لا ضرر ولا ضررا

السيّد كمال الحيدري

لا ضرر ولا ضررا

المؤلف:

السيّد كمال الحيدري


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار فراقد
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٤
ISBN: 964-96354-3-2
الصفحات: ٤٣٢

النقص الذي يكون بوسع المكلف إزالته ورفعه متى شاء.

وبهذا يتضح أن صحة المعاملة حدوثاً لا ينشأ منها الضرر ، وإنّما منشأه هو اللزوم أو الصحة بقاءً ، فيكون هو المرفوع ب «لا ضرر» دون غيره.

الإشكال الثاني : يختلف هذا الإشكال عن السابق ، لأنه هناك كان يدّعى توسيع دائرة النفي ليشمل الحكم بالصحة أيضاً ، أما هنا فالمفروض كأصل موضوعي مفروغ عنه خروج الحكم بالصحة عن القاعدة ، أما للإجماع أو غيره من الأدلة التي قامت على إثبات الصحة.

بعد ذلك يقع الكلام في المنفي بهذه القاعدة ، فإن أريد نفى حدوث الضرر ، فهو غير ممكن ، لأنه بعد حكم الشارع بالصحة فقد تحقق هذا الفرد من الضرر يقيناً. وإن أُريد نفي بقائه ، فهو غير ممكن أيضاً ؛ لأن النفي في القاعدة منصبّ على الحدوث. فنفي البقاء يحتاج إلى دليل مفقود في المقام.

هذا الإشكال تارة نسلّم أصله الموضوعي ، ومعه إما أن نقول : إن مصبّ النفي هو الضرر الخارجي أو الحكم الضرري. فإن اخترنا الأول ، فهو ضرر واحد له حدوث وبقاء ، أما حدوثه فقد خرج عن القاعدة لأن الشارع قد حكم بالصحة ، أما بقاؤه فالمفروض عدم تكفّل «لا ضرر» لنفيه لأنه ظاهر في نفي الحدوث ، وعليه يكون الإشكال وارداً. وإن اخترنا الثاني أي إن النفي انصبّ على الحكم الضرري ، فهنا إن قلنا إنه لا يوجد إلّا حكم واحد يسمّى حدوثاً بالصحة وبقاءً باللزوم ، فحكمه ما تقدّم في الصورة السابقة. لكن إذا فرضنا وجود حكمين مستقلّين مجعولين بجعلين ، أحدهما الصحة والآخر اللزوم كما هو الصحيح ، حينئذ لا يرد الإشكال ، لأن أحدهما وهو الحكم بالصحة حدث يقيناً وخرج تخصيصاً من القاعدة ، والآخر وهو الحكم باللزوم لم يدلّ

٢٦١

دليل على خروجه من إطلاق القاعدة ، فنتمسك بها لنفي حدوث اللزوم.

والحاصل : إذا قبلنا الأصل الموضوعي المتقدّم ، وبنينا على أن النفي منصبّ على الحكم الضرري ، وقلنا إن الحكم بالصحة غير الحكم باللزوم ، لا يرد الإشكال.

لكن الصحيح أن الأصل الموضوعي لهذا الإشكال غير تام.

توضيحه : أننا تارة نبني على أن مصبّ النفي في القاعدة هو الضرر الخارجي ، وأخرى هو الحكم الضرري.

فإن اخترنا الأول فنقول : يوجد هنا نقصان ، أحدهما لا يقبل الارتفاع ، والثاني يقبل ذلك. أما الأول وهو النقص الحادث من خلال حكم الشارع بالصحة ، فليس ضرريّاً في نفسه ، لما تقدّم أن الضرر ليس هو عبارة عن مجرّد النقص ، بل النقص الذي لا يمكن رفعه ولا يكون تحت اختيار المكلف إزالته. وأما الثاني فهو ضرري وتشمله القاعدة ، فننفي حدوثه ونثبت جواز المعاملة. فيتحصل من ضمّ القاعدة إلى أدلّة صحة المعاملة نقص يقبل الرفع ، والمفروض أن مثل هذا النقص ليس ضرراً من أوّل الأمر ، فلم يلزم تخصيص في مدلول «لا ضرر» بل خروج تخصصي منه. إذن فما هو حادث ليس بضرري ، وما هو ضرري ليس بحادث لأنه منفيّ بالقاعدة.

وإن اخترنا الثاني أي الحكم الضرري ؛ فإن فرضنا وحدة الحكم ، فحاله ما تقدّم. وإن قلنا بتعدّد الحكم كما هو الصحيح ، ننفي حدوث الحكم باللزوم ب «لا ضرر» لأنه ضرري ، ويكون هذا حاكماً على إطلاق القاعدة لنفي الحكم بالصحة. وبعد نفي اللزوم لا يكون الحكم بالصحة ضرريّاً ، لأن ضرريته إنما تكون في طول ثبوت اللزوم في العقد ، والمفروض عدمه. فيخرج الحكم

٢٦٢

بالصحة عن كونه ضرريّاً ، وعليه فلم يكن المنفيّ بالقاعدة هو الوجود البقائي للضرر ، بل الوجود الحدوثي للضرر وهو الحكم باللزوم.

