دروس في علم الأصول - ج ٤

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر

دروس في علم الأصول - ج ٤

المؤلف:

آية الله السيّد محمّد باقر الصدر


المحقق: الشيخ ناجي طالب آل فقيه العاملي
الموضوع : أصول الفقه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٧١

١
٢

٣

٤

الاستصحاب

٥
٦

الاصول العمليّة

ـ ٣ ـ

الاستصحاب

١ ـ أدلّة الاستصحاب

٢ ـ الاستصحاب أصل او أمارة

٣ ـ أركان الاستصحاب

٤ ـ مقدار ما يثبت بالاستصحاب

٥ ـ عموم جريان الاستصحاب

٦ ـ تطبيقات

٧
٨

أدلّة الاستصحاب

الاستصحاب قاعدة من القواعد الاصولية المعروفة ، وقد تقدّم في الحلقة السابقة الكلام عن تعريفه والتمييز بينه وبين قاعدة اليقين وقاعدة المقتضي والمانع. والمهم الآن استعراض أدلّة هذه القاعدة ، ولمّا كان أهمّ أدلّتها الروايات فسنعرض فيما يلي عددا من الروايات التي استدل بها على الاستصحاب كقاعدة عامّة :

الرواية الاولى :

رواية زرارة قال قلت له (١) : الرجل ينام وهو على وضوء ، أتوجب الخفقة والخفقتان عليه الوضوء؟ فقال : يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب والاذن ، فإذا نامت العين والاذن والقلب وجب الوضوء. قلت فان

__________________

(١) هذه الرّواية ـ كما ترى ـ مضمرة ، إلّا ان اضمارها لا يضرّ في صحّتها لكون راويها الاخير «شيخ اصحابنا في زمانه ومتقدّمهم وكان قارئا فقيها متكلما ...» كما وصفه النجاشي ، وعدّه الكشّي من جملة الفقهاء الذين اجتمعت العصابة على تصديقهم وانقادوا لهم بالفقه .. ثم قال : «فقالوا افقه الاوّلين ستّة زرارة و... قالوا وافقه الستّة زرارة» ، يؤيّد هذا نفس المتن الواضح انّه من الإمام ، مع روايات اخرى تؤيّدها ، كل هذا يجعلنا في غاية الاطمئنان بان المجيب هو الامام عليه‌السلام. ولا اظن انّ احدا من علمائنا ناقش في سند هذه الرواية.

٩

حرّك على جنبه شيء ولم يعلم به؟ قال : «لا ، حتّى يستيقن أنّه قد نام حتّى يجيء من ذلك أمر بيّن ، وإلّا فانّه على يقين من وضوئه ، ولا تنقض اليقين ابدا بالشك ، وانّما تنقضه بيقين آخر» (١).

وتقريب الاستدلال : أنّه حكم ببقاء الوضوء مع الشك في انتقاضه تمسّكا بالاستصحاب ، وظهور التعليل في كونه بأمر عرفي مركوز (٢) يقتضي كون الملحوظ فيه كبرى الاستصحاب المركوزة لا قاعدة مختصّة بباب الوضوء ، فيتعيّن حمل اللام في اليقين والشك على الجنس ، لا العهد إلى اليقين والشك في باب الوضوء خاصّة ، وقد تقدّم في الحلقة السابقة تفصيل الكلام عن فقه فقرة الاستدلال وتقريب دلالتها وإثبات كليّتها فلاحظ (*).

__________________

(١) وسائل ج ١ / باب ١ من ابواب نواقض الوضوء ح ١ ص ١٧٤.

(٢) هذه كلمة مهمّة وهي ان الاستصحاب قاعدة عرفية تناسب فطرة الإنسان لا تعبّدية محضة ، اجعلها في ذهنك وستأتيك فوائدها بعد حين. (انظر مثلا ص ٤٩ ـ ٥٠).

