزم طلب الجمع

١٠٦

يجري الترتب فيما اذا كان الاهم والمهم كلاهما آنياً

١٤٨

نقد ما افاده شيخنا الاستاذ وكاشف الغطاء

١١٠

تقدم زمان الاعتبار على زمان المعتبر غالباً

١٥٢

لا مانع من كون العصيان شرطاً على نحو الشرط المقارن

١١١

امكان الترتب على القول بامكان الواجب المعلق

١٥٤

الموجب لسقوط الامر احد شيئين

١١٣

اطلاق الواجب بالاضافة الى وجوده وعدمه

١٥٧

بطلان جميع الدعاوي لاستحالة الترتب

١١٥

طلب الجمع ، وصوره

١٦٠

الاشكال على صحة الجهر في موضع الخفت وبالعكس ، وصحة التمام في موضع القصر

١١٨

الجهة الاساسية للترتب

١٦٠

التقصى عن هذا الاشكال بالترتب

١٢٢

طلب الجمع بين الضدين يلزم على احد التقديرين

١٦١

ايراد شيخنا العلامة الانصاري

١٢٤

نتائج الجهات المتقدمة

١٦٢

نقد المحقق النائيني كلامه بالمناقضة

١٢٨

كلام لشيخنا الاستاذ ، ونقده

١٦٣

اشكال شيخنا الاستاذ على كاشف الغطاء

١٣٣

عدة نقاط في ابحاث الترتب

٣٥٩

١٦٣

نقد على اشكاله

١٩٧

حرمة استعمال آواني الذهب والفضة مطلقا على المشهور

١٦٧

مناقشة ما افاده شيخنا الاستاذ

١٩٩

المقدر في النهي عن آنية الذهب والفضة خصوص الاكل والشرب

١٦٨

فعلية الخطاب المترتب على عصيان خطاب آخر باحد امرين

٢٠٠

الوضوء او الغسل في الارض المغصوبة او في الفضاء المغصوب

١٧٢

هنا عدة نقاط

٢٠١

نتائج الابحاث المتقدمة

١٧٣

دراسة هذه النقاط

٢٠٤

التزاحم والتعارض

١٧٨

كلام المحقق صاحب الكفاية

٢٠٥

الترجيح في التزاحم بين الملاكات بيد المولى

١٧٩

نقد كلامه

٢٠٧

التنافي بين الحكمين المتزاحمين من جهة عد القدرة

١٨٠

المختار في المسالة

٢٠٨

عدم تعرض الحكم لحال موضوعه

١٨٢

تخيل جريان الترتب بين الواجب الموسع والمضيق

٢٠٩

عدم المضادة بين الاحكام بانفسها

١٨٣

نقد على هذا الخيال

٢١١

منشا الاساسي للتزاحم نقطتان

١٨٦

حكم الوضوء والغسل من اواني الذهب او الفضة او الاواني المغصوبة

٢١٢

التزاحم ، واقسامه

١٨٨

اخذ الماء من هذه الاواني دفعة واحدة

٢١٣

نقد على هذه الاقسام

١٨٩

يصح الوضوء او الغسل اذا اخذ الماء من الاواني غرفة غرفة

٢١٥

توهم التزاحم من جهة اخرى ، ونقده

١٩٠

ملاك الصحة كفاية القدرة التدريجية على الواجب

٢١٦

حقيقة التعارض ، واساسه

١٩٤

صورة تمكن المكلف من تفريغ الماء في ظرف آخر

٢١٧

النقطة الرئيسية لمبدأ انبئاق التعارض

١٩٤

صورة عدم انحصار الماء في الاواني

٢١٩

نقطة امتياز باب التزاحم عن باب التعارض

٣٦٠