دروس في علم الأصول - ج ٤

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر

دروس في علم الأصول - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر


المحقق: الشيخ ناجي طالب آل فقيه العاملي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧١

* وأمّا النقطة الثانية :

فقد ذكر المحقق النائيني رحمه‌الله (١) ان الموضوع تارة يكون مركّبا من العرض ومحلّه كالانسان العادل (٢) ، واخرى مركّبا من عدم العرض ومحلّه كعدم القرشيّة والمرأة (٣) ، وثالثة مركّبا على نحو آخر كالعرضين لمحلّ واحد مثل الاجتهاد والعدالة في المفتي (٤) ، او العرضين لمحلين كموت الاب واسلام الابن (٥). ففي الحالة الاولى يكون التقيّد مأخوذا لأنّ العرض يلحظ بما هو وصف لمحله ومعروضه وحالة قائمة به ، فالاستصحاب يجري في نفس التقيّد إذا كان له حالة سابقة. وفي الحالة الثانية يكون تقيّد المحل بعدم العرض ماخوذا في الموضوع ، لان عدم العرض إذا اخذ مع موضوع ذلك العرض لوحظ بما هو نعت ووصف له

__________________

وذلك لان هذا تلاعب بالألفاظ الذي لا يغيّر من الحقيقة شيئا ولا يغيّر من توقّف الحرمة على كون المائع عصير العنب وعلى غليانه ، وهكذا الامر هنا فان «موت الاب» و «عدم اسلام الابن حين موت ابيه» جزءان لموضوع عدم ارث الابن ، هكذا جعل الله عزوجل الحكم ، وليس الحكم هو انه «إن لم يسلم الابن حين موت ابيه فلا يرثه على فرض موت الاب» ليستصحب موضوع الحكم وهو «عدم اسلام الابن حين موت أبيه».

(١) ذكر هذا الكلام في أجود التقريرات ج ٢ ص ٤٢٣.

(٢) في قولنا مثلا «إذا كان الانسان عادلا فاكرمه».

(٣) كفتوى المشهور «إن لم تكن المرأة قرشية فانها تحيض إلى سن الخمسين فقط».

(٤) اي «إذا كان الشخص مجتهدا وعادلا جاز افتاؤه».

(٥) كما في «إذا مات الاب وكان ابنه ـ حين موت الاب ـ مسلما ورثه».

٢٠١

وهو ما يسمّى بالعدم النعتي ـ تمييزا له عن العدم المحموليّ (١) الذي يلاحظ فيه العدم بما هو ـ ويترتب على ذلك ان الاستصحاب إنما يجري في نفس التقيّد و (٢) العدم النعتي لانه الدخيل في موضوع الحكم ، فإذا لم يكن العدم النعتي واجدا لركني اليقين والشك (٣) وكان الركنان متوفرين في

__________________

(١) العدم المحمولي هو العدم الماخوذ في المحمول مثل «معدوم» في قولنا «شريك الباري معدوم» ، والعدم النعتي مثل «غير القرشية» في قولنا «المرأة غير القرشية تحيض لسنّ الخمسين فقط» ، والعدم الازلي هو العدم منذ الازل مثل «لا يوجد للباري شريك منذ الازل» ، والعدم الازلي هو عدم محمولي ايضا كما تبيّن لك ذلك من المثال السابق (شريك الباري معدوم منذ الازل).

(٢) لعلّ الاولى تبديل الواو هذه ـ المراد منها العطف التفسيري ـ بالباء ، وذلك لعدم صحّة عطف المعنى الاسمي على المعنى الحرفي وهو التقيّد ، وللتغاير بين كون المستصحب هو التقيّد وان يكون هو العدم النعتي.

(بيان) هذه الحالة الثانية باختصار انه إذا كان الحكم مترتبا على عدم نعتي من قبيل «إن لم تكن المرأة قرشية كان حيضها إلى سن الخمسين فقط» لم يجر استصحاب التقيّد بهذا العدم النعتي وذلك لعدم وجود حالة سابقة لهذا العدم النعتي ليستصحب لانه لم يكن المنعوت موجودا من الاصل ، فلا نعت.

وإن اردت استصحاب «عدم قرشيّة المرأة» بنحو العدم المحمولي لم يصحّ أيضا هذا الاستصحاب وذلك لعدم ترتب الاثر على العدم المحمولي وانما هو مترتب ـ كما عرفت في المثال المفروض ـ على العدم النعتي.

(٣) وهو كذلك ، فان ركني الاستصحاب الاوّلين غير متوفّرين هنا ليجري

٢٠٢

العدم المحمولي لم يجر استصحابه ، لان العدم المحمولي لا اثر شرعي له بحسب الفرض. ومن هنا ذهب المحقق النائيني إلى عدم جريان استصحاب عدم العرض المتيقّن قبل وجود الموضوع ـ ويسمّى باستصحاب العدم الازلي ـ ، فإذا شك في نسب المرأة وقرشيّتها لم يجر استصحاب عدم قرشيّتها الثابت قبل وجودها ، لان هذا عدم محمولي وليس عدما نعتيّا ، إذ ان العدم النعتي وصف ، والوصف لا يثبت إلّا عند ثبوت الموصوف (١) ، فإذا اريد اجراء استصحاب العدم المحمولي لترتيب الحكم عليه مباشرة فهو متعذّر ، لان الحكم مترتّب بحسب الفرض على العدم النعتي لا المحمولي ، وإذا اريد بذلك إثبات العدم النعتي ـ لان استمرار العدم المحمولي بعد وجود المرأة ملازم للعدم النعتي ـ فهذا اصل مثبت (٢).

