دروس في علم الأصول - ج ٤

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر

دروس في علم الأصول - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر


المحقق: الشيخ ناجي طالب آل فقيه العاملي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧١

كان المجعول مردّدا كذلك كان الجعل مردّدا لا محالة بين الاقلّ والاكثر ، لان جعل النجاسة للفترة القصيرة معلوم وجعل النجاسة للفترة الاضافية مشكوك.

ففي النحو الاوّل من الشك (١) ـ إذا كان ممكنا ـ يجري استصحاب بقاء الجعل (*) ، وامّا في النحو الثاني من الشك فيوجد استصحابان متعارضان : احدهما : استصحاب بقاء المجعول ـ اي بقاء نجاسة الماء (٢) بعد زوال التغير مثلا ـ لانها معلومة حدوثا مشكوكة بقاء ،

__________________

(١) وهو عند احتمال حصول النسخ.

(٢) في النسخة الاصلية «بقاء النجاسة في الماء» والاولى ما أثبتناه.

__________________

(*) ذكر هذا الحكم بنحو كأنه من المسلّمات الواضحات في غير محلّه ، بل الصحيح عدم صحّة جريان الاستصحاب في حالة احتمال نسخ الحكم ، وذلك لانّ النسخ هو جعل الحكم الى أمد معيّن مع عدم ذكر هذا الامد بحيث يخيّل للناس انّه حكم دائم ، وليس النسخ هو نتاج بداء عند الله تعالى بعد اكتشاف خطأ هذا الحكم ، إذ هي نسبة الجهل إلى الله نعوذ بالله من هذه الاعتقادات.

[فاذا] كانت هذه حقيقة النسخ فحينئذ يتحوّل الشك إلى الشك في كون جعل الحكم إلى فترة قصيرة ام إلى فترة طويلة وذلك منذ وقت تشريع هذا الحكم ، وفي هذه الحالة عرفت سابقا وستعرف في طيّات هذا البحث إن شاء الله ان الفترة المشكوكة بما انه لا يقين سابق بها تجري فيها البراءة ....

[نعم] يكفينا للقول بعدم النسخ بعد عدم ثبوته لنا قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ((حلال محمّد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة)) واطلاق الادلة من تقيدها بزمان دون زمان فنأخذ بهذا الاطلاق.

١٤١

والآخر : استصحاب عدم جعل الزائد ـ اي عدم جعل نجاسة الفترة الاضافية مثلا ـ لما اوضحناه من ان تردد المجعول يساوق الشك في الجعل الزائد.

وهذان الاستصحابان يسقطان بالمعارضة (١) فلا يجري استصحاب الحكم في الشبهات الحكمية.

ولكي نعرف الجواب على شبهة المعارضة هذه ينبغي ان نفهم كيف يجري استصحاب المجعول في الشبهة الحكمية بحدّ ذاته قبل ان نصل إلى دعوى معارضته بغيره فنقول (٢) : ان استصحاب المجعول نحوان :

احدهما : استصحاب المجعول الفعلي التابع لفعلية موضوعه المقدّر الوجود في جعله (٣) ، وهو لا يتحقق ولا يتصف باليقين بالحدوث والشك في البقاء إلّا بعد تحقق موضوعه خارجا ، فنجاسة الماء المتغير لا تكون فعلية إلّا بعد وجود ماء متغير بالفعل ، ولا تتصف بالشك في البقاء إلّا بعد ان يزول التغير عن الماء فعلا وحينئذ يجري استصحاب النجاسة الفعلية ، واستصحاب المجعول بهذا المعنى يتوقّف جريانه ـ كما ترى ـ

__________________

(١) هذا كلام المحقق النراقي (قدس‌سره) ذكره السيد الشهيد في التقريرات ج ٦ ص ١٢٨ وتبنّاه السيد الخوئي رحمه‌الله في المصباح ج ٣ اسفل ص ٣٦.

(٢) ذكر هذا الكلام في التقريرات ج ٦ ص ١٣٦ ـ الخامس.

(٣) بيان هذه الجملة على ضوء مثال المتن : استصحاب النجاسة الفعلية للماء المتغير لا يجري إلا بعد وجود ماء كرّ متغيّر فعلا وقد زال التغيّر ، أي انه إذا تحققت هذه الحالة وشك المكلف في بقاء حكم النجاسة فانه حينئذ يستصحب.

١٤٢

على وجود الموضوع [خارجا] ، وهذا يعني انه لا يجري بمجرّد افتراض المسألة على وجه كلّي والالتفات (١) إلى حكم الشارع بنجاسة الماء المتغير ، ويقضي ذلك بأنّ اجراء الاستصحاب من شأن المكلف المبتلى بالواقعة خارجا (٢) لا من شأن المجتهد الذي يستنبط حكمها على وجه كلّي ، فالمجتهد يفتيه بجريان الاستصحاب في حقّه عند تمامية الأركان لا ان المجتهد يجريه ويفتي المكلّف بمفاده.

