دروس في علم الأصول - ج ٤

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر

دروس في علم الأصول - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر


المحقق: الشيخ ناجي طالب آل فقيه العاملي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧١

واستصحاب الكلّي لا تتوقف على دعوى التعدد في الواقع الخارجي ، وان للكلّي واقعا وسيعا منحازا عن واقعيات الافراد ـ على طريقة الرجل الهمداني في تصوّر الكلّي الطبيعي ـ وهي دعوى باطلة لما ثبت في محلّه من ان الكلّي موجود بعين وجود الافراد (*).

كما انه لا موجب (١) لارجاع الكلّي في مقام التفرقة المذكورة الى

__________________

(١) قد يقال إذا اردتم استصحاب الكلي ـ ككليّ الحدث ـ فان هذا

__________________

بالعدد ـ أي مفهوما ـ موجود في جميع افراده)) [راجع شرح المنظومة قسم الفلسفة ص ٩٩ من الطبعة الحجرية]. وقد اورد على كلامه ان لازم كون الكلّي الطبيعي واحدا بالعدد مطابقا لجميع افراده انّ هذا الواحد بالعدد سوف يتّصف بصفات افراده المتضادّة من الطول والقصر والبياض والسواد ... الخ ، وهذا النقض الذي اورده عليه الشيخ ابن سينا صحيح بناء على هذا الفهم لمراد الرجل الهمداني.

ولعلّ مراد الرجل الهمداني هو ان الطبيعي ـ لا الكلي الطبيعي ـ واحد بالعدد من حيث المفهوم ، كما يقال ان الوجود واحد لا كثير ويقصدون بذلك ان مفهوم الوجود واحد في الواجب والممكن وان كان مشككا مصداقا وهوية ، وكذلك الامر في الطبيعي فانه متّحد مع افراده من حيث المفهوم لوجود الانسانية فيهم ، ولذلك يكون موجودا في افراده مصداقا وحقيقة

(*) الصحيح ان يقول بدل ((الكلي))((الطبيعي)) فالكلّي الطبيعي هو اصطلاح منطقي المراد منه الجامع بين مصاديقه الخارجية ، وهذا الكلام على اهماله اوقع المحققين في بحث هل ان الكلّي الطبيعي موجود في الخارج او لا ، ولحلّ هذه المشكلة نقول فلنوضّح المراد من الكلي الطبيعي وفرقه عن الطبيعي ، فالكلي الطبيعي للانسان هو هذا المفهوم الذهني الجامع بين افراد الانسان وبما انه كلّي فلا يوجد في الخارج ، نعم الطبيعي ـ بلا قيد الكلية ـ موجود في الخارج وهي الانسانية ، هذا الطبيعي هو الموجود بعين وجود الفرد ، او قل طبيعي الانسان موجود في زيد وعمرو بالبداهة لانهما إنسانان.

١٨١

الحصّة ، ودعوى ان كل فرد يشتمل على حصّة من الكلّي ومشخّصات عرضية واستصحاب الكلّي عبارة عن استصحاب ذات الحصّة ، واستصحاب الفرد عبارة عن استصحاب الحصّة مع المشخصات ، بل الصحيح في التفرقة (١) ما ذكرناه.

* الجهة الثانية : في أقسام استصحاب الكلّي

يمكن تقسيم الشك في بقاء الكلّي الى قسمين :

احدهما : الشك في بقاء الكلّي غير الناشئ من الشك في حدوث الفرد ، والآخر : الشك في بقائه الناشئ من الشك في حدوث الفرد.

__________________

الاستصحاب يرجع إلى استصحاب الحصّة ـ كالانسانيّة الموجودة في زيد ، فانّ لازم دخول زيد في المسجد هو دخول «الرجل الناشئ من زيد» الى المسجد لا «مطلق الرجل» ، كما كنّا نقول انّ لازم احتراق زيد هو موت زيد بهذا الاحتراق لا مطلق الموت ـ واستظهر السيد الشهيد (قدس‌سره) هذا الرأي من كلمات المحقق العراقي وهو الصحيح عندنا (راجع بحوث السيد الهاشمي ج ٦ ، ص ٢٣٩).

(وكلمة) «دعوى» معطوفة على «ارجاع الكلّي»

(١) اي بل الصحيح في مقام التفرقة بين استصحاب الفرد واستصحاب الكلّي هو ان المراد من الفرد هو الفرد الخارجي كما في استصحاب الحدث الاصغر والمراد من الكلّي هو الكلّي المنظور اليه كمرآة إلى مصاديقه كالحدث بالنسبة إلى الحدثين الاكبر والاصغر ، فنستصحب مطلق الحدث ، ولا داعي لئن نقول لتصحيح استصحاب الكلي باننا نستصحب الحصّة الموجودة ضمن الفرد كاستصحاب الانسانية الموجودة ضمن زيد مثلا.

١٨٢

مثال الاوّل : ان يعلم بدخول الانسان ضمن زيد في المسجد ويشك في خروجه ، ومثال الثاني : ان يعلم بحدث مردّد بين الاصغر والاكبر ويشك في ارتفاعه بعد الوضوء ، فان الشك مسبّب عن الشك في حدوث الاكبر.

امّا القسم الاوّل فله حالتان :

الاولى : ان يكون الكلّي معلوما تفصيلا ويشك في بقائه كما في المثال المذكور حيث يعلم بوجود زيد تفصيلا ، وهنا إذا كان الأثر الشرعي مترتّبا على الجامع جرى استصحاب الكلّي.

