لا ضرر ولا ضررا

السيّد كمال الحيدري

لا ضرر ولا ضررا

المؤلف:

السيّد كمال الحيدري


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار فراقد
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٤
ISBN: 964-96354-3-2
الصفحات: ٤٣٢

تنبيهات القاعدة

٣٠١
٣٠٢

بعد أن اتضح فقه القاعدة بلحاظ كلّ من «لا ضرر» و «لا ضرار» يقع الحديث في أمور متعلّقة بهذه القاعدة نذكرها من خلال تنبيهات :

التنبيه الأول : شمول القاعدة للأحكام العدمية

السؤال الذي نحاول الإجابة عليه هو : أن هذه القاعدة كما ترفع حكماً هل تضع حكماً أم لا؟ أي إذا كان وجود الحكم ضرريّاً ، فلا إشكال أن القاعدة ترفع ذلك كما عرفنا ، لكن لو فرضنا أن عدم جعل الحكم كان ضرريّاً ، فهل يثبت بالقاعدة جعل الحكم الذي كان عدمه ضرريّاً أم لا؟

ذهب المحقّق النائيني (١) (قدِّس سره) ومدرسته إلى أن القاعدة لا تجري لإثبات جعل الحكم ، وإنّما يقتصر دورها على نفي حكم يكون وجوده ضرريّاً ، وتبعه السيّد الأستاذ (قدِّس سره). إلّا أنه بالرغم من ذلك طبّق القاعدة في موارد

__________________

(١) قال الميرزا (قدس‌سره) في قاعدة «لا ضرر» مقتضى ما بيّناه في فقه الحديث أن «لا ضرر» حاكم على الأحكام الوجودية ، تكليفية كانت أو وضعيته ونتيجة حكومتها رفع هذه الأحكام ، وأما حكومتها على الأحكام العدمية ففيها إشكال ، بل لا دليل عليها ، فعلى هذا إذا لزم من عدم الحكم في مورد على شخص لا يمكن نفي هذا العدم بقاعدة «لا ضرر» بأن يكون مفادها إثبات الحكم الغير الثابت ، كما يكون مفادها نفي الحكم الثابت». منية الطالب ، ج ٢ ، ص ٢١٩.

٣٠٣

لا معنى لتطبيقها إلّا لأجل إثبات الحكم بها (١). فإنه عقد التنبيه الأول في الدراسات لإثبات أن قاعدة «لا ضرر» يستنبط منها حرمة الضرر ، وذكر أننا وإن كنّا لا نوافق شيخ الشريعة الأصفهاني على أن مفاد كلمة «لا» هنا هو النهي عن الضرر ، بل مفادها هو نفي الحكم المؤدي إلى الضرر ، لكن مع هذا يستفاد منها حرمة الضرر ، وذلك لا من باب استعمال اللفظ في أكثر من معنى وهو النفي والنهي معاً ، بل بلحاظ أن النهي أحد مستلزمات النفي ، لأن ترخيص الشارع لشخص في أن يضرّ شخصاً آخر حكم ضرري ، فيرتفع بالقاعدة لأنها تنفي كل حكم ضرري.

ومن الواضح أن هذا التطبيق لا يتم إلّا إذا قلنا إن القاعدة كما يستنبط منها رفع حكم ضرري ، كذلك يستكشف منها جعل حكم فيما إذا كان عدم جعله ضرريّاً. إذن لكي يصح جعل حرمة الضرر في المقام استناداً إلى القاعدة ، لا بد من الالتزام بشمولها للأحكام العدمية أيضاً كالوجودية.

من هنا وقع الكلام بين الأعلام لتنقيح هذا البحث الكبروي لمعرفة حدود القاعدة من هذه الناحية. والصحيح أن القاعدة كما أنها تجري لرفع الأحكام الضررية ، تجري أيضاً لإثبات حكم يلزم من عدم جعله ضرر.

إلّا أن مدرسة المحقّق النائيني (قدِّس سره) لم تقبل ذلك واستندت في منعها إلى أمرين :

الأول : دعوى قصور المقتضي وعدم الإطلاق في القاعدة.

الثاني : على فرض تمامية الإطلاق وجود مانع من الالتزام به.

__________________

(١) دراسات في علم الأصول ، ج ٣ ، ص ٥٠٨.

٣٠٤

أما الأمر الأوّل : أن القاعدة فيها قصور ذاتي لشمول الأحكام العدمية ، ويمكن تقريب ذلك من خلال وجوه :

الوجه الأوّل : أن القاعدة ناظرة إلى الأحكام المجعولة ونافية لما يكون ضرريّاً منها ، والعدم ليس حكماً مجعولاً ، فلا يكون داخلاً تحت مصبّ النفي فيها. وهذا ما يستفاد من تقريرات النائيني في «لا ضرر» (١).

والجواب : أنه لا موجب للالتزام بأن مصبّ النفي في القاعدة مختص بالأحكام المجعولة للشارع.