__________________

الاستصحاب ، وذلك لعدم وجود يقين سابق بعدم قرشية المرأة المعيّنة بالعدم النعتي وذلك لعدم وجود هذه المرأة قبل ولادة ابيها ، ولعدم الشك في بقاء واستمرار «عدم قرشيّتها» إلى ما بعد وجودها ، بل هي حينما وجدت وجدت إمّا قرشيّة وامّا غير قرشيّة.

(١) كما في استصحاب «عدم الفسق» من زمان صغره ، فانه يصحّ لوجود الانسان في زمان صغره.

(٢) بيان ذلك : إنك إذا أردت من استصحاب العدم المحمولي ـ الذي هو «ليست قرشية» في قولنا «المرأة قبل وجودها ليست قرشية» ـ إثبات العدم النعتي ـ الذي هو «غير القرشية» في قولنا «المرأة غير القرشية تحيض إلى سنّ الخمسين فقط» ـ فهذا اصل مثبت ، وذلك لأنّ استصحاب العدم المحمولي ينتج انه لا وجود لقرشيّة في الخارج ، ولازم ذلك انه إذا وجد امرأة في الخارج فيتحقق عنوان «المرأة غير القرشية» وهو الموضوع للحكم بحيضها إلى سن الخمسين

٢٠٣

وامّا في الحالة الثالثة فلا موجب لافتراض أخذ التقيّد واتصاف احد جزئي الموضوع بالآخر ، لان احدهما ليس محلا وموضوعا للآخر ، بل بالامكان ان يفرض ترتّب الحكم على ذات الجزءين ، وفي مثل ذلك يجري استصحاب الجزء لتوفّر الشرط الاوّل (١).

__________________

(بيان ذلك) : ان استصحاب العدم المحمولي ينتج «عدم وجود امرأة قرشية» ، وهذا كما هو واضح لا يثبت أثرا شرعيا ـ وهو كون ما يأتي المرأة بعد سنّ الخمسين استحاضة وليس حيضا ـ ، لأنّ هذا الاستصحاب يحرز عدم ثبوت الموضوع ، والموضوع الذي يترتّب عليه الاثر ايجابي هو كون المرأة عامية او غير قرشية ، وبتعبير آخر : ان استصحاب العدم المحمولي يحرز عدم وجود امرأة قرشيّة ، هذا العنوان يلازم عنوان كون المرأة التي وجدت عامية او قل غير قرشية ، وبما ان الاثر الشرعي يترتّب على العنوان الثاني فسوف يكون الاستصحاب الذي يثبت هذا العنوان الثاني (وهو عنوان كون المرأة التي وجدت عامية) بواسطة اثباته للازمه (الذي هو عدم وجود امرأة قرشية) أصلا مثبتا.

(١) الشرط الاوّل هو ترتب الحكم على ذوات الاجزاء ، مثالها : إذا مات الاب وكان الابن عند ذلك مسلما ورثه ، ففي مثل ذلك يجري استصحاب عدم اسلام الابن الى حين وفاة أبيه للعلم بترتّب الحكم على ذوات الأجزاء ، فانّ المفروض أن الدليل يقول «اذا مات الاب وكان ابنه ـ حين موت الاب ـ مسلما ورثه» او يقول «اذا كان الشخص عادلا ومجتهدا جاز افتاؤه» وهما صريحان في ترتّب الحكم على هذه الاجزاء المذكورة.

(وإذا) تأمّلت في الحالات الثلاثة ترى ان الحكم لم يكن مترتّبا على ذوات الاجزاء إلّا في هذه الحالة الثالثة.

٢٠٤

هذا موجز عمّا افاده المحقق النائيني رحمه‌الله نكتفي به على مستوى هذه الحلقة تاركين التفاصيل والمناقشات إلى مستوى أعلى من هذه الدراسة.

* وأمّا النقطة الثالثة :

فتوضيح الحال فيها ان الجزء الذي يراد إجراء الاستصحاب فيه تارة يكون معلوم الثبوت سابقا ويشك في بقائه إلى حين اجراء الاستصحاب (١) ، واخرى يكون معلوم الثبوت سابقا ويعلم بارتفاعه فعلا ولكن يشك في بقائه في فترة سابقة هي فترة تواجد الجزء الآخر من الموضوع ، ومثاله (٢) الحكم بانفعال الماء فان موضوعه مركّب من

__________________

(١) كما اذا شككت في نجاسة ثوب بعد ما كان طاهرا فانّك تستصحب طهارته

(٢) بيان هذا المثال :

بنحو لم نعلم بتاريخ الملاقاة وهل انها حصلت عند قلّة الماء لينجس او عند كرّيته فيبقى على طهارته ، فهل يمكن استصحاب عدم الكرّية الى زمان الملاقاة رغم علمنا الدقيق بتاريخ تحوّله الى كرّ؟! وبتعبير اصولي هل يمكن استصحاب عدم الكرّية بلحاظ الزمان النسبي أي بلحاظ زمان حصول الملاقاة (أي مع غض النظر عن عمود الزمان وهل ان الملاقاة وقعت الساعة الواحدة أو الثانية)؟!