واستصحاب الكلّي في هذه الحالة جار على كل حال (١) سواء فسّرنا استصحاب الكلي وفرّقنا بينه وبين استصحاب الفرد على اساس كون المستصحب الوجود السعي للكلي على طريقة الرجل الهمداني ، او الحصّة ، أو الخارج بمقدار مرآتية العنوان الكلّي ، على ما تقدّم في الجهة السابقة ، إذ على كل هذه الوجوه تعتبر أركان الاستصحاب تامّة.

الثانية : ان يكون الكلّي معلوما اجمالا (٢) ويشك في بقائه على كلا

__________________

(١) اي واستصحاب الكلّي في هذه الحالة جار على كلّ حال سواء فسّرنا الكلي (المستصحب) بانه وجود واحد وسيع له امثلة في عالم المثال تطابق افراده الموجودة في الخارج على مبنى الرجل الهمداني او فسّرناه بانه الحصّة الموجودة في الفرد او فسّرناه بالعنوان الجامع بين الافراد مفهوما وبالحمل الذاتي والموجود في افراده مصداقا وحقيقة وبالحمل الشائع ، إذ على كل هذه الوجوه تعتبر اركان استصحاب الكلي ـ كاستصحاب وجود انسان في المسجد ـ تامّة.

(٢) بان يعلم مثلا بدخول رجل في المسجد ولكنه لم يعلم خصوص هذا الداخل وهل انه زيد او خالد ثم يشك في خروج هذا الرجل الذي دخل

١٨٣

تقديريه (١) ، كما إذا علم بوجود زيد او خالد في المسجد ويشك في بقائه سواء كان [الداخل سابقا] زيدا او خالدا ، فيجري استصحاب الجامع (٢) إذا كان الاثر الشرعي مترتبا عليه ، ولا إشكال في ذلك بناء على ارجاع استصحاب الكلّي إلى استصحاب الوجود السّعي له على طريقة الرجل الهمداني (٣) ، وبناء (٤) على المختار من ارجاعه إلى استصحاب الواقع بمقدار مرآتية العنوان الاجمالي ، وامّا بناء على ارجاعه إلى استصحاب الحصّة فقد يستشكل بانه لا يقين بحدوث اي واحدة من الحصتين فكيف يجري استصحابها ، اللهم إلّا ان تلغى ركنية اليقين وتستبدل بركنية الحدوث (٥).

__________________

ـ سواء كان زيدا او خالدا. مما يعني حصول شك في بقاء «رجل» في المسجد.

(١) اي على تقدير كونه زيدا او خالدا.

(٢) وهو هنا «رجل» ، اي فيجري استصحاب بقاء هذا «الرجل» الجامع الموجود في الرجل الداخل.

(٣) أي لا إشكال في صحّة جريان هذا الاستصحاب بناء على طريقة الرجل الهمداني لانه. على طريقته. يصحّ استصحاب بقاء الوجودات المثالية لزيد وخالد.

(٤) اي : بناء على مختار السيد الشهيد (قدس‌سره) يصحّ استصحاب بقاء «الرجل» المنظور اليه كمرآة عن «الرجل الداخل» الخارجي.

(٥) اي : حدوث حصّة في الواقع ، وإن لم نعلم أيّهما بالتحديد. (بيان ذلك) اننا إذا ألغينا ركنيّة اليقين واستبدلناها بركنية حدوث المتيقّن لا بركنية اليقين بالحالة السابقة ، فانه بناء على كون الركن الاوّل من أركان الاستصحاب هو حدوث الحالة السابقة ـ كما يقول صاحب الكفاية رحمه‌الله

١٨٤

ويسمّى هذا القسم في كلماتهم بكلتا حالتيه بالقسم الاوّل من استصحاب الكلّي.

وامّا القسم الثاني فله حالتان أيضا :

الاولى : ان يكون الشك في حدوث الفرد (١) المسبّب للشك في بقاء الكلّي (٢) مقرونا بالعلم الاجمالي ـ كما في المثال المتقدّم لهذا القسم ـ ، فانّ الشك في الحدث الاكبر مقرون بالعلم الاجمالي بأحد الحدثين ، والصحيح جريان الاستصحاب في هذه الحالة إذا كان للجامع اثر شرعي ، ويسمّى في كلماتهم بالقسم الثاني من استصحاب الكلّي.

وقد يعترض على جريان هذا الاستصحاب بوجوه :

منها : انه لا يقين بالحدوث ، وهو اعتراض مبني على ارجاع

__________________

وهو الحقّ كما أوضحنا في محلّه ـ لا اليقين بها يمكن استصحاب بقاء «رجل» في المسجد ، لان هذا الرجل الطبيعي او قل هذا الرجل الحصّة من كلّي الرجل موجود في الفرد الداخل ، وقد دخل الفرد فدخل بدخوله «رجل» فحينما نشك في خروج هذه الحصّة نستصحب بقاءها ومعنى ذلك استصحاب الكلّي الطبيعي للرجل في المسجد لما عرفته من ادّعائهم بان الكلي عبارة عن الحصّة الموجودة في الفرد(*).

(١) كالجنابة في المثال الثاني المتقدّم ص ١٨٣ السطر الثاني ، فراجع.

(٢) كالحدث ، و «مقرونا» خبر ل «يكون».