أما على مسلكنا في تفسير القاعدة (حيث قلنا إن النفي منصبّ على الضرر بوجوده الخارجي ، غاية الأمر لا بلحاظ تمام حيثيات وجوده ، بل من تلك الحقيقة التي ترتبط بالشارع بما هو مشرع) فواضح ، لأن الضرر بوجوده الخارجي له حصتان ، إحداهما : ينشأ من جعل الشارع للحكم ، كاللزوم في المعاملة الغبنية أو وجوب الوضوء في الوضوء الضرري ، والأخرى : من عدم جعل الحكم كحرمة الإضرار. ومقتضى إطلاق نفي الضرر الخارجي هو شموله لكلتا الحصّتين.

وأما على مسلك الميرزا في تفسير القاعدة (حيث جعل مفاد الحديث نفي الحكم الضرري بلحاظ عالم التشريع) فإنّه لم يؤخذ لفظ «الحكم» في مصب النفي ليستظهر اختصاصه بالأحكام المجعولة للشارع ، وحيث إن العدم ليس مجعولاً فلا يكون مشمولاً للنفي ، وإنما الواقع في لسان الدليل هو عنوان «الضرر» بوجوده التشريعي لا الخارجي التكويني. من هنا لا بد أن يكون

__________________

(١) منية الطالب ، ج ٢ ، ص ٢٢٠.

٣٠٥

المنفي صالحاً للنفي التشريعي ، ومن المعلوم أن النفي التشريعي كما يناسب وجود حكم صالح للنفي ، كذلك يناسب عدم جعل الحكم كالترخيص الناشئ منه الضرر.

فتحصّل أنه حتى لو بنينا على ما اختاره (قدِّس سره) في تفسير القاعدة ، فإنه لا موجب للاختصاص بالأحكام الوجودية ، بل يشمل الأحكام العدمية أيضاً. نعم لو أخذ في متن الحديث لفظ الحكم الشرعي بمعناه الاصطلاحي وقيل «لا حكم ضرري» لكان لما ذكر وجه من أن العدم ليس حكماً شرعياً مجعولاً من قبل الشارع ، فلا يشمله مصبّ النفي.

الوجه الثاني : أن النفي وإن كان يعقل بحسب الاصطلاح المنطقي والفلسفي أن ينصبّ على الأمر العدمي كما ينصبّ على الأمر الوجودي ، فيكون نفي الترخيص هو نفي النفي الذي مرجعه إلى الإثبات عقلاً ، لكنه استعمال غريب على الأذهان العرفية ، لأنه لا يستسيغ استفادة الإثبات من لسان النفي ، وإنما المناسب للطبع الأوّلي للعرف أن يتعلق النفي بأمر ثبوتي وجودي. ولذا تجعل أداة النفي قرينة على اختصاص المنفي بدائرة الأحكام الوجودية.

هذا الوجه أيضاً غير تام على كلا المسلكين.

أما على المسلك المختار ، فلأن النفي انصبّ على الضرر بوجوده الخارجي ، وهو أمر ثبوتي وجودي على أي حال ، سواء نشأ من جعل حكم أو من عدم جعل الحكم. فالعدمية مأخوذة في منشأ المنفي لا في نفس مصبّ النفي ، ومن الواضح أن مثل هذا التعبير ليس على خلاف الطبع العرفي.

وأما على مسلك الميرزا ، فلأن مصبّ النفي وإن كان المراد منه هو الحكم

٣٠٦

الضرري ، لكن من خلال «الضرر» الذي هو عنوان ثانوي قابل للانطباق على منشإِه ، ومن الواضح أن هذا العنوان الثبوتي ، تارة ينطبق على جعل الحكم وأخرى على عدم جعله.

إذن فما هو مأخوذ في مصبّ النفي عنوان وجودي قابل لأن ينطبق على جعل الحكم وعلى عدم جعله ، فليس المقام من موارد نفي النفي حتى يقال : إن هذا مما لا تستسيغه الأذهان العرفية.

الوجه الثالث : الاستناد إلى كلمة «في الإسلام» الواردة في بعض صيغ الحديث ، بتقريب أن الإسلام هو عبارة عن مجموعة الأحكام التي جاء بها النبي الأكرم (صلى‌الله‌عليه‌وآله) من عند الله تعالى ، فيكون مصبّ النفي تلك الأحكام ، ومن المعلوم أن العدم ليس ممّا جاء به النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) فليس هو من الإسلام ، فلا يكون مشمولاً للقاعدة.

هذا الوجه أيضاً غير تام وذلك أوّلاً : أن كلمة «في الإسلام» غير ثابتة في الصيغة المعتبرة لهذا الحديث. وثانياً : أن الإسلام عبارة عن مجموعة الحدود والمواقف الشرعية التي فرضها الله تعالى للناس في حياتهم ، ومن الواضح أن ذلك لا يختص بخصوص الأحكام الوجودية ، بل يشمل العدمية أيضاً ، فتكون جميعاً داخلة في الإسلام بما هو دين ، والتعدي عنها خروج عن زي العبودية لله تعالى. من هنا فلا يمكن أن تكون هذه الكلمة قرينة على تخصيص المنفي بخصوص الأحكام الوجودية المجعولة للشارع.

