لا ضرر ولا ضررا

السيّد كمال الحيدري

لا ضرر ولا ضررا

المؤلف:

السيّد كمال الحيدري


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار فراقد
المطبعة: ستاره
الطبعة: ٤
ISBN: 964-96354-3-2
الصفحات: ٤٣٢

الثاني : الجمع بين عناية نفي الحكم بلسان نفي الموضوع بلحاظ نكتته الأولى التي هي لنفي إطلاق الحكم المصطلح عليها بالحكومة ، وبين النحو الثالث من الأنحاء الثلاثة المتقدّمة ، وهو نفي الحكم بلسان نفي وجود متعلّقه خارجاً. والجامع بين هاتين العنايتين هو أن المنظور إليه فيهما معاً نفي الوجود الخارجي للضرر ، لا الوجود التشريعي أو الاستساغي.

توضيحه : أن «لا ضرر» أعمّ من الوضوء الضرري والعقد الغبني ، لكن في باب العقد نعمل النكتة الأولى فينتج لا عقد ضرري ، بمعنى أن وجوب الوفاء لازم لا ينفكّ عن العقد ، وحيث إنه قد انفكّ هنا ، فكأنه لا عقد ، وفي باب لا وضوء ضرري نعمل عناية أن عدم الوضوء خارجاً كأنه من لوازم تحريم الوضوء شرعاً.

وهذا الوجه أيضاً لا يمكن المساعدة عليه ، لأنه وإن كان معقولاً ثبوتاً إلّا أنه لا يفي به الدليل إثباتاً ؛ ذلك لأن كلّاً من العقد الغبني والوضوء الضرري ، بما أنه استعمال كنائي ، يحتاج إلى إعمال عناية حتى يمكن استفادة المراد الجدي منه. ومجرد إجراء الإطلاق بمقدّمات الحكمة في كلمة «الضرر» لأجل تعميمه للوضوء الضرري والعقد الغبني لا يكفي لاقتناص المراد الجدي ؛ فإن الإطلاق إنما يفي بذلك ، لو كان الاستعمال حقيقيّا ولم يكن متوقّفاً على بذل عناية ، أما لو فرض أن اقتناص المراد الجدي الذي هو بطلان العقد في الأول وعدم وجوب الوضوء أو حرمته في الثاني يتوقف على بذل عناية زائدة على إطلاق المراد الاستعمالي ، وتلك العناية تحتاج إلى قرينة لا محالة ، فلا يكون الدليل وافياً للتلفيق ما بين النكتتين بحسب مقام الإثبات ، لأن الإطلاق لا يقتضي الجمع بين العنايات ، وإلّا للزم ما يشبه استعمال اللفظ في معنيين ،

٢٠١

ولكن بلحاظ مرحلة المراد الجدي لا المدلول الاستعماليّ.

هذه هي الوجوه المتصوَّرة لنظرية نفي الحكم بلسان نفي الموضوع التي ذكرها المحقّق الخراساني (قدس‌سره).

إلّا أنه لا بدّ أن يلتفت أن صاحب الكفاية بيّن هذه الدعوى مرّتين ، ومراده في كل منهما يختلف عن الآخر وإن كان أصل الفكرة محفوظاً فيهما.

ذكر في الكفاية : أن «لا ضرر» من باب نفي الحكم بلسان نفي الموضوع ، وقرّب ذلك بتشبيه «يا أشباه الرجال ولا رجال» (١). ومن الواضح أن العناية التي استعملت في هذا المثال إنما هي تطبيق ملاك الحكومة ، أي نفي إطلاق الحكم بلسان نفي موضوعه ، بنكتة التلازم بين الحكم وموضوعه ، حيث يراد أن يعبّر عن عدم الأثر بلسان عدم الموضوع ؛ وظاهر تطبيق نكتة باب الحكومة يرجع بحسب الحقيقة إلى أن عنوان الضرر إما أن يكون منفياً بالنفي البسيط ، أو النفي التركيبي ، على النحو الذي حقّقناه في مقام الاعتراض عليه.

لكن ظاهر عبارته في حاشيته على الرسائل (١) ، أنه شبه المقام بمثل «لا سرقة في الإسلام». ومن الواضح أن النكتة الملحوظة في هذا المثال إنما تنسجم مع نفي الحكم بلسان نفي الموضوع الذي يمكن فيه نفي أصل الحكم. حينئذ لو فرض أن صاحب الكفاية كان يتفق معنا في نكته هذا المثال وفي تنزيله

__________________

(١) كفاية الأصول ، ص ٣٨١.

