دروس في علم الأصول - ج ٤

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر

دروس في علم الأصول - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر


المحقق: الشيخ ناجي طالب آل فقيه العاملي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧١

وإذا قارنّا بين الاتجاهين امكننا ان ندرك فارقين أساسيين :

احدهما : ان حكومة الدليل الحاكم ـ على الاتجاه الثاني ـ تتوقّف على اثبات النظر (١) ، واما على الاتجاه الاوّل فيكون الدليل الحاكم بمثابة الدليل الوارد ، وقد مرّ بنا في الحلقة السابقة (٢) انّه لا يحتاج تقدّمه على دليل إلى إثبات نظره إلى مفاده بالخصوص ، بل يكفي كونه متصرّفا في

__________________

(١) في الواقع ان هذا الاشتراط لا داعي له لانّه تكويني فهو مشروط لبّا حتى على نهج المحقق النائيني والسيد الخوئي ، فانّ الدليل الحاكم والذي هو مثلا دليل طريقية الامارات وان لم يكن ناظرا إلى الدليل المحكوم إلّا ان مجرّد تفسير مفهوم العلم مثلا الماخوذ في موضوعات الادلّة نفيا او اثباتا بتفسير جديد فهو ناظر إلى هذه الموضوعات شئت ام ابيت ، وبالتالي يكون حاكما حتى على مبنى السيد المصنّف الذي يشترط النظر في الحاكمية.

(٢) بحث «الحكم الاول قاعدة الجمع العرفي» ، وضمير «انه» راجع إلى الدليل الوارد.

__________________

الاحكام الاوّلية وتصنّفها ، ومثلها ((لا حرج)) و ((لا رهبانية في الاسلام)) و ((لا ينجّس الماء ما لا نفس له من الميتة)) ..

نعم لو كان مفاد ((لا ضرر)) على وزان مفاد ((الغسل الضرري ليس بغسل)) لكان حاكما ، لكنه كما علمت ليست كذلك.

وهكذا نخرج بنتيجتين : الاولى : ان الحكومة تكون فقط بلحاظ موضوع الدليل المحكوم دون محموله ، وكذلك التخصّص والورود والتخصيص والتقييد.

والثانية : ان دليل ((لا ضرر)) ونحوه مقيّد لا حاكم

٢٦١

موضوعه.

والفارق الآخر : انّ الاتجاه الثاني يفسّر حكومة مثل «لا حرج» و «لا ضرر» و «لا ينجّس الماء ما لا نفس له» لوجود النظر فيها ، وامّا الاتجاه الاوّل فلا يمكنه أن يفسّر الحكومة إلّا فيما كان لسانه لسان نفي الموضوع للدليل الآخر.

التقييد :

إذا جاء دليل مطلق ودليل على التقييد فدليل التقييد على أقسام :

القسم الاوّل : ان يكون دالا على التقييد بعنوانه ، فيكون ناظرا بلسانه التقييدي إلى المطلق ويقدّم عليه باعتباره حاكما ويدخل في القسم المتقدّم (١).

القسم الثاني : ان يكون مفاده ثبوت سنخ الحكم الوارد في الدليل

__________________

(١) لهذا الكلام تفسيران بالنظرة البدوية (الاوّل) ان يكون بمثابة قول القائل «اكرم العلماء المقيّدين بالعدالة» ونحو ذلك ، سواء كان هذا التقييد متصلا أو منفصلا ، و (الثاني) ان يقول «اكرم العلماء واعني بالعلماء المقيدين بالعدالة» ، أو «وهم المقيّدون بالعدالة» أو «وهم العدول منهم» ونحو ذلك ، سواء كان هذا التفسير متصلا ام منفصلا ، امّا الوجه الثاني فهو صحيح بلا خلاف ، وامّا الاوّل فهو غير صحيح ، لأنه يشترط في الحكومة ان يكون فيها تفسير للموضوع يغاير التفسير العرفي ، ولذلك اشترطوا فيها لتوضيح هذا الامر ان يكون تصرّف الحاكم في موضوع الدليل المحكوم بنحو التوسعة او التضييق.

٢٦٢

المطلق للمقيّد ، كما إذا جاء خطاب «اعتق رقبة» ثم خطاب «اعتق رقبة مؤمنة».

وفي هذه الحالة إن لم تعلم وحدة الحكم (١) فلا تعارض ، وإن علمت وحدة الحكم المدلول للخطابين وقع التعارض (*) بين ظهور الاوّل في الاطلاق بقرينة الحكمة وظهور الثاني في احترازية القيود ، وحينئذ فإن كان الخطابان متّصلين (٢) لم ينعقد للاوّل ظهور في

__________________

(١) بأن احتملنا ان يكون التقييد بالايمان استحبابيا مثلا فيكون «اعتق رقبة مؤمنة» حكما ناظرا إلى افضل افراد هذا الحكم فهو يغاير «اعتق رقبة» ولو من جهة.