وهكذا يتضح عدم تمامية الوجوه التي ذكرت لنفي الإطلاق في القاعدة وإثبات القصور الذاتي فيها ، خصوصاً على المسلك المختار في تفسيرها. وإنما الصحيح تمامية الإطلاق للحديث بالنسبة إلى الأحكام العدمية أيضاً.

٣٠٧

ثم إن ما ذكرناه هو الصحيح في إبطال دعوى القصور الذاتي وعدم الإطلاق في القاعدة ، لا ما تكلّفه بعض (١) بأن الاعدام أيضاً مجعولة للشارع بنحو من العناية ولو بقرينة قوله «ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم» (٢) لأنه لم يرد عنوان الحكم في مفاد الحديث حتى نحتاج إلى عناية لتصحيح انطباق هذا العنوان على الأعدام أيضاً. وكذلك لا حاجة إلى دعوى أن الأعدام ترجع بحسب الحقيقة إلى أحكام وجودية ، ببيان : أن الترخيص عرفاً وبالمسامحة حكم وجودي أيضاً وإن كان بالدقة عدميا ، لأنه عدم

__________________

(١) قال السيد الخوئي (قدس‌سره) في الدراسات : «إن عدم جعل الحكم في موضع قابل للمحل بمنزلة جعل العدم ، ولا سيما مع ورود قوله (عليه‌السلام) : ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم» فإنه بمنزلة التصريح بجعل عدم التكليف فيما لم يجعل فيه تكليف ، وعلى ذلك فلا مانع من شمول نفي الضرر للأحكام العدمية أيضاً.

وإن شئت قلت : كما أن ثبوت بعض الأحكام من الإسلام ، فينتفي عند كونه ضرريّاً. كذلك عدم الحكم في بعض الموارد يكون من الإسلام ، فينتفي عند كونه ضرريّاً». دراسات في علم الأصول ، ج ٣ ، ص ٥٢٨.

وقريب منه ما في مصباح الأصول ، إلا أن أضاف : «هذا من حيث الكبرى ، إلا أن الصغرى لهذه الكبرى غير متحققة ، فإنا لم نجد مورداً ، كان فيه عدم الحكم ضرريّاً ، حتى محكم برقعه وبثبوت الحكم بقاعدة «لا ضرر».

مصباح الأصول ، السيد محمد سرور الواعظ الحسيني البهسودي ، مطبعة النجف سنة ١٣٨٦ ه‍. ج ٢ ، ص ٥٦٠.

(٢) جامع أحاديث الشيعة ، الباب الثامن من أبواب المقدّمات ، الحديث ٨ ، ج ١ ص ٣٢٦.

٣٠٨

الحكم ، أو القول بأن الإباحة الشرعية حكم وجودي كباقي الأحكام الخمسة ، فإذا كانا ضرريين نطبّق القاعدة لنفي الترخيص أو الإباحة الشرعية ، لعدم تمامية ذلك لأنه حتى لو سلّمنا أن الإباحة والترخيص ونحوهما من الأحكام المجعولة للشارع ، فإنه لا يلزم من نفيها بهذه القاعدة إثبات الحرمة إلّا بضم نكتتين :

الأولى : دعوى ثبوت كبرى كلية مفادها أن الواقعة لا تخلو من حكم ، فإن لم تكن الإباحة ثابتة ، فلا بد من ثبوت الحرمة ؛ وحيث إننا نفينا الإباحة بالقاعدة فثبتت الحرمة.

والجواب : أن الدليل أخصّ من المدّعى ، لأن ما دلّ على عدم خلوّ كل واقعة عن حكم شرعي ، لا يراد منه إلّا أن الشريعة تامة كاملة ، وليست ناقصة ومهملة لبعض الوقائع ، وهذا أعمّ من الإلزام والترخيص بمعنى عدم الحكم كما هو واضح.

الثانية : دعوى الملازمة العرفية بين نفي الإباحة وإثبات الحرمة من باب دفع اللغوية ، فمثلاً إذا قال المولى : «لا أبيح لك هذا الفعل» يفهم منه أنه حرام.

وفيه أن الملازمة العرفية إنّما تتحقّق في الأدلّة الخاصة ، كما لو تصدّى المولى لبيان عدم الإباحة كالمثال المتقدّم فيثبت بذلك الحرمة بالملازمة العرفية. أما نفي الإباحة من خلال عموم أو إطلاق كما في المقام ، فإنه لا يوجد مثل هذا الظهور السياقي لتعيين الحرمة ، وإنما تعيّن اللازم يحتاج إلى دليل آخر. فهذه الدعوى أيضاً لا ترجع إلى محصّل.

أما الأمر الثاني : فإنه لو بني على إطلاق القاعدة لنفي الأحكام العدمية ،

٣٠٩

يلزم تأسيس فقه جديد ، والتالي باطل فالمقدم مثله (١).

