دروس في علم الأصول - ج ٤

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر

دروس في علم الأصول - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر


المحقق: الشيخ ناجي طالب آل فقيه العاملي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧١

فان قيل (١) : ان التنافي في دليل حجيّة الظهور يتوقّف على افتراض ظهورين متعارضين ونحن لا نحرز ذلك في المقام إلّا بدليل التعبّد بالسند فالتنافي في الحقيقة نشأ من دليل التعبّد بالسند.

كان الجواب : ان هذا صحيح ولكنه لا يعني طرح [قيمة دليل حجيّة] السند رأسا ، فان مفاد دليل التعبد بالسند ثبوت الكلام المنقول بلحاظ تمام ما له من آثار ، ومن آثاره حجيّة عمومه في مادّة الاجتماع

__________________

الكواسر والسباع من غير الطيور ، ومن المعروف القول بالتبعيض في خبر الثقة ، بمعنى انه لو تبيّن اشتباهه في بعض كلامه لا تسقط بقية كلامه عن الحجيّة ، وهذا يعني انه لا داعي لدليل حجيّة السند ان يرفع يده عن هاتين الروايتين ، أو قل إن اطلاق مثل آيتي النبأ والنفر يشمل هذين السندين.

(١) كان الكلام انه إذا كان التعارض بين الدلالتين غير مستوعب للدلالتين كما في «ذرق الطائر نظيف» و «خرء السباع قذر». لا كما بين المتناقضين مثل «صلّ» و «لا تصلّ». فالتعارض يكون في شمول دليل حجيّة الظهور لظهور كلتا الروايتين دون دليل حجيّة السند.

فان قيل : لما ذا تقولون التعارض يكون في دليل حجيّة الظهور دون دليل حجيّة السند مع ان التنافي نشأ بسبب دليل حجيّة السند إذ لولاه لم يعد لهاتين الروايتين أيّة قيمة؟ فاللازم ان يقع التنافي في دليل حجيّة السند بل هو القدر المتيقّن.

كان الجواب : ان هذا هو الصحيح ، وهو ان التعارض يقع في دليل حجيّة السند بمقدار مادّة الاجتماع ، بمعنى ان دليل حجيّة السند يبقى يعطي الحجيّة لمادّتي الافتراق دون مادّة الاجتماع ، وذلك لوجود تعارض في مادّة الاجتماع ..

٣٢١

وحجيّة عمومه في مادّة الافتراق ، فإذا تعذّر ثبوت الاثر الاوّل للتعارض ثبت الاثر الثاني وهو معنى عدم سقوط [قيمة دليل حجيّة] السند رأسا ، وامّا حين يتعذّر ثبوت كل ما للكلام المنقول من آثار كما في حالات التعارض المستوعب فيقوم التعارض [في دليل حجيّة] السندين (١) لا محالة. ومن هنا نستطيع ان نعرف انه في كل حالات التعارض بين مدلولي دليلين ظنيّين سندا يقع التعارض ابتداء في دليل التعبّد بالسند لا في دليل حجيّة الظهور ـ لاننا لا نحرز وجود ظهورين متعارضين إلّا من ناحية التعبّد بالسند ـ فان كان التعارض مستوعبا سقط التعبد بالسند رأسا في كل منهما وإلّا سقط بمقداره (٢) ، وأمّا ما كنّا نقوله من ان التنافي يسري إلى دليل حجيّة الظهور ويمتدّ منه إلى دليل التعبد بالسند فهو بقصد تبسيط الفكرة حيث (٣) ان التنافي بين السندين في مقام التعبّد متفرّع على التنافي بين الظهورين في مقام الحجيّة على تقدير ثبوتهما فكأنّ التنافي سرى من دليل حجيّة الظهور إلى دليل التعبّد بالسند ، وأمّا من الناحية الواقعية (٤)

__________________

(١) في النسخة الاصلية «بين السندين» ومراده ما اثبتناه.

(٢) وهو مادّة الاجتماع والتعارض المستقرّ كما في ذرق الطيور الكواسر.

(٣) هذا توجيه للفكرة المبسّطة ، وبيانها ان التنافي والتعارض في دليل حجيّة السند متفرّع على التنافي والتعارض في دليل حجيّة الظهور ، فلو لا شمول دليل حجيّة الظهور لظهور كلتا الروايتين. على تقدير وجود ظهورين للروايتين. لما وصلت المشكلة إلى ساحة دليل حجيّة السند.

(٤) اي : ومن الناحية الواقعية فبما أن القيمة للرواية المعتبرة سندا فبقدر اعتبارها سندا نقع في مشكلة ، فالتعارض إذن منصبّ أوّلا على دليل

٣٢٢

وبقدر ما نمسك بأيدينا فالتعارض منصبّ ابتداء على دليل التعبد بالسند لاننا لا نمسك بأيدينا سوى السندين.

(*) الثالث : وقع البحث في ان المتعارضين بعد عجز كل منهما عن اثبات مدلوله الخاص هل يمكن نفي الاحتمال الثالث بهما؟

وقد يقرّب ذلك بوجوه :

أوّلها : التمسّك بالدلالة الالتزامية في كل منهما لنفي الثالث فانها غير معارضة فتبقى حجّة ، وهذا مبنيّ على انكار تبعيّة الدلالة الالتزامية للدلالة المطابقية في الحجيّة (١).