٢٠٥

ملاقات النجس للماء وعدم كرّيته ، فنفترض ان الماء كان مسبوقا بعدم الكرّية ويعلم الآن بتبدّل هذا العدم وصيرورته كرّا ، ولكن يحتمل بقاء عدم الكريّة في فترة سابقة هي فترة حصول ملاقات النجس لذلك الماء.

ففي الحالة الاولى لا شكّ في توفّر اليقين بالحدوث والشك في البقاء فيجري الاستصحاب.

وأمّا في الحالة الثانية فقد يستشكل في جريان الاستصحاب في الجزء بدعوى عدم توفّر الركن الثاني وهو الشك في البقاء ، لأنّه معلوم الارتفاع فعلا بحسب الفرض فكيف يجري استصحابه؟ وقد اتّجه المحققون في دفع هذا الاستشكال الى التمييز بين الزمان في نفسه والزمان النسبي اي زمان الجزء الآخر فيقال : ان الجزء المراد استصحابه إذا لوحظ حاله في عمود الزمان المتصل إلى الآن فهو غير محتمل البقاء للعلم بارتفاعه فعلا ، وإذا لوحظ حاله (١) بالنسبة إلى زمان الجزء الآخر

__________________

(قد تتساءل) وتقول : لما ذا لا نستصحب عدم الملاقاة الى الساعة الثانية عشر (وهو وقت التحوّل الى الكرّية مثلا) فيثبت بذلك بقاء الماء على الطهارة؟ وقد يجاب بأن هذا الاستصحاب سوف يكون أصلا مثبتا ، اذ انه ينتج عدم ملاقات الماء القليل للنجاسة وبالملازمة ينتج حصول الملاقاة حال الكرّية فينتج ح الطهارة. (ولكن) الحقّ صحة التساؤل اذ كما كنّا نستصحب دائما عدم الملاقاة فنحكم بالطهارة في الحالات البسيطة فكذلك الامر هنا تماما ، اذ ان الاثر الشرعي وهو الحكم بعدم نجاسة الماء مترتب على عدم الملاقاة ، وعدم النجاسة كالنجاسة أثر شرعي واضح.

(١) اي وإذا لوحظ حال عدم الكرّية بالنسبة إلى زمان الملاقاة كما في المثال المفروض.

٢٠٦

فقد يكون مشكوك البقاء الى ذلك الزمان ، مثلا عدم الكرّية في المثال المذكور لا يحتمل بقاؤه إلى الآن ولكن يشك في بقائه إلى حين وقوع الملاقاة فيجري استصحابه إلى زمان وقوعها.

وتفصيل الكلام في ذلك : انه إذا كان زمان ارتفاع الجزء المراد استصحابه ـ وهو عدم الكرّيّة في المثال ـ معلوما وكان زمان تواجد الجزء الآخر ـ وهو الملاقاة في المثال ـ معلوما ايضا فلا شك لكي يجري الاستصحاب (١) ، ولهذا لا بدّ ان يفرض الجهل بكلا الزمانين او بزمان ارتفاع الجزء المراد استصحابه خاصّة ، او بزمان تواجد الجزء الآخر خاصّة ، فهذه ثلاث صور ، وقد اختلف المحقّقون في حكمها ، فذهب جماعة من المحققين منهم السيد الاستاذ إلى جريان الاستصحاب (٢) في الصور الثلاث ، وإذا وجد له معارض (٣) سقط بالمعارضة ، وذهب بعض المحققين الى جريان الاستصحاب في صورتين وهما : صورة الجهل بالزمانين او الجهل بزمان ارتفاع الجزء المراد استصحابه ، وعدم جريانه في صورة العلم بزمان الارتفاع ، وذهب صاحب الكفاية الى جريان الاستصحاب في صورة واحدة وهي صورة الجهل بزمان الارتفاع مع العلم بزمان تواجد الجزء الآخر ، وامّا في صورتي الجهل بكلا الزمانين او العلم

__________________

(١) أي فلا شك في البين ، فلا يجري الاستصحاب لانهدام الركن الثاني من أركان الاستصحاب.

(٢) في عدم الكرّيّة.

(٣) وهو استصحاب عدم الملاقاة إلى أن تمّ كرّا ، ثم بعد جريان كلا الاستصحابين يتعارضان فيتساقطان.

٢٠٧

بزمان الارتفاع فلا يجري الاستصحاب ، فهذه اقوال ثلاثة :

أمّا القول الاوّل (١) فقد علّله اصحابه بما أشرنا إليه آنفا من ان بقاء الجزء المراد استصحابه إلى زمان تواجد الجزء الآخر مشكوك حتى لو لم يكن هناك شك في بقائه إذا لوحظت قطعات الزمان بما هي (٢) ، كما إذا كان زمان الارتفاع معلوما ، ويكفي في جريان الاستصحاب تحقّق الشك في البقاء بلحاظ الزمان النسبي لان الاثر الشرعي مترتّب على وجوده في زمان وجود الجزء الآخر لا على وجوده في ساعة كذا بعنوانها.

