التسهيل لعلوم التنزيل - ج ١

محمّد بن أحمد بن جزي الغرناطي

التسهيل لعلوم التنزيل - ج ١

المؤلف:

محمّد بن أحمد بن جزي الغرناطي


المحقق: الدكتور عبد الله الخالدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٧
الجزء ١ الجزء ٢

الموضع : سكن ، ومنه ، مقيم : أي دائم قيوم اسم الله تعالى وزنه فيعول وهو بناء مبالغة من القيام على الأمور : معناه مدبر الخلائق في الدنيا وفي الآخرة ومنه : قائم على كل نفس : له معنيان : مصدر قام على اختلاف معانيه ، وبمعنى قوام الأمر وملاكه ، وقيم بغير ألف : جمع قيمة قرض سلف والفعل منه أقرض يقرض أقسط بألف قسطا : عدلا في الحكم ، ومنه يحب المقسطين ، وقسط بغير ألف : جار ، ومنه : وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا مقاليد فيه قولان : خزائن ، مفاتح قدّس يقدس من التنزيه والطهارة ، وقيل من التعظيم ، والقدوس : اسم الله تعالى فعول من النزاهة عما لا يليق به قال يقول من القول ، وقد يكون بمعنى الظن ومصدره قول ، وقال يقيل : من القائلة ، ومنه ؛ أو هم قائلون ، وأحسن مقيلا قفّى أتبع ، وأصله من القفا ، يقال : أقفوته ، إذا حبيت (١) في أثره وقفّيته بالتشديد إذا سقت شيئا في أثره ، ومنه : وقفينا من بعده بالرسل قرن جماعة من الناس ، وجمعه : قرون قواعد البيت : أساسه ، واحدها قاعدة ، والقواعد من النساء : واحدة قاعد ، وهي العجوز قربان ما يتقرّب به إلى الله تعالى من الذبائح وغيرها ، وقربان أيضا : من القرابة قلى يقلي : أبغض ، ومنه : وما قلى ، ولعملكم من القالين اقترف اكتسب حسنة أو سيئة قصص له معنيان : من الحديث ، ومن قص الأثر ، ومنه : على آثارهما قصصا ، وقصيّه قررت (٢) به عينا ، قرر بالكسر في الماضي والفتح في المضارع قسطاس ميزان قتر وقترة : غبار ، وعبارة عن تغير الوجه ، وقتور من التقتير قارعة داهية وأمر عظيم قبس شعلة نار قنط يئس من الخير قرطاس صحيفة وجمعه قراطيس.

حرف الكاف

كافر له معنيان : من الكفر وهو الجحود ، وبمعنى الزرع ، ومنه : أعجب الكفار نباته أي الزراع ، وتكفير الذنوب غفرانها كرّة رجعة كبر بكسر الباء في السن يكبر بالفتح في المضارع ، وكبر الأمر بالضم في المضارع والماضي ، وكبر بضم الكاف وفتح الباء : جمع كبرى ، وكبّار بالضم والتشديد : كبير مبالغة ، والكبر : التكبر ، وكبر الشيء بكسر الكاف وضمها : معظمه ، والكبرياء : الملك والعظمة ، والمتكبر : اسم الله تعالى من الكبرياء وبمعنى العظمة كفل يكفل : أي ضم الصبيّ وحضنه ، وأكفلنيها : اجعلني كافلها كفيل نصيب (٣) كلالة هي أن يموت الرجل ولا ولد له ولا والد كاد قارب الأمر ولم يفعله ، فإذا نفي اقتضى الإثبات كريم من الكرم وهو الحسب والجلالة والفضل ، وكريم : اسم الله تعالى ، أي محسن أكنة أغطية وأكنان جمع : كنّ ، وهو ما وقى من الحر والبرد كهل هو الذي انتهى شبابه أكمام الثمار والنخيل جمع كم ، وهو ما تكون الثمرة فيه قبل خروجها أكب الرجل على وجهه فهو مكب ، وكبّه غيره بغير

__________________

(١). كذا في الأصل ولعلها خطأ والصواب : جئت.

(٢). قرّ : لم أجدها في القاموس إلّا مشدّدة ، والله أعلم.

(٣). وقد فسرها المؤلف في سورة النحل : ٩١ بمعنى : رقيب.

٤١

ألف كهف غار كيد هو من المخلوق احتيال ، ومن الله مشيئة أمر ينزل بالعبد من حيث لا يشعر كسفا بفتح السين جمع كسفة ، وهي القطعة من الشيء ، وبالسكون كذلك أو مفرد كبتوا أي أهلكوا : أي يكبتهم ، ثم يهلكهم ، أو يخذلهم أكمه هو الذي ولد أعمى كان على نوعين : تامّة بمعنى حضر أو حدث أو وقع ، وهي ترفع الفاعل. وناقصة ترفع الاسم وتنصب الخبر ، وتقتضي ثبوت الخبر للمخبر عنه في زمانها ، وقد تأتي بمعنى الدوام في مثل قوله : وكان الله غفورا رحيما ، وكان ربك قديرا ، وشبه ذلك ، وهو كثير في القرآن ، ومعناه : لم يزل ولا يزال موصوفا بذلك الوصف كأنّ معناها التشبيه كي معناها التعليل كم معناها التكثير ، وهي خبرية واستفهامية كأيّن بمعنى كم ، وهي عند سيبويه كاف التشبيه دخلت على أي كلا حرف ردع وزجر ، وقيل : إنها تكون للنفي : أي ليس الأمر كما ظننت ، وقيل : إنها استفتاح كلام بمعنى : إلّا الكاف بمعنى التشبيه وبمعنى التعليل ، وقيل إنها تكون زائدة.

حرف اللام

لبس الأمر أي خلطه بفتح الباء في الماضي ، وكسرها في المستقبل ألباب عقول ، وهو جمع لب ، لبث في المكان أقام فيه لمز يلمز أي عاب الشيء لؤلؤ جوهر (١) لغو الكلام الباطل منه ، والفحش ، ولغو اليمين : ما لا يلزم لها بفتح الهاء من اللهو ، ومضارعه يلهو ، ولهى عن الشيء بالكسر والياء يلهى بالفتح. إذا أعرض عنه وألهاه الشيء. إذا أشغله ، ومنه لا تلهكم أموالكم لطيف اسم الله تعالى ، قيل : معناه رفيق ، وقيل خبير بخفيات الأمور لدى ولدن معناها عند ليت معناها التمني لعل معناها الترجي في المحبوبات ، والتوقع للمكروهات ، وأشكل ذلك في حق الله تعالى ، فقيل جاءت في القرآن على منهاج كلام العرب وبالنظر إلى المخاطب : أي ذلك مما يرتجى عندكم أي يتوقع ، وقد يكون معناها التعليل ، أو مقاربة الأمر فلا إشكال لولا لها معنيان : التمني ، وامتناع شيء لامتناع غيره لما لها معنيان : النفي وهي الجازمة ، ووجود شيء لوجود غيره ، وأما «لما» بالتخفيف ، فهي لام التأكيد دخلت على ما ، وقال الكوفيون : هي بمعنى إلّا الموجبة بعد النفي لا ثلاثة أنواع : نافية وناهية ، وزائدة اللام خمسة أنواع ؛ لام الجر ، ولام كي ، ولام الأمر ، ولام التأكيد في القسم وغيره وهي المفتوحة ، ثم إن لام الجر لها ثلاثة معان. الملك ، والاستحقاق ، والتعليل. وقد تأتي للتعدّي إذا ضعف العامل ، وقد تأتي بمعنى عند ، نحو : أقم الصلاة لدلوك الشمس ، ولام كي معناها : التشبيه والتعليل ، وقد تأتي بمعنى الصيرورة والعاقبة ، نحو : فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوّا. وقد تأتي بمعنى أن المصدرية ، ومنه : يريد الله ليبين لكم.

حرف الميم

مرض الجسد معروف ، ومرض القلب الشك في الإيمان ، والبغض في الدين المنّ شبه العسل ، والسلوى طائر ، والمنّ أيضا :

__________________

(١). هو نوع من المجوهرات وتستخرج من المحار في قعر البحر.