٢٠٢

على النحو الثاني ، أي نفي الحكم بلسان نفي الموضوع بوجوده الاستساغي ، فهذا معناه أنه يريد أن يطبّق هذه النكتة في المقام. لكن هذا التنزيل غير محرز منه ، إذ لعلّه بانٍ على النحو الأوّل للنكتة النافية وهو الوجود الاعتباري للموضوع ، وهذا هو المناسب لعبارة الحاشية حيث يقول : إن هذا التركيب يستعمل لنفي الحكم الذي يناسب الموضوع المنفيّ.

وتترتّب على هذين الكلامين آثار فقهية مختلفة ، نعرض لها في تنبيهات القاعدة إن شاء الله تعالى.

الوجوه المتصوّرة لتخريج نفي الضرر غير المتدارك

الوجوه التي يمكن تخريج الاتجاه الثاني عليها هي :

الوجه الأول : يتوقّف على إعمال عنايتين :

الأولى : أن يفرض أن الضرر الذي يتدارك كأنه غير موجود ، ومصحّح هذه العناية ملاحظة النتيجة بعد الكسر والانكسار ، كما لو فرض أنّ شخصاً خسر ديناً وعوّضه آخر بمثله ، هنا يمكنه أن يقول : «لم أخسر» وإن كان قد خسر بحسب الواقع. وهذا معناه تنزيل الضرر المتدارك منزلة المعدوم بلحاظ أثره.

الثانية : أن يفرض أنّ إيجاب الشارع التدارك مساوق لوقوع التدارك خارجاً. ومصحّح هذه العناية هو أن الشارع يرى المنقاد دائماً لا العاصي. وعلى هذا الأساس يكون وجوب التدارك مساوقاً مع وقوع التدارك خارجاً ، من قبيل ما قلنا في تصحيح عناية «لا فسوق ولا جدال» لأن الشارع يرى أن تحريمه مساوق مع الانتفاء خارجاً ، وأن أمره مساوق مع وجوده خارجاً.

فإذا أعملنا كلتا هاتين العنايتين ، ينتج أن وجوب التدارك يلزم منه عدم

__________________

(١) حاشية كتاب فرائد الأصول ، شيخ الفقهاء وأستاذ المجتهدين المولى محمد كاظم الآخوند الخراساني (طيب الله ثراه) ن منشورات مكتبة بصيرتي ، ص ١٦٨.

٢٠٣

الضرر خارجاً ، والضرر المحكوم بوجوب تداركه كأنه متدارك بالفعل بمقتضى العناية الثانية ، وكل متدارك بالفعل كأنه ليس بضرر بمقتضى العناية الأولى. أذن فإيجاب الشارع التدارك كأنه يعدم الضرر بحسب الخارج ، فيصحّ أن يبيّن وجوب التدارك بلسان أنه «لا ضرر».

الوجه الثاني : هذا الوجه أيضاً يتقوّم بأمرين :

الأول : أن نحمل «لا» على النهي.

الثاني : أن نتصوّر للضرر وجوداً حدوثياً ووجوداً بقائياً استقرارياً ، والأول هو أصل وقوع الضرر ، والثاني هو المنتزع عن عدم تداركه ، فكأنه بعدم تداركه ثبت واستقرّ الضرر. فإذا حملنا «لا» على النهي ، وفرضنا أنه نهي بلحاظ الوجود الثاني البقائي ، فهذا معناه النهي عن عدم التدارك ، ولازمه وجوب التدارك. وهذا هو المسلك الأول تحت هذا الاتجاه.

أما إذا قلنا إن «لا» نافية للضرر غير المتدارك ، فيثبت وجوب التدارك إذا كان الضرر من فعْل الإنسان ، ونفي الحكم الضرري إذا كان مسبباً من حكم الشارع. وهذا هو المسلك الثاني في هذا الاتجاه.

وبهذا تمّ الكلام في المحتملات الأساسية لتخريج الاتجاهات الثلاثة المتقدّمة.

المختار في «لا ضرر»

بعد أن بيّنا الاتجاهات الفقهية لمفاد هذه الجملة التركيبية ، ووقفنا على الوجوه المحتملة التي يمكن أن تكون أساساً لتخريجها ، وما يرد عليها ، نحاول أن نمحّص ما هو التحقيق في المقام ، وذلك من خلال الظهورات التي تضمنتها

٢٠٤

هذه الجملة. فنقول : إن جملة «لا ضرر» لو خليت ونفسها تتضمّن ظهورات متعدّدة كما يلي :

الظهور الأول : أن «لا» مستعملة في النفي لا في النهي ، وذلك لأن «لا» الداخلة على الجملة الاسمية ظاهرة بحسب طبعها اللغوي في ذلك. وعلى أساس هذا الظهور تسقط بعض الاحتمالات كالوجه الأول في تخريج الاتجاه الثالث.