ولإثبات هذه الدعوى استعرض المحقّق النائيني بعض الأمثلة ، ومهمّ ما ذكره فرعان :

الفرع الأوّل : أنه يلزم من توسيع نطاق القاعدة لتشمل موارد عدم جعل الحكم ، الالتزام بإعطاء ولاية الطلاق للزوجة ، فيما إذا فرضنا أن بقاء الزوجية كان ضرريّاً بالنسبة إليها ، كما في موارد عدم الإنفاق مثلاً لعصيان أو عسر ونحوهما ، فيكون عدم جعل الولاية للزوجة أو وليّها وهو الحاكم الشرعي ضرريّاً بلا إشكال ، فيثبت به جعل ذلك الحكم ، وهو الولاية للزوجة على الطلاق (٢).

وقد علّق السيّد الأستاذ (قدِّس سره) على هذا الفرع ، بأن تطبيق القاعدة في المقام غير صحيح ، وإن قلنا بعموم القاعدة للأحكام العدمية ، لأن منشأ الضرر ليس هو الحكم بالزوجية ولا الحكم بولاية الزوج على الطلاق ، وإنما

__________________

(١) منية الطالب ، ج ٢ ، ص ٢٢١.

(٢) قال (قدّس سره) في مصباح الأصول : «وكذا الحال في المسألة الثانية ، فإن فيها أموراً ثلاثة : امتناع الزوج عن النفقة ، ونفس الزوجية ، وكون الطلاق بيد الزوج. أما الأول فهو الموجب لوقوع الضرر على الزوجة ولم يرخّص فيه المشارع. وأما الثاني فليس ضرريّاً ، وقد أقدمت الزوجة بنفسها عليه في مقابل المهر ، وكذا الثالث. فليس من قبل الشارع ضرر في عالم التشريع حتى يرفع بحديث لا ضرر» غاية الأمر أن الحكم بجواز الطلاق يوجب تدارك الضرر الناشئ من عدم الإنفاق ، وقد عرفت أن مثل ذلك لا يكون مشمولاً لحديث «لا ضرر».

مصباح الأصول ، ج ٢ ، ص ٥٦٠.

٣١٠

نشأ الضرر من عدم إنفاق الزوج على زوجته ، فينفى هذا الحكم الضرري ، فيجب الإنفاق دفعاً للضرر ، ومن الواضح أن هذا لا علاقة له بمسألة الولاية على الطلاق.

والجواب أن هذا الاعتراض مبني على التصوّر التقليدي للضرر ، وهو النقص في المال ، فإنه بناءً على ذلك يقال : إن الزوجة تستحق مالاً على زوجها وقد منعت منه ، ومن الواضح أن هذا الضرر لا يرتفع بارتفاع زوجيتها أو بجعل ولاية الطلاق بيدها ، وإنما ينتفي بتحريم عدم الإنفاق وإيجابه ، وحيث يتعذّر الإنفاق أو يكون الزوج عاصياً ، حينئذ يكون الضرر واقعاً على الزوجة على كل تقدير ، ولا يمكن للشارع أن يرفعه.

إلّا أن هذا التصوّر للضرر غير تامّ ، لما أوضحناه في الأبحاث السابقة من أن للضرر مصاديق أخرى اعتبارية ، وهو المعبّر عنه بسوء الحال والضيق ونحو ذلك الذي هو نقص بحسب الارتكاز العقلائي ؛ فإن الزوجة كأي إنسان آخر ، لها حقوقها المادية والمعنوية ، فلو تعرّض شيء منها للنقص ، فإنه يؤدي إلى ضيق الحال والبؤس. ولعل بعض المصاديق الاعتبارية أوضح من المصاديق المادية ضرراً.

بناءً على ذلك فتطبيق القاعدة في المقام ليس بلحاظ الضرر المالي الذي يلحق الزوجة من عدم الإنفاق ، حتى يقال إن هذا الضرر لا يرتفع برفع الزوجية أو جعل الولاية بيدها ، وإنما هو بلحاظ سوء الحالة التي تنشأ من عدم ولاية الزوجة على طلاق نفسها من زوجها الذي لا ينفق عليها الذي هو من أوضح مصاديق الضرر الاعتباري ، ولا يمكن رفعه عنها إلّا بولايتها على طلاق نفسها والانفكاك عن مثل هذه العلقة.

٣١١

والصحيح في الجواب عمّا ذكره الميرزا في المقام هو :

أوّلاً : أن دعوى الميرزا (أن محذور إعطاء ولاية الطلاق للزوجة ، إنّما يأتي بناءً على تعميم القاعدة للأحكام العدمية) غير تامة ، وذلك لأن هذا المحذور وارد حتى على القول بالاختصاص أيضاً كما هو مختاره.

توضيحه : أن المفروض في المقام أن عدم الطلاق ضرري ، ولازمه أن يكون بقاء الزوجية واستمرارها على هذا النحو ضرري ، ومن الواضح أن بقاء الزوجية أمر وجودي لا عدمي ، فيكون منفياً بالقاعدة. لكن حيث إن الإجماع والضرورة الفقهية دلّا على أن الزوجية لا تنقطع إلّا بالطلاق ، فتكون القاعدة دالّة بالملازمة على أن ولاية الطلاق تكون إما بيد الزوجة أو وليّها وهو الحاكم الشرعي ، الذي هو القدر المتيقّن في فرض عدم إنفاق الزوج وامتناعه عن الطلاق.