__________________

(*) ملخّص الكلام في هذه الجهات الثلاث :

(أوّلا) حول فقه الرواية : ما يفهم من الرواية هو انّ الامام عليه‌السلام قال له انّه لا اعتداد بعدم علمه بما حرّك على جنبه حتّى يستيقن أنه قد نام ، وإلّا فان لم يستيقن بذلك فانه ـ اي بنحو التأكيد ـ على يقين من انه قد توضّأ ، ولا يصحّ لمن هو على يقين ان ينقض يقينه أبدا بالشك ، وانّما ينقضه بيقين آخر. وهذا كلام فني جدّا ، فبدل ان يقول الامام عليه‌السلام وإلّا فان لم يستيقن بذلك فلا يجب عليه الوضوء ، قال كلمة تدلّ على علّة عدم وجوب إعادة الوضوء عليه فذكر له الصغرى والكبرى ، مؤكّدا له الصغرى مما يفهم منه أن من كان على يقين من شيء فمن الخطأ عقلائيا ان ينقضه بالشك ، وكأنّ

١٠

__________________

الامام عليه‌السلام يتعجّب ممّن هو على يقين ان ينقض يقينه بالشك. ولك ان تقول كأن الامام عليه‌السلام يريد ان يثير عند زرارة من خلال هذا التأكيد حسّ الالتفات الى امر عقلائي ، فذكر الصغرى بصورة التأكيد فقال : ((فانّه على يقين من وضوئه)) هذا من جهة ،

ـ وأمّا من جهة تعيين المستصحب فسيأتيك دليلان عقلي ونقلي. في تعليقتنا المطوّلة الاخيرة على الركن الثاني من اركان الاستصحاب. انّه عدم طروء العارض المشكوك عروضه على الموضوع ، كالنجاسة المشكوكة العروض على الثوب ، لا ان المستصحب اوّلا وبالذات هو الحالة السابقة المتيقّنة كالطهارة المعلومة سابقا ...

ـ وامّا من حيث اصولية هذه القاعدة او أماريّتها فسيأتيك في تعليقتنا على مسألة ((الاستصحاب اصل أو أمارة)) انها اصل محرز عقلائي المنشأ وسّعها الشارع ، وذلك لأن العقلاء لا يعملون إلّا بالاطمئنانات ، والاستصحاب يجري حتى مع الظن بزوال الحالة الاولى ، ولذلك قلنا وسّعها الشارع المقدس ...

(ثانيا) وامّا تقريب دلالتها على الاستصحاب لا على قاعدة اليقين فلصراحتها. كما ذكرنا قبل قليل. بكون جملة ((فانّه على يقين من وضوئه)) خبرية ، فالسائل لا يشك في يقينه السابق ، إذن ليس النظر إلى قاعدة اليقين بوجه ، ولذلك تكون كبرى ((ولا تنقض اليقين بالشك)) في هذا السياق صريحة في ارادة الاستصحاب.

(ثالثا) حول اثبات كلّية هذه الكبرى فنقول : لا شك انّك لاحظت من سياق الرواية ان الكبرى المذكورة في هذه الرواية واردة في مقام التعليل ، وهذا يعني انها كلّية تجري في سائر الموارد لا انها مخصوصة في مقام الوضوء ، ويزيدك اطمئنانا بكلّيتها ورود هذه القاعدة في مقام التعليل بصراحة في الرواية الثانية ، وورودها أيضا في عدّة موارد متغايرة من أبواب الفقه ...

وعلى أي حال لا ينبغي الشك في كلّية هذه الكبرى.

١١

الرواية الثانية :

وهي رواية اخرى لزرارة قال :

١ ـ قلت : اصاب ثوبي دم رعاف (او غيره) او شيء من مني فعلّمت أثره إلى ان اصيب له (من) الماء ، فاصبت وحضرت الصلاة ونسيت أنّ بثوبي شيئا ، وصلّيت ، ثم اني ذكرت بعد ذلك؟ قال : «تعيد الصلاة وتغسله».

٢ ـ قلت : فاني لم اكن رأيت موضعه وعلمت انه قد أصابه فطلبته فلم اقدر عليه ، فلما صلّيت وجدته؟ قال : «تغسله وتعيد الصلاة».

٣ ـ قلت : فان ظننت أنّه قد اصابه ولم اتيقّن ذلك ، فنظرت فلم أر شيئا ، ثم صلّيت فرأيت فيه؟ قال : «تغسله ولا تعيد الصلاة». قلت : ولم ذلك؟ قال : «لانّك كنت على يقين من طهارتك ، ثم شككت ، وليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك أبدا».

٤ ـ قلت : فانّي قد علمت انّه قد أصابه ولم ادر أين هو فأغسله؟ قال : «تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنّه قد اصابها حتّى تكون على يقين من طهارتك».

٥ ـ قلت : فهل عليّ إن شككت في أنّه اصابه شيء أن انظر فيه؟ قال : «لا ، ولكنك انّما تريد ان تذهب الشك الذي وقع في نفسك».

