التسهيل لعلوم التنزيل - ج ١

محمّد بن أحمد بن جزي الغرناطي

التسهيل لعلوم التنزيل - ج ١

المؤلف:

محمّد بن أحمد بن جزي الغرناطي


المحقق: الدكتور عبد الله الخالدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: شركة دار الأرقم بن أبي الأرقم للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٨٧
الجزء ١ الجزء ٢

أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (٧) اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ (٨) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (٩) سَوَاءٌ مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (١٠) لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ

________________________________________________________

من نزول ملك معه أو شبه ذلك ، ولم يعتبروا بالقرآن ولا بغيره من الآيات العظام التي جاء بها ، وذلك منهم معاندة (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ) أي إنما عليك إنذارهم ، وليس عليك أن تأتيهم بآية إنما ذلك إلى الله (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) فيه ثلاثة أقوال : أحدها أن يراد بالهادي الله تعالى ، فالمعنى إنما عليك الإنذار والله هو الهادي لمن يشاء إذا شاء ، والوجه الثاني : أن يريد بالهادي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فالمعنى إنما أنت نبي منذر ، ولكل قوم هاد من الأنبياء ينذرهم فليس أمرك ببدع ولا مستنكر. الثالث : روي أنها لما نزلت قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أنا المنذر وأنت يا عليّ الهادي (١).

(اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى) كقوله : يعلم ما في الأرحام ، وهي من الخمس التي لا يعلمها إلا الله ، ويعني يعلم هل هو ذكر أو أنثى ، أو تام أو خداج ، أو حسن أو قبيح ، أو غير ذلك (وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ) معنى تغيض تنقص ، ومعنى تزداد من الزيادة ، وقيل : إن الإشارة بدم الحيض فإنه يقل ويكبر وقيل : للولد فالغيض السقط ، أو الولادة لأقل من تسعة أشهر ، والزيادة إبقاؤه أكثر من تسعة أشهر ، ويحتمل أن تكون ما في قوله : (ما تَحْمِلُ) و (ما تَغِيضُ) و (ما تَزْدادُ) : موصولة أو مصدرية (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ) المعنى إن الله يسمع كل شيء ، فالجهر والإسرار عنده سواء. وفي هذا وما بعده تقسيم ، وهو من أدوات البيان ، فإنه ذكر أربعة أقسام ، وفيه أيضا مطابقة (وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ) المعنى ؛ سواء عند الله المستخفي بالليل وهو في غاية الاختفاء مع السارب بالنهار ، وهو في غاية الظهور ومعنى السارب : المتصرف في سربه بالفتح : أي في طريقه ووجهه ، والسارب والمستخفي اثنان قصد التسوية بينهما في اطلاع الله عليهما ، مع تباين حالهما ، وقيل : إن المستخفي بالليل والسارب بالنهار : صفتان لموصوف بينهما في اطلاع الله عليهما مع تباين حالهما ، وقيل : إن المستخفي بالليل والسارب بالنهار : صفتان لموصوف واحد يستخفي بالليل ويظهر بالنهار ، ويعضد هذا كونه قال : وسارب ، فعطفه عطف الصفات ولم يقل ومن هو سارب بتكرار من كما قال ، (مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ) ، إلا أنّ جعلهما اثنين أرجح ليقابل من أسر القول ومن جهر به ، فيكمل التقسيم إلى أربعة على هذا ، ويكون قوله : (وَسارِبٌ) عطف على الجملة وهو قوله : ومن هو مستخف لا على مستخف وحده (لَهُ مُعَقِّباتٌ) المعقبات هنا جماعة الملائكة ، وسميت معقبات لأن بعضهم يعقب بعضا ، والضمير في له يعود على من المتقدّمة ، كأنه قال : لمن أسر ومن جهر ، ولمن استخفى ومن ظهر له معقبات ، وقيل : يعود على الله وهو قول ضعيف ؛ لأن الضمائر التي بعده تعود على العبد باتفاق (يَحْفَظُونَهُ) صفة للمعقبات ، وهذا الحفظ يحتمل أن يراد

__________________

(١). انظر لمزيد اطلاع ما جاء في الطبري.

٤٠١

أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ (١١) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (١٢) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (١٣) لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (١٤) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (١٥)

________________________________________________________

به حفظ أعماله أو حفظه وحراسته من الآفات (مِنْ أَمْرِ اللهِ) صفة للمعقبات أي معقبات من أجل أمر الله أي أمرهم بحفظه ، وقرئ بأمر الله ، وهذه القراءة تعضد ذلك ، ولا يتعلق من أمر الله على هذا ليحفظونه ، وقيل : يتعلق به على أنهم يحفظونه من عقوبة الله إذا أذنب بدعائهم له واستغفارهم (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ) من العافية والنعم (حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) بالمعاصي ، فيقتضي ذلك أن الله لا يسلب النعم ، ولا يترك النقم إلا بالذنوب (يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً) الخوف يكون مع البرق من الصواعق والأمور الهائلة ، والطمع في المطر الذي يكون معه (السَّحابَ الثِّقالَ) وصفها بالثقل ، لأنها تحمل الماء (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ) الرعد اسم ملك وصوته المسموع تسبيح ، وقد جاء في الأثر : أن صوته زجر للسحاب ، فعلى هذا يكون تسبيحه غير ذلك (وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ) قيل : إنه إشارة إلى الصاعقة التي نزلت على أربد [بن ربيعة] الكافر ، وقتلته حين هم بقتل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو وأخوه [لأمه] عامر بن الطفيل [العامري] (١) واللفظ أعم من ذلك (وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ) يعني الكفار ، والواو للاستئناف أو للحال (شَدِيدُ الْمِحالِ) أي شديد القوة ، والمحال مشتق من الحيلة ، فالميم زائدة ، ووزنه مفعل ، وقيل : معناه شديد المكر من قولك : محل بالرجل إذا مكر به ، فالميم على هذا أصلية ووزنه فعال وتأويل المكر على هذا القول كتأويله في المواضع التي وردت في القرآن.

(لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِ) قيل : هي لا إله إلا الله ، والمعنى أن دعوة العباد بالحق لله ودعوتهم بالباطل لغيره (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ) يعني بالذين : ما عبدوا من دون الله من الأصنام وغيرهم ، والضمير في يدعون للكفار ، والمعنى أن المعبودين لا يستجيبون لمن عبدهم (إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ) شبّه إجابة الأصنام لمن عبدهم بإجابة الماء لمن بسط إليه كفيه ، وأشار إليه بالإقبال إلى فيه ، ولا يبلغ فمه على هذا أبدا ؛ لأن الماء جماد لا يعقل المراد ، فكذلك الأصنام ، والضمير في قوله : وما هو الماء ، وفي ببالغه للفم.

(وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً) من لا تقع إلا على من يعقل ، فهي هنا يراد بها الملائكة والإنس والجن ، فإذا جعلنا السجود بمعنى الانقياد لأمر الله

__________________

(١). انظر قصتهما في تفسير الطبري.