والنحو الآخر لاستصحاب المجعول هو اجراء الاستصحاب في المجعول الكلّي على نحو تتمّ اركانه بمجرّد التفات الفقيه إلى حكم الشارع بنجاسة الماء المتغير وشكّه في شمول هذه النجاسة لفترة ما بعد زوال التغيّر ، وعلى هذا الاساس يجري الاستصحاب بدون توقف على وجود الموضوع خارجا ، ومن هنا كان بامكان المجتهد اجراؤه والاستناد إليه في افتاء المكلّف بمضمونه ، ولا شك في انعقاد بناء الفقهاء والارتكاز العرفي على استفادة هذا النحو من استصحاب المجعول من دليل الاستصحاب ، غير انه قد يستشكل في [هذا] النحو المذكور بدعوى ان [ذاك] المجعول الفعلي [المذكور في النحو الاول] التابع لوجود موضوعه له حدوث وبقاء تبعا لموضوعه ، وأما [هذا النحو الآخر من] المجعول الكلّي فليس له حدوث وبقاء بل تمام حصصه ثابتة ثبوتا عرضيا آنيا

__________________

(١) اي وبمجرّد الالتفات.

(٢) لانه سيكون استصحابا في شبهة موضوعية خارجية كاستصحاب طهارة الثوب الخارجي إذا شككنا في طروء نجاسة عليه.

١٤٣

بنفس الجعل بلا تقدّم وتأخّر زماني (١) ، وهذا يعني أنّا كلما لاحظنا المجعول على نهج كلي لم يكن هناك يقين بالحدوث وشك في البقاء ليجري الاستصحاب ، فاركان الاستصحاب انما تتمّ في المجعول بالنحو الاوّل (٢) لا الثاني ، وقد اشرنا سابقا إلى هذا الاستشكال (٣) وعلّقنا عليه بما يوحي باجراء استصحاب المجعول على النحو الثاني (٤) ، غير ان هذا

__________________

(١) هذان السطران مهمّان جدّا فافهمهما جيدا لتعرف ما يترتب عليهما من عدم وجود يقين سابق وشك لاحق في عالم الجعل فلا يجري الاستصحاب في عالم الجعل ..

(٢) النحو الاوّل هو ما ذكره قبل خمسة اسطر بقوله ان ذاك المجعول الفعلي المذكور في النحو الاول التابع لوجود موضوعه له حدوث وبقاء كاستصحاب طهارة الثوب الخارجي المعيّن ، وامّا النحو الثاني فهو ما ذكره بعده مباشرة بقوله «وامّا المجعول الكلّي فليس له حدوث وبقاء ...»

(٣) في النحو الثاني ، وذلك في الفقرة الأخيرة من مسألة «الشبهات الحكمية في ضوء الركن الثاني».

(٤) في النسخة الأصلية قال «النحو الاوّل» والصحيح ما اثبتناه ، إذ لا كلام في صحّة الاستصحاب على النحو الاوّل ، (وعلى ايّ حال) فبناء على ما اثبتناه في المتن نقول : انه قد حوّل سابقا النحو الثاني وهو استصحاب الحكم الكلّي ـ او قل الاستصحاب في مرحلة الجعل ـ إلى الاستصحاب في مرحلة المجعول الفعلي ، اي بتحويل النحو الثاني إلى النحو الاوّل ، فراجع مسألة «الشبهات الحكمية في ضوء الركن الثاني» ، ومسألة «ثانيا : تطبيقه في الشبهات الحكمية» خاصّة عند قوله «غير ان استصحاب الحكم في الشبهات الحكمية لا يجري بلحاظ عالم الجعل بل بلحاظ عالم المجعول ، فينظر إلى الحكم بما هو صفة للامر

١٤٤

كان تعليقا مؤقتا إلى ان يحين الوقت المناسب (١).

وأمّا الصحيح في الجواب فهو : ان المجعول الكلّي وهو نجاسة الماء المتغيّر مثلا يمكن ان ينظر إليه بنظرين : احدهما : النظر إليه بما هو امر ذهني مجعول (٢) في افق الاعتبار ، والآخر : النظر إليه بما هو صفة

__________________

الخارجي لكي يكون له حدوث وبقاء» ، اي فينظر إلى النجاسة. في المثال المعروف من اننا إذا شككنا في بقاء النجاسة بعد زوال التغير عن الماء الكر. بما هي صفة للماء الخارجي فيكون للنجاسة حدوث وبقاء. (وأمّا) هنا فانه يريد أن يبيّن المطلب بتفصيل لا أن يغيّر رأيه ، فهو (قدس‌سره) لم يتعرّض هناك الى وجود نظرين الى النجاسة ، أمّا هنا فانه سيذكر ذلك بعد سطر واحد ثم سيقول نفس ما قاله هناك. أي في بحث الشبهات الحكمية في ضوء الركن الثاني. وهو أننا حينما نريد أن نستصحب نجاسة ماء الكرّ الذي زال تغيّره فاننا ننظر اليه بما هو صفة للماء الخارجي فيصير للنجاسة حدوث وبقاء.

(١) قال السيد المصنف رحمه‌الله في بحث «الشبهات الحكمية على ضوء الركن الثاني» : «أنه ينبغي ملاحظة عالم المجعول .. ويجري فيه الاستصحاب» ولم يفصّل هناك فغضّ النظر عن كيفية النظر الى نجاسة الماء مع انه سيفصّل في السطر الثاني بأنّ هذه النجاسة قد ينظر اليها بما هي امر ذهني ليس لها حدوث وبقاء لانها موجودة بتمام حصصها بالجعل في آن واحد ، وقد ينظر اليها بما هي صفة للماء الخارجي لها حدوث وبقاء.

(٢) قال «مجعول» لان النجاسة ونحوها صفات شرعية جعلها واعتبرها الشارع.

(يقول) قدس‌سره بانّ العرف يستصحب النجاسة التي هي صفة للماء الخارجي ولا يستصحب النجاسة التي هي في مرحلة الجعل.