نعم يبقى الكلام في أن القاعدة هل تجري بلحاظ فقرة «لا ضرر» أم فقرة «لا ضرار»؟

والجواب أن ذلك يختلف باختلاف حال الزوج ، لأنه تارة يفرض أنه مقصّر في الامتناع عن الإنفاق ، بمعنى أنه لا ينفق عصياناً وتمرّداً ، وأخرى لا يكون قادراً على الإنفاق لإعسار ونحوه.

فإن كان الأوّل ، فلا يكون بقاء علقة الزوجية واستمرارها ضرريّاً ، وذلك لما بيّنا سابقاً أنه إذا توسّط بين وقوع الضرر خارجاً والحكم الشرعي إرادة غير مقهورة للتكليف الإلهي ، فإن ذلك الحكم لا يكون ضرريّاً ، والمفروض في المقام أن وقوع الضرر على الزوجة نشأ من إرادة الزوج عصيان الأمر بالإنفاق ، وهذه الإرادة ليست واقعة تحت غلبة التكليف الإلهي ، بل هي تمرّد

٣١٢

عليه. أذن فالزوجية وولاية الزوج على الطلاق ليس ضرراً حتى يمكن تطبيق «لا ضرر». نعم عدم الإنفاق هو منشأ الضرر ، فيكون منفياً ب «لا ضرر» ، فإن أمكن إجبار الزوج على الإنفاق وردعه عن هذه المعصية فهو ، وإلّا يكون مشمولاً لفقرة «لا ضرار» ؛ لما ذكرنا سابقاً أن كل من يحاول استغلال حكم شرعي ثابت له بنحو مشروع ، لأجل إيقاع الضرر بوجه غير مشروع على شخص آخر ، ولا يمكن التفكيك بين ذلك الحكم ووقوع الضرر خارجاً ، وتوقّف رفعه على إلغاء الحكم الشرعي ، فإن «لا ضرار» تكون رافعة لذلك الحكم. وحيث إن الزوج يريد أن يستغلّ ولايته على الطلاق لإيذاء الزوجة وإيقاعها في الضرر ، ولا علاج لرفع هذا الإضرار إلّا يرفع علقة الزوجية ، فيمكن التمسّك ب «لا ضرار» لنفي هذه العلقة ، والقدر المتيقّن هو أن للحاكم الشرعي أن يطلّق زوجة هذا المضارّ.

وإن كان الثاني ، فمن الواضح أن هذا الضرر يستند إلى الحكم الشرعي ، لأن الزوجية بنفسها تكون منشأً لمثل هذا الضيق وسوء الحال الناشئ من عدم الإنفاق ، وإعسار الزوج يكون من المقدّمات التكوينية الدخيلة في وقوع الضرر خارجاً ، من قبيل ضعف المزاج الدخيل في وقوع الضرر على المتوضئ ، فيكون وجوب الوضوء عليه ضرريّاً ، كذلك في المقام يكون بقاء علقة الزوجية حكماً ضرريّاً ، فينفى ب «لا ضرر».

وبذلك يظهر أن التمسّك ب «لا ضرر» يكون بلحاظ حالة ، والتمسّك ب «لا ضرار» بلحاظ حالة أخرى. أذن سواء قلنا بالتعميم ، فإن القاعدة تجري لنفي العدم ، أي عدم ولاية الزوجة على الطلاق ، فتثبت ولايتها أو ولاية وليها ، أو قلنا بالاختصاص فإنها تجري لنفي إطلاق الزوجية وبقائها

٣١٣

الذي هو أمر وجودي.

ثانياً : منع دعوى أن هذا المحذور يلزم منه تأسيس فقه جديد ، وذلك لورود روايات صحيحة دلّت على أن الزوج إذا لم ينفق على زوجته ، يكون لها حق رفع أمرها إلى الحاكم الشرعي ، فيجبره على الطلاق ، فإن امتنع طلّق الحاكم عنه لأنه ولي الممتنع (١).

__________________

(١) صحيح الفضيل بن يسار وربعي عن أبي عبد الله الصادق (عليه‌السلام) في قوله تعالى : (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ) ، قال : «إنْ أنفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة وإلّا فرّق بينهما» فإن أمكن للحاكم الشرعي أن يجبر الزوج على الطلاق فهو ، وإلا يجري الطلاق بنفسه ، لأنه ولي الممتنع ؛ لذا ورد في صحيحة أبي بصير ، قال : سمعت أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول : من كانت عنده امرأة فلم يكسها عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها ، كان حقّا على الإمام أن يفرِّق بينهما» وسائل الشيعة ، ج ٢١ ، ص ٥٠٩ ، أبواب النفقات ، الباب الأوّل ، الحديث الأوّل والثاني.