الإشكال الثالث : وهو مبني على افتراض أن الحكم بالصحة خارج تخصيصاً من القاعدة ، على هذا الأساس يقال : إن نفي اللزوم عن المعاملة ليس هو نفي للضرر ، بل هو تدارك للضرر الواقع ، وظاهر القاعدة نفي الضرر لا تداركه.

هذا الإشكال ظهر عدم صحّته ممّا تقدّم ، سواء بنينا على أن الحكم بالصحة خارج تخصصاً أو تخصيصاً.

أما الأول فلأن الخارج وهو الحكم بالصحة ليس بضرري حتى يتدارك ، وما هو ضرري وهو الحكم باللزوم ليس بواقع حتى يكون نفيه تداركاً للضرر ، بل أصل وجوده الحدوثي منفي بلا ضرر.

وأما الثاني : فلأننا لا نقول بتدارك الضرر بعد وقوعه حتى يقال إنه خلاف مفاد القاعدة ، بل المدّعى أن هناك نقصاً مالياً يتصف بأنه ضرري ، له حدوث وبقاء ، أما حدوثه فلا يرفع بالقاعدة لأن المفروض أنه خارج عنها تخصيصاً ، وأما بقاؤه فهو منفيّ بلا ضرر ، لأن فسخ المعاملة بالخيار يكون نفياً للضرر في مرحلة البقاء لا تدارك له. نعم إذا حكمنا بالأرش كان ذلك تداركاً كما سيأتي.

الإشكال الرابع : ما تقدّم من المحقّق العراقي (قدس‌سره) من أنه لا يمكن التوفيق بين الاستدلال بالقاعدة لإثبات خيار الغبن ، وبين ما التزم به الفقهاء من قابلية هذا الخيار للإسقاط ، مع أن غاية ما يثبت بهذه القاعدة نفي اللزوم الجامع بين الجواز الحقي والجواز الحكمي.

٢٦٣

والجواب عن ذلك :

أولاً : أننا حتى لو قبلنا أن قاعدة «لا ضرر» لا تفيد الجواز الحقّي ، إلّا أنه يمكن إثبات نتيجة ذلك ، بتقريب : أن اللزوم يمكن أن يتحصص إلى حصتين ،

الأولى : مرضيّ بها من قِبل المتضرّر لغرض عقلائي في نظره ، ولا يمكن نفيها بلا ضرر ، لأنه على خلاف الامتنان ، على ما سيأتي إن شاء الله من أن الضرر المقدّم عليه لا تشمله القاعدة. الثانية : غير مرضيّ بها وهو الذي لم يقدم عليه فيكون منفياً بلا ضرر ، وهو اللزوم قبل الإسقاط أي قبل الرضا باللزوم.

والحاصل أن هذا البيان ينتج بحسب الحقيقة نتيجة القابلية للإسقاط لا نفس هذا العنوان ، وليس هذا بدعاً من القول ، وإنما هو من قبيل ما إذا فرضنا أن المغبون أقدم على المعاملة عالماً بالغبن ، فإنه لا يستشكل أحد حتى ممّن يبني على هذه القاعدة في المقام ، في أنه لا تجري ، لأنه ضرر أقدم عليه المكلف. فكما أن الإقدام على الضرر حدوثاً يوجب خروجه من القاعدة ، كذلك الإقدام عليه بقاءً لنفس النكتة.

وثانياً : أنه يمكن أن نثبت نفس عنوان القابلية للإسقاط والحقية بإجراء القاعدة ، وتوضيحه موقوف على بيان المراد من اللزوم والجواز الحقي واللزوم والجواز الحكمي ، فنقول :

المختار في باب المعاملات التي يكون لزومها وجوازها حقياً ، أنها تنحلّ إلى إنشائين ، أحدهما : المدلول المطابقي ، فبه ينشأ تمليك المال ، والثاني : المدلول الالتزامي فبه ينشأ تمليك التزامه بالمعاملة للطرف الآخر كما ملكه المال ، لأن كل واحد منهما مالك قبل المعاملة لأمرين ، أحدهما : أحد العوضين ، والآخر : التزامه. وبعد المعاملة يعطي مالكيته لهما معاً للآخر ، فيكون كل منهما مالكاً

٢٦٤

لالتزام الآخر ، كما أنه مالك لمال الآخر ، وهذا هو اللزوم الحقي ، لذا لو فرض أنهما تقايلا انفسخت المعاملة. وأما الجواز الحقي فهو أن يتجرّد المدلول الالتزامي للمعاملة عن مدلولها المطابقي ، فيبقى كلّ منهما مالكاً لالتزامه ، فيستطيع فسخ المعاملة متى شاء.

ثم قد يفرض أن الشارع يمضي المدلول المطابقي دون المدلول الالتزامي ، فتنتقل ملكية المال إلى الآخر دون ملكية الالتزام ، كما هو الحال في خيار المجلس والحيوان ، وهذا هو الجواز الحقي.