١٤٥

للماء الخارجي ، فهو بالحمل الشائع أمر ذهني (١) وبالحمل الاوّلي صفة للماء الخارجي ، وبالنظر الاوّل ليس له حدوث وبقاء لانه موجود بتمام حصصه بالجعل في آن واحد ، وبالنظر الثاني له حدوث وبقاء ، وحيث انّ هذا النظر هو النظر العرفي في مقام تطبيق دليل الاستصحاب فيجري استصحاب المجعول بالنحو الثاني لتمامية اركانه (*).

__________________

(١) حينما يقولون بالحمل الشائع يقصدون حقيقة الشيء وموطنه وينظرون إلى حقيقة مصداقه ، وحينما يقولون بالحمل الذاتي يقصدون ماهية الشيء وينظرون إلى حدود هذه الماهية ومفهوم هذا الشيء ، وهنا بما ان المجعول الكلّي هو كلّي فحقيقته المصداقية ذهنية اي مصداقه يكون في الذهن فانه لا يوجد نجاسة كليّة في الخارج وانما موطنها في الذهن فقط ولذلك قال «فهو بالحمل الشائع. اي حقيقة مصداقه. امر ذهني» ، وحينما قال «وبالحمل الاوّلي صفة للماء الخارجي» فقد نظر إلى مفهوم النجاسة فانه لا يصدق إلّا على مائع خارجي ، فحينما نقول مثلا : «الكلب والخنزير نجسان» نقصد الكلب والخنزير الخارجيين لا الذهنيين

__________________

(*) الصحيح عدم امكان النظر إلى النجاسة في مرحلة الجعل كصفة خارجية ، فانه حينما يريد المشرّع ان يشرّع جعلا يفيد بقاء نجاسة الماء إلى أمد ما فانه ينظر إلى الماء ككلي طبيعي موطنه في الذهن وكذلك ينظر إلى النجاسة كصفة ذهنية وذلك لانه يلزم عقلا وحدة عالمي الموضوع والمحمول لكي يصحّ الحمل.

[المهم] ان القانون طالما هو في مرحلة الجعل يكون موطنه موضوعا ومحمولا ونسبة في الذهن ولا يمكن غير ذلك ، ولا محلّ بعد هذا لقول المصنف [قدس‌سره] ((وحيث ان هذا النظر هو النظر العرفي ... فيجري استصحاب المجعول بالنحو الثاني)) ، فانّه لا محل لنظر العرف في هكذا امور عقلية

١٤٦

إذا اتّضح ذلك فنقول لشبهة المعارضة بأنه في تطبيق دليل الاستصحاب على الحكم الكلي في الشبهة الحكمية لا يعقل تحكيم كلا النظرين لتهافتهما ، فان سلّم بالاخذ بالنظر الثاني تعين اجراء استصحاب المجعول ولم يجر استصحاب عدم الجعل الزائد ، إذ بهذا النظر لا نرى جعلا ومجولا ولا امرا ذهنيا بل صفة لامر خارجي لها حدوث وبقاء ، وإن ادّعي الاخذ بالنظر الاوّل فاستصحاب المجعول بالنحو الثاني الذي يكون من شأن المجتهد اجراؤه لا يجري في نفسه لا انه يسقط بالمعارضة.

إن قيل لما ذا لا نحكّم كلا النظرين ونلتزم باجراء استصحاب عدم الجعل الزائد تحكيما للنظر الاوّل في تطبيق دليل الاستصحاب ، واجراء استصحاب المجعول تحكيما للنظر الثاني ، ويتعارض الاستصحابان.

كان الجواب ان التعارض لا نواجهه ابتداء في مرحلة اجراء الاستصحاب بعد الفراغ عن تحكيم كلا النظرين ، وانما نواجهه (١) في

__________________

(١) يظهر في بادئ النظر ان ضمير الهاء راجع إلى التعارض ، لكن هذا غير صحيح لانه لن يستقيم المعنى المراد للمؤلف ، فانه يريد ان يقول : ... وانما نواجه في المرتبة الاولى ـ اي قبل مرحلة التعارض ـ

__________________

[وبتعبير آخر] لا يوجد عندنا في القوانين الكلية نظران إن هو إلّا نظر واحد وهو ما ذكره قبل قليل بقوله ((وامّا المجعول الكلي فليس له حدوث وبقاء ، بل تمام حصصه ثابته ثبوتا عرضيا آنيا بنفس الجعل)).

[وقد] بيّنّا في مسألتي ((الشبهات الحكمية في ضوء الركن الثاني)) و ((ثانيا : تطبيقه في الشبهات الحكمية)) مفصّلا عدم صحة جريان استصحاب عدم الجعل وعدم صحّة استصحاب المجعول فراجع ، وعليه فلا يقع تعارض بين الاستصحابين من باب عدم جريانهما من الاصل

١٤٧

مرتبة اسبق اي في مرحلة تحكيم هذين النظرين فانهما لتهافتهما ينفي كل منهما ما يثبته الآخر من الشك في البقاء ، ومع تهافت النظرين في نفسيهما يستحيل تحكيمهما معا على دليل الاستصحاب لكي تنتهي النوبة إلى التعارض بين الاستصحابين ، بل لا بدّ من جري الدليل على احد النظرين وهو النظر الذي يساعد عليه العرف خاصّة.