٦ ـ قلت : إن رأيته في ثوبي وانا في الصلاة؟ قال : «تنقض الصلاة وتعيد إذا شككت في موضع منه ثمّ رأيته ، وإن لم تشك ثمّ رأيته رطبا قطعت الصلاة وغسلته ثم بنيت على الصلاة ، لأنّك لا تدري لعله شيء

١٢

أوقع عليك ، فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك» (١).

وتشتمل هذه الرواية على ستّة اسئلة من الراوي مع أجوبتها ، وموقع الاستدلال ما جاء في الجواب على السؤالين الثالث والسادس ، غير أنّا سنستعرض فقه الاسئلة الستّة واجوبتها جميعا لما لذلك من دخل في تعميق فهم موضعي الاستدلال من الرواية.

ففي السؤال الاوّل يستفهم زرارة عن حكم من علم بنجاسة ثوبه ثم نسي ذلك وصلّى فيه وتذكّر الأمر بعد الصلاة ، وقد افتى الامام بوجوب إعادة الصلاة لوقوعها مع النجاسة المنسيّة وغسل الثوب.

وفي السؤال الثاني سأل عمّن علم بوقوع النجاسة على الثوب ففحص ولم يشخّص موضعه فدخل في الصلاة باحتمال انّ عدم التشخيص مسوّغ للدخول فيها مع النجاسة ما دام لم يصبها بالفحص ، وقوله فطلبته ولم اقدر عليه انما يدلّ على ذلك ، ولا يدلّ على أنّه بعدم التشخيص زال اعتقاده بالنجاسة ، فانّ عدم القدرة (٢) غير حصول التشكيك في الاعتقاد السابق ولا يستلزمه ، وقد افتى الامام بلزوم الغسل والاعادة لوقوع الصلاة مع النجاسة المعلومة إجمالا.

__________________

(١) جامع الاحاديث ج ٢. باب ٢٣ من ابواب النجاسات ح ٦ ، ص ١٦٥. وقد رواها الشيخ الصدوق في العلل بسند صحيح عن زرارة عن ابي جعفر عليه‌السلام.

(٢) أي فان عدم القدرة على وجدان مكان النجاسة لا يعني أنه قد حصل عنده شك في أصل النجاسة ، وانما هو لا يزال معتقدا بحصول النجاسة.

١٣

وفي السؤال الثالث افترض زرارة انّه ظنّ الاصابة ففحص فلم يجد فصلّى فوجد النجاسة ، فافتى الامام بعدم الاعادة وعلّل ذلك بانه كان على يقين من الطهارة فشك ، ولا ينبغي نقض اليقين بالشك.

وهذا المقطع هو الموضع الاوّل للاستدلال ، وفي بادئ الامر يمكن طرح اربع فرضيّات في تصوير الحالة التي طرحت في هذا المقطع :

. الفرضيّة الاولى : ان يفرض حصول القطع بعدم النجاسة عند الفحص وعدم الوجدان (١) ، وحصول القطع عند الوجدان بعد الصلاة بانّ النجاسة هي نفس ما فحص عنه ولم يجده أوّلا (٢) ، وهذه الفرضيّة غير منطبقة على المقطع جزما ، لأنّها لا تشتمل على شك لا قبل الصلاة ولا بعدها ، مع انّ الامام قد افترض الشك وطبق قاعدة من قواعد الشك ...

. الفرضيّة الثانية : ان يفرض حصول القطع بعدم النجاسة عند الفحص كما سبق ، والشكّ عند وجدان النجاسة بعد الصلاة في انّها تلك او نجاسة متاخّرة (٣) ، وهذه الفرضيّة تصلح لاجراء الاستصحاب فعلا في

__________________

(١) من باب حسن الظن بزرارة(*).

(٢) بقرينة مثال المني

(٣) بقرينة قوله عليه‌السلام في المقطع السادس «لانك لا تدري لعلّه شيء اوقع عليك»

__________________

(* ١) [أقول] ظاهر قول زرارة ((فنظرت فلم أر شيئا)) لا يعني إلّا الجهل باصابة النجاسة ثوبه ، وهذا يضادّ تماما حصول القطع بعدم النجاسة ، هذا اوّلا ، وثانيا : حتّى الإمام عليه‌السلام فهم هذا المعنى فقال : ((لانك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت ..)) ، ولذلك لا وجه لذكر هذه الفرضيّة ، وكذلك الكلام في الفرضيّة الثانية.