٤٠٢

قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (١٦) أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (١٧) لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ

________________________________________________________

وقضائه ؛ فهو عام في الجميع : من شاء منهم ومن أبى ، ويكون طوعا لمن أسلم وكرها لمن كره وسخط ، وإن جعلنا السجود هو المعروف بالجسد ، فيكون لسجود الملائكة والمؤمنين من الإنس والجن طوعا ، وأما الكره فهو سجود المنافق وسجود ظل الكافر (وَظِلالُهُمْ) معطوف على من والمعنى أن الظلال تسجد غدوة وعشية ، وسجودها انقيادها للتصرف بمشيئة الله سبحانه وتعالى (قُلِ اللهُ) جواب عن السؤال المتقدم ، وهو من رب السموات والأرض ، وإنما جاء الجواب والسؤال من جهة واحدة ، لأنه أمر واضح لا يمكن جحده ولا المخالفة فيه ، ولذلك أقام به الحجة على المشركين بقوله : أفاتخذتم من دونه أولياء.

(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) الأعمى تمثيل للكافر ، والبصير تمثيل للمؤمن (الظُّلُماتُ) الكفر (وَالنُّورُ) الإيمان ، وذلك كله على وجه التشبيه والتمثيل (أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ) أم هنا بمعنى بل والهمزة ، وخلقوا صفة لشركاء والمعنى : أن الله وقفهم [سألهم] هل خلق شركاؤهم خلقا كخلق الله ، فحملهم ذلك واشتباهه بما خلق الله على أن جعلوا إلها غير الله؟ ثم أبطل ذلك بقوله : (قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) فحصل الردّ عليهم (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها) الآية : هذا مثل ضربه الله للحق وأهله والباطل وحزبه ، فمثل الحق وأهله بالماء الذي ينزل من السماء فتسيل به الأودية ، وينتفع به أهل الأرض ، وبالذهب والفضة والحديد والصفر [النحاس] وغيرها من المعادن التي ينتفع بها الناس ، وشبه الباطل في سرعة اضمحلاله وزواله بالزبد الذي يربى به السيل ويريد تلك المعادن التي يطفو فوقها إذا أذيبت ، وليس في الزبد منفعة ، وليس له دوام (بِقَدَرِها) يحتمل أن يريد ما قدر لها من الماء ، ويحتمل أن يريد بقدر ما تحتمله على قدر صغرها وكبرها (زَبَداً رابِياً) الزبد ما يحمله السيل من غثاء ونحوه ، والرابي المنتفخ الذي ربا ومنه الربوة (وَمِمَّا يُوقِدُونَ) المجرور في موضع خبر المقدم ، والمبتدأ زبد مثله : أي ينشأ من الأشياء التي يوقد عليها زبد السيل (ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ) الذي يوقد عليه ابتغاء الحلي : هو الذهب والفضة ، والذي يوقد عليه ابتغاء متاع هو الحديد والرصاص والنحاس والصفر وشبه ذلك ، والمتاع ما يستمتع الناس به في مرافقهم وحوائجهم (يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ) أي يضرب أمثال الحق والباطل (جُفاءً) يجفاه السيل ، أي يرمي به (وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) يريد الخالص من الماء ومن تلك الأحجار (لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى) الذين استجابوا هم المؤمنون ، وهذا استئناف كلام ،

٤٠٣

يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (١٨) أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (١٩) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ (٢٠) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (٢١) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (٢٢) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ (٢٣) سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (٢٤) وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٢٥) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ (٢٦) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (٢٧)

________________________________________________________

والحسنى : الجنة ، وإعرابها مبتدأ وخبرها : للذين استجابوا ، والذين استجابوا مبتدأ وخبره لو أن لهم ما في الأرض الآية فيوقف على الأمثال ، وعلى الحسنى ، وقيل : للذين استجابوا يتعلق بيضرب ، والحسنى مصدر من معنى استجابوا : أي استجابوا الاستجابة الحسنى ، والذين لم يستجيبوا معطوف على الذين استجابوا ، والمعنى : يضرب الله الأمثال للطائفتين ، وعلى هذا إنما يوقف على : والذين لم يستجيبوا له (سُوءُ الْحِسابِ) أي المناقشة والاستقصاء.

(أَفَمَنْ يَعْلَمُ) تقرير. والمعنى أسواء من آمن ومن لم يؤمن ، والأعمى هنا من لم يؤمن بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «وقيل : إنها نزلت في حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه ، وأبي جهل لعنه الله (يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ) القرابات وغيرها (وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ) قيل يدفعون الشرك بقول لا إله إلا الله ، وقيل : يدفعون من أساء إليهم بالتي هي أحسن ، والأظهر يفعلون الحسنات فيدرءون بها السيئات كقوله : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) [هود : ١١٤] ، وقيل : إن هذه الآية نزلت في الأنصار ، ثم هي عامة في كل مؤمن اتصف بهذه الصفات (عُقْبَى الدَّارِ) يعني الجنة ، ويحتمل أن يريد بالدار : الآخرة وأضاف العقبى إليها لأنها فيها ، ويحتمل أن يريد بالدار الدنيا ، وأضاف العقبى إليها لأنها عاقبتها (جَنَّاتُ عَدْنٍ) بدل من عقبى الدار ، أو خبر ابتداء مضمر تفسيرا لعقبى الدار (وَمَنْ صَلَحَ) أي من كان صالحا (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) أي يقولون لهم : سلام عليكم (بِما صَبَرْتُمْ) يتعلق بمحذوف تقديره : هذا بما صبرتم ويجوز أن يتعلق بسلام أي ليسلم عليكم بما صبرتم (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ) إلى آخر الآية أوصاف مضافة كما تقدم وقيل : إنها في الخوارج ، والأظهر أنها في الكفار (سُوءُ الدَّارِ) يحتمل أن يراد بها الدنيا والآخرة (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) أي يوسع على ما من يشاء ، ويضيق على من يشاء ، وهذا تفسيره حيث وقع (وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا) إخبار في ضمنه ذم وتسفيه لمن فرح بالدنيا ، لذلك حقرها بقوله : وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع ؛ أي : قليل بالنظر إلى الآخرة (قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) خرج به مخرج

٤٠٤

الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (٢٩) كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ (٣٠) وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَل لِّلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَن لَّوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (٣١) وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (٣٢) أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ

________________________________________________________

التعجب منهم لما طلبوا آية ، أي قد جاءكم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالقرآن وآيات كثيرة فعميتم عنها ، وطلبتم غيرها وتماديتم على الكفر ، لأنّ الله يضل من يشاء مع ظهور الآيات ، وقد يهدي من يشاء دون ذلك (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ) بدل من من أناب ، أو خبر ابتداء مضمر والذين آمنوا وعملوا الصالحات بدل ثان ، أو مبتدأ (طُوبى) مصدر من طاب كبشرى ومعناها أصابت خيرا وطيبا ، وقيل : هي شجرة في الجنة ، وإعرابها مبتدأ.

(كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ) الكاف تتعلق بالمعنى الذي في قوله : يضل من يشاء ويهدي من يشاء (وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ) قيل : إنها نزلت في أبي جهل ، وقيل نزلت في قريش حين عاهدهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام الحديبية ، فكتب الكاتب بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال قائلهم : نحن لا نعرف الرحمن ، وهذا ضعيف ، لأن الآية نزلت قبل ذلك ولأن تلك القصة إنما أنكروا فيها التسمية فقط ، ومعنى الآية : أنهم يكفرون بالله مع تلاوة القرآن عليهم (مَتابِ) مفعل من التوبة وهو اسم مصدر (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ) الآية : جواب لو محذوف تقديره : لو أن قرآنا على هذه الصفة من تسيير الجبال ، وتقطيع الأرض وتكليم الموتى لم يؤمنوا به ، فالمعنى كقوله : لا يؤمنوا ولو جاءتهم كل آية ، وقيل تقديره : ولو أن قرآنا على هذه الصفة لكان هذا القرآن الذي هو غاية في التذكير ونهاية في الإنذار كقوله : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً) [الحشر : ٢١] ، وقيل هو متعلق بما قبله والمعنى ، وهم يكفرون بالرحمن ولو أن قرآنا سيرت به الجبال (أَفَلَمْ يَيْأَسِ) معناه أفلم يعلم وهي لغة هوازن (وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا) يعني كفار قريش (قارِعَةٌ) يعني مصيبة في أنفسهم وأولادهم وأموالهم ، أو غزوات المسلمين إليهم (أَوْ تَحُلُ) الفاعل ضمير القارعة. والمعنى إما إن تصيبهم ، وإما أن تقرب منهم ، وقيل التاء للخطاب ، والفاعل ضمير المخاطب وهو النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والأول أظهر (حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ) هو فتح مكة ، وقيل قيام الساعة.