قال بعض المحقّقين في معرض الاستدلال بالقاعدة لإثبات الإجبار على الطلاق وعلى سلطنة الحاكم الشرعي عليه «ان المستفاد من قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «الطلاق بيد من أخذ بالساق» أن الزوج هو المسلّط على إيقاع الطلاق وعلى عدمه ، وهذا الحكم وهو سلطنته على عدم الطلاق ضرري على الزوجة فينفى بحديث «لا ضرر» وتكون النتيجة أن الزوج لا يكون مسلطاً على عدم الطلاق ، بل يكون الطلاق لازماً عليه.

وقد يعترض : بأن الضرر المتوجّه على الزوجة لم يأت من ناحية سلطنة الزوج على عدم الطلاق ، لينتفي عند حصول الضرر ، بل جاء من جهة عدم قيامه بحقوق الزوجة.

والجواب : أن المستفاد من قوله (عليه‌السلام) : «الطلاق بيد من آخذ بالساق» ليس

٣١٤

__________________

جعل السلطنة على كل من الوجود والعدم ، بل لا يتعدّى ذلك عن كون إيجاد الطلاق من حقوق الزوج الخاصة ، وأنه لو أوجده لكان ولا مانع له فيه حتى لو تضرّرت الزوجة بطلاقها منه بواسطة بعض الطوارئ. أما عدم الطلاق فليس هو إلّا أنه ليس بواجب عليه ، فتدخل المسألة حينئذ في أنه لو كان عدم جعل الحكم موجباً للضرر ، يكون مفاده حديث «لا ضرر» مشرّعاً لما يكون رافعاً للضرر ، ولازم ذلك أنها لو تضرّرت من عدم الطلاق من ناحية أخرى ، لا من ناحية عدم قيام الزوج بحقوقها ، يكون الطلاق واجباً ، لذلك كان الأولى في الجواب أن يقال :

إن حديث نفي الضرر إنّما يجري في نفي الحكم الذي يكون بقاؤه مولّداً للضرر ، بحيث كان الضرر مسبّباً توليدياً للحكم ، أما مع فرض كون الضرر آتياً من عدم قيام الزوج بحقوقها فلا يكون مسبباً إلّا عن الزوج ، لا من الحكم الشرعي كما حقّق في محلّه ، من أنه يشترط في الأسباب التوليدية أن لا يتوسط اختيار آخر ، وحينئذٍ فلا مورد فيما نحن فيه لحديث نفي الضرر والضرار.

وعلى أي حال فإن التحقيق يقتضي القول : بإمكان الاستدلال بهذا الحديث الشريف لما نحن فيه من انفتاح باب الطلاق الإجباري أمام الحاكم الشرعي ، حيث يتمسك بنفي الضرار على ذلك ، لأن الزوج لو لم يقم بحقوق زوجته وأمره الحاكم الشرعي بالقيام بتلك الحقوق فامتنع عن ذلك ، ولم يتمكن الحاكم من إجباره ، كان إصراره على ذلك من قبيل إصرار سمرة على الدخول لبيت الأنصاري ، وحينئذ يكون مضاراً للزوجة ، ويدخل تحت كبرى قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) : «لا ضرار» وينفتح بهذا باب الطلاق الإجباري ، ويكون الأمر دائراً بين اثنين : إما أن يجبره الحاكم الشرعي على الطلاق ليخلي سبيل الزوجة ، أو يتولّى الحاكم الشرعي بنفسه ذلك ويجري الطلاق جبراً عليه ، لو امتنع عن فك رباط الزوجية ولم يطلقها ، لأنه ولي الممتنع ، من غير نظر إلى حالة الزوج وأنه موسر أو معسر» بحوث فقهية ، من محاضرات آية الله

٣١٥

نعم ادّعى بعض الفقهاء وجود بعض المقيّدات والمخصّصات لهذه الإطلاقات من قبيل غيبة الزوج أو إعساره ونحوهما (١) ، مما هو موكول إلى البحث الفقهي ، فإذا ثبتت حجية شيء منها سنداً ودلالة يؤخذ به ويكون مخصصاً للقاعدة ، كما هي مخصّصة لتلك المطلقات ، وإلا التزم بإطلاق هذه الروايات ولا يلزم تأسيس فقه جديد.

الفرع الثاني : بناءً على شمول القاعدة للأحكام العدمية ، يلزم نفي عدم الضمان حيث يكون عدمه ضرريّاً ، فيثبت الضمان ، وقد أشكل المحقّق النائيني على ذلك بإشكالين :

الأوّل : أن تطبيق القاعدة لإثبات الضمان غير تام ، لأن الضمان ليس ممّا ينفى به الضرر ، وإنّما هو ممّا يتدارك به الضرر.

توضيحه : أن مفاد الحديث هو نفي الحكم الذي نشأ منه الضرر ، سواء كان وجودياً أو عدميا ، لا إيجاب تدارك الضرر ، حينئذ لا يمكن أن ننفي

__________________

العظمى الشيخ حسين الحلّي (قدِّس سره) السيّد عز الدين بحر العلوم ، ص ١٩٣ ، ص ٢٠٨ ، مؤسسة المنار ، الطبعة الرابعة.