أما اللزوم والجواز الحكمي ، فهما حكمان شرعيان من دون نظر إلى التزام المتعاملين ، فالأول من قبيل لزوم النكاح ، والثاني من قبيل جواز الهبة ولذا لو أسقط الواهب حقّه في الرجوع قبل تلف العين لم يسقط ، وكذا لو اتفق الطرفان في النكاح على الفسخ لا ينفسخ.

إذا اتضح ذلك نقول : إن الضرر لم ينشأ من حكم الشارع بصحة المعاملة بمدلولها المطابقي ، وإنما نشأ من إمضاء الشارع مدلولها الالتزامي ، أي تمليك الالتزام للآخر الذي هو اللزوم الحقي ، فنفي الضرر يكون بنفي إمضائه الذي يساوق الجواز الحقي. فمثلاً : إذا ملّك المشتري التزامه للبائع ، وفرضنا أن البائع هو المغبون ، فمعنى رفع اللزوم هو أن التزام البائع لم يخرج عن ملكه ولم ينتقل إلى المشتري الذي هو الغابن ، وبهذا يثبت أن التزام المغبون باقٍ تحت سلطانه ، فيكون من حقّه أن يلتزم بالمعاملة أو يفسخها.

وبهذا يتضح الجواب عن فتوى الفقهاء بانتقال خيار الغبن إلى الوارث بالإرث ، وذلك لأنه بعد أن التزمنا بقابلية هذا الخيار للإسقاط ، فهذا معناه ثبوت المالية له ، فيدخل تحت موضوع دليل الإرث فيشمله «من ترك مالاً

٢٦٥

فلورثته». هذا مضافاً إلى أنه لو كان يشترط في موضوع الإرث أن يكون مالاً أو حقّا ، فقد اتضح ممّا ذكرناه إمكان استفادة الجواز الحقي من القاعدة مباشرة فيورث.

الإشكال الخامس : أن نفي اللزوم بالقاعدة وإن كان يدفع الضرر والنقص المالي الحاصل في المقام ، لكن لا ينحصر العلاج بذلك ، بل يمكن رفعه بطريق آخر أيضاً ، بأن يدفع الغابن الأرش وما هو الفارق بين القيمتين ، إذن فلا معيّن

لإثبات نفي اللزوم بالقاعدة.

والجواب عنه قد اتضح من تضاعيف ما سبق ، لأن ثبوت الأرش ليس نفياً للضرر ، بل هو تدارك للضرر الواقع ، من دون فرق أن نسمّي هذا الأرش هبة مجانية أو ضماناً وغرامة ، بخلاف نفي اللزوم ، فإنّه يوجب عدم تحقّق الضرر رأساً. ومفاد القاعدة كما عرفت هو نفي الضرر ، لا تدارك ما وقع من الضرر.

من هنا يتضح أن هذين العلاجين ليسا على نحو واحد ، بل المتعيّن هو الأول لأنه مصداق لمدلول القاعدة ونفي للضرر بالحمل الشائع.

الإشكال السادس : أن يدعى وجود تعارض بين حيثية ترتبط بالغابن ، وحيثية ترتبط بالمغبون ، ويمكن أن يقرب ذلك بأحد تقريبين :

الأول : أن جعل الخيار للمغبون وإن كان علاجاً للضرر الواقع عليه ، لكنه خلاف الامتنان بالنسبة إلى الغابن ، بنفس البيان الذي ذكره المحقّق العراقي في قضية سمرة مع الأنصاري. ولما كانت «لا ضرر» امتنانية ، إذن لا يمكن جريانها في المقام.

والجواب أن الصغرى في المقام وإن كانت مسلّمة ، إلّا أننا ذكرنا فيما سبق أن الكبرى لا نوافق عليها. وإن كان هو المعنى المشهور في كلمات

٢٦٦

القوم ، فإن «لا ضرر» لا يشترط فيه أن لا يكون على خلاف الامتنان بالنسبة لغير من يجري في حقه. نعم لو بلغت المخالفة إلى حدّ الإضرار به ، يدخل في باب تعارض الضررين.

الثاني : أن يقال : إن المورد من باب تعارض الضررين ، توضيحه : أنه إذا أتيح للمغبون أن يفسخ المعاملة ويسترجع ماله ، يندفع عنه الضرر ، لكن الغابن يقع في الضرر ، لأنه بعد أن اشترى المغبون الكتاب الذي قيمته درهم واحد ، اشتراه بدينار مثلاً ، وحكم الشارع بصحة هذه المعاملة ، فإنه يكون مالكاً لهذا الثمن. فإذا فسخ المغبون المعاملة نقصت ماليته في المقام ، لأنه لا بدّ له أن يرجع هذا المال. إذن فهناك نقص حاصل في كلتا الحالتين ، أما في مالية المغبون قبل المعاملة ، أو في مالية الغابن بعد المعاملة ، فيحصل التعارض بين الضررين ، فلا تجري القاعدة.