٤٢

الإنعام ، والمنّ أيضا : العطية ، والمنّ أيضا : القطع ، ومنه : أجر غير ممنون أماني جمع أمنية ولها ثلاثة معان : ما تتمناه النفس ، والتلاوة ، والكذب ، وكذلك تمنى ، له هذه المعاني الثلاثة ملأ القوم : أشرفهم ، وذوو الرأي منهم مثل بفتح الميم والمثلثة ، لها أربعة معان : الشبيه والنظير ومن المثل المضروب ، وأصله من التشبيه ، ومثل الشيء حاله وصفته ، والمثل الكلام الذي يتمثل به ، ومثل الشيء بكسر الميم : شبهه مرية شك ، ومنه : الممترين أي الشاكين ، لا تمار. من المراء وهو : الجدال أملي لهم : أمهلهم وزادهم مهاد فراش مدّ يمدّ : أي أملى ، وقد تكون بمعنى زاد مثل أمدّ بألف من المداد مضغة قطعة لحم إملاق فقر مرد فهو مارد : من العتو والضلال مكانة بمعنى مكان أي من التمكين والعز ، ومنه مكين مواخر فواعل من المخر يقال مخرت السفينة إذا جرت تشق الماء مجيد من المجد وهو الكرم والشرف مقت هو الذم أو البغض على ما فعل من القبيح معين ماء كثير جار ، وهو من قولك ؛ معن الماء : إذا كثر ، وقيل : هو مشتق من العين ، ووزنه مفعول ، فالميم زائدة مارج مختلط ، والمارج : لهب النار ، من قولك مرج الشيء إذا اضطرب ، وقيل : من الاختلاط أي خلط نوعين من النار مرج البحرين ، أي خلى بينهما ، وقيل : خلطهما ، وقيل : فاض أحدهما في الآخر مهل فيه قولان : درديّ الزيت ، وما أذيب من النحاس منون له معنيان : الموت ، والدهر مسّ له معنيان : اللمس باليد وغيره ، والجنون من لها أربعة أنواع : شرطية ، وموصولة ، واستفهامية ، ونكرة موصوفة ما إذا كانت اسما فلها ستة أنواع : شرطية ، وموصولة ، واستفهامية ، وموصوفة ، وصفة ، وتعجبية ، وإذا كانت حرفا فلها خمسة أنواع : نافية ومصدرية وزائدة وكافيّة ومبهمة من لها ستة أنواع : لابتداء الغاية ، ولجملة الغاية ، وللتبعيض ، ولبيان الجنس والتعليل ، وزائدة مهما اسم شرط.

حرف النون

نظر له معنيان : من النظر ، ومن الانتظار ، فإذا كان من الانتظار تعدّى بغير حرف ، ومن نظر العين يتعدّى بإلى ومن نظر القلب يتعدّى بفي أنظر بالألف أخّر ، ومنه أنظرني ، ومن المنظرين ونظرة إلى ميسرة نضرة بالضاد من التنعم ، ومنه : وجوه يومئذ ناضرة ؛ أي ناعمة ، وأمّا : إلى ربها ناظرة ، فمن النظر نعمة بفتح النون من النعيم وبكسرها من الإنعام أنعام هي : الإبل ، والبقر ، والغنم. دون سائر البهائم ويجوز تذكيرها وتأنيثها. ويقال لها أيضا نعم ، ونعم كلمة مدح ، ويجوز فيها كسر النون وفتحها ، وإسكان العين وكسرها نعم بفتح العين والنون كلمة تصديق وموافقة على ما قبلها بالنفي أو الإثبات ، بخلاف بلى : فإنها للإثبات خاصة ، ويجوز في نعم فتح العين وكسرها ندّ هو المضاهي والمماثل والمعانت (١) ، وجمعه أنداد أنذر أعلم بالمكروه قبل وقوعه ، ومنه. نذير ، ومنذر ، والمنذرين ، وكيف كان نذير : أي إنذاري فهو مصدر ، ومنه عذابي ونذر ، والنذر بغير ألف ومنه نذر ، ثم من نذر : فليوفوا نذورهم نكال له

__________________

(١). كذا ولعل الصواب : معاند.

٤٣

معنيان : العقوبة. والعبرة نجّي بتشديد الجيم له معنيان : من النجاة ومن النجوة : وهو الموضع المرتفع ومنه : ننجيك ببدنك على قول نجوى معناه : كلام خفي ، ومنه : ناجي وقرّبناه نجيا ، وقيل : إنه يكون بمعنى الجماعة من الناس في قوله : وإذ هم نجوى ، وقد يجمع ذلك على حذف مضاف تقديره وإذ هم أصحاب نجوى نسيان له معنيان : الذهول ، ومنه : إن نسينا أو أخطأنا ، والترك ، ومنه : نسوا الله فنسيهم نسخ له معنيان : الكتابة ، ومنه : نستنسخ ما كنتم تعملون ، والإزالة ، ومنه : ما ننسخ من آية أو ننسها نصر بالصاد المهملة معروف ، وبالسين اسم صنم : ويعوق ونسرا ، أو اسم طائر أيضا نشوز بالزاي : له معنيان : شرّ بين الرجل والمرأة ، وارتفاع ، ومنه : انشزوا أي : قوموا من المكان نزل بضمتين : رزق ، وهو ما يطعم الضيف نأى بعد ومنه : ينأون عنه نكص رجع إلى وراء نفر نفورا عن الشيء ونفر ينفر بضم المضارع ، ومنه : نفرت الدابة ، ونفر ينفر بكسر المضارع نفيرا : أتى ، أسرع ، وجد ، ومنه : انفروا في سبيل الله نبأ خبر ، ومنه اشتق النبيء بالهمز ، وترك الهمز تخفيفا ، وقيل : إنه عند من ترك مشتق من النبوة ، وهي الارتفاع نطفة أي نقطة من ماء ، ومنه : خلقكم من نطفة يعني : من المني أناب إلى الشيء : رجع ومال إليه ، ومنه : منيب نفذ ينفذ أي : تم وانقطع نهر بفتح الهاء الوادي ويجوز الإسكان. وأمّا السائل فلا تنهر : فهو من الانتهار ، وهو الزجر منير من النور ، وهو الضوء حسا أو معنى نصب بضمتين وبضم النون وإسكان الصاد ، وبفتح النون وإسكان الصاد بمعنى واحد ، وهو حجر أو صنم كان المشركون يذبحون عنده وجمعه أنصاب نصب بفتحتين تعب ، ومسّني الشيطان بنصب : أي بلاء وشر نقم الشيء ينقمه أي كرهه وعابه نضيد أي منصوب بعضه إلى بعض نكير إنكار ، ويقال نكر الشيء وأنكره نسل بمعنى أسرع ومنه : ينسلون ، من النسلان وهو الإسراع في المشي مع قرب الخطا.

حرف الهاء

الهدى له معنيان : الإرشاد والبيان ، ومن البيان : فأما ثمود فهديناهم ، والإرشاد قد يكون إلى الطريق ، إلى الدين ، وبمعنى التوفيق والإلهام هدي بفتح الهاء وإسكان الدال : ما يهدى إلى الكعبة من البهائم هاد يهود : أي تاب ، ومنه : هدنا إليك ، والذين هادوا : أي تهوّدوا أي صاروا يهودا وأصله من قولهم : هدنا إليك هود له معنيان : اسم نبي عاد عليه‌السلام وبمعنى اليهود ، ومنه ؛ كونوا هودا هوى النفس : مقصور وهو ما تحبه وتميل إليه ، والفعل منه : بكسر الواو في الماضي وفتحها في المضارع والهواء بالمدّ والهمز : ما بين السماء والأرض ، وأفئدتهم هواء : أي متحرّقة لا تعي شيئا وهوى يهوي بالفتح في الماضي والكسر في المضارع : وقع من علو ، ويقال أيضا : بمعنى الميل ، ومنه : أفئدة من الناس تهوي إليهم هاجر خرج من بلاده ، ومنه سمي المهاجرون هجر من الهجران ، ومنه الهجر أيضا ، وهو فحش الكلام ، وقد يقال في هذا أهجر بالألف أهلّ لغير الله به أي صيّح ، والإهلال : الصياح ، وفي النية أي أريد به

٤٤

غير الله مهيمن عليه شاهد ، وقيل : مؤتمن ، والمهيمن. اسم الله القائم على خلقه بأعمالهم وآجالهم وأرزاقهم ، وقيل ؛ الشهيد ، وقيل : الرقيب هوان ، هون أي ذل مهين بضم الميم أي مفعل مشتق من الهوان : أي مذل ، وأما مهين ، بفتح الميم فمعناه : ضعيف أو ذليل.