(١) صحيح الحلبي عن أبي عبد الله الصادق (عليه‌السلام) أنه سُئل عن المفقود ، فقال : المفقود إذا مضى له أربع سنين بعث الوالي ، أو يكتب إلى الناحية التي هو غائب فيها ، فإن لم يوجد له أثر ، أمر الوالي وليه أن ينفق عليها ، فما أنفق عليها فهي امرأته ، قال : قلت : فإنها تقول : فإني أريد ما تريد النساء ، قال : ليس ذاك لها ولا كرامة ، فإن لم ينفق عليها وليّه أو وكيله ، أمره أن يطلقها ، فكان ذلك عليها طلاقاً واجباً». وسائل الشيعة ، ج ٢٢ ، ص ١٥٨ ، أبواب أقسام الطلاق ، الباب ٢٣ ، الحديث ٤.

٣١٦

بالقاعدة عدم الضمان ونثبت الحكم بالضمان ، لأن عدم الضمان ليس ضرريّاً ، والضمان ليس نافياً للضرر ، بل هو ممّا يتدارك به الضرر الواقع. فإن من يخرب بيته تحت يد الغاصب ، قد وقع عليه الضرر سواء حكم بضمانه أم لا.

إذن فالحكم بالضمان ليس نفياً للضرر حتى يثبت بالقاعدة ، بل هو تدارك له ، والقاعدة مفادها نفي الضرر ، لا وجوب تداركه إذا وقع.

الثاني : إشكال نقضي ، حاصله : أننا لو تنزلنا عن الإشكال الأوّل ، إما بفرض أن القاعدة تنسجم مع وجوب تدارك الضرر أيضاً ، وأما أن الضمان ليس هو تدارك الضرر بل هو نفي له ، حينئذ نقول : إنه لا بد من الالتزام بالضمان في كل مورد وقع فيه ضرر على شخص كمن تلفت داره بآفة سماوية ، فعدم ثبوت الضمان له ولو من بيت المال ضرر عليه ، فيحكم بالضمان ، ولا يمكن الالتزام به كما هو واضح.

ويمكن التعليق على هذين الإشكالين بما يلي :

التعليق الأوّل : في مناقشة الإشكال الأوّل : أن الحكم بالضمان ليس هو تدارك للضرر ، بل نفي له ، فتنطبق القاعدة بلا إشكال ، وذلك بأحد تقريبين :

التقريب الأوّل : أن الحكم بالضمان نفي لأصل الضرر ، لكن ليس مرادنا من الضرر المنفي من خلال الحكم بالضمان ، هو خراب البيت لأنه ضرر واقع على كل حال ، وإنما المقصود نفي ضرر آخر ثابت بالنظر العقلائي ، حيث إن المركوز في الأذهان العقلائية وفي لحاظاتهم التشريعية ، أن المغصوب منه يملك شيئاً في ذمة الغاصب بعنوان الغرامة والضمان. فلو أن الشارع لم يحكم بالضمان ، ولم يُمض هذا الارتكاز العقلائي لكان ضرراً في نظرهم. وقد قلنا فيما سبق : إن القاعدة تشمل الإضرار العقلائية الاعتبارية أيضاً. إذن فالحكم

٣١٧

بالضمان نفي للضرر لا تدارك له.

التقريب الثاني : أن نقطع النظر عن الضرر الذي أبرزناه في التقريب الأول ، ونبني على المعنى التقليدي له ، أي الضرر المالي ونحوه ، ومع ذلك نقول : إن الضمان وإن كان بالدقّة العقلية تداركاً للضرر المالي ، لأن البيت خرب وانهدم على كل حال في يد الغاصب ، وما يأخذه المغصوب منه هو بدل لذلك المال التالف وتدارك له ؛ إلا أنه بالنظر العرفي المسامحي يعدّ نفياً له ولو بمرتبة من مراتبه.

توضيحه : أن الضمان عبارة عن حفظ نفس المال مع تبديل وعائه من الخارج إلى العهدة عند ما يأخذه الغاصب ، ثم ينتقل بالتلف إلى وعاء آخر هو الذمة. ومعه فكأن نفس المال محفوظ ، غاية الأمر في وجود أدنى مستوى من الوجود العيني الخارجي. ومن الواضح أن تلف المال وانتقاله إلى الذمة يعدّ ضرراً بلا ريب. لكن حينما يؤدي الغاصب المال إلى المغصوب منه ، فكأنه أرجع ما كان في الذمة إلى الوعاء الخارجي ، فيكون نفياً للضرر لا تداركاً له ، لكن مع لحاظ تلك العناية العقلائية.