والجواب : أن ملكية الغابن لمال المغبون ، إن كانت مستقرّة غير متزلزلة ولا قابلة للزوال وبتعبير آخر كانت لازمة فخروج المال عن ملكه يكون نقصاً مالياً عليه فيؤدّي إلى الضرر. أما إذا حدثت هذه الملكية من أول الأمر متزلزلة وغير قابلة للبقاء والاستمرار بسبب قدرة المغبون على استرجاع هذا المال وإزالته عن ملك الغابن متى شاء بالفسخ لعدم لزوم المعاملة ، فمثل هذه المالية لو خرجت عن ملك الغابن لا تعدّ ضرراً بحسب النظر العرفي ؛ لأن العرف لا يراه ضرراً جديداً وقع على الغابن ، وإنما هو نتيجة ما حصل من المعاملة الغبنية. إذن فهناك فرق بين أن نفرض نقصين ماليين عرْضيين نشئا من معاملة لازمة مستقرّة ، حصل التعارض بينهما ، فيدخل في باب تعارض الضررين ، وبين نقصين ماليين نشئا من معاملة غير مستقرّة من أوّل الأمر ،

٢٦٧

حيث لا يشك العرف في أن نفي اللزوم والحكم بالخيار بملاك نفي الضرر عن المغبون لا يتعارض مع الضرر الحاصل للغابن بسبب فسخ المعاملة ، لأن المفروض أن نقص مالية الغابن إنما هو في طول وجدانه لهذا المال مقروناً بحق الغير على استرجاعه.

الإشكال السابع : أن يدّعى أن ثبوت الخيار للمغبون دون الغابن ضرري ، وذلك لأننا بعد أن نفينا اللزوم من ناحية المغبون وأثبتنا له حق الفسخ ، فهنا معناه أنه بقي مالكاً لالتزام نفسه كما بيّناه في معنى الجواز الحقي. وأما التزام الغابن بتمليك العين فإنه ينتقل إلى المغبون ، لأن المفروض عدم ثبوت خيار الفسخ له. ونتيجة ذلك أن المغبون تملّك التزام الغابن من دون أن يملّك التزامه له ، ومن الواضح أن مقتضى المعاملة تمليك الالتزام من المتعاقدين بنحو التقابل لا من طرف واحد ، وإلّا سيكون ضرريّاً على الآخر.

والجواب : أن قبول دعوى وقوع ضرر على الغابن يتوقف على :

أولاً : إنكار كون خيار الغبن من الارتكازات العقلائية ، والالتزام بلزوم المعاملة الغبنية.

ثانياً : وجود ارتكاز عقلائي بثبوت حق للغابن يقتضي أن لا يخرج التزامه من ملكه إلّا في قبال تملّك التزام الآخر ، لا أن يتملّك عليه التزامه مجاناً.

وكلا هذين الأمرين ممنوع أما الأول فإن خيار الغبن ليس عدمه مرتكزاً في الأنظار العقلائية ، وأما الثاني فلعدم وجود ارتكاز عقلائي يقتضي استحقاق الغابن بأن يملك التزام الآخر في قبال تمليكه له التزام نفسه. نعم يتم هذا البيان لإثبات وقوع الضرر على الغابن فيما لو فرض أن المغبون أسقط حقه والتزم بالبيع بعد علمه بالغبن ، ومع ذلك نلتزم بثبوت حق الفسخ له ،

٢٦٨

فإنّه يكون قد جمع بين الالتزامين ، وهذا على خلاف الارتكاز العقلائي لأنه ضرر على الغابن. أما أصل تملّك المغبون لالتزام الغابن قبل الإسقاط من دون أن يعطى للغابن في قبال ذلك شيء ، فلا يعدّ ضرراً عليه ، لعدم وجود مثل هذا الحق له لكونه غابناً. إذن فلا يثبت له هذا الحق ليكون سلبه عنه ضرراً عليه.

هذا تمام الكلام في الإشكالات التي يمكن إيرادها على التقريب المشهور مع جوابها. وقد اتضح عدم تمامية شيء منها. إلّا أننا لسنا بحاجة لهذا التقريب ، بل يمكن بيان شمول القاعدة لخيار الغبن بتقريب آخر لا يرد عليه كثير من المناقشات السابقة.

التقريب الثاني : أن تطبيق القاعدة في المقام ليس بلحاظ النقص المالي الذي تقدّم بيانه في التقريب السابق ، وإنّما بلحاظ الضرر الحقي.

بيانه : أن الارتكاز العقلائي قائم على أن للمغبون حقاً في فسخ العقد. فلو سلب الشارع هذا الحق الثابت له في الرتبة السابقة ولم يعترف به لكان ضرراً على المغبون ، وحينئذ يكون مشمولاً للقاعدة ، لما ذكرنا أنها شاملة للأحكام الضررية التأسيسية من قبيل وجوب الوضوء الضرري ، أو الإمضائية من قبيل الإضرار التي ثبت في الرتبة السابقة من خلال الارتكاز العقلائي نحو استحقاق فيها ، بحيث لو لم يعتبر «لا ضرر» فيها لكان تضييعاً لتلك الحقوق.

نعم ، يبقى الكلام في بيان التخريج الفنّي لهذا الارتكاز العقلائي القائم على ثبوت حق الخيار للمغبون. هناك عدّة وجوه لذلك :

الوجه الأوّل : أن ندّعي أن خيار الغبن بعنوانه يكون ارتكازياً عند العقلاء ، أي إن الغبن بما هو غبن يكون منشأً لحق المغبون في فسخ المعاملة.

٢٦٩

وبهذا اللحاظ يكون سلب هذا الحق ضرريّاً فينتفي بالقاعدة.

الوجه الثاني : ما أشير إليه في كلمات المحقّق العراقي (قدس‌سره) أن الغبن ليس هو المنشأ لحق الخيار في الارتكاز العقلائي ، وإنما يكون منشأً لذلك بتوسط شيء آخر ، هو اشتراط المساواة بين المالين ، فكأن المتعاقدين يشترط كل منهما على الآخر ضمناً انحفاظ ماليته في العوضين وعدم غبنه فيه. وحيث إن المفروض عدم انحفاظ ذلك في المعاملة الغبنية ، إذن يدّعى ثبوت ارتكاز عقلائي بضمان هذا الوصف الفائت على المغبون ، فيضمن الغابن ذلك من خلال جعل حق الخيار للمغبون ، لأن ضمان كل شيء بحسبه.

الوجه الثالث : هو الالتزام بالشرط الضمني في الوجه السابق ، فيكون تخلّف الشرط منشأً لحق الخيار في الارتكاز العقلائي. وفرق هذا الوجه عن الأول أن العقد الغبني هناك كان بنفسه منشأً لحق الخيار ، أما هنا فإن تخلّف الشرط يكون منشأً له ، فيرجع خيار الغبن إلى خيار تخلّف الشرط ، وخيار تخلّف الشرط يوجب عند العقلاء حق الخيار ابتداءً ، وبهذا يختلف هذا الوجه عن الثاني ، حيث إنه كان ثبوت حق الخيار فيه بتوسط الضمان كما تقدّم.

الوجه الرابع : نفس الفرضية السابقة ، وهو إرجاع خيار الغبن إلى خيار تخلّف الشرط ، ثم إرجاع تخلّف الشرط إلى شرط الخيار ضمناً عند تخلّف الشرط ، وبهذا يختلف هذا الوجه عن سابقه ، وهذا هو مختار مدرسة المحقّق النائيني (قدس‌سره). وتحقيق الكلام في هذه الوجوه وبيان المختار منها موكول إلى البحث الفقهي.

هذا تمام الكلام في التقريب السالم عن تلك الإشكالات التي أوردت على التقريب الأول.

٢٧٠

التقريب الثالث : ما أُشير إليه في كلمات المحقّق العراقي (قدس‌سره) حيث طبّق القاعدة بلحاظ الضرر الغرضي ، فإن غرض المتعاملين هو تبديل العوضين مع التحفظ على نفس المقدار من المالية فيهما معاً تقريباً. وحيث إن هذا الغرض يفوت في المعاملة الغبنية على المغبون ، فيكون ضرراً عليه ، ولا يختص هذا الغرض المعاملي بخصوص المعاملة الغبنية ، بل يعمّ أيضاً موارد تبعّض الصفقة والعيب ، فإن فيها جميعاً ضرراً غبنياً ، سواء كان هناك ضرر مالي أيضاً أم لم يكن.

وهذا الوجه هو الذي أشكل عليه المحقّق العراقي فيما سبق ، بأن فوات غرض المتعاملين لا يصدق عليه عنوان الضرر ، وإلّا للزم أن كل متعامل لو فات غرضه يكون متضرّراً ، من قبيل أن غرض من يشتري الدواء هو الاستشفاء من المرض ، فإذا لم يتحقق ذلك يلزم أن يكون متضرّراً ، ولا يلتزم بذلك فقيه. إذن ففوات الغرض المعاملي لا يعتبر ضرراً في المقام.

وتحقيق الحال فيما ذكره على ضوء ما تقدّم في الأبحاث السابقة ، حيث قلنا إن عنوان الضرر قد يصدق على فوات الغرض أيضاً ، ولكن الأغراض على أقسام :

الأوّل : أغراض شخصية في المعاملات ، ولا إشكال أن هذه القاعدة لا تجري في مثل هذه الأغراض ، فما ذكره المحقّق العراقي من النقوض يكون تامّاً على هذا المستوي.

الثاني : أغراض نسبية بنحو الحيثية التقييدية ، وذلك كما لو فرض أنّ التاجر لم يربح في تجارته ، فإنه يصدق عليه أنه تضرر ، مع أنه بحسب الحقيقة لم يكن نقصاً وإنما عدم منفعة. والنكتة المصحِّحة لصدق عنوان الضرر على

٢٧١

مجرّد عدم الربح ، هو أن فوات الغرض التجاري بالنسبة إلى التاجر الذي له غرض في الربح وإنماء المال ، يُعَدّ ضرراً عليه عرفاً ، وإن لم يصدق عليه عنوان الضرر بما هو إنسان غير متحيّث بتلك الحيثيّة التقييدية ؛ لذا قلنا إن صدق عنوان الضرر فيه يحتاج إلى مؤنة زائدة ، فيكون ضرراً نسبيّاً ومقيّداً لا مطلقاً كتضرّر الإنسان بتلف ماله وقطع يده ونحو ذلك ، من هنا لو أطلق عنوان الضرر فإنه لا يشمل هذا النوع من الضرر النسبي لما فيه من المئونة.

الثالث : أن يكون الغرض النسبي والمقيّد له نحو من العمومية والثبات والانتشار ، بحيث لا يلحظ فيه شخص معيَّن كالأول ولا حيثيته تقييدية كالثاني ، وإنما هو ثابت بالنسبة إلى كل إنسان ولو باعتبار ارتكازية شدة اتصال هذا الغرض بكل إنسان ، وعندها يصدق على تخلّفه الضرر بقول مطلق. ولعل بعض الأغراض المعاملية قد تبلغ إلى هذه الدرجة من الغرضية في الارتكاز العقلائي بنحو يلزم من تخلّفها صدق الضرر بلا حاجة إلى مئونة زائدة. ومن المحتمل جدّاً أن يكون المقام من تطبيقات ذلك. فإذا حصل الاطمئنان لأحد بثبوت مثل هذا الارتكاز ، فسوف يكون تطبيق «لا ضرر» على خيار الغبن تامّاً أيضاً. ثمّ إن المحقّق العراقي ذكر موردين آخرين من تطبيقات القاعدة في الفقه ، وبيّن عدم انطباقها فيهما بالدقة :

الأوّل : تعارض الضررين ، وسيأتي الحديث عنه في تنبيهات القاعدة.

الثاني : إذا غاب الزوج عن زوجته مدّة معيّنة ، ولم ينفق عليها ، فإن بعض الفقهاء حكموا بأن للحاكم الشرعي أن يطلقها دفعاً للضرر ، وهذا ما سنتحدّث عنه في فقه «لا ضرار».

٢٧٢

الفصل السابع

تطبيق القاعدة

بلحاظ الإضرار الاعتبارية

٢٧٣
٢٧٤

اتضح من الأبحاث السابقة أن الضرر على قسمين ، لأنه تارة يكون الشيء مصداقاً لعنوان الضرر بحسب طبيعته الواقعية كقطع اليد وتلف المال ونحو ذلك ، وأخرى يكون مصداقاً للضرر بلحاظ نظر خاص ، بحيث يختلف باختلاف الأنظار ، من قبيل الإضرار التي تحصل نتيجة لافتراض حقوق مجعولة بحسب الارتكازات العقلائية ، كما في حرمان الشخص من حقوقه العرفية.

ومن الواضح أن القاعدة تشمل الإضرار من القسم الأوّل بلا حاجة إلى مئونة زائدة. إنما الكلام في تطبيق القاعدة بلحاظ القسم الثاني من الإضرار. وتحقيق ذلك يستدعي البحث في جهتين :

الجهة الأولى : في بيان ملاك شمول القاعدة لهذا النوع من الإضرار رغم أنّها ليست إضراراً حقيقية.

ويمكن تقريب ذلك من خلال أحد وجهين :

الوجه الأوّل : التمسّك بالإطلاق المقامي ، نظير ما يقال في أدلة المعاملات ، حيث ذكرنا في بحث الصحيح والأعم أن هناك من يقول : بأن أسماء المعاملات كالبيع موضوعة للصحيح ، ويريد به العقد المؤثر واقعاً. وحيث إن مثل هذا العقد يختلف باختلاف الأنظار العرفية والعقلائية ، لذا كان من الضروري الاحتكام إلى مقياس لتمييز ما هو العقد المؤثر واقعاً عن

٢٧٥

غيره. من هنا تمسك بعضهم بإطلاق قوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ)(١)) لإثبات أن البيع إذا كان صحيحاً عند العقلاء فهو بيع نافذ شرعاً ، ومن الواضح أن هذا الإطلاق ليس هو الإطلاق اللفظي بل المقامي ؛ لأن المفروض أن مفهوم البيع دالّ على العقد المؤثر واقعاً ، وكون العقد الصحيح عقلائياً من مصاديق ذلك هو أول الكلام ، فلا يمكن التمسّك بالإطلاق اللفظي. لذا حاولوا التمسّك بالإطلاق المقامي ؛ ببيان : أن الشارع لما علّق الحكم على العقد المؤثر كما هو المفروض ، ولما كانت المؤثرية تختلف باختلاف الأنظار العقلائية ، ولم يبيّن هو نظراً خاصاً في تحديد ما هو الصحيح شرعاً ، وكان في مقام البيان لا الإجمال ، فسكوته عن بيان ما هو الصحيح عنده ، يكون ظاهراً عرفاً بمقتضى مقدّمات الحكمة ، أنه اعتبر الارتكاز والنظر العرفي قرينة على تعيين مراده ، وبتعبير آخر : يكون السكوت إمضاءً لما عليه العرف والعقلاء. حينئذ يثبت أن كل عقد مؤثر في نظر العقلاء فهو ممضى من قبل الشارع أيضاً.

بنفس هذا البيان يمكن أن يُدَّعى في المقام أن القاعدة تنفي كل حكم ضرري ، وحيث إنه لم يبين ما هو الضرر عنده شرعاً ، والمفروض أنه في مقام البيان لا الإجمال ، إذن ينعقد لخطابه إطلاق مقامي يدلّ على إمضائه لما هو المرتكز في الأعراف العقلائية واعتماده عليها في بيان ما هو المراد من الضرر. وعلى هذا الأساس فكلّ ما يراه النظر العرفي مصداقاً لعنوان الضرر ، يكون مصداقاً لهذا العنوان في نظر الشارع أيضاً.

وهذا الوجه لو تمّ فإنه لا يثبت لنا أكثر من اعتماد النظر العقلائي المعاصر

__________________

(١) البقرة : ٢٧٥.

٢٧٦

لعصر صدور النص ، وذلك لأن هذا الإطلاق كان يعتمد على الارتكاز العرفي القائم حينذاك ، فتكون تلك الارتكازات المعاصرة لعصر الصدور بمثابة القرينة المتصلة لتعيين المراد من النص. من هنا لو فرض تحقّق مصاديق جديدة لهذا القسم من الضرر ، ولكن كانت متأخّرة عن عصر صدور النص ، فإنه لا يكون مشمولاً لهذا الحديث ، وإن كانت قائمة على ارتكازات عقلائية وأنظار عرفية.

الوجه الثاني : أن يُدّعى بأن الشارع حينما يعلّق حكماً على مفهوم له أفراد حقيقية وأفراد اعتبارية نشأت في طول ارتكاز عقلائي ، فمقتضى عقلائية الشارع وأنه فرد من أفراد العرف في مقام التكلّم والمحاورة ، أنه يريد تمام أفراد هذا المفهوم حتى ما كان فرداً في نظر العقلاء. فلو قال : «عظّم العالم» مثلاً ، فمقتضى ذلك أنه يريد تمام أفراد التعظيم حتى ما كان فرداً بحسب الارتكاز العقلائي ، مرجع ذلك بحسب الحقيقة ، إلى التمسك بالإطلاق اللفظي لكلمة التعظيم.

كذلك في المقام فإننا نتمسّك بالإطلاق اللفظي لمفهوم الضرر ، لإثبات شموله لكلّ فرد يكون عند العقلاء ضرراً ، وهذا معناه أن تحكيم النظر العقلائي يستلزم توسعة دائرة الأفراد المرادة من المعنى المستعمل فيه اللفظ.

وهذا الوجه لو تمّ يمكن أن يدّعى أنه يشكّل قضيّة حقيقية ، تنتج أن كلّ ما يكون ضرريّاً ولو بلحاظ ارتكازات متأخّرة عن عصر النص ، يكون مشمولاً للفظ ، وهذه مسألة ذات آثار مهمة تترتّب عليها ، سنحققها بعد ذلك.

ثم إنه لا بد أن يُعلم أن صحة الوجه الأول تتوقّف على تمامية أمرين :

٢٧٧

الأول : أن لا يتم الإطلاق اللفظي الذي بيّناه في الوجه الثاني ، وإلّا لا تصل النوبة إلى الإطلاق المقامي ، كما هو واضح.

الثاني : تسليم مقدّمات الحكمة بلحاظ المقام التي منها كون المتكلِّم في مقام البيان من هذه الناحية ، بالرغم من إجمال كلامه.

وصحّة الوجه الثاني تتوقّف على تنقيح كبرى مهمة وأساسية مفيدة في غير هذا الباب أيضاً ، حاصلها : أن الأفراد التي يشملها الخطاب بلحاظ ارتكازات عقلائية في المرتبة السابقة لا بدّ من التعرّف على أقسامها ، لنقف من خلال ذلك على أنها مشمولة بجميع أقسامها أم لا؟ وهذا هو البحث في الجهة الثانية.

الجهة الثانية : إذا ورد خطاب وفيه عنوان ، وكان لهذا العنوان أفراد ومصاديق غير حقيقية اعتبارية وعنائية يمكن أن تكون على أنحاء :

الأوّل : أن يكون الارتكاز والنظر العرفي مجرّد كاشف ومخبر عن فردية الفرد للعنوان لا منشأً له ، من قبيل أن يفرض أن الخطاب وقع فيه عنوان «العالم» واعتقد العرف جهلاً واشتباهاً أن زيداً عالم ، ففي مثل ذلك لا إشكال أن العنوان المأخوذ في لسان الدليل لا يشمل هذا الفرد ، لأن شمول عنوان العالم لزيد إنما هو تابع لواقع علمه ، فإن كان عالماً حقيقة فيشمله الخطاب ، وإلّا فلا يشمله حتى لو فرض اعتقاد الناس جهلاً وخطأً بعالميته ، فإن مثل هذا الاعتقاد غير المطابق لا يغيّر من الواقع شيئاً ، لأن كل عنوان إنّما هو موضوع لأفراده الواقعية.

الثاني : أن يكون النظر العرفي دخيلاً في فردية الفرد بنحو الإنشاء لا الإخبار. ويمكن تصوّر ذلك في العناوين التي يمكن إيجاد أفراد لها بعمل

٢٧٨

إنشائي ، كعنوان التعظيم ، فإن هذا العنوان له أفراد حقيقية لا تحتاج فرديتها إلى إعمال عناية من قبل العرف كامتثال الأمر ، وله أفراد تحتاج إلى بذل عناية خارجية لأجل انطباق العنوان عليها ، كالقيام لأجل تعظيم الوارد ، أو الانحناء قليلاً أمام أحد ، فإن مثل هذه المظاهر المتواضع عليها ، لو قطع النظر عن أي تعارف اجتماعي أو عناية خارجية لا تُعدّ تعظيماً إلّا إذا فرض إعمال عناية خاصة من عرف معيّن تواضع أبناؤه على أن تكون هذه من وسائل التعظيم والاحترام.

ومن الواضح أن العرف هنا ليس شأنه الكشف ، بل إنشاء وإيجاد فردية الفرد. فإذا تحقّق ذلك يكون الفرد مصداقاً حقيقيّا للعنوان حتى عند من لم يشارك في ذلك النظر الإنشائي فمثلاً لو تعارف في عرف معين أن الانحناء قليلاً أمام أحد من مظاهر التعظيم ، ولم يكن كذلك في عرف آخر ، لكن لو اطلعوا عليه لاعترفوا أيضاً ، فحينما يشاهدون شخصاً من ذاك العرف ينحني لهم ، فإنهم يعدّونه تعظيماً واحتراماً ، وإن لم يكن في عرفهم كذلك. وهذا معناه أن النتيجة المترتّبة على هذا النحو من الفردية يكون مطلقاً ، وإن كانت عملية الإيجاد والإنشاء مخصوصة بهذا العرف.

في مثل هذا النحو من الأفراد العنائية ، لا إشكال في شمول الدليل لها ، لأنها مصاديق حقيقية لذلك العنوان ، ولا تحتاج في مقام انطباق المفهوم عليها إلى أي عناية أو مئونة ، نعم إيجاد الفردية وإنشاؤه كان يحتاج إلى بذل عناية ، لكن في طول تلك العناية يصبح فرداً حقيقة ، حينئذ يشمله إطلاق اللفظ كما يشمل الأفراد الحقيقية على سواء ، حتى لو فُرض أن هذه الارتكازات العقلائية كانت مستجدة بعد عصر صدور النص.

٢٧٩

فمثلاً لو استجدّ أسلوب آخر للتعظيم لم يكن متعارفاً في عصر الصدور ، فيشمله قوله : «عظّم العالم» أيضاً ، لأنه في طول هذا النظر العرفي الجديد يكون فرداً حقيقة لذلك العنوان ، نظير إيجاد مصداق للماء بعلاج لم يكن متيسراً في زمن المعصوم ، فإنه مشمول أيضاً لإطلاق دليل المطهرية.

وليس هذا من باب تبعية الشارع للأعراف العقلائية ، لأن عنوان التعظيم وقع موضوعاً للحكم الشرعي ، وهذا الموضوع تتحقق أفراده في الخارج تدريجاً. وعلى أي حال سواء بنينا على الإطلاق اللفظي أو المقامي ، فإنه يكون شاملاً لتمام الأفراد حتى المستجدّة منها بلا حاجة إلى أي مئونة وعناية.

الثالث : أن تكون فردية الفرد للعنوان كما في النحو الثاني ، لكنها ليست مطلقة وثابتة حتى عند العرف الذي لم يكن يرى القيام تعظيماً إذا اطلع عليه. وهذا معناه أن النتيجة أيضاً تكون نسبية وضيّقة ، كما أن الإنشاء كان كذلك ، من قبيل النقص ، فإن هذا العنوان كعنوان التعظيم له أفراد حقيقية كقطع اليد مثلاً ، وله أفراد اعتبارية عنائية كالنقص المالي الذي يطرأ على الشخص بلحاظ بعض القوانين ، كمن أُممت أمواله الموجودة في البنك ، فإنه يعدّ نقصاً وضرراً فيما لو فرض أن العرف الاجتماعي كان يراه مالكاً لهذا المال ، ولا يُعدّ ضرراً فيما لو فرض أن العرف لم يكن يرى الملكية الشخصية مثلاً. إذن فكونه ضرراً أو نقصاً ليس أمراً مطلقاً ، بحيث يتساوى فيه من يراه مالكاً ومن لا يراه ، وهذا معنى أن مصداقية هذا النقص للضرر إنما تدور مدار تلك العناية ، وتكون مرتبطة بنظر خاص دون آخر.

والصحيح هنا هو شمول الإطلاق اللفظي لهذه الأفراد الاعتبارية أيضاً ،

٢٨٠