دروس في علم الأصول - ج ٤

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر

دروس في علم الأصول - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر


المحقق: الشيخ ناجي طالب آل فقيه العاملي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧١

روايات هذه المجموعة للمعارضة غير المستقرّة (١) ـ ان هناك مخصّصا لهذا الاطلاق وهو ما ورد في بعض الاخبار العلاجية مما يستفاد منه الفراغ عن حجيّة الخبر المخالف مع الكتاب في نفسه (٢) ، ففي رواية عبد الرحمن بن ابي عبد الله قال : قال الصادق عليه‌السلام : «إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما

__________________

ونحوه وشمولها لها ـ ان هناك مخصّصا لهذا الاطلاق وهو ما يستفاد من بعض الاخبار العلاجية من الفراغ عن حجية الخبر المعارض للكتاب الكريم بنحو التخصيص ونحوه ، (فإذا كان حجّة رغم هذه المعارضة تعيّن تخصيص الكتاب بهكذا أخبار ممّا يعني انه لم يكن المراد من المخالفة لكتاب الله ـ في روايات «ما خالف كتاب الله فردّوه» ـ المخالفة بنحو التخصيص) ، وامّا كيف يستفاد من بعض الاخبار العلاجية كرواية «إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله فما وافقه فخذوه وما خالفه فردّوه ...» الفراغ عن حجيّة الخبر رغم معارضته للكتاب الكريم؟ نقول : يستفاد من قوله «إذا ورد عليكم حديثان ..» ولم يقل إذا ورد عليكم حديث فاعرضوه على كتاب الله فان كان معارضا ـ ولو بالتخصيص ـ فردّوه ، فترى ان الامام لم يأمرنا بالرجوع إلى كتاب الله إذا جاءت رواية معارضة وانما يجب علينا الرجوع إلى كتاب الله إذا ورد علينا حديثان متعارضان ، وهذا يعني اننا يجب علينا ان نتعامل مع الرواية المعارضة للكتاب الكريم بنحو التخصيص التعامل المتعارف ـ لا تعاملا تعبديا وهو اسقاط هذه الرواية عن الحجية ـ وهو تخصيص الآية بالرواية ، فافهم.

(١) اي بعد فرض التسليم بشمول لفظة المخالفة للتخصيص ونحوه.

(٢) اي ... الخبر المخالف في نفسه مع الكتاب.

٣٤١

خالف كتاب الله فردّوه ، فان لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على اخبار العامّة ...» (١) فان الظاهر من قوله «إذا ورد عليكم حديثان مختلفان ...» ان الامام عليه‌السلام بصدد علاج مشكلة التعارض بين حديثين معتبرين في نفسيهما (٢) لو لا التعارض ، فيكون دليلا على عدم قدح المخالفة مع الكتاب في الحجية الاقتضائية (٣) ، نعم لا يوجد فيه اطلاق يشمل جميع اقسام الخبر المخالف (٤) مع الكتاب لانّه ليس في مقام بيان هذه الحيثية ليتمّ فيه الاطلاق ، فلا بدّ من الاقتصار على المتيقّن من مفاده وهو مورد القرينية (٥).

__________________

(١) وسائل الشيعة ج ١٨ ، باب ٩ من ابواب صفات القاضي ح ٢٩ ، وهي صحيحة السند.

(٢) رغم مخالفة احدهما لكتاب الله ... خلافا لرواية «ما خالف كتاب الله فردّوه ...» فانّ الظاهر منها ان ما خالف كتاب الله ساقط عن الحجية ، امّا رواية «إذا ورد عليكم حديثان ..» فانّ الظاهر منها انه انما يلزم الرجوع إلى كتاب الله فيما لو تعارضت الاخبار فيما بينها ، وامّا إذا تعارض خبر واحد مع كتاب الله فلا يلزم الرجوع إلى كتاب الله وانما يلزمنا الجمع العرفي بينهما.

(٣) أو قل : فتكون صحيحة «اذا ورد عليكم حديثان ...» دليلا على عدم قدح مخالفة الرواية الواحدة (المخصّصة أو الحاكمة) مع القرآن الكريم في حجيتها ، وانما تبقى الرواية حجة سندا ودلالة رغم مخالفتها للكتاب الكريم.

(٤) كالتباين والعموم من وجه.

(٥) ويشمل هذا المورد التخصيص والتقييد والحكومة.

(وخلاصة روايات العرض على الكتاب) أنّ ما خالف كتاب الله تعالى بالتعارض المستقر فهو زخرف والذي جاء به اولى به.

٣٤٢

٢ ـ روايات العلاج

ويمكن تصنيف روايات العلاج إلى عدّة مجاميع ،

اهمها مجموعة التخيير ومجموعة الترجيح.

(*) روايات التخيير :

المجموعة الاولى ما استدلّ به من الروايات على التخيير بمعنى جعل كل منهما حجّة على سبيل التخيير ، والحديث عن ذلك يقع تارة في مقام الثبوت وتصوير امكان جعل الحجية التخييرية (١) واخرى في مقام الاثبات ومدى دلالة الروايات على ذلك.