الظهور الثاني : أن «لا» قد انصبّ على الضرر لا على كلمة مقدّرة ، وذلك بمقتضى أصالة عدم التقدير ، وبهذا ينفى بعض الوجوه التي ذكرت لتخريج الاتجاه الأوّل.

الظهور الثالث : أن يكون «الضرر» مستعملاً في معناه الموضوع ، لأن استعماله في غير ما وضع له مجاز ، وبذلك تنتفي بعض الاحتمالات لتخريج الاتجاه الأول كقولهم : إن «الضرر» استعمل في الحكم.

الظهور الرابع : أن النفي حقيقي صريح ، لا كنائي أو عنائي ، لأن الكناية في نفسها تتوقف دائماً على إعمال عناية ، وحينئذ كل وجه كان قائماً على أساس كون الجملة كنائية يكون باطلاً ، لأن كل كناية تستبطن عناية لا محالة ، وهذا معناه أن كل العنايات التي عرفناها سابقاً مقتضى الأصل فيها أنها تحتاج إلى قرينة ، ومن الواضح أن مقتضى الأصل في النفي أن يكون بلا عناية ، أي يكون نفياً صريحاً ، وعلى هذا تبطل جميع الوجوه التي كانت تتضمّن الكناية.

الظهور الخامس : أن المنفي هو الوجود الحقيقي للضرر ، لا الوجود العنائي كالاستساغي أو التشريعي ونحوهما ، لأن ذلك هو مقتضى «لا»

٢٠٥

الداخلة على اسم الجنس.

الظهور السادس : أن يكون مصبّ النفي نفس عنوان الضرر المأخوذ بنحو الموضوعية لا بنحو المعرّفية لعنوان آخر.

الظهور السابع : أن يكون المنفي هو الضرر على إطلاقه ، كما هو مقتضى إطلاق المادة.

هذه الظهورات السبع جميعها موجودة في هذه الجملة لو خلّيت ونفسها ، لكن الأخذ والتحفظ عليها جميعاً غير معقول ، لأن لازمه أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان في مقام نفي الضرر بوجوده الخارجي على إطلاقه وبتمام أقسامه ، ومن الواضح أن صدور مثل ذلك منه (صلى‌الله‌عليه‌وآله) معلوم البطلان بحسب الواقع الخارجي. من هنا يشكّل هذا العلم قرينة على وجود خلل في أحد تلك الظهورات.

قد يقال : إنه يتعيّن تطبيق ذلك على الظهور الأخير من هذه الظهورات ، وهو الإطلاق. وذلك بتقييده والتحفّظ على سائر الظهورات الأخرى.

ولكن قد يجاب عن ذلك : إن هذا الدليل الخارجي الدال على عدم إمكان التحفظ على تمام الظهورات ، نسبته إلى جميعها على حدّ واحد ، ومعه لا موجب لتعيين تطبيق هذه القرينة على خصوص بعض هذه الظهورات دون بعض. فيكون المقام من قبيل ما لو فرض أنه ورد دليلان أحدهما «أكرم كل عالم» والآخر (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) وعلمنا من الخارج إما أن البيع ليس مطلقاً فلا يكون شاملاً لبيع الصبيّ مثلاً ، وإما أن العالم ليس مطلقاً فلا يشمل النحوي مثلاً ، في مثل ذلك نسبة هذا الدليل على بطلان أحد الإطلاقين إلى كل منهما على حدّ سواء. ولا ينفع في المقام أن يقال : إن بعض هذه الظهورات أقوى

٢٠٦

من بعض ، فإذا دار الأمر بين إسقاط الأقوى وإسقاط الأضعف ، فإنه نبني على إسقاط الثاني مع التحفظ على الأول ؛ لأنه في المثال المتقدّم بالرغم من أن الإطلاق في (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) أضعف من الإطلاق في «أكرم كل عالم» لأن هذا بمقدّمات الحكمة وذاك بالعموم الوضعي ، مع هذا لا يقول أحد في أننا إذا علمنا من الخارج بأن أحدهما مقيّد ، نبني على أنه هو (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) دون «أكرم كل عالم» وذلك لأن التقييد يحتاج إلى قرينة عرفية لإثبات ذلك.

هنا نتساءل : ما هي القرينة العرفية على التقييد؟ إن كانت هي نفس الدليل الخارجي ، فالمفروض نسبته إلى الدليلين على حدّ سواء ، فلا يبطل أحدهما بعينه دون الآخر ؛ وإن كانت «أكرم كل عالم» بلحاظ مدلوله الالتزامي ، حيث إنه بعد العلم بأن أحد الإطلاقين ساقط يدل على أن إطلاق (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) مرفوع ، فتنهدم مقدّمات الحكمة ، فهذا أيضاً غير صحيح ؛ لأن هذا المدلول الالتزامي ل «أكرم كل عالم» عقليّ يستكشف من الخارج ، وليس عرفياً ، فلا يمكن للمولى أن يعتمد عليه في مقام تقييد البيع ؛ لأن «أكرم كل عالم» بمدلوله اللفظي ليس له مدلول التزامي ، وإنما نشأ هذا المدلول الالتزامي له من العلم بملازمة خارجية اتفاقية.