__________________

التعبّد بالسند بمعنى انه كيف يشمل دليل حجيّة السند كلا سندي الروايتين مع انهما متعارضتان؟ فاذن التعارض يقع أوّلا في دليل التعبد بالسند ومنه يسري إلى دليل التعبّد بالظهور ، اي اننا كنا في مشكلة واحدة فصرنا في مشكلتين (والثانية هي انه كيف يشمل دليل حجيّة الظهور ظهور كلتا الروايتين مع انهما متعارضتان دلالة في مادّة الاجتماع؟).

(١) فلو وردنا «صلاة الظهر واجبة كلّ يوم» و «صلاة الجمعة واجبة» وعلمنا من الخارج انّ الواجب كلّ يوم خمس فرائض فقط فبناء على عدم تبعية الدلالة الالتزامية للدلالة المطابقية اذا سقط المدلولان المطابقيان تبقى الدلالتان الالتزاميتان ـ وهما «صلاة الجمعة غير واجبة» و «صلاة الظهر غير واجبة يوم الجمعة» ـ ثابتتين ، وهما معا تنفيان حرمة صلاة الجمعة(*).

__________________

(*) قد عرفت منّا ان الصحيح هي تبعيّة الدلالة الالتزامية للمطابقية ، فلو اخبرتنا بيّنة بأن زيدا قد احترق في النار ساعة فان لازم هذا الخبر انه قد مات حتما ، فلو تبيّن اشتباه

٣٢٣

ثانيها (١) : التمسّك بدليل الحجيّة (٢) لاثبات حجيّة غير ما علم اجمالا بكذبه ، فانّ المتعذّر تطبيق دليل الحجيّة على هذا بعينه (٣) أو ذاك بعينه للمعارضة ، وامّا تطبيقه على عنوان غير معلوم الكذب إجمالا (٤) فلا

__________________

(١) خلاصته : ان دليل «تجب الجمعة» ودليل «تحرم الجمعة» متعارضان فأحدهما اذن كاذب ، والثاني محتمل الصدق فيشمله اطلاق دليلي حجيّة السند والظهور ، فإذا ثبتت حجيّته ثبت «عدم استحباب صلاة الجمعة» وهو المطلوب ، وهو معنى اثبات نفي احتمال الثالث.

(وأمّا) بيان تمام المطلب باسلوب المتن فبأن يقال :

ثانيها : التمسّك بدليلي حجيّة السند والظهور لنفي الاحتمال الثالث ، فانّ المتعذّر شمول دليل الحجية على طرف بعينه للمعارضة كما هو واضح ، وأمّا شموله للاحتمال الثالث فلا محذور فيه ، لانّ دليل الحجية ح غير معارض بشيء ، فنحن لم نطبّق دليل الحجية على معلوم الكذب ولم نطبّقه على عنوان معيّن كوجوب صلاة الظهر. كي ينقض علينا بالمعارضة. وانما لم نطبقه على عنوان معيّن لعدم احراز مغايرته لعنوان غير معلوم الكذب ، اذ يحتمل ان يكون هذا العنوان التفصيلي هو الكاذب والباطل واقعا.

(٢) اي دليل حجيّة السند ودليل حجيّة الظهور.

(٣) اي على هذه الرواية بعينها او تلك الرواية بعينها.

(٤) وهو الاحتمال الثالث.

__________________

هذا الخبر في مدلوله المطابقي وانه لم يحترق فانّ المدلول الالتزامي ـ وهو الموت بالاحتراق ـ يسقط لا محالة لانه انما تولّد من المدلول المطابقي ، فاذا تبيّن عدم وجود العلّة نستكشف عدم وجود المعلول

٣٢٤

محذور فيه لانّه غير معارض لا بتطبيقه (١) على عنوان معلوم الكذب ـ لوضوح ان جعل الحجيّة لهذا العنوان غير معقول ـ ولا بتطبيقه على عنوان تفصيلي كهذا او ذاك لعدم احراز مغايرة العنوان التفصيلي لعنوان غير المعلوم (٢).

ونلاحظ (٣) على ذلك ان الخبرين المتعارضين إمّا ان يحتمل

__________________

(١) اي بتطبيق دليل الحجيّة.

(٢) اي غير معلوم الكذب واقعا او قل للرواية الباطلة واقعا ، (فانّ) دليل الحجية لا يطبّق في موارد وجود علم اجمالي بكذب بعض الموارد ، وبما اننا نعلم بكذب احدى الروايتين بنحو الاجمال فانّ دليل الحجيّة لا يعطي الحجية لكليهما. ولهذا الامر لم يطبّق هنا. في المتن. دليل الحجية على عنوان معيّن لانه طرف من طرفي العلم الاجمالي وانما طبّقه على الاحتمال الثالث فقط.

(٣) اي : ونلاحظ على ذلك ان الخبرين المتعارضين إمّا ان يحتمل كذبهما معا بأن تكون الاولى محتملة الكذب والثانية ايضا محتملة الكذب وامّا ان تكون احداهما محتملة الصدق والكذب والثانية معلومة الصدق ، فعلى الاحتمال الاوّل لا تعيّن للمعلوم الكذب بالاجمال ولا لغير المعلوم الكذب بالاجمال لتجعل الحجيّة لغير المعلوم الكذب بالاجمال ، وإن لم يحتمل كذبهما معا بأن كانت احدى الروايتين صادقة والاخرى كاذبة فنفس صدق احدى الروايتين وان حكم صلاة الجمعة مثلا الوجوب يعني عدم استحبابها بلا حاجة إلى التمسّك بدليل الحجيّة لاثبات نفي الاحتمال الثالث. (فاذن) لا يمكن نفي الاحتمال الثالث في جميع الحالات.

٣٢٥

كذبهما معا او لا ، فان احتمل (١) كذبهما معا لا تعين للمعلوم بالاجمال ولا لغير المعلوم بالاجمال لتجعل الحجيّة له ، وان لم يحتمل كذبهما معا فهذا بنفسه ينفي احتمال الثالث بلا حاجة الى التمسك بدليل الحجيّة.

ثالثها : وهو تعميق للوجه الثاني وحاصله الالتزام بحجيّة كل من المتعارضين ولكن على نحو مشروط بكذب الآخر ، وحيث يعلم بكذب احدهما فيعلم بحجيّة احدهما فعلا (٢) ، وهذا يكفي لنفي الثالث ، وقد تقدّمت الاشارة إلى ذلك.

(*) الرابع : ينبغي ان يعلم أنّا في تنقيح القاعدة على ضوء دليل الحجيّة كنّا نستبطن افتراضا وهو التعامل مع أدلة الحجيّة بوصفها ادلة لفظية لا ترفع اليد عن اطلاقها إلّا بقدر الضرورة ، إلّا ان هذا الافتراض لا ينطبق على الواقع لانّ دليل الحجيّة في الغالب لبّي مرجعه إلى السيرة العقلائية وسيرة المتشرّعة والاجماع ، والادلة اللفظيّة إذا تمّت تعتبر امضائية (٣) فتنصرف إلى نفس مفاد تلك الادلة اللبيّة وتتحدّد بحدودها.

__________________

(١) في النسخة الاصلية «... فان احتمل ففي حالة كذبهما معا ..» وكلمتا «ففي حالة» زائدتان.

(٢) وذلك لشمول دليل الحجية لغير معلوم الكذب ، وهذا يكفي لنفي الثالث تعبّدا ، وقد تقدّمت الاشارة إلى ذلك اواخر بحث «التعارض المستقرّ على ضوء دليل الحجيّة» عند قوله «كان الجواب ان الفائدة ...».

(٣) اي تعتبر امضاء للسيرة ، فالمرجع والدليل اذن هي السيرة.

٣٢٦

وعلى هذا الاساس سوف تتغيّر نتيجتان من النتائج التي انتهينا إليها :

الاولى : ما كنّا نفترضه من التمسّك بإطلاق دليل الحجيّة لاثبات حجيّة كلّ من المتعارضين مشروطة بكذب الآخر وكنّا نستفيد من ذلك لنفي احتمال الثالث (١) ، فان هذا الافتراض يناسب الدليل اللفظي الذي له اطلاق يشمل المتعارضين بحدّ ذاته ، وامّا إذا كان مدرك الحجيّة الادلّة اللبيّة من السيرة العقلائية وغيرها فلا اطلاق فيها للمتعارضين رأسا فلا يمكن ان نثبت بها حجيّتين مشروطتين على النحو المذكور (٢).

__________________

(١) وببيان آخر : إننا كنّا نقول : «إذا ورد تحرم الجمعة وتجب الجمعة فانّ دليلي حجية السند والظهور يفيدان انه إذا كان احد الدليلين كاذبا فالثاني حجّة. وليس معنى الحجيّة انه صادق واقعا. وذلك لاطلاق دليلي الحجيّة ، فإذا كان الثاني حجّة فلازمه عدم حجيّة الثالث ، ومعناه نفي الثالث» ، فانّ هذا الاطلاق في دليلي الحجيّة انما يصحّ إذا كان دليلا الحجيّة لفظيّين كآية النبأ مثلا فانه يمكن التمسك باطلاقها لاثبات حجيّة سند الدليل الغير معلوم الكذب ، امّا إذا كان مدرك الحجيّة الادلّة اللبيّة فلا يوجد فيها اطلاق ليتمسّك به لهذا الدليل وليشمل هذا الدليل الثاني الغير معلوم الكذب ، فان لم يعتبر احدهما حجّة لا يمكن ان يستفاد نفي الثالث.

(٢) حينما تعتبر الروايتان حجتين احداهما مشروطة بكذب الاخرى فمعنى ذلك انه إذا كذبت احداهما كانت الثانية حجّة فكان الاحتمال الثالث. كاستحباب صلاة الجمعة في المثال المتقدّم. باطلا تعبّدا وهو يعني نفي احتمال الثالث. وإذا عكسنا المقدّمة الاولى وقلنا «.. فلا يمكن ان نثبت بها حجيتين مشروطتين ..» انعكست النتيجة ولم يمكن حينئذ نفي الثالث.

٣٢٧

الثانية : ما كنّا نفترضه في حالة تعارض الدليل اللفظي القطعي سندا مع الدليل اللفظي الظني سندا وعدم امكان الجمع العرفي ... من وقوع التعارض بين دليل حجيّة الظهور في الاوّل ودليل حجيّة السند في الثاني فانّ هذا يناسب الاقرار بتماميّة كل من هذين الدليلين في نفسه وصلاحيّته لمعارضة الآخر مع ان الواقع بناء على ان دليل حجيّة السند ـ اي حجية خبر الواحد ـ السيرة .. قصوره في نفسه عن الشمول لمورد المعارضة المستقرّة لظاهر كلام قطعي الصدور من الشارع لعدم انعقاد السيرة في مثل ذلك على التعبّد بنقل المعارض (١).

__________________

(١) او قل ... لعدم انعقاد السيرة في مثل ذلك على معارضة الرواية ـ رغم صحّتها سندا ـ للآية او الرواية المقطوعة الصدور ، بل قد يقال في هكذا حالة نأخذ بالمقطوع الصدور كالآية وناخذ بظهورها لكون الظهور كاشفا ومعتبرا عند الناس ونضرب بالرواية الصحيحة عرض الحائط او نردّها إلى أهلها فهم اعلم بها وبجهتها.

٣٢٨

ـ ٣ ـ

حكم التعارض على ضوء الاخبار الخاصّة

الروايات الخاصة الواردة في علاج التعارض على قسمين :

أحدهما : ما يتصل بحالات التعارض بين الدليل القطعي السند والدليل الظني السند ، إذ قد يقال بوجود ما يدلّ على إلغاء حجيّة الدليل الظني السند في هذه الحالة على نحو نرفع اليد بذلك عما قد يكون هو مقتضى القاعدة من تعارض دليل التعبد بالسند في احدهما مع دليل التعبّد بالظهور في الآخر وتساقطهما (١) ، ونسمّي روايات هذا القسم بروايات العرض على الكتاب لانها تقتضي عرض الاخبار على الكتاب.

والقسم الآخر : ما يتصل بحالات التعارض بين الدليلين الظنيّين سندا ، إذ قد يقال بوجود ما يدلّ على عدم التساقط وثبوت الحجيّة لاحد المتعارضين تعيينا او تخييرا على نحو نرفع اليد به عما تقتضيه القاعدة من التساقط ، ونسمّي روايات هذا القسم بروايات العلاج.

وسنتكلّم عن هذين القسمين تباعا.

__________________

(١) ومراده من رفع اليد عن هكذا معارضة عدم الاعتبار بالرواية ـ في مقابل الآية ـ فلا يتساقطان ، وانما نأخذ بالآية فقط ، وتسقط الرواية لوحدها لانها ظنيّة ولورود روايات تأمرنا بضربها بعرض الحائط وانها زخرف ... كما سيأتي ان شاء الله.

٣٢٩

١ ـ روايات العرض على الكتاب

ويمكن تصنيف هذه الروايات إلى ثلاث مجاميع :

المجموعة الاولى : ما ورد بلسان الاستنكار والتحاشي عن صدور ما يخالف الكتاب من المعصومين ، من قبيل رواية أيوب بن راشد عن ابي عبد الله عليه‌السلام قال : «ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف» (١) ، فان التعبير ب «زخرف» يدل على نفي الصدور مع الاستنكار والتحاشي ، وهذه الروايات تدلّ على سقوط كل خبر مخالف للكتاب عن الحجيّة ، وبهذا (٢) تقيد دليل حجيّة السند على تقدير ثبوت الاطلاق فيه.

وقد يستشكل في ذلك (تارة) بانّ الروايات المذكورة لا تنفي الحجية وليست ناظرة إليها ، وانما تنفي صدور الكلام المخالف فلا تعارض دليل حجية السند لتقيّده (٣) ، وانما تعارض نفس الروايات الدالّة

__________________

(١) صحيحة السند ، راجع وسائل الشيعة ج ١٨ ، ابواب صفات القاضي ، باب ٩ ، ح ١٢ ، وتقريرات السيد الهاشمي ج ٧ ص ٣١٥.

(٢) اي وبهذا النوع من الروايات يتقيّد دليل حجيّة خبر الواحد بعدم مخالفته للقرآن الكريم ، هذا على تقدير كون دليل حجيّة خبر الواحد لفظيا وله اطلاق ، وإلّا لو لم يكن له اطلاق فانّه حينئذ يؤخذ من دليل حجيّة خبر الواحد بالقدر المتيقن ولا يؤخذ بالخبر الذي يخالف القرآن الكريم.

(٣) اي ان الروايات المذكورة لا تنفي حجية اخبار الثقات التي تخالف القرآن الكريم ، فهي على حجيّتها ـ وانما تنفي صدور مضمونها المخالف ـ وعليه فهذه الروايات التي تفيد ان ما يخالف كتاب الله فهو زخرف لا تقيّد ادلة حجية خبر الثقة بما لا يخالف كتاب الله ، وانما تعارض نفس الروايات المخالفة للقرآن والتي تدّعي الصدور.

٣٣٠

على صدور الكلام المخالف ، (واخرى) بأنّ موضوع هذه الرواية غير الموافق لا المخالف ، ولازم ذلك عدم العمل بالروايات التي لا تعرّض في القرآن الكريم لمضمونها (١) ، (وثالثة) بأنّ صدور الكلام المخالف من الأئمة معلوم وجدانا كما في موارد التخصيص والتقييد ، وهذا يكشف عن لزوم تأويل تلك الروايات ولو بحملها على المخالفة في اصول الدين (٢).

والجواب : اما على الاوّل فبأنّ نفي الصدور بروح الاستنكار يدلّ بالالتزام العرفي على نفي الحجيّة (*) ، وأمّا على الثاني فبأن ظاهر عدم الموافقة عدمها بنحو السالبة بانتفاء المحمول لا السالبة بانتفاء الموضوع التي تحصل بعدم تطرّق القرآن للمضمون رأسا (٣) ، وأمّا على الثالث فبأن

__________________

(١) وذلك لان الروايات التي تتعرّض لاستحباب غسل الجمعة مثلا والذي لا يوجد في القرآن الكريم حكمه ـ كاكثر الأحكام الشرعية ـ .. لا توافق القرآن الكريم فلا يصحّ العمل بها ، وهذا واضح البطلان لانّه يعني عدم صحّة العمل بالاعم الاغلب من الروايات الصحيحة التي توضّح وتبيّن معالم الدين.

(٢) بمعنى انه لو اخذنا بظهور روايات الزخرف هذه للزم ترك الاخبار التي تبيّن معالم الدين والتي لم يتعرّض القرآن الكريم لها مع ان هذا معلوم البطلان لكثرة ما ورد من تخصيص وتقييد في الروايات ، وهذا يكشف عن عدم ارادة ما هو الظاهر من روايات الزخرف وانه يلزم ان نحملها على معنى آخر محتمل كأن يكون نظر هذا الصنف من الروايات إلى مجال المخالفة في اصول الدين لا في فروعها.

(٣) اي ان ظاهر «ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف» ما كان من

__________________

(*) أو قل نفي الصدور ونفي الحجيّة واحد عمليا

٣٣١

نفس الاستنكار والتحاشي قرينة عرفية على تقييد المخالف بما كان يقتضي طرح الدليل القرآني والغاءه رأسا ، فلا يشمل المخالف بالتخصيص والتقييد ونحوهما مما لا استنكار فيه بعد وضوح بناء البيانات الشرعية على ذلك (١).

المجموعة الثانية : ما دلّ على اناطة العمل بالرواية بأن يكون (٢) موافقا مع الكتاب وعليه شاهد منه من قبيل رواية ابن ابي يعفور قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به ومنهم من لا نثق به؟ قال : «إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهدا من كتاب

__________________

الحديث غير موافق لما ورد في القرآن فهو زخرف ، وليس «ما كان من الحديث غير وارد في القرآن فهو زخرف». فمراده من السالبة بانتفاء المحمول هو الحكم على الموضوع الموجود في الخارج بحكم سلبي مثل زيد ليس بقائم ، ومراده من السالبة بانتفاء الموضوع هو الحكم على الموضوع المعدوم في الخارج بالنفي مثل شريك الباري ليس بقائم.

(اذن) فالمراد من روايات الزخرف نفي الحجية عن الروايات التي تتعرّض لما تعرّض اليها القرآن الكريم وخالفته

(١) اي ان نفس الاستنكار قرينة عرفية على ارادة تقييد الروايات الصحيحة بعدم كونها معارضة معارضة مستقرّة مع القرآن الكريم ، ولا بأس بالروايات المخالفة بنحو المعارضة الغير مستقرة (اي القابلة للجمع العرفي) ، فيكون المراد من روايات الزخرف «ما عارض من الحديث القرآن الكريم معارضة مستقرّة فهو زخرف»

(٢) اي مضمون الرواية ، وكان يمكن للسيد الماتن تأنيث الكلمات بأن يقول «تكون موافقة مع الكتاب وعليها ..».

٣٣٢

الله او من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإلّا فالذي جاء به اولى به» (١).

وهذه الرواية ونظائرها تساوق في الحقيقة إلغاء حجيّة خبر الواحد لانها تنهى عن العمل به في حالة عدم تطابقه مع القرآن الكريم ولا محصّل عرفا لجعل الحجيّة له في خصوص حالة التطابق لكفاية الدلالة القرآنية حينئذ. وعليه فيرد على الاستدلال بها انها بنفسها اخبار آحاد ولا يمكن الاستدلال باخبار الآحاد على نفي حجيّة خبر الواحد (٢).

هذا اضافة إلى اننا لو سلّمنا انها لا تلغي حجيّة خبر الواحد على الاطلاق فلا شك في انها تسلب الحجيّة عن الخبر الذي ليس له موافق من

__________________

(١) ضعيفة السند بعبد الله بن محمد (بن عيسى) فانّ في الحكم بوثاقته تأمّلا ، راجع الوسائل ج ١٨ باب ٩ من ابواب صفات القاضي ح ١١ ص ٧٨.

(٢) بيان ذلك : ان هذا النوع من الروايات يفيد عدم حجيّة خبر الواحد مطلقا. لا فقط ما لم يوجد عليه شاهد من الكتاب والاحاديث النبوية المعلومة الصدور ـ وذلك لانّه إذا كان المناط في حجيّة خبر الثقة وجود شاهد من هذا القبيل عليه فايّ قيمة تبقى لهذا الخبر؟ فاننا في هذه الحالة نتبع الآية او الحديث الثابت بلا حاجة إلى خبر الثقة ، اذن عمليا لن يبقى ايّ قيمة لاخبار الثقات ، وهذا هو مراده من قوله «ولا يمكن الاستدلال باخبار الآحاد ـ اي بهذه المجموعة من الروايات ـ على نفي حجيّة خبر الواحد».

٣٣٣

الكتاب الكريم (١) ، ومضمونها (٢) نفسه لا يوافق الكتاب الكريم بل يخالفه بناء على دلالة الكتاب وغيره من الادلة القطعيّة على حجية خبر الثقة [مطلقا] فيلزم من حجيّتها عدم حجيّتها.

المجموعة الثالثة : ما دلّ على نفي الحجية عمّا يخالف الكتاب الكريم من قبيل رواية جميل بن درّاج عن ابي عبد الله عليه‌السلام انه قال «الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة ، إنّ على كل حقّ حقيقة وعلى كل صواب نورا ، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه» (٣).

وتعتبر هذه المجموعة مخصّصة لدليل حجية الخبر لا ملغية للحجية

__________________

(١) تمام هذا الكلام ان يقال : ولا يمكن الاستدلال بهذا النوع من الروايات على هكذا تقييد في حجية الخبر فانه من باب تقييد الاكثر ، فانّ اكثر الروايات لا شاهد عليها من الكتاب الكريم ولا من الاحاديث الثابتة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فعلى هذا النوع من الروايات ، علينا ان نلغي اذن حجية الاعم الاغلب من الروايات.

(٢) أي ومضمون هذه المجموعة من الروايات تخالف القرآن الكريم بناء على ان الدّال على حجية خبر الواحد هو الكتاب الكريم كآية النبأ مثلا ، وذلك لان آية النبأ وغيرها من الآيات حينما دلّت على حجية خبر الواحد لم تقيد الخبر بوجود شاهد عليه من الكتاب او السّنّة. (فاذا) كانت هذه المجموعة تخالف كتاب الله اي لا يوجد شاهد عليها من الكتاب او السّنّة فهي بنفسها ليست بحجّة او قل : فيلزم من حجية هذه المجموعة عدم حجيّتها لعدم وجود شاهد عليها.

(٣) صحيحة السند ، راجع الوسائل ج ١٨ باب ٩ من ابواب صفات القاضي ح ٣٥.

٣٣٤

رأسا ، ونتيجة ذلك عدم شمول الحجية للخبر المعارض للكتاب الكريم وبعد أخذ الكتاب بوصفه مصداقا لمطلق الدليل القطعي على ضوء مناسبات الحكم والموضوع يثبت ان كل دليل ظني يخالف دليلا قطعي السند يسقط عن الحجية ، والمخالفة (١) هنا حيث لم ترد في سياق الاستنكار بل في سياق الوقوف عند الشبهة فلا تختصّ بالمخالفة التي تقتضي طرح الدليل القرآني رأسا كما في المجموعة الاولى ، بل تشمل كل حالات التعارض المستقرّ بما في ذلك التباين (*) والعموم من وجه.

وقد يعترض على ذلك باعتراضين :

الاوّل (٢) : ان هذه المجموعة لا تختص بأخبار الآحاد بل تشمل كل

__________________

(١) المخالفة مبتدأ ، خبرها «فلا تختص».

وبتعبير آخر : المخالفة هنا حيث لم ترد في سياق الاستنكار وانما وردت بلسان «الوقوف عند الشبهة» فلا تختص بالمخالفة بنحو التباين وانما تشمل حالات التعارض بنحو العموم من وجه ايضا ، لانه عرفا مخالفة ، بخلاف المجموعة الاولى فانّ لسان الاستنكار فيها بوصف الزخرف يجعلنا نفهم من عدم الموافقة فيها خصوص معنى التباين.

(ونتيجة هذا البيان) : ان هذه المجموعة من الروايات تخصّص دليل حجية الخبر بما لم يخالف دليلا قطعي الصدور بأي نحو من انحاء المخالفة سواء كانت بنحو التباين او كانت بنحو العموم من وجه ، فالخبر الحجّة يلزم أن لا يعارض الدليل القطعي معارضة مستقرّة

(٢) كان الكلام السابق قد افاد تخصيص دليل حجية الخبر ـ كآية النبأ ـ بما لم يخالف دليلا قطعيا فمورد هذه المجموعة الثالثة اخصّ من مورد

__________________

(*) لعل الاولى حذف كلمة ((تباين))

٣٣٥

امارة تؤدّي إلى مخالفة الكتاب فلا تكون اخصّ مطلقا من دليل حجية الخبر ، بل قد تكون النسبة هي العموم من وجه.

والجواب (١) : ان الصحيح تقديم اطلاق هذه المجموعة ـ عند التعارض ـ على دليل حجية الخبر باعتبار حكومتها عليه ، إذ هي كأدلّة المانعيّة والشرطية فرض فيها الفراغ عن اصل حجية بعض الامارات ليصحّ استثناء بعض الحالات من ذلك ، وهذا معنى النظر المستوجب للحكومة (* ١) ، أضف إلى ذلك ان خبر الثقة هو القدر المتيقّن منها باعتباره الفرد البارز من الامارات والمتعارف والداخل في محلّ الابتلاء وقتئذ الذي كان يترقّب مخالفته للكتاب تارة وموافقته اخرى.

الثاني : ان هذه المجموعة تدلّ على اسقاط ما يخالف الكتاب عن الحجيّة ، والمخالفة كما تشمل التنافي بنحو التباين و (* ٢) العموم من وجه

__________________

دليل حجيّة الخبر ، فاعترضوا بقولهم ان بين الموردين عموما من وجه لأن روايات هذه المجموعة لم تقل وما خالف كتاب الله من أخبار الآحاد فدعوه ، وانما اطلقت فقالت «وما خالف كتاب الله فدعوه» أي سواء كان خبر واحد أم سيرة أم ظهور أم بيّنة ..

(١) خلاصة هذا الجواب : ان الذي ينصرف إليه الذهن من هذه المجموعة انّ ما وافق كتاب الله من اخبار الثقات فخذوه ، وما خالفه منها فدعوه

__________________

(* ١) قد عرفت سابقا بيان مصطلحات الحكومة والورود ونحوهما ، فبناء على ذلك يتضح عدم وجود حكومة هنا ، والصحيح ان تكون روايات ((... وما خالف كتاب الله فدعوه)) مخصّصة لدليل حجية خبر الثقة.

(* ٢) في النسخة الاصلية ((او)) والاولى العطف بالواو.

٣٣٦

كذلك تشمل التنافي بنحو التخصيص او التقييد او الحكومة ، لان ذلك كله يصدق عليه المخالفة فيكون مقتضى اطلاقها طرح ما يعارض الكتاب الكريم مطلقا سواء كان تعارضا مستقرّا او غير مستقرّ (١).

وقد اجيب على هذا الاعتراض بوجهين :

أحدهما : ان المعارضة بنحو التخصيص او التقييد ونحوهما ليست بمخالفة ، لأنّ الخاص والمقيّد والحاكم قرينة على المراد من العام والمطلق والمحكوم.

والآخر (٢) : اننا نعلم اجمالا بصدور كثير من المخصّصات والمقيّدات للكتاب عن الأئمة ، وهذا إن لم يشكل قرينة متّصلة تصرف

__________________

(١) وهذا معلوم البطلان.

(٢) كنتم تقولون بأن روايات «ما خالف كتاب الله فدعوه» تشمل التخصيص ونحوه ، (لكن) هذا الكلام غير صحيح لكثرة ما ورد في الروايات من مخصّصات للآيات الكريمة بحيث نعلم بصدور بعضها ، وهذا بنفسه قرينة لبّيّة ارتكازية (متصلة) على إرادة خصوص التعارض المستقرّ من روايات «ما خالف كتاب الله» لا ما كان من قبيل التقييد ، ولذلك ترى الفقهاء حينما يرد في القرآن الكريم ان كفّارة معيّنة هي مثلا عتق رقبة وفي الروايات الصحيحة هي عتق رقبة مؤمنة تراهم يفتون بالرقبة المؤمنة بلا تردّد ، فان شككت في هذا فعلى الاقلّ تتساقط الاطلاقات القرآنية بالتعارض فيما بينها بسبب علمنا الاجمالي بتخصيص الكثير منها ـ او قل بسبب علمنا بعدم ارادة الاطلاق في الكثير منها ـ فلا يؤخذ بإطلاق عنوان الرقبة ، فنرجع إلى الروايات لنأخذ بالحدود المذكورة فيها.

٣٣٧

عنوان المخالفة في هذه الروايات إلى الانحاء الاخرى من المخالفة اي التعارض المستقرّ فلا اقلّ من سقوط الاطلاقات القرآنية عن الحجيّة بالتعارض فيما بينها على اساس العلم الاجمالي فتبقى الاخبار المخصّصة على حجيّتها.

ونلاحظ (١) على هذين الوجهين ان المخالفة للقرآن المسقطة

__________________

(١) كان الاعتراض الثاني قد ادّعى ان هذه المجموعة تدلّ على إسقاط الخبر الذي يخالف القرآن الكريم ـ ولو بنحو التخصيص ـ عن الحجيّة ، (وقد) اجيب على هذا الاعتراض بوجهين : احدهما ان التخصيص ونحوه ليست مخالفة ، والآخر انه ليس المراد من المخالفة التخصيص ونحوه لمعلومية صدور التخصيصات ونحوها للآيات من الشارع.

(أقول) ولك ان تكتفي بالوجه الثاني ، وذلك لكون الوجه الاوّل محلّ نظر واضح لو لا صحّة الوجه الثاني ودلالته على صحة الوجه الاوّل.

فتقول : ليس المراد من المخالفة في هذه الروايات ما كان من قبيل التخصيص ونحوه لمعلومية صدوره من الشارع المقدّس ... (نتابع في بيان كلام السيد الشهيد (قدس‌سره) قال :) ونلاحظ على هذين الوجهين انه ما هو المراد من المخالفة في قوله عليه‌السلام : «ما خالف كتاب الله فدعوه»؟ (فهل) المراد منها مخالفة الخبر لدلالة قرآنية ولو لم تكن هذه الدلالة حجّة في نفسها؟ فلو كانت الآية في مقام بيان اصل الحكم ك «اقيموا الصلاة» وليست في مقام بيان حدود موضوع الحكم وجاءت الروايات الصحيحة تبيّن هذه الحدود فهل تكون هذه الروايات معارضة ل «اقيموا الصلاة»؟ حتما لا ، وذلك لما ذكره السيد رحمه‌الله في المتن.

(او) انّ المراد من المخالفة المخالفة لدلالة قرآنية حجة في نفسها كما لو ورد في القرآن الكريم وجوب اكرام العلماء ففي هذه الحالة إن ورد في الروايات الصحيحة وجوب اكرام العلماء المؤمنين ـ والحال انه لو لا

٣٣٨

للخبر عن الحجية (إن) اريد بها المخالفة لدلالة قرآنية ولو لم تكن حجّة فكلا الجوابين غير صحيح ، لانّ القرينة المنفصلة والتعارض على أساس العلم الاجمالي لا يرفع اصل الدلالة القرآنية ولا يخرج الخبر عن كونه مخالفا لها. (وإن) اريد بها المخالفة لدلالة قرآنية حجة في نفسها وبقطع النظر عن الخبر المخالف لها فالجواب الثاني صحيح ، لانّ الدلالة القرآنية ساقطة عن الحجية بسبب العلم الاجمالي ما لم يدّع انحلاله (١) ، وامّا

__________________

هذه الروايات لاخذنا بعموم العلماء ـ لوروده في مقام البيان فهل هنا تاخذ بالروايات المخصّصة ام بعموم العلماء؟ حتما سوف تأخذ ـ ككل العلماء ـ بالروايات ودليلك هو اننا ـ كما في الجواب الثاني ـ نعلم بورود تخصيصات كثيرة للآيات القرآنية من الشارع المقدّس بحيث لا تبقى عمومات الآيات حجّة مع وجود معارض من الروايات ، ولن تستدلّ بأنّ التخصيص ليس مخالفة للعام وذلك لحجية العام في العموم في نفسه ، ولذلك لو لا الروايات لاخذنا بعموم العلماء ، لوروده في مقام البيان.

(أو) ان المراد من المخالفة المخالفة لدلالة قرآنية واجدة لمقتضى الحجيّة حتّى بعد ورود الخبر المخالف كما فيما لو كانت الدلالة القرآنية ظاهرة ظهورا تصوريا في العموم ، (ويرد) على تفسير المخالفة بهذا النحو انه لو كان المراد من المخالفة المخالفة للظهور التصوّري للآية صحّ كلا الجوابين لانّ الظهور التصوّري لا يكون حجّة مع وجود قرينة منفصلة على تشخيص المراد.

(وبأدنى) تأمّل تعلم ان المراد من المخالفة في قوله عليه‌السلام «ما خالف كتاب الله فدعوه» هو ما ورد في الاحتمال الثاني

(١) بما وصلنا من التقييدات ونحوها(*).

__________________

(*) طبعا السيد الشهيد لا يقبل بوجود معارضة في هذه الحالة ووجهه واضح في المتن ،

٣٣٩

الجواب الاوّل فهو غير صحيح ، لانّ الخاص مخالف لدلالة العام التي هي حجّة في نفسها وبقطع النظر عن ورود الخاص. (وإن) اريد بها المخالفة لدلالة قرآنية واجدة لمقتضي الحجيّة حتى بعد ورود الخبر المخالف صحّ كلا الجوابين ، لان مقتضي الحجيّة في العام غير محفوظ بعد ورود القرينة المنفصلة ، واختصّت المخالفة المسقطة للخبر عن الحجيّة بالمخالفة على وجه لا يصلح للقرينية.

وأوجه هذه الاحتمالات اوسطها (*).

ويمكن ان يجاب أيضا (١) ـ بعد الاعتراف بتمامية الاطلاق في

__________________

(١) يقول : ويمكن ان يجاب على احتمال ان يكون المراد من المخالفة الواردة في روايات «ما خالف كتاب الله فردّوه» ما يشمل التخصيص والتقييد والحكومة ـ بعد فرض التسليم باطلاق المخالفة للتخصيص

__________________

إذ القرينة المنفصلة ـ اي الرواية المبيّنة لحدود الصلاة ـ لا ترفع اصل الدلالة القرآنية على اصل الحكم اي وجوب الصلاة ولا تخرج الخبر عن كونه مخالفا للآية ولو في التفصيل ، وكذلك الامر إذا التفتنا إلى وجود علم اجمالي بوجود تخصيصات وبيانات في الروايات بحيث لا ترفع الدلالة القرآنية على اصل الحكم ووجوب الصلاة عن الحجية.

(*) بعد التأمّل في المجموعات الثلاث من روايات العرض على الكتاب وما ذكره سيدنا الشهيد [قدس‌سره] فيها خاصّة قوله بوجود علم اجمالي بصدور روايات تخالف الكتاب الكريم بنحو التخصيص ونحوه تعلم بعدم إمكان الاخذ باطلاق هذه المجموعات الثلاث وإلّا لذهب الأعم الاغلب من الروايات ، ولو لم تكن هذه الروايات بحجة واقعا لبان ذلك في عصر المعصومين [عليهم‌السلام] .. فلا بدّ اذن من ايجاد محمل لهذه المجموعات الثلاث من الروايات كأن يكون المراد من المخالفة وعدم الموافقة مع كتاب الله المخالفة بنحو التعارض المستقرّ

٣٤٠