أمّا البحث الثبوتي فقد يقال فيه ان الحجية التخييرية غير معقولة لانه إمّا ان يراد بها جعل حجية واحدة او جعل حجيتين مشروطتين.

أمّا الاوّل : فهو ممتنع ، لانّ هذه الحجية الواحدة ان كانت ثابتة لاحد الخبرين بالخصوص فهو خلف تخييريّتها (٢) ، وان كانت ثابتة

__________________

(١) أي مع غضّ النظر عن روايات التخيير.

(٢) بيان ذلك : اننا نتساءل : هل يمكن جعل الحجية التخييريّة ثبوتا

٣٤٣

للجامع بين الخبرين بنحو مطلق الوجود (١) ـ اي الجامع اينما وجد ـ لزم

__________________

للخبرين المتعارضين. كما إذا وردت روايتان صحيحتان «صلّ الجمعة» و «صلّ الظهر يوم الجمعة» مع علمنا بوجوب أحدهما واقعا بنحو التعيين ، ولجهلنا بالواجب الواقعي وقع التعارض عندنا. او لا يمكن ذلك؟ الجواب : قد يقال بامتناع التخيير بينهما عقلا ـ وتعيّن وجوب الاحتياط بالجمع بين الصلاتين ـ وذلك لانّه (إمّا) ان يراد من هذه الحجية التخييرية ان تكون واحدة وامّا ان نتصوّرها حجيّتين مشروطتين ، امّا على الاحتمال الاوّل : فانه لا يعقل حجّية احد الخبرين على نحو التخيير في «تجب صلاة الجمعة» أو «تجب صلاة الظهر يوم الجمعة» وذلك لان هذه الحجية الواحدة إن كانت ثابتة لاحد الخبرين بالخصوص فهو خلف التخيير كما هو واضح ، وان كانت الحجيّة التخييرية ثابتة للجامع بين الخبرين على نحو تجب كلتا الصلاتين فهو خلاف فرض التخيير ، وان كانت هذه الحجيّة التخييرية ثابتة للجامع بمعنى «احد الخبرين» الثابت في الذهن فقط أي بنحو الكلّي العقلي وبتعبير آخر بمعنى «احد الخبرين الغير محدّد بأحد المعنيين أي المهمل من هذه الناحية» فهذا الجامع في الحقيقة غير موجود حتى في الذهن لانه لا معنى له فلا تنصب عليه الحجية من باب السالبة بانتفاء الموضوع ، فلا نستفيد وجوب الظهر ولا وجوب الجمعة ، ولا معنى لايجاب «احدى الصلاتين» بهذا المعنى لان جامع «احدى الصلاتين» ما لم يتشخّص في إحدى الصلاتين خارجا يبقى على اهماله ولا يكون له حدود فكيف يمتثل؟!

(١) كما في «العالم» ـ في قولنا «اكرم العالم» ـ الشامل لجميع العلماء

٣٤٤

سريان الحجية إلى كلا الفردين مع تعارضهما ، وان كانت ثابتة للجامع بنحو صرف الوجود (١) لم تسر إلى كل من الخبرين لان ما يتعلّق بصرف الوجود لا يسري إلى الفرد ، ومن الواضح ان صرف وجود الجامع بين الخبرين ليس له مدلول (٢) ليكون حجّة في اثباته.

وأمّا الثاني (٣) : فهو ممتنع ايضا لان حجية كلّ من المتعارضين ان كانت مشروطة بالالتزام به لزم عدم حجيّتهما معا في حالة ترك الالتزام بشيء منهما ، وإن كانت مشروطة بترك الالتزام بالآخر لزمت حجيّتهما معا في الحالة المذكورة.

__________________

(١) مثل «عالما» في «اكرم عالما» وقد اطلقوا على المطلق الشمولي اصطلاح «الجامع بنحو مطلق الوجود» ، وعلى المطلق البدلي اصطلاح «الجامع بنحو صرف الوجود» لأنّ الجامع في الشمولي مثل «العالم» يراد منه جميع الافراد فهو مطلق بمعنى شامل لجميع وجودات الجامع ، وامّا الجامع في البدلي مثل «عالم» فانه يكفي منه صرف الوجود أي أيّ فرد من افراد الجامع.

(٢) لانه لا يفيد أيّا من الخبرين.

(٣) بيانه انّ جعل حجيّتين مشروطتين ممتنع عقلا وذلك لانّه لا يمكن تصوير هاتين الحجيّتين إلّا باحد نحوين وهما :

. إمّا ان تشترط حجية احد الخبرين بالالتزام به ، وهذا الاشتراط باطل لان لازمه انه إذا لم نلتزم بهما لن يكونا بحجّة.

. وإمّا ان تشترط حجية احد الخبرين بترك الالتزام بالآخر ، وهو ايضا باطل ، لان لازمه انك إذا تركت الالتزام بكلا الخبرين يصير كلاهما حجّة ويستحق التارك لهما عقابين ، وهو باطل وذلك لعلمنا بحجية احدهما فقط واقعا ، ولعلمنا بترتّب عقاب واحد فقط.

٣٤٥

والجواب (١) : ان بالامكان تصوير التخيير بالالتزام بحجيّة كلّ منهما بشرط ترك الالتزام بالآخر مع افتراض وجوب طريقي للالتزام باحدهما [فقط].

وأمّا البحث الاثباتي فهناك روايات عديدة استدلّ بها على التخيير :

منها : رواية علي بن مهزيار قال : قرأت في كتاب لعبد الله بن محمّد إلى ابي الحسن عليه‌السلام : اختلف اصحابنا في رواياتهم عن ابي عبد الله عليه‌السلام في ركعتي الفجر في السفر ، فروى بعضهم أن صلّهما في المحمل ، وروى بعضهم لا تصلّهما إلّا على الارض ، فاعلمني كيف تصنع انت لاقتدي بك في ذلك ، فوقّع عليه‌السلام : «موسّع عليك بايّة عملت» (٢).

وفقرة الاستدلال منها قوله عليه‌السلام «موسّع عليك بأيّة عملت» الواضح في الدلالة على التخيير وامكان العمل بكلّ من الحديثين

__________________

(١) بيانه انه يمكن للشارع المقدّس ـ للتوصّل إلى جعل التخيير بين الخبرين ـ ان يجعل جعلين : الاوّل طريقي آلي ومفاده : يجب على المكلف الالتزام بأحد الخبرين بنحو التخيير ، والثاني إذا تركت الالتزام بأحد الخبرين فعليك بالآخر ، فبهذا التصوير لا ترد الاشكالات السابقة (وهي ترتب الحجية عليهما معا مع عدم الالتزام بكليهما وبالتالي ترتب تعدد العقابات إذا ترك الالتزام بهما). والوجوب الطريقي ـ كما رأيت ـ من نفس وادي الوجوب الغيري.

(والنتيجة) انه يمكن جعل التخيير

(٢) وسائل الشيعة ج ٣ / باب ١٥ من ابواب القبلة / ح ٨.

٣٤٦

المتعارضين.

ولكن نلاحظ على ذلك :

أوّلا : ان الظاهر منها ارادة التوسعة والتخيير الواقعي لا التخيير الظاهري بين الحجتين لظهور كلّ من سؤال الراوي وجواب الامام في ذلك ، أمّا ظهور السؤال فلأنه مقتضى التنصيص من قبله على الحكم الذي تعارض فيه الخبران الظاهر في استعلامه عن الحكم الواقعي ، على ان قوله «فاعلمني كيف تصنع انت لاقتدي بك» كالصريح في ان السؤال عن الحكم الواقعي للمسألة ، فيكون مقتضى التطابق بينه وبين الجواب كون النظر في كلام الامام عليه‌السلام إلى ذلك ايضا ، إذ لا وجه لصرف النظر مع تعيين الواقعة عن حكمها الواقعي إلى الحكم الظاهري العام ، وامّا ظهور الجواب في التخيير الواقعي فباعتبار انه المناسب مع حال الامام عليه‌السلام العارف بالاحكام الواقعية والمتصدّي فيما إذا كان السؤال عن واقعة معيّنة بالذات.

وثانيا : لو تنزّلنا وافترضنا ان النظر إلى مرحلة الحكم الظاهري والحجية فلا يمكن ان يستفاد من الرواية التخيير في حالات التعارض المستقرّ ، لان موردها التعارض بين مضمونين بينهما جمع عرفي بحمل النهي (١) على الكراهة بقرينة الترخيص (٢) فقد يراد بالتخيير حينئذ التوسعة

__________________

(١) وهو «لا تصلّهما إلّا على الارض».

(٢) وهو «صلّهما في المحمل» ، فيكون مقتضى الجمع العرفي : لك ان تصليهما على غير الأرض ـ كالمحمل مثلا ـ لكنه مكروه ـ أي قليل الثواب ـ ، والاحسن ان تصليهما على الأرض.

٣٤٧

في مقام العمل بالاخذ بمفاد دليل الترخيص او دليل النهي لعدم التنافي بينهما لكون النهي غير إلزامي ، لا جعل الحجية التخييرية بالمعنى المدّعى.

ومنها : مكاتبة الحميري (١) عن الحجة عليه‌السلام إذ جاء فيها : يسألني بعض الفقهاء عن المصلّي إذا قام من التشهد الاوّل إلى الركعة الثالثة هل يجب عليه ان يكبّر؟ فانّ بعض اصحابنا قال لا يجب عليه التكبير ويجزيه ان يقول بحول الله وقوّته اقوم واقعد؟ فكتب عليه‌السلام في الجواب : ان فيه حديثين ، امّا احدهما فانه إذا انتقل من حالة إلى حالة اخرى فعليه التكبير ، وامّا الآخر فانه روي : إذا رفع رأسه من السجدة الثانية وكبّر ثم جلس ثم قام فليس عليه في القيام بعد القعود تكبير ، وكذلك التشهّد الاوّل يجري هذا المجرى ، وبأيهما اخذت من جهة التسليم كان صوابا» (٢).

وفقرة الاستدلال منها قوله عليه‌السلام «وبأيّهما اخذت من جهة التسليم

__________________

(١) محمّد بن عبد الله بن جعفر ، ثقة وجه ، كاتب صاحب الامر (عج).

(٢) وسائل الشيعة ج ٤ / باب ١٣ من ابواب السجود / ح ٨ والاحتجاج ٣٠٣ ج ٢ ، والغيبة للشيخ رقم الحديث ٣٤٦ وترى سنده اوّل حديث ٣٤٥ ، فتأمل.

(أمّا) سند هذه المكاتبة فيقول السيد الماتن (قدس‌سره) عنها في تقريرات السيد الهاشمي ج ٧ ص ٣٤٥ : أنّها غير نقيّة السند ، وذلك لكونها مكاتبة بخط احمد بن إبراهيم النوبختي (مهمل) واملاء الحسين بن روح ، ويحتمل ان يكون احمد المذكور واسطة في النقل. لا مجرد كاتب كالآلة. ومجرّد هذا الاحتمال يسقط السند عن الحجيّة.

٣٤٨

كان صوابا» ، والاستدلال بها لعلّه اوضح من الاستدلال بالرواية السابقة باعتبار كلمة «اخذت من جهة التسليم» التي قد يستشعر منها النظر إلى الحجية والتعبّد بأحد الخبرين.

والصحيح ان الاستدلال بالرواية غير وجيه لان السائل في هذه الرواية لم يفرض خبرين متعارضين وانما سأل عن مسألة اختلف الفقهاء في حكمها الواقعي ، وانما يراد الاستدلال بها على التخيير باعتبار ما في جواب الامام عليه‌السلام من نقل حديثين متخالفين وترخيصه في التسليم بأيّهما شاء ، إلّا ان هذا الجواب غير دالّ على التخيير المدّعى وذلك لعدّة امور :

الاوّل : ظهور كلام الامام عليه‌السلام في الرخصة الواقعية لا التخيير الظاهري بين الحجتين كما تقدّم في الرواية السابقة (١).

الثاني : ان جملة «وكذلك التشهّد الاوّل يجري هذا المجرى» تارة تفترض جزء من الحديث الثاني ، واخرى تفترض كلاما مستقلا يضيفه الامام إلى الحديثين ، (فاذا) كانت جزء من الحديث ـ ولو بقرينة انه مورد لسؤال الراوي الذي قال عنه الامام إنّ فيه حديثين ـ كان الحديثان متعارضين إلّا انهما من التعارض غير المستقرّ الذي فيه جمع عرفي واضح لا باعتبار اخصيّة الحديث الثاني فحسب بل باعتبار كونه ناظرا إلى مدلول

__________________

(١) لان السائل في مقام السؤال عن الحكم الواقعي للمسألة ومقتضى ذلك أن يكون جواب الامام عليه‌السلام في هذا المقام أيضا ، ولا سيّما ان هذا هو مقتضى حال الامام الذي هو بصدد بيان الاحكام الواقعية للناس.

٣٤٩

الحديث الاوّل وحاكما عليه (١) ، وعدم استحكام التعارض بين الحاكم والمحكوم امر واضح عرفا ومقطوع به فقهيا بحيث لا يحتمل ان يكون للشارع حكم على خلاف الجمع العرفي فيه ، فيكون هذا بنفسه قرينة على ان المقصود من التخيير الترخيص الواقعي (٢) ، (وإذا) كانت جملة مستقلّة وكان الحديث الثاني متكفّلا لحكم القيام من الجلوس بعد السجدة الثانية وانه ليس على المصلي تكبير فيه فلا تعارض بين الحديثين في مورد سؤال الرّاوي وهو الانتقال من التشهد الى القيام فيكون هذا بنفسه قرينة على ان المراد هو الترخيص الواقعي (٣).

الثالث : انه لو تمّت دلالة الرواية على التخيير الظاهري في الحجيّة فموردها الحديثان القطعيان اللذان نقلهما الامام بنفسه كما يناسبه التعبير عنهما بالحديثين الظاهر في كونهما سنّة ثابتة عن آبائه المعصومين (٤) فلا

__________________

(١) ببيان انه عليه‌السلام قد وسّع الحالة لتشمل حالتين (وهما القيام من السجود والقيام من التشهد).

(٢) بين الحاكم والمحكوم.

(٣) أي فلا تعارض بين الحديثين ... لعدم شمول الحديث الاول لحالة القيام من التشهد بدليل قول الامام الحجّة (عج) وكذلك التشهد يجري هذا المجرى ، أي ليس هذا انتقالا من حالة الى حالة وان كان الحديث الاول عامّا والثاني خاصا وهما متعارضان بدوا ، ولكن الانتقال من التّشهد داخل في الخاص فلا يلزم التكبير ، ولكن رغم ذلك اذا اخذت بالعام من باب التسليم كان صوابا. فاذن نظر الامام الحجة (عج) الى بيان الحكم الواقعي لحالة الانتقال من التشهد والترخيص الواقعي في التكبير.

(٤) فانه لو لم تكن هتان الروايتان صادرتين واقعا لم يكن من شأن

٣٥٠

يمكن التعدّي منه إلى التعارض بين خبرين ظنيّين سندا لاحتمال ان يكون مزيد اهتمام الشارع بالقطعيّين (١) موجبا لجعل الحجيّة التخييرية في موردهما خاصّة.

ومنها : مرسلة الحسن بن الجهم عن الرضا عليه‌السلام في حديث قال : قلت يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين فلا نعلم ايهما الحقّ؟ فقال : «إذا لم تعلم فموسّع عليك بأيّهما اخذت» (٢).

وهذه اوضح الروايات في الدلالة على التخيير في الحجيّة بالنحو المدّعى إلّا انها ساقطة سندا بالارسال.

وقد تقدّمت بعض الروايات المستدلّ بها على التخيير في الحلقة السابقة مع مناقشة دلالتها.

__________________

الامام عليه‌السلام كعالم بالسنة الواقعية وكمبلّغ لاحكام الله الواقعية ان ينقل للناس رواية خاطئة او كاذبة بل هذا خلاف الحكمة (حاشاه ذلك).

(١) تذكرة : لا يزال كلامنا في اثبات الحجية التخييرية للروايتين اللتين لا يمكن الجمع بينهما عرفا كما ذكرنا في المثال السابق «صل الجمعة» و «صلّ الظهر يوم الجمعة» .... فبعد ما قرّب السيد الماتن (قدس‌سره) امكان ثبوت الحجية التخييرية لهكذا خبرين قال هنا انه. على فرض استظهار التخيير. فهذا التخيير انما يكون في نطاق الدليلين القطعيين فقط.

(٢) وسائل الشيعة ج ١٨ / باب ٩ من ابواب صفات القاضي / ح ٤٠.

٣٥١

* روايات الترجيح :

المجموعة الثانية ما استدلّ به من الروايات على ترجيح احدى الروايتين على الاخرى لمرجّح يعود إلى صفات الراوي كالأوثقية أو صفات الرواية كالشهرة أو صفات المضمون كالمطابقة للكتاب الكريم او المخالفة للعامّة وهي روايات عديدة :

فمنها : رواية عبد الرحمن بن ابي عبد الله (١) التي دلّت على الترجيح أوّلا بموافقة الكتاب وثانيا بمخالفة العامّة ، وقد تقدّمت الرواية مع الحديث عنها في الحلقة السابقة ، واتضح من خلال ذلك انها تامّة في دلالتها على المرجّحين المذكورين.

ومنها : مقبولة عمر بن حنظلة قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجلين من اصحابنا بينهما منازعة في دين أو ميراث فتحاكما إلى السلطان او الى القضاة أيحلّ ذلك؟ قال عليه‌السلام : «من تحاكم اليهم في حقّ او باطل فانما تحاكم إلى الطاغوت ..» قلت : فكيف يصنعان؟ قال : «ينظران من كان منكم ممّن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا فليرضوا به حكما ، فاني قد جعلته عليكم حاكما ، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فانما بحكم الله استخفّ وعلينا ردّ ...» قلت : فان كان كل واحد اختار رجلا من اصحابنا فرضيا ان يكونا الناظرين في حقّهما واختلف (٢) فيما حكما ، وكلاهما اختلفا في حديثكم. قال : «الحكم ما

__________________

(١) التي مرّ ذكرها قبل بضعة اوراق (ص ٣٤١)

(٢) في نسخة «فاختلفا»

٣٥٢

حكم به أعدلهما وافقههما واصدقهما في الحديث واورعهما ، ولا يلتفت إلى ما يحكم به الآخر.» ، قال : فقلت فانهما عدلان مرضيان عند اصحابنا لا يفضل واحد منهما على صاحبه؟ قال فقال : «ينظر إلى ما كان من روايتهما عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع (١) عليه عند اصحابك فيؤخذ به من حكمنا ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند اصحابك ، فانّ المجمع عليه لا ريب فيه ، وانما الامور ثلاثة : امر بيّن رشده فيتّبع ، وامر بيّن غيّه فيجتنب ، وامر مشكل يردّ حكمه إلى الله ...».

قال الراوي : قلت فان كان الخبران عنكم مشهورين قد رواهما الثقات عنكم؟ قال : «ينظر فما وافق حكمه حكم الكتاب والسّنّة وخالف العامّة فيؤخذ به ويترك ما خالف حكمه حكم الكتاب والسنّة ووافق العامّة ...» (٢) ، إلى أن قال الراوي : قلت فان وافق حكامهم (اي حكام العامة) الخبرين جميعا؟ قال : إذا كان ذلك فارجئه حتى تلقى إمامك ، فانّ الوقوف عند الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات» (٣).

__________________

(١) اسم «كان».

(٢) المحذوف من الرواية هنا ما يلي : قلت جعلت فداك إن رأيت إن كان الفقيهان عرفا حكمه من الكتاب والسنة ووجدنا احد الخبرين موافقا للعامّة والآخر مخالفا لهم بأيّ الخبرين يؤخذ؟ فقال : «ما خالف العامّة ففيه الرشاد» ، فقلت : جعلت فداك ، فان وافقهما الخبران جميعا؟ فقال : «ينظر إلى ما هم إليه اميل حكامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر» ، قلت : فان وافق حكامهم الخبرين جميعا؟ .... الى آخر ما في المتن.

(٣) جامع احاديث الشيعة / باب ٧ من ابواب المقدّمات / ح ١٢٤.

٣٥٣

وهذه الرواية تشتمل على المرجّحين السابقين (١) غير انها تذكر قبل ذلك ترجيحين آخرين : احدهما الترجيح بصفات الراوي (٢) ، والآخر الترجيح بالشهرة (٣) ، فان تمّت دلالتها على ذلك كانت مقيّدة لاطلاق الرواية السابقة ودالّة على ان الانتهاء إلى المرجّحين السابقين (٤) متوقّف على عدم وجود هذين الترجيحين.

وقد يعترض على استفادة هذين الترجيحين ـ بالصفات وبالشهرة ـ من المقبولة بوجوه :

الاوّل : ان المقبولة مختصّة موردا بعصر الحضور والتمكّن من لقاء الامام عليه‌السلام بقرينة قوله فيها «ارجئه حتى تلقى إمامك» فلا تدلّ على ثبوت الترجيحين في عصر الغيبة.

ونلاحظ على هذا الوجه ان اختصاص الفقرة الاخيرة التي تأمر بالارجاء بعصر الحضور لا يوجب تقييد الاطلاق في الفقرات السابقة خصوصا مع ملاحظة ان التمكن من لقاء الامام ليس من الخصوصيات

__________________

(١) وهما : موافقة الكتاب ومخالفة العامّة.

(٢) عند قوله «الحكم ما حكم به اعدلهما وافقههما واصدقهما في الحديث واورعهما» ، وهو الترجيح الاوّل.

(٣) عند قوله عليه‌السلام : «ينظر إلى ما كان من روايتهما عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه عند اصحابك ... ويترك الشاذّ الذي ليس بمشهور عند اصحابك» ، وهو الترجيح الثاني.

(٤) وهما موافقة الكتاب ومخالفة العامّة ، فانهما قد وردا في المرحلة الثالثة.

٣٥٤

التي يحتمل العرف دخلها في مرجحية الصفات ، إذ لا يختلف حال الاوثقية في كاشفيّتها وتأكيد موردها بين عصري الحضور والغيبة ، وكذلك الامر في الشهرة (١).

الثاني : ان الترجيح بالصفات وبالشهرة في المقبولة ترجيح لأحد الحكمين على الآخر لا لاحدى الروايتين على الاخرى في مقام التعارض (٢).

وهذا الاعتراض وجيه بالنسبة الى الترجيح بالصفات ، وليس صحيحا بالنسبة الى غيره ممّا ورد في المقبولة كالترجيح بالشهرة.

امّا وجاهته بالنسبة الى الترجيح بالصفات فلأننا نلاحظ اضافة الصفات في المقبولة الى الحاكمين حيث قال عليه‌السلام «الحكم ما حكم به اعدلهما وافقههما واصدقهما في الحديث واورعهما» ، هذا مضافا الى ان الامام قد طبّق الترجيح بالصفات على اوّل سلسلة السندين المتعارضين

__________________

(١) ذكر هنا ردّين : الردّ الاوّل : ان اختصاص الفقرة الاخيرة التي تأمر بالارجاء بعصر الحضور بعد كل تلك الاجوبة المطلقة الشاملة لعصري الحضور والغيبة لا يوجب تقييد كل تلك الاجوبة المطلقة.

والردّ الثاني : ان التمكن من لقاء الامام عليه‌السلام لا يحتمل العرف دخالته في قيدي الاوثقية والشهرة ، فهل تحتمل ان الامام عليه‌السلام قال لعمر «الحكم ما حكم به اعدلهما وافقههما ...» ويقصد في حال وجود الامام فقط ، وأمّا لو لم يكن الامام حاضرا فلا تهتموا بهذه التراجيح؟! او ليس يفهم العرف من هذه التراجيح ارادة الشارع المقدّس اعطاء الحجية لاقواهما حجّة وكاشفية؟!

(٢) اي ان هذين الترجيحين ناظران الى الحكام لا الى الروايات.

٣٥٥

وهما الحاكمان من دون ان يفرض انهما راويان مباشران للحديث ، بينما لو كان الترجيح بهما ترجيحا لاحدى الروايتين على الاخرى كان ينبغي تطبيقه على مجموع سلسلة الرواة او على الراوي المباشر كما هو عمل المشهور ومقتضى الصناعة أيضا ، لان الراويين المباشرين اذا كان احدهما اعدل وثبت الترجيح بالصفات فهذا يعني ان رواية المفضول عدالة (١) منهما انما تكون حجّة في حالة عدم معارضتها برواية الاعدل ، وعليه فالناقل لرواية الراوي المباشر الاعدل يكون مخبرا عن اختلال (٢) شرط الحجية لرواية الراوي المباشر المفضول التي ينقلها الناقل الآخر ، وبهذا يكون حاكما على نقل الناقل الآخر إذ يخرج منقوله عن كونه موضوعا للحجية. وهكذا نعرف ان تطبيق الامام للترجيح بالصفات على الحاكمين اللذين يمثّلان اوّل سلسلة السند لا ينسجم الا مع افتراض كون الترجيح لاحد الحكمين بلحاظ صفات الحاكم.

وأمّا عدم صحّة الاعتراض (٣) بالنسبة إلى الشهرة وغيرها فلأن سياق

__________________

(١) تمييز ل «المفضول» ، اي المفضول من حيث العدالة.

(٢) في النسخة الاصلية «اختلاف» وهو اشتباه.

(٣) لا بد هنا من جمع كل الفكرة ملخصا حتى يمكن لنا إكمال الطريق فنقول : كان السيد قد ذكر صحيحة عبد الرحمن بن ابي عبد الله التي دلّت على الترجيح اولا : بموافقة الكتاب ، ثانيا : بمخالفة العامّة.

(وأمّا) المقبولة فقد ذكرت ثلاثة تراجيح اساسية هي. بالترتيب. :

١. ترجيح بلحاظ صفات الراوي «الحكم ما حكم به اعدلهما وافقههما واصدقهما في الحديث وأورعهما».

٢. ترجيح بلحاظ شهرة الرواية : ينظر إلى المشهور بين اصحابنا.

٣٥٦

الحديث ينتقل من ملاحظة الحاكمين إلى ملاحظة الرواية التي يستند إليها كل منهما حيث قال «ينظر إلى ما كان من روايتهما عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه عند اصحابك» .. فاضيفت المميّزات إلى الرواية لا إلى الحكم.

ولكن (١) الشهرة في المقبولة التي ورد الترجيح بها في الدرجة الثانية

__________________

٣. ما وافق الكتاب والسنّة وخالف العامّة يؤخذ به .. (فاعترض) باعتراضين على الترجيحين الاوّلين :

الاوّل : ان المقبولة مختصّة بعصر الحضور ، واجاب عليه بان هذا الاعتراض خلاف اطلاقات سائر الاجوبة الاولى ،

والثاني : ان الترجيح بالصفات والشهرة ناظر إلى مقام الفصل بين الخصومات ، دون مقام الفتاوى الكليّة.

قبل السيد الشهيد بهذا الاعتراض بالنسبة الى الصفات لتصريح الامام عليه‌السلام بقوله «الحكم ما حكم به اعدلهما وو ...» ، ولم يقبل بالاعتراض بالنسبة إلى الشهرة لان الامام حينما رجّح بالشهرة صرّح بنظره إلى الروايتين لا إلى الحكمين ، فلاحظ قوله عليه‌السلام «ينظر إلى ما كان من روايتهما عنّا في ذلك الذي حكما. به المجمع عليه عند اصحابك»

(١) بعد ما قال : السيد الشهيد (رضوان الله عليه) بان الترجيح بالشهرة ناظر إلى مجال التعارض بين الروايات ضرب هذه المقالة من جهة اخرى بحيث لم يعد يمكن الاستفادة من هذه المقبولة للترجيح بالشهرة الروائية ، فقد قال هنا : ليس المراد الترجيح بالاشهر رواية على الاقل شهرة وانما المراد من الشهرة الروائية تلك الشهرة التي تفيد العلم والاطمئنان بصدور مضمون هذه الروايات المشهورة ، فكأنّ الامام عليه‌السلام

٣٥٧

ظاهرة في الاشتهار والشيوع المساوق لاستفاضة الرواية وقطعيتها (١) ، وليست بمعنى اشتهار الفتوى على طبقها ، لان ظاهر الحديث اضافة الشهرة الى نفس الرواية لا إلى مضمونها (٢) ، وذلك يناسب ما ذكرناه ويعني الترجيح بالشهرة على هذا الضوء تقديم الرواية القطعية سندا على الظنيّة (٣) ، وهذا مما لا إشكال فيه كما تقدّم ، وليس ذلك ترجيحا لاحدى الحجتين على الاخرى لما (٤) عرفت سابقا من ان حجية الخبر الظني السند

__________________

قال هنا : اتبع الروايات المشهورة لانها تفيد العلم والعلم حجة ، فان لم تورث هذه الروايات المشهورة العلم فليست بحجة ولا مرجّحة (اقول) وتظهر صحّة كلام السيد (قدس‌سره) من خلال قوله عليه‌السلام «فانّ المجمع عليه لا ريب فيه ، وانما الامور ثلاثة : امر بيّن رشدة فيتّبع ..» فبيّن عليه‌السلام أن السبب في الترجيح بالشهرة هو افادتها للعلم وانّ الروايات المشهورة بيّن رشدها وصحّتها.

(١) يظهر ذلك من قوله عليه‌السلام : «ينظر الى ما كان من روايتهما عنّا في ذلك الذي حكما به المجمع عليه عند اصحابك» فقال «روايتهما» ولم يقل «حكمهما» ممّا يستفاد من ذلك ان نظره عليه‌السلام إلى الرواية المشهورة.