إذن ف «أكرم كل عالم» لا يمكن أن يكون قرينة متصلة على تقييد(أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) وعليه فيكون الإطلاق منعقداً في نفسه ، أي إنّ مقدّمات الحكمة جارية بلا مانع ، والمفروض أن عموم «أكرم كل عالم» ثابت أيضاً ببركة الوضع ، فيحصل التعارض بينهما لا محالة. وما نحن فيه يشبه هذا المثال ، حيث توجد ظهورات سبعة ويعلم من الخارج ببطلان أحدها ، ونسبته إلى الجميع على حدّ واحد ، إذن فلا يمكن أن يقال إننا نرفع اليد عن الأضعف

٢٠٧

ونتحفظ على الأقوى.

إلّا أن الصحيح أن محل الكلام ليس من قبيل المثال المتقدّم ، بل مقتضى الصناعة والفهم العرفيّ رفع اليد عن الإطلاق الذي هو الظهور السابع ، مع التحفّظ على سائر الظهورات الأخرى ؛ وذلك لنكتتين :

النكتة الأولى : أن هذه القرينة التي دلّت على وجود خلل في بعض هذه الظهورات ، ليست نسبتها إلى الظهور السابع والظهورات الأخرى على حدّ سواء ، بل لها نسبة مخصوصة إلى الإطلاق الذي هو الظهور الأخير بنحو يكون معارضاً له مباشرة.

توضيح ذلك : أن هذه القرينة الخارجية التي هي علمنا بأن الضرر الناشئ من الأسباب التكوينية غير منفيٍّ بحسب الخارج ، لا تتعارض في الواقع إلّا مع الظهور الإطلاقي لمادة الضرر ، وليست متعارضة مع أحد هذه الظهورات على سبيل الإجمال ؛ وذلك لأن هذه الظهورات ليست أدلّة متعدّدة متغايرة في دلالاتها ومداليها ، وإن كنّا نحلّل «لا ضرر» إلى ظهورات عديدة ، إلّا أن حالها ليس حال (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) و «أكرم كل عالم» أي أنها أدلّة متعدّدة ، ولكل دليل مدلول مستقلّ يرجع إليه العرف ويقارنه مع المداليل الأخرى. بل هذه الظهورات بحسب الحقيقة دلالات ضمنية مترابطة يتألّف من مجموعها عرفاً دالٌّ واحد على مدلول واحد. وهذا الدالّ الواحد ينحلّ بالتحليل إلى هذه الظهورات التي تساهم بمجموعها في تكوين تلك الدلالة الواحدة. وهذا المدلول الواحد عبارة عن نفي النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) الضرر بوجوده الخارجي على إطلاقه ، وهو المعنى الذي يتحصّل من هذه الجملة. غاية الأمر أن هذا المعنى الواحد له أجزاء تحليلية لكن مترابطة. ومن الواضح أن هذا

٢٠٨

التحليل ليس عملية عرفية بل صناعية محضة.

على هذا الأساس لا بدّ أن نقارن بين الدليل الخارجي الدال على وجود الضرر الناشئ من الأسباب الكونية وبين هذا المدلول الواحد الذي حصلنا عليه من مجموع تلك الظهورات بوصفها دالّاً واحداً بحسب النظر العرفي والتي تدل على نفي الضرر مطلقاً. ومن الواضح وجود تنافٍ وتكاذب بينهما. وهنا بعد أن ينتزع العرف ذلك المعنى الواحد المتحصّل من مجموع تلك الظهورات ، يرى أن منشأ التعارض والتنافي إنما هو حيثية الإطلاق في تلك الجملة فقط ، فيرفع اليد عنه دون غيره ؛ والنكتة فيه أن العرف لا يتعامل مع هذه الظهورات معاملة الأدلة المتعدّدة ، وإنما يتعامل معها على أنها مدلول واحد. والشاهد على هذا من بناء العرف والفقهاء أنه لو جاء «أكرم كل عالم» فإن مقتضى هذا العموم إكرام كل عالم حتى زيد ، فلو علمنا من الخارج بأن زيداً بالخصوص لا يجب إكرامه وطبّقنا عملية التحليل في تقريب الإشكال ، لأمكن أن نقول بأن «أكرم كل عالم» فيه ظهوران ، ظهور «أكرم» في الوجوب ، وظهور «العالم» في الإطلاق حتى لزيد. والدليل الخارجي الدالّ على عدم وجوب إكرام زيد ، نسبته إلى الظهورين على حدّ سواء ، لأنه يكذّب أحدهما لا بعينه ، ولا أقربيّة لأحدهما على الآخر. ومن ثم إما أن نرفع اليد عن ظهور الإطلاق أو نرفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب ونحمله على الاستحباب ، لكن مع هذا نجد أن العرف لا يتوقف في أن يقول بالتخصيص في المقام ، لا التصرّف في ظهور هيئة الأمر في الوجوب وحمله على الاستحباب. وليست النكتة فيه سوى أن العرف لا يحسب في مقابل «لا يجب إكرام زيد» وجود دليلين مستقلّين ، أحدهما يدلّ على الوجوب والآخر

