التسهيل لعلوم التنزيل - ج ١

محمّد بن أحمد بن جزي الغرناطي

التسهيل لعلوم التنزيل - ج ١

المؤلف:

محمّد بن أحمد بن جزي الغرناطي


المحقق: الدكتور عبد الله الخالدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٧
الجزء ١ الجزء ٢

قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ (٧٨) وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (٧٩) فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُونَ (٨٠) فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (٨١) وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨٢) فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (٨٣) وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ (٨٤) فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٨٥) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (٨٦) وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَن تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً

________________________________________________________

فهو من كلام قوم فرعون وهذا ضعيف ، لأنهم كانوا يصممون على أنه سحر لقولهم : إن هذا لسحر مبين ، فكيف يستفهمون عنه؟

وقيل : إنه من كلام موسى تقريرا أو توبيخا فيوقف على قوله : أتقولون للحق لما جاءكم ، ويكون معمول أتقولون محذوف تقديره : أتقولون للحق لما جاءكم إنه لسحر ، ويدل على هذا المحذوف ما حكى عنهم من قولهم : إن هذا لسحر مبين ، فلما تم الكلام ابتدأ موسى توبيخهم بقوله : أسحر هذا ولا يفلح الساحرون؟ وهذا هو اختيار شيخنا الأستاذ أبي جعفر ابن الزبير رحمه‌الله (لِتَلْفِتَنا) أي لتصرفنا وتردّنا عن دين آبائنا (وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ) أي الملك ، والخطاب لموسى وأخيه عليهما‌السلام (ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ) ما موصولة مرفوعة بالابتداء والسحر الخبر وقرئ آلسحر بالاستفهام (١) فما على هذا استفهامية ، والسحر خبر ابتداء مضمر (وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَ) يحتمل أن يكون من كلام موسى أو إخبار من الله تعالى (فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ) الضمير عائد على موسى ، ومعنى الذرية شبان وفتيان من بني إسرائيل آمنوا به على خوف من فرعون ، وقيل : إن الضمير عائد على فرعون ، فالذرية على هذا من قوم فرعون ، وروي في هذا أنها امرأة فرعون وخازنته وامرأة خازنه ، وهذا بعيد ، لأن هؤلاء لا يقال لهم ذرية ، ولأن الضمير ينبغي أن يعود على أقرب مذكور (عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ) الضمير يعود على الذرية أي آمنت الذرية من بني إسرائيل ، على خوف من فرعون وملإ من بني إسرائيل ، لأن الأكابر من بني إسرائيل كانوا يمنعون أولادهم من الإيمان خوفا من فرعون ، وقيل : يعود على فرعون بمعنى آل فرعون كما يقال ربيعة ومضر أو لأنه ذو أصحاب يأتمرون له (أَنْ يَفْتِنَهُمْ) بدل من فرعون (لَعالٍ فِي الْأَرْضِ) أي متكبر قاهر (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي لا تمكنهم من عذابنا فيقولون : لو كان هؤلاء على الحق ما عذبناهم فيفتنون بذلك (أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً) أي اتخذ لهم بيوتا للصلاة والعبادة ، وقيل : إنه أراد

__________________

(١). هي قراءة أبي عمرو.

٣٦١

وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (٨٧) وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٨٨) قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (٨٩) وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩٠) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (٩٢) وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٩٣) فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ

________________________________________________________

الإسكندرية (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً) أي مساجد وقيل : موجهة إلى جهة القبلة ، فإن قيل : لم خص موسى وهارون بالخطاب في قوله أن تبوّءا. ثم خاطب معهما بنو إسرائيل في قوله : واجعلوا ، فالجواب : أن قوله تبوّءا من الأمور التي يختص بها الأنبياء وأولوا الأمر (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) أمر لموسى عليه‌السلام ، وقيل : لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ) دعاء بلفظ الأمر ، وقيل : اللام لام كي وتتعلق بقوله : آتيت (اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ) أي أهلكها (وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ) أي اجعلها شديدة القسوة (فَلا يُؤْمِنُوا) جواب للدعاء الذي هو اشدد ، ودعاء بلفظ النفي (قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما) الخطاب لموسى وهارون على أنه لم يذكر الدعاء إلا عن موسى وحده ، لكن كان موسى يدعو وهارون يؤمن على دعائه ، (فَاسْتَقِيما) أي أثبتا على ما أنتما عليه من الدعوة إلى الله (فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ) أي لحقهم يقال : تبعه حتى أتبعه ، هكذا قال الزمخشري.

وقال ابن عطية أتبع بمعنى تبع وأما اتبع بالتشديد فهو : طلب الأثر ، سواء أدرك أو لم يدرك (لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ) يعني الله عزوجل ، وفي لفظ فرعون مجهلة وتعنت لأنه لم يصرح باسم الله (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ) أي قيل له : أتؤمن الساعة في وقت الاضطرار ، وذلك لا يقبل منك (نُنَجِّيكَ) أي نبعدك مما جرى لقومك من الوصول إلى قعر البحر ، وقيل : نلقيك على نجوة من الأرض أي على موضع مرتفع (١) (بِبَدَنِكَ) أي بجسدك جسدا بدون روح ، وقيل بدرعك ، وكانت له درع من ذهب يعرف بها والمحذوف في موضع الحال والباء للمصاحبة (لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً) أي لمن وراءك آية وهم بنو إسرائيل (مُبَوَّأَ صِدْقٍ) منزلا حسنا وهو مصر والشام (فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ) قيل : يريد اختلافهم في دينهم وقيل : اختلافهم في أمر محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍ) قيل : الخطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمراد غيره ، وقيل : ذلك كقول

__________________

(١). يقال توجد مومياء الفرعون المذكور في المتحف المصري ولا زالت سليمة حتى اليوم.

