دروس في علم الأصول - ج ٤

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر

دروس في علم الأصول - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر


المحقق: الشيخ ناجي طالب آل فقيه العاملي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧١

في رؤية نفس ما فحص عنه سابقا (١) فلا معنى لاجراء الاستصحاب فعلا ، كما انّ قوله «فنظرت فلم أر شيئا» إذا كان ظاهرا في حصول اليقين بالفحص فلا معنى لجريانه حال الصلاة (٢).

والصحيح : أنّه لا موجب لحمل قوله «فرأيت فيه» على رؤية ما يعلم بسبقه ، فانّ هذه عناية اضافية تحتاج الى قرينة عند تعلّق الغرض بافادتها ، ولا قرينة ، بل حذف المفعول (٣) بدلا عن جعله ضميرا راجعا الى النجاسة المعهود ذكرها سابقا يشهد لعدم افتراض اليقين بالسبق (٤).

وعليه فالاستصحاب جار بلحاظ حال السؤال (٥) ، ويؤيّد ذلك ان قوله «فنظرت فلم أر شيئا» وإن لم يكن له ظهور في حصول اليقين (٦) ... ولكنه ليس له ظهور في خلاف ذلك ، لانّ افادة حصوله

__________________

(١) كما في مثال المني المذكور في سؤال زرارة ، فانّ كلام زرارة ـ كما ذكرنا قبل قليل ـ يحتمل إرادة مثال من استمنى قبل ساعة مثلا فشك في إصابة المني لثوب معيّن فصلّى فيه ، وبعد الصلاة رأى نفس تلك النجاسة التي ظنّ بحصولها ولم يجدها. وفي هذه الحالة يكون ظرف جريان الاستصحاب هو حال الصلاة لانه كان شاكا وجدانا حال الصلاة فاستصحب.

(٢) لانّه كان على يقين من الطهارة حال الصلاة فلا محلّ للاستصحاب ح.

(٣) أي لو كان مراد السائل من قوله «فرأيت فيه» المنيّ لذكر هذا المفعول به ، فحذفه يشهد لعدم افتراض اليقين بالسبق وذلك لاحتمال أن تكون النجاسة المشكوك فيها هي دم الرعاف وقد حدثت بعد الصلاة.

(٤) اي بسبق النجاسة او قل «يشهد لعدم افتراض اليقين بوحدة النجاسة».

(٥) لاحتمال ان تكون النجاسة قد عرضت بعد الصلاة.

(٦) أي وان لم يكن قول زرارة «فنظرت فلم أر شيئا» ظاهرا في حصول اليقين

٢١

بمثل هذا اللسان عرفية ، فكيف يمكن تحميل السائل افتراض الشك حال الصلاة وافتاؤه بجريان الاستصحاب حينها؟ (*)

وليس في مقابل تنزيل الرواية على إجراء الاستصحاب بلحاظ حال السؤال إلّا استبعاد استغراب زرارة من الحكم بصحّة الصلاة حينئذ ، لأنّ فرض ذلك (١) هو فرض عدم العلم بسبق النجاسة ، فأي استبعاد في ان

__________________

بعدم النجاسة بعد الصلاة ولكنه ليس له ظهور في خلاف ذلك لانّ إفادة حصول اليقين بعدم النجاسة قبل الصلاة بمثل هذا اللسان عرفية ، فمن طبيعة العرف ان يعبّر ـ بدلا عن قوله فنظرت فاعتقدت ان لا يوجد نجاسة ـ بقوله فنظرت فلم أر شيئا ويقصد فاعتقدت ان لا يوجد نجاسة.

(١) أي صحّة الصلاة. ومراده (قدس‌سره) ان يقول : ان استغراب زرارة قرينة على ان مراد زرارة مثال المني ونحوه مما فيه فرض سبق النجاسة ووحدتها ، فكأنّ زرارة يتساءل كيف تصحّ الصلاة مع العلم بوقوعها مع النجاسة؟! فانّ زرارة يتوقع ان فرض صحة الصلاة انما يكون مع فرض عدم العلم بسبق النجاسة لا مع العلم بوجود النجاسة اثناء الصلاة. فمع احتمال إرادة مثال المني وفرض العلم بسبق النجاسة لا يصحّ إجراء الاستصحاب حال السؤال (أي بعد الصلاة) ، فما ذا يستصحب بعد الصلاة ، هل يستصحب عدم ثبوت النجاسة مع انّه يعلم بوجودها اثناء الصلاة بل قبلها؟! إذن يتعيّن ان يكون ظرف جريان الاستصحاب هو حال الصلاة فقط.

__________________

(*) أقول ان كان قوله ((نظرت فلم أر شيئا)) أعم من حصول الاعتقاد بالطهارة وعدم حصوله ـ كما هو الصحيح عندنا وعند سيدنا الشهيد ـ فمعنى ذلك امكان جريان الاستصحاب حال الصلاة أيضا على فرض وجود احتمال قبل الصلاة عند السائل في طروء نجاسة

٢٢

يحكم بعدم إعادة صلاة لا يعلم بوقوعها مع النجاسة؟

فالاستبعاد المذكور قرينة على انّ المفروض حصول اليقين للسائل بعد الصلاة بسبق النجاسة ، ومن هنا استغرب الحكم بصحّتها ، وهذا يعني ان إجراء الاستصحاب انّما يكون بلحاظ حال الصلاة لا حال السؤال.

ولكن يمكن الرّدّ على هذا الاستبعاد بانّه لا يمتنع ان يكون ذهن زرارة مشوبا بأنّ المسوّغ للصلاة مع احتمال النجاسة الظن بعدمها الحاصل من الفحص ، وحيث ان هذا الظنّ يزول بوجدان النجاسة بعد الصلاة على نحو يحتمل سبقها كان زرارة يترقّب ان لا يكتفي بالصلاة الواقعة ، فان تمّ هذا الرد (*) فهو ، والّا ثبت تنزيل الرواية على إجراء الاستصحاب بلحاظ حال الصلاة (١) ، ويصل الكلام حينئذ الى الجهة الثالثة.

الجهة الثالثة : إنّا إذا فرضنا كون النجاسة المكشوفة معلومة السبق

__________________

(١) تأييدا لاستغراب زرارة فانّ زرارة يستغرب كيف يصح الاستصحاب حال الصلاة والحال انه تبيّن للمكلّف انه قد صلّى بالمني. إذن المراد من الاستصحاب في الرواية الاستصحاب حال الصلاة.

__________________

(*) وهو لا يتم كما عرفت في التعليقات السابقة ، إضافة الى استبعاد ان يكون ((ذهن زرارة مشوبا بان يكون المسوّغ للصلاة مع احتمال النجاسة الظنّ بعدمها الحاصل من الفحص)) ، بل القريب جدّا ان يكون اقدامه على الصلاة في هذه الحالة مبنيّا على إجراء الاستصحاب قبل الصلاة وحالها.

وعلى أيّ حال إنّ إعطاء مثالي دم الرعاف والمني قرينة واضحة على إمكان ان يريد من ((فرأيت فيه)) نفس النجاسة السابقة ، او الأعم من السابقة والجديدة كما في دم الرّعاف.

٢٣

[كالمني] وان الاستصحاب انّما يجري بلحاظ حال الصلاة ... فكيف يستند في عدم وجوب الاعادة الى الاستصحاب مع انّه حكم ظاهري يزول بانكشاف خلافه ومع زواله وانقطاعه لا يمكن ان يرجع إليه في نفي الاعادة؟.

وقد اجيب على ذلك (تارة) بأن الاستناد الى الاستصحاب في عدم وجوب الاعادة يصحّ إذا افترضنا ملاحظة كبرى مستترة في التعليل ، وهي إجزاء امتثال الحكم الظاهري عن الواقع ... (واخرى) بانّ الاستناد المذكور يصحّ إذا افترضنا ان الاستصحاب او الطهارة الاستصحابية بنفسها تحقق فردا حقيقيّا من الشرط الواقعي للصلاة بأن كان الشرط الواقعي هو الجامع بين الطهارة الواقعية والطهارة الظاهرية (١)

__________________

(١) أثار السيد الشهيد (قدس‌سره) هذا البحث في الجزء الاوّل تحت عنوان «التصويب بالنسبة الى بعض الاحكام الظاهرية» ، وفي الجزء الثالث تحت عنوان «الاصول التنزيلية والمحرزة» وفي بحث الاجزاء. وعلى اي حال لا بأس بالتذكير هنا بأن هذا الجواب الثاني هو لصاحب الكفاية ذكره في بحث الاجزاء ، راجع قوله والتعليق عليه في هذا الكتاب لتعرف ان ما ذكره صحيح وهو قوله «المقام الثاني : في اجزاء الاتيان بالمامور به بالامر الظاهري وعدمه والتحقيق ان ما كان منه يجري في تنقيح ما هو موضوع التكليف وتحقيق متعلّقه وكان بلسان تحقق ما هو شرطه او شطره كقاعدة الطهارة او الحلّية بل واستصحابها في وجه قوي ونحوها بالنسبة الى كل ما اشترط بالطهارة او الحلية يجزئ ، فان دليله يكون حاكما على دليل الاشتراط ومبيّنا لدائرة الشرط وانه اعم من الطهارة الواقعية والظاهرية ، فانكشاف الخلاف فيه

٢٤

__________________

لا يكون موجبا لانكشاف فقدان العمل لشرطه» (*)

__________________

(*) (أقول) صيغة التنزيل معروفة ومثالها من القرآن الكريم ((لو لا جاءوا عليه باربعة شهداء ، فاذ لم يأتوا بالشهداء فاولئك عند الله هم الكاذبون)) [النور ـ ١٣] مع انهم قد يكونون صادقين باعتقادهم بل واقعا هذا من جهة ، وأمّا بالنسبة الى التنزيل في اصالة الطهارة فقد بيّنا سابقا ظهور معنى التنزيل من موثّقة عمار عن الامام الصادق عليه‌السلام من تفسير الامام ل ((كل شيء نظيف حتى تعلم انه قذر)) بقوله ((فاذا علمت فقد قذر ، وما لم تعلم فليس عليك)) فراجع الجزء الاوّل ص ٧٤ ـ ٧٥.

واما بالنسبة الى اصالة الحل فكذلك يظهر من ادلّة الحلّ كصحيح عبد الله بن سنان عن الصادق [ع] ((كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتّى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه)) وامثالها التنزيل وجعل المشكوك الحرمة حلالا تعبّدا وليس هاهنا محل تبيين هذا الامر ، وعلى أي حال فحكومتها على أدلّة اشتراط الحلّية ظاهرية لاختلاف رتبتي الدليل الحاكم والدليل المحكوم كما هو واضح ، بخلاف حكومة ((لا ربا بين الوالد وولده)) على دليل ((الربا حرام)) فانها واقعية لوحدة رتبتيهما في مرتبة الواقع.

وكذلك الامر بالنسبة الى تنزيليّة الاستصحاب ـ على مبنانا السالف الذكر في فهم أدلته ـ فانها واضحة أيضا ، وذلك لأنّ معنى ((ولا تنقض اليقين أبدا بالشك)) وما يجري مجراها هو انك على يقين تعبّدا من بقاء الحالة السابقة ، وبما أنّ اليقين هنا مأخوذ بنحو المرآتية ـ بقرينة صحيحة عبد الله بن سنان وغيرها ـ فيصير المعنى هكذا : لا تنقض ثبوت الحالة السابقة بمجرّد الشك أبدا ، فهي لا تزال باقية تعبّدا ، وهذه من الصيغ الواضحة في ارادة التنزيل. هذا على مبنى التعبّد ببقاء الحالة السابقة. وامّا على مبنى التعبّد ببقاء اليقين فالأمر أوضح.

وعلى أساس ما ذكرنا تعرف وجه تعليل عدم إعادة الصلاة بقاعدة الاستصحاب ، وهو أنه كان أثناء صلاته منزّلا منزلة الطاهر.

«تنبيه»

كل حالات التنزيل تفيد بمقدار علمنا بنظر الشارع ، فان لم نعلم بنظر الشارع المقدّس

٢٥

إذ بناء على ذلك تكون الصلاة واجدة لشرطها حقيقة.

الجهة الرابعة : انه بعد الفراغ عن دلالة المقطع المذكور على الاستصحاب .. نقول : إنه ظاهر في جعله على نحو القاعدة الكلّية ، ولا يصحّ حمل اليقين والشك على اليقين بالطهارة والشك فيها خاصّة ، لنفس ما تقدّم من مبرّر للتعميم في الرواية السابقة ، بل هو هنا أوضح لوضوح الرواية في أن فقرة الاستصحاب وردت تعليلا للحكم ، وظهور كلمة «وليس ينبغي» في الاشارة الى مطلب مركوز وعقلائي. وعلى هذا فدلالة المقطع المذكور على المطلب تامّة.

* المقام الثاني : في الموقع الثاني من الاستدلال ،وهو قوله عليه‌السلام «وإن لم تشك ..» في جواب السؤال ال سادس.

__________________

من هذا التنزيل الى آثار معيّنة فلا نستطيع ان نتمسّك باطلاق هذا التنزيل لاثباتها ، لامكان التفكيك في الامور التعبدية.

مثال ذلك اننا قلنا قبل اسطر ان لسان قاعدة الحلّية لسان تنزيل ، ولكن هل معنى هذا التنزيل امكان اثبات طهارة مدفوع هذا الحيوان المشكوك الحلّية؟! بالتاكيد لا يمكن ، لعدم علمنا بنظر الشارع المقدّس إلى اثبات هذا اللازم ، وهكذا الامر بالنسبة الى غيرها كقاعدة الطهارة ، فانّنا ـ رغم قولنا بتنزيلية هذه القاعدة ـ ان وجدنا لحما في صحراء وقلنا بطهارته بناء على هذا الدليل فهل يلزم من هذا التنزيل القول بتذكية اللحم أيضا؟! وكذا القول بالنسبة إلى الاستصحاب ، فانه وان كان لسانه لسان استصحاب اليقين وهو معنى التنزيل ، ولكن رغم ذلك لا يمكن لنا بهذا التنزيل اثبات لوازم الاستصحاب .... وسيأتيك في بحث ((الاستصحاب اصل او امارة)) تكملة لهذا الكلام فراجع

٢٦

وتوضيح الحال في ذلك : ان عدم الشك هنا تارة يكون بمعنى القطع بعدم النجاسة ، واخرى بمعنى عدم الشكّ الفعلي الملائم مع الغفلة والذهول أيضا.

فعلى الاوّل : تكون اركان الاستصحاب مفترضة في كلام السائل وكذلك اركان قاعدة اليقين ، أمّا الافتراض الاوّل فواضح ، وأمّا الافتراض الثاني فلأنّ اليقين حال الصلاة مستفاد بحسب الفرض من قوله «وإن لم تشك» ، والشك في خطأ ذلك اليقين قد تولّد عند رؤية النجاسة أثناء الصلاة مع احتمال سبقها. وعليه فكما يمكن تنزيل القاعدة في جواب الامام على الاستصحاب كذلك يمكن تنزيلها على قاعدة اليقين ، غير انّه يمكن تعيين الاوّل بلحاظ ارتكازيّة الاستصحاب ومناسبة التعليل والتعبير ب «ليس ينبغي» لكون القاعدة مركوزة ، وأمّا قاعدة اليقين فليست مركوزة.

هذا مضافا إلى أنّ استعمال نفس التركيب الذي اريد منه الاستصحاب في جواب السؤال الثالث في نفس الحوار يعزّز. لوحدة السياق. ان يكون المقصود واحدا في المقامين.

وعلى الثاني : يكون الحمل على الاستصحاب أوضح ، إذ لم يفترض حينئذ في كلام الامام اليقين بعدم النجاسة حين الصلاة لكي تكون اركان قاعدة اليقين مفترضة ، فيتعيّن بظهور الكلام حمل القاعدة المذكورة على ما فرض تواجد اركانه وهو الاستصحاب ، وهكذا تتّضح دلالة المقطع الثاني على الاستصحاب أيضا.

٢٧

الرواية الثالثة :

وهي رواية زرارة «عن أحدهما عليه‌السلام قال : قلت له : من لم يدر في أربع هو ام في ثنتين وقد احرز الثنتين؟ قال : يركع ركعتين وأربع سجدات وهو قائم بفاتحة الكتاب ويتشهّد ولا شيء عليه ، وإذا لم يدر في ثلاث هو أو في أربع وقد احرز الثلاث قام فاضاف إليها ركعة اخرى ولا شيء عليه ، ولا ينقض اليقين بالشكّ ، ولا يدخل الشك في اليقين ، ولا يخلط أحدهما بالآخر ، ولكن ينقض الشك باليقين ، ويتمّ على اليقين فيبني عليه ، ولا يعتدّ بالشك في حال من الحالات» (*).

__________________

(*) الاستبصار ج ١ / ابواب السهو والنسيان / باب من شك في اثنتين واربعة ، والتهذيب كتاب الصلاة / باب احكام السهو في الصلاة وما يجب منه إعادة الصلاة / ١٠ / ح. ٤١ وجامع احاديث الشيعة ج ٦ / في الخلل / باب ٢٤ / ح ٤ / ص ٣٣٥.

وسند هذه الرواية صحيح بلا شك ، وطريق الكليني لها في الكافي هو علي بن إبراهيم عن ابيه عن حمّاد بن عيسى عن حريز عن زرارة ورواها الكليني في الكافي أيضا عن محمد بن اسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعا عن حمّاد بن عيسى أيضا عن حريز عن زرارة ....

ويقع الكلام في مقامين :

المقام الاوّل : في الدليل على كون محمد بن إسماعيل المذكور هو النيسابوري دون غيره ، فاقول : إنما عرفنا انّه النيسابوري من مجموع مقدّمتين :

(المقدمة الاولى) : من حيث تناسب الطبقات ، بيان ذلك :

ان الكليني يروي عن محمّد بن إسماعيل في ٧٥٨ موردا على ما ذكر السيد الخوئي [قدس‌سره] في معجمه [ج ١٨ ص ٥٥] من دون تمييزه ، وقال في ج ١٥ ص ٨٤ ((أقول : رواية محمّد بن يعقوب عن محمّد بن اسماعيل وروايته عن الفضل بن شاذان كثيرة

٢٨

__________________

جدا وقد بلغ ٧٦١ موردا ، وسنبيّن انه محمّد بن اسماعيل ابو الحسن النيسابوري الآتي)) انتهى كلامه ، وهذا يعني أنّه كان علما في زمانه مميّزا وواضحا ... وبالتالي تخرج الاسماء المهملة والمجهولة ، ويتعيّن في الاشخاص ذوي الكتب والعلم وهم خمسة فقط :

١ ـ محمّد بن اسماعيل بن رجا [الطبقة السادسة ، توفي في ايام الامام الرضا عليه‌السلام].

٢ ـ محمّد بن اسماعيل بن بزيع [الطبقة السادسة ، وقد ادرك الائمة الكاظم والرضا والجواد] ثقة.

٣ ـ محمّد بن إسماعيل بن ميمون الزعفراني [الطبقة السادسة ، لقي اصحاب الامام الصادق عليه‌السلام ثقة عين.

٤ ـ محمّد بن اسماعيل بن احمد بن بشير البرمكي [الطبقة السابعة والتي هي طبقة الامام الهادي عليه‌السلام] ثقة.

٥ ـ محمّد بن إسماعيل ابو الحسن النيسابوري ، ويدعى بندفر ١ [الطبقة الثامنة]. وبما ان طبقة الكليني [الطبقة التاسعة] لا تناسب اي واحد من ابناء السادسة بوجه ، لكون وفاة الشيخ الكليني ما بين عامي ٣٢٨ و ٣٢٩ ، اي ان زمان حياته كان في عصر الغيبة الصغرى [٢٦٠ ـ ٣٢٩] ، فيتعيّن ان يكون محمّد بن إسماعيل هذا إمّا البرمكي وامّا النيسابوري.

امّا احتمال ان يكون البرمكي فبعيد ايضا لأنّه كان في طبقة الإمام الهادي عليه‌السلام شيخا يروى عنه ٢ مما يعني ان زمان وفاته كان في ايّام الامام الهادي او ما يقاربه حيث لم يكن الشيخ الكليني قد ولد او انه كان في أوائل سني حياته ، ولذلك تراه في الكافي يروي عن محمّد بن اسماعيل البرمكي بواسطة محمّد بن جعفر الاسدي في موارد كثيرة وكذلك الكشي [من طبقة الكليني] كان يروي عن محمد بن إسماعيل البرمكي بواسطة ٣.

وأمّا احتمال ان يكون النيسابوري فالأولى ان نجعله في المقدّمة الثانية.

(المقدمة الثانية) : لقد ثبت ان الذي يروي عن الفضل بن شاذان [الطبقة

٢٩

__________________

السابعة] هو النيسابوري ، ولم تثبت رواية غيره عنه مطلقا ٤ فالكشّي [الذي هو من طبقة الكليني كما قلنا] قد روى عن محمّد بن اسماعيل النيسابوري عن الفضل بن شاذان النيسابوري في عدّة موارد ٥.

كل هذا يجعل الإنسان يطمئن بكون محمّد بن اسماعيل هذا هو النيسابوري وقد جزم السيد البروجردي بكونه النيسابوري ٦.

(المقام الثاني) في وثاقة النيسابوري هذا فأقول :

. لقد استدلّ السيد الخوئي [قدس‌سره] في معجمه على وثاقته بوقوعه في كامل الزيارات وهذا المبنى ضعيف ، يذكر وجه ضعفه في محلّه ٧.

. وإنّما نحكم بوثاقته من جهة اكثار الكليني الرواية عنه جدّا في كتابه الكافي [كما قرأت قبل قليل] ، وقد قال هذا الشيخ الجليل الثقة في مقدّمة كتابه في جواب من قال له انّه يحب ان يكون عنده كتاب كاف يجمع فيه من جميع فنون علم الدين ما يكتفي به المتعلّم ويرجع اليه المسترشد ويأخذ منه من يريد علم الدين والعمل به بالآثار الصحيحة عن الصادقين [عليهم‌السلام] ، فقال [قدس‌سره] ((وقد يسّر الله وله الحمد تاليف ما سالت وارجو ان يكون بحيث توخّيت)) ، فلا أقلّ من الحكم بوثاقة مشايخه رحمهم‌الله وهو الخبير في الرجال وله في هذا العلم كتاب ، وإن ابيت ايضا فلا اقلّ من الاقتصار على من اكثر عنه الرواية كثيرا بعد عدم احتمال جهالته عنده فضلا عن علمه بكذبه ، ومع الاخذ بعين الاعتبار أيضا كثرة تدقيق العلماء في الرواة بعد وفاة الامام الصادق عليه‌السلام ٨ حتّى

__________________

(١) وفي بعض النسخ بندقر ، وفي بعضها بندقي.

(٢) إذ ان محمّد بن جعفر الأسدي (المتوفى سنة ٣١٢) الذي روى عن الامام الهادي (عليه‌السلام) روى عن محمّد بن إسماعيل البرمكي كتابه إلى من بعده.

(٣) راجع المعجم ج ١٥ ص ٩٠.

(٤) راجع معجم رجال الحديث ج ١٣ ص ٢٩٩ وج ١٥ ص ٩٢.

(٥) راجع معجم رجال الحديث ج ١٥ ص ٩٠.

(٦) راجع معجم الثقات ص ١٠٣.

(٧) راجع بحوث في علم الرجال ص ٥٤.

(٨) يظهر ذلك من مقولات الشيخ الطوسي والشيخ النجاشي ، فقد قال الاوّل :

٣٠

__________________

انهم كانوا يعيبون على من يكثر من رواية المراسيل والرواية عن المجاهيل أو الضعفاء. وبعد الذي ذكرناه يكون التردد في وثاقة النيسابوري من وساوس الشيطان أعاذنا الله منه.

__________________

«إنا وجدنا الطائفة ميّزت الرجال الناقلة لهذه الاخبار فوثقت الثقات منهم وضعّفت الضعفاء ، وفرّقت بين من يعتمد على حديثه وروايته وبين من لا يعتمد على خبره ، ومدحوا الممدوح منهم وذمّوا المذموم ، وقالوا فلان متهم في حديثه وفلان كذّاب .... وغير ذلك من الطعون التي ذكروها ، وصنّفوا في ذلك الكتب ...

وقال الثاني في مواضع من فهرسته : ذكره اصحاب الرجال ، ذكر في الفهرستات ، ذكره اصحابنا في الرجال ...

وقال السيد الخوئي في مدخل معجم رجاله ج ١ ص ٤٢ «وقد بلغ عدد الكتب الرجالية من زمن الحسن بن محبوب إلى زمان الشيخ نيفا ومائة كتاب على ما يظهر من النجاشي والشيخ وغيرهما ، وقد جمع ذلك البحاثة الشهير المعاصر الشيخ آقا بزر الطهراني في كتابه مصفى المقال» انتهى كلامه رفع مقامه.

ويحسن ان نذكر بعضا ممّن الّف في علم الرجال إلى زمان الشيخ الكليني (قدس‌سره) فمن رجال الطبقة السادسة : الحسن بن محبوب والحسن بن علي بن فضّال وعبد الله بن جبلّة. ومن الطبقة السابعة علي بن الحسن بن علي بن فضّال ومحمّد بن عيسى وأحمد بن الحسين بن عبد الملك.

ومن الطبقة الثامنة احمد بن علي بن محمّد بن جعفر وحميد بن زياد وسعد بن عبد الله. ومن الطبقة التاسعة ثقة الاسلام الكليني (محمّد بن عمر بن عبد العزيز) وابو غالب الزراري (احمد بن محمّد بن سليمان) واحمد بن محمّد بن عمار واحمد بن محمد الزيدي والحمزة بن القاسم بن علي وعبد العزيز بن يحيى الجلودي وابو بكر الجعابي المعروف بابن الجعابي (محمّد بن عمر بن محمد) ومحمد بن الحسن المحاربي وابن عقدة (ابو العباس احمد بن محمّد بن سعيد).

ثمّ بعد الكليني استمرّ الاهتمام برجال الحديث ، فممّن كتب من

الطبقة العاشرة : محمّد بن احمد بن داود (شيخ القميين في وقته وفقيههم) والشيخ الصدوق ، ومن الطبقة الحادية عشر : احمد بن محمّد بن عبيد الله بن عيّاش واحمد بن محمد بن نوح (ابو العبّاس السيرافي).

ومن الطبقة الثانية عشر : ركنا الرجاليين الشيخان النجاشي والطوسي ... (راجع بحوث في علم الرجال ص ١٣٠ وغيره).

٣١

وفقرة الاستدلال في هذه الرواية تماثل ما تقدّم في الروايتين السابقتين ، وهي قوله «ولا ينقض اليقين بالشك ...».

وتقريبه ان المكلّف في الحالة المذكورة على يقين من عدم الاتيان بالرابعة في بادئ الامر ، ثم يشك في اتيانها ، وبهذا تكون اركان الاستصحاب تامّة في حقّه ، فيجري استصحاب عدم الاتيان بالركعة الرابعة ، وقد افتاه الامام على هذا الاساس بوجوب الاتيان بركعة عند الشك المذكور ، واستند في ذلك الى الاستصحاب المذكور معبّرا عنه بلسان «ولا ينقض اليقين بالشك». ولكن يبقى على هذا التقريب ان يفسّر (١) لنا النكتة في تلك الجمل المتعاطفة بما استعملته من الفاظ متشابهة من قبيل : عدم إدخال الشك في اليقين ، وعدم خلط احدهما بالآخر ، فان ذلك يبدو غامضا بعض الشيء.

__________________

(١) فاعل «يفسّر» هو التقريب.

__________________

قال الشيخ التجليل في معجم ثقاته ص ١٠٣ ((وقد حكم العلّامة في مسألة عدد التسبيحات في ((المنتهى)) ص ٢٧٥ والمختلف ص ٩٢ وغيرهما من كتبه بصحّة حديث يرويه عن زرارة وهو في طريقه ، وكذا الشهيد في الذكرى [مسألة ١١ من قراءة الصلاة] ، راجع الوسائل ج ٢٠ ص ٣١٦ رقم ٩٨٤.

وإن احتملت انّه البرمكي ـ رغم ضعف هذا الاحتمال ـ فهو ثقة ، صرّح بذلك النجاشي.

وقد تعمّدنا إثارة الطريق الثاني من السند المذكور لما فيه من فوائد للطالب وإلّا فالطريق الاوّل لا إشكال فيه

٣٢

وقد اعترض على الاستدلال المذكور باعتراضات :

الاوّل : دعوى ان اليقين والشك في فقرة الاستدلال لا ظهور لهما في ركني الاستصحاب ، بل من المحتمل ان يراد بهما اليقين بالفراغ والشك فيه (١) ، ومحصّل الجملة حينئذ أنّه لا بد من تحصيل اليقين بالفراغ ، ولا ينبغي رفع اليد عن ذلك بالشك ومجرّد احتمال الفراغ ، وهذا اجنبي عن الاستصحاب.

والجواب : ان هذا الاحتمال مخالف لظاهر الرواية ، لظهورها في افتراض يقين وشك فعلا ، وفي ان العمل بالشك نقض لليقين وطعن فيه ، مع أنّه بناء على الاحتمال المذكور لا يكون اليقين فعليّا ولا يكون العمل

__________________

(١) المراد بهذا الكلام ان هذه الرواية ناظرة الى تطبيق القاعدة العقلية «الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني» لا قاعدة الاستصحاب ، فبناء على ارادة قاعدة الاشتغال يصير المعنى هكذا : لا يكتفى بالشك في الفراغ بل يقوم فيضيف ركعة أخرى حتّى يحصل عنده يقين بالفراغ(*).

__________________

(*) (ملاحظة): (قد يقال) إنّ بين اصالة الاشتغال وقاعدة الاستصحاب تداخلا ، فمن حيث مورديهما ترى ان مورد اصالة الاشتغال هو الشك في فراغ الذمّة مما قد علم بثبوته فيها سابقا ، اما مورد الاستصحاب فاعمّ من ذلك ، وامّا من حيث مفادهما ، فمفاد اصالة الاشتغال هو لزوم العلم بفراغ الذمّة ، وامّا مفاد قاعدة الاستصحاب فهو إحراز بقاء الحالة السابقة تعبّدا ، (ولكن الصحيح) أنّ اصالة الاشتغال هي فرع من فروع الاستصحاب كما يتّضح ذلك بادنى تأمّل ، فانك إذا تردّدت بين وجوب صلاة الجمعة ووجوب صلاة الظهر ثم صليت إحداهما ، فان العقل هنا يستصحب بقاء اشتغال الذمّة حتّى يعلم بفراغها ، وكذا الامر في اشباه هذا المورد.

٣٣

بالشك نقضا لليقين بل هو نقض لحكم العقل بوجوب تحصيله (١).

__________________

(١) ذكر السيد الشهيد رحمه‌الله هنا جوابين :

الاوّل : قوله بأن احتمال ارادة قاعدة الاشتغال مخالف لظاهر الرواية ، لظهور الرواية في افتراض يقين وشكّ فعلا ، مع أنّه ـ بناء على ارادة قاعدة الاشتغال ـ لا يكون اليقين فعليا ، بل يكون اليقين مما يراد تحصيله بحكم العقل.

والثاني : قوله (قدس‌سره) بانّ ارادة قاعدة الاشتغال تخالف ظاهر الرواية لظهور هذه الرواية في ان العمل بالشك نقض لليقين الفعلي وطعن فيه ، مع انه بناء على ارادة قاعدة الاشتغال لا يكون العمل بالشك نقضا لليقين ، بل يكون نقضا لحكم العقل بوجوب تحصيل اليقين بالفراغ(*).

__________________

(*) [أقول] إنّ قوله عليه‌السلام ((ولا ينقض اليقين بالشك)) يفهم منه وحدة متعلّقهما وإلّا فلا يصحّ التعبير بالنقض ، وعليه يتعيّن ان يكون المتعلّق هو عدم الاتيان بالركعة الرابعة ، ومعنى ذلك ان الامام عليه‌السلام يريد ان يقول : لقد كان على يقين من عدم الاتيان بالركعة الرابعة ثم شك في الاتيان بها ، وفي مثل هذه الحالة عليه ان ((لا ينقض اليقين بالشك)) وهو عين الاستصحاب.

هذا ولكن يمكن ان تحمل هذه الرواية على اصالة الاشتغال ايضا وذلك بأن نقول ـ بعد التسليم بلزوم وحدة متعلقي اليقين والشك ـ انه قد كان عنده يقين بعدم الاتيان بالركعة الرابعة ثم شك في الاتيان بها فهنا حكم الشارع المقدّس ـ كما يدرك العقل ـ بلزوم الاتيان بالركعة المشكوكة حتّى يعلم بفراغ ذمّته ، وهذا كما ترى من موارد التداخل بين الاصالة والقاعدة.

ومن هنا تعرف الجواب على جواب السيد الشهيد [قدس‌سره] عند ما قال : ((والجواب : انّ هذا الاحتمال ...)) ، فان اليقين والشك في اصالة الاشتغال فعليّان كما

٣٤

الاعتراض الثاني : ان تطبيق الاستصحاب على مورد الرواية متعذّر ، فلا بد من تأويلها. وذلك لأنّ الاستصحاب ليست وظيفته إلّا إحراز مؤدّاه والتعبّد بما ثبت له من آثار شرعيّة ، وعليه فان اريد في المقام من استصحاب عدم إتيان الرابعة التعبّد بوجوب اتيانها موصولة كما هو الحال في غير الشاك ... فهذا يتطابق مع وظيفة الاستصحاب ، ولكنه باطل من الناحية الفقهيّة جزما لاستقرار المذهب على وجوب الركعة المفصولة ، وإن اريد من الاستصحاب المذكور التعبّد بوجوب اتيان الركعة مفصولة فهذا يخالف وظيفة الاستصحاب ، لأنّ وجوب الركعة المفصولة ليس من آثار عدم الاتيان بالركعة الرابعة لكي يثبت باستصحاب العدم المذكور ، وإنّما هو (١) من آثار نفس الشك في إتيانها.

__________________

(١) يعني أنّه إن اريد من استصحاب عدم ثبوت الاتيان بالركعة الرابعة التعبّد بوجوب إتيانها مفصولة فهذا يخالف وظيفة الاستصحاب ، لأنّ من آثار استصحاب عدم ثبوت الاتيان بالركعة الرابعة الموصولة وجوب الاتيان بالرابعة موصولة ، وان وجوب الركعة المفصولة انما يكون من آثار الشك في الاتيان بالركعة المفصولة (بمعنى انه إن شككنا في الاتيان بالركعة المفصولة واجرينا استصحاب عدم الاتيان بها يترتب على هذا الاستصحاب وجوب الاتيان بالركعة المفصولة).

__________________

قلنا ، وثانيا إنّ العمل بالشك ـ بناء على إرادة اصالة الاشتغال ـ بأن لا يأتي بالركعة يكون ايضا نقضا لليقين وتغليبا للشك عليه.

نعم يمكن للسيد الشهيد [قدس‌سره] ان يستدلّ على ارادة قاعدة الاستصحاب من هذه الرواية من مركوزيّتها ـ ولو بنحو الاجمال ـ في أذهان العقلاء فضلا عن المتشرّعة ، ولذلك تنصرف هذه التعابير ـ نحو ولا ينقض اليقين بالشك ـ الى خصوص الاستصحاب

٣٥

وقد اجيب على هذا الاعتراض بأجوبة :

منها : ما ذكره المحقّق العراقي من اختيار الشقّ الاوّل (١) وحمل تطبيق الاستصحاب المقتضي للركعة الموصولة على التقيّة مع الحفاظ على جدّيّة الكبرى وواقعيّتها ، فأصالة الجهة والجدّ النافية للهزل والتقيّة تجري في الكبرى دون التطبيق.

فان قيل : إنّ الكبرى إن كانت جدّيّة فتطبيقها صوري ، وإن كانت صورية فتطبيقها بما لها من المضمون جدّي ، فأصالة الجد في الكبرى تعارضها اصالة الجد في التطبيق .. كان الجواب : إن اصالة الجد في التطبيق لا تجري (٢) إذ لا اثر لها للعلم بعدم كونه تطبيقا جادّا لكبرى جادّة على أيّ حال ، فتجري اصالة الجهة في الكبرى بلا معارض.

__________________

(١) لا يخفى ان المراد بالشق الاوّل قوله السابق «فان اريد في المقام ....» وبالكبرى في قوله «على جدّية الكبرى» هو الاستصحاب ، وباصالة الجهة اصالة الواقعية التي تقابل التقيّة ، فالامام عليه‌السلام يريد جدّا وواقعا الاستصحاب وأمّا تطبيق الاستصحاب على هذا المورد فهو للتقيّة.

(٢) إنّما قدّم اصالة الجهة في كبرى الاستصحاب على اصالة الجهة في التطبيق لوجود طولية وترتب بين الاصالتين ، بمعنى انّه في المرحلة الاولى ننظر إلى حالة اليقين السابق بعدم الاتيان بالركعة الرابعة فنرى انّ هذا المورد مورد لجريان الاستصحاب والاصل صدور الرواية لكشف الواقع (لا للتقية) ، فيجري الاستصحاب بلا مانع ، ثم بعد ذلك نرى ان أثر هذا الاستصحاب هو لزوم الاتيان بالرابعة موصولة ، وبما ان كونها موصولة تخالف ما استقرّ عليه المذهب فيتعيّن ان نحمل تطبيق الاستصحاب هنا على التقيّة.

٣٦

ولكن الانصاف : ان الحمل على التقيّة في الرواية بعيد جدّا بملاحظة أن الامام قد تبرّع بذكر فرض الشك في الرابعة ، وانّ الجمل المترادفة التي استعملها تدلّ على مزيد الاهتمام والتأكيد بنحو لا يناسب التقية (*).

ومنها : ما ذكره صاحب الكفاية رحمه‌الله من ان عدم الاتيان بالركعة الرابعة له أثران : احدهما : وجوب الاتيان بركعة ، والآخر (١) : مانعيّة التشهّد والتسليم قبل الاتيان بهذه الركعة ، ومقتضى استصحاب العدم المذكور التعبّد بكلا الاثرين ، غير ان قيام الدليل على فصل ركعة الاحتياط يخصّص دليل الاستصحاب ويصرفه الى التعبّد بالاثر الاوّل لمؤدّاه دون الثاني ، فاجراء الاستصحاب مع التبعيض في آثار المؤدّى صحيح.

__________________

(١) والآخر هو كون الركعة الرابعة موصولة ، ولم يقل هكذا بل ذكر لازمه

__________________

(*) بل يظهر من متن الرواية إرادة التقية كما قال الامام الخميني [قدس‌سره] وذلك لظهورها البدوي في ارادة البناء على الاقل والاتيان بركعة متّصلة الموافق للعامّة ، مع ان بعض رواياتنا صرّحت بلزوم البناء على الاكثر [كما ورد في ح ١ ، و ٢ و ٣ من باب ٢٢ من جامع احاديث الشيعة ج ٥ ص ٦٠١] والتسليم ثم الاتيان بصلاة الاحتياط ، [وقد ورد ذلك في اكثر من سبع عشرة رواية] بل ان الاشارة إلى فصل ركعة الاحتياط بقوله ((ولا يدخل الشك في اليقين ، ولا يخلط احدهما بالآخر)) فيها تكلّف كان يمكن الاستغناء عنه ـ لو لا التقيّة ـ بما هو أقصر قولا وأوضح بيانا كأن يقول مثلا كما في سائر الروايات ((انصرف)) أو ((سلّم)) ثم صلّى ركعتين وهو جالس .. وسينبّه المصنّف على ذلك في آخر الاعتراض الثاني ص ٤٢.

٣٧

ونلاحظ على ذلك ان مانعيّة التشهّد والتسليم إذا كانت ثابتة (١) في الواقع ـ على تقدير عدم الاتيان بالرابعة موصولة ـ (٢) .. فلا يمكن إجراء

__________________

(١) كما هو الحال على مذهب العامّة ، فانهم يعتبرون ان التشهد والتسليم بين الصلاة وركعة الاحتياط مانعان من صحّة الصلاة.

(٢) والاتيان بها مفصولة. وكان الأولى تحسين الاسلوب في هذه الملاحظة. وعلى اىّ حال فمراده من هذه الملاحظة ان يقول :

إنّه ان كان الواجب واقعا هي الركعة الموصولة. كما عليه رأي العامّة في هذه المسألة. فالركعة المفصولة لن تكون هي المصداق الواقعي للركعة المطلوبة على اي حال ، لانه على فرض ان صلاته كانت واقعا اربع ركعات فهذه الركعة المفصولة لم تكن مطلوبة من الاصل واقعا ، وعلى فرض انها كانت ثلاث ركعات فالاتيان بها مفصولة مخالف للواقع.

واذا افترضنا ان رأي اصحابنا في هذه المسألة هو المصيب واقعا. بأن لم تكن الركعة الموصولة من آثار استصحاب عدم الاتيان بالركعة الرابعة ، وان الذي يكون من آثار هذا الاستصحاب هو الاتيان بالركعة الرابعة مع غضّ النظر عن لزوم كونها موصولة أو مفصولة. فان قلنا بالفصل. كما هو فرض بحثنا. فهذا يعني أن التشهّد والتسليم يكونان مانعين من صحّة الصلاة إلّا في بعض حالات الشك ، وهذا في الواقع تخصيص لدليل المانعيّة الواقعية ، وليس تخصيصا في آثار الاستصحاب ، والوجه في ذلك أن الظاهر من الامر بفصل الركعة ارادة قاعدة تغاير قاعدة الاستصحاب ، ولك أن تسمّيها قاعدة البناء على اليقين ، وهي قاعدة أجنبية تماما عن قاعدة الاستصحاب ، فالعرف يرى أن الامر بالركعة المفصولة لم يكن بملاك الاستصحاب بدليل اشتراط فصل الركعة.

(أقول) لكن الامام عليه‌السلام أراد تطبيق قاعدة الاستصحاب هنا بوضوح فلا بأس بالالتزام بالتخصيص مع وجود دليل شرعي عليه.

٣٨

الاستصحاب مع التبعيض في مقام التعبّد بآثار مؤدّاه ، لانّ المكلّف يعلم حينئذ وجدانا بانّ الركعة المفصولة التي يأتي بها ليست مصداقا للواجب الواقعي ، لانّ صلاته التي شك فيها إن كانت اربع ركعات فلا أمر بهذه الركعة [المفصولة] وإلّا فقد بطلت بما أتى به من المانع بتشهّده وتسليمه ، لانّ المفروض انحفاظ المانعية واقعا على تقدير النقصان.

وإذا افترضنا ان مانعيّة التشهد والتسليم ليست من آثار عدم (١) الاتيان في حالة الشك ... فهذا يعني ان الشك في الرابعة أوجب تغيّرا في الحكم الواقعي وتبدّلا لمانعيّة التشهّد والتسليم الى نقيضها ، وذلك تخصيص في دليل المانعية الواقعيّة ولا يعني تخصيصا في دليل الاستصحاب كما ادّعي في الكفاية.

ومنها : ما ذكره المحقّق النّائيني (قدس‌سره) من افتراض ان عدم الاتيان بالرابعة مع العلم بذلك موضوع واقعا لوجوب الركعة الموصولة ، وعدم الاتيان بها مع الشك موضوع واقعا لوجوب الركعة المفصولة.

وعلى اساس هذا الافتراض إذا شك المكلّف في الرابعة فقد تحقّق احد الجزءين لموضوع وجوب الركعة المفصولة وجدانا وهو الشك ، وأمّا الجزء الآخر وهو عدم الاتيان فيحرز بالاستصحاب (٢) ، وعليه فالاستصحاب يجري لاثبات وجوب الركعة المفصولة بعد افتراض

__________________

(١) يقصد «ليست من آثار استصحاب عدم ..» والظاهر انه من سهو قلمه الشريف.

(٢) أي أنّه باستصحاب عدم الاتيان بالركعة نحرز عدم الاتيان بها.

٣٩

كونه (١) ثابتا على النحو المذكور (٢).

وهذا التصحيح (٣) للاستصحاب في المورد وإن كان معقولا غير ان حمل الرواية عليه خلاف الظاهر ، لانّه يستبطن افتراض حكم واقعي بوجوب الركعة المفصولة على الموضوع المركّب من عدم الاتيان والشك ، وهذا بحاجة الى البيان مع ان الامام اقتصر على بيان

__________________

(١) مرجع الضمير هو الاستصحاب ، ومراده رحمه‌الله ان يقول : بعد افتراض استظهار الاستصحاب من هذه الرواية.

(٢) يرى المحقّق النائيني (قدس‌سره) ان موضوع الحكم ب «لزوم الاتيان بالركعة المفصولة» هو «عدم الاتيان بالركعة» و «الشك في الاتيان بها» وكأنّه رأى ان «الاتيان بالركعة» إنما لزم لثبوت «عدم الاتيان بالركعة» بالاستصحاب ، وكونها «مفصولة» انّما لزم ل «الشك في الاتيان بالركعة» وضرورة عدم ادخال الشك في اليقين وعدم خلط احدهما بالآخر. ثم إذا سألت المحقّق النائيني رضي الله عنه : من أين علمت ان المراد من هذه الرواية الاستصحاب؟

يجيب : بأنّه ـ إضافة الى ظهور نفس جملة «لا تنقض اليقين بالشك» الظاهرة في وحدة متعلقيها كما اوضحنا ذلك في التعليقة الثالثة ص قد علمنا بان موضوع الحكم ب «لزوم الاتيان بالركعة مفصولة» هو «عدم الاتيان بالركعة» و «الشك في الاتيان بها» فعند احراز الحكم نستكشف احراز الموضوع الذي منه «عدم الاتيان بالركعة» ، ولا يحرز عدم الاتيان بالركعة إلّا بالاستصحاب ، إذن فمراد الامام عليه‌السلام هو الاستصحاب.

(٣) خلاصة جواب سيّدنا الشهيد هو أنه لو كان مراد الامام عليه‌السلام إثبات «عدم الاتيان بالركعة» بالاستصحاب لكفتنا أصالة الاشتغال الثابتة بحكم العقل بلا حاجة الى التعبّد بالاستصحاب.

٤٠