(ملاحظة) : هذه نقطة مهمّة في الفقه الاستدلالي ، فانك ترى احيانا ان الروايات الاشهر لم يفت مشهور علمائنا بها ، وانما افتوا بالطائفة الاقل شهرة ، ففي هذه الحالة هل ترجّح الروايات الاشهر؟ ام تاخذ بالروايات الاقلّ شهرة التي عمل بها المشهور؟ ام لا تعتبر الشهرة اصلا سواء كانت روائية ام فتوائية إلّا اذا افادت العلم ـ كما يقول الماتن (قدس‌سره) ـ؟

(٢) شهرة المضمون اي شهرة الفتوى بمضمون الرواية.

(٣) لان مقطوعة السند ـ اضافة الى وضوح تقدّمها على المظنونة ـ اشدّ كاشفية من الروايات المشهورة.

(٤) تعليل ل «ليس ذلك ترجيحا».

٣٥٨

مشروطة في نفسها بعدم المعارضة لقطعي السند (١).

فان قيل : إذا كان الامر كذلك (٢) وجب تقديم الترجيح بالشهرة على الترجيح بالصفات ، لان الترجيح بالصفات يفترض حجيّة كلّ من الخبرين ويرجّح احدى الحجتين على الاخرى.

كان الجواب : ان الترجيح بالصفات ناظر إلى الحاكمين لا إلى الراويين ـ كما تقدّم ـ فلا اشكال من هذه الناحية (٣).

وهكذا يتّضح ان المقبولة لا يمكن ان يستفاد منها في مجال الترجيح بين الحجتين من الروايات اكثر ممّا ثبت بالرواية السابقة (٤).

ومنها : المرفوعة عن زرارة قال : سألت الباقر عليه‌السلام فقلت : جعلت فداك يأتي عنكم الخبران او الحديثان المتعارضان فبأيّهما آخذ؟

__________________

(١) ولذلك لن يكون خبر الثقة ـ عند معارضته مع مقطوع السند ـ حجّة ، ولذلك لن يعارض المقطوع السند.

(٢) اي اذا كان الترجيح بشهرة الرواية يقدّم على الاقلّ شهرة من الروايات بسبب انّ الاولى تورث الاطمئنان بصدورها بخلاف الاقلّ شهرة ، كان اللازم ان يقدّم الترجيح بالشهرة على الترجيح بالصفات لان الترتيب العقلائي ان يقال : فان علمت بالحكم الشرعي ـ ولو من خلال شهرة الروايات ـ فبها وان لم تعلم فخذ تعبّدا بالاورع والافقه.

(٣) اي لا يوجد ترتب في هذه الرواية ـ كي يستشكل على الرواية بان الترتب فيها غير عقلائي ـ لان مجال الترجيح بالشهرة هو الروايات ، ومجال الترجيح بالصفات هو فصل الخصومات.

(٤) نعم يستفاد منها الترجيح بصفات الحاكمين لكن هذا في مجال فصل الخصومات لا في مجال تعارض الروايتين.

٣٥٩

قال عليه‌السلام : «يا زرارة خذ بما اشتهر بين اصحابك ودع الشاذّ النادر». فقلت : يا سيّدي انهما معا مشهوران مرويان مأثوران عنكم؟ فقال عليه‌السلام : «خذ بقول اعدلهما عندك واوثقهما في نفسك». فقلت : انهما معا عدلان مرضيّان موثّقان؟ فقال عليه‌السلام : «انظر ما وافق منهما مذهب العامّة فاتركه وخذ بما خالفهم» ، قلت : ربما كانا معا موافقين لهم او مخالفين فكيف اصنع؟ فقال عليه‌السلام : «اذن فخذ بما فيه الحائطة لدينك واترك ما خالف الاحتياط» ، فقلت : انهما معا موافقان للاحتياط او مخالفان له فكيف اصنع؟ فقال عليه‌السلام : (اذن فتخيّر احدهما فتاخذ به وتدع الآخر) (١).

وفي هذه المرفوعة ذكرت مرجّحات وهي على الترتيب : الشهرة ثم صفات الراوي ثم المخالفة للعامّة ثم الموافقة للاحتياط ومع التكافؤ في كل ذلك حكمت بالتخيير.

وقد يعترض على الترجيح بالشهرة هنا بنفس ما تقدّم في المقبولة من كونها بمعنى استفاضة الرواية وتواترها (٢) ، (ولكن) هذا الاعتراض غير وجيه هنا لان المرفوعة بعد افتراض شهرة الروايتين معا تنتقل الى الترجيح بالاوثقية ونحوها من صفات الراوي وذلك لا يناسب الروايتين القطعيتين.

(ولكن) المرفوعة ساقطة سندا بالارسال فلا يمكن التعويل عليها.

__________________

(١) جامع احاديث الشيعة / المجلد الاوّل / ابواب المقدّمات / ص ٦٢.

(٢) بحيث تورث العلم. وانما فهم هذا المعنى بقرينة مقبولة عمر بن حنظلة.

٣٦٠