١٤

ظرف السؤال (١) ، لأنّ المكلّف على يقين من عدم النجاسة قبل ظنّ الاصابة فيستصحب (٢). كما انّها تصلح لاجراء قاعدة اليقين فعلا في ظرف السؤال ، لأنّ المكلّف كان على يقين من الطهارة بعد الفحص وقد شك الآن في صحّة يقينه هذا.

. الفرضيّة الثالثة : عكس الفرضيّة السابقة بأن يفرض عدم حصول القطع بالعدم عند الفحص ، وحصول القطع عند وجدان النجاسة بانّها ما فحص عنه (٣). وفي مثل ذلك لا يمكن إجراء اي قاعدة للشك فعلا في ظرف السؤال لعدم الشك ، وإنّما الممكن جريان الاستصحاب في ظرف الفحص (٤) والاقدام على الصلاة.

. الفرضيّة الرابعة : عكس الفرضيّة الاولى بافتراض الشك حين الفحص وحين الوجدان (٥) ، ولا مجال حينئذ لقاعدة اليقين إذ لم يحصل شك في خطأ اليقين السابق ، وهناك مجال لجريان الاستصحاب حال الصلاة وحال السؤال معا (*).

__________________

(١) وهو بعد الصلاة.

(٢) اي فيستصحب ثبوت الطهارة إلى ما بعد الصلاة لاحتمال ان تكون هذه النجاسة التي شوهدت بعد الصلاة قد حصلت بعد الصلاة كما هو الفرض.

(٣) وهذا يناسب حالة كون النجاسة هي المنيّ.

(٤) اي قبل الصلاة.

(٥) وهذا الوجه يناسب كون النجاسة هي دم الرّعاف.

__________________

(*) الصحيح ان كلا الاحتمالين [الثالث والرابع] يحتملهما قول زرارة ((فرأيت فيه)) ، [فعلى] هذا الاحتمال الرابع يكون مورد جريان الاستصحاب هو ظرف الشك المذكور في السؤال

١٥

__________________

وهو من حين الشروع في الصلاة إلى اقصى حد ممكن بعد الصلاة وقبل رؤيته ، وهو في الواقع استصحاب واحد [لا استصحابان كما يقول سيدنا الشهيد] ، نعم لو لم ير نجاسة بعد الصلاة لقلنا ان الاستصحاب يكون بلحاظ حال الصلاة ، لكنه وجد نجاسة بعد الصلاة فقد تكون قد اتت بعد الصلاة من الرّعاف مثلا ، وجد ان هذه النجاسة بعد الصلاة كان السبب في ديمومة ظرف الشك إلى ما بعد الصلاة وجريان الاستصحاب في هذا الظرف الممتد إلى ما بعد الصلاة. وهذا الكلام يصحّ في امثال حالة دم الرّعاف ونحوه مما يحتمل حصوله بعد الصلاة ، وقد يكون المراد من قوله ((فرأيت فيه)) هي هذه الحالة بقرينة ما ذكره الامام في جواب السؤال السادس بقوله ((وإن لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت الصلاة وغسلته ثم بنيت على الصلاة ، لأنك لا تدري لعلّه شيء أوقع عليك)).

وامّا في فرض اصابة المني لثوبه ورؤيته بعد الصلاة فهذا يكون عادة نفس النجاسة الاولى ، ويكون جريان الاستصحاب ح بلحاظ ظرف الصلاة فقط.

وبتعبير آخر قول زرارة ((فرأيت فيه)) له وجهان :

الاوّل : فرأيت نفس النجاسة المظنونة سابقا والتي بحثت عنها فلم أجدها ، ثم بعد الصلاة رأيتها. وهذا الوجه يناسب مثال المني ، ولذلك فهو يناسب الجامع بين دم الرعاف والمني.

والثاني : فرأيت نجاسة فيه لا أدري هل هي نفس السابقة المظنونة ام نجاسة جديدة ، وهذا يتناسب مع دم الرّعاف ومع الجواب على الشقّ الثاني من السؤال السادس من قول الامام عليه‌السلام ((لانك لا تدري لعلّه شيء أوقع عليك ...)).

وهنا تستفيد عدّة فوائد :

الاولى : بما انّ الوجه الاوّل محتمل من زرارة ، إذ قد يكون مراده انّه لو شك شخص في اصابة المني لثوب معيّن. مع علمه بخروج المني. ولم يتيقّن فنظر فلم ير شيئا ، فصلّى وبعد الصلاة رأى ان المني كان قد اصاب هذا الثوب المعيّن وانه قد صلّى مع النجاسة ، فاجابه الامام عليه‌السلام بانك كنت على يقين من طهارة ثوبك ثم شككت وليس ينبغي لك ان تنقض اليقين بالشك أبدا ، وهذا الاستصحاب ناظر إلى ظرف الفحص والصلاة كما هو واضح

١٦

ومن هنا يعرف ان الاستدلال بالمقطع المذكور على الاستصحاب موقوف على حمله على احدى الفرضيّتين الاخيرتين ، أو على الفرضيّة الثانية مع استظهار إرادة الاستصحاب.