حرف الواو

وقود النار بفتح الواو : ما توقد به من الحطب وشبهه ، والوقود بالضم المصدر وجه له معنيان : الجارحة ، والجهة ، وأما وجه الله : ففي قوله : ابتغاء وجه الله أي طلب رضاه ، وفي قوله : كل شيء هالك إلّا وجهه ، ويبقى وجه ربك : قيل : الوجه الذات ، وقيل : صفة كاليدين ، وهو من المتشابه وعد يعد وعدا بالخير ، وقد يقال : في الشر وأوعد بالألف يوعد وعيدا بالشر لا غير ودّ يودّ له معنيان : من المودة والمحبة ، وبمعنى تمنى : ودّوا لو تكفرون ، والودّ بالضم : المحبة ، وودّ : اسم صنم بضم الواو وفتحها ودود اسم الله تعالى أي محب لأوليائه ، وقيل محبوب ويل كلمة شر ، وقيل : إن الويل واد في جهنم وجب له معنيان : من وجوب الحق ، وبمعنى سقط ، كقولهم : وجب الحائط إذا سقط ، ومنه وجبت جنوبها وسط وأوسط له معنيان : من التوسط بين الشيئين ، وبمعنى الخيار والأحسن وسع يسع سعة : من الاتساع ضد الضيق ، والسعة الغنى ، والواسع اسم الله تعالى : أي واسع العلم والقدرة والغنى والرحمة واسع جواد موسع غنّي أي : واسع الحال وهو ضدّ المقتر : وإنا لموسعون قيل : أغنياء ، وقيل قادرون ، وإلّا وسعها : طاقتها ولى له معنيان : أدبر ، وجعل واليا ، وتولى له ثلاث معان : أدبر ، وأعرض بالبدن أو بالقلب ، وصار واليا ، واتخذ وليا ، ومنه : ومن يتولى الله ورسوله وليّ ناصر ، والولي اسم الله ، قيل : ناصر ، وقيل : متولي أمر الخلائق مولى له سبعة معان : السيد والأعظم ، والناصر ، والوالي أي القريب ، والمالك والمعتق ، وبمعنى أولى ، ومنه : النار مولاكم ولج يلج أي دخل ، ومنه : ما يلج في الأرض ، وأولج : أدخل ، ومنه : يولج الليل في النهار وهن يهن : ضعف ، ومنه : وهن العظم ، والوهن ؛ الضعف ورد الماء يرده : إذا جاء إليه وأورده غيره ، وأرسلوا واردهم ، الذي يتقدّمهم إلى الماء فيسقي لهم أوزعني أي ألهمني ووفقني يوزعون يدفعون وليد صبي والجمع : ولدان وجل يوجل وجلا : خاف. ومنه : لا توجل أوجس وجد في نفسه وأضمر وارى يواري : أي يستر ومنه : يواري سوأة أخيه ، وما ووري عنهما ، وتواروا أي استتروا واستخفوا وطئ يطأ. له ثلاث معان : جماع المرأة. ومن الوطء بالأقدام. ومنه : أرضا لم تطؤها. والإهلاك. ومنه : لم تعلموهم أن تطؤهم وقر بفتح الواو وهو الصمم والثقل في الأذن. والوقر بكسر الواو : الحمل. ومنه : فالحاملات وقرا ودق هو المطر واصب أي دائم وكيل كفيل بالأمر. وقيل : كاف وزر بفتحتين أي : ملجأ وزير أي معين. وأصله من الوزر بمعنى : الثقل. لأنّ الوزير يحمل عن الملك أثقاله وسوس الشيطان إلى الإنسان : ألقى في نفسه. والوسواس :

٤٥

الشيطان أوحى يوحي وحيا ، له ثلاث معان : كلام الملك من الله للأنبياء. ومنه قيل للقرآن : وحي. وبمعنى الإلهام ، ومنه : أوحى ربك إلى النحل ، وبمعنى الإشارة. ومنه : فأوحى إليهم أن سبحوا : أي أشار وعى العلم يعي : حفظه. ومنه : أذن واعية ، وأوعى بالألف : يوعي جمع المال في وعاء. ومنه : جمع فأوعى.

حرف الياء

يمين له أربعة معان : اليد اليمين. وبمعنى القوّة. وبمعنى الحلف (١). وأيمن أي إلى الجهة اليمين يسير له معنيان قليل ، ومنه : كيل يسير ، وهين ، ومنه : ذلك على الله يسير ، واليسر : ضدّ العسر يئس أي انقطع رجاؤه ، ومنه : لا تيئسوا من روح الله ، وإنه ليؤوس وأما : أفلم ييئس الذين آمنوا : فمعناه ألم يعلم يم هو البحر ميسر هو القمار في النرد والشطرنج وغير ذلك. وهو مأخوذ من يسر لي كذا إذا وجب. واليسر بفتح الياء والسين : الرجل الذي يشتغل بالميسر. وجمعه أيسار. وميسر العرب أنهم كانوا لهم عشرة قداح ، وهم الأزلام لكل واحد منها نصيب معلوم ، من ناقة ينحرونها. وبعضها لا نصيب له. ويجزئونها عشرة أجزاء ثم يدخلون الأزلام في خريطة ويضعونها على يد عدل. ثم يدخل يده فيها فيخرج باسم رجل قدحا. فمن خرج له قدح له نصيب : أخذ ذلك النصيب. ومن خرج له قدح لا نصيب له : غرم ثمن الناقة كلها ينبوع أي عين من ماء والجمع ينابيع.

__________________

(١). والمعنى الرابع هو البركة. ومنه اليمن كما في القاموس للفيروزآبادي.

٤٦

الكلام على الاستعاذة

في عشرة فوائد من فنون مختلفة

الأولى : لفظ التعوّذ على خمسة أوجه : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وهو المروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمختار عند القراء. وأعوذ بالله العظيم من الشيطان الرجيم ، وأعوذ بالله القويّ من الشيطان الغويّ. أعوذ بالله المجيد من الشيطان المريد. وهي محدثة : وأعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم. وهو مرويّ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الثانية : يؤمر القارئ بالاستعاذة قبل القراءة سواء ابتدأ بأول سورة أو جزء سورة على الندب الثالثة : يجهر بالاستعاذة عند الجمهور وهو المختار. وروي الإخفاء عن حمزة ونافع الرابعة لا يتعوّذ في الصلاة عند مالك. ويتعوّذ في أوّل ركعة عند الشافعي وأبي حنيفة. وفي كل ركعة عند قوم. فحجة مالك عمل أهل المدينة وحجة قول غيره : قول الله تعالى : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ) [النحل : ٩٨] وذلك يعم الصلاة وغيرها الخامسة : إنما جاء أعوذ بالمضارع دون الماضي ؛ لأنّ معنى الاستعاذة لا يتعلق إلّا بالمستقبل لأنها كالدعاء وإنما جاء بهمزة المتكلم وحده مشاكلة للأمر به في قوله : «فاستعذ» السادسة : الشيطان : يحتمل أن يراد به الجنس فتكون الاستعاذة من جميع الشياطين ، أو العهد فتكون الاستعاذة من إبليس. وهو من شطن إذا بعد ؛ فالنون أصلية والياء زائدة. وزنه فيعال. وقيل من شاط إذا هاج ؛ فالنون زائدة. والياء أصلية ووزنه فعلان. وإن سميت به لم ينصرف على الثاني لزيادة الألف والنون ، وانصرف على الأوّل السابعة : الرجيم فعيل بمعنى مفعول ، ويحتمل معنيين : أن يكون بمعنى لعين وطريد. وهذا يناسب إبليس لقوله (وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ) [الملك : ٥] والأوّل أظهر الثامنة : من استعاذ بالله صادقا أعاذه ؛ فعليك بالصدق ؛ ألا ترى امرأة عمران لما أعاذت مريم وذرّيتها عصمها الله. ففي الحديث الصحيح أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «ما من مولود إلّا نخسه الشيطان فيستهل صارخا إلّا ابن مريم وأمه (١)» التاسعة : الشيطان عدوّ. وحذر الله منه إذ لا مطمع في زوال علة عداوته. وهو يجري من ابن آدم مجرى الدم. فيأمره أوّلا بالكفر ويشككه في الإيمان ؛ فإن قدر عليه ؛ وإلّا أمره بالمعاصي. فإن أطاعه وإلّا ثبطه عن الطاعة. فإن سلم من ذلك أفسدها عليه بالرياء والعجب العاشرة القواطع عن الله أربعة : الشيطان ، والنفس ، والدنيا ، والخلق. فعلاج الشيطان : الاستعاذة والمخالفة له ، وعلاج النفس : بالقهر ، وعلاج الدنيا : بالزهد ، وعلاج الخلق : بالانقباض والعزلة.

__________________

(١). رواه أحمد عن أبي هريرة بلفظ قريب منه.

٤٧

الكلام على البسملة

فيه عشر فوائد. الأولى : ليست البسملة عند مالك آية من الفاتحة ولا من غيرها ، إلّا في النمل خاصة ، وهي عند الشافعي آية من الفاتحة ، وعند ابن عباس آية من أوّل كل سورة ، فحجة مالك ما ورد في الحديث الصحيح : أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «أنزلت عليّ سورة ليس في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها ، ثم قال : الحمد لله رب العالمين» فبدأ بها دون البسملة ، وما ورد في الحديث الصحيح : «إنّ الله يقول : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين : يقول العبد الحمد لله رب العالمين (١)» فبدأ بها دون البسملة : وحجة الشافعي ما ورد في الحديث أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقرأ. بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وحجة ابن عباس ثبوت البسملة مع كل سورة في المصحف الثانية : إذا ابتدأت أوّل سورة بسملت ؛ إلّا براءة. وسنذكر علة سقوطها من براءة في موضعه ، وإذا ابتدأت جزء سورة فأنت مخير بين البسملة وتركها عند أبي عمرو الداني ، وتترك البسملة عند غيره ، وإذا أتممت سورة وابتدأت أخرى ، فاختلف القرّاء في البسملة وتركها الثالثة : لا يبسمل في الصلاة عند مالك ، ويبسمل عند الشافعي جهرا في الجهر ، وسرّا في السرّ ، وعند أبي حنيفة سرّا في الجهر والسرّ فحجة مالك من وجهين : أحدهما أنه ليست عنده آية في الفاتحة حسبما ذكرنا «والآخر ما ورد في الحديث الصحيح عن أنس أنه قال : «صلّيت عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين ، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أوّل الفاتحة ولا في آخرها» (٢) ، وحجة الشافعي من وجهين : أحدهما أنّ البسملة عنده آية من الفاتحة ، والأخرى ما ورد في الحديث من قراءتها حسبما ذكرنا الرابعة : كانوا يكتبون : «باسمك اللهم» حتى نزلت «بسم الله مجراها» (٣) فكتبوا : «بسم الله» ، حتى نزلت : (أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) فكتبوا : «بسم الله الرحمن» ، حتى نزل : «إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم» فكتبوها ، وحذفت الألف في بسم الله لكثرة الاستعمال الخامسة : الباء من بسم الله : متعلقة باسم محذوف عند البصريين والتقدير : ابتداء كائن بسم الله ؛ فموضعها رفع ، وعند الكوفيين تتعلق بفعل تقديره أبدأ أو أتلو فموضعها نصب وينبغي أن يقدّر متأخرا لوجهين : أحدهما : إفادة الحصر والاختصاص ، والأخرى : تقديم اسم الله اعتناء كما قدم في بسم الله مجراها السادسة : الاسم مشتق من السموّ عند البصريين ؛ فلامه واو «محذوفة» ، وعند الكوفيين : مشتق من السمة وهي العلامة ، ففاؤه محذوفة ، ودليل البصريين التصغير والتكبير ؛ لأنهما يردّان الكلمات إلى أصولها ، وقول الكوفيين أظهر في المعنى ، لأنّ الاسم علامة على المسمى السابعة : قولك «الله» اسم مرتجل جامد «والألف واللام فيه لازمة لا للتعريف ، وقيل : إنه مشتق من التأله وهو التعبد ، وقيل : من الولهان : وهي الحيرة لتحير

__________________

(١). رواه مسلم عن أبي هريرة.

(٢). رواه أحمد ج ٣ ص ٢٦٤.

(٣). مجراها : تقرأ بالإمالة نحو الياء.

٤٨

العقول في شأنه ، وقيل : أصله إله من غير ألف ولام ، ثم حذفت الهمزة من أوّله على غير قياس ، ثم أدخلت الألف واللام عليه ، وقيل : أصله الإله بالألف واللام ثم حذفت الهمزة ، ونقلت حركتها إلى اللام كما نقلت إلى الأرض وشبهه ، فاجتمع لامان ، فأدغمت إحداهما في الأخرى ، وفخم للتعظيم ؛ إلّا إذا كان قبله كسرة الثامنة : الرحمن الرحيم صفتان من الرحم ومعناهما الإحسان فهي صفة فعل وقيل : إرادة الإحسان ، فهي صفة ذات التاسعة : الرحمن الرحيم على ما روي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ الرحمن في الدنيا والرحيم في الآخرة ، وقيل : الرحمن عام في رحمة المؤمنين والكافرين لقوله : وكان بالمؤمنين رحيما فالرحمن أعمّ وأبلغ ، وقيل : الرحمن أبلغ لوقوعه بعده ، على طريقة الارتقاء إلى الأعلى العاشرة إنما قدّم الرحمن لوجهين : اختصاصه بالله ، وجريانه مجرى الأسماء التي ليست بصفات. انتهى والله أعلم.

٤٩

تمهيد في القراءات وتأريخها

رغبة مني في إعطاء القارئ لمحة موجزة عن القراءات وشيوخ القراء لم أر أفضل من نقل ما كتبه أستاذنا الجليل المرحوم الشيخ سعيد الأفغاني الدمشقي في مقدمته الرائعة الجامعة لكتاب «حجة القراءات» للإمام أبي زرعة عبد الرحمن بن محمد بن زنجلة المتوفي في أوائل القرن الخامس الهجري وفيها أفاض بقلمه وبيانه كل ما يهمّ العالم والمثقف حول موضوع القراءات والقراء ، لذلك اقتبست منها موجزا مفيدا ورأيت إضافته لهذا السفر الجليل من تفسير الإمام بن جزي ليكون جامعا لأقصى ما يمكن من الفائدة والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل (١).

«تضافرت جهود أهل العلم والفكر وأولي العبقريات النادرة في هذه الأمة العظيمة ، على خدمة اللغة العربية من أنحاء شتى متقاربة حينا ومتباعدة حينا ، من حيث كانت لغة القرآن الكريم مصدر التشريع والتنظيم الكافلين خير الناس قاطبة. ونمت من هذه الجهود المباركة ـ فيما نمى ـ علوم اللغة العربية : من نحو وصرف ولغة وبلاغة وفقه لغة ...

وفن الاحتجاج للقراءات الذي نقدم اليوم إحدى ثمراته ، هو أحد الفنون التي اشتغل العلماء بها خدمة للقرآن العظيم ، ولا بد من عرض تاريخي موجز للقراءات ثم للاحتجاج لها يكون تمهيدا وتزويدا للقارئ قبل الكلام على الكتاب ومؤلفه.

لم يكن كتبة الوحي الذين كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يملي عليهم كلما أوحي إليه شيء ، من قبيلة واحدة ، بل كانوا من قبائل عدة فيهم القرشي وغيره. وكان الناس ـ على اختلاف قبائلهم ولهجاتهم ـ في سعة من أمرهم في قراءة القرآن : كلّ يقرؤه بلحن قومه ، حتى إذا آنس أحدهم اختلافا في قراءة سمعها من إنسان عما أقرأه الرسول ، هرع إليه شاكيا ، فسمع الرسول من كلّ قراءته فأقره عليها قائلا : (هكذا أنزلت) (٢).

وكان التغيير لا يعدو تنوع أداء أحيانا من حيث الإمالة أو الترقيق لبعض الحروف أو التفخيم ، أو ضبط المضارع الرباعي مثل (ننزل) أو (ننزّل) تخفيفا أو تشديدا ، أو تغاير لفظين والمعنى واحد ... إلى آخر ما أحصوا من أحوال أطلقوا عليها (خلافا) وما هي

__________________

(١). كتاب «حجة القراءات» المذكور مطبوع في مؤسسة الرسالة بيروت ١٣٩٩ ه‍ ١٨٧٩ م.

(٢). انظر مثلا الجامع الصحيح للبخاري تر كيف لبّب عمر بن الخطاب هشام بن حكيم لما سمعه يقرأ سورة الفرقان على حروف لم يقرئها الرسول لعمر ، فقاده إلى الرسول فلما سمع من هشام قال : (كذلك أنزلت) ، ولما سمعها من عمر قال : (كذلك أنزلت ، إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرؤوا ما تيسر منه) ـ ٦ / ٢٢٧ الطبعة الشعبية.

٥٠

بخلاف ، إذ لم تكن تؤدي إلى نقض معنى أو تغيير حكم. وكلها مسندة إسنادا صحيحا إلى رسول الله تعدّد السامعوها منه ، وعرفوا من أمر هذه الرخصة ما لم يكونوا على علم به (١). واندرجت هذه الوجوه الكثيرة في القراءة في تعبير «الأحرف السبعة» الواردة في الحديث ، أريد بها التعدد والكثرة لا تحديد العدد سبعة.

كثرت الوجوه المتواترة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في القراءة ، وتفرق الصحابة في الأمصار ، كلّ يقرئ أهل مصره بما سمع على لهجته ، وتعارف الناس هذه الوجوه واللهجات ، ولم ينكر أحد على أخيه قراءته .. حتى إذا امتد الزمان قليلا وكثر الآخذون عن الصحابة ، وقع بين أتباعهم شيء من خلاف أو تنافس أو إنكار ، فخشي الأجلاء من الصحابة مغبته مع الزمن ، فحملوا الخليفة الثالث عثمان بن عفان على معالجة الأمر ففعل ، وكان من رأيه المبارك كتابة مصاحف يجتمع عليها قراء الصحابة وكتبة الوحي ، وهؤلاء وأولئك كثيرون متوافرون .. حتى إذا وقع خلاف كتبوه على لغة قريش ، وكذلك كان.