تطبيقات

١ ـ استصحاب الحكم المعلّق

قد نحرز كون الحكم منوطا في مقام جعله بخصوصيتين (١) وهناك خصوصية ثالثة يحتمل دخلها في الحكم ايضا ، وفي هذه الحالة يمكن ان

__________________

تحديد الاستصحاب الجاري في هذه الحالة وهل انه يجري في عالم الجعل او لا وهل يجري في مرحلة المجعول ـ وذلك بان ننظر الى مستصحبه كصفة للموضوع الخارجي ـ او لا يجري. (ولذلك) كان الاولى تضبيط العبارة بشكل يوضح المراد وذلك بان يقال مثلا : «وانما نواجه تحديد الاستصحاب الذي يجري في مرتبة اسبق ...» وعليه لا بد من ارجاع الهاء في المتن إلى الاستصحاب ، فيكون المراد من الجواب أنه لا يمكن النظر الى المستصحب بما هو أمر ذهني (ليس له حدوث وبقاء فلا يمكن استصحابه) وبما هو أمر خارجي (له حدوث وبقاء فيمكن استصحابه) فيتعارضان اذ لا يمكن استعمال لفظ واحد في معنيين.

(١) شرح المطلب : قد نحرز كون الحكم (كالحرمة) متوقّفا في مرحلة الجعل على خصوصيتين (كالغليان والعنبية في مثال «إذا غلى العنب

١٤٨

نفترض ان احدى تلك الخصوصيتين (١) معلومة الثبوت والثانية معلومة الانتفاء ، وامّا الخصوصية الثالثة المحتمل دخلها فهي ثابتة ، وهذا الافتراض (٢) يعني ان الحكم ليس فعليا ولكنه يعلم بثبوته على تقدير وجود الخصوصية الثانية ، فالمعلوم هو الحكم المعلق والقضية الشرطية (٣) ، فإذا افترضنا ان الخصوصية الثانية وجدت بعد ذلك ولكن بعد ان زالت الخصوصية الثالثة حصل الشك في بقاء تلك القضية الشرطية لاحتمال دخل الخصوصية الثالثة في الحكم ، وهنا تأتي الحاجة الى البحث عن امكان استصحاب الحكم المعلّق ، ومثال ذلك : حرمة العصير العنبي المنوطة بالعنب وبالغليان (٤) ، ويحتمل دخل الرطوبة وعدم الجفاف

__________________

حرم») وهناك خصوصية ثالثة (كرطوبة العنب بحيث قد لا يحرم العنب الجاف. اي الزبيب. إذا غلى) يحتمل دخلها في الحكم ايضا ، وفي هذه الحالة اذا افترضنا وجود عنب لم يغل فالحكم بالحرمة ليس فعليا لانه انما يحرم اذا غلى ، فاذا افترضنا أن العنب قد جفّ فانه سيحصل عندنا شك في بقاء تلك القضية الشرطية ، فهل تستصحب بقاء تلك القضيّة الشرطية (التي هي اذا غلى العنب حرام) أم لا؟ هنا الكلام.

(١) كالعنبية ، والثانية كالغليان.

(٢) أي ان العنب الرطب لم يغل.

(٣) اي فالمعلوم من الجعل هو «إذا غلى العنب. الرطب. حرم».

(٤) وجه الشك في هذا المثال هو : من جهة نرى في الروايات ان موضوع الحرمة هو عصير العنب لا العنب ولا الزبيب المغلي في الماء ، ولا يصدق على الماء الذي يغلي فيه الزبيب انه عصير العنب فهو موضوع آخر ولذلك لو حلف شخص ان لا يأكل العنب فانّ له ان يأكل الزبيب ، ومن جهة اخرى نعلم ان المدار في

١٤٩

فيها ، فإذا جفّ العنب ثم غلى كان موردا لاستصحاب الحرمة المعلقة على الغليان (١).

وقد وجّه إلى هذا الاستصحاب ثلاثة اعتراضات :

الاعتراض الاوّل (٢) : ان اركان الاستصحاب غير تامّة ، لان الجعل

__________________

الحرمة على المادّة الموجودة في العنب وهي باقية في الزبيب ، والذي جفّ هو بحسب الظاهر الماء لا غير ، وعلى أيّ حال فالمثال انما يكون لتقريب الفكرة لا غير.

(١) قال بصحة استصحاب الحكم المعلّق بعض علمائنا كالشيخ الانصاري وصاحب الكفاية والمحقق العراقي ، وانكر صحّته البعض الآخر كالمحقق النائيني والسيد الخوئي ، راجع ان شئت الرسائل الجديدة ص ٣٨٢ واجود التقريرات ج ٢ ص ٤١٠ ومنتهى الاصول ج ٢ ص ٤٦٣ ومصباح الاصول ج ٣ ص ١٣٨.

(قال) السيد الشهيد في التقريرات ج ٦ ص ٢٨١ : «وقد كان المشهور قبل المحقق النائيني (قدس‌سره) جريان هذا الاستصحاب إلّا ان هذا المحقق الكبير برهن على عدم جريانه فاصبح المشهور بعده عدم الجريان.».

(٢) ذكره المحقق النائيني (قدس‌سره) في اجود التقريرات ج ٢ ص ٤١٢ بقوله «ويرد عليه ان ثبوت الحرمة ...» بيان الاعتراض :

اوّلا : في مرحلة الجعل : لا شك في بقاء الحرمة على العصير العنبي إذا غلى ، ولا شك في بقاء الزبيب المغلي على حكمه ، أي أن الركن الثاني غير متحقّق.