ونلاحظ (٣) على هذا القول ان زمان ارتفاع عدم الكرّية في المثال إذا كان معلوما فلا يمكن ان يجري استصحاب عدم الكرّية إلى زمان الملاقاة ، لان الحكم الشرعي إمّا أن يكون مترتّبا على عدم الكرّيّة في

__________________

(١) يريد ان يقول هنا ان بقاء الجزء المراد استصحابه (كبقاء الماء على قلّته) إلى زمان الملاقاة امر مشكوك حتى ولو علمنا بان الماء كان كرّا الساعة الثانية عشر ظهرا مثلا ، فيجري استصحاب قلّة الماء الى زمان الملاقاة (وهو ما يسمّى بالزمان النسبي) فيترتب الاثر الشرعي وهو نجاسة الماء.

(٢) أي اذا لوحظت ساعات الزمان أي حتى ولو لم يكن هناك شك في بقاء الماء على قلته بلحاظ عمود الزمان ، فقوله «... بما هي» المراد منه اذا لوحظ الزمان بحدّ ذاته كالساعة الثانية عشر ظهرا. لا الزمان النسبي. ولذلك قال بعد هذا مباشرة «كما اذا كان زمان ارتفاع القلّة معلوما».

(٣) في هذه الملاحظة يريد السيد الشهيد (قدس‌سره) أن يرفض جريان الاستصحاب الى زمان الملاقاة فيما إذا كان ارتفاع عدم الكرّية معلوما ، ومعنى ذلك انه لا يؤمن بالاستصحاب بلحاظ الزمان النسبي

٢٠٨

زمان الملاقاة بما هو زمان الملاقاة (١) ، او على عدم الكرّيّة في واقع زمان الملاقاة (٢) بمعنى ان كلا الجزءين لوحظا في زمان واحد دون ان يقيّد احدهما بزمان الآخر بعنوانه ، فعلى الاوّل لا يجري استصحاب بقاء الجزء في جميع الصور ، لانه يفترض تقيّده بزمان الجزء الآخر بهذا العنوان ، وهذا التقيّد لا يثبت بالاستصحاب ، وقد شرطنا منذ البداية في

__________________

(بيان ذلك) ان الحكم الشرعي إمّا ان يكون مترتبا على موضوع بسيط وهو «ملاقات النجاسة للماء القليل» فهذا العنوان البسيط لا يثبت باستصحاب قلّة الماء لانه سيكون أصلا مثبتا كما هو واضح ، وإمّا ان يكون مترتبا على موضوع «ملاقات الماء للنجاسة في الوقت الذي يكون فيه الماء قليلا» فانه أيضا لا يصحّ اجراء استصحاب قلّة الماء إلى الساعة الواحدة ظهرا (وهو الوقت المحتمل للملاقات) وذلك لعلمنا بصيرورة الماء كرّا الساعة الثانية عشر ظهرا ، فلا شكّ في بقاء قلّة الماء إلى الساعة الواحدة ظهرا لتستصحب هذه القلّة ، وذلك للعلم بتحوّله الى كرّ الساعة الثانية عشر فكيف نستصحب القلّة الى واقع زمان الملاقاة أي الساعة الواحدة ظهرا؟!

والنتيجة انه لا يصح أن نستصحب القلّة الثابتة الساعة الثانية عشر ظهرا الى زمان ملاقات النجاسة ولا الى واقع زمان الملاقاة وهي الساعة الواحدة.

(١) اي يجري استصحاب عدم الكريّة إلى حين الملاقاة ـ مع غض النظر عن ساعة الملاقاة التي يمكن ان تكون الساعة الواحدة ظهرا ـ.

(٢) اي نجري استصحاب عدم الكرّية إلى الساعة الثانية عشر ظهرا مثلا (وهي ساعة الملاقاة) ـ مع غضّ النظر عن تقارن اجتماع قلّة الماء مع ملاقاته للنجاسة وتقيّد احدهما بالآخر ـ.

٢٠٩

جريان استصحاب الجزء في باب الموضوعات المركّبة عدم اخذ التقيّد بين أجزائها في موضوع الحكم. وعلى الثاني لا يجري استصحاب بقاء الجزء فيما إذا كان زمان الارتفاع معلوما ولنفرضه الظهر ، لان استصحاب بقائه إلى زمان وجود الملاقاة ـ التي هي الجزء الآخر في المثال ـ إن اريد به استصحاب بقائه إلى الزمان المعنون بانه زمان الملاقاة بما هو زمان الملاقاة فهذا الزمان بهذا العنوان وإن كان يشك في بقاء عدم الكرّيّة الى حينه ولكن المفروض (١) انه لم يؤخذ عدم الكرّية في موضوع الحكم مقيّدا بالوقوع في زمان الجزء الآخر بما هو كذلك ، وإن اريد به استصحاب بقائه (٢) إلى واقع زمان الملاقاة على نحو يكون قولنا «زمان الملاقاة» مجرّد مشير الى واقع ذلك الزمان فهذا هو موضوع الحكم ، ولكن واقع هذا الزمان (٣) يحتمل ان يكون هو الزوال للتردّد في زمان الملاقاة ، والزوال زمان يعلم فيه بارتفاع عدم الكرّيّة فلا يقين إذن بثبوت الشك في البقاء (٤) الى الزمان الذي يراد جرّ المستصحب اليه.