وفي السؤال الرابع سأل عن حالة العلم الاجمالي بالنجاسة في الثوب ، وأجيب بلزوم الاعتناء والاحتياط.

وفي السؤال الخامس سأل عن وجوب الفحص عند الشك ، واجيب بالعدم.

وفي السؤال السادس يقع الموضع الثاني من الاستدلال بالرواية ، حيث إنّه سأل عما إذا وجد النجاسة في الصلاة ، فاجيب بانّه إذا كان قد شك في موضع منه ثم رآه [كما في مثال المني] قطع الصلاة وأعادها ، وإذا لم يشك ثمّ رآه رطبا غسله وبنى على صلاته لاحتمال عدم سبق النجس ، ولا ينبغي ان ينقض اليقين بالشك.

__________________

الثانية : بناء على ما ذكرناه في الفائدة الاولى تعرف ان الصلاة في ثوب نجس واقعا طاهر ظاهرا صحيحة وهذا يعني ان الطهارة المشروطة في الصلاة هي الأعمّ من الواقعية والظاهرية ، وهذا امر قريب جدّا إلى ذوق المتشرّعة ومنهج الشرع الحنيف ، ولهذا الكلام تتمّة مضى بعضها في بحث ((التصويب بالنسبة إلى بعض الاحكام الظاهرية)) ص ٧١ ـ ٧٢ من الجزء الاوّل ، ويأتي بعضها الآخر بعد قليل عند التعليق على ادّعاء الشيخ الانصاري وقوع التعارض ....

والثالثة : وهي مبنية على الوجه الثاني وقد علمت بيانه قبل قليل ، وعرفت ايضا ان ظرف الاستصحاب ـ على هذا الوجه ـ يمتدّ من حين الشروع بالصلاة إلى آخر وقت ممكن بعد الصلاة وقبل الرؤية.

١٧

ويحتمل ان يراد بالشقّ الاوّل صورة العلم الاجمالي ، وبالشق الثاني المبدوء بقوله «وإن لم تشك» صورة الشك البدوي.

ويحتمل ان يراد بالشقّ الاول صورة الشك البدوي السابق ثمّ وجدان نفس ما كان يشك فيه ، وبالشقّ الثاني صورة عدم وجود شك سابق ومفاجأة النجاسة للمصلّي في الاثناء. ولكلّ من الاحتمالين معزّزات (*) ،

__________________

(*) هنا كلمات ، الكلمة الاولى : هي عدم ارادة صورة العلم الاجمالي في الشقّ الاوّل من جواب الامام عليه‌السلام على هذا السؤال السادس ، وذلك بقرينة سبق سؤال زرارة الخامس وهو ((فهل عليّ إن شككت في انّه اصابه شيء ان انظر فيه؟)) قال عليه‌السلام لا .. قلت إن رأيته في ثوبي وانا في الصلاة؟ ومعنى ذلك ارادة صورة حصول شك بدوي سابق [اي قبل الصلاة] ثم وجدان نفس ما كان يشك فيه. وقول الامام ((في موضع منه)) مقدّمة لقوله ((ثمّ رأيته)) وللاستفادة من وحدة الموضع وحدة النجاسة.

الكلمة الثانية : لم نجد وجها لإرادة العلم الإجمالي.

الكلمة الثالثة : مراد المصنّف [قدس‌سره] من قوله ((وإن لم تشك)) في الاحتمال الاوّل هو وإن لم تشك شكّا بدويا [وانت ملتفت] وهو يعني القطع بعدم النجاسة.

ومراده من ((صورة عدم وجود شك سابق ومفاجأة النجاسة للمصلّي في الاثناء)) ما يساوق الغفلة عن احتمال وجود نجاسة ، ولا سيّما لمقابلتها لصورة ((الشك البدوي السابق ثم وجدان نفس ما كان يشك فيه)) والتي تعني صورة وجود التفات واحتمال للنجاسة قبل الصلاة.

وسيأتي تفصيل الكلام عن الشقّ الثاني من السؤال السادس بعد بضع صفحات [في المقام الثاني ص ٢٦].