٢٠٩

يدل على الإطلاق ، وكلّ منهما يلحظ بعنوانه الخاص ، بل يرى أن قوله : «أكرم كل عالم» هو دالّ واحد له مدلول واحد هو عبارة عن وجوب إكرام العالم على إطلاقه ، وإن كان بالتحليل ينحلّ إلى ظهورات متعدّدة ، فيكون عدم وجوب إكرام زيد معارضاً مع إطلاق المادّة ، لا مع الهيئة. وتفصيله في بحث التعادل والتراجيح.

النكتة الثانية : أن نفرض أننا نتعامل مع هذه الظهورات معاملة الأدلة المتعدّدة ، من قبيل (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) و «أكرم كل عالم» ومعه قد يكون الدليل الدالّ على بطلان أحدها على سبيل الإجمال ، منفصلاً وقد يكون متصلاً ، فان فُرض أنه منفصل كما هو في المثال المتقدّم ، فالإشكال يكون وارداً. لكن المفروض في محلّ الكلام أن الدليل على بطلان أحد هذه الظهورات على سبيل الإجمال ليس منفصلاً ، بل متّصل لأنه قرينة حالية لبيّة ، كالمخصص المتّصل ، ملحوظة للمتكلّم ، باعتبار أن ظاهر حال المتكلّم أنه ليس في مقام الإخبار عن الأمور التكوينية ، بل هو كلام صادر عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بما هو مشرّع ومقنِّن ، وهذا الظهور الحالي ينفي أن يكون في مقام بيان الإضرار التكوينية التي لا ربط لها بالشريعة أصلاً ، من قبيل أن ينفي وقوع الزلزلة أو نزول البلاء من السماء ؛ مضافاً إلى بداهة وجود الإضرار في الخارج بأسبابها التكوينية .. كل هذا يصرف فهم السامع عن أن يتبادر إلى ذهنه الإطلاق من كلام المتكلّم والشمول لمثل هذه الإضرار. فهذه الحالة تشكِّل قرينة متصلة على عدم كون المتكلّم في مقام نفي الضرر الخارجي على إطلاقه.

لكن لما كانت هذه القرينة متصلة ، تكون نسبتها إلى جميع هذه

٢١٠

الظهورات على حدّ سواء ، فيقع التعارض فيما بينها ويتعيّن الإطلاق في مقام السقوط.

والوجه فيه : أن الإطلاق موقوف على جريان مقدّمات الحكمة التي منها عدم بيان ما يصلح للتقييد ، بخلاف الظهورات الأخرى فإنها وضعية. ومن الواضح أن الظهور الوضعي لا يتوقّف على ذلك ، فإذا دار الأمر بينهما ، لا محالة يتقدّم الظهور الوضعي على الإطلاق ، لأنه يصلح أن يهدم مقدّمات الحكمة وأن يكون بياناً للتقييد ، دون العكس.

لا يقال : إن كل واحد منهما يمكنه أن يهدم الآخر ، لأنه لا يوجد عندنا ظهور لا ينهدم بالقرينة المتصلة حتى الظهور الوضعي ، والمفروض في المقام أن القرينة متصلة لا منفصلة ، إذن لو بنينا على قرينية هذا على ذاك ، يصير من باب احتفافه بالقرينة المتصلة فيهدم ظهوره ، كذلك العكس.

فإنه يقال : يوجد في المقام ظهوران ، اقتضائي وفعلي ، وتوضيحه : الظهور الاقتضائي عبارة عمّا يقتضيه طبع الكلام في نفسه أو طبع المقام في نفسه ، والظهور الفعلي عبارة عن الكشف الفعليّ لمراد المتكلّم. فمثلاً : في قولنا «رأيت أسداً يرمي» لم تخرج كلمة «أسد» عن طبعها الاقتضائي وهو الحيوان المفترس. لكن أُريد هنا خلاف طبعه وهو الرجل الشجاع. نعم الظهور الفعلي لم يتكوّن ، لأن القرينة لا تسمح بتكوّنه ، بمعنى الكشف الفعلي عن مراد المتكلِّم. وعلى هذا نستطيع القول إن الظهور الفعلي معلول للظهور الاقتضائي ، غاية الأمر أنه لا يترتّب عليه إلّا إذا انضمّ إلى الظهور الاقتضائيّ عدم المانع الذي هو القرينة على الخلاف.

إذا اتضحت هذه المقدّمة نقول : إن المقتضي للظهور الإطلاقي هو

٢١١

مقدّمات الحكمة ، إذ بقطع النظر عن ذلك لا مقتضي للإطلاق أصلاً ، فبيان القيد يهدم اقتضاء الظهور لا أنه يهدم الظهور الفعلي فقط. أما إذا عارض الظهور الإطلاقي ظهوراً وضعياً ، فإنه لا يهدم الاقتضائي فيه ، بل يكون محفوظاً ، لأننا قلنا إن القرينة المتصلة على الخلاف لا ترفع أصل المقتضي في الظهور الوضعي ، وإنما تمنع تأثير المقتضي في مقتضاه. وبتعبير آخر : إن القرينة اللبيَّة المتصلة تمنع من انعقاد أصل الظهور الاقتضائي في الإطلاق ، بخلاف الظهورات الوضعيّة ، فإن القرينة لا تمنع عن الظهور الاقتضائي فيها ، وإنما تمنع من أن يؤثر الظهور الاقتضائي في تكوّن الظهور الفعلي.

فتحصّل أنه حينما يقع التعارض بين هذه الظهورات السبعة ، يتعيَّن خصوص الإطلاق للسقوط ، ويُتحفظ على الباقي. وعلى هذا فمفاد «لا ضرر» هو أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) نفى الضرر بوجوده الخارجي حقيقة ، لكن لا على إطلاقه ، بل بالقدر الذي لا ينافي تلك القرينة المتصلة.

وبهذا تمّ الكلام في الفصل الرابع.

٢١٢

الفصل الخامس

استعراض المشاكل المثارة

في فقه الحديث

٢١٣
٢١٤

بعد أن استحصل المحقّقون من هذا الحديث المدلول الذي يناسب نفي الحكم الضرري بأي تركيب كان ، اصطدم هذا الفهم بعدّة إشكالات داخلية وخارجية ، وهي كالآتي :

المشكلة الأولى : كثرة التخصيص

الأحكام الضررية في الإسلام كثيرة في أبواب الفقه المختلفة ، كالديات والقصاص والجهاد والحج والضرائب المالية كالخمس والزكاة والضمان ونحوها. ومع وجود هذه الكثرة من الأحكام الضررية التي قد تشكّل نصف الفقه ، كيف يمكن دعوى أن الشريعة لا حكم ضرريّاً فيها. ومن الواضح أن هذه التخصيصات تبلغ إلى درجة توجب استهجان إلقاء مثل هذه القاعدة. إذن فلا بدّ أن يُراد منها معنىً آخر غير نفي الحكم الضرري.

من هنا قد يتراءى من بعض الكلمات أن الحديث مجمل لا يمكن العمل به ، وقد يقال : إن إجماله يوجب الاقتصار على خصوص التطبيقات التي مارسها الفقهاء السابقون ، بدعوى تقول : لعلّهم اطّلعوا على ذلك المعنى المعين ، ونحن لم نقف عليه ، فنقتصر على خصوص دائرة تطبيقهم. وأجاب بعضهم : حيث إنّ «لا ضرر» حاكمة على أدلّة الأحكام الأولية لا معارضة معها ، فهي إذن ناظرة إلى تلك الأحكام التي ليست بطبعها ضررية ، وإنما قد يتفق أن يكون إطلاقها ضرريّاً فيرتفع بالقاعدة. أما الحكم الذي يكون بطبعه ضرريّاً كهذه الأحكام التي ذكرت فلا تشملها القاعدة.

٢١٥

المشكلة الثانية : تطبيق لا ضرر في مسألة الشفعة

تقدّم أن بعض الروايات طبقت هذه القاعدة على مسألة حقّ الشفعة. يقول الميرزا (قدس‌سره) لو قطعنا النظر عن تطبيق النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) القاعدة في الشفعة ، لقلنا إنه لا مجال لهذا التطبيق ، وذلك لأنه ليس هناك ضرر على الشريك لو باع شريكه حصّته للغير ، لأن الضرر تارة ينشأ من حاق المعاملة كما في العقد الغبني ، فهنا يمكن أن يقال : إن الحكم بصحّة مثل هذا العقد ولزومه فيه ضرر ، وأخرى يفرض أن الضرر قد يتحقّق وقد لا يتحقّق ، كما لو فرض أن المشتري كان رجلاً خبيثاً قد يضر بالشريك الأوّل ، فهنا يكون هذا البيع مقدّمة إعدادية للضرر. فلو قيل : إن القاعدة تشمل مثل هذه المقدّمات الإعدادية ، للزم تأسيس فقه جديد في مقام التشريع منطوقاً ومفهوماً.