٣٦٢

جَاءَكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٩٤) وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٩٥) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٩٧) فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ (٩٨) وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (١٠٠) قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ (١٠١) فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ (١٠٢) ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٣)

________________________________________________________

القائل لابنه : إن كنت ابني فبرّني مع أنه لا يشك أنه ابنه ، ولكن من شأن الشك أن يزول بسؤال أهل العلم ، فأمره بسؤالهم ، قال ابن عباس : لم يشك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يسأل ، وقال الزمخشري : إن ذلك على وجه الفرض والتقدير ، أي إن فرضت أن تقعد في شك فاسأل (مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ) قيل : يعني القرآن أو الشرع بجملته ، وهذا أظهر ، وقيل : يعني ما تقدم من أن بني إسرائيل ما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم الحق (فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ) يعني : الذين يقرءون التوراة والإنجيل ، قال السهيلي : هم عبد الله بن سلام ومخيريق ومن أسلم من الأحبار ، وهذا بعيد ، لأن الآية مكية ، وإنما أسلم هؤلاء بالمدينة ، فحمل الآية على الإطلاق أولى (فَلا تَكُونَنَ) خطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمراد غيره (حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ) أي قضى أنهم لا يؤمنون (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ) لو لا هنا للتحضيض بمعنى هلا ، وقرئ في الشاذ هلا ، والمعنى : هلا كانت قرية من القرى المتقدمة آمنت قبل نزول العذاب فنفعها إيمانها : إذ لا ينفع الإيمان بعد معاينة العذاب كما جرى لفرعون (إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ) استثناء من القرى ، لأن المراد أهلها ، وهو استثناء منقطع بمعنى : ولكن قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم العذاب ، ويجوز أن يكون متصلا ، والجملة في معنى النفي كأنه قال ما آمنت قرية إلا قوم يونس ، وروي في قصصهم أن يونس عليه‌السلام أنذرهم بالعذاب ، فلما رأوه قد خرج من بين أظهرهم علموا أن العذاب ينزل بهم فتابوا وتضرعوا إلى الله تعالى فرفعه عنهم (وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) يريد إلى آجالهم المكتوبة في الأزل (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) الهمزة للإنكار أي أتريد أنت أن تكره الناس في إدخال الإيمان في قلوبهم وتضطرهم إلى ذلك ، وليس ذلك إليك إنما هو بيد الله ، وقيل : المعنى أفأنت تكره الناس بالقتال حتى يؤمنوا أو كان هذا في صدر الإسلام قبل الأمر بالجهاد ثم نسخت بالسيف (انْظُرُوا) أمر بالاعتبار والنظر في آيات الله (وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) يعني : من قضى الله عليه أنه لا يؤمن ، وما نافية أو استفهامية يراد بها النفي (فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ) الآية : تهديد (حَقًّا عَلَيْنا) اعتراض بين العامل ومعموله وهما كذلك ، وننج

٣٦٣

قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠٤) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٥) وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ (١٠٦) وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (١٠٧) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ (١٠٨) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (١٠٩)

________________________________________________________

المؤمنين (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ) الوجه هنا بمعنى القصد والدين (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) منسوخ بالقتال ، وكذلك قوله : (وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ) وعد بالنصر والظهور على الكفار.

٣٦٤

سورة هود

مكية إلا الآيات ١٢ و ١٧ و ١١٤ فمدنية

وآياتها ١٢٣ نزلت بعد سورة يونس

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (٢) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (٣) إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤) أَلَا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ

________________________________________________________

سورة هود عليه‌السلام

(الر) (كِتابٌ) يعني القرآن ، وهو خبر ابتداء مضمر (أُحْكِمَتْ) أي أتقنت فهو من الإحكام للشيء (ثُمَّ فُصِّلَتْ) قيل معناه بينت وقيل قطعت سورة سورة ، وثم هنا ليست للترتيب في الزمان ، وإنما هي لترتيب الأحوال : كقولك فلان كريم الأصل ثم كريم الفعل (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) أن مفسرة وقيل مصدرية في موضع مفعول من أجله ، أو بدل من الآيات ، أو يكون كلاما مستأنفا منقطعا عما قبله ، على لسان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويدل على ذلك قوله : إنني لكم منه نذير وبشير (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) أي استغفروه مما تقدم من الشرك والمعاصي ، ثم ارجعوا إليه بالطاعة والاستقامة عليها (يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً) أي ينفعكم في الدنيا بالأرزاق ، والنعم ، والخيرات ، وقيل : هو طيب عيش المؤمن برجائه في الله ورضاه بقضائه ، لأنه الكافر قد يتمتع في الدنيا بالأرزاق (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) يعني إلى الموت (وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) أي يعطي في الآخرة كل ذي عمل جزاء عمله ، والضمير يحتمل أن يعود على الله تعالى أو على ذي فضل (وَإِنْ تَوَلَّوْا) خطاب للناس ، وهو فعل مستقبل حذفت منه إحدى التاءين (عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) يعني يوم القيامة أو غيره كيوم بدر (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ) قيل : كان الكفار إذا لقيهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يردون إليه ظهورهم ، لئلا يرونه من شدة البغض والعداوة ، والضمير في منه على هذا يعود إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقيل : إن ذلك عبارة عما تنطوى عليه صدورهم من البغض والغل ، وقيل : هو عبارة عن إعراضهم لأن من أعرض عن شيء انثنى عنه وانحرف ، والضمير في منه على هذا يعود على الله تعالى أي يريدون أن يستخفوا من الله تعالى ؛ فلا يطلع رسوله ولا المؤمنون على ما في قلوبهم (أَلا حِينَ

٣٦٥

لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلَا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (٥) وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ (٦) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ (٧) وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (٨) وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ (٩) وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (١٠) إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١١) فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٢)

________________________________________________________

يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ) أي يجعلونها أغشية وأغطية ، كراهية لاستماع القرآن ، والعامل في حين يعلم ما يسرون ، وقيل : المعنى يريدون أن يستخفوا حين يستغشون ثيابهم ، فيوقف عليه على هذا ، ويكون يعلم استئنافا (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) وعد وضمان صادق ، فإن قيل : كيف قال : على الله بلفظ الوجوب ، وإنما هو تفضل ، لأن الله لا يجب عليه شيء؟ فالجواب : أنه ذكره كذلك تأكيدا في الضمان ، لأنه لما وعد به صار واقعا لا محالة لأنه لا يخلف الميعاد (وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها) المستودع صلب الأب والمستقر بطن المرأة وقيل : المستقر المكان في الدنيا والمستودع القبر (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) دليل على أن العرش والماء كانا موجودين قبل خلق السموات والأرض (لِيَبْلُوَكُمْ) أي ليختبركم اختبارا تقوم به الحجة عليكم ، لأنه كان عالما بأعمالكم قبل خلقكم ويتعلق ليبلوكم بخلق (سِحْرٌ مُبِينٌ) يحتمل أن يشيروا إلى القرآن ، أو إلى القول بالبعث ؛ يعنون أنه باطل كبطلان السحر (وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ) يحتمل أن يريد عذاب الدنيا أو الآخرة (إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ) أي إلى وقت محدود (لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ) أي أي شيء يمنع هذا العذاب الموعود به ، وقولهم ذلك على وجه التكذيب والاستخفاف (وَلَئِنْ أَذَقْنَا) الآية : ذم لمن يقنط عند الشدائد ، ولمن يفتخر ويتكبر عند النعم ، والرحمة هنا والنعماء يراد بهما الخيرات الدنيوية ، والإنسان عام يراد به الجنس والاستثناء على هذا متصل ، وقيل : المراد بالإنسان الكافر فالاستثناء منقطع (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ) الآية : كان الكفار يقترحون على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يأتي بكنز أو يأتي معه ملك ، وكانوا يستهزؤن بالقرآن فقال الله تعالى له : فلعلك تارك أن تلقى إليهم بعض ما أنزل إليك ويثقل عليك تبليغهم من أجل استهزائهم ، أو لعلك يضيق صدرك من أجل أن يقولوا : لو لا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك ، والمقصود بالآية تسلية النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قولهم حتى يبلغ الرسالة ، ولا يبالي بهم ، وإنما قال ضائق ، ولم يقل ضيق ليدل على اتساع صدره عليه‌السلام وقلة ضيقه (إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ) أي ليس عليك إلا الإنذار والتبليغ والله هو الوكيل ، الذي يقضي