الكلمة الرابعة : إنّه قد سبق منا ـ في التعليقة الأخيرة على السؤال الثالث ـ القول بانّ قول زرارة ((فرأيت فيه)) يحتمل وجهين بمعنى انّه يحتمل ارادة احدهما او كليهما ، فعلى احتمال ارادة وحدة النجاسة يكون الامام قد افتاه بصحّة الصلاة رغم وقوعها

١٨

والنتيجة المفهومة واحدة على التقديرين ، وهي ان النجاسة المرئية في اثناء الصلاة إذا علم بسبقها بطلت الصلاة وإلّا جرى استصحاب الطهارة وكفى غسلها وإكمال الصلاة.

وقد ادّعي في كلمات الشيخ الانصاري وقوع التعارض بين هذه الفتوى في الرواية والفتوى الواقعة في جواب السؤال الثالث إذا حملت على الفرضيّة الثالثة ، إذ في كلتا الحالتين وقعت الصلاة في النجاسة جهلا إمّا بتمامها ـ كما في مورد السؤال الثالث ـ او بجزء منها ـ كما في مورد السؤال السادس ـ ، فكيف حكم بصحّة الصلاة في الاوّل وبطلانها في الثاني؟

والجواب : إنّ كون النجاسة قد انكشفت وعلمت في اثناء الصلاة قد يكون له دخل في عدم العفو عنها ، فلا يلزم من العفو عن نجاسة لم تعلم اثناء الصلاة العفو عن نجاسة علمت كذلك.

هذا حاصل الكلام في فقه الرواية.

وامّا تفصيل الكلام في موقعي الاستدلال فيقع في مقامين :

__________________

بمجموعها مع النجاسة ، وامّا في الشق الاوّل من السؤال السادس فقد افتى الامام بنقض الصلاة وإعادتها وذلك لوقوع بعضها مع النجاسة ، فيتراءى في النظرة الاولى وجود تناقض في كلامي الامام وهما :

. صحّة الصلاة مع وقوعها بمجموعها مع النجاسة.

. وبطلان الصلاة مع وقوع بعضها مع النجاسة.

وهذا ما أثار الشيخ الانصاري فقال كلامه الآتي. [راجع الرسائل الجديدة ص ٣٥٣].

١٩

* المقام الاوّل : في الموقع الاوّل ، والكلام فيه في جهات :

الجهة الاولى : ان الظاهر من جواب الامام تطبيق الاستصحاب لا قاعدة اليقين ، وذلك لأنّ تطبيق الامام لقاعدة على السائل متوقّف على ان يكون كلامه ظاهرا في تواجد اركان تلك القاعدة في حالته المفروضة ، ولا شك في ظهور كلام السائل في تواجد اركان الاستصحاب من اليقين بعدم النجاسة حدوثا والشك في بقائها ، وامّا تواجد اركان قاعدة اليقين فهو متوقّف على ان يكون قوله : «فنظرت فلم أر شيئا ...» مفيدا لحصول اليقين بعدم النجاسة حين الصلاة بسبب الفحص وعدم الوجدان ، وان يكون قوله «فرأيت فيه» مفيدا لرؤية نجاسة يشك في كونها هي المفحوص عنها سابقا ، مع (١) انّ العبارة الاولى ليست ظاهرة عرفا في افتراض حصول اليقين حتّى لو سلّمنا ظهور العبارة الثانية في الشك.

الجهة الثانية : ان الاستصحاب هل اجري بلحاظ حال الصلاة او بلحاظ حال السؤال؟ وتوضيح ذلك : ان قوله «فرأيت فيه» ان كان ظاهرا

__________________

(١) قوله «مع ان العبارة ...» جواب على توهّم ارادة قاعدة اليقين.

(بيان التوهّم) قد يقال انّ نظر السائل في الفقرة الثالثة الى قاعدة اليقين بدليل حصول اليقين عنده من فحصه عن النجاسة وعدم وجدانه لها ، ثم بعد الصلاة رآها فشك في صحّة اعتقاده الأول ، وهذا مورد قاعدة اليقين. (فأجاب) سيدنا الماتن رحمه‌الله على هذا التوهّم بأن قول السائل «فنظرت فلم أر شيئا» ليس ظاهرا في حصول اليقين بعدم النجاسة ... و (كان) الأولى أن يقول رضي الله عنه مع ان عدم وجدانه للنجاسة ليس ظاهرا عرفا ..

٢٠