مدخل في أعلام القراءات الأربعة عشر ورواتهم

جرى اصطلاح المؤلفين في فن القراءات على إطلاق كلمة (قراءة) على ما ينسب إلى إمام من أئمة القراء مما اجتمعت عليه الروايات والطرق عنه ، وكلمة (رواية) على ما ينسب إلى الآخذ عن هذا الإمام ولو بوساطة ، وكلمة (طريق) على ما ينسب للآخذ عن الراوي ولو سفل (٢).

ولكل إمام صاحب قراءة رواة كثيرون رووا عنه ، ولكل راو طرق متعددة. وأنا مثبت لك تراجم موجزة لأعلام القراءة بادئا بالقراء السبعة فبقية العشرة فبقية الأربعة عشر ، ذاكرا لكل إمام منهم راويين من رواته ، معرفا بهم جميعا بما لا يخرج عن ألفاظ شيخ هذا الفن ومحرره الإمام شمس الدين بن الجزري في كتابيه المشهورين : (النشر في القراءات العشر) و (غاية النهاية في طبقات القراء) (٣) مع ذكر وفياتهم بما لا يكون فيه إطالة ، ليكون القارئ على إلمام بشيء عن هؤلاء الأعلام.

القرّاء السّبعة

١ ـ نافع المدني : بن عبد الرحمن بن أبي نعيم ، أبو رويم الليثي بالولاء (٧٠ ـ ١٦٩

__________________

(١). كان من كلام عبد الله بن مسعود لما خرج من الكوفة لجماعة أصحابه المودّعين : ( .. ولقد رأيتنا نتنازع فيه عند رسول الله فيأمرنا نقرأ عليه فيخبرنا أن كلنا محسن ؛ ولو أعلم أحدا أعلم بما أنزل الله على رسوله مني لطلبته حتى ازداد علمه إلى علمي ، ولقد قرأت من لسان رسول الله سبعين سورة ، وقد كنت علمت أنه يعرض عليه القرآن في كل رمضان ، حتى كان عام قبض ، فعرض عليه مرتين ، فكان إذا فرغ أقرأ عليه فيخبرني أني محسن ؛ «فمن قرأ على قراءتي فلا يدعنّها رغبة عنها ، ومن قرأ على شيء من هذه الحروف فلا يدعنّه رغبة عنه ، فإن من جحد بآية جحد به كله».

(٢). انظر (إتحاف فضلاء البشر ص ٨٨) و (غيث النفع بذيل شرح بن القاصح على الشاطبية ص ١٤).

(٣). مع إضافة يسيرة من (بغية الوعاة) للسيوطي حينا ، و (الأعلام) للزركلي أحيانا.

٥١

ه) أحد الأعلام ، ثقة صالح ، أصله من أصبهان ، وكان أسود اللون حالكا صبيح الوجه ، حسن الخلق ، فيه دعابة.

أخذ القراءة عرضا عن جماعة من تابعي أهل المدينة عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، وأبي جعفر القارئ ، وعبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، والزهري وغيرهم. وبلغ شيوخه السبعين.

روى القراءة عنه عرضا وسماعا جماعة منهم الإمام مالك بن أنس صاحب المذهب ، وقالون من أهل المدينة ، والأصمعي وأبو عمرو بن العلاء من أهل البصرة ، وورش والليث بن سعد من أهل مصر ، وأبو مسهر الدمشقي وخويلد بن معدان من أهل الشام ، وكردم المغربي ، والغاز بن قيس الأندلسي ... وغيرهم خلق كثير من مختلف الأمصار.

أقرأ الناس سبعين سنة ونيفا وانتهت إليه رئاسة القراءة بالمدينة وتمسك أهلها بقراءته ، وكان الإمام مالك يقول : (قراءة أهل المدينة سنة) ، قيل له : (قراءة نافع)؟ قال : (نعم). وكانت أحب القراءات إلى الإمام أحمد بن حنبل. كان نافع عالما بوجوه القراءات ، متبعا لآثار الأئمة الماضين ببلده ، زاهدا ، جوادا ، صلّى في مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ستين سنة.

قالون : أبو موسى ، بن مينا الزرقي مولى بني زهرة (١٢٠ ـ ٢٢٠ ه‍).

قارئ المدينة ونحويها ، يقال إنه ربيب نافع ، وقد اختص به كثيرا وهو الذي لقبه قالون (بمعنى جيد في الرومية) لجودة قراءته. كان جد جده من سبي الروم. سئل : (كم قرأت على نافع)؟ فأجاب : (ما لا أحصيه كثرة) حتى قال له نافع : (إلى كم تقرأ عليّ؟ اجلس إلى اسطوانة حتى أرسل إليك من يقرأ). قرأ عليه جماعة ، وكان أصمّ يقرئ القرآن وينظر إلى شفتي القارئ ويرد عليه اللحن والخطأ.

ورش : عثمان بن سعيد القبطي المصري مولى قريش (١١٠ ـ ١٩٧ ه‍) شيخ القراء المحققين ، وإمام أهل الأداء المرتلين ، انتهت إليه رئاسة الإقراء بالديار المصرية. رحل إلى نافع فعرض عليه القرآن عدة ختمات في سنة ١٥٥. وله اختيار خالف فيه نافعا ، وكان ثقة حجة ، جيد القراءة ، حسن الصوت ، إذا قرأ يهمز ويمد ويشدّد ويبين الأعراب ، لا يمله سامعه.

كان قصيرا أشقر أزرق أبيض اللون ، يلبس ثيابا قصارا فشبهه نافع ب (الورشان) الطائر المعروف ، ثم خفّف فقيل : ورش.

٢ ـ ابن كثير المكي : عبد الله ، أبو معبد العطار الداري الفارسي الأصل ، إمام أهل مكة في القراءة (٤٥ ـ ١٢٠ ه‍).

روى عن عدد من الصحابة لقيهم : عبد الله بن الزبير وأبي أيوب الأنصاري ، وأنس بن مالك وغيرهم. وأخذ القراءة عرضا على درباس مولى بن عباس ومجاهد بن جبر وعبد الله بن السائب وغيرهم.

وروى القراءة عنه جماعة منهم حماد بن زيد وحماد بن سلمة والخليل بن أحمد

٥٢

وعيسى بن عمر الثقفي وأبو عمرو بن العلاء وسفيان بن عيينة وغيرهم.

كان فصيحا بليغا مفوّها طويلا جسيما عليه السكينة والوقار. قال أبو عمرو بن العلاء : (ختمت على ابن كثير بعد ما ختمت على مجاهد ، وكان ابن كثير أعلم بالعربية من مجاهد). ولم يزل ابن كثير هو الإمام المجتمع عليه في القراءة بمكة حتى مات.

البزي : أحمد بن محمد بن عبد الله ، أبو الحسن البزي مقرئ مكة ومؤذن المسجد الحرام (١٧٠ ـ ٢٥٠ ه‍) فارسي الأصل ، أستاذ محقق ضابط متقن. قرأ على أبيه وعلى عبد الله بن زياد وعكرمة بن سليمان ووهب بن واضح. وقرأ عليه جماعة وروى عنه القراءة قنبل.

قنبل : محمد بن عبد الرحمن المخزومي بالولاء ، أبو عمر المكي الملقب بقنبل (١٩٥ ـ ٢٩١ ه‍).

شيخ القراء بالحجاز ، أخذ القراءة عرضا عن أحمد بن محمد النبّال وخلفه بالقيام بها بمكة ، وروى القراءة عن البزي. روى القراءة عنه جماعة كثيرة منهم أبو ربيعة محمد بن إسحاق وابن مجاهد وابن شنبوذ وغيرهم.

انتهت إليه رئاسة الإقراء بالحجاز ، ورحل الناس إليه من الأقطار ، وكان على الشرطة بمكة لأنه كان لا يليها إلا رجل من أهل الفضل والخير والصلاح ليكون على صواب فيما يأتيه من الحدود والأحكام ؛ فحمدت سيرته. ولما طعن في السن قطع الإقراء ، ومات بعد ذلك بسبع سنوات عن ٩٦ سنة.

٣ ـ أبو عمرو بن العلاء : زبان بن العلاء التميمي المازني البصري (٦٨ ـ ١٥٤ ه‍).

إمام العربية والإقراء مع الصدق والثقة والزهد ، ليس في السبعة أكثر شيوخا منه.