٣٦٦

أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (١٣) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَن لَّا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ (١٤) مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ (١٥) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٦) أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن

________________________________________________________

بما شاء من إيمانهم أو كفرهم (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) أم هنا منقطعة بمعنى بل والهمزة والضمير في افتراه لما يوحي إليه (قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ) تحدّاهم أوّلا بعشر سور فلما بان عجزهم تحدّاهم بسورة واحدة فقال : فأتوا بسورة من مثله ، والمماثلة المطلوبة في فصاحته وعلومه (مُفْتَرَياتٍ) صفة لعشر سور ، وذلك مقابلة لقولهم : افتراه ، وليست المماثلة في الافتراء (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ) أي استعينوا بمن شئتم (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ) فيها وجهان : أحدهما أن تكون مخاطبة من الله للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وللمؤمنين. أي : إن لم يستجب الكفار إلى ما دعوتموهم إليه من معارضة القرآن ؛ فاعلموا أنه من عند الله ، وهذا على معنى دوموا على علمكم بذلك أو زيدوا يقينا به ، والثاني أن يكون خطابا من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للكفار ؛ أي إن لم يستجب من تدعونه من دون الله إلى شيء من المعارضة ولا قدر جميعكم عليه ؛ فاعلموا أنه من عند الله ، وهذا أقوى من الأول لقوله : فهل أنتم مسلمون؟ ومعنى بعلم الله : بإذنه ، أو بما لا يعلمه إلا الله من الغيوب وقوله : فهل أنتم مسلمون لفظه استفهام ، ومعناه استدعاء إلى الإسلام وإلزام للكفار أن يسلموا ، لما قام الدليل على صحة الإسلام لعجزهم عن الإتيان بمثل القرآن (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها) الآية : نزلت في الكفار الذين يريدون الدنيا ، ولا يريدون الآخرة ؛ إذ هم لا يصدّقون بها ، وقيل : نزلت في أهل الرياء من المؤمنين الذين يريدون بأعمالهم الدنيا ، حسبما ورد في الحديث في القارئ ، والمنفق ، والمجاهد ، الذين أرادوا أن يقال لهم ذلك ؛ إنهم أول من تسعر بهم النار ، والأول أرجح ؛ لتقدّم ذكر الكفار المناقضين للقرآن ، فإنما قصد بهذه الآية أولئك (نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها) نوف إليهم أجور أعمالهم بما يغبطهم فيها من الصحة والرزق ، والضمير في فيها يعود على الدنيا والمجرور متعلق بقوله نوف أو بأعمالهم (وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها) الضمير في فيها هنا يعود على الآخرة إن تعلق المجرور بحبط ويعود على الدنيا إن تعلق بصنعوا (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) الآية معادلة لما تقدم ، والمعنى أفمن كان يريد الحياة الدنيا كمن كان على بينة من ربه ، والمراد بمن كان على بينة من ربه : النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمؤمنون لقوله بعد ذلك : أولئك يؤمنون به ، ومعنى البينة : البرهان العقلي والأمر الجلي (وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) الضمير في يتلوه للبرهان وهو البينة ولمن كان على بينة من ربه ، والضمير في منه

٣٦٧

الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ (١٧) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٨) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (١٩) أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (٢٠) أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (٢١) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (٢٢) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢٣) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (٢٤) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ (٢٥) أَن لَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٢٦) فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ

________________________________________________________

للرب تعالى ، ويتلوه هنا بمعنى يتبعه ، والشاهد : يريد به القرآن فالمعنى يتبع ذلك البرهان شاهد من الله وهو القرآن ، فيزيد وضوحه وتعظم دلالته ، وقيل : إن الشاهد المذكور هنا هو عليّ بن أبي طالب (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى) أي ومن قبل ذلك الكتاب الشاهد كتاب موسى ، وهو أيضا دليل آخر متقدم ، وقد قيل : أقوال كثيرة في معنى هذه الآية وأرجحها ما ذكرنا (وَمِنَ الْأَحْزابِ) أي من أهل مكة (وَيَقُولُ الْأَشْهادُ) جمع شاهد كأصحاب ، ويحتمل أن يكون من الشهادة ؛ فيراد به الملائكة والأنبياء أو من الشهود بمعنى الحضور ، فيراد به كل من حضر الموقف (وَيَبْغُونَها عِوَجاً) أي : يطلبون اعوجاجها أو يصفونها بالاعوجاج ، (لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ) أي لا يفلتون (يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ) إخبار عن تشديد عذابهم وليس بصفة لأولياء (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ) الآية : ما نافية والضمير للكفار ، والمعنى وصفهم بأنهم لا يسمعون ولا يبصرون كقوله : ختم الله على قلوبهم الآية ، وقيل غير ذلك ، وهو بعيد (لا جَرَمَ) أي لا بد ولا شك (أَخْبَتُوا) أي : خشعوا وقيل : أنابوا (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ) يعني المؤمنين والكافرين (كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ) شبّه الكفار بالأعمى والأصم ، وشبّه المؤمنين بالبصير والسميع ، فهو على هذا تمثيل للمؤمنين بمثالين ، وتمثيل للكافرين بمثالين ، وقيل : التقدير كالأعمى والأصم ، والبصير والسميع ، فالواو لعطف الصفات ، فهو على هذا تمثيل للمؤمنين بمثال واحد ، وهو من جمع بين السمع والبصر ، وتمثيل للكفار بمثال واحد وهو من جمع بين العمى والصمم (عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ) وصف اليوم بالأليم على وجه المجاز لوقوع الألم فيه (أَراذِلُنا) جمع أرذل وهم سفلة الناس ، وإنما وصفوهم بذلك لفقرهم ، جهلا منهم واعتقادا أن الشرف هو بالمال والجاه ، وليس الأمر كما اعتقدوا ، بل المؤمنون كانوا أشرف منهم على حال فقرهم وخمولهم في الدنيا ، وقيل : إنهم كانوا حاكة وحجّامين ، واختار ابن عطية أنهم أرادوا أنهم