(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ) الآية مقصدها تأنيس وتسلية النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهكذا حيث وقع (فَأَمْلَيْتُ) أي أمهلتهم (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) هو الله تعالى أي حفيظ رقيب على عمل كل أحد ، والخبر محذوف تقديره : أفمن هو قائم على كل نفس بما

٤٠٥

سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (٣٣) لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ (٣٤) مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوا وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ (٣٥) وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَن يُنكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ (٣٦) وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ (٣٧) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (٣٨)

________________________________________________________

كسبت أحق أن يعبد أم غيره؟ ويدل على ذلك قوله : وجعلوا لله شركاء (قُلْ سَمُّوهُمْ) أي اذكروا أسماءهم (أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ) المعنى : أن الله لا يعلم لنفسه شركاء وإذا لم يعلمهم هو فليسوا بشيء ، فكيف تفترون الكذب في عبادتهم ، وتعبدون الباطل ، وذلك كقولك : قل لي من زيد؟ أم هو أقل من أن يعرف فهو كالعدم (أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ) المعنى أتسمونهم شركاء بظاهر اللفظ من غير أن يكون لذلك حقيقة كقوله : (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ) [النجم : ٢٣] (لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) يعني بالقتل والأسر والخوف وغير ذلك.

(مَثَلُ الْجَنَّةِ) هنا وفي القتال [محمد : ١٥] صفتها ، وليس بضرب مثل لها ، والخبر عند سيبويه محذوف مقدم تقديره : فيما يتلى عليكم صفة الجنة ، وقال الفراء : الخبر مؤخر ، وهو تجري من تحتها الأنهار (أُكُلُها دائِمٌ) يعني ما يؤكل فيها من الثمرات وغيرها والأكل : بضم الهمزة المأكول ، ويجوز فيه ضم الكاف وإسكانها ، والأكل بفتح الهمزة المصدر (وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) يعني من أسلم من اليهود والنصارى كعبد الله بن سلام والنجاشي وأصحابه وقيل : يعني المؤمنين والكتاب على هذا القرآن (وَمِنَ الْأَحْزابِ) قيل : هم بنو أمية ، وبنو المغيرة من قريش والأظهر أنها في سائر كفار العرب ، وقيل : هم اليهود والنصارى ؛ لأنهم لا ينكرون القصاص والأشياء التي في كتبهم ، وإنما ينكرون البعض مما لا يعرفونه أو حرفوه (قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ) وجه اتصاله بما قبله أنه جواب المنكرين ، ورد عليهم كأنه قال : إنما أمرت بعبادة الله وتوحيده ، فكيف تنكرون هذا (مَآبِ) مفعل من الأوب وهو الرجوع ، أي مرجعي في الآخرة أو مرجعي بالتوبة (وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً) ردّ على من أنكر أن يكون الرسول من البشر أو يحتاج إلى ما يحتاج إليه البشر من النساء والذرية ، فالمعنى لست ببدع في ذلك ، بل أنت كمن تقدم من الرسل.

(وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) ردّ على الذين اقترحوا الآيات (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) قال الفراء لكل كتاب أجل بالعكس. وهذا لا يلزم ، بل المعنى صحيح من

٤٠٦

يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (٣٩) وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ (٤٠) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (٤١) وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (٤٢) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ (٤٣)

________________________________________________________

غير عكس ، أي لكل أجل كتاب كتبه الله في اللوح المحفوظ. (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ) (١) قيل : يعني ينسخ ما يشاء من القرآن والأحكام ، ويثبت منها ما يشاء ، وقيل : هي في آجال بني آدم ، وذلك أن الله تعالى قدر في ليلة القدر ، وقيل : في ليلة النصف من شعبان بكتب أجل من يموت في ذلك العام ، فيمحوه من ديوان الأحياء ، ويثبت من لا يموت في ذلك العام ، وقيل : إن المحو والإثبات على العموم في جميع الأشياء ، وهذا تردّه القاعدة المتقررة أن القضاء لا يبدل ، وأن علم الله لا يتغير ، فقال بعضهم : المحو والإثبات في كل شيء إلا في السعادة والشقاوة الأخروية ، والآجال (وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) أصل كل كتاب ، وهو اللوح المحفوظ الذي كتب الله فيه مقادير الأشياء كلها.

(وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ) إن شرط دخلت عليها ما المؤكدة وجوابها : (فَإِنَّما أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها) الإتيان هنا بالقدرة والأمر ، والأرض أرض الكفار ونقصها هو بما يفتح الله على المسلمين منها ، والمعنى أو لم يروا ذلك فيخافوا أن نمكنك منهم ، وقيل : الأرض جنس ، ونقصها بموت الناس ، وهلاك الثمرات وخراب البلاد (٢) وشبه ذلك (لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ) المعقب الذي يكر على الشيء فيبطله (فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً) تسمية للعقوبة باسم الذنب وسيعلم الكافر (٣) تهديد ، والمراد بالكافر الجنس بدليل قراءة (الْكُفَّارُ) بالجمع ، وعقبى الدار الدنيا والآخرة (قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) أمره الله أن يستشهد الله على صحة نبوته وشهادة الله له هي : علمه بذلك وإظهاره الآيات الدالة على ذلك (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ) معطوف على اسم الله على وجه الاستشهاد به ، وقيل : المراد عبد الله بن سلام ومن أسلم من اليهود والنصارى الذين يعلمون صفته صلى‌الله‌عليه‌وسلم من التوراة والإنجيل ، وقيل : المراد المؤمنون الذين يعلمون علم القرآن ودلالته على النبوّة ، وقيل : المراد الله تعالى ، فهو الذي عنده علم الكتاب ، ويضعف هذا ، لأنه عطف صفة على موصوف ، ويقويه قراءة : ومن عنده بمن الجارة وخفض عنده.

__________________

(١). ويثبت : بالتخفيف قراءة ابن كثير وأبو عمرو وعاصم. وبالتشديد : يثبّت : قرأ الباقون.

(٢). ربما دلت الآية على ما يحدث في الأرض من خسف وغرق لبعض الأماكن والجزر في المحيطات بسبب الزلازل والبراكين كما صار مشهورا في أيامنا.

(٣). قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو : الكافر وقرأ الباقون : الكفار.