توجه مع أبيه لما هرب من الحجاج ، فقرأ بمكة والمدينة ، وقرأ أيضا بالكوفة والبصرة على جماعة كثيرة. سمع أنس بن مالك وغيره ، وقرأ على الحسن البصري وأبي العالية وسعيد بن جبير وعاصم بن أبي النجود وعبد الله بن أبي إسحاق الحضرمي وابن كثير المكي وعكرمة مولى ابن عباس وابن محيصن ونصر بن عاصم ويزيد بن القعقاع المدني ويحيى بن يعمر.

روى القراءة عنه عرضا جماعة كثيرة منهم مشهورون جدا مثل أبي زيد الأنصاري والأصمعي وعيسى بن عمر ويحيى اليزيدي وسيبويه. كانت دفاتره ملء بيت إلى السقف.

مر الحسن البصري بأبي عمرو وحلقته متوافرة والناس عكوف فقال : (لا إله إلا الله ، كادت العلماء أن يكونوا أربابا ، كل عز لم يؤكد بعلم فإلى ذل يؤول). وراجت قراءته بين العلماء ثم بين العامة. وقد شهد بن الجزري أن (القراءة التي عليها الناس اليوم) المائة التاسعة للهجرة بالشام والحجاز واليمن ومصر هي قراءة أبي عمرو ، فلا تكاد تجد أحدا

٥٣

يلقن القرآن إلّا على حرفه خاصة في الفرش. وقد صحت فراسة شعبة حين قال : (انظر ما يقرأ أبو عمرو مما يختار لنفسه فإنه سيصير للناس إسنادا). وكان يونس بن حبيب يقول : (لو قسم علم أبي عمرو وزهده على مائة إنسان لكانوا كلهم علماء زهادا ؛ والله لو رآه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لسرّه ما هو عليه).

حفص الدوري : هو ابن عمر بن العزيز ، أبو عمر الأزدي البغدادي النحوي الضرير (٢٤٦ ه‍). إمام القراءة وشيخ الناس في زمانه ، ثقة ثبت كبير ضابط. أول من جمع القراءات ، وقرأ بالسبعة وبالشواذ وسمع من ذلك شيئا كثيرا.

قرأ على الكسائي ، وأخذ قراءة نافع عن إسماعيل بن جعفر ، وقراءة يزيد بن القعقاع عن بن جمّاز. وقراءة حمزة عن محمد بن سعدان ، ولأبي بكر عن عاصم ، وعن يحيى اليزيدي قراءة أبي عمرو .. وغيرهم.

وأخذ عنه القراءة جمع كبير ، قال أبو داود : رأيت أحمد بن حنبل يكتب عن أبي عمر الدوري.

السوسي : صالح بن زياد ، أبو شعيب السوسي الرقي (٢٦١ ه‍) مقرئ ضابط محرر ثقة. أخذ القراءة عرضا وسماعا عن أبي محمد اليزيدي (قراءة أبي عمرو) ، وقرأ على حفص قراءة عاصم. وأخذ عنه القراءة جماعة. مات وقد قارب السبعين.

٤ ـ ابن عامر الدمشقي : عبد الله أبو عمران اليحصبي (٨ ـ ١١٨ ه‍).

إمام أهل الشام في القراءة ، وإليه انتهت مشيخة الإقراء فيها. أخذ القراءة عرضا عن الصحابي الجليل أبي الدرداء مقرئ أهل الشام ، وعلى المغيرة بن أبي شهاب عن عثمان بن عفان ، وعلى قراءته أهل الشام والجزيرة تلاوة وصلاة وتلقينا إلى قريب الخمسمائة. تولى قضاء دمشق بعد أبي إدريس الخولاني وإمامة الجامع بدمشق وكان ناظرا على عمارته حتى فرغ ، لا يرى فيه بدعة إلا غيّرها ، وائتمّ به الخليفة عمر بن عبد العزيز.

كان إماما عالما ثقة فيما أتاه ، متقنا لما وعاه ، عارفا فهما قيما فيما جاء به ، صادقا فيما نقله ، من أفاضل المسلمين وخيار التابعين وأجلة الراوين.

روى القراءة عنه جماعة منهم يحيى بن الحارث الذماري وهو الذي خلفه في القيام بالقراءة ، وأخوه عبد الرحمن بن عامر وخلاد بن يزيد وغيرهم.

هشام بن عمار : أبو الوليد السلمي الدمشقي (١٥٣ ـ ٢٤٥ ه‍). إمام أهل دمشق وخطيبهم ومحدثهم ومقرئهم ومفتيهم. أخذ القراءة عرضا عن أيوب بن تميم وعراك بن خالد وسويد بن عبد العزيز وغيرهم.

وروى القراءة عنه أبو عبيد القاسم بن سلّام قبل وفاته بنحو أربعين سنة ، وأحمد بن يزيد الحلواني وخلق كثير. لما توفي أيوب بن تميم رجعت القراءة في الشام إلى ابن ذكوان

٥٤

وهشام. وكان هشام مشهورا بالعقل والفصاحة والعلم والرواية والدراية. رزق كبر السن وصحة العقل والرأي فارتحل الناس إليه في القراءات والحديث.

ابن ذكوان : أبو عمرو عبد الله بن أحمد الفهري الدمشقي (١٧٣ ـ ٢٤٢ ه‍).

الإمام الأستاذ المشهور الراوي الثقة ، شيخ الإقراء بالشام وإمام جامع دمشق. أخذ القراءة عن أيوب بن تميم وخلفه في القيام بها بدمشق. وقرأ على الكسائي لما قدم الشام ، وروى الحروف سماعا عن إسحاق بن المسيبي عن نافع. وروى عنه جماعة.

ألف كتاب (أقسام القرآن وجوابها) و (ما يجب على قارئ القرآن عند حركة لسانه). قال أبو زرعة الدمشقي وهو من تلاميذه : لم يكن بالعراق ولا بالحجاز ولا بالشام ولا بمصر ولا بخراسان في زمان ابن ذكوان أقرأ منه.

٥ ـ عاصم بن أبي النجود الكوفي : أبو بكر بن بهدلة الحناط مولى بني أسد (١٢٧ ه‍).

شيخ الإقراء بالكوفة ، جمع بين الفصاحة والإتقان والتحرير والتجويد ، أحسن الناس صوتا بالقرآن ، قال أبو بكر بن عياش : لا أحصي ما سمعت أبا إسحاق السبيعي يقول : ما رأيت أحدا أقرأ للقرآن من عاصم.

أخذ القراءة عرضا عن زر بن حبيش وأبي عبد الرحمن السلمي وأبي عمرو الشيباني.

روى القراءة عنه أبان بن تغلب وحفص بن سليمان وحماد بن زيد وأبو بكر بن عياش وجماعة. وروى عنه حروفا من القرآن أبو عمرو بن العلاء والخليل بن أحمد وحمزة الزيات.

قال راويته حفص قال لي عاصم : (ما كان من القراءة التي أقرأتك بها فهي القراءة التي قرأت بها على أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب ، وما كان من القراءة التي أقرأتها أبا بكر بن عياش فهي القراءة التي كنت أعرضها على زر بن حبيش عن ابن مسعود).

لم يكن عاصم يعدّ فواتح السور (الم ، حم ، كهيعص ، طه ، آيات على خلاف مذهب الكوفيين ، وكان أحمد بن حنبل لا يفضل على قراءة عاصم إلا قراءة أهل المدينة.

شعبة : أبو بكر بن عياش الأسدي النهشلي الكوفي الحناط (٩٥ ـ ١٩٣ ه‍).

الإمام العلم راوي عاصم ، عرض عليه القرآن ثلاث مرات ، وعلى عطاء بن السائب وأسلم المنقري. وأخذ عنه جماعة ، وأخذ عنه الحروف آخرون منهم الكسائي وخلاد الصيرفي.

عمر دهرا إلا أنه قطع الإقراء قبل موته بسبع سنوات. وكان من أئمة السنة ، وهو صاحب الكلمة المشهورة في أبي بكر الصديق : (ما فضلكم أبو بكر بكثير صلاة ولا صيام ، ولكن بشيء وقر في صدره). ذكر أبو عبد الله النخعي ويحيى بن معين (أنه لم يفرش لأبي بكر بن عياش فراش خمسين سنة). وهو الذي يريده المصنف بقوله : وقرأ أبو بكر.

حفص بن سليمان : أبو عمر الأسدي الكوفي البزار (٩٠ ـ ١٨٠ ـ ه). أعلم

٥٥

أصحاب عاصم بقراءته. كان ربيبه بن زوجته ، ثقة في الإقراء ، ثبت ، ضابط. بروايته يقرأ أهل المشرق اليوم. أقرأ ببغداد ومكة والكوفة ، وهو الذي أخذ على الناس قراءة عاصم تلاوة. قال يحيى بن معين : الرواية الصحيحة التي رويت عن قراءة عاصم هي رواية حفص بن سليمان.

٦ ـ حمزة بن حبيب الزيات : أبو عمارة الكوفي التيمي بالولاء (٨٠ ـ ١٥٦ ه‍).

حبر القرآن ، إمام الناس بعد عاصم والأعمش ، زاهد عابد خاشع ، قيم بالعربية والفرائض. أخذ القراءة عرضا عن سليمان الأعمش وحمران بن أعين وأبي إسحاق السبيعي وجعفر بن محمد الصادق ، واختار مذهب حمران الذي يقرأ قراءة بن مسعود ولا يخالف مصحف عثمان.

روى عنه القراءة كثيرون منهم إبراهيم بن أدهم والحسين الجعفي وسليم بن عيسى أضبط أصحابه ، والكسائي أجل أصحابه ويحيى بن زياد الفراء ويحيى بن المبارك اليزيدي وغيرهم.

وروى عنه رواة الإفراط في المد والهمز مع تكلف جعل الإمام أحمد بن حنبل يكره قراءة حمزة. وكان حمزة نفسه ينهاهم عن ذلك.

خلف بن هشام : أبو محمد الأسدي البزار البغدادي (١٥٠ ـ ٢٢٩ ه‍).

الإمام العلم ، أحد القراء العشرة ، وأحد الرواة عن سليم عن حمزة ، ثقة كبير ، زاهد عالم عابد. أخذ القرآن عرضا عن سليم بن عيسى وعبد الرحمن بن أبي حماد عن حمزة ، وأبي زيد الأنصاري عن المفضل الضبي. وروى الحروف عن إسحاق المسيبي ويحيى بن آدم ، وروى رواية ابن قتيبة عن عبيد بن عقيل من طريق بن شنبوذ المطوعي أداء وسماعا ، وسمع من الكسائي ولم يقرأ عليه القرآن.

روى القراءة عنه عرضا وسماعا ورّاقه أحمد بن إبراهيم وأحمد بن يزيد الحلواني.

كان خلف يأخذ بمذهب حمزة إلا أنه خالفه في مائة وعشرين حرفا في اختياره. مات ببغداد وهو مختف من الجهمية.

خلاد : أبو عيسى بن خالد الشيباني بالولاء ، الصيرفي الكوفي (٢٢٠ ه‍).

إمام في القراءة ثقة عارف محقق أستاذ. أخذ القراءة عن سليم وهو من أضبط أصحابه وأجلهم ، ورواها عن حسين بن علي الجعفي عن أبي بكر ، وعن أبي بكر نفسه عن عاصم.

روى القراءة عنه عرضا أحمد بن يزيد الحلواني والقاسم الوزان وهو أنبل أصحابه وآخرون.

٧ ـ الكسائي : أبو الحسن علي بن حمزة ، فارسي الأصل ، أسدي الولاء (١١٩ ـ ١٨٩).

انتهت إليه رئاسة الإقراء بالكوفة بعد حمزة الزيات. أخذ القراءة عرضا عن حمزة أربع مرات وعليه اعتماده وعن محمد بن أبي ليلى وعيسى بن عمر الهمداني ، وروى الحروف عن أبي بكر بن عياش ، وعن إسماعيل ويعقوب ابني جعفر قراءة نافع ، وعن

٥٦

المفضل الضبيّ. ورحل إلى البصرة فأخذ اللغة عن الخليل.

أخذ القراءة عرضا وسماعا جمع منهم إبراهيم بن زاذان وحفص الدوري وأبو عبيد القاسم بن سلام وقتيبة بن مهران وخلف بن هشام البزار ويحيى بن زياد الفرّاء وغيرهم ، وروى عنه الحروف يعقوب الحضرمي.

ذكر أبو عبيد في كتاب (القراءات) أن الكسائي (كان يتخيّر القراءات فأخذ من قراءة حمزة ببعض وترك بعضا ، وكان من أهل القراءة وهي كانت علمه وصناعته ، ولم يجالس أحدا كان أضبط ولا أقوم بها منه. وكانت قراءته متوسطة غير خارجة عن آثار من تقدم من الأئمة ؛ إلا أن الناس كانوا يكثرون عليه حتى لا يضبط الأخذ عليهم ، فيجمعهم ويجلس على كرسي ويتلو القرآن من أوله إلى آخره وهم يسمعون ويضبطون عنه حتى المقاطع والمبادي ، وربما وقع منه خطأ فيأمرهم بمحوه من كتبهم).

ألف كتبا كثيرة في اللغة والنحو والقراءة منها : معاني القرآن ، القراءات ، مقطوع القرآن وموصوله ، الهاءات. مات بقرية (بنويه) من عمل (الريّ) هو ومحمد بن الحسن القاضي صاحب أبي حنيفة مع الرشيد متوجّها إلى خراسان ، فقال الرشيد : (دفنا الفقه والنحو بالريّ) وكان إمام الكوفيين في العربية.

أبو الحارث : الليث بن خالد البغدادي (٢٤٠ ه‍).

ثقة معروف حاذق ضابط. عرض القراءة على الكسائي وهو من جلة أصحابه ، وروى الحروف عن حمزة بن القاسم الأحول وعن اليزيدي.

روى القراءة عنه عرضا وسماعا سلمة بن عاصم صاحب الفراء وغيره.

الدوري : حفص بن عمر ، أبو عمر الأزدي البغدادي النحوي الضرير (٢٤٦ ه‍).

نزيل (سامرا) ، إمام القراءة وشيخ الناس في زمانه ، ثقة ثبت كبير ضابط ، أول من جمع القراءات. رحل في طلبها وقرأ بجميع الحروف السبعة وبالشواذ ، وسمع من ذلك شيئا كثيرا. قرأ على إسماعيل بن جعفر عن نافع وعن أبي جعفر ، وعلى الكسائي لنفسه ، ولأبي بكر عن عاصم وغيرهم.

وروى القراءة عنه وقرأ عليه جماعة منهم الإمام الطبري المفسر المؤرخ. ورئي أحمد بن حنبل يكتب عنه.

بقية العشرة

٨ ـ أبو جعفر يزيد بن القعقاع : المخزومي المدني القارئ (١٣٠ ه‍) إمام تابعي مشهور ، صالح متعبد كبير القدر. عرض القراءة على مولاه عبد الله بن عياش وعبد الله بن عباس وأبي هريرة ، وروى عنهم وصلّى بابن عمر وأقرأ الناس.

روى القراءة عنه نافع وسليمان بن مسلم بن جماز. وعيسى بن وردان وجماعة.

٥٧

كان إمام أهل المدينة في القراءة فسمي القارئ. وشهد أبو الزناد أنه (لم يكن أحد أقرأ للسنة منه ، وكان يقدم في زمانه على عبد الرحمن بن هرمز الأعرج).

عيسى بن وردان : أبو الحارث المدني الحذاء (١٦٠ ه‍).

إمام مقرئ حاذق وراو محقق ضابط ، عرض على أبي جعفر وشيبة ، ثم عرض على نافع وهو من جلة أصحابه وشاركه في الإسناد. عرض عليه إسماعيل بن جعفر وقالون.

ابن جماز سليمان بن مسلم بن جماز ، أبو الربيع الزهري بالولاء ، المدني (توفي بعد سنة ١٧٠ ه‍).

مقرئ جليل ضابط ، عرض على أبي جعفر وشيبة ثم على نافع ، وأقرأ بحرف أبي جعفر وشيبة. عرض عليه إسماعيل بن جعفر وقتيبة بن مهران.

٩ ـ يعقوب الحضرميّ : بن إسحاق بن زيد بن عبد الله بن أبي إسحاق ، أبو محمد مولى الحضرميين (١١٧ ـ ٢٠٥ ه‍).

إمام أهل البصرة ومقرئها ، ثقة عالم صالح ديّن ، إليه انتهت رئاسة القراءة بعد أبي عمرو ، أعلم الناس بمذاهب النحويين في القراءات. أخذ القراءة عرضا عن جماعة منهم سلام الطويل ومهدي بن ميمون ، وروى عن سلام حروف أبي عمرو بالإدغام ، وسمع الحروف من الكسائي ومحمد بن زريق الكوفي عن عاصم ، وسمع من حمزة حروفا ، وقرأ على شهاب بن شرنقة قراءة أبي الأسود الدؤلي عن علي بن أبي طالب ، وقراءته على أبي الأشهب عن أبي رجاء عن أبي موسى في غاية العلو.

روى القراءة عنه عرضا جماعة كثيرة منهم أبو حاتم السجستاني وأبو عمر الدوري ، قال السجستاني : (هو أعلم من رأيت بالحروف والاختلاف في القرآن ، وعلله ومذاهبه ومذاهب النحو ، وأروى الناس لحروف القرآن ولحديث الفقهاء). وائتم به في اختياره عامة البصريين بعد أبي عمرو ، ولا يقرأ إمام الجامع بالبصرة إلا بقراءته حتى المائة التاسعة زمن ابن الجزري الذي استنكر قول من عد قراءته من الشواذ فقال : (فليعلم أنه لا فرق بين قراءة يعقوب وقراءة غيره من السبعة عند أئمة المحققين ، وهو الحق الذي لا محيد عنه). وبلغ من جاهه في البصرة أنه كان يحبس ويطلق.

رويس : محمد بن المتوكل أبو عبد الله اللؤلؤي البصري ( ـ ٢٣٨ ه‍).

مقرئ حاذق ضابط مشهور جليل. أخذ القراءة عرضا عن يعقوب الحضرمي وختم عليه ختمات ، وهو من أحذق أصحابه. روى القراءة عنه عرضا محمد بن هارون التمار والإمام أبو عبد الله الزبيري. كان يأخذ على المبتدئين بتحقيق الهمزتين معا في مثل «أأنذرتهم» و «جاء أجلهم» ، وكان يأخذ على الماهر بتخفيف الهمزة الثانية.

روح بن عبد المؤمن : أبو الحسن البصري النحوي الهذلي بالولاء ( ـ ٢٣٤ ه‍).

مقرئ جليل ، ثقة ضابط مشهور من أجل أصحاب يعقوب ، عرض عليه ، وروى الحروف عن جماعة عن أبي عمرو. وعرض عليه جماعة منهم أحمد بن يزيد الحلواني.

٥٨

١٠ ـ خلف بن هشام البزار : راوية حمزة (تقدمت ترجمته).

إسحاق الوراق : أبو يعقوب المروزي ثم البغدادي ( ـ ٢٨٦ ه‍).

وراق خلف وراوي اختياره عنه ، ثقة قيم بالقراءة ، ضابط. قرأ على خلف اختياره وقام به بعده ، وعلى الوليد بن مسلم. وقرأ عليه جماعة منهم بن شنبوذ.

إدريس الحداد : أبو الحسن بن عبد الكريم البغدادي (١٨٩ ـ ٢٩٢ ه‍).

إمام ضابط متقن ثقة ، قرأ على خلف اختياره وروايته ، وعلى محمد بن حبيب الشموني. وروى القراءة عنه سماعا بن مجاهد ، وعرضا محمد بن أحمد بن شنبوذ وابن مقسم وأبو بكر النقاش وجماعة.

فائدة

ذكر العلامة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في مقدمة تفسيره (التحرير والتنوير ١ / ٥٧ طبعة سنة ١٩٦٤) ما يلي :

«القراءات التي يقرأ بها اليوم في بلاد الإسلام من هذه القراءات العشر هي :

١ ـ قراءة نافع برواية قالون : في بعض القطر التونسي وبعض القطر المصري ، وفي ليبية.

وبرواية ورش : في بعض القطر التونسي وبعض القطر المصري ، وفي جميع القطر الجزائري ، وجميع المغرب الأقصى وما يتبعه من البلاد ، والسودان.

٢ ـ وقراءة عاصم برواية حفص عنه : في جميع الشرق من العراق والشام وغالب البلاد المصرية ، [وجزيرة العرب] والهند ، وباكستان ، وتركية والأفغان.

٣ ـ وقراءة أبي عمرو البصري : فيما بلغني يقرأ بها في السودان المجاور لمصر ( ـ ١ ه‍) (١).

__________________

(١). قلت : كانت قراءة أبي عمرو غالبة على الأمصار الإسلامية. قال بن الجزري في أهل المائة التاسعة : «القراءة التي عليها الناس اليوم بالشام والحجاز واليمن ومصر هي قراءة أبي عمرو ، فلا تكاد تجد أحدا يلقن القرآن إلا على حرفه ، خاصة في الفرش».

والظاهر أن تقلب القراءات على مصر ما يتبع قراءة القارئ المقتدى به عند أهل المصر ، فقد ذكر بن الجزري بعد ما تقدم أن الشام كانت تقرأ بحرف بن عامر إلى حدود الخمسمائة ، فتركوا ذلك لأن شخصا قدم من أهل العراق وكان يلقن الناس بالجامع الأموي على قراءة أبي عمرو ، فاجتمع عليه خلق واشتهرت هذه القراءة عنه وأقام سنين كذا بلغني ؛ وإلا فما أعلم السبب في إعراض أهل الشام عن قراءة ابن عامر وأخذهم بقراءة أبي عمرو. وأنا أعد ذلك من كرامات شعبة».

وكان قد نقل قبل أسطر قول شعبة الذي مر بك : «أنظر ما يقرأ أبو عمرو مما يختار لنفسه فإنه سيصير للناس إسنادا» ـ النشر ١ / ٢٩١.

هذا وعلمت من فاضل سوداني أن قراءة أبي عمرو يقرأ بها في السودان اليوم في الخرطوم إلى (كسلا) ، إلى شمال أريتيريا ، وفي شرقي (تشاد).

وحدثني آخر من أهل المدينة أنه اقتدى بتاجر بخاري صلّى في الحرم المدني فقرأ قراءة ابن كثير برواية الدوري ، فلما سألوه قال : إنها قراءة أهل بلاده.

٥٩

بقية الأربعة عشر

١١ ـ ابن محيصن : محمد بن عبد الرحمن السهمي بالولاء المكي ( ـ ١٢٣ ه‍).

مقرئ أهل مكة مع ابن كثير ، ثقة ، أعلم قراء مكة بالعربية وأقواهم عليها.

عرض على مجاهد بن جبر ودرباس مولى ابن عباس وسعيد بن جبير.

عرض عليه شبل بن عباد وأبو عمرو بن العلاء ، وسمع منه حروفا إسماعيل بن مسلم المكي وعيسى بن عمر البصري.

ولو لا ما في قراءته من مخالفة المصحف لألحق بالقراءات المشهورة. قال ابن مجاهد : «كان لابن محيصن اختيار في القراءة على مذهب العربية ، فخرج به عن إجماع أهل بلده ، فرغب الناس عن قراءته وأجمعوا على قراءة ابن كثير لاتباعه».

البزي : أحد راويي ابن كثير أيضا ، تقدمت ترجمته.

ابن شنبوذ : محمد بن أحمد بن أيوب ، أبو الحسن البغدادي ( ـ ٣٢٨ ه‍).

شيخ الإقراء بالعراق ، أستاذ ، كبير ، رحالة في طلب العلم ، مع الثقة والخير والصلاح والعلم وقوة الحفظ. أخذ القراءة عرضا عن أحمد بن إبراهيم وراق خلف ، وعن إبراهيم الحربي وقنبل وجماعة في أمصار عدة. وقرأ عليه جماعة كثيرة منهم أبو بكر بن مقسم والمعافى بن زكريا. وكانت العلاقة ساءت بينه وبين بن مجاهد فلم يقرئ من قرأ على بن مجاهد ، ويقول فيه : (لم تغبّر قدماه في هذا العلم). وكان يجوّز القراءة بالشاذ وهو ما خالف رسم المصحف ، وعقد له بسبب ذلك مجلس استتيب به فاعترف وكتب عليه محضر بذلك.

١٢ ـ اليزيدي : يحيى بن المبارك ، الإمام أبو محمد العدويّ بالولاء ، البصري (١٢٨ ـ ٢٠٢ ه‍).

نحوي مقرئ ثقة علامة كبير في النحو والعربية والقراءة.

أخذ القراءة عرضا عن أبي عمرو بن العلاء وخلفه بالقيام بها ، وأخذ عن حمزة.

روى القراءة عنه أولاده محمد وعبد الله وإبراهيم وإسماعيل ، وأبو عمر الدوري وسليمان بن أيوب بن الحكم وسليمان بن خلاد وجماعة ، وروى عنه الحروف أبو عبيد القاسم بن سلام.

وله اختيار خالف فيه أبا عمرو في حروف يسيرة وهو أضبط أصحاب أبي عمرو عنه. وتصدى لروايتها عنه والاشتغال بها. قيل أنه أملى عشرة آلاف ورقة عن أبي عمرو خاصة. وكثيرا ما ينقل أبو زرعة في هذا الكتاب حججه في مثل قوله : وحجته ذكرها اليزيدي .. أو : وحجة أخرى ذكرها اليزيدي وهي ..

سليمان : أبو أيوب بن الحكم الخياط البغدادي صاحب البصري ( ـ ٢٣٥ ه‍).

٦٠