وعلى هذا الضوء نعرف : أنّ ما ذهب إليه القول الثاني من عدم

__________________

(١) او قل : ولكن المفروض اننا تحدّثنا عن هذه الصورة وقلنا ان الاستصحاب لا يجري فيها لكونه اصلا مثبتا.

(٢) أي وان أريد من استصحاب القلّة استصحابها الى واقع زمان الملاقاة ـ كالساعة الواحدة ظهرا ـ فهذا باطل بالوجدان اذ ان الماء قد تحوّل الى كرّ الساعة الثانية عشر ظهرا.

(٣) أي ولكن واقع زمان الملاقاة يحتمل ان يكون الساعة الواحدة ظهرا.

(٤) اي فلا شك عندنا في بقاء قلّة الماء الى واقع زمان الملاقاة وهو الساعة الواحدة ظهرا.

٢١٠

جريان استصحاب بقاء الجزء (١) في صورة العلم بزمان ارتفاعه هو الصحيح بالبيان الذي حقّقناه (٢).

ولكن هذا البيان يجري بنفسه أيضا في بعض صور مجهولي التاريخ ، كما إذا كان زمان التردّد فيهما متطابقا ، كما إذا كانت الملاقاة مردّدة بين الساعة الواحدة والثانية ، وكذلك ارتفاع عدم الكرّيّة بحدوث الكرّيّة ، فانّ هذا يعني ان ارتفاع عدم الكرّيّة بحدوث الكرّيّة مردّد بين الساعة الاولى والثانية (٣) ، ولازم ذلك ان تكون الكرّية معلومة في الساعة الثانية على كل حال وانما يشك في حدوثها وعدمه في الساعة الاولى ، ويعني ايضا ان الملاقاة متواجدة إمّا في الساعة الاولى او في الساعة الثانية ، فإذا استصحبت عدم الكرّيّة إلى واقع زمان تواجد الملاقاة فحيث إن هذا الواقع يحتمل ان يكون هو الساعة الثانية يلزم على هذا التقدير ان نكون قد تعبّدنا ببقاء عدم الكرّيّة إلى الساعة الثانية مع انه معلوم الانتفاء في هذه الساعة (٤).

__________________

(١) اي قلّة الماء.

(٢) والذي اثبت من خلاله عدم صحة استصحاب قلّة الماء المعلومة التاريخ بلحاظ الزمان النسبي.

(٣) فرض المثال ان آخر الفترة المحتملة لقلّة الماء كان الساعة الثانية إلا لحظة واحدة ، بحيث انه في الساعة الثانية كان الماء كرّا حتما.

(٤) والنتيجة انه لا يمكن استصحاب عدم الكرّية (المعلومة الانتفاء الساعة الثانية إلا لحظة) الى واقع زمان الملاقاة (وهو الساعة الثانية) لانه باطل وجدانا ، أو قل لا يمكن استصحاب عدم الكرّية بلحاظ الزمان النسبي.

٢١١

ومن هنا (١) يتبيّن ان ما ذهب إليه القول الثالث من عدم جريان استصحاب بقاء عدم الكرّيّة في صورة الجهل بالزمانين وصورة العلم بزمان ارتفاع هذا العدم معا هو الصحيح.

وأمّا صورة الجهل بزمان الارتفاع مع العلم بزمان الملاقاة فلا بأس بجريان استصحاب عدم الكرّية فيها إلى واقع زمان الملاقاة ، إذ لا علم بارتفاع هذا العدم في واقع هذا الزمان جزما (٢).

ولكننا نختلف عن القول الثالث في بعض النقاط ، فنحن مثلا نرى جريان استصحاب عدم الكرّيّة في صورة الجهل بالزمانين مع افتراض ان فترة تردّد زمان الارتفاع اوسع من فترة تردّد حدوث الملاقاة في المثال المذكور ، فإذا كانت الملاقاة مردّدة بين الساعة الاولى والثانية وكان تبدّل عدم الكرّيّة بالكريّة مردّدا بين الساعات الاولى والثانية والثالثة فلا محذور في إجراء استصحاب عدم الكرّية إلى واقع زمان الملاقاة (٣) ، لانه على ابعد تقدير هو الساعة الثانية ولا علم بالارتفاع في هذه الساعة لاحتمال حدوث الكرّية في الساعة الثالثة ، فليس من المحتمل ان يكون

__________________

(١) أي مما ذكره بقوله «ونلاحظ على هذا القول ...» تبيّن عدم جريان الاستصحاب في صورة العلم بزمان ارتفاع هذا العدم ، ومما ذكره بقوله «ولكن هذا البيان ...» تبيّن عدم جريان الاستصحاب في صورة الجهل بالزمانين.

(٢) وهذا كما هو واضح ليس استصحابا بلحاظ الزمان النسبي.

(ومن هنا) تعلم انه الى حدّ الآن لم يؤمن سيّدنا المصنّف بالاستصحاب بلحاظ الزمان النسبي.

(٣) أيّا كان زمانها ، الساعة الاولى او الثانية.

٢١٢

جرّ بقاء الجزء (١) إلى واقع زمان الجزء الآخر جرّا له إلى زمان اليقين بارتفاعه أبدا (٢).

شبهة انفصال زمان الشك عن زمان اليقين :

بقي علينا ان نشير الى انّ ما اخترناه وإن كان قريبا جدّا من القول الثالث الذي ذهب إليه صاحب الكفاية ، غير انه (قدّس الله نفسه) قد فسّر موقفه واستدلّ على قوله ببيان يختلف بظاهره عما ذكرناه ، إذ قال بأنّ استصحاب عدم الكرّيّة انما لا يجري في حالة الجهل بالزمانين لعدم احراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين ، وقد فسّر هذا الكلام بما يمكن توضيحه كما يلي :

اذا افترضنا ان الماء كان قليلا قبل الزوال ثم مرّت ساعتان حدثت

__________________

(١) مراده من الجزء هنا قلّة الماء ، ومن واقع الجزء الآخر. أي الملاقاة. هي الساعة الثانية ، ومن زمان اليقين بارتفاعه أي ما بعد الساعة الثالثة فانه زمان اليقين بارتفاع القلّة.

(٢) قوله (قدس‌سره) «فليس من المحتمل ...» اضافي وتذكير بأصل المطلب. وعلى أي حال فمراده منه أن يقول : انّا كنّا نرفض الاستصحاب بلحاظ الزمان النسبي في مثال علمنا بكون ارتفاع الكرّية الساعة الثانية عشر ظهرا لانه لا يمكن أن نستصحب عدم الكرّية الى واقع زمان الملاقاة وهو الساعة الواحدة ، وأمّا هنا فليس الأمر كذلك فاننا اذا استصحبنا عدم الكرية الى واقع زمان الملاقاة فانه لا يعني اننا نستصحب عدم الكرّية الى زمان ارتفاعه ، وانما نريد من استصحاب عدم الكرّية استصحابه الى الساعة الثانية لا الى ما بعد الساعة الثالثة.

٢١٣

في احداهما الكرّية وفي الاخرى الملاقاة للنجاسة (١) فهذا يعني ان كلّا من حدوث الكرّية والملاقاة معلوم في إحدى الساعتين بالعلم الاجمالي ، فهناك معلومان اجماليان وإحدى الساعتين زمان احدهما والساعة الاخرى زمان الآخر ، وعليه فالملاقات المعلومة إذا كانت قد حدثت في الساعة الثانية فقد حدثت الكرّية المعلومة في الساعة الاولى ، واستصحاب عدم الكرّية إلى زمان الملاقاة على هذا التقدير (٢) يعني ان زمان الشك الذي يراد جرّ عدم الكريّة إليه هو الساعة الثانية وزمان اليقين بعدم الكرّية هو ما قبل الزوال ، وامّا الساعة الاولى فهي زمان الكرّية المعلومة اجمالا ، وهذا يؤدي إلى انفصال زمان اليقين بعدم الكرّية عن زمان الشك فيه بزمان اليقين بالكرّية ، وما دام هذا التقدير محتملا فلا يجري الاستصحاب لعدم احراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين (٣).

__________________

(١) كما ترى في الرسم التالي :

فعلى الفرض الاوّل انفصلت القلّة عن الملاقاة ، وفي الفرض الثاني كان الماء قليلا عند الملاقاة ، فلجهلنا بتقدّم الكريّة على الملاقاة او تاخّرها عنها لا يمكن استصحاب قلّة الماء إلى واقع زمان الملاقاة وذلك لاحتمال وقوع الفرض الاوّل في الخارج ـ كما ترى في الرسم ـ وهو فرض العلم بتغيّر الحالة السابقة للماء وصيرورته كرّا

(٢) ولك ان تقول بدل «يعني ان .. المعلومة اجمالا» مستحيل.

(٣) راجع اجود التقريرات ج ٢ ص ٤٢٧ ـ ٤٢٩.

٢١٤

ونلاحظ على ذلك :

اولا : ان الساعة الاولى على هذا التقدير (١) هي زمان الكرّية واقعا لا زمان الكرّية المعلومة بما هي معلومة ، لان العلم بالكرّية كان على نحو العلم الاجمالي من ناحية الزمان وهو علم بالجامع فلا احتمال للانفصال إطلاقا (٢).

وثانيا (٣) : ان البيان المذكور لو تمّ لمنع عن جريان استصحاب

__________________

(١) اي على تقدير حصول الفصل بين قلّة الماء والملاقاة.

(٢) مراده من هذه الملاحظة الاولى ان يقول ان نظرك. يا صاحب الكفاية. كان الى الزمان الواقعي للكريّة فاحتملت الفصل ، لكن كان ينبغي ان تنظر إلى زمان الكريّة المعلومة من حيث هي معلومة ، فانت كنت تعلم بقلّة الماء ثم احتملت صيرورته كرّا فعليك في هكذا حالة أن تستصحب قلّة الماء الى زمان الملاقاة ، (ولا يوجد) فصل هنا بين قلّة الماء والملاقاة وذلك لوجود علم اجمالي بحصول الكرّية او الملاقاة في الساعة الاولى.

(٣) بيان ذلك : ان بيان صاحب الكفاية السالف الذكر لو تمّ لمنع عن جريان استصحاب عدم الكرّية حتى في الصورة التي اختار جريان الاستصحاب فيها وهي صورة الجهل بزمان حدوث الكرّية مع العلم بزمان الملاقاة والتي اختار فيها. كغيره. جريان الاستصحاب في «عدم الكرّية» الى واقع زمان الملاقاة والتي هي الساعة الثانية مثلا. وجه المنع عن جريان هذا الاستصحاب ـ رغم تسليمه بين المحققين ـ ان زمان حصول الكرّية مردّد بين الساعات الاولى والثانية والثالثة مثلا ، فيحتمل اذن واقعا ان تكون الكرّية قد حصلت الساعة الواحدة فيقع الفصل واقعا بين قلّة الماء والملاقات

٢١٥

عدم الكرية حتى في الصورة التي اختار صاحب الكفاية جريان الاستصحاب فيها ، وهي صورة الجهل بزمان حدوث الكرّية مع العلم بزمان الملاقاة وانه الساعة الثانية مثلا ، لان الكرّية معلومة بالاجمال في هذه الصورة ويحتمل انطباقها على الساعة الاولى ، فاذا كان انطباق الكرّيّة الى ما بعد ذلك الزمان .. جرى ذلك في هذه الصورة أيضا وتعذّر استصحاب عدم الكرّية الى الساعة الثانية لاحتمال الفصل بين زمان اليقين وزمان الشك بزمان العلم بالكرّية.

وهناك تفسير آخر لكلام صاحب الكفاية اكثر انسجاما مع عبارته (١) ، ولنأخذ المثال السابق لتوضيحه وهو الماء الذي كان قليلا قبل

__________________

(وبما) ان التالي باطل فالمقدم مثله ، فيلزم اذن ان لا ننظر الى الاحتمالات الواقعية ، وانما علينا ان ننظر الى الحوادث من حيث هي معلومة ومجهولة لنا فيمكن على هذا الاساس الاستصحاب.

(١) بيانه : انه لا يفيدنا استصحاب عدم الكرّية في هذا الفرض على أي حال ، وذلك لاننا إن اردنا ان نستصحب عدم الكرّية بالنسبة الى الزمان الثابت فهذا لا يفيدنا لاوسعية زمان الملاقاة من زمان عدم الكرّية بلحظة ، إذ الفرض احتمال حصول الملاقاة ـ وكذلك الكرّية ـ الساعة الثانية ، ويمتد زمان عدم الكرية الى الثانية الا لحظة ، فيبنى على الطهارة ، وكذلك لا يفيدنا استصحاب عدم الكرية بالنسبة الى زمان الملاقاة ـ بنحو يكون موضوع الاثر الشرعي اي النجاسة هي عدم الكرية المقيّدة بالملاقات ـ وذلك لاحتمال الفصل بين قلة الماء والملاقاة بالساعة الاولى

٢١٦

الزوال ثمّ مرّت ساعتان حدثت في إحداهما الكرّيّة وفي الاخرى الملاقاة للنجاسة ، وحاصل التفسير ان ظرف اليقين بعدم الكريّة في هذا المثال هو ما قبل الزوال ، وظرف الشك مردّد بين الساعة الاولى بعد الزوال والساعة الثانية ، لان عدم الكرّية له اعتباران فتارة نأخذه بما هو مقيس إلى قطعات الزمان وبصورة مستقلّة عن الملاقاة ، واخرى نأخذه بما هو مقيس إلى زمان الملاقاة ومقيّد به ، فإذا اخذناه بالاعتبار الاوّل وجدنا ان الشك فيه موجود في الساعة الاولى وهي متّصلة بزمان اليقين مباشرة فبالامكان ان نستصحب عدم الكريّة إلى نهاية الساعة الاولى (١). ولكن هذا لا يفيدنا شيئا ، لان الحكم الشرعي وهو انفعال الماء ليس مترتبا على مجرّد عدم الكريّة بل على عدم الكرّية في زمان الملاقاة ، وإذا اخذنا عدم الكريّة بالاعتبار الثاني اي مقيسا ومنسوبا إلى زمان الملاقاة فمن الواضح (٢) ان

__________________

(وعلى هذا) فالفارق بين التفسيرين هو انه على الاوّل يكون الفاصل المحتمل ـ بين قلّة الماء والملاقاة ـ هي الكرّية ، وعلى التفسير الثاني يكون الفاصل المحتمل هي الساعة الاولى.

(١) نهاية الساعة الاولى تعني الساعة الثانية إلّا لحظة.

(٢) اضافة إلى كون الاستصحاب هنا اصلا مثبتا ـ لان استصحاب قلّة الماء إلى زمان الملاقاة لا يحرز لنا عنوان تقيد الملاقاة بالقلّة ـ ان الشك فيه ...

٢١٧

الشك فيه انما يكون في زمان الملاقاة ، إذ لا يمكن الشك قبل زمان الملاقاة في عدم الكرّية المنسوب إلى زمان الملاقاة (١) ، وإذا تحقق ان زمان الملاقاة هو زمان الشك ترتّب على ذلك ان زمان الشك مردد بين الساعة الاولى والساعة الثانية تبعا لتردد نفس زمان الملاقاة بين الساعتين ، وهذا يعني عدم احراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين ، لان زمان اليقين ما قبل الزوال ، وزمان الشك محتمل الانطباق على الساعة الثانية ، ومع انطباقه عليها يكون مفصولا عن زمان اليقين بالساعة الاولى.