أما منطوقاً فلأنه يلزم من ذلك أن لا نلتزم بالشفعة في المورد الذي لا يكون ضرر في البيع على غير الشريك ، كما لو فرض أنه باعه لصديق شريكه ؛ مع أنه لا إشكال في ثبوت هذا الحق ، وأنه لا يدور مدار وجود الضرر وعدمه.

كما لا يمكن الالتزام به مفهوماً ، لأن مفهوم التعليل لازمه التعدّي من هذا المورد إلى غيره من الموارد ، إذ في كل معاملة تكون هناك مقدّمة إعدادية لترتّب الضرر ، ينبغي أن يقال إنها غير صحيحة ، أو إنه مجبور بالخيار.

وقد أجيب عن هذه المشكلة في كلمات الأعلام بوجوه ؛ هي :

أن هذا الذيل كان مفصولاً عن كلام رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وإنما هو من الجمع في الرواية لا الجمع في المروي.

أن «لا ضرر» يُحمل على الحكمة لا العلّة ، والحكمة لا يلزم أن تدور

٢١٦

دار موردها وجوداً وعدماً ، من قبيل حكمة العدّة.

أنّ «لا ضرر» تفريع على حكم الشفعة لا علّة له ، باعتبار أن حقّ الشفعة مجعول للشريك ، فلا يترتّب ضرر على بيع الشريك خارجاً ، لإمكان فسخه من قِبل الشريك الأوّل.

المشكلة الثالثة : تطبيق «لا ضرر» على مسألة منع فضل الماء

تقدّم في بعض طرق هذه القاعدة أنه قضى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلاء ، وقال : لا ضرر ولا ضرار. هنا يقال أيضاً : إنه لا مجال لتطبيق القاعدة على هذه المسألة ، إذ هل في منْع الإنسان ماله عن شخص آخر ، ضرر على الثاني ، أو هو مجرّد عدم وصول النفع إليه؟ من الواضح أن منع فضل الماء عن الآخرين ليس ضرراً. بل هو عدم المنفعة فقط ، إلّا أن يقال : إن مجرّد عدم النفع ضرر. ولا يمكن الالتزام به.

والقول بأن تطبيق القاعدة في المقام من قبيل بيان الحكمة للحكم بحرمة منع فضل الماء لا العلّة ، غير تام ؛ لأن الحكمة قد تترتّب وقد لا تترتّب ، وفي المقام لا يترتّب الضرر وإنما تفوت المنفعة كما أشرنا. من هنا قال بعضٌ إن الجمع بين «منع فضل الماء» و «لا ضرر» إنما هو في الرواية لا المروي.

المشكلة الرابعة : تطبيق القاعدة على قضية سمرة بن جندب

تقدّم في بعض الروايات التي تعرّضت لهذه القاعدة أن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قال للأنصاري : اذهب فاقلعها وارم بها إليه ، فإنه لا ضرر ولا ضرار ؛ حيث نجد أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) قد طبّق هذه القاعدة لإثبات جواز قلع النخلة الراجعة لسمرة. هنا قد يتساءل : هل هذه القاعدة تقتضي

٢١٧

جواز قلع النخلة وزوال مالكية سمرة لها ، أو يقتضي رفع الحكم الضرري الذي هو عبارة عن دخوله بلا استئذان؟

من هنا صرف بعضٌ هذا التعليل عن التطبيق على جواز قلع النخلة ، وجعله تعليلاً لعدم جواز الدخول بلا استئذان. أما وجوب قلع النخلة فهو حكم ولائي قام به النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) بوصفه ولي الأمر قلعاً لمادة الفساد.

المختار في رفع المشكلات المثارة في المقام

التحقيق في الجواب عن هذه المشكلات التي أُثيرت ، يقتضي بيان أمور ثلاثة. وقبل بيانها لا بد من الإشارة إلى مطلب حاصله : تحديد أن «لا ضرر» هل هي قاعدة في نفسها قاعدة في نفسها يصح استنباط الأحكام الشرعية منها من قبيل الاستصحاب وأصالة الطهارة ونحوهما ، أم هي تعبير إجمالي وإشارة إلى قواعد أخرى ثابتة في المرتبة السابقة ، من قبيل ما يقال في رواية مسعدة بن صدقة حيث جاء فيها : «كلّ شيء هو لك حلال حتى تعلم أنه حرام بعينه فتدعه من قِبل نفسك ، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة ، والمملوك عندك لعلّه حر قد باع نفسه ، أو خدع فبيع قهراً ، أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك ، والأشياء كلّها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البيّنة» (١) حيث قال جملة من الفقهاء بأن هذه الأمثلة ليست محكومة بقاعدة واحدة ، فإن في بعضها تجري قاعدة اليد ، وفي بعضها

__________________

(١) وسائل الشيعة ، كتاب التجارة ، أبواب ما يكتسب به ، الباب ٤ ، الحديث ٤.