٤٠٧

سورة إبراهيم

مكية إلا آيتي ٢٨ و ٢٩ فمدنيتان وآياتها ٥٢ نزلت بعد سورة نوح

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

الر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (١) اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (٢) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (٣) وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٤) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٥) وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلَاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ (٦) وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ

________________________________________________________

سورة إبراهيم عليه‌السلام

(لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) الخطاب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والظلمات الكفر والجهل ، والنور الإيمان والعلم (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) أي بأمره وهو إرساله (إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) بدل من إلى النور (اللهِ) قرئ بالرفع (١) وهو مبتدأ أو خبر مبتدأ مضمر ، وبالخفض بدل (يَسْتَحِبُّونَ) أي يؤثرون (وَيَبْغُونَها) قد ذكر (بِلِسانِ قَوْمِهِ) أي بلغتهم وكلامهم (أَنْ أَخْرِجْ) أن مفسرة أو مصدرية على تقدير بأن (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ) أي عقوباته للأمم المتقدمة ، وقيل : إنعامه على بني إسرائيل ، واللفظ يعم النعم والنقم ، وعبر عنها بالأيام لأنها كانت في أيام ، وفي ذلك تعظيم لها كقولهم يوم كذا ويوم كذا (وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ) ذكر هنا بالواو ، ليدل على أن سوء العذاب غير الذبح أو أعم من ذلك ثم جر الذبح كقوله وملائكته وجبريل وميكال ، ذكر في البقرة بغير واو تفسير للعذاب (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ) من كلام موسى ، وتأذن بمعنى أذن أي : أعلم كقولك : توعد وأوعد وإعلام الله مقترن بإنفاذ ما أعلم به (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) هذا معمول تأذن لأنه يتضمن معنى قال ،

__________________

(١). قرأ نافع وابن عامر بالضم ، وقرأ الباقون بالخفض لأنه بدل من الحميد.

٤٠٨

لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (٧) وَقَالَ مُوسَى إِن تَكْفُرُوا أَنتُمْ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (٨) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٩) قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ (١٠) قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١) وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (١٢)

________________________________________________________

ويحتمل أن تكون الزيادة من خير الدنيا أو من الثواب في الآخرة أو منهما (وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ) يحتمل أن يريد كفر النعم أو الكفر بالإيمان والأول أرجح لمقابلته بالشكر (لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللهُ) عبارة عن كثرتهم كقوله : (وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً) [الفرقان : ٣٨] (فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ) فيه ثلاثة أقوال : أحدها أن الضمائر لقوم الرسل ، والمعنى أنهم ردوا أيديهم في أفواه أنفسهم غيظا من الرسل كقوله : عضوا عليكم الأنامل من الغيظ ، أو استهزاء وضحكا : كمن غلبه الضحك فوضع يده على فمه ، والثاني : أن الضمائر لهم ، والمعنى أنهم ردوا أيديهم في أفواه أنفسهم إشارة على الأنبياء بالسكوت ، والثالث : أنهم ردوا أيديهم في أفواه الأنبياء تسكيتا لهم ، وردا لقولهم (أَفِي اللهِ شَكٌ) المعنى أفي وجود الله شك أو أفي إلهيته شك ، وقيل : في وحدانيته ، والهمزة للتقرير والتوبيخ لأنه لا يحتمل الشك لظهور الأدلة ، ولذلك وصفه بعد بقوله : فاطر السموات والأرض (مِنْ ذُنُوبِكُمْ) قيل : إن من زائدة ، ومنع سيبويه زيادتها في الواجب وهي عنده للتبعيض ، ومعناه أن يغفر للكافر إذا أسلم ما تقدم من ذنبه قبل الإسلام ، ويبقى ما يذنب بعده في المشيئة ، فوقعت المغفرة في البعض ولم يأت في القرآن غفران بعض الذنوب إلا للكافر كهذا الموضع ، والذي في الأحقاف وسورة نوح وجاء للمؤمنين بغير من كالذي في الصف (وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) قال الزمخشري وأهل مذهبه من المعتزلة : معناه يؤخركم إن آمنتم إلى آجالكم ، وإن لم تؤمنوا عاجلكم بالهلاك قبل ذلك الوقت ، وهذا بناء على قولهم بالأجلين ، وأهل السنة يأبون هذا ، فإن الأجل قبل ذلك الوقت ، وهذا بناء على قولهم بالأجلين ، وأهل السنة يأبون هذا ، فإن الأجل عندهم واحد محتوم ، (قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) يحتمل أن يكون قولهم استبعادا لتفضيل بعض البشر على بعض بالنبوة ، أو يكون إحالة لنبوة البشر ، والأول أظهر لطلبهم البرهان في قولهم : فأتونا بسلطان مبين ولقول الرسل : ولكن الله يمن على من يشاء من عباده أي : بالتفضيل بالنبوة (وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ) والمعنى أي شيء يمنعنا من التوكل على الله (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) إن قيل لم كرر الأمر؟ فالجواب عندي أن

٤٠٩

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (١٣) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ (١٤) وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (١٥) مِّن وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاءٍ صَدِيدٍ (١٦) يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِن وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ (١٧) مَّثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَّا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ (١٨) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٩) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (٢٠) وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا

________________________________________________________

قوله : وعلى الله فليتوكل المؤمنون راجع إلى ما تقدم من طلب الكفار بسلطان مبين أي حجة ظاهره ، فتوكل الرسل في ورودها على الله ، وأما قوله : فليتوكل المتوكلون ؛ فهو راجع إلى قولهم : ولنصبرن على ما آذيتمونا أي : نتوكل على الله في دفع أذاكم.

وقال الزمخشري : إن هذا الثاني في معنى الثبوت على التوكل (أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) أو هنا بمعنى إلا أن ، أو على أصلها ، لوقوع أحد الشيئين ، والعود هنا بمعنى الصيرورة ، وهو كثير في كلام العرب ولا يقتضي أن الرسل ، كانوا في ملة الكفار قبل ذلك (خافَ مَقامِي) فيه ثلاثة أوجه : هنا وفي ولمن خاف مقام ربه في [الرحمن : ٤٦] فالأول أن معناه مقام الحساب في القيامة والثاني : أن معناه قيام الله على عباده بأعمالهم والثالث : أن معناه خافني وخاف ربه ، على إقحام المقام أو على التعبير به عن الذات (وَاسْتَفْتَحُوا) الضمير للرسل أي استنصروا بالله وأصله طلب الفتح وهو الحكم (جَبَّارٍ) أي قاهر أو متكبر (عَنِيدٍ) مخالف للانقياد (مِنْ وَرائِهِ) في الموضعين والوراء هنا بمعنى ما يستقبل من الزمان ، وقيل : معناه هنا أمامه وهو بعيد (وَيُسْقى) معطوف على محذوف تقديره من ورائه جهنم يلقى فيها ويسقى ، وإنما ذكر هذا السقي تجريدا بعد ذكر جهنم ، لأنه من أشد عذابها (يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ) أي يتكلف جرعه وتصعب عليه إساغته ، ونفي كاد يقتضي وقوع الإساغة بعد جهد ، ومعنى يسيغه يبتلعه (وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ) أي يجد الماء مثل ألم الموت وكربته من جميع الجهات (وَما هُوَ بِمَيِّتٍ) أي لا يراح بالموت.

(مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا) مذهب سيبويه والفراء فيه كقولهما في : مثل الجنة التي في الرعد والقتال ، والخبر عند سيبويه محذوف تقديره : فيما يتلى عليكم والخبر عند الفراء الجملة التي بعده ، والمثل هنا بمعنى الشبيه (أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ) تشبيها بالرماد في ذهابها وتلاشيها (فِي يَوْمٍ عاصِفٍ) أي شديد الريح والعصوف في الحقيقة من صفة الريح (لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ) أي لا يرون له منفعة (وَبَرَزُوا لِلَّهِ) أي ظهروا ، ومعنى الظهور هنا خروجهم من القبور ، وقيل : معناه صاروا بالبراز (١) ، وهي الأرض المتسعة (تَبَعاً) جمع

__________________

(١). هكذا وردت في الطبري وفي القاموس المحيط بمعنى الفضاء.

٤١٠

فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ (٢١) وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢٢) وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ (٢٣) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (٢٤) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٥) وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ (٢٦) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (٢٧) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا

________________________________________________________

تابع أو مصدر وصف به بالغة ، أو على حذف مضاف (مِنْ عَذابِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) من الأولى للبيان ، والثانية للتبعيض ، ويجوز أن يكونا للتبعيض معا قاله الزمخشري ، والأظهر أن الأولى للبيان ، والثانية زائدة ، والمعنى : هل أنتم دافعون أو متحملون عنا شيئا من عذاب الله (مَحِيصٍ) أي مهرب حيث وقع ، ويحتمل أن يكون مصدرا أو اسم مكان (وَقالَ الشَّيْطانُ) يعني إبليس الأقدم ، [كذا!] روي أنه يقوم خطيبا بهذا الكلام يوم القيامة أو في النار يقوله لأهلها (لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ) إن كان كلام إبليس في القيامة بمعنى قضي الأمر ؛ تعيّن قوم للنار وقوم للجنة وإن كان في النار فمعنى قضي الأمر حصل أهل النار في النار وأهل الجنة في الجنة (إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ) استثناء منقطع (ما أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَ) أي ما أنا بمغيثكم وما أنتم مغيثين لي (بِما أَشْرَكْتُمُونِ) ما مصدرية : أي بإشراككم لي مع الله في الطاعة (مِنْ قَبْلُ) يتعلق بأشركتمون ويحتمل أن يتعلق بكفرتم ، والأول أظهر وأرجح (إِنَّ الظَّالِمِينَ) استئناف من كلام الله تعالى ، ويحتمل أن يكون حكاية عن إبليس (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) يتعلق بأدخل أو بخالدين ، والأول أحسن.

(كَلِمَةً طَيِّبَةً) [قال] ابن عباس وغيره هي : لا إله إلا الله وقيل : كل حسنة (كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ) هي النخلة في قول الجمهور ، واختار ابن عطية أنها شجرة غير معينة ، إلا أنها كل ما اتصف بتلك الصفات (وَفَرْعُها فِي السَّماءِ) أي في الهواء ، وذلك عبارة عن طولها (تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ) الحين في اللغة وقت غير محدود وقد تقترن به قرينة تحده ، وقيل : في كل حين كل سنة لأن النخلة تطعم في كل سنة ، وقيل : غير ذلك (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ) هي كلمة الكفر ، وقيل : كل كلمة قبيحة (كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ) هي الحنظلة عند الجمهور ، واختار ابن عطية غير معينة (اجْتُثَّتْ) أي اقتلعت وحقيقة الاجتثاث أخذ الجثة ، وهذا في مقابلة قوله : أصلها ثابت (بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ) هو لا إله إلا الله ، والإقرار بالنبوة (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) أي إذا فتنوا لم يزلوا (وَفِي الْآخِرَةِ) هو عند السؤال في القبر عند الجمهور (بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً) نعمة الله هنا هو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ودينه : أنعم الله به على قريش فكفروا النعمة ولم يقبلوها ،

٤١١

نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ (٢٨) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ (٢٩) وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلُّوا عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ (٣٠) قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ (٣١) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (٣٢) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (٣٣) وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (٣٤) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ (٣٥) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (٣٦) رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (٣٧) رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِن شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي

________________________________________________________

والتقدير بدلوا شكر نعمة الله كفرا (وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ) أي من أطاعهم واتبعهم (دارَ الْبَوارِ) فسرها بقوله (جَهَنَّمَ يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُنْفِقُوا) هي جواب شرط فقد يتضمنه قوله قل : تقديره إن تقل لهم أقيموا يقيموا ، ومعمول القول على هذا محذوف ، وقيل : جزم بإضمار لام الأمر تقديره ليقيموا (وَلا خِلالٌ) من الخلة وهي المودة (إِنَّ الْإِنْسانَ) يريد الجنس.

(الْبَلَدَ آمِناً) ذكر في [البقرة : ١٢٥] (وَاجْنُبْنِي) أي امنعني ، والماضي منه جنب ، يقال جنب وجنب بالتشديد ، وأجنب بمعنى واحد (وَبَنِيَ) يعني بنيّ من صلبي وفيهم أجيبت دعوته ، وأما أعقاب بنيه فعبدوا الأصنام (وَمَنْ عَصانِي) يعني من عصاه بغير الكفر وبالكفر ثم تاب منه ، فهو الذي يصح أن يدعى له بالمغفرة ولكنه ذكر اللّفظ بالعموم لما كان عليه‌السلام من الرحمة للخلق وحسن الخلق (أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي) يعني ابنه إسماعيل عليه‌السلام ، لما ولدته أمه هاجر غارت منها سارة زوجة إبراهيم فحمله مع أمه من الشام إلى مكة (بِوادٍ) يعني مكة ، والوادي ما بين جبلين وإن لم يكن فيه ماء (عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ) يعني الكعبة ، فإما أن يكون البيت أقدم من إبراهيم على ما جاء في بعض الروايات ، وإما أن يكون إبراهيم قد علم أنه سيبني هناك بيتا (لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ) اللام يحتمل أن تكون لام الأمر بمعنى الدعاء ، أو لام كي وتتعلق بأسكنت وجمع الضمير يدل على أنه كان علم أن ابنه يعقوب هناك نسلا (١) (تَهْوِي إِلَيْهِمْ) أي تسير بجد وإسراع ، ولهذه الدعوة حبب الله حج البيت إلى الناس ، على أنه قال من الناس بالتبعيض ، قال بعضهم : لو قال أفئدة الناس لحجته فارس والروم (وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ) أي ارزقهم في ذلك الوادي مع أنه غير ذي زرع ، وأجاب الله دعوته فجعل مكة يجبى إليها ثمرات كل شيء (وَما يَخْفى عَلَى اللهِ) الآية : يحتمل أن تكون من كلام الله تعالى ، أو حكاية عن إبراهيم (وَهَبَ لِي عَلَى

__________________

(١). كذا وفي العبارة نقص وخطأ واضح ولعل صوابه علم أن ابنه سيعقب له هناك نسلا.