(٢) كما في قوله تعالى (فمن شهد منكم الشّهر فليصمه ومن كان مريضا)

__________________

(*) الانصاف انه يقع التعارض في حال انفصال المقيّد فقط ، لا في حال الاتصال ، لأنّه في حال الاتصال ينظر المستعمل والسامع الى مجموع الكلام في مرحلة المدلول التصوّري فيتلوّن المطلق في هذه المرحلة بلون الخاص ، ولا سيّما ان اسم الجنس كما مرّ معنا في بحث الاطلاق والتقييد موضوع للطبيعة المهملة القابلة للتقييد تلقائيا في مرحلة التصوّر ، لا إلى كل مفردة بمفردها فنوقع التعارض بينها في مرحلة الاستعمال ، ولما ذكرناه رأينا السيد المصنّف [قدس‌سره] في بحث الحكومة لا يعتقد بوقوع التعارض بين الحاكم والمحكوم في حال الاتصال ، فراجع ص ٢٥٧ ، بل بالتأمّل في الاسطر التالية تعرف عدم اعتقاد سيدنا المصنف رحمه‌الله بوجود تعارض في حال الاتصال هنا أيضا.

وامّا التقييد في مرحلة الارادة الجدية فهو من شأن المجاز ، فانّ القائل حينما يقول : ((حمزة أسد الله)) فان المدلول التصوّري لأسد هنا هو الحيوان المفترس المعروف ، ولكن لم يرد هذا القائل هذا المعنى في مرحلة الارادة الجدية ، انما اراد تشبيهه بأقوى حيوان من حيث قوّته وشجاعته ... فتدبر

٢٦٣

الاطلاق (١) ، لأنّه فرع عدم ذكر ما يدلّ على القيد في الكلام ، والخطاب الآخر المتّصل يدلّ على القيد ، فلا تجري قرينة الحكمة لاثبات الاطلاق ... وإن كان الخطابان منفصلين انعقد الظهور (٢) في كلّ منهما ـ لما تقدّم في بحث الاطلاق من ان الاطلاق ينعقد بمجرّد عدم مجيء القرينة على القيد في شخص الكلام ـ وقدّم الظهور الثاني لأنّه قرينة بدليل اعدامه لظهور (٣) المطلق في فرض الاتصال ، وقد تقدّم انّ البناء العرفي على (٤) ان كلّ ما يهدم اصل الظهور (٥) في الكلام عند اتصاله به

__________________

(أو على سفر فعدّة مّن أيّام أخر) بناء على تفسير «فمن شهد» بمن رأى الهلال فيكون قوله تعالى التالي (ومن كان مريضا أو على سفر) تقييدا متصلا.

(١) تقريب وقوع التعارض في حال الاتصال مبني على النظر في مرحلة المدلول التصوّري إلى كل مفردة بمفردها ، ففي مرحلة التصوّر ينعقد الظهور التصوّري في الاطلاق ، وفي مرحلتي التصديق ينعقد الظهور التصديقي في المقيّد بعد وقوع التعارض ـ في مرحلة المدلول الاستعمالي ـ بين المطلق والمقيّد فيمنع المراد الاستعمالي للمقيّد من انعقاد المراد الاستعمالي للمطلق. فمراده اذن من «الظهور» في قوله «لم ينعقد للأوّل ظهور ...» هو الظهور التصديقي (الاوّل والثاني) ، وهذا هو المراد ايضا من الضمير في قوله «لانه فرع عدم ...».

(٢) اي الظهورات الثلاث.

(٣) اذ على فرض الاتصال تعدم القرينة الظهور التصديقي (الاوّل والثاني) في العام ، وتلوّنهما بلونها الخاص.

(٤) خبر ل «أنّ».

(٥) بناء على النظر في مرحلة المدلول التصوّري الى مجموع الكلام لا إلى

٢٦٤

فهو قرينة عليه في فرض الانفصال ويقدّم بملاك القرينية (*).

__________________

كل مفردة بمفردها يكون المراد ب «أصل الظهور» هنا هي الظهورات الثلاث ، بمعنى ان القرينة المتّصلة تلوّن الظهور التصوّري لكلمة «العالم» مثلا بلونها الخاص في مرحلة المدلول التصوّري ، والبناء العرفي قائم على ان كلّ ما يتصرف في الظهور التصوّري للكلام عند الاتصال به فهو قرينة عليه في فرض الانفصال.

__________________

(*) [أقول] ذكرنا قبل صفحات [ص ٢٥١] عند قولنا ((والثانية : ...)) ما يتعلّق بهذا الامر ، وهنا نقول :

إنّ الامر يختلف بين السامع من الامام عليه‌السلام وغيره ، أمّا السامع فلا شكّ في عدم لزوم فحصه عن القرائن المنفصلة ليتبع قول الامام ، ذلك ان الامام عليه‌السلام لحكمته يعطي السائل المقدار الذي هو محلّ ابتلائه ، وامّا غيره ـ فبما ان الشارع المقدّس عوّدنا على التخصيصات والتقييدات المنفصلة ـ فلا تنعقد الارادة الجدّية التامّة اي لا يمكن لنا ان ندّعي اننا عرفنا مراد الامام الجدّي من خلال كلامه الفلاني حتّى نبحث ولا نجد قرينة منفصلة ، فإذا وجدنا نستكشف ان الامام عليه‌السلام لم يكن بصدد بيان تمام معالم الحكم ، وهذا معنى قولنا بأنّ دليل القيد المنفصل يهدم الظهور التصديقي الجدّي ، ذلك لان قرينة الحكمة بالنسبة لنا ـ لا بالنسبة إلى السامع من الامام عليه‌السلام ـ متقوّمة بعدم ايجادنا لقرائن مخالفة رغم بحثنا. وقد تتعجّب من هذه التفرقة بين السامع وغيره فتقول : أيّ فرق بين أن اكون انا السامع مباشرة من الامام عليه‌السلام وبين ان اسمعه بالواسطة؟!

فنقول : في الواقع لا فرق بين ان تكون انت السامع من الامام مباشرة او غيرك السامع المباشر وانت السامع بالواسطة إن اتّحدت كلّ الظروف ، لكنما قلنا بالتفرقة لاحتمال كون كلام الامام عليه‌السلام ناظرا الى حالته الخاصّة وهي القدر المتيقن في القول بالحجيّة ، وإلّا فلو قلنا حتى بالنسبة إلى هذه الحالة ان جواب الامام عليه‌السلام غير حجّة لاخرجنا الامام عن الحكمة والصدق فضلا عن ان يكون في مقام تبيين الاحكام الواقعية وهذا امر واضح ،

٢٦٥

وهناك اتجاه يقول : إنّ دليل القيد حتّى لو كان منفصلا يهدم اصل الظهور (١) فى المطلق ، وهذا الاتجاه يقوم على الاعتقاد بانّ قرينة الحكمة التى هي اساس الدلالة على الاطلاق متقوّمة بعدم ذكر القيد ولو منفصلا ، وقد تقدّم (٢) في بحث الاطلاق إبطال ذلك.

القسم الثالث : ان يكون مفاده اثبات حكم مضادّ في حصّة من المطلق ، كما إذا جاء خطاب «اعتق رقبة» ثم خطاب «لا تعتق رقبة كافرة» على ان يكون النهي في الخطاب الثاني تكليفيا لا ارشادا إلى مانعيّة الكفر عن تحقّق العتق الواجب (٣) وإلّا دخل في القسم الاوّل.

__________________

(١) اي الظهورات الثلاث.

(٢) في ح ٣ ج ١ ص ٢٥٠ ـ ٢٥١ (ملخّصا) وج ٢ ص ١٢٠ (المحتمل الاوّل) وتعرّض لها في بحوثه ج ٧ ص ١٨١ ، والسيد البجنوردي في منتهى اصوله ج ٢ ص ٥٧٨.

(٣) لانّ معناه ـ بناء على الارشادية ـ سيكون ان عتق الرقبة الكافرة ليس

__________________

وامّا بالنسبة إلى غير السامع فقد عوّدنا الائمة [عليهم‌السلام] التدرّج في إظهار الاحكام الشرعيّة حتّى قيل ((ما من عام إلّا وقد خصّ)) وحتّى صار المتشرّعة يبحثون في المراجع الروائية قبل أن يفتوا بفتوى ما ، واحتملوا في سبب هذا الانفصال في القرائن احتمالات كثيرة ١ ، ولهذا قلنا انه من شرائط قرينة الحكمة ـ بالنسبة إلى غير السامعين ـ عدم العلم بوجود قرائن منفصلة رغم البحث المتعارف عند المتشرّعة ، والمظنون قويّا انّ هذا هو مراد المحقّق القمي في قوانينه ٢.

__________________

(١) راجع بحوث السيد الشهيد ج ٧ ص ٢٨ ـ ٤١.

(٢) راجع اصول فقه المظفر ج ٣ ص ١٥٣ فما بعد ، ومصباح السيد الخوئي ص ٣٥ ج ٢ ص ١١٨.

٢٦٦

وهذا القسم يختلف عن القسم السابق في انّ التعارض هنا محقّق على ايّ حال بلا حاجة إلى افتراض من الخارج ، بخلاف القسم السابق فانه يحتاج الى افتراض العلم من الخارج بوحدة الحكم (* ١). ويتّفق القسمان في حكم التعارض بعد حصوله اذ يقدّم المقيّد على المطلق في كلا القسمين بنفس الملاك السابق (١).

__________________

فيكون حينئذ حاكما.

(١) وهو ان دليل حجّية الظهور مقيّد بعدم ايجاد قرينة على الخلاف.

__________________

(* ١) حقّ العبارة أن تكون كالتالي : ... بلا حاجة الى افتراض العلم من الخارج بوحدة الحكم [للعلم بأنهما متغايران لكون احدهما سلبيا والآخر ايجابيا] ، بخلاف القسم السابق فانه يحتاج الى افتراض العلم من الخارج بوحدته.

٢٦٧

التخصيص (*) :

اذا ورد عام ـ يدلّ على العموم بالأداة ـ وخاصّ جرت نفس الاقسام السابقة للمقيّد هنا أيضا ، لأن هذا الخاصّ تارة يكون ناظرا الى العام (١) ،

__________________

(١) كما اذا ورد اكرم جميع العلماء ، ومرادنا من العلماء المجتهدون ، سواء قال كلمة «ومرادنا ...» متصلة أو منفصلة.

__________________

(*) لا بأس بتذكير الاخوة بالفرق بين التخصيص والتخصّص ، فانه قد يقال بانّ الاوّل هو الخروج الحكمي والثاني هو الخروج الموضوعي.

[ولكن] هذا الفرق بهذا البيان غير صحيح ، فانّ التخصيص هو أيضا خروج موضوعي من جهة ، سواء كان التخصيص متصلا أو منفصلا ، فلو قال الشارع المقدّس ((اكرم العلماء)) ثم قال ـ متصلا أو منفصلا ـ إلّا الفسّاق منهم)) او ((لا تكرم فسّاق العلماء)) فانّه في الحقيقة يستثني الفسّاق من العلماء ، فهو خروج موضوعي.

[اذن] ما هو الفرق الدقيق بينهما؟

فنقول : ان الفسّاق في حالة التخصيص هم علماء فهم داخلون في الموضوع العام ، وامّا ما ورد في آية (وإذ قلنا للملئكة اسجدوا لأدم فسجدوا إلّآ إبليس) من استثناء ابليس فهو خارج من الاصل عن الملائكة فهو تخصّص.

فالنتيجة أنّ كلا من التخصيص والتخصّص هو خروج موضوعي الّا أن الاوّل داخل في موضوعه العام والثاني خارج منه بالكليّة.

(فائدة) انّه في التخصيص يكون عادة عنوان العام ـ كالعلماء في المثال السابق ـ علّة في الحكم فاذا ورد تخصيص نعلم أنّ عنوان العام كان مقتضيا للحكم وعنوان الخاص كان مانعا من أن يؤثّر المقتضي أثره ، ولهذا البيان أثر مهم جدّا يترتّب عليه صحّة التمسّك بالعام في الشبهة المفهوميّة ، فانتظر.

٢٦٨

وأخرى يكون متكفّلا لاثبات سنخ حكم العام ولكن في دائرة أخصّ ، كما اذا قيل «اكرم كلّ فقير» وقيل «اكرم الفقير العادل» (١) ، وثالثة يكون الخاص متكفّلا لاثبات نقيض حكم العام أو ضدّه لبعض حصص العام كما اذا قيل «اكرم كلّ عالم» وقيل «لا يجب اكرام النحوي» أو «لا تكرم النحوي» (٢).

ولا شك في أن الخاصّ من القسم الاوّل يعتبر حاكما (٣) ويقدّم بالحكومة على عموم العام (٤).

وأمّا الخاصّ من القسم الثاني فمع عدم احراز وحدة الحكم (٥) لا تعارض ، ومع احرازها يكون الخاص معارضا للعموم (٦) هنا كما كان

__________________

(١) فانه قد يقال هنا بأن الخاص «اكرم الفقير العادل» قد حدّد متعلّق وجوب الاكرام في خصوص الفقير العادل ، وسيأتيك بعد أسطر توضيح ذلك.

(٢) فانّ قول القائل «لا يجب» نقيض «يجب» لكون أحدهما وجوديا والثاني عدمه .. أمّا «اكرم» و «لا تكرم» فانهما حكمان وجوديان عرضيان متغايران لا يوجدان في موضوع واحد ، ولذلك فهما متضادّان ...

(٣) سواء كان الخاص متّصلا أو منفصلا.

(٤) بالتوضيح السابق ومثاله «كلّ ربا حرام» و «لا ربا بين الوالد وولده». فانه من جهة لسانه حاكم ومن حيث النتيجة مخصّص.

(٥) كأن يكون وجوب اكرام الفقير العادل وجوبا آكد في اللوح المحفوظ من وجوب اكرام غيره ، فلا يقع تعارض ح بين الوجوبين لامكان الجمع بينهما بنحو الآكدية مثلا.

(٦) سواء كان المخصّص متصلا أم منفصلا ، فراجع القسم الثاني من التقييد.

٢٦٩

المقيّد في نظير ذلك معارضا للاطلاق فيما تقدّم.

وأمّا الخاص من القسم الثالث فلا شك في أنه معارض للعموم.

وعلى أيّ حال فلا خلاف في تقدّم الخاص على العام عند وقوع المعارضة بينهما ، فان كان الخاصّ متصلا لم يسمح بانعقاد ظهور تصديقي (١) للعام في العموم ، وان كان منفصلا اعتبر قرينة على تخصيصه فيخرج ظهور العام عن موضوع دليل الحجّية (٢) لوجود قرينة على خلافه ، وهذا على العموم (٣) ممّا لا خلاف فيه وإنما الخلاف في نقطة وهي ان قرينية الخاص على التخصيص هل هي بملاك الاخصيّة مباشرة أو بملاك انه اقوى الدليلين ظهورا ، فانّ ظهور الخاص في الشمول لمورده اقوى دائما من ظهور العام في الشمول له ، وتظهر الثمرة فيما اذا كان استخراج الحكم من الدليل الخاص موقوفا على ملاحظة ظهور آخر غير ظهوره في الشمول المذكور اذ قد لا يكون ذلك الظهور الآخر أقوى ، ومثاله ان يرد «لا يجب اكرام الفقراء» ويرد «اكرم الفقير القانع» فانّ تخصيص العام يتوقف على مجموع ظهورين في الخاص احدهما الشمول لمورده والآخر

__________________

(١) لا استعمالي ولا جدّي ، وذلك لأنه يريد المعنى الخاص في هاتين المرحلتين.

(٢) أي تسقط حجيّته ـ لا مدلوله التصديقي الجدّي على ما ذكر سابقا ـ ، فانّ دليل حجيّة الظهور مفاده «ان لم يوجد قرينة على خلاف الظهور فالظهور حجّة» فموضوع دليل حجّية الظهور هو عدم وجود قرينة على خلاف الظهور» ، ولكن قد ورد قرينة على خلاف ظهور العام ، اذن ليس ظهور العام حجّة.

(٣) يقصد «على الاجمال».

٢٧٠

كون صيغة الامر فيه بمعنى الوجوب ، والأوّل (١) وان كان أقوى من ظهور العام في العموم (*) ولكن قد لا يكون الثاني كذلك.

والصحيح أنّ الأخصيّة بنفسها ملاك للقرينيّة عرفا بدليل انّ اي خاص نفترضه لو تصوّرناه متصلا بالعام لهدم ظهوره التصديقي من الاساس وهذا كاشف عن القرينية كما تقدّم.

وهذا لا ينافي التسليم ايضا بأن الاظهر اذا كانت أظهريّته واضحة عرفا يعتبر قرينة أيضا وفي حالة تعارضه مع الظاهر يجمع بينهما عرفا بتحكيم الاظهر على الظاهر وفقا لنظريّة الجمع العرفي العامّة.

ثم إن المراد بالاخصيّة التي هي ملاك القرينية الاخصيّة عند المقارنة بين مفادي الدليلين في مرحلة الدلالة والافادة لا الاخصيّة عند المقارنة بين مفاديهما في مرحلة الحجيّة ، وتوضيح ذلك انّه اذا ورد عامّان متعارضان من قبيل «يجب اكرام الفقراء» و «لا يجب اكرام الفقراء» وورد

__________________

(١) وهو شمول «الفقير القانع» لجميع افراده ، والثاني هو ظهور صيغة الأمر ـ مع التصريح بعدم وجوب اكرام الفقراء ـ في الوجوب ، فانّ فيه شكّا او ظهورا ضعيفا.

__________________

(*) هذا مما لا يمكن المساعدة عليه ، للفرق بين الاقوائية في الظهور والأخصيّة ، وفي المثال شمول ((الفقراء)) لكل افراد الفقراء اقوى من شمول ((الفقير القانع)) لصنف الفقراء القانعين ، ذلك لانّ دلالة الاوّل بالوضع ودلالة الثاني بقرينة الحكمة ، أمّا كلمة ((القانع)) فلا تتدخل في اقوائية الظهور ، فليست هي بمثابة ((كل)) مثلا ، وانما دورها تخصيص وتحديد دائرة الفقراء الواجبي الاكرام. ومن هنا حينما نقدّم الخاص على العام لا نقدّمه لاقوائية ظهوره وانّما نقدّمه لاخصيّته.

٢٧١

مخصّص على العام الاوّل يقول «لا يجب اكرام الفقير الفاسق» ، فهذا المخصّص تارة نفرضه متّصلا بالعام واخرى نفرض انفصاله.

ففي الحالة الاولى يصبح سببا في هدم ظهور العام في العموم وحصر ظهوره التصديقي في غير الفسّاق ، وبهذا يصبح اخصّ مطلقا من العام الثاني ، وفي مثل ذلك لا شك في التخصيص به.

وأمّا في الحالة الثانية فظهور العام الاوّل في العموم منعقد ولكن الخاص قرينة موجبة لسقوطه عن الحجيّة بقدر ما يقتضيه ، وحينئذ فان نظرنا الى هذا العام والعام الآخر المعارض له من زاوية المدلولين اللفظيين لهما في مرحلة الدلالة فهما متساويان ليس احدهما اخصّ من الآخر ، وان نظرنا الى العامّين من زاوية مدلوليهما في مرحلة الحجيّة وجدنا انّ العام الاوّل اخصّ من العام الثاني لانّه بما هو حجّة لم يعد يشمل كل أقسام الفقراء فبينما كان مساويا للعام الآخر انقلب الى الاخصّ.

وقد ذهب المحقق النائيني الى الأخذ بالنظرة الثانية وسمّى ذلك بانقلاب النسبة ، بينما أخذ صاحب الكفاية بالنظرة الاولى (١). واستدلّ الأوّل على انقلاب النسبة بانّا حينما نعارض العام الثاني بالعامّ الأوّل يجب أن ندخل في المعارضة غير ما فرغنا عن سقوط حجيّته من دلالة ذلك العام ، لانّ ما سقطت حجّيته لا معنى لئن يكون معارضا.

__________________

(١) راجع اجود التقريرات ج ٢ ص ٥١٨ (السابع) ، ومصباح الاصول ج ٣ ص ٣٨٦ ، وتقريرات السيد الهاشمي ج ٧ ص ٢٨٨.

٢٧٢

ونلاحظ على هذا الاستدلال ان المعارضة وان كانت من شأن الدلالة التي لم تسقط بعد عن الحجيّة ولكن هذا أمر وتحديد ملاك القرينية (١) أمر آخر ، لانّ القرينيّة تمثّل بناء عرفيا على تقديم الأخص وليس من الضروري ان يراد بالاخصّ هنا الاخصّ من الدائرتين الداخلتين في مجال المعارضة بل بالامكان ان يراد الاخصّ مدلولا في نفسه منهما فالدليل الاخصّ مدلولا في نفسه تكون اخصّيته سببا في تقديم المقدار الداخل منه في المعارضة على معارضه ، بل هذا هو المطابق للمرتكزات العرفية ، لانّ النكتة في جعل الاخصيّة قرينة هي ما تسببه الاخصيّة عادة من قوة الدلالة ، ومن الواضح أنّ قوة الدلالة انما تحصل من الأخصّيّة مدلولا ، وامّا مجرّد سقوط حجيّة العام الاوّل في بعض مدلوله فلا يجعل دلالته في وضوح شمولها للبعض الآخر على حدّ خاصّ يرد فيه مباشرة ، فالصحيح ما ذهب إليه صاحب الكفاية.

__________________

(١) التي هي الأخصيّة.

(على أي حال) فمراده من هذه الملاحظة أن يقول : ان العرف يرون ان المناط في تقديم الخاص على العام هي الأخصيّة في مرحلة الدلالة ـ دون مرحلة الحجية ـ بلا فرق بين ما لو كان التخصيص بسيطا كما في «أكرم العلماء» و «لا تكرم فساق العلماء» أو معقّدا كما في مسألتنا التي نحن فيها. (ومن هنا) يستغنى عن الصور التي ذكرها بعض العلماء في انقلاب النسبة كالمحقق النائيني والسيد البجنوردي (رحمهما‌الله).

٢٧٣

٣ ـ أحكام عامّة للجمع العرفي :

للجمع العرفي باقسامه احكام عامّة نذكر فيما يلي جملة منها :

١ ـ لا بدّ لكي يعقل الجمع العرفي ان يكون الدليلان المتعارضان لفظيين أو ما بحكمهما (١) وصادرين من متكلم واحد او جهة واحدة (٢) ، وذلك لان ملاك الجمع العرفي كما تقدّم هو اعداد احد الدليلين لتفسير الآخر إعدادا شخصيا او نوعيا ، وهذا انما يصحّ في الكلام (٣) وعلى ان يكون المصدر واحدا ليفسّر بعض كلامه بالبعض الآخر.

٢ ـ وايضا انما يصحّ الجمع العرفي إذا لم يوجد علم اجمالي بعدم صدور احد الكلامين من الشارع ، إذ في هذه الحالة يكون التعارض في الحقيقة بين السندين لا بين الدلالتين ، والجمع العرفي علاج للتعارض بين الدلالتين لا بين السندين.

٣ ـ ولا يخلو الكلامان اللذان يراد تطبيق الجمع العرفي عليهما من إحدى اربع حالات :

الاولى : ان يكون صدور كلّ منهما قطعيا (٤) ، وفي مثل ذلك لا يترقّب سريان التعارض إلّا الى دليل حجيّة الظهور (٥) ، والمفروض انه

__________________

(١) كالكتبيّين.

(٢) كالمعصومين عليهم الصلاة والسلام.

(٣) ونحوه كالكتابة.

(٤) كأن يكونا آيتين او روايتين متواترتين مثلا.

(٥) دليل حجيّة الظهور هو مثلا «الظهور حجّة» ، ففي هذه الحالة الاولى نسأل دليل حجيّة الظهور هذا بقولنا : ما هو موقفك في هكذا حالة؟

٢٧٤

لا يشمل ذا القرينة مع وجود القرينة ، وبذلك يتمّ الجمع العرفي.

الثانية : ان يكون صدور كل منهما غير قطعي ، وانما يثبت بالتعبّد وبدليل حجيّة السند مثلا ، كما في أخبار الآحاد ، وفي مثل ذلك لا يسري التعارض (١) ايضا لا إلى دليل حجيّة الظهور ولا إلى دليل حجيّة السند ، امّا الاوّل فلما تقدّم (٢) ، واما الثاني (٣) فلأنّ مفاد دليل التعبّد بالسند [هو] الأخذ بالمفاد العرفي الذي تعيّنه قواعد المحاورة العرفية لكل من المنقولين ، فإذا انحلّ الموقف على مستوى دليل حجيّة الظهور وعدّل مفاد ذي القرينة على نحو اصبح المفاد العرفي النهائي للدليلين منسجما لم يعد [يوجد] مانع من شمول دليل التعبد بالسند لكلّ منهما استطراقا (٤) إلى ثبوت المدلول النهائي لهما.

الثالثة : ان يكون صدور القرينة قطعيا وصدور ذي القرينة مرهونا بدليل التعبد بالسند ، والامر فيه يتّضح مما تقدّم في الحالة السابقة ، فانه لا مانع من شمول دليل التعبّد بالسند لذي القرينة استطراقا إلى اثبات مدلوله المعدّل حسب قواعد المحاورة العرفية والجمع العرفي.

__________________

فيجيبنا انني لا اعطي الحجيّة لظهور ذي القرينة مع وجود قرينة توضح المراد ، وانما اعطي الحجيّة للظهور الناتج بعد الجمع العرفي بينهما.

(١) اي المستقرّ.

(٢) في الحالة الاولى من أن دليل حجيّة الظهور يعطي الحجيّة للظهور الناتج بعد الجمع العرفي ، فلا يسري التعارض إلى دليل حجيّة الظهور.

(٣) وهو عدم سريان التعارض إلى دليل حجيّة السند.

(٤) اي لفتح الباب امام حجيّة المدلول النهائي لهما سندا أيضا.

٢٧٥

الرابعة (١) : ان يكون صدور القرينة مرهونا بدليل التعبّد بالسند وصدور ذي القرينة قطعيا ، وفي هذه الحالة قد يقال بانّ ظهور ذي القرينة باعتباره امارة (٢) لا يعارض ظهور القرينة بالذات ليقال بتقدّم ظهور القرينة عليه بالجمع العرفي ، بل هو يعارض المجموع المركّب من امرين هما ظهور القرينة وسندها ، إذ يكفي في بقاء ظهور ذي القرينة ان يكون احد هذين الامرين خاطئا ، وعليه فما هو المبرّر لتقديم القرينة الظنية السند في هذه الحالة؟ ومجرّد ان احد الامرين المذكورين له حق التقدّم (٣) وهو ظهور القرينة لا يستوجب حقّ التقدّم لمجموع الامرين. وإن شئت قلت : ان شمول دليل حجية الظهور لذي القرينة وإن كان لا يعارض شموله لظهور القرينة (٤) ولكنه يعارض شمول دليل التعبّد بالسند لسند القرينة ، ومن هنا استشكل في تخصيص العام الكتابي بخبر الواحد ، (ويقال في الجواب) على ذلك : إن دليل حجية الظهور قد أخذ في موضوعه عدم صدور القرينة على الخلاف ، ودليل التعبّد بسند القرينة يثبت صدور

__________________

(١) يريد ان يقول هنا انه إذا كانت القرينة تعبديّة ـ كخبر الثقة مثلا ـ وكانت ذي القرينة قطعية الصدور ـ كآية أو رواية متواترة ـ فانه قد يقال بعدم تقدّم القرينة هنا على ذي القرينة لانها تعارضها ظهورا واضعف منها سندا ، فانّ القطع بصدور ذي القرينة يعارض شمول دليل حجيّة السند لسند القرينة التعبّدية.

(٢) قطعية الصدور.

(٣) بالعنوان الاوّلي. (ملاحظة) في النسخة الاصلية «التقديم» ، وما ذكرناه أولى ، وكذا ما بعدها.

(٤) لفرض امكان الجمع بين الظهورين.

٢٧٦

القرينة على الخلاف فهو حاكم على دليل حجية الظهور لانه يثبت تعبّدا انتفاء موضوعه (١) فيقدّم عليه بالحكومة. (نعم) هناك ملاك آخر للاستشكال في تخصيص العام الكتابي بخبر الواحد وهو امكان دعوى القصور في دليل التعبّد بالسند للشمول لخبر مخالف للعام القطعي الكتابي ، لان أدلّة حجية خبر الواحد مقيّدة بأن لا يكون الخبر مخالفا للكتاب ، وسيأتي الكلام عن ذلك إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) اي موضوع دليل حجية الظهور. (بيان ذلك) إن ما يفهم من دليل حجيّة الظهور انه «إن لم يأت قرينة مخالفة للظهور فهذا الظهور حجة» ، والمفروض انّ دليل حجية السند ـ كآية النبأ مثلا ـ قد تعبّدنا بمجيء قرينة مخالفة للظهور ، فالنتيجة اذن ان دليل التعبّد بالسند حاكم(*) على دليل حجيّة الظهور ...

__________________

(*) بل هو وارد ، على ما عرفت من تعريف الوارد من إنه يثبت او يلغي موضوع الدليل الآخر ، وأمّا الحاكم فهو المفسّر ....

٢٧٧

٤ ـ نتائج الجمع العرفي بالنسبة إلى الدليل المغلوب :

لا شك في ان كل ما يحرز شمول القرينة له من الافراد التي كانت داخلة في نطاق ذي القرينة لا بدّ من تحكيم ظهور القرينة فيها وطرح الدلالة الاوّلية لذي القرينة بشأنها تطبيقا لنظرية الجمع العرفي ، كما ان ما يحرز عدم شمول القرينة له من تلك الافراد يبقى في نطاق ذي القرينة ويطبّق عليه مفاده.

وأمّا ما يشك في شمول القرينة له من الافراد فهو على اقسام :

القسم الاوّل : ان يكون الشك في الشمول ناشئا من شبهة مصداقية للعنوان المأخوذ في دليل القرينة يشك بموجبها في ان هذا الفرد هل هو مصداق لذلك العنوان أو لا ، كما إذا ورد «اكرم كل فقير» وورد «لا تكرم فسّاق الفقراء» وشك في فسق زيد للجهل بحاله (١) فيشك حينئذ في شمول المخصّص له ، فما هو الموقف تجاه ذلك؟

وتوجد اجابتان على هذا السؤال :

الاولى : ان هذا الفرد يعلم بانه مصداق للعام للقطع بفقره ، فدلالة العام على وجوب اكرامه محرزة ، ودلالة المخصّص على خلاف ذلك غير محرزة لعدم العلم بانطباق عنوان المخصّص عليه ، وكلّما احرزنا دلالة معتبرة في نفسها ولم نحرز دلالة على خلافها وجب الاخذ بها ، وهذا هو معنى التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية.

__________________

(١) من الاصل بعد العلم بكونه فقيرا.

٢٧٨

والاجابة الثانية : ترفض التمسّك بالعام لاننا (١) إن اردنا ان نثبت وجوب اكرام زيد على تقدير عدم فسقه فهذا واضح وصحيح ، ولكن لا يثبت الوجوب فعلا للشك في التقدير المذكور ، وإن اردنا ان نثبت وجوب اكرامه حتى لو كان فاسقا فهذا ما نحرز وجود دلالة أقوى على خلافه وهي دلالة القرينة ، وإن اردنا ان نثبت الوجوب الفعلي للاكرام لاجل تحقق كل ما له دخل في الوجوب بما في ذلك عدم الفسق فهذا متعذّر ، لأن الدليل مفاده الجعل لا فعلية المجعول (٢) ، وهذا هو الصحيح.

القسم الثاني : ان يكون الشك في الشمول ناشئا من شبهة مفهومية في العنوان المأخوذ في دليل القرينة ، كما إذا تردّد عنوان الفاسق مفهوما في المثال السابق بين مطلق المذنب ومرتكب الكبيرة خاصّة ، فيشك حينئذ في شمول دليل القرينة لمرتكب الصغيرة ، وفي مثل ذلك يصحّ التمسّك بالعام لاثبات وجوب اكرام مرتكب الصغيرة ، لان دلالة العام على حكمه معلومة ووجود دلالة في المخصص على خلاف ذلك غير محرز (٣).

__________________

(١) في النسخة الاصلية قال «لاننا بالعام إن ...» والاولى حذف كلمة «بالعام».

(٢) بمعنى ان الخاص ـ كالعام ـ ناظر إلى مرحلة الجعل ، فهو يقول مثلا «لا تكرم فسّاق الفقراء» ولا ينظر إلى الافراد الخارجية ليحدّد ان هذا فاسق وذاك عادل ، ولذلك فهو لا يفيدنا فعلية الحكم ولا ينجّزه علينا.

(٣) فيتنجّز من الخاص خصوص القدر المتيقّن وهو عدم وجوب اكرام خصوص مرتكبي الكبائر ، فكأنّه ورد «لا تكرم مرتكبي الكبائر» ، ولا

٢٧٩

(فان قيل) ألا يأتي هنا نفس ما ذكر في الاجابة الثانية في القسم الاوّل لابطال التمسّك بالعام؟

(كان الجواب) ان ذلك لا يأتي ، ويتّضح ذلك بعد بيان مقدّمة وهي أن المخصّص القائل «لا تكرم فسّاق الفقراء» يكشف عن دخالة قيد في موضوع وجوب الاكرام زائد على الفقر ، غير ان هذا القيد ليس هو ان لا يسمّى الفقير فاسقا ، فان التسمية بما هي ليس لها اثر اثباتا ونفيا ، ولهذا لو تغيّرت اللغة ودلالاتها لما تغيّرت الاحكام ، بل القيد هو ان لا تتواجد فيه الصفة الواقعية للفاسق سواء سمّيناه فاسقا او لا ، وتلك الصفة الواقعية مردّدة بحسب الفرض بين ارتكاب مطلق الذنب او ارتكاب الكبائر خاصّة ، وحيث ان ارتكاب الكبائر هو المتيقّن فنحن نقطع بأن عدم ارتكابها قيد دخيل في موضوع الحكم بالوجوب ، وامّا عدم ارتكاب الصغيرة فنشك في كونه قيدا فيه.

وهكذا نعرف ان هناك ثلاثة عناوين : احدها نقطع بعدم كونه قيدا في الوجوب وهو عدم التسمية باسم الفاسق (١) ، والآخر نقطع بكونه قيدا فيه وهو عدم ارتكاب الكبيرة ، والثالث نشك في قيديّته وهو عدم ارتكاب الصغيرة.

إذا اتّضحت هذه المقدّمة فنقول ان العام في نفسه يثبت وجوب اكرام

__________________

يعلم حال مرتكبي الصغائر فكأنّه لم يرد فيهم حكم اصلا ، فيرجع فيهم إلى عموم «الفقراء».

(١) لان التسمية ليس لها دخل في موضوع الحكم.

٢٨٠