٣٦٨

نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ (٢٧) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ (٢٨) وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (٢٩) وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (٣٠) وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ (٣١) قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣٢) قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللَّهُ إِن شَاءَ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ (٣٣) وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٣٤)

________________________________________________________

أراذل في أفعالهم لقول نوح : وما علمي بما كانوا يعملون (بادِيَ الرَّأْيِ) أي أول الرأي من غير نظر ولا تدبير ، وبادي منصوب على الظرفية : أصله وقت حدوث أول رأيهم ، والعامل فيه اتبعوك على أصح الأقوال ، والمعنى : اتبعك الأراذل من غير نظر ولا تثبت ، وقيل : هو صفة لبشرا مثلنا : أي غير مثبت في الرأي (وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) أي من مزية وشرف ، والخطاب لنوح عليه‌السلام ومن معه (عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) أي على برهان وأمر جليّ ، وكذلك في قصة صالح وشعيب (وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ) يعني النبوّة (فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ) (١) أي خفيت عليكم ، والفاعل على هذا البينة أو الرحمة (أَنُلْزِمُكُمُوها) أي أنكرهكم على قبولها قهرا؟ وهذا هو جواب أرأيتم : ومعنى الآية أن نوحا عليه‌السلام قال لقومه : أرأيتم إن هداني الله وأضلكم أأجبركم على الهدى وأنتم له كارهون؟ (لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً) الضمير في عليه عائد على التبليغ (وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا) يقتضي أنهم طلبوا منه طرد الضعفاء (إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ) المعنى أنه يجازيهم على إيمانهم (مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ) أي : من يدفع عني عقاب الله إن ظلمتهم بالطرد (وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) الآية : أي لا أدعى ما ليس لي فتنكرون قولي (تَزْدَرِي) أي تحتقر من قولك : زريت الرجل إذا قصرت به ، والمراد بالذين تزدري أعينهم : ضعفاء المؤمنين (إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) أي إن قلت للمؤمنين : لن يؤتيهم الله خيرا ، والخير هنا يحتمل أن يريد به خير الدنيا والآخرة (جادَلْتَنا) الجدال هو المخاصمة والمراجعة في الحجة (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) أي بالعذاب (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي) الآية : جزاء قوله : إن أردت أن أنصح لكم ، هو ما دل عليه قوله : نصحي وجزاء قوله : إن كان الله يريد أن يغويكم : هو ما دل عليه قوله : لا ينفعكم نصحي ، فتقديرها : إن أراد الله أن يغويكم لن ينفعكم نصحى إن نصحت لكم ، ثم استأنف

__________________

(١). قرأ حمزة والكسائي وحفص بالتشديد : فعمّيت. وقرأ أهل الحجاز والشام والبصرة وأبو بكر : فعميت : بالتخفيف.

٣٦٩

أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرِمُونَ (٣٥) وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ (٣٧) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (٣٨) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ (٣٩) حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (٤٠) وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا

________________________________________________________

قوله هو ربكم ، ولا يجوز أن يكون ربكم هو جواب الشرط (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) الآية : الضمير في يقولون لكفار قريش ، وفي افتراه لمحمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ، وهذا قول جميع المفسرين ، واختار ابن عطية أن تكون في شأن نوح عليه‌السلام ، فيكون الضمير في يقولون لقوم نوح ، وفي افتراه لنوح لئلا يعترض ما بين قصة نوح بغيرها وهو بعيد (إِجْرامِي) أي ذنبي (فَلا تَبْتَئِسْ) أي فلا تحزن (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا) أي تحت نظرنا وحفظنا (وَوَحْيِنا) أي وتعليمنا لك كيف تصنع الفلك (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي لا تشفع لي فيهم ، فإني قد قضيت عليهم بالغرق (كُلَّما) يحتمل أن يكون جوابها سخروا منه ، أو قال إن تسخروا (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) تهديد ، ومن يأتيه منصوب بتعلمون (عَذابٌ يُخْزِيهِ) هو الغرق والعذاب المقيم عذاب النار (حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا) غاية لقوله : ويصنع الفلك (وَفارَ التَّنُّورُ) أي فار بالماء وجعل الله تلك العلامة لنوح ليركب حينئذ في السفينة ، والمراد بالتنور : الذي يوقد فيه عند ابن عباس وغيره ، وروي أنه كان تنور آدم خلص إلى نوح ، وقيل : التنور وجه الأرض (قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) المراد بالزوجين : الذكر والأنثى من الحيوان ، وقرئ من كل بغير تنوين فعمل احمل في اثنين ومن قرأ بالتنوين (١) عمل احمل في زوجين ، وجعل اثنين نعت له على جهة التأكيد (وَأَهْلَكَ) أي قرابتك ، وهو معطوف على ما عمل فيه احمل (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) أي من قضي عليه بالعذاب فهو مستثنى من أهله ، والمراد بذلك ابنه الكافر وامرأته (وَمَنْ آمَنَ) معطوف على أهلك ، أي احمل أهلك ومن آمن من غيرهم (وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) قيل : كانوا ثمانين وقيل عشرة وقيل ثمانية (وَقالَ ارْكَبُوا فِيها) الضمير في قال لنوح ، والخطاب لمن كان معه ، والضمير في فيها للسفينة ، وروي أنهم ركبوا فيها أول يوم من رجب ، واستقرت على الجودي يوم عاشوراء (بِسْمِ اللهِ مَجْراها) (٢) (وَمُرْساها) اشتقاق مجراها من الجري ، واشتقاق مرساها من الإرساء ، وهو الثبوت. أو من وقوف السفينة ،

__________________

(١). كلّ : بالتنوين قراءة حفص عن عاصم. وقرأ الباقون كلّ بالإضافة.

(٢). مجراها بالإمالة : وقراءة حمزة والكسائي وحفص وقرأ الباقون : مجراها.