التعليق الثاني : في مناقشة الإشكال الثاني : أنه لا يجب الالتزام بالضمان في دائرة أوسع ممّا تقتضيه الارتكازات العقلائية والقواعد الفقهية ، سواء بنينا على التقريب الأول ، وذلك لأنه يختصّ بخصوص ما إذا كان هناك ارتكاز عقلائي على الضمان ، حتى يكون عدم الإمضاء من قبل الشارع ضرراً في نظر العقلاء ، أما إذا لم يكن كذلك ، فلا يكون عدم الضمان ضرراً بهذا المعنى فلا تشمله القاعدة.

مثلاً : من خرب بيته لآفة سماوية لا يكون عدم الضمان بالنسبة إليه

٣١٨

ضرريّاً ، لأن الارتكاز العقلائي لم ينعقد على الضمان حتى يكون عدم إمضائه شرعاً فرداً من الضرر في النظر العقلائي.

أو قلنا بالتقريب الثاني ، لأن الحكم بالضمان إنما هو نفي للضرر الواقع من الغاصب ، وهو خراب البيت ، بعناية أن الضمان في النظر العقلائي هو حفظ المال لا استبداله. فبهذه العناية يكون المال قد أدّي إلى مالكه فلم يقع الضرر.

إلّا أن هذه العناية لا يمكن الاعتماد عليها في مقام التمسك بالقاعدة ، إلّا إذا كانت مركوزة في الأذهان العقلائية ، بحيث توجب شمول الإطلاق لهذا الفرد. ومن المعلوم أن مثل هذه العناية العرفية غير موجودة في موارد التلف السماوي ، لأن العقلاء لا يرون أن هذا المال الذي أدّى من بيت المال مثلاً ، هو نفس ذلك المال الذي ذهب من صاحبه ولو بالنظر العرفي المسامحي. وإذا لم تتحقّق مثل هذه العناية ، فإنه لا يكون الحكم بالضمان نفياً للضرر ، بل تداركاً له ، فلا تشمله القاعدة ، لأن المفروض أن مفادها نفي الضرر لا تداركه.

التعليق الثالث : لو تمّ كلا الإشكالين اللذين ذكرهما الميرزا في مسألة الضمان ، فهذا ينتج أن حديث «لا ضرر» لا يمكن أن يثبت به الضمان وإن قلنا بالتعميم للأحكام العدمية ؛ لأن حقيقة الضمان عندهم هي عبارة عن تدارك الضرر ، بقطع النظر عن التقريبين اللذين ذكرناهما ، ومفاد القاعدة نفي أصل الضرر. إذن سواء قلنا إن القاعدة تشمل الأحكام العدمية أيضاً أو تختص بالوجودية ، فهي جارية في نفي أصل الضرر ، لا في تداركه.

والحاصل أن نتيجة ما ذكر أن القاعدة حتى لو قيل بتعميمها لا يثبت بها الضمان ، لكن عدم ثبوت الضمان ليس دليلاً على بطلان التعميم ، لعدم

٣١٩

وجود الملازمة بينهما. من هنا يمكن الالتزام بعموم القاعدة وشمولها للأحكام العدمية ، ومع ذلك لا يلتزم بالضمان ، لأنه عبارة عن تدارك الضرر ، والقاعدة هي لنفي أصل الضرر.

إذن وقع في كلامه (قدِّس سره) خلط بين أصل التعميم للأحكام العدمية ، وما فرّع عليه من مسألة الضمان على المتلف ؛ لذا لو أبدلنا ذلك بمثال آخر ، لما ورد محذور ، كما في عدم حرمة الإضرار ، فإنه ضرر مع كونه عدميا ، فينفى بالقاعدة ، فيثبت حرمة الإضرار.

ويؤيّد ذلك ظاهر بعض التطبيقات التي وردت في بعض الروايات ، حيث طبّقت القاعدة بلحاظ الأحكام العدمية ، من قبيل أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بناءً على صحّة الروايات قضى بالشفعة وعلّله ب «لا ضرر» ، وكذلك نهى عن منع فضل الماء ليمنع فضل الكلاء ، فإن عدم الشفعة وعدم حرمة المنع أمران عدميان ، ولكن من خلال تطبيق القاعدة عليهما ، تثبت الشفعة التي هي عبارة عن حق معيّن في فسخ العقد ، وهو أمر وجودي ، وليست هي مجرّد عدم اللزوم ، حتى يقال إن القاعدة نفت لزوم البيع ، بل هي أمر زائد على مجرّد عدم اللزوم ، كذلك تثبت الحرمة لمنع فضل الماء.

بل الأمر في قصة سمرة أيضاً كذلك ، بناءً على أن التطبيق كان بلحاظ «لا ضرر» فإن الأمر الوجودي الذي قيل إنه ارتفع بهذه الفقرة ، إنما هو استحقاق سمرة للدخول بلا استئذان ، مع أنه لم يكن هذا الحق ثابتاً له بقيد أنه بلا إذن حتى يرتفع بالقاعدة. بل الحق الثابت له كان هو ذات الدخول بما هو كما أوضحناه فيما سبق ، ومن هنا كان المرفوع بالقاعدة هو عدم الحرمة بأن يقال : إن عدم تحريم الدخول بلا إذن كان ضرريّاً على الأنصاري ، فيثبت

٣٢٠