٤١٢

السَّمَاءِ (٣٨) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (٣٩) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (٤٠) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (٤١) وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (٤٢) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (٤٣) وَأَنذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ (٤٤) وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (٤٥) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (٤٦) فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (٤٧)

________________________________________________________

الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ) روي أنه ولد له إسماعيل وهو ابن مائة وسبع عشر عاما ، وروي أقل من هذا ، وإسماعيل أسن من إسحاق (رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ) إن أراد بالدعاء الطلب والرغبة فمعنى القبول : الاستجابة ، وإن أراد بالدعاء العبادة ، فالقبول على حقيقته (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَ) قيل إنما دعا بالمغفرة لأبويه الكافرين بشرط إسلامهما ، والصحيح أنه دعا لهما قبل أن يتبين له أن أباه عدوّ لله حسبما ورد في براءة (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً) هذا وعيد للظالمين وهم الكفار على الأظهر ، فإن قيل : لمن هذا الخطاب هنا وفي قوله : ولا تحسبن الله مخلف وعده رسله؟ فالجواب أنه يحتمل أن يكون خطابا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو لغيره ، فإن كان لغيره فلا إشكال ، وإن كان له فهو مشكل لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يحسب أن الله غافلا ، وتأويل ذلك بوجهين : أحدهما أن المراد الثبوت على علمه بأن الله غير غافل وغير مخلف وعده ، والآخر أن المراد إعلامه بعقوبة الظالمين فمقصد الكلام الوعيد لهم (تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ) أي تحد النظر من الخوف (مُهْطِعِينَ) قيل : الإهطاع الإسراع ، وقيل : شدّة النظر من غير أن يطرف (مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ) قيل : الإقناع هو رفع الرأس ، وقيل خفضه من الذلة (لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ) أي لا يطرفون بعيونهم من الحذر والجزع.

(وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) أي منحرفة لا تعي شيئا من شدّة الجزع فشبهها بالهواء في تعريفه من الأشياء ، ويحتمل أن يريد مضطربة في صدورهم (يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ) يعني يوم القيامة ، وانتصاب يوم على أنه مفعول ثان لأنذر ، ولا يجوز أن يكون ظرفا (أَوَلَمْ تَكُونُوا) تقديره : يقال لهم أو لم تكونوا الآية (ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ) هو المقسم عليه ، ومعنى من زوال ، أي من الأرض بعد الموت أي حلفتم أنكم لا تبعثون (وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ) أي جزاء مكرهم (وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ) إن هنا نافية ، واللام لام الجحود ، والجبال يراد بها الشرائع والنبوات ، شبهت بالجبال في ثبوتها ، والمعنى مكرهم لأنه لا تزول منه تلك الجبال الثابتة الراسخة ؛ وقرأ الكسائي لتزول بفتح اللام ورفع تزول ، وإن على هذه القراءة مخففة من الثقيلة ، واللام للتأكيد ، والمعنى تعظيم مكرهم أي أن مكرهم من شدته تزول منه الجبال ، ولكن الله عصم ووقى منه (فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ) يعني

٤١٣

يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُّقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (٤٩) سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (٥٠) لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (٥١) هَذَا بَلَاغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (٥٢)

________________________________________________________

وعد النصر على الكفار ، فإن قيل : هلا قال : مخلف رسله وعده ، ولم قدم المفعول الثاني على الأول؟ فالجواب أنه قدم الوعد ليعلم أنه لا يخلف الوعد أصلا على الإطلاق ، ثم قال : رسله ، ليعلم أنه إذا لم يخلف وعد أحد من الناس ، فكيف يخلف وعد رسله وخيرة خلقه فقدم الوعد أولا بقصد الإطلاق ، ثم ذكر الرسل لقصد التخصيص (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ) العامل في الظرف ذوا انتقام أو محذوف ، وتبديل الأرض بأن تكون يوم القيامة بيضاء عفراء كقرصة النقي هكذا ورد في الحديث الصحيح (١) (وَالسَّماواتُ) تبديلها بانشقاقها وانتشار كواكبها ، وخسوف شمسها وقمرها وقيل : تبدل أرضا من فضة ، وسماه من ذهب وهذا ضعيف.

(وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ) يعني الكفار (مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ) أي مربوطين في الأغلال (سَرابِيلُهُمْ) أي قمصهم والسربال القميص (مِنْ قَطِرانٍ) متعلق بمحذوف أي جعل الله فيه ذلك وهو الذي تهنأ [تطلى] به الإبل وللنار فيه اشتعال شديد ، فلذلك جعل الله قمص أهل النار منه (لِيَجْزِيَ) يتعلق بمحذوف أي فعل الله ذلك ليجزي (هذا بَلاغٌ) إشارة إلى القرآن أو إلى ما تضمنته هذه السورة (وَلِيُنْذَرُوا) معطوف على محذوف تقديره لينصحوا به ولينذروا (وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) أي هذا الذكر لأولي العقول ، وهم أهل العلم رضي الله عنهم.

__________________

(١). المراد به : قرص الدقيق الأبيض النقي من النخالة ، والحديث متفق عليه من رواية سهل بن سعد الساعدي ونصه : «يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ، ليس فيها علم لأحد». من الترغيب والترهيب للمنذري ج ٤ / ١٩٣.

٤١٤

سورة الحجر

مكية إلا ٨٧ فمدنية وآياتها ٩٩ نزلت بعد سورة يوسف

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ (١) رُّبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ (٢) ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٣) وَمَا أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَّعْلُومٌ (٤) مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَأْخِرُونَ (٥) وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ (٦) لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٧) مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُّنظَرِينَ (٨)

________________________________________________________

سورة الحجر

(تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ) يحتمل أن يريد بالكتاب الكتب المتقدمة ، وعطف القرآن عليها ، والظاهر أنه القرآن وعطفه عطف الصفات (رُبَما) قرئ بالتخفيف (١) والتشديد وهما لغتان. وما حرف كافة لرب ، ومعنى رب التقليل ، وقد تكون للتكثير ، وقيل : إن هذه منه ، وقيل : إنما عبر عن التكثير بأداة التقليل كقوله : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ) [البقرة : ١٤٤] ، و (قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) [النور : ٦٤] ، وقيل إن معنى التقليل في هذه أنهم لو كانوا يودون الإسلام مرة واحدة لوجب أن يسارعوا إليه ، فكيف وهم يودونه مرارا كثيرة ، ولا تدخل إلا على الماضي (يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) قيل : إن ذلك عند الموت ، وقيل : في القيامة ، وقيل : إذا خرج عصاة المسلمين من النار ، وهذا هو الأرجح لحديث روي في ذلك (ذَرْهُمْ) وما بعده تهديد (كِتابٌ مَعْلُومٌ) أي وقت محدود.

(وَقالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) الضمير في قالوا لكفار قريش ، وقولهم : نزل عليه الذكر يعنون على وجه الاستخفاف ، أي بزعمك ودعواك (لَوْ ما تَأْتِينا بِالْمَلائِكَةِ) لو ما عرض وتحضيض ، والمعنى أنهم طلبوا من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يأتيهم بالملائكة معه (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِ) رد عليهم فيما اقترحوا ، والمعنى أن الملائكة لا تنزل إلا بالحق من الوحي والمصالح ، التي يريدها الله ، لا باقتراح مقترح واختيار كافر ، وقيل : الحق هنا العذاب (وَما كانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ) إذا حرف جواب وجزاء ، والمعنى لو أنزل الملائكة لم يؤخر عذاب هؤلاء الكفار ، الذين اقترحوا نزولهم ، لأن من عادة الله أن من

__________________

(١). وهي قراءة نافع وعاصم والباقون بالتشديد.