٣٧٠

إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (٤١) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ (٤٢) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (٤٣) وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٤) وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (٤٥) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ

________________________________________________________

ويمكن أن يكونا ظرفين للزمان أو المكان ، أو مصدرين ، ويحتمل الإعراب من وجهين : أحدهما أن يكون اسم الله في موضع الحال من الضمير في اركبوا ، والتقدير : اركبوا متبركين باسم الله أو قائلين بسم الله ، فيكون مجراها ومرساها على هذا ظرفين للزمان بمعنى وقت إجرائها وإرسائها أو ظرفين للمكان ، ويكون العامل فيه ما في قوله بسم الله من معنى الفعل في موضع خبر ويكون قوله : بسم الله متصلا مع ما قبله ، والجملة كلام واحد ، والوجه الثاني : أن يكون كلامين فيوقف على اركبوا فيها ويكون بسم الله في موضع خبر ، ومجراها ومرساها مبتدأ بمعنى المصدر أي إجراؤها وإرساؤها ويكون بسم الله على هذا مستأنفا غير متصل بما قبله ولكنه من كلام نوح حسبما روي أن نوحا كان إذا أراد أن يجري بالسفينة قال بسم الله فتجري ، وإذا أراد وقوفها قال بسم الله فتقف (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ) روي أن الماء طبق ما بين السماء والأرض ، فصار الكل كالبحر ، قاله ابن عطية وهذا ضعيف ، وأين كان الموج كالجبال على هذا ، وصوّبه الزمخشري ، وقال : كانت تجري في موج كالجبال قبل التطبيق [كذا] ، وقبل أن يغمر الماء الجبال (وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ) كان اسمه كنعان ، وقيل : يام وكان له ثلاث بنون سواه وهم : سام وحام ويافث ، ومنهم تناسل الخلق (فِي مَعْزِلٍ) أي في ناحية (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) يحتمل أربعة أوجه : أحدها أن يكون عاصم اسم فاعل ومن رحم كذلك بمعنى الراحم فالمعنى : لا عاصم إلا الراحم وهو الله تعالى ، والثاني : أن يكون عاصم بمعنى ذي عصمة أي معصوم ومن رحم : بمعنى مفعول أي من رحم الله ، فالمعنى لا معصوم إلا من رحمه‌الله والاستثناء على هذين الوجهين متصل ، والثالث أن يكون عاصم اسم فاعل ومن رحم بمعنى المفعول ، والمعنى لا عاصم من أمر الله لكن من رحمه‌الله فهو المعصوم ، والرابع عكسه والاستثناء على هذين منقطع (ابْلَعِي ماءَكِ) عبارة عن جفوف الأرض من الماء (أَقْلِعِي) أي أمسكي عن المطر وروي أنها أمطرت من كل موضع منها (وَغِيضَ الْماءُ) أي نقص (وَقُضِيَ الْأَمْرُ) أي تمّ وكمل (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِ) أي استقرت السفينة على الجودي وهو جبل بالموصل (وَقِيلَ بُعْداً) أي هلاكا ، وانتصب على المصدر (وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ) يحتمل أن يكون هذا النداء قبل الغرق ، فيكون العطف من غير ترتيب ، أو يكون بعده (فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) أي : وقد وعدتني أن تنجي أهلي (قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) أي

٣٧١

صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (٤٦) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ (٤٧) قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (٤٨) تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلَا قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (٤٩) وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (٥٠) يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٥١) وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (٥٢) قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَن قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (٥٣)

________________________________________________________

ليس من أهلك الذين وعدتك بنجاتهم ، لأنه كافر ، ولقوله : ونادى نوح ابنه (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) فيه ثلاث تأويلات على قراءة الجمهور : أحدها أن يكون الضمير في إنه لسؤال نوح نجاة ابنه ، والثاني أن يكون الضمير لابن نوح وحذف المضاف من الكلام تقديره : إنه ذو عمل غير صالح ، والثالث : أن يكون الضمير لابن نوح ، وعمل : مصدر وصف به مبالغة كقولك : رجل صوم ، وقرأ الكسائي «عمل» بفعل ماض «غير صالح» بالنصب ، والضمير على هذا لابن نوح بلا إشكال (فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) أي لا تطلب مني أمرا لا تعلم أصواب هو أم غير صواب ، حتى تقف على كنهه ، فإن قيل : لم سمى نداءه سؤالا ، ولا سؤال فيه؟ فالجواب أنه تضمن السؤال وإن لم يصرح به (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) أن في موضع مفعول من أجله تقديره : أعظك كراهة أن تكون من الجاهلين ، وليس في ذلك وصف له بالجهل ، بل فيه ملاطفة وإكرام (اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا) أي اهبط من السفينة بسلامة (وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ) أي ممن معك في السفينة ، واختار الزمخشري أن يكون المعنى من ذرية من معك ، ويعني به المؤمنين إلى يوم القيامة ، فمن على هذا لابتداء الغاية ، والتقدير على أمم ناشئة ممن معك ، وعلى الأول تكون من لبيان الجنس (وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ) يعني نمتعهم متاع الدنيا وهم الكفار إلي يوم القيامة.

(تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ) إشارة إلى القصة ، وفي الآية دليل على أن القرآن من عند الله ؛ لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكن يعلم ذلك قبل الوحي (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ) يعني في عبادتهم لغير الله (يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) السماء هنا المطر ومدرارا بناء تكثير من الدرّ يقال : درّ المطر واللبن وغيره ، وفي الآية دليل على أن الاستغفار والتوبة سبب لنزول الأمطار ، وروي أن عادا كان حبس عنهم المطر ثلاث سنين ، فأمرهم بالتوبة والاستغفار ، ووعدهم على ذلك بالمطر ، والمراد بالتوبة هنا الرجوع عن الكفر ، ثم عن الذنوب ، لأن التوبة من الذنوب لا تصح إلا بعد الإيمان (قالُوا يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ) أي بمعجزة ، وذلك كذب منهم وجحود ، أو يكون معناه بآية تضطرنا إلى

٣٧٢

إِن نَّقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤) مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ (٥٥) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (٥٦) فَإِن تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٥٧) وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (٥٨) وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (٥٩) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ (٦٠) وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا

________________________________________________________

الإيمان بك ، وإن كان قد أتاهم بآية نظرية (عَنْ قَوْلِكَ) أي بسبب قولك (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ) معناه ما نقول إلا أن بعض آلهتنا أصابك بجنون لما سببتها ونهيتنا عن عبادتها (فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ) هذا أمر بمعنى التعجيز أي : لا تقدرون أنتم ولا آلهتكم على شيء ، ثم ذكر سبب قوته في نفسه وعدم مبالاته بهم ، فقال : إني توكلت على الله الآية (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) أي : هي في قبضته وتحت قهره ، والأخذ بالناصية تمثيل لذلك ، وهذه الجملة تعليل لقوة توكله على الله وعدم مبالاته بالخلق (إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) يريد أن أفعال الله جميلة وقوله صدق ووعده حق ، فالاستقامة تامة (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ) أصل تولوا هنا تتولوا لأنه فعل مستقبل حذفت منه تاء المضارعة ، فإن قيل : كيف وقع الإبلاغ جوابا للشرط ، وقد كان الإبلاغ قبل التولي؟ فالجواب : أن المعنى إن تتولوا فلا عتب عليّ لأني قد أبلغتكم رسالة ربي (وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً) أي لا تنقصونه شيئا : أي إذا أهلككم واستخلف غيركم (وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) إن قيل : لم قال هنا وفي قصة شعيب ولما بالواو وقال في قصة صالح ولوط : فلما بالفاء؟ فالجواب على ما قال الزمخشري أنه وقع ذلك في قصة صالح ولوط بعد الوعيد ، فجيء بالفاء التي تقتضي التسبيب كما تقول وعدته فلما جاء الميعاد بخلاف قصة هود وشعيب ، فإنه لم يتقدم ذلك فيهما فعطف بالواو (وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) يحتمل أن يريد به عذاب الآخرة ، ولذلك عطفه على النجاة الأولى التي أراد بها النجاة من الريح ، ويحتمل أن يريد بالثاني أيضا الريح ، وكرره إعلاما بأنه عذاب غليظ ، وتعديدا للنعمة في نجاتهم (وَعَصَوْا رُسُلَهُ) في جميع الرسل هنا وجهان : أحدهما أن من عصى رسولا واحدا لزمه عصيان جميعهم فإنهم متفقون على الإيمان بالله وعلى توحيده ، والثاني أن يراد الجنس كقولك : فلان يركب الخيل وإن لم يركب إلا فرسا واحدا (أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ) هذا تشنيع لكفرهم ، وتهويل بحرف التنبيه وبتكرار اسم عاد (أَلا بُعْداً) أي هلاكا وهذا دعاء عليهم وانتصابه بفعل مضمر ، فإن قيل : كيف دعا عليهم بالهلاك بعد أن هلكوا؟ فالجواب أن المراد أنهم أهل لذلك (لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ) بيان لأن عادا اثنان : إحداهما قوم هود ، والأخرى إرم (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ) لأن آدم خلق من تراب (وَاسْتَعْمَرَكُمْ

٣٧٣

إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ (٦١) قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٦٢) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ (٦٣) وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ (٦٤) فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (٦٥) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (٦٦) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (٦٧) كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِّثَمُودَ (٦٨) وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (٦٩) فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ (٧٠) وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (٧١)

________________________________________________________

فِيها) أي جعلكم تعمرونها. فهو من العمران للأرض ، وقيل : هو من العمر نحو استبقاكم من البقاء (قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا) أي : كنا نرجو أن ننتفع بك حتى قلت ما قلت ، وقيل : المعنى كنا نرجو أن تدخل في ديننا (فِي دارِكُمْ) أي بلدكم (ثَلاثَةَ أَيَّامٍ) قيل : إنها الخميس والجمعة والسبت ، لأنهم عقروا الناقة يوم الأربعاء ، وأخذهم العذاب يوم الأحد (وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ) معطوف على نجينا أي نجيناهم من خزي يومئذ (جاثِمِينَ) ذكر في الأعراف (كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها) أي : كأن لم يقيموا فيها والضمير للدار ، وكذلك في قصة شعيب.

(وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا) الرسل هنا الملائكة (إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى) بشروه بالولد (قالُوا سَلاماً) نصب على المصدر والعامل فيه فعل مضمر تقديره سلمنا عليكم سلاما (قالَ سَلامٌ) تقديره عليكم سلام وسلام عليكم ، وهذا على أن يكون بمعنى التحية ، وإنما رفع جوابه ليدل على إثبات السلام ، فيكون قد حيّاهم بأحسن مما حيّوه ، ويحتمل أن يكون السلام بمعنى السلامة ، ونصب الأول لأنه بمعنى الطلب ، ورفع الثاني لأنه في معنى الخبر (فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ) أي ما لبث مجيئه بل عجّل وما نافية وأن جاء فاعل لبث (بِعِجْلٍ حَنِيذٍ) أي مشويّ ، وفعيل هنا بمعنى مفعول (نَكِرَهُمْ) أي أنكرهم ولم يعرفهم ، يقال : نكر وأنكر بمعنى واحد (وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً) قيل : إنه لم يعرفهم فخاف منهم لما لم يأكلوا طعامه ، وقيل : عرف أنهم ملائكة ولكن خاف أن يكونوا أرسلوا بما يخاف فأمنوه بقولهم : لا تخف (وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ) قيل : قائمة خلف الستر ، وقيل : قائمة في الصلاة ، وقيل : قائمة تخدم القوم ، واسمها سارة (فَضَحِكَتْ) قيل : معناه حاضت ، وهو ضعيف ، وقال الجمهور : هو الضحك المعروف واختلفوا من أي شيء ضحكت ، فقيل : سرورا بالولد الذي بشرت به ؛ ففي الكلام على هذا تقديم وتأخير ، وقيل : سرورا بالأمن بعد الخوف ، وقيل : سرورا بهلاك قوم لوط (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ) أسند البشارة إلى ضمير الله تعالى ، لأنها كانت بأمره (وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ) أي من بعده وهو ولده ، وقيل :

٣٧٤

قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (٧٢) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ (٧٣) فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ (٧٤) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ (٧٥) يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ (٧٦) وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (٧٧) وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ (٧٨) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (٧٩) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (٨٠) قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن

________________________________________________________

الوراء ولد الولد ويعقوب بالرفع مبتدأ ، وبالفتح معطوف على إسحاق (قالَتْ يا وَيْلَتى) الألف فيه مبدلة من ياء المتكلم ، وكذلك في يا لهفي ويا أسفى ويا عجبا ، ومعناه التعجب من الولادة ، وروي أنها كانت حينئذ بنت تسع وتسعين سنة ، وإبراهيم ابن مائة سنة (رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ) يحتمل الدعاء والخبر (أَهْلَ الْبَيْتِ) أي أهل بيت إبراهيم ، وهو منصوب بفعل مضمر على الاختصاص ، أو منادى (حَمِيدٌ) أي محمود (مَجِيدٌ) من المجد وهو العلو والشرف (يُجادِلُنا) هو جواب لمّا على أن يكون المضارع في موضع الماضي ، أو على تقدير ظل أو أخذ يجادلنا ويكون : يجادلنا مستأنفا والجواب محذوف ، ومعنى جداله كلامه مع الملائكة في رفع العذاب عن قوم لوط ، وقد ذكر في اللغات (لَحَلِيمٌ) وفي براءة أواه.

(يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) أي قلنا : يا إبراهيم أعرض عن هذا يعني عن المجادلة فيهم فقد نفذ القضاء بعذابهم (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ) الرسل هم الملائكة ومعنى سيء بهم أصابه سوء وضجر لما ظن أنهم من بني آدم وخاف عليهم من قومه (يَوْمٌ عَصِيبٌ) أي شديد (وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ) أي يسرعون وكانت امرأة لوط قد أخبرتهم بنزول الأضياف عنده ، فأسرعوا ليعملوا بهم عملهم الخبيث (مِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) أي كانت عادتهم إتيان الفواحش في الرجال (قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي) المعنى فتزوجوهن ، وإنما قال ذلك ليقي أضيافه ببناته ، وقيل : اسم بناته الواحدة رئيا ، والأخرى غوثا وأن اسم امرأته الهالكة والهة ، واسم امرأة نوح والقة (قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍ) أي : ما لنا فيهم أرب (وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ) يعنون نكاح الذكور (قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً) جواب لو محذوف تقديره : لو كانت لي قدرة على دفعكم لفعلت ، ويحتمل أن تكون لو للتمني (أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) معنى آوى ألجأ ، والمراد بالركن الشديد : ما يلجأ إليه من عشيرة وأنصار يحمونه من قومه ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : يرحم الله أخي لوطا ؛ لقد كان يأوي إلى ركن شديد : يعني إلى الله والملائكة (قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ) الضمير في قالوا للملائكة ، والضمير في لن يصلوا لقوم لوط ، وذلك أن الله طمس على أعينهم حينئذ (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) أي اخرج بهم بالليل ، فإن العذاب

٣٧٥

يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (٨١) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ (٨٢) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (٨٣) وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ (٨٤) وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٨٥) بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ (٨٦) قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا

________________________________________________________

ينزل بأهل هذه المدائن ، وقرئ فأسر بوصل الألف وقطعها ، وهما لغتان يقال سرى وأسرى (بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ) أي قطعة منه (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) نهوا عن الالتفات ؛ لئلا تتفطر أكبادهم على قريتهم ، وقيل : يلتفت معناه يلتوي (إِلَّا امْرَأَتَكَ) قرئ بالنصب والرفع (١) ، فالنصب استثناء من قوله فأسر بأهلك ، فيقتضي هذا أنه لم يخرجها مع أهله ، والرفع بدل من ولا يلتفت منكم أحد ، وروي على هذا أنه أخرجها معه ، وأنها التفتت وقالت : يا قوماه فأصابها حجر فقتلها (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ) أي وقت عذابهم الصبح (أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) ذكر أنهم لما قالوا : إن موعدهم الصبح قال لهم لوط : هلا عذبوا الآن ، فقالوا له : أليس الصبح بقريب (جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها) الضمير للمدائن روي أن جبريل أدخل جناحه تحت مدائن قوم لوط ، واقتلعها فرفعها حتى سمع أهل السماء صراخ الديكة ونباح الكلاب ، ثم أرسلها مقلوبة (وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً) أي على المدائن ، والمراد أهلها. روي أنه من كان منهم خارج المدائن أصابته حجارة من السماء ، وأما من كان في المدائن فهلك لما قلبت (مِنْ سِجِّيلٍ) قيل : معناه من ماء وطين ، وإنما كان من الآجر المطبوخ وقيل : من سجله إذا أرسله ، وقيل : هو لفظ أعجمي (مَنْضُودٍ) أي مضموم بعضه فوق بعض (مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ) معناه : معلّمة بعلامة ، روي أنه كان فيها بياض وحمرة ، وقيل كان في كل حجر اسم صاحبه (وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) الضمير للحجارة والمراد بالظالمين كفار قريش ، فهذا تهديد لهم أي ليس الرمي بالحجارة ببعيد منهم لأجل كفرهم ، وقيل : الضمير للمدائن ، فالمعنى ليست ببعيدة منهم أفلا يعتبرون بها كقوله : (وَلَقَدْ أَتَوْا عَلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ) [الفرقان : ٤٠] وقيل : إن الظالمين على العموم (إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ) يعني رخص الأسعار وكثرة الأرزاق (عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ) يوم القيامة أو يوم عذابهم في الدنيا (بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ) أي ما أبقاه الله لكم من رزقه ونعمته ، (أَصَلاتُكَ (٢) تَأْمُرُكَ) الصلاة هي المعروفة ونسب الأمر إليها مجاز كقوله : (إِنَّ

__________________

(١). قرأ ابن كثير وأبو عمرو : امرأتك بالرفع وقرأ الباقون بالنصب.

(٢). أصلاتك هي قراءة حمزة والكسائي وحفص ، وقرأ الباقون : أصلواتك.

٣٧٦

نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (٨٧) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (٨٨) وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ (٨٩) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (٩٠) قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (٩١) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٩٢) وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (٩٣) وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (٩٤) كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (٩٥) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (٩٦)

________________________________________________________

الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) [العنكبوت : ٤٥] والمعنى أصلاتك تأمرك أن نترك عبادة الأوثان ، وإنما قال الكفار هذا على وجه الاستهزاء (أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا) يعنون ما كانوا عليه من بخس المكيال والميزان ، وأن نفعل عطف على أن نترك (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) قيل : إنهم قالوا ذلك على وجه التهكم والاستهزاء ، وقيل : معناه الحليم الرشيد عند نفسك (وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً) أي سالما من الفساد الذي أدخلتم في أموالكم ، وجواب أرأيتم محذوف يدل عليه المعنى وتقديره : أرأيتم إن كنت على بينة من ربي أيصلح لي ترك تبليغ رسالته (وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ) يقال : خالفني فلان إلى كذا إذا قصده وأنت مول عنه ، وخالفني عنه إذا ولى عنه وأنت قاصده (وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ) أي لا يكسبنكم عداوتي أن يصيبكم مثل عذاب الأمم المتقدمة ، وشقاقي فاعل ، وأن يصيبكم مفعول (وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) يعني في الزمان لأنهم كانوا أقرب الأمم الهالكين إليهم ، ويحتمل أن يراد ببعيد في البلاد (ما نَفْقَهُ) أي ما نفهم (وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً) أي ضعيف الانتصار والقدرة ، وقيل : نحيل البدن ، وقيل : أعمى (وَلَوْ لا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ) الرهط : القرابة والرجم بالحجارة أو بالسب (أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ) هذا توبيخ لهم فإن قيل : إنما وقع كلامهم فيه وفي رهطه وأنهم هم الأعزة دونه فكيف طابق جوابه كلامهم؟ فالجواب : أن تهاونهم به وهو رسول الله تهاون بالله فلذلك قال : أرهطي أعزّ عليكم من الله (وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا) الضمير في اتخذتموه لله تعالى أو لدينه وأمره ، والظهري ما يطرح وراء الظهر ولا يعبأ به ، وهو منسوب إلى الظهر بتغيير النسب.

(اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) تهديد ومعنى مكانتكم تمكنكم في الدنيا وعزتكم فيها (مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ) عذاب الدنيا والآخرة (وَارْتَقِبُوا) تهديد (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا)

٣٧٧

إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ (٩٧) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (٩٨) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (٩٩) ذَلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (١٠٠) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِن ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (١٠١) وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (١٠٢) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ (١٠٣) وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلَّا لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ (١٠٤) يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (١٠٥) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (١٠٦) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ (١٠٧) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ

________________________________________________________

أي بالمعجزات (وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) أي برهان بين (يَقْدُمُ قَوْمَهُ) أي يتقدم قدّامهم في النار كما كانوا في الدنيا يتبعونه على الضلال والكفر (فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ) الورود هنا بمعنى : الدخول ، وذكره بلفظ الماضي لتحقق وقوعه (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ) عطف على في هذه فإن المراد به في الدنيا (بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ) أي العطية المعطاة (قائِمٌ وَحَصِيدٌ) باق وداثر (فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ) حجة على التوحيد ونفي الشريك (تَتْبِيبٍ) أي تخسير (يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ) أي يجمعون فيه للحساب والثواب والعقاب ، وإنما عبر باسم المفعول دون الفعل ليدل على ثبوت الجمع لذلك اليوم ، لأن لفظ مجموع أبلغ من لفظ يجمع (يَوْمٌ مَشْهُودٌ) أي يحضره الأولون والآخرون (يَوْمَ يَأْتِ) العامل في الظرف لا تكلم أو فعل مضمر ؛ وفاعل يأت ضمير يعود على يوم مشهود وقال الزمخشري يعود على الله تعالى كقوله : (أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ) [الأنعام : ١٥٨] ويعضده عود الضمير عليه في قوله بإذنه (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) الضمير يعود على أهل الموقف الذي دل عليهم قوله : لا تكلم نفس (زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) الزفير : إخراج النفس ، والشهيق ردّه ، وقيل : الزفير صوت المحزون ، والشهيق صوت الباكي ، وقيل : الزفير من الحلق ، والشهيق من الصدر (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) فيه وجهان أحدهما أن يراد به سموات الآخرة وأرضها وهي دائمة أبدا ، والآخر أن يكون عبارة عن التأبيد كقول العرب : ما لاح كوكب وما ناح الحمام وشبه ذلك مما يقصد به الدوام (١) (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) في هذا الاستثناء ثلاثة أقوال : قيل إنه على طريق التأدب مع الله كقولك : إن شاء الله ، وإن كان الأمر واجبا ، وقيل : المراد به زمان خروج المذنبين من النار ، ويكون الذين شقوا على هذا يعم الكفار والمذنبين ، وقيل : استثنى مدة كونهم في الدنيا وفي البرزخ ، وأما الاستثناء في أهل الجنة فيصح فيه القول

__________________

(١). قوله سبحانه : وأما الذين سعدوا بضم السين نهى قراءة حفص وحمزة والكسائي ، وقرأ الباقون سعدوا بالنصب.

٣٧٨

خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨) فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّمَّا يَعْبُدُ هَؤُلَاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنقُوصٍ (١٠٩) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ (١١٠) وَإِنَّ كُلًّا لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١١) فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١١٢) وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ (١١٣) وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ (١١٤) وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١١٥) فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا

________________________________________________________

الأول والثالث دون الثاني (غَيْرَ مَجْذُوذٍ) أي غير مقطوع (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ) المرية الشك والإشارة إلى عبدة الأصنام ، أي لا تشك في فساد دين هؤلاء (ما يَعْبُدُونَ إِلَّا كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ) أي : هم متبعون لآبائهم تقليدا من غير برهان (وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ) يعني من العذاب (كَلِمَةٌ سَبَقَتْ) يعني : القدر ، وذلك أن الله قضى أن يفصل بينهم يوم القيامة فلا يفصل في الدنيا (وَإِنَّ كُلًّا) قرئ بتشديد إن وبتخفيفها ، وإعمالها عمل الثقيلة ، والتنوين في كل عوضا من المضاف إليه يعني كلهم ، واللام في لما موطئة للقسم ، وما زائدة ، وليوفينّهم خبر إن ، وقرئ لما بالتشديد على أن تكون إن نافية ، ولمّا بمعنى إلا (لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) أي جزاء أعمالهم (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا) يعني : الكفار ، وقيل : إنهم الظلمة من الولاة وغيرهم (ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) مستأنف غير معطوف ، وإنما قال : ثم لبعد النصرة (وَأَقِمِ الصَّلاةَ) الآية : يراد بها الصلوات المفروضة ، فالطرف الأول الصبح والطرف الثاني الظهر والعصر ، والزلف من الليل المغرب والعشاء (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) لفظه عام ، وخصصه أهل التأويل بأن الحسنات الصلوات الخمس ، ويمكن أن يكون ذلك على وجه التمثيل ، روي أن رجلا قبل امرأة ثم ندم ، فذكر ذلك للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وصلى معه الصلاة ؛ فنزلت الآية فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أين السائل ، فقال ها أنذا ؛ فقال قد غفر لك ، فقال الرجل : ألي خاصة أو المسلمين عامة؟ فقال بل للمسلمين عامة ، والآية على هذا مدنية ، وقيل : إن الآية كانت قبل ذلك ذكرها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم للرجل مستدلا بها ، فالآية على هذا مكية كسائر السورة ، وإنما تذهب الحسنات عند الجمهور الصغائر إذا اجتنبت الكبائر (ذلِكَ) إشارة إلى الصلوات ، أو إلى كل ما تقدم من وعظ ووعد ووعيد (فَلَوْ لا) تحضيض بمعنى هلا (أُولُوا بَقِيَّةٍ) أي أولو خير ودين بقي لهم دون غيرهم (إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ) استثناء منقطع معناه : ولكن قليلا ممن أنجينا من القرون ينهون عن الفساد في الأرض ، وقيل : هو متصل فإن الكلام الذي قبله في حكم النفي كأنه قال : ما كان فيهم من ينهى عن الفساد في الأرض إلا قليلا ، على أن الوجه في

٣٧٩

مُجْرِمِينَ (١١٦) وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (١١٧) وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١١٩) وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (١٢٠) وَقُل لِّلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (١٢١) وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ (١٢٢) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٢٣)

________________________________________________________

مثل هذا البدل ويجوز فيه النصب (الَّذِينَ ظَلَمُوا) يعني الذين لم ينهوا عن الفساد (بِظُلْمٍ) هذا المجرور في موضع الحال من ربك والمعنى أنه لا يهلك أهل القرى ظالما لهم ، تعالى الله عن ذلك (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً) يعني مؤمنة لا خلاف بينهم في الإيمان (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) يعني في الأديان والملل والمذاهب (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) قيل : الإشارة إلى الاختلاف ، وقيل : إلى الرحمة وقيل إليهما (وَكُلًّا نَقُصُ) انتصب كلا بنقص وما بدل من كلا (وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُ) الإشارة إلى السورة (اعْمَلُوا وَانْتَظِرُوا) تهديد لهم وإقامة حجة عليهم.

٣٨٠