تفسير البغوي - ج ٤

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي

تفسير البغوي - ج ٤

المؤلف:

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي


المحقق: عبدالرزاق المهدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٧

وقال الضحاك : نزلت في وفد بني تميم الذي ذكرناهم ، كانوا يستهزءون بفقراء أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثل عمار وخبّاب وبلال وصهيب وسلمان وسالم مولى أبي حذيفة ، لما رأوا من رثاثة حالهم ، فأنزل الله تعالى في الذين آمنوا منهم : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ) أي رجال من رجال ، والقوم اسم يجمع الرجال والنساء ، وقد يختص بجمع الرجال ، (عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَ).

روي عن أنس أنها نزلت في نساء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين عيرن أم سلمة بالقصر (١).

[٢٠٠٤] وعن عكرمة عن ابن عباس : أنها نزلت في صفية بنت حيي بن أخطب ، قال لها النساء : يهودية بنت يهوديين.

(وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) ، أي لا يعب بعضكم بعضا ، ولا يطعن بعضكم على بعض ، (وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ) ، التنابز التفاعل من النبز وهو اللقب ، وهو أن يدعى الإنسان بغير ما سمي به. قال عكرمة : هو قول الرجل للرجل يا فاسق يا منافق يا كافر. وقال الحسن : كان اليهودي والنصراني يسلم ، فيقال له بعد إسلامه يا يهودي يا نصراني ، فنهوا عنه ذلك. قال عطاء : هو أن تقول لأخيك : يا كلب يا حمار يا خنزير.

وروي عن ابن عباس : قال : التنابز بالألقاب أن يكون الرجل عمل السيئات ثم تاب عنها فنهي أن يعير بما سلف عن عمله ، (بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ) ، أي بئس الاسم أن يقول يا يهودي أو يا فاسق بعد ما آمن وتاب ، وقيل معناه : إن من فعل ما نهي عنه من السخرية واللمز والنبز فهو فاسق ، وبئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ، فلا تفعلوا ذلك فتستحقوا اسم الفسوق ، (وَمَنْ لَمْ يَتُبْ) ، من ذلك ، (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (١٢))

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِ).

[٢٠٠٥] قيل : نزلت الآية في رجلين اغتابا رفيقهما ، وذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا غزا أو سافر

__________________

[٢٠٠٤] ـ ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٧٦٤ عن عكرمة عن ابن عباس به معلقا بدون إسناد.

ـ وأخرج الترمذي ٣٨٩٤ وابن حبان ٧٢١١ وعبد الرزاق في «المصنف» ٢٠٩٢١ وأحمد ٦ / ١٣٥ ـ ١٣٦ عن أنس قال : «بلغ صفية أن حفصة قالت لها : ابنة يهودي ، فدخل عليها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهي تبكي ، فقال لها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وما يبكيك؟ قالت : قالت لي حفصة إني بنت يهودي ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إنك لابنة نبي ، وإن عمك لنبي ، وإنك لتحت نبي ، فبم تفخر عليك ، ثم قال : اتق الله يا حفصة».

ـ وإسناده على شرط الشيخين ، لكن ليس فيه ذكر نزول الآية كما ترى.

ـ فهذا الذي صح في شأن صفية ، وذكر نزول الآية لا يصح.

[٢٠٠٥] ـ ضعيف جدا. ذكره ابن كثير في «تفسيره» ٤ / ٢٥٤ ونسبه للسدي بدون ذكر الإسناد ، وهذا معضل ، وكذا ذكره السيوطي في «الدر» ٦ / ١٠٢ ونسبه لابن أبي حاتم عن السدي ، ومع إرساله السدي عنده مناكير.

ـ وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» ٤ / ٣٧٤ : ذكره الثعلبي وربيعة ، بغير سند ولا راو.

(١) في المخطوط (ب) «في».