٢١٨

استصحاب عدم الرضاع. وفي بعضها أصالة البراءة ونحو ذلك.

إذن هنا اتجاهان في فهم هذه القاعدة في المقام ، والصحيح هو الاتجاه الوسط الذي على أساسه سوف تحلّ هذه المشكلات التي استعرضناها.

إذا اتضح ذلك نقول : هاهنا أمران :

الأمر الأوّل : للمفهوم ثلاثة أنواع من المصاديق

إن كل مفهوم أُخذ في خطاب ، فهو لا محالة يكون شاملاً لمصاديقه الحقيقية دون التوهمية والاعتبارية.

توضيحه : أن لكل مفهوم ثلاثة أنواع من المصاديق :

النوع الأوّل : المصداق الواقعي الحقيقي الذي لا يحتاج في مصداقيته للمفهوم إلى أي عناية أو بذل ، كالثناء على الشخص أو السجود له بالنسبة إلى مفهوم التعظيم.

النوع الثاني : أن يكون المصداق أيضاً حقيقيّا واقعيّاً لمفهوم ، ولكنه في طول بذل وعناية تكون واسطة في الثبوت ، وذلك من قبيل القيام لشخص أو وضع اليد على الصدر أو الرأس ، فإن هذه الأفعال من حيث هي بقطع النظر عن أي تعارف اجتماعي أو عناية خارجية لا تعدّ تعظيماً ، لكن بعد فرض عناية من قبل عرف معيّن يتواضع أبناؤه على أن تكون هذه وسيلة للتعظيم ، يكون مصداقاً حقيقيّا لذلك. ولكن العرف هنا ليس شأنه الكشف ، بل إيجاد المصداقية ؛ ولذا يكون هذا الفرد مصداقاً حقيقيّا لمفهوم التعظيم ، لكن بهذا النظر لا بنظر آخر.

النوع الثالث : أن يكون الفرد مصداقاً لمفهوم لا على الإطلاق كما في

٢١٩

الأول ، ولا بلحاظ دون آخر كما في الثاني ، بل توهم كونه مصداقاً من باب الاشتباه والخطأ. كما لو اعتقد جماعة بعالمية زيد ، وانكشف لآخرين أنه ليس كذلك ، فإنهم لا يقبلون عالميته حتى مضافاً إلى الجماعة التي تعتقد ذلك ، وهذا بخلافه في النوع الثاني ، فإن العرف الذي لم يكن القيام عنده مثلاً من مصاديق التعظيم ، يعتقد أن هذا الفرد مصداق له في العرف الآخر الذي يعدّه تعظيماً.

إذا اتضح ذلك نأتي إلى محل الكلام فنقول : إذا ورد لفظ مطلق في لسان دليل ، فإنه يشمل النوع الأول من المصاديق الحقيقية بلا عناية ، ويشمل كذلك النوع الثاني الذي يكون في طول عناية العرف ، وذلك لأن مقتضى الإطلاق المقامي إمضاء ذلك النظر العرفي ، وإمضاؤه يؤدّي إلى الاعتراف بأن هذا مصداق لذلك المفهوم حقيقة ، ولا يشمل النوع الثالث والثاني إذا كان المصداق مبنيّاً على النظر الإنشائي غير المركوز في الذهن العرفي ، فإنه لا يوجد إطلاق مقامي يقتضي إمضاؤه حتى يوسع دائرة المفهوم على أساسه.

على هذا الأساس ، فإن مفهوم الضرر الذي ورد موضوعاً في قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) «لا ضرر» يشمل النوع الأوّل من المصاديق الحقيقية كقطع اليد مثلاً ، ولا يحتاج في صيرورته مصداقاً إلى بذل عناية في الرتبة السابقة. كما أنه يشمل النوع الثاني من المصاديق الحقيقية ، وذلك كالنقص الذي يطرأ على الشخص بلحاظ القانون والتشريع ، كمن أمّم أمواله الموجودة في البنك ، فإنه يعدّ نقصاً وضرراً فيما لو فرض أن قانون المجتمع كان يرى أن ذلك المال له ، ولا يعدّ ضرراً فيما لو فرض أن المجتمع لم يشرّع في قانونه ملكية الشخص للمال. إذن فكونه ضرراً أو نقصاً إنما يدور مدار إعمال تلك العناية ، لأن الملكية أمر اعتباري لا حقيقي. ولا يفرق بين أن يكون النقص بلحاظ

٢٢٠