ونلاحظ على ذلك :

أوّلا (٢) : ان الاثر الشرعي إذا كان مترتّبا على عدم الكريّة المقيّد بالملاقات اي على اجتماع احدهما بالآخر .. فقد يتبادر الى الذهن ان الشك في هذا العدم المقيّد بالملاقات لا يكون إلّا في زمان الملاقاة ، وامّا الشك ـ قبل زمان الملاقاة ـ في عدم الكريّة فهو ليس شكّا في عدم الكريّة المقيد بالملاقات. ولكن الصحيح ان الاثر الشرعي مترتب على عدم الكريّة والملاقاة بنحو التركيب بدون اخذ التقيّد والاجتماع ، وإلّا لما جرى استصحاب عدم الكريّة رأسا كما تقدّم (٣) ، وهذا يعني ان عدم

__________________

(١) أو قل «إذ لا يمكن الشك قبل زمان الملاقاة في عدم الكريّة في ظرف زمان الملاقاة ، لان في ذلك تناقضا واضحا».

(٢) مراده من هذه الملاحظة ان يقول بامكان استصحاب قلّة الماء إلى زمان الملاقاة بتقريب ان موضوع النجاسة هي قلّة الماء مع الملاقاة بنحو التركيب لا بنحو التقيّد ، أي ان موضوع النجاسة هو قلّة الماء في واقع زمان الملاقاة.

(٣) لكونه ح أصلا مثبتا. (ولا يخفى) ما في اسلوب هذه الاسطر الستّة

٢١٨

الكريّة بذاته جزء الموضوع لا فرق في ذلك بين ما كان منه في زمان الملاقاة او قبل زمانها ، غير انه في زمانها يكون الجزء الآخر موجودا ايضا ، وعليه فعدم الكريّة مشكوك منذ الزوال والى زمان الملاقاة وان كان الاثر الشرعي لا يترتب فعلا إلا إذا استمرّ هذا العدم إلى زمان الملاقاة ، فيجري استصحاب عدم الكريّة من حين ابتداء الشك في ذلك إلى الزمان الواقعي (١) للملاقات ، وبهذا نثبت بالاستصحاب عدما للكريّة متصلا بالعدم المتيقّن ، وإن كان الاثر الشرعي لا يترتب على هذا العدم إلّا في مرحلة زمنيّة معيّنة قد تكون متأخّرة عن زمان اليقين (٢) ، فان المناط اتصال المشكوك الذي يراد اثباته استصحابا بالمتيقّن (٣) ، لا اتصال فترة ترتّب الاثر بالمتيقّن (٤) ، فإذا كنت على يقين من اجتهاد زيد فجرا

__________________

السابقة من تعقيد لا داعي له بعد وضوح المطلب وسهولته في نفسه.

(١) كالساعة الثانية مثلا ، ومراده من الزمان الواقعي للملاقات عمود الزمان

(٢) كما في الفرض الاوّل الواضح في الرسم السابق ، وهو فرض سبق الكريّة وتأخّر الملاقاة ، والاثر الشرعي هنا هي الطهارة

(٣) وهو كريّة الماء

(٤) كما يتضح ذلك جليا من المثال اللاحق ، انظر الرسم :

٢١٩

وشككت في بقاء اجتهاده بعد طلوع الشمس ، ولم يكن الاثر الشرعي مترتبا على اجتهاده عند الطلوع ، إذ لم يكن عادلا وانما اصبح عادلا بعد ساعتين ، أفلا يجري استصحاب الاجتهاد إلى ساعتين بعد طلوع الشمس؟ فكذلك في المقام (*).

ثانيا (١) : إن ما ذكر لو تمّ لمنع عن جريان استصحاب عدم الكريّة فيما إذا كان زمان حدوثها مجهولا مع العلم بتاريخ الملاقاة ، كما إذا كان عدم الكريّة وعدم الملاقاة معلومين عند الزوال وحدثت الملاقاة بعد ساعة ولا يدرى متى حدثت الكريّة ، فان استصحاب عدم الكريّة إلى زمان الملاقاة يجري عند صاحب الكفاية ، مع انه يواجه نفس الشبهة

__________________

(١) بيان ذلك : على فرض أنّ النجاسة عندك يا صاحب الكفاية تترتّب على عدم الكريّة المقيّد بالملاقات. لا على الكريّة في ظرف الملاقاة أي بنحو التركيب. فانّ ما ذكرته كدليل على عدم جريان استصحاب قلّة الماء في المثال المفروض من احتمال وجود فصل بين جزءي العلّة بالساعة الاولى نورده عليك في حالة أنت تقبل جريان الاستصحاب فيها وهي حالة ما لو جهلت بزمان حصول الكريّة وعلمت بزمان حصول الملاقاة فانك تستصحب عدم الكريّة الى زمان الملاقاة (وهي الساعة الواحدة مثلا) مع احتمال وجود فصل (وهي الكريّة) بين عدم الكريّة والملاقاة وهو الساعة ٣٠ ، ١٢ ظهرا مثلا.

__________________

(*) الحقّ وجود فرق بين مثالي الاجتهاد والماء ، فصحيح انه يصحّ استصحاب الاجتهاد وان لم يكن يترتب اثر شرعي على هذا الاستصحاب في الساعتين الاولتين بعد طلوع الفجر ، ولكن مع ذلك يمكن ان يقال بعدم صحّة الاستصحاب في مثال الماء وذلك للعلم الإجمالي بحصول الكريّة أو الملاقاة في الساعة الاولى دون مثال الاجتهاد.

٢٢٠