ثانيا : في مرحلة المجعول والفعلية : لا يقين بثبوت الحرمة على الزبيب إذا غلى فعلا ، فما ذا نستصحب؟! أي ان الركن الأول غير متحقّق

١٥٠

لا شك في بقائه ، والمجعول (١) لا يقين بحدوثه ، والحرمة على نهج القضية الشرطية امر منتزع عن جعل الحرمة على موضوعها المقدّر الوجود ولا أثر للتعبّد به. ومن اجل هذا الاعتراض بنت مدرسة المحقق النائيني على عدم جريان الاستصحاب في الحكم المعلّق.

وقد يجاب على ذلك بجوابين :

أحدهما : انّا نستصحب سببيّة الغليان للحرمة (٢) وهي حكم وضعي فعلي معلوم حدوثا ومشكوك بقاء.

__________________

ثالثا : لا اثر عمليا لهذا الاستصحاب التعليقي ، لانه ينتج حكما جعليا لا فعليا.

(وبتعبير آخر) انما يجري الاستصحاب إذا ترتّب عليه حكم شرعي فعلي ، واستصحاب القضية الشرطية القائلة «إذا غلى العنب وكان رطبا حرم» اثرها : «إذا غلى العنب وكان جافا فانه يحرم» وهو حكم مشروط لا فعلي.

(وقد) اوضح الشهيد رحمه‌الله مراد المحقق النائيني (قدس‌سره) في التقريرات ج ٦ ص ٢٨٤.

(ملاحظة نحوية) ترانا تارة نقول لا اثر عمليا لهذا الاستصحاب ، وتارة أخرى نقول «لا أثر عمليّ ..» وكلاهما صحيحان ، بل يصح ان نقول ايضا لا أثر عمليّ ..

(١) اي الحرمة الفعلية للزبيب المغلي في الماء لا يقين بحدوثها كي نستصحبها.

(٢) هذا الجواب للشيخ الانصاري (قدس‌سره) ذكره في اجود التقريرات ج ٢ اسفل ص ٤١٢.

١٥١

والردّ على هذا الجواب : انه ان اريد باستصحاب السببية اثبات الحرمة فعلا فهو غير ممكن ، لان الحرمة ليست من الآثار الشرعية للسببيّة (١) بل من الآثار الشرعية لذات السبب الذي رتّب الشارع عليه الحرمة ، وإن اريد بذلك الاقتصار على التعبد بالسببيّة فهو لغو لانها بعنوانها لا تصلح للمنجزية والمعذرية (٢).

__________________

(ملاحظة) اجراء الشيخ الانصاري رضي الله عنه للاستصحاب في السببية ليس اجراء للاستصحاب التعليقي وانما هو استصحاب تنجيزي.

(بيان ذلك) ان الغليان حال كون العنب رطبا كان سببا للحرمة فتستصحب هذه السببية الشرعية حال جفافه ويترتب على هذا الاستصحاب الحرمة مثله كمثل استصحاب الطهارة والنجاسة ونحو ذلك حتّى قبل وجود شيء نشك في طهارته او نجاسته.

(١) ذلك لان السببيّة امر انتزاعي ومفهوم ذهني بحت لا مصداق لها في الخارج فهي النسبة القائمة بين السبب ونتيجته ، والحرمة سببها امر خارجي كالخمر فهو الموضوع للحرمة ، والامر اوضح من ان يشرح.

(٢) وانما الذي يصلح للمنجزية والمعذّرية هو العلم بتحقق موضوع الحكم ، كأن يعلم المكلف بكون المائع الذي امامه خمرا ، وامّا ما لم يعلم فسببية الخمرية للحرمة لا تنجّز ولا تعذّر سواء وجد خمر فعلا ام لا.

(وبتعبير آخر) ان مراده (قدس‌سره) من قوله «... لان السببيّة بعنوانها لا تصلح للمنجزية والمعذريّة» ان السببية لا مصداق خارجي لها انما هي عنوان ينتزعه الذهن من فعل النار ـ مثلا ـ بالورق او الخمر بالانسان وهكذا ، فقال السيد الشهيد رحمه‌الله هنا ان سببية غليان ماء العنب للحرمة بما انها عنوان ذهني فقط لا تنجّز ولا تعذّر ، إن هي إلّا نفس قولنا «ماء العنب إذا غلى حرم» فهو جعل فقط غير قابل للتنجيز والتعذير حتّى يعلم المكلف بتحقق شرائط الحرمة

١٥٢

والجواب الآخر (١) لمدرسة المحقق العراقي ، وهو يقول : ان الاعتراض المذكور (٢) يقوم على اساس ان المجعول (٣) لا يكون فعليا إلّا بوجود تمام اجزاء الموضوع خارجا ، فانه حينئذ يتعذّر استصحاب المجعول في المقام إذ لم يصبح فعليا ليستصحب. ولكن الصحيح ان المجعول ثابت بثبوت الجعل ولانه (٤) منوط بالوجود اللحاظي للموضوع لا بوجوده الخارجي فهو فعلي قبل تحقق الموضوع خارجا.

وقد اردف المحقق العراقي ناقضا على المحقق النائيني بانه أليس المجتهد يجري الاستصحاب في المجعول الكلي قبل ان يتحقق الموضوع خارجا؟! (٥)

__________________

(وخلاصة الرّد) ان السببيّة التي ادّعاها الشيخ الانصاري (قدس‌سره) لا تستصحب لانه لا تنتج إلا سببية ثانية ولا يترتب عليها أثر عملي أي حكم فعلي والا لوقعنا بالاصل المثبت ، لان السببية الثانية هي اثر عقلي كما هو واضح ، (وهذا) الردّ هو للمحقق النائيني رحمه‌الله.

(١) ذكر عين هذا الجواب في تقريرات السيد الهاشمي ج ٦ ص ٢٨٥.

(٢) وهو عدم صحّة الاستصحاب التعليقي لعدم تمامية اركانه.

(٣) أي الحرمة.

(٤) اي ولأنّ الاستصحاب منوط بالوجود اللحاظي للموضوع كما في استصحاب الاعدام ، فان العدم غير موجود خارجا ، ورغم ذلك يصحّ استصحابه مما يعني الاكتفاء بكون المستصحب امرا ذهنيا ، وهنا موضوع القضية المعلّقة موضوع ذهني فيستصحب حكمه. (وفي) نسخة السيد الهاشمي ... الجعل لأنّه منوط.

(٥) كاستصحاب طهارة الثوب على فرض وجود ثوب كان طاهرا واحتملنا عروض نجاسة عليه ، بل نستصحب الحالة السابقة على فرض احتمالنا تغيّر الحالة السابقة كقاعدة كليّة.

١٥٣

ونلاحظ على الجواب المذكور : ان المجعول (١) اذا لوحظ بما هو امر ذهني فهو نفس الجعل المنوط بالوجود اللحاظي للشرط وللموضوع على ما تقدّم في الواجب المشروط ، الّا انّ المجعول حينئذ لا يجري فيه استصحاب الحكم بهذا اللحاظ إذ لا شك في البقاء وانما الشك في حدوث الجعل الزائد على ما عرفت سابقا (٢) ... واذا لوحظ المجعول بما هو صفة (٣) للموضوع الخارجي فهو منوط في هذا اللحاظ بالخارج ،

__________________

(١) أي الحرمة ، ومراده ان يقول في هذه الملاحظة : ان الحرمة اذا لوحظت بما هي امر ذهني فهي نفس الجعل المنوط بالوجود اللحاظي للشرط (كرطوبة العنب) والموضوع (العنب) إلا ان الاستصحاب لا يجري في مرحلة الجعل ، وإذا لوحظت الحرمة بما هي صفة للموضوع الخارجي ـ أي في مرحلة المجعول ـ فاللازم ان يكون الموضوع بكامله موجودا في الخارج ولو تقديرا وافتراضا ، وإلا لا يكون للحرمة فعلية لكي تستصحب. واين هذا من إجراء استصحاب الحرمة بمجرّد افتراض جزء الموضوع (وهو العنب اذا غلى) مع نقصان خصوصية الرطوبة.

(٢) أي .. وانما الشك في وجود جعل بالحرمة على الزبيب المغلي بالماء أيضا ، وقد عرفت سابقا انّ هذا الشك لا يقين سابق له بالحرمة لان الحرمة انما تحصل دفعة واحدة امّا على خصوص العنب المغلي او عليه وعلى الزبيب المغلي أيضا كما فيما لو شككت في ان زيدا قد اقرضك درهما او درهمين في نفس المرّة ، وكما اذا شككت في كون مدّة يمينك ـ أن تصلّي صلاة الليل مثلا ـ شهرا واحدا أو شهرين ، فانّ البراءة تجري في المقدار الزائد.

(٣) أي واذا لوحظ الحكم المجعول ـ كالحرمة ـ بما هو محمول منسوب الى الموضوع الخارجي ..

١٥٤

فما لم يوجد الموضوع بالكامل ولو تقديرا وافتراضا لا يرى للمجعول فعلية لكي يستصحب. ومن ذلك يعرف حال النقض المذكور (١) فان المجتهد يفترض تحقق الموضوع بالكامل فيشك في البقاء مبنيا على هذا الفرض ، واين هذا من اجراء استصحاب الحكم بمجرد افتراض جزء الموضوع؟ وبكلمة اخرى (٢) : ان كفاية ثبوت المجعول بتقدير وجود موضوعه في تصحيح استصحابه شيء وكفاية الثبوت التقديري لنفس المجعول في تصحيح استصحابه دون تواجد تمام الموضوع لا خارجا ولا تقديرا شيء آخر.

__________________

(١) مراده ان يقول : ومن ذلك ـ اي من عدم معرفتنا باصل جعل او فعلية حرمة الزبيب المغلي كي يستصحب ـ يعرف بطلان نقض المحقق العراقي (قدس‌سره) ـ حينما قال : أليس المجتهد يجري الاستصحاب في المجعول الكلي قبل ان يتحقق الموضوع خارجا كما في استصحاب الاعدام ـ فان المجتهد يفترض تحقق كامل الموضوع فيقول مثلا إذا شككت في طهارة او نجاسة ثوب ما فاستصحب الحالة السابقة ، واين هذا من اجراء استصحاب الحرمة؟! وهل هذا إلّا مبنيّ على استصحاب جزء الموضوع وهو استصحاب العنبية والاثر الشرعي لا يترتب على استصحاب جزء الموضوع وانما يترتب على كامل الموضوع؟!

(٢) اي وبكلمة اخرى : ان كفاية ثبوت الحكم المجعول ـ كالحكم بطهارة او نجاسة ثوب ما ـ بتقدير وجود تمام موضوعه ـ وهو تقدير العلم بالحالة السابقة له ـ في تصحيح استصحابه شيء ، وكفاية الثبوت التقديري لبعض اجزاء الموضوع ـ كالعنبية والغليان فقط ـ شيء آخر.

١٥٥

والتحقيق (١) ان اناطة الحكم بالخصوصية الثانية (٢) في مقام الجعل تارة تكون في عرض اناطته بالخصوصية الاولى بان يقال «العنب المغلي حرام» ، واخرى تكون على نحو مترتب وطولي بمعنى ان الحكم يقيد بالخصوصية الثانية وبما هو مقيد بها يناط بالخصوصية الاولى بان يقال : «العنب إذا غلى حرم» فان العنب هنا يكون موضوعا للحرمة المنوطة بالغليان خلافا للفرضية الاولى التي كان العنب المغلي فيها بما هو كذلك موضوعا للحرمة ، ففي الحالة الاولى يتّجه الاعتراض المذكور (٣) ولا يجري الاستصحاب في القضية الشرطية (٤) ، لانها امر منتزع عن الجعل وليست هي الحكم المجعول ، وامّا في الحالة الثانية فلا بأس بجريان

__________________

(١) ذكر هذا التحقيق في التقريرات ج ٦ ص ٢٨٨ ، (وعلى ايّ حال) فمراده هنا ان يقول ان استصحاب العنبية لا يجري إذا فهمنا من الجملة الشرطية معنى «العصير العنبي المغلي حرام» فيكون الحقّ مع المحقق النائيني لكون معنى القضية الشرطية نفس معنى القضية التنجيزية ، ويجري استصحاب العنبية إذا كانت القضية شرطية من قبيل «العصير العنبي إذا غلى حرم» خلافا للمحقق النائيني.

(٢) وهي الغليان ـ في المثال المفروض ـ.

(٣) الذي ذكره المحقق النائيني والذي عرفت أن مفاده عدم صحّة الاستصحاب التعليقي لعدم تمامية أركان الاستصحاب.

(٤) التي هي بمعنى القضية التنجيزية. وانما قال الشرطية ولم يقل التنجيزية لانّ كلامنا في مجال استصحاب القضايا الشرطية لا التنجيزية.

(ولا) يجري الاستصحاب في هذه القضية الشرطية لانها ليست حكما مجعولا للشارع وانما هي قضية انتزاعية انتزعت من القضية التنجيزية.

١٥٦

الاستصحاب في نفس القضية الشرطية التي وقع العنب موضوعا لها ، لانها مجعولة من قبل الشارع بما هي شرطية ومرتّبة على عنوان العنب ، فالعنب موضوع للقضية الشرطية حدوثا يقينا ويشك في استمرار ذلك بقاء فتستصحب (١).

__________________

(١) اي القضية الشرطية ـ لا موضوعها(*)

__________________

(*) هنا ثلاث كلمات :

الكلمة الاولى : الذي يفهمه القارئ من استصحاب القضية الشرطية هو نفس السببية التي ادّعاها الشيخ الانصاري ، وذلك لان قوام القضية الشرطية انما هو بشرطها ومحمولها والتوقف والذي يسمّى بالسببية ، فان لم يستصحب السيد الماتن احد الاوّلين فانه بالتالي يتعيّن الثالث ولا رابع في البين ، والسيد [قدس‌سره] كما عرفت لم يقبل باستصحاب السببية فيتعيّن اذن ان نقول بانه يريد استصحاب العنبية ليترتب عليها الحرمة. [ولا معنى] لأن يفسّر استصحاب القضية الشرطية باستصحابها برمّتها موضوعا وشرطا ومحمولا وتوقّفا لان الشك في تغير موضوعها لا غير فإذا عولجت مشكلة هذا التغير ولو بالاستصحاب يحكم ببقاء الحكم وإلّا فلا يحكم ببقائه ، [ولذلك] فلا بدّ من تفسير كلام السيد رحمه‌الله باستصحاب الموضوع وإن كان هذا التفسير خلاف ظاهر كلاميه هنا وفي التقريرات [ويؤيّد] تفسيرنا بارادته استصحاب الموضوع قوله هنا : ((فالعنب موضوع للقضية الشرطية حدوثا يقينا ويشك في استمرار ذلك ـ اي كونه عنبا ـ بقاء فتستصحب ـ اي هذه القضية الشرطية ـ في طول استصحاب العنبية))!.

الكلمة الثانية : انه لا فرق بين قولينا ((العصير العنبي المغلي حرام)) و ((العصير العنبي إذا غلى حرم)) من ناحية توقّف الحكم في كل منهما على هاتين الخصوصيتين ، وإن قد يعترف بالفرق بينهما في مجال المفهوم. [وبتعبير آخر] انه لا فرق بينهما من ناحية توقف الحكم وأنّ ((إذا غلى)) وإن كان قيدا للحكم فان مرادهم منه أنه من شرائط الموضوع الذي يتوقف الحكم عليها ، فالحكم الفعلي يتوقف على فعلية كل اجزاء الموضوع

١٥٧

الاعتراض الثاني (١) : إنّا إذا سلّمنا تواجد ركني الاستصحاب في القضية الشرطية فلا نسلم جريان الاستصحاب مع ذلك ، لأنّه انما يثبت الحكم المشروط (٢) وهو لا يقبل التنجّز. وامّا ما يقبل التنجّز فهو الحكم الفعلي ، فما لم يكن المجعول فعليا لا يتنجّز الحكم (٣) ، واثبات فعلية المجعول عند وجود الشرط باستصحاب الحكم المشروط متعذّر ، لان

__________________

(١) ذكر هذا الاعتراض في التقريرات ص ٢٨٩ ، ويريد ان يقول فيه بعدم جريان الاستصحاب التعليقي لعدم ترتّب اثر عملي على هذا الاستصحاب ، واثبات وجود اثر عملي. وهو فعلية حرمة الزبيب عند الغليان. باستصحاب حرمة العصير العنبي المغلي متعذّر لان اثر الاستصحاب التعليقي هو قضية شرطية ثانية وهي «العنب اليابس إذا غلى فانه يحرم» ، وهذه القضية الشرطية ليست حكما فعليا ، او قل ليست هي حرمة فعلية إن هي إلا بمثابة جعل آخر ، ولا تترتب الحرمة الفعلية إلّا بالاصل المثبت اي لا تترتب إلّا بعد ترتب القضية الشرطية الثانية.

(٢) اي المعلّق وهو ليس أثرا عمليا فعليا. وهذا الحكم المشروط لا يقبل التنجّز طالما انه مشروط. وأمّا الأثر الشرعي الذي يقبل التنجّز فهو من قبيل الحكم بجواز شرب الماء المسبوق بالطهارة ، فانه أثر شرعي يقبل التنجّز علينا.

(٣) بالعلم بفعلية الحكم.

__________________

وشرائطه ومنها ((إذا غلى)) ، فلا وجه للتفرقة بينهما في هذا المجال.

والثالثة : ان قوله بعدم جريان استصحاب العنبية في الحالة الاولى صحيح لكن في كلتا الحالتين لا يجري الاستصحاب لنفس الدليل بعد عدم وجود فرق بين الحالتين ، كما عرفت.

١٥٨

ترتب فعلية المجعول عند وجود الشرط على ثبوت الحكم المشروط عقلي وليس شرعيا.

ونلاحظ على ذلك :

أوّلا : انه (١) يكفي في التنجيز ايصال الحكم المشروط [وهو كبرى القياس] مع احراز الشرط [وهو الصغرى] ، لانّ وصول الكبرى والصغرى معا كاف لحكم العقل بوجوب الامتثال.

وثانيا : ان (٢) دليل الاستصحاب اذا بنينا على تكفّله لجعل الحكم

__________________

(١) يقول هنا الماتن (قدس‌سره) : ايها المحقق المعترض انت تقول بانه لا يوجد اثر شرعي لهذا الاستصحاب ولذلك لا يجري ، فقال السيد الشهيد كلامك هذا صحيح (ولكننا) يمكن لنا الاستغناء عن هذا الركن الرابع (وهو لزوم وجود أثر شرعي للمستصحب) وذلك حينما تتحقق الصغرى. كالغليان في مثالنا المفروض. والكبرى وهي الزبيب اذا غلى حرم ، فاذا تحقّقتا حكم العقل بالمنجّزية بلا حاجة الى ترتب اثر شرعي على المستصحب مباشرة.

فخلاصة الاعتراض وجوابه انّ المعترض قال انّ ترتب الحرمة الفعلية على تحقق الشرط ترتّب عقلي لا شرعي ، فاجابه السيد الشهيد فقال فليكن الترتّب عقليا ، أيّ ضرر من هذا؟! فليكن الترتب عقليا فانه اثر عمليّ واضح.

(٢) يريد ان يقول الشهيد رحمه‌الله هنا بوجود اثر عملي عند تحقق الغليان بناء على مسلك جعل الحكم المماثل وذلك بتقريب انه بناء على ثبوت حكم ظاهري بحرمة الزبيب إذا غلى بشفاعة استصحاب حرمة العصير العنبي إذا غلى فان لازم «ثبوت حكم ظاهري بحرمة الزبيب إذا غلى» انه إذا غلى فانه بحكم العقل سيحرم فعلا. وبتعبير آخر انك حينما

١٥٩

المماثل كان مفاده في المقام ثبوت حكم مشروط ظاهري ، وتحوّل هذا الحكم الظاهري إلى فعلي عند وجود الشرط لازم عقلي لنفس الحكم الاستصحابي المذكور لا للمستصحب ، وقد مرّ بنا سابقا ان اللوازم العقلية لنفس الاستصحاب تترتب عليه بلا اشكال.

الاعتراض الثالث (١) : ان استصحاب الحكم المعلّق معارض باستصحاب الحكم المنجّز ، ففي مثال العنب كما يعلم بالحرمة المعلّقة على الغليان سابقا كذلك يعلم بالحلية الفعلية المنجّزة قبل الغليان فتستصحب ، ويتعارض الاستصحابان.

__________________

تستصحب «حرمة العصير العنبي إذا غلى» إلى الزبيب إذا غلى فان لازم استصحاب هذه الحرمة المعلّقة انها تتحوّل عقلا إلى فعلية عند تحقق الغليان ، وذلك لما مرّ سابقا من ان اللوازم العقلية للاستصحاب تترتب. بخلاف اللوازم العقلية للمستصحب. فلو استصحبت نجاسة الاناءين المتنجسين سابقا واللذين قد طهّرت احدهما او كليهما. بمعنى انك نسيت هل طهرت احدهما او كليهما. فان لازم هذا الاستصحاب وجوب الاجتناب عقلا عنهما معا وهو يثبت رغم انه لازم عقلي للاستصحاب.

(١) ذكر هذا الاعتراض مع جوابيه في تقريرات السيد الهاشمي ج ٦ ص ٢٩٠.

(ومفاده) ان استصحاب حرمة عصير العنب المعلّقة على الغليان إلى الزبيب معارض باستصحاب حلّية العنب ما لم يغل إلى حالة الزبيب بعد الغليان.

١٦٠