٤١٥

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩) وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (١٠) وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ (١١) كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (١٢) لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَابًا مِّنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ (١٥) وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (١٦) وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ (١٧) إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ (١٨) وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ (١٩) وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (٢٠)

________________________________________________________

اقترح آية فرآها ولم يؤمن أنه يعجل له العذاب ، وقد علم الله ، أن هؤلاء القوم يؤمن كثير منهم ، ويؤمن أعقابهم فلم يفعل بهم ذلك (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) الذكر هنا هو القرآن وفي قوله : إنا نحن نزلنا الذكر ردا لإنكارهم واستخفافهم في قولهم : يا أيها الذي نزل عليه الذكر ولذلك أكده بنحن واحتج عليه بحفظه ، ومعنى حفظه : حراسته عن التبديل والتغيير ، كما جرى في غيره من الكتب ، فتولى الله حفظ القرآن ، فلم يقدر أحد على الزيادة فيه ولا النقصان منه ، ولا تبديله بخلاف غيره من الكتب ، فإن حفظها موكول إلى أهلها لقوله : (بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ) [المائدة : ٤٤] (فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ) الشيع : جمع شيعة وهي الطائفة التي تتشيع لمذهب أو رجل (كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) معنى نسلكه ندخله ، والضمير في نسلكه يحتمل أن يكون للاستهزاء ، الذي دل عليه قوله : به يستهزؤن ، أو يكون للقرآن أي نسلكه في قلوبهم فيستهزءوا به ، ويكون قوله : كذلك تشبيها للاستهزاء المتقدم ، ولا يؤمنون به تفسيرا لوجه إدخاله في قلوبهم ، والضمير في به للقرآن (وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) أي تقدمت طريقتهم على هذه الحالة من الكفر والاستهزاء حتى هلكوا بذلك ، ففي الكلام تهديد لقريش (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا) الضمائر لكفار قريش المعاندين المحتوم عليهم بالكفر وقيل : الضمير في ظلوا وفي يعرجون للملائكة وفي قالوا للكفار ، ومعنى : يعرجون يصعدون ، والمعنى أن هؤلاء الكفار لو رأوا أعظم آية لقالوا : إنها تخييل أو سحر ، وقرئ سكّرت بالتشديد (١) والتخفيف ، ويحتمل أن يكون مشتقا من السكر ، فيكون معناه : أجبرت أبصارنا فرأينا الأمر على غير حقيقته ، أو من السّكر وهو السد فيكون معناه منعت أبصارنا من النظر (بُرُوجاً) يعني المنازل الاثني عشر (إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ) استثناء من حفظ السموات فهو في موضع نصب (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ) أي : مقدر بقدر ، فالوزن على هذا استعارة وقيل : المراد ما يوزن حقيقة كالذهب والأطعمة ، والأول أعم وأحسن (وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ) يعني : البهائم والحيوانات ومن معطوف على معايش وقيل : على

__________________

(١). قرأ ابن كثير : سكرت بالتخفيف والباقون بالتشديد.

٤١٦

وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ (٢١) وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ (٢٢) وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ (٢٣) وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ (٢٤) وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٢٥) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (٢٦) وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ (٢٧) وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (٢٨) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (٢٩) فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٣٠) إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (٣١)

________________________________________________________

الضمير في لكم ، وهذا ضعيف في النحو لأنه عطف على الضمير المخفوض من غير إعادة الخافض ، وهو قوي في المعنى أي جعلنا في الأرض معايش لكم وللحيوانات (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ) قيل : يعني المطر ، واللفظ أعم من ذلك ، والخزائن المواضع الخازنة ، وظاهر هذا أن الأشياء موجودة قد خلقت ، وقيل : ذلك تمثيل ، والمعنى وإن من شيء إلا نحن قادرون على إيجاده وتكوينه (بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) أي بمقدار محدود (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ) يقال : لقحت الناقة والشجرة إذا حملت فهي لاقحة ، وألقحت الريح الشجر فهي ملقحة ولواقح جمع لاقحة ، لأنها تحمل الماء أو جمع ملقحة على حذف الميم الزائدة (وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ) الآية : يعني الأولين والآخرين من الناس ، وذكر ذلك على وجه الاستدلال على الحشر الذي ذكر بعد ذلك في قوله : وإن ربك هو يحشرهم لأنه إذا أحاط بهم علما لم تصعب عليه إعادتهم وحشرهم ، وقيل : يعني من استقدم ولادة وموتا ومن تأخر ، وقيل : من تقدم إلى الإسلام ومن تأخر عنه (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ) الإنسان هنا هو : آدم عليه‌السلام ، والصلصال : الطين اليابس الذي يصلصل أي يصوت وهو غير مطبوخ ، فإذا طبخ فهو فخار (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ) الحمأ : الطين الأسود ، والمسنون المتغير المنتن ، وقيل : إنه من أسن الماء إذا تغير ، والتصريف يردّ هذا القول ، وموضع من حمأ صفة لصلصال : أي صلصال كائن من حمأ (وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ) يراد به جنس الشياطين ، وقيل إبليس الأول ، وهذا أرجح لقوله : من قبل وتناسلت الجن من إبليس وهو للجن كآدم للناس (السَّمُومِ) شدّة الحر (خالِقٌ بَشَراً) يعني آدم عليه‌السلام (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) يعني الروح التي في الجسد ، وأضاف الله تعالى الروح إلى نفسه إضافة ملك إلى مالك أي : من الروح الذي هو لي وخلق من خلق ، وتقدّم الكلام على سجود الملائكة في البقرة.

(فَاخْرُجْ مِنْها) أي من الجنة أو من السماء (قالَ رَبِ) يقتضي إقراره بالربوبية وأن كفره كان بوجه غير الجحود ، وهو اعتراضه على الله في أمره بالسجود لآدم (إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) اليوم الذي طلب إبليس أن ينظر إليه هو يوم القيامة ، وقيل : الوقت

٤١٧

قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٤٠) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (٤١) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (٤٢) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٣) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ (٤٤) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٤٥) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (٤٦) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ (٤٧) لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ (٤٨) نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٤٩) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (٥٠) وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (٥١) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ (٥٢) قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (٥٣) قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (٥٤)

________________________________________________________

المعلوم الذي أنظر إليه هو يوم النفخ في الصور النفخة الأولى ؛ حين يموت من في السموات ومن في الأرض. وكان سؤال إبليس الانتظار إلى يوم القيامة جهلا منه ومغالطة ؛ إذ سأل ما لا سبيل إليه. لأنه لو أعطى ما سأل لم يمت أبدا ، لأنه لا يموت أحد بعد البعث ، فلما سأل مالا سبيل إليه : أعرض الله عنه ، وأعطاه الانتظار إلى النفخة الأولى. (بِما أَغْوَيْتَنِي) الباء للسببية أي لأغوينهم بسبب إغوائك لي ، وقيل : للقسم كأنه قال : بقدرتك على إغوائي لأغوينهم ، والضمير لذرية آدم (قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ) القائل لهذا هو الله تعالى ، والإشارة بهذا إلى نجاة المخلصين من إبليس ، وأنه لا يقدر عليهم أو إلى تقسيم الناس إلى غويّ ومخلص (إِلَّا عِبادَكَ) يحتم أن يريد بالعباد جميع الناس ، فيكون قوله : (إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ) استثناء متصل أو يريد بالعباد المخلصين فيكون الاستثناء منقطعا (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ) الضمير للغاوين (لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ) روي أنها سبعة أطباق في كل طبقة باب ، فأعلاها للمذنبين من المسلمين والثاني لليهود ، والثالث للنصارى ، والرابع للصابئين والخامس للمجوس ، والسادس للمشركين ، والسابع للمنافقين ادخلوها تقديره يقال لهم : ادخلوها والسلام يحتمل أن يكون التحية أو السلامة (إِخْواناً) يعني أخوّة المودّة والإيمان (مُتَقابِلِينَ) أي يقابل بعضهم بعضا على الأسرة (نَصَبٌ) أي تعب.

(نَبِّئْ عِبادِي) الآية : أعلمهم والآية آية ترجية وتخويف (وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ) ضيف هنا واقع على جماعة وهم الملائكة الذين جاءوا إلى إبراهيم بالبشرى (وَجِلُونَ) أي خائفون ، والوجل الخوف (لا تَوْجَلْ) أي لا تخف (إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) هو إسحاق (قالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ) المعنى : أبشرتموني بالولد مع أنني قد كبر سني ، وكان حينئذ ابن مائة سنة ، وقيل : أكثر (فَبِمَ تُبَشِّرُونَ) قال ذلك على وجه التعجب من ولادته في كبره أو على وجه الاستبعاد ، ولذلك قرئ تبشرون (١) ، بتشديد النون وكسرها على إدغام نون الجمع في نون الوقاية وبالكسر والتخفيف على حذف إحدى

__________________

(١). وهي قراءة نافع فقط.

٤١٨

قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ (٥٥) قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (٥٦) قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٥٧) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ (٥٨) إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٩) إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (٦٠) فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (٦١) قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ (٦٢) قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (٦٣) وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (٦٤) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (٦٥) وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ (٦٦) وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (٦٧) قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ (٦٨) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ (٦٩) قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (٧٠) قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِن كُنتُمْ

________________________________________________________

النونين ، وبالفتح وهو نون الجمع (قالُوا بَشَّرْناكَ بِالْحَقِ) أي باليقين الثابت فلا تستبعده ولا تشك فيه (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) دليل على تحريم القنوط ، وقرئ يقنط بفتح النون وكسرها (١) وهما لغتان (قالَ فَما خَطْبُكُمْ) أي ما شأنكم وبأي شي جئتم (إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) يعنون قوم لوط (إِلَّا آلَ لُوطٍ) أن يكون استثناء من قوم لوط فيكون منقطعا لوصف القوم بالاجرام ، ولم يكن آل لوط مجرمين ويحتمل أن يكون استثناء من الضمير في المجرمين ، فيكون متصلا كأنه قال إلى قوم قد أجرموا كلهم إلا آل لوط فلم يجرموا (إِلَّا امْرَأَتَهُ) استثناء من آل لوط ، فهو استثناء من استثناء. وقال الزمخشري : إنما هو استثناء من الضمير المجرور في قوله لمنجوهم ، وذلك هو الذي يقتضيه المعنى (قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِينَ) الغابر يقال : بمعنى الباقي ، وبمعنى الذاهب ، وإنما أسند الملائكة فعل التقدير إلى أنفسهم ، وهو لله وحده لما لهم من القرب والاختصاص بالله ، لا سيما في هذه القضية ، كما تقول خاصة الملك للملك : دبرنا كذا ويحتمل أن يكون حكاية عن الله (قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) أي لا نعرفهم (قالُوا بَلْ جِئْناكَ بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ) أي جئناك بالعذاب لقومك ومعنى يمترون يشكون فيه (وَاتَّبِعْ أَدْبارَهُمْ) أي : كن خلفهم أي في ساقتهم حتى لا يبقى منهم أحد وليكونوا قدّامه ، فلا يشتغل قلبه بهم لو كانوا وراءه لخوفه عليهم (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) تقدم في هود (وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ) قيل : هي مصر وقيل : حيث هنا للزمان إذ لم يذكر مكانا (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ) هو من القضاء والقدر ، وإنما تعدى بإلى لأنه ضمن معنى أوحينا وقيل : معناه أعلمناه بذلك الأمر (أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ) هذا تفسير لذلك الأمر ، ودابر القوم أصلهم ، والإشارة إلى قوم لوط (مُصْبِحِينَ) في الموضعين أي إذا أصبحوا ودخلوا في الصباح (وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ) المدينة هي سدوم ، واستبشار أهلها بالأضياف ، طمعا أن ينالوا منهم الفاحشة (قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ) كانوا قد نهوه أن يضيف أحدا (قالَ هؤُلاءِ بَناتِي) دعاهم إلى تزويج بناته ليقي بذلك

__________________

(١). قرأ أبو عمرو والكسائي : يقنط والباقون : يقنط.

٤١٩

فَاعِلِينَ (٧١) لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ (٧٢) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ (٧٣) فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ (٧٤) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ (٧٥) وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ (٧٦) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ (٧٧) وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ (٧٨) فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُّبِينٍ (٧٩) وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ (٨٠) وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (٨١) وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ (٨٢) فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ (٨٣) فَمَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٨٤) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (٨٥) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (٨٦) وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (٨٧)

________________________________________________________

أضيافه (لَعَمْرُكَ) قسم والعمر الحياة ، ففي ذلك كرامة للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أن الله أقسم بحياته ، أو قيل : هو من قول الملائكة للوط ، وارتفاعه بالابتداء وخبره محذوف تقديره : لعمرك قسمي واللام للتوطئة (إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) الضمير لقوم لوط ، وسكرتهم : ضلالهم وجهلهم ، ويعمهون : أي يتحيرون (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ) أي صيحة جبريل وهي أخذه لهم (مُشْرِقِينَ) أي داخلين في الشروق وهو وقت بزوغ الشمس ، وقد تقدم تفسير ما بعد هذا من قصتهم في [هود : ٧٦] (لِلْمُتَوَسِّمِينَ) أي للمتفرسين ، ومنه فراسة المؤمن ، وقيل : للمعتبرين ، وحقيقة التوسم النظر إلى السيمة (وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) أي بطريق ثابت يراه الناس والضمير للمدينة المهلكة (وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ) أصحاب الأيكة قوم شعيب والأيكة الغيضة من الشجر لما كفروا أضرمها الله عليهم نارا (وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ) الضمير في إنهما قيل : إنه لمدينة قوم لوط وقوم شعيب ، فالإمام على هذا : الطريق أي إنهما بطريق واضح يراه الناس ، وقيل : الضمير للوط وشعيب ، أي إنهما على طريق من الشرع واضح والأول أظهر (أَصْحابُ الْحِجْرِ) هم ثمود قوم صالح ، الحجر واديهم هو بين المدينة والشام (الْمُرْسَلِينَ) ذكره بالجمع وإنما كذبوا واحدا منهم ، وفي ذلك تأويلان أحدهما أن من كذب واحدا من الأنبياء لزمه تكذيب الجميع ؛ لأنهم جاءوا بأمر متفق من التوحيد ، والثاني : أنه أراد الجنس كقولك : فلان يركب الخيل ، وإن لم يركب إلا فرسا واحدا (وَآتَيْناهُمْ آياتِنا) يعني الناقة ، وما كان فيها من العجائب (وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً) النحت : النقر بالمعاويل وشبهها من الحجر والعود وشبه ذلك وكانوا ينقرون بيوتهم في الجبال (آمِنِينَ) يعني آمنين من تهدم بيوتهم لوثاقتها ، وقيل : آمنين من عذاب الله (إِلَّا بِالْحَقِ) يعني أنها لم تخلق عبثا.

(فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) قيل : إن الصفح الجميل هو الذي ليس معه عقاب ولا عتاب ، وفي الآية مهادنة للكفار منسوخة بالسيف (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) يعني : أم القرآن لأنها سبع آيات ، وقيل : يعني السور السبع الطوال ، وهي البقرة وآل عمران ، والنساء ، والمائدة ، والأنعام ، والأعراف ، والأنفال مع براءة ، والأول أرجح لوروده في

٤٢٠