__________________

(*) لکن رغم ذلک یرد علی هذا الکلام ان رکتبة حدوث الحصة في المقام ترجع الی رکتبة العلم بحدوثها.

١٨٥

استصحاب الكلّي إلى استصحاب الحصّة ، وحيث لا علم بالحصّة (١) حدوثا فلا جري الاستصحاب لعدم اليقين بالحدوث ، بل لعدم الشك في البقاء ، إذ لا شك في الحصّة بقاء ، بل احدى الحصّتين معلومة الانتفاء والاخرى معلومة البقاء.

وقد تقدّم ان استصحاب الكلّي ليس بمعنى استصحاب الحصّة ، بل هو استصحاب للواقع بمقدار ما يرى بالعنوان الاجمالي للجامع (٢) ، وهذا معلوم بالعلم الاجمالي حدوثا.

ومنها : انه لا شكّ في البقاء (٣) ، لان الشكّ ينبغي ان يتعلّق بنفس ما

__________________

(١) اي لعدم اليقين بحدوث الجنابة اوّلا ، وثانيا لعدم الشك في بقاء الحدث الاصغر لانه توضّأ والحصة الاخرى ـ كالجنابة ـ معلومة البقاء لو كانت هي الحادثة فالركنان الاوّل والثاني لقاعدة الاستصحاب منتفيان. وقال رحمه‌الله «بل ..» لانه لا داعي لقوله «بل لعدم الشك في البقاء» بعد قوله «لعدم اليقين بالحدوث» ، وذلك لانه بعد عدم اليقين بحدوث الحصّة لا تصل النوبة إلى الشك في البقاء ، فانت إن لم يحصل عندك يقين بحصول الطهارة. بعد كونك محدثا. لا تستصحب الطهارة وذلك لاختلال الركن الاوّل ، لا لاختلال الركن الثاني وذلك لترتب الركن الثاني على الاوّل كما هو واضح ، وانما ذكره سيدنا الشهيد رحمه‌الله هنا من باب التأكيد على عدم جريان استصحاب الحصّة.

(٢) أي ان المستصحب هو «الرجل الذي دخل الى المسجد ونشك في بقائه وخروجه» وفي المثال الآخر : المستصحب هو «الحدث الذي طرأ على زيد ولا يدري هل هو الجنابة أم حدث أصغر» ، فالمستصحب هو كلّي وليس حصّة من حصصه.

(٣) فالركن الثاني منهدم.

١٨٦

تعلّق به اليقين ، ولما كان اليقين هنا علما اجماليا والعلم الاجمالي يتعلّق بالمردّد ... فلا بد ان يتعلّق الشك بالواقع على ترديده ايضا ، وهذا انما يتواجد فيما إذا كان الواقع مشكوك البقاء على كل تقدير ، مع انه ليس كذلك لان الفرد القصير من الجامع لا شكّ في بقائه (١).

والجواب : ان العلم الاجمالي لا يتعلّق بالواقع المردّد بل بالجامع وهو مشكوك ، إذ يكفي في الشك في بقاء الجامع التردّد في كيفية حدوثه (٢).

ومنها : ان الوجود القصير للكلّي لا يحتمل بقاؤه ، والوجود الطويل له لا يحتمل ارتفاعه وليس هناك في مقابلهما إلّا المفهوم الذهني الذي لا معنى لاستصحابه.

والجواب : ان الشك واليقين انما يعرضان الواقع الخارجي بتوسّط العناوين الحاكية عنه ، فلا محذور في ان يكون الواقع بتوسط العنوان التفصيلي مقطوع البقاء او الانتفاء ، وبتوسط العنوان الاجمالي مشكوك البقاء ، ومصبّ التعبّد الاستصحابي دائما العنوان بما هو حاك عن الواقع

__________________

(١) لانه توضّأ ، فالمشكوك البقاء ـ الذي هو الحدث ـ مخدوش.

(٢) وهل انه حدث بالفرد القصير ـ كالحدث الاصغر ـ او الطويل ـ كالحدث الاكبر(*) ـ ـ.

__________________

(*) بل حتى لو آمنا بكون العلم الاجمالي يتعلّق بالفرد الواقعي المجهول لدينا ـ كما هو الصحيح عندنا ـ يصحّ جواب السيد الشهيد [قدس‌سره] المذكور ، وذلك لان المفروض ترتّب الاثر الشرعي على الجامع ـ كالحدث مثلا ـ لا على الفرد.

١٨٧

تبعا لاخذه موضوعا للأثر الشرعي بما هو كذلك (١).

نعم إذا ارجعنا استصحاب الكلّي إلى استصحاب الحصّة امكن المنع عن جريانه في المقام ، لانّه يكون من استصحاب الفرد المردّد نظرا إلى ان احدى الحصّتين مقطوعة الانتفاء فعلا (٢).

ومنها : ان استصحاب الكلّي يحكم عليه استصحاب عدم حدوث الفرد الطويل الأمد ، لان الشك في بقاء الكلّي مسبّب عن الشك في حدوث هذا الفرد (٣).

__________________

(١) هذا الجواب جيد ومن اللازم على الطالب فهمه لكونه هو الأساس في صحّة جريان الاستصحاب في هذا القسم الثاني.

(٢) وهي حصّة الحدث الاصغر ، وذلك لانه توضّأ ، والثانية مقطوعة البقاء وهي حصّة الحدث الاكبر.

(ولك) ان تقول ... لانه يكون من استصحاب الفرد المردّد وهو لا وجود له لا في الذهن ولا في الخارج ، أمّا في الخارج فواضح ، وأمّا في الذهن فلأنك لا يمكن لك أن تتصور فردا مرددا بين زيد وخالد ـ مثلا ـ فكيف تستصحب بقاء وجود هذا المردّد؟! على أنّ المكلّف قد توضأ فلا شك بلحاظ الوضوء ولا علم لنا بأصل حدوث جنابته فلا يصح استصحاب الجنابة أيضا. (ولك) ان تضيف بأنّ الأثر الشرعي (كحرمة مسّ المصحف) مترتّب على كلّي الحدث لا على الفرد المردّد.

(٣) فإذا استصحبنا عدم حدوث الفرد الطويل كالحدث الاكبر لا تصل النوبة الى استصحاب كلّي الحدث. (والجواب) ان التلازم بين حدوث الفرد الطويل ـ على فرض حدوثه ـ وبقاء الكلّي عقليّ كما هو واضح وليس شرعيّا ، فلا يثبت باستصحاب عدم الحدث الاكبر نفي بقاء الكلّي ، وذلك لان استصحاب عدم الحدث الاكبر ـ لو اجريناه ـ انما

١٨٨

والجواب : ان التلازم بين حدوث الفرد الطويل الأمد وبقاء الكلّي عقليّ وليس شرعيا ، فلا يثبت باستصحاب عدم الاوّل نفي بقاء الثاني.

ومنها : ان استصحاب الكلّي معارض باستصحاب عدم الفرد الطويل إلى ظرف الشك في بقاء الكلّي (١) ، لان عدم الكلّي عبارة عن عدم كلا فرديه ، والفرد القصير الأمد معلوم الانتفاء فعلا بالوجدان ، والفرد الطويل الامد محرز الانتفاء فعلا باستصحاب عدمه ، فهذا الاستصحاب بضمّه إلى الوجدان المذكور حجّة على عدم الكلّي فعلا ، فيعارض الحجّة على بقائه المتمثّلة في استصحاب الكلّي.

والتحقيق : انه تارة يكون وجود الكلّي بما هو وجود له كافيا في ترتب الاثر على نحو لو فرض ـ ولو محالا ـ وجود الكلّي لا في ضمن

__________________

يثبت عدم حدوث الحدث الاكبر وبما ان الحدث الاصغر قد ارتفع وجدانا فسيثبت ح ارتفاع كلّي الحدث ، (ولكن) لا يصحّ اجراء هذا الاستصحاب لانه لا يترتّب على استصحاب عدم حدوث الحدث الاكبر إلّا عدم حدوث الحدث الأكبر لا عدم حدوث كلّي الحدث الذي هو (أي عدم حدوث كلّي الحدث) موضوع الاثر الشرعي كعدم حرمة المكث في المسجد. (على أي حال) لا يجري استصحاب عدم حدوث الجنابة ، لأننا إن أردنا ان نثبت بهذا الاستصحاب عدم حدوث كلّي الحدث فسيكون ح أصلا مثبتا.

(١) وذلك لان استصحاب الكلّي يؤدّي الى التعبد ببقاء كلي الحدث ، واستصحاب عدم حدوث الفرد الطويل كالجنابة ـ مع علمنا برفع الحدث الاصغر بالوضوء ـ يؤدّي إلى التعبد بعدم بقاء كلّي الحدث فيتعارضان.

١٨٩

حصّة خاصّة لترتّب عليه الاثر ، واخرى لا يكون الاثر مترتبا على وجود الكلّي إلّا بما هو وجود لهذه الحصّة ولتلك الحصّة (١) على نحو تكون كل حصّة موضوعا للأثر الشرعي بعنوانها.

فعلى الاوّل يجري استصحاب الكلّي (٢) لاثبات موضوع الاثر ، ولا يمكن نفي صرف الوجود للكلّي باستصحاب عدم الفرد الطويل مع ضمّه إلى الوجدان ، لان انتفاء صرف الوجود للكلّي بانتفاء هذه الحصّة وتلك عقلي وليس شرعيا (٣).

وعلى الثاني لا يجري استصحاب الكلّي في نفسه لانه لا ينقّح موضوع الأثر ، بل بالامكان نفي هذا الموضوع (٤) باستصحاب عدم الفرد

__________________

(١) هذا على مبنى المحقق العراقي (قدس‌سره).

(٢) وهو كلّي الحدث لاثبات حرمة مسّ المصحف مثلا ، وذلك لانّ المفروض ان حرمة مسّه منصبّة على كلّي الحدث ـ اي سواء كان الحدث كبيرا او صغيرا ـ.

(٣) اي لا مانع من ان يتعبّدنا الشارع المقدس ببقاء كلّي الحدث في هذه الحالة مع علمه بارتفاع الحدث الاصغر ، وذلك لانّ بقاء الشك في بقاء كلي الحدث وجداني وامّا اجراء استصحاب عدم حدوث الحدث الاكبر فانه لا ينفع في إثبات نفي كلّي الحدث إلّا مع ضمّ ارتفاع الحدث الاصغر فتثبت تمام العلّة ح لنفي كلي الحدث ، واثبات تمام علّة نفي كلّي الحدث واسطة عقلية كما هو واضح ، وقد علمت فيما سبق عدم جريان الاستصحاب في إثبات اللوازم العقلية.

(٤) أي بالامكان نفي الحدث بتمامه ـ كبيره وصغيره ـ أمّا الاكبر فباستصحاب عدم حدوثه ، وامّا الاصغر فبمعلومية وضوئه.

١٩٠

الطويل الامد مع ضمّه إلى الوجدان القاضي بعدم الفرد الآخر ، لانّ الاثر اثر للحصص فينفى باحراز عدمها ولو بالتلفيق من التعبد والوجدان.

واما الحالة الثانية من القسم الثاني فهي ان يكون الشك في حدوث الفرد المسبّب للشك في بقاء الكلّي شكا بدويا ، ومثاله : ان يعلم بوجود الكلّي ضمن فرد ويعلم بارتفاعه تفصيلا ، ويشك في انحفاظ وجود الكلّي في ضمن فرد آخر يحتمل حدوثه حين ارتفاع الفرد الاوّل او قبل ذلك. ويسمّى هذا في كلماتهم بالقسم الثالث من استصحاب الكلّي.

وقد يتخيّل جريانه على اساس تواجد اركانه في العنوان الكلّي وان لم تكن متواجدة في كل من الفردين بالخصوص. ولكن يندفع هذا التخيل بأنّ العنوان الكلّي وان كان هو مصبّ الاستصحاب ولكن (١) بما هو مرآة للواقع ، فلا بدّ ان يكون متيقّن الحدوث مشكوك البقاء بما هو فان في

__________________

(١) او قل ولكنه ـ اي هذا العنوان الكلّي ـ مصبّ للاستصحاب بما هو عنوان حاك عن الفرد ، توضيح ذلك : فرض الحالة إذا دخل زيد المسجد ثم خرج واحتملنا انه قد دخل غيره المسجد عند خروج زيد او قبل خروجه بنحو لم يخل المسجد من انسان ، فهنا لا يجري استصحاب بقاء انسان في المسجد ، وذلك لان الكلّي الذي وجد في المسجد اوّلا قد ارتفع ـ لخروج زيد ـ والكلّي الذي نحتمل بقاءه في المسجد وإن كان نفس الكلي الاوّل مفهوما وبالحمل الذاتي الاوّلي ، لكن نحن حينما نستصحبه انما نستصحبه بما هو مرآة وحاك عن فرده اي بالحمل الشائع الصناعي ، وذلك لاننا حينما نستصحب الحالة السابقة كالطهارة والحياة والزوجية فاننا نستصحب واقع هذه الامور كما هو واضح.

١٩١

واقعه ومرآة للوجود الخارجي ، ومن الواضح انه بما هو كذلك ليس جامعا للاركان ، إذ ليس هناك واقع خارجي يمكن ان نشير إليه بهذا العنوان الكلّي ونقول بانه متيقّن الحدوث مشكوك البقاء لنستصحبه بتوسط العنوان الحاكي عنه وبمقدار حكايته ، خلافا للحالة السابقة التي كانت تشتمل على واقع من هذا القبيل.

٤ ـ الاستصحاب في الموضوعات المركّبة

إذا كان الموضوع للحكم الشرعي بسيطا (١) وتمّت فيه أركان الاستصحاب جرى استصحابه بلا إشكال ، وأمّا إذا كان الموضوع مركبا من عناصر متعدّدة فتارة نفترض ان هذه العناصر لوحظت بنحو التقيّد (٢) او انتزع منها عنوان بسيط وجعل موضوعا للحكم (٣) كعنوان «المجموع»

__________________

(١) كطهارة الماء التي هي موضوع لجواز شربه.

(٢) كما لو كان المستصحب هو الكرية بقيد كون المائع ماء ، فانه لا يمكن لنا استصحاب الكريّة لاثبات مطهّريته لكون موضوع المطهّر هو «الماء الكرّ» مثلا ، وعلّة عدم امكان الاستصحاب هو كون الاستصحاب هنا مثبتا ، لاننا نريد ان نثبت باستصحاب الكرّية تحقق «الماء الكرّ» والاثر ـ اي المطهّريّة ـ يترتب على هذا اللازم العقلي.

(٣) كما إذا كان المستصحب مركّبا واقعا وبسيطا عنوانا كالحج والصلاة والفقاهة.

(ولك) ان توحّد بين هاتين الحالتين ـ حالة التقيّد وحالة العنوان البسيط المنتزع ـ ـ وذلك بأن تتصوّر الموضوع مركّبا واقعا وواحدا موضوعا.

١٩٢

او «اقتران هذا بذاك» ونحو ذلك ... واخرى نفترض ان هذه العناصر بذواتها اخذت موضوعا للحكم الشرعي (١) بدون ان يدخل في الموضوع أيّ عنوان انتزاعي (٢) من ذلك القبيل.

ففي الحالة الاولى لا مجال لاجراء الاستصحاب في ذوات الأجزاء ، لانه إن اريد به اثبات الحكم مباشرة فهو متعذّر لترتبه على العنوان البسيط المتحصّل ، وإن اريد به اثبات الحكم باثبات ذلك العنوان المتحصّل فهو غير ممكن لان عنوان الاجتماع والاقتران ونحوه لازم عقلي لثبوت ذوات الاجزاء فلا يثبت باستصحابها ، فالاستصحاب في هذه الحالة يجري في نفس العنوان البسيط المتحصل (٣) ، فمتى شك في حصوله جرى استصحاب عدمه حتى ولو كان احد الجزءين محرزا وجدانا والآخر معلوم الثبوت سابقا ومشكوك البقاء فعلا (٤).

__________________

(١) كما لو افترضنا ان موضوع الارث هو موت المورّث حال كون الوارث مسلما.

(٢) يبسّط الموضوع ويوحّده.

(٣) كما لو شككنا في الاتيان بالصلاة فاننا نستصحب عدم الصلاة رغم أن الصلاة موضوع مركّب الّا اننا نستصحب العنوان البسيط المنتزع من المركّب.

(٤) كما لو كان على يدنا دما رطبا رطوبة مسرية ثم بعد ساعة مثلا اي حينما شككنا في بقاء الرطوبة المسرية لمسنا بيدنا ثوبا ما فهنا لا يحكم بنجاسة الثوب وذلك لانّ نجاسة الثوب مترتبة على موضوع بسيط وهو انتقال النجاسة ، واستصحاب بقاء الرطوبة مسرية يثبت بقاء الرطوبة مسرية ولا يثبت انتقال النجاسة. وانما تثبت النجاسة باقتران وجود

١٩٣

وأمّا في الحالة الثانية فلا بأس بجريان الاستصحاب في الجزء ثبوتا أو عدما إذا تواجد فيه اليقين بالحالة السابقة والشك في بقائها.

ومن هنا يعلم بأنّ الاستصحاب يجري في أجزاء الموضوع المركب وعناصره بشرط ترتب الحكم على ذوات الاجزاء اوّلا وتوفّر اليقين بالحدوث والشك في البقاء ثانيا.

هذا على نحو الاجمال.

وأمّا تحقيق المسألة على وجه كامل فبالبحث في ثلاث نقاط :

احداها : في اصل هذه الكبرى القائلة بجريان الاستصحاب في اجزاء الموضوع ضمن الشرطين (١).

والنقطة الثانية : في تحقيق صغرى الشرط الاوّل وانه متى يكون الحكم مترتبا على ذوات الاجزاء.

والنقطة الثالثة : في تحقيق صغرى الشرط الثاني وانه متى يكون الشك في البقاء محفوظا.

__________________

رطوبة مسرية مع التماس بين الدم مثلا والثوب ، واستصحاب بقاء الرطوبة المسرية لا يثبت نجاسة الثوب الا باثباته للاقتران المذكور الذي هو واسطة عقلية. (المهم) انه لا يصح اثبات النجاسة باستصحاب بقاء الرطوبة مسرية ، وانما الذي يجري هنا هو استصحاب عدم نجاسة الثوب.

(١) المذكورين قبل بضعة اسطر وهما «ترتّب الحكم على ذوات الاجزاء ، وتوفّر اليقين بالحدوث والشك في البقاء».

١٩٤

* أمّا النقطة الاولى :

فالمعروف بين المحقّقين انه متى كان الموضوع مركّبا وافترضنا ان احد جزءيه محرز بالوجدان او بتعبّد ما (١) فبالامكان اجراء الاستصحاب في الجزء الآخر لانه ينتهي إلى اثر عملي وهو تنجيز الحكم المترتب على الموضوع المركب.

وقد يواجه ذلك باعتراض ، وهو ان دليل الاستصحاب مفاده جعل الحكم المماثل للمستصحب (٢) ، والمستصحب هنا ـ وهو الجزء ـ ليس له حكم ليجعل في دليل الاستصحاب مماثله ، وما له حكم ـ وهو

__________________

(١) كما لو اخبرتنا بيّنة شرعية بموت المورّث المسلم ـ كالأب مثلا ـ يوم الجمعة وعلمنا باسلام الوارث ـ الابن ـ لكن شككنا في تاريخ اسلامه وهل انه اسلم قبل موت ابيه ليرثه او بعده لكيلا يرثه ، فهنا يمكن استصحاب عدم اسلامه حين موت ابيه فلا يرثه.

(٢) بيّنا هذا المسلك اكثر من مرّة ، ونلخّصه هنا بقولنا : إن الله جلّ وعلا يحكم في موارد شكّ المكلّف حكما ظاهريا على طبق وظيفة المكلّف الشرعية ، فلو شك المكلّف ببقاء ثوبه على الطهارة فوظيفته ان يعتبره طاهرا لاستصحاب الحالة السابقة ، ولو شك في طهارته ولم يعرف حالته السابقة فكذلك ، وذلك لقاعدة الطهارة ، ولو شك في حلّية شيء يبني على الحلّية ، لقاعدة الحلّية ، ولو شك في ملكية شيء معيّن لزيد من الناس واخبرته بيّنة شرعية بكونه له مثلا فان وظيفته ان يعتبره له ، لحجيّة البيّنة ، وهكذا ... وبما ان هذه وظائف شرعية فانها تعني ان الله جلّ وعلا قد حكم فيها ايضا بأحكام ظاهرية مماثلة لهذه الوظائف الشرعية ، ولذلك نقول هذه احكام شرعية ظاهرية.

١٩٥

المركب ـ ليس مصبّا للاستصحاب (١).

وهذا الاعتراض (٢) يقوم على الاساس القائل بجعل الحكم المماثل

__________________

(١) اي والمستصحب هنا ـ وهو عدم اسلام الابن إلى زمان موت ابيه ـ ليس له لوحده حكم لا بالنسبة لنا ولا عند الله جلّ وعلا ، نعم عدم اسلامه حال موت ابيه يترتّب عليه حكم وهو ممنوعيّته من الارث ، وما له حكم وهو «عدم اسلامه حال موت ابيه» ليس مصبّا للاستصحاب ، وذلك لان نظرنا هنا ـ اي في هذه النقطة الاولى ـ إلى استصحاب «عدم اسلام الابن» لا إلى استصحاب «عدم اسلامه حال موت ابيه» ، على انه لا يصحّ استصحاب «عدم اسلام الابن حال موت ابيه» لعدم موت ابيه سابقا.

(وبتعبير آخر) يقول المعترضون على اجراء استصحاب «عدم اسلام الابن الى حين موت أبيه» : انتم تعلمون اننا اذا أردنا ان نستصحب طهارة الماء مثلا فانما نستصحبها لأنّ الشارع المقدّس يعتبره طاهرا ظاهرا ، فالمستصحب هنا وهو الطهارة له حكم عملي وهو حكم الشارع ظاهرا بجواز شربه ، (ولكن) اذا استصحبنا عدم اسلام الابن الى حين موت الاب فانه لا يوجد حكم يترتّب على عدم اسلامه ليجعل الشارع المقدّس حكما ظاهريا يماثله ، فهل تتوقّع ان يجعل الله تعالى حكما ظاهريا مفاده «اعتبرت انّ الابن لم يسلم الى حين موت أبيه» مع العلم انه لا يترتب على هذا الحكم الظاهري أي اثر الّا اذا ضممنا الى الحكم الظاهري موت الاب المسلم ، (ولذلك) لا يجري استصحاب عدم اسلام الابن الى حين موت أبيه لعدم ترتّب حكم شرعي على هذا المستصحب ليجعل الشارع حكما ظاهريا مثيلا له.

(٢) بيان هذا الاعتراض : انه لا يترتّب أثر شرعي على المستصحب بناء على مسلك جعل الحكم المماثل ـ وقد عرفت ان اصحاب هذا المسلك

١٩٦

للمستصحب في دليل الاستصحاب ، ولا موضع له على الاساس القائل بأنه يكفي في تنجيز الحكم وصول كبراه (الجعل) وصغراه (الموضوع) كما عرفت سابقا (*) ، إذ على هذا لا نحتاج في جعل استصحاب الجزء ذا

__________________

يؤمنون بأن الشارع المقدس يجعل حكما ظاهريا كالطهارة مثلا فيعتبر الإناء الذي كان بالامس طاهرا يعتبره اليوم طاهرا فيقول الشارع حكمت بطهارة هذا الاناء حكما ظاهريا. ، اذ بناء على هذا المسلك وغيره لا بد من وجود اثر شرعي للاستصحاب ليمكن للشارع المقدس ان يجعل حكما مثيلا له في عالم الظاهر ، وبما انه لا يوجد حكم شرعي لاستصحاب عدم اسلام الابن الى حين موت الاب. اذ الاثر يترتّب على احراز تقارنهما معا لا على مجرّد عدم اسلام الابن الى حين موت الاب وعنوان التقارن لازم عقلي لعدم اسلام الابن الى حين موت ابيه. فلا يصح جريان هكذا استصحاب. (ولا موضع) لهذا الاعتراض على الاساس القائل بأنه يكفي في تنجيز الحكم وصول كبراه وصغراه ، اذ يكفي على هذا المسلك وجود اثر عقلي عملي لهذا الاستصحاب ، لانّه بمجرّد احراز عدم اسلام الابن الى حين موت ابيه يحكم العقل بحصول النتيجة وهي عدم ارث الولد حتى ولو لم يترتب حكم شرعي على عدم اسلام الابن.

__________________

(*) الانصاف صحّة كلا المسلكين : مسلك جعل الحكم المماثل ومسلك حكم العقل بمنجزيّة الحكم الظاهري عند وصول كبراه وصغراه او قل مسلك الاكتفاء بالكبرى والصغرى ، وذلك لكون الثاني منشأ للاوّل بالتقريب التالي :

إنّ مرادنا من جعل الحكم المماثل هو الجعل الارتكازي بحيث لو سألنا المولى تعالى عن حالتنا التي نحن فيها. كما في نجاسة احد إناءين على نحو الاجمال. لاجابنا بلزوم الاجتناب عنهما وان حكمه الظاهري لنا هو هذا ، وانما حكم الشارع المقدّس بهذا الحكم

١٩٧

اثر عملي إلى التعبد بالحكم المماثل ، بل مجرّد وصول احد الجزءين تعبّدا مع وصول الجزء الآخر بالوجدان كاف في تنجيز الحكم الواصلة كبراه ، لان احراز الموضوع بنفسه منجّز لا بما هو طريق إلى اثبات فعليّة الحكم المترتّب عليه (١) ، وبهذا نجيب على الاعتراض المذكور.

__________________

(١) هذا الكلام من نفس الوادي الذي يفيد ان القطع الطريقي ينجّز التكاليف ، والقطع الموضوعي يولّدها ، فاذا وردك «الخمر حرام» يكون احرازك للخمرية بنفسه منجّزا للحرمة عقلا عليك ، واذا وردك «اذا علمت بخمرية مائع فقد تنجّز عليك» يكون احرازك للخمرية مولّدا لفعلية الحرمة ، وهنا الامر كذلك تماما فان الثابت شرعا هو ان لم يكن الابن مسلما حين موت ابيه فانه لا يرثه ، فاستصحاب عدم اسلام الابن يحرز الموضوع فلا يرث الابن أباه ، ولم يثبت شرعا «اذا علمت بتقارن عدم اسلام الابن مع موت أبيه فانه لا يرثه» كي يرد

__________________

لوصول الكبرى والصغرى لنا فيتنجّز هذا الحكم علينا ، ومن المعلوم ان الكبرى هنا هي : إذا تقارن موت المورّث مع اسلام الوارث فانه يرثه ، والصغرى هي : قد تقارنا ـ مثلا ـ ولو تعبّدا بالاستصحاب او بغيره ، والنتيجة انه يرثه ، وإن كانت الصغرى : ولكنهما لم يتقارنا ، كانت النتيجة : فلا يرثه.

فإذا كانت النتيجة هكذا شرعا ، فهي تعني ان الحكم الظاهري عند الله والذي يديننا به والذي قد نجّزه علينا والذي إذا سألناه عنه لاجابنا به هي هذه النتيجة.

ولذلك قلنا ان الحكم الظاهري ـ على مسلك جعل الحكم المماثل ـ هو حكم ارتكازي لا أكثر ، ومثله الاحكام المستنبطة من بعضها البعض كالحكم بوجوب مقدّمة الواجب وبحرمة ضدّه ـ مثلا ـ وهكذا ...

١٩٨

وأمّا إذا اخذنا بفكرة جعل الحكم المماثل في دليل الاستصحاب فقد يصعب التخلّص الفنيّ من الاعتراض المذكور ، وهناك ثلاثة أجوبة على هذا الاساس :

ـ الجواب الاوّل : ان الحكم بعد وجود احد جزئي موضوعه وجدانا لا يكون موقوفا شرعا إلّا على الجزء الآخر فيكون حكما له ويثبت باستصحاب هذا الجزء ما يماثل حكمه ظاهرا (١).

ونلاحظ على ذلك : ان مجرّد تحقّق احد الجزءين وجدانا لا يخرجه عن الموضوعية وإناطة الحكم به شرعا ، لان وجود الشرط للحكم لا يعني بطلان الشرطية ، فلا ينقلب الحكم إلى كونه حكما للجزء الآخر خاصّة.

ـ الجواب الثاني : ان الحكم المترتّب على الموضوع المركّب ينحلّ تبعا لاجزاء موضوعه ، فينال كلّ جزء مرتبة وحصّة من وجود الحكم (٢) ، واستصحاب الجزء يقتضي جعل المماثل لتلك المرتبة التي

__________________

الاعتراض بكون استصحاب عدم اسلام الابن اصلا مثبتا ح ، ولذلك قال السيد الشهيد رضي الله عنه «لا بما هو طريق الى اثبات فعلية الحكم ..» فانه رحمه‌الله يريد ان يقول انه لم يثبت شرعا اخذ العلم بالتقارن في موضوع عدم ارث الابن.

(١) يقول : إنّ الحكم (اي عدم إرث الابن من أبيه المسلم) ـ بعد معلومية موت ابيه وجدانا ـ ليس مترتبا الّا على استصحاب عدم اسلام الابن الى حين موت ابيه فيكون «عدم إرث الابن من ابيه المسلم» حكما ل «عدم اسلام الابن الى حين موت أبيه» ، فيحكم الشارع المقدّس حكما ظاهريا ب «عدم إرث الابن من ابيه المسلم».

(٢) كما في «اكرم العالم العادل» و «إذا زالت الشمس وكان الانسان بالغا

١٩٩

ينالها ذلك الجزء بالتحليل.

ونلاحظ على ذلك : ان هذا التقسيط تبعا لاجزاء الموضوع غير معقول ، لوضوح ان الحكم ليس له إلّا وجود واحد لا يتحقّق إلّا عند تواجد تلك الاجزاء جميعا (١).

ـ الجواب الثالث : ان كل جزء موضوع لحكم مشروط وهو الحكم بالوجوب مثلا على تقدير تحقق الجزء الآخر ، فاستصحاب الجزء يتكفّل جعل الحكم المماثل لهذا الحكم المشروط.

ونلاحظ على ذلك : ان هذا الحكم المشروط ليس مجعولا من قبل الشارع ، وانما هو منتزع عن جعل الحكم على الموضوع المركّب ، فيواجه نفس الاعتراض الذي واجهه الاستصحاب في الأحكام المعلّقة (٢).

__________________

وجبت الصلاة» وهكذا ... فانّ هذا يعني ان الشخص إذا كان عالما فقط ـ اي لم يتّصف بالعدالة ـ حسن اكرامه إلى حدّ ومرتبة معيّنة ، وكذا إذا زالت الشمس ولم يكن الشخص بالغا حسنت الصلاة بالنسبة اليه إلى مرتبة معيّنة وهكذا ... فاستصحاب الجزء يقتضي جعل هذه المرتبة جعلا ظاهريا.

(١) وذلك كما إذا وجب قتل المحارب إذا كان ذكرا بالغا عاقلا ، وهكذا ، فهل تحتمل انه يحسن قتل المحارب إلى مرتبة معيّنة إذا كان ذكرا بالغا عاقلا ولم يكن محاربا؟! او إذا كان محاربا ولم يكن بالغا او لم يكن عاقلا؟!

(٢) فكما قلنا في بحث «استصحاب الحكم المعلّق» في «الجواب الآخر لمدرسة المحقق العراقي» انه لا يصحّ استصحاب «حرمة العصير العنبي» إذا غلى لاثبات «حرمة الزبيب» إذا غلى ، فكذلك الامر هنا ،

٢٠٠