٢٦١

ضم الرجل المحتاج إلى رجلين موسرين يخدمهما ، ويتقدم لهما إلى المنزل فيهيئ لهما ما يصلحهما من الطعام والشراب ، فضم سلمان الفارسي إلى رجلين في بعض أسفاره ، فتقدم سلمان إلى المنزل فغلبته عيناه فلم يهيئ لهما شيئا ، فلما قدما قالا له : ما صنعت شيئا؟ قال : لا غلبتني عيناي ، قالا له : انطلق إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاطلب لنا منه طعاما ، فجاء سلمان إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسأله طعاما ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «انطلق إلى أسامة بن زيد وقل له إن كان عنده فضل من طعام وإدام فليعطك» وكان أسامة خازن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على رحله ، فأتاه فقال : ما عندي شيء ، فرجع سلمان إليهما وأخبرهما ، فقالا : كان عند أسامة طعاما ولكن بخل ، فبعثا سلمان إلى طائفة من الصحابة فلم يجد عندهم شيئا ، فلما رجع قالا : لو بعثناك إلى بئر سميحة لغار ماؤها ، ثم انطلقا يتجسسان هل عند أسامة ما أمر لهما به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما جاءا إلى رسول الله قال لهما : «ما لي أرى خضرة اللحم في أفواهكما» قالا : والله يا رسول الله ما تناولنا يومنا هذا لحما ، قال : «بل ظللتم تأكلون لحم سلمان وأسامة» فأنزل الله عزوجل : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِ).

وأراد أن يظن بأهل الخير شرا (١) ، (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) ، قال سفيان الثوري : الظن ظنان : أحدهما : إثم ، وهو أن تظن وتتكلم به ، والآخر : ليس بإثم وهو أن تظن ولا تتكلم. (وَلا تَجَسَّسُوا) ، التجسس هو البحث عن عيوب الناس ، نهى الله تعالى عن البحث عن المستور من أمور (٢) الناس وتتبع عوارتهم حتى لا يظهر على ما ستره الله منها.

[٢٠٠٦] أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الصمد الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث (٣) ولا تجسسوا (٤) ولا تنافسوا ، ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ، ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا».

[٢٠٠٧] أخبرنا أبو بكر محمد بن محمد بن علي بن الحسن الطوسي بها أنا أبو إسحاق إبراهيم بن

__________________

ـ وأخرج الأصبهاني في «الترغيب» ٢٢٣١ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى نحوه وهذا مرسل ، والمتن منكر ، فإن فيه تسمية الرجل وأنهما أبو بكر وعمر ، وهذا بعيد جدا ، والخبر واه بمرة شبه موضوع.

[٢٠٠٦] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ أبو مصعب هو أحمد بن أبي بكر ، أبو الزناد هو عبد الله بن ذكوان ، الأعرج هو عبد الرحمن بن هرمز.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٤٢٧ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «الموطأ» ٢ / ٩٠٧ ـ ٩٠٨ عن أبي الزناد به.

ـ وأخرجه البخاري ٦٠٦٦ ومسلم ٢٥٦٣ ح ٢٨ وأبو داود ٤٩١٧ وأحمد ٢ / ٤٦٥ و ٥١٧ وابن حبان ٥٦٨٧ والبيهقي ٦ / ٨٥ و ٨ / ٣٣٣ و ١٠ / ٢٣١ من طريق مالك به.

ـ وأخرجه أحمد ٢ / ٢٤٥ عن سفيان عن أبي الزناد به.

ـ وأخرجه البخاري ٥١٤٣ والبيهقي ٧ / ١٨٠ من طريق جعفر بن ربيعة عن الأعرج به.

ـ وأخرجه البخاري ٦٠٦٤ و ٦٧٢٤ ومسلم ٢٥٦٣ ح ٢٩ وأحمد ٢ / ٣١٢ و ٣٤٢ و ٤٧٠ و ٤٨٢ و ٥٠٤ و ٥٣٩ والواحدي في «الوسيط» ٤ / ١٥٦ والبغوي في «شرح السنة» ٣٤٢٨ من طرق عن أبي هريرة به.

[٢٠٠٧] ـ صحيح. إسناده حسن لأجل أوفى بن دلهم فإنه صدوق ، وباقي الإسناد ثقات ، وللحديث شواهد.

(١) في المخطوط (أ) «سوءا».

(٢) في المطبوع «عيوب» والمثبت عن «ط» والمخطوط.

(٣) زيد في المطبوع «ولا تحسسوا» وهذه الزيادة ليست في ط ولا في «شرح السنة» ولا في المخطوط.

(٤) زيد في المطبوع «ولا تناجشوا» وهذه الزيادة ليست في «شرح السنة» ولا «ط» ولا المخطوط.

٢٦٢

محمد بن إبراهيم الأسفراييني أنا أبو بكر أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي أنا عبد الله بن ناجية ثنا يحيى بن أكثم أنا الفضل بن موسى السّيناني عن الحسين بن واقد عن أوفى بن دلهم عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يا معشر من آمن بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه ، ولا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من تتبع عورات المسلمين ، يتتبع الله عورته ، ومن يتتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله» (١).

قال : ونظر ابن عمر يوما إلى الكعبة فقال : ما أعظمك وأعظم حرمتك ، والمؤمن من أعظم عند الله حرمة منك (٢).

وقال زيد بن وهب : قيل لابن مسعود : هل لك في الوليد بن عقبة تقطر لحيته خمرا ، فقال : إنا قد نهينا عن التجسس ، فإن يظهر لنا شيئا نأخذه به. (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) ، يقول : لا يتناول بعضكم بعضا بظهر الغيب بما يسوءه مما هو فيه.

[٢٠٠٨] أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي أنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني أنا عبد الله بن عمر الجوهري ثنا أحمد بن علي الكشميهني ثنا علي بن حجر ثنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أتدرون ما الغيبة؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : ذكرك أخاك بما يكره ، قيل : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال : إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته».

__________________

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٤٢٠ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الترمذي ٢٠٣٢ وابن حبان ٥٧٦٣ من طريقين عن الفضل بن موسى بهذا الإسناد.

ـ وقال الترمذي : هذا حديث غريب.

ـ وللحديث شواهد منها :

ـ حديث أبي برزة الأسلمي : أخرجه أبو داود ٤٨٨٠ وأحمد ٤ / ٤٢٠ ٤٢١ و ٤٢٤ وابن أبي الدنيا في «الصمت» ١٦٧ والبيهقي ١٠ / ٢٤٧ وإسناده حسن.

ـ وحديث ابن عباس : أخرجه الطبراني ١١٤٤٤ ورجاله ثقات كما في «المجمع» ٨ / ٩٣.

ـ وحديث البراء : أخرجه أبو يعلى ١٦٧٥ وابن أبي الدنيا ١٦٧ ورجاله ثقات كما في «المجمع» ٨ / ٩٣.

ـ وحديث ثوبان : أخرجه أحمد ٥ / ٢٧٩ وفيه ميمون بن موسى ضعيف.

ـ الخلاصة : هو حديث صحيح بشواهده.

[٢٠٠٨] ـ إسناده صحيح على شرط مسلم.

ـ عبد الرحمن هو ابن يعقوب مولى الحرقة.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٤٥٤ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٢٥٨٩ عن يحيى بن أيوب ، وقتيبة ، وعلي بن حجر عن إسماعيل بن العلاء بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه ابن حبان ٥٧٥٩ والبيهقي ١٠ / ٢٤٧ وفي «الآداب» ١٥٤ من طريق إسماعيل بن جعفر به.

ـ وأخرجه أبو داود ٤٨٧٤ والترمذي ١٩٣٤ وأحمد ٢ / ٣٢٠ و ٣٨٤ و ٤٥٨ والدارمي ٢ / ٢٩٧ وابن حبان ٥٨٥٨ والواحدي في «الوسيط» ٤ / ١٥٦ والأصبهاني في «الترغيب» ٢٢٢٩ من طرق عن العلاء بن عبد الرحمن به.

وقال الترمذي : حسن صحيح.

(١) في المطبوع «رجل» والمثبت عن «شرح السنة» والمخطوط.

(٢) قول ابن عمر مدرج في الحديث المتقدم ، هو كما مصرح به ، وقد رفعه بعض الضعفاء في غير هذا الكتاب ، وليس بشيء ، والصحيح موقوف.

٢٦٣

[٢٠٠٩] أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنا أبو الطاهر الحارثي أنا محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال أنا عبد الله بن المبارك ، عن المثنى بن الصّبّاح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنهم ذكروا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رجلا فقالوا : لا يأكل حتى يطعم ، ولا يرحل حتى يرحل ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اغتبتموه ، فقالوا : إنما حدثنا بما فيه ، قال : حسبك إذا ذكرت أخاك بما فيه».

قوله عزوجل : (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) ، قال مجاهد : لما قيل لهم (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً) قالوا : لا ، قيل : (فَكَرِهْتُمُوهُ) أي فكما كرهتم هذا فاجتنبوا ذكره بالسوء غائبا. قال الزجاج : تأويله : إن ذكرك من لم يحضرك بسوء بمنزلة أكل لحمه (١) وهو ميت لا يحس بذلك.

[٢٠١٠] أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني ابن فنجويه ثنا ابن أبي شيبة ثنا الفريابي ثنا محمد بن المصفى (٢) ثنا أبو المغيرة عبد القدوس بن الحجاج حدثني صفوان بن عمرو ثنا راشد بن سعد وعبد الرحمن بن جبير عن أنس بن مالك عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون (٣) بها وجوههم ولحومهم ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل؟ فقال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم».

قال ميمون بن سياه (٤) : بينما أنا نائم إذا أنا بجيفة زنجي وقائل يقول : كل ، قلت : يا عبد الله ولم آكل؟ قال : بما اغتبت عبد فلان ، فقلت : والله ما ذكرت فيه خيرا ولا شرا ، قال لكنك استمعت ورضيت به ، فكان ميمون لا يغتاب أحدا ولا يدع أحدا يغتاب عنده أحدا.

(وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ).

(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (١٣))

(يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) ، الآية.

__________________

[٢٠٠٩] ـ ضعيف. إسناده ضعيف لضعف المثنى بن الصّبّاح.

ـ شعيب هو ابن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٤٥٦ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «الزهد» لابن المبارك ٧٠٥ عن المثنى بن الصباح بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الأصبهاني في «الترغيب» ٢٢٣٥ من طريق ابن المبارك به.

[٢٠١٠] ـ إسناده حسن لأجل محمد بن مصفى ، فإنه صدوق ، وهو مدلس ، لكن صرح بالتحديث ، ومن فوقه ثقات.

ـ وأخرجه أبو داود ٤٨٧٨ ومن طريقه البيهقي في «الشعب» ٦٧١٦ عن ابن المصفى بهذا الإسناد.

(١) في المطبوع «لحم أخيك» والمثبت عن المخطوط.

(٢) في المطبوع «المصطفى» والمثبت عن «سنن أبي داود» والمخطوط.

(٣) في المطبوع «يخشمون» والمثبت عن المخطوط.

(٤) في المطبوع «سيار» والمثبت عن كتب التراجم.

٢٦٤

[٢٠١١] قال ابن عباس : نزلت في ثابت بن قيس ، وقوله للرجل الذي لم يفسح له : ابن فلانة يعيّره بأمه ، قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من الذاكر فلانة؟ فقال ثابت : أنا يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : انظر في وجوه القوم فنظر فقال : ما رأيت يا ثابت؟ قال : رأيت أبيض وأحمر وأسود ، قال : فإنك لا تفضلهم إلّا في الدين والتقوى ، فنزلت في ثابت هذه الآية ، وفي الذي لم يتفسح : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا) [المجادلة : ١١].

[٢٠١٢] وقال مقاتل : لما كان يوم فتح مكة أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بلالا حتى علا ظهر الكعبة وأذن ، فقال عتاب بن أسيد بن أبي العيص : الحمد لله الذي قبض أبي حتى لم يرد هذا اليوم ، وقال : قال الحارث بن هشام : أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنا وقال سهيل بن عمرو : إن يرد الله شيئا يغيره. وقال أبو سفيان : إني لا أقول شيئا أخاف أن يخبر به رب السماء ، فأتى جبريل فأخبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بما قالوا : فدعاهم وسألهم عما قالوا فأقروا فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وزجرهم عن التفاخر بالأنساب والتكاثر بالأموال والإزراء بالفقراء.

فقال : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) يعني آدم وحواء أي إنكم متساوون في النسب. (وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً) ، جمع شعب بفتح الشين ، وهي رءوس القبائل مثل ربيعة ومضر والأوس والخزرج ، سموا شعوبا لتشعبهم واجتماعهم ، كشعب أغصان الشجر ، والشعب من الأضداد يقال : شعب (١) أي : جمع ، وشعب ، أي : فرق. (وَقَبائِلَ) ، هي دون الشعوب ، واحدتها قبيلة وهي كبكر من ربيعة وتميم من مضر ، ودون القبائل العمائر ، واحدتها عمارة ، بفتح العين هم (٢) كشيبان من بكر ودارم من تميم ، ودون العمائر البطون ، واحدتها بطن ، وهم (٣) كبني غالب ولؤي من قريش ، ودون البطون الأفخاذ واحدتها فخذ وهم كبني هاشم وأمية من بني لؤي ، ثم الفصائل والعشائر واحدتها فصيلة وعشيرة ، وليس بعد العشيرة حي يوصف به وقيل : الشعوب من العجم ، والقبائل من العرب ، والأسباط من بني إسرائيل. وقال أبو روق : الشعوب من الذين لا يعتزون إلى أحد ، بل ينتسبون إلى المدائن والقرى ، والقبائل العرب الذين ينتسبون إلى آبائهم. (لِتَعارَفُوا) ، ليعرف بعضكم بعضا في قرب النسب وبعده ، لا ليتفاخروا. ثم أخبر أن أرفعهم منزلة عند الله أتقاهم فقال : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) ، قال قتادة : في هذه الآية إن أكرم الكرم التقوى ، وألأم اللؤم الفجور.

__________________

[٢٠١١] ـ لم أقف له على إسناد.

وذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٧٦٥ عن ابن عباس بدون إسناد ، والظاهر أنه من رواية الكلبي الكذاب ، وتقدم أن الذي صح في ثابت هو الحديث ١٩٩٢ ، ويأبى الأفّاكون إلّا أن يذكروا ثابتا عند كل آية ، وأنها نزلت فيه.

[٢٠١٢] ـ ذكره عن مقاتل هاهنا تعليقا ، وإسناده إليه أول الكتاب ، لكن لم يعينه ، فإن كان ابن سليمان ، فهو كذاب ، وإن كان ابن حيان ، فذو مناكير ، وهو مرسل.

وذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٧٦٥ م عن مقاتل بدون إسناد.

ـ وله شاهد من مرسل ابن أبي مليكة ، أخرجه الواحدي ٧٦٦ بنحوه.

ـ الخلاصة : هو خبر ضعيف.

(١) في المطبوع «شعث» والمثبت عن ط والمخطوط.

(٢) في المطبوع «هي» والمثبت عن ط والمخطوط.

(٣) في المطبوع «هي» والمثبت عن ط والمخطوط.

٢٦٥

[٢٠١٣] أخبرنا أبو بكر بن أبي الهيثم الترابي أنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن حمويه أنا إبراهيم بن خزيم (١) الشاشي ثنا عبد الله بن حميد ثنا يونس بن محمد ثنا سلام بن أبي مطيع عن قتادة عن الحسن عن سمرة بن جندب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الحسب المال ، والكرم التقوى».

وقال ابن عباس : كرم الدنيا الغنى ، وكرم الآخرة التقوى.

[٢٠١٤] أخبرنا أبو بكر بن أبي الهيثم أنا عبد الله بن أحمد بن حمويه أنا إبراهيم بن خزيم ثنا عبد (٢) بن

__________________

[٢٠١٣] ـ حسن صحيح بشواهده ، لكن صدره محمول على حديث بريدة.

ـ إسناده ضعيف ، سلّام فيه ضعف ، والحسن مدلس ، وقد عنعن ، والجمهور على أنه لم يسمع من سمرة سوى حديث العقيقة.

ـ قتادة هو ابن دعامة ، الحسن هو ابن يسار البصري.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٤٣٩ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الترمذي ٣٢٧١ وابن ماجه ٤٢١٩ وأحمد ٥ / ١٠ والحاكم ٢ / ١٦٣ و ٤ / ٣٢٥ والدار القطني ٣ / ٣٠٢ والطبري ٦٩١٢ و ٦٩١٣ والقضاعي ٢١ والبيهقي ٧ / ١٣٥ ـ ١٣٦ من طرق عن سلّام بن أبي مطيع بهذا الإسناد.

ـ قال الترمذي : حسن صحيح غريب ، لا نعرفه إلّا من حديث سلّام بن أبي مطيع.

وصححه الحاكم! ووافقه الذهبي؟!

ـ وله شاهد من حديث أبي هريرة ، أخرجه الدار قطني ٣ / ٣٠٢ والبزار ٣٦٠٧ وفيه معدي بن سليمان ، وهو ضعيف.

ـ ولعجزه شاهد بمعناه عن أبي هريرة أيضا ، أخرجه أحمد ٢ / ٣٦٥ وابن حبان ٤٨٣ وصححه الحاكم ١ / ١٢٣ على شرط مسلم ، وتعقبه الذهبي بقوله : مسلم بن خالد ضعيف.

ولصدره شاهد من حديث بريدة.

ـ أخرجه النسائي ٦ / ٦٤ وأحمد ٥ / ٣٦١ وابن حبان ٦٩٩ والبيهقي ٧ / ١٣٥ والقضاعي ٢٠ بلفظ «إن أحساب أهل الدنيا الذي يذهبون إليه المال»؟.

وصححه الحاكم ٢ / ١٦٣ ووافقه الذهبي ، وهو صحيح.

ـ وهذا يحمل عليه حديث الباب ، أي أن هذا في مفهوم أهل الدنيا ، وليس عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرق في الحديث المتفق عليه بين المال والحسب بقوله : «تنكح المرأة لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها ...» وتقدم تخريجه.

ـ الخلاصة : الحديث حسن أو صح بشواهده ، لكن صدره مؤول ، وقد فات الألباني التنبيه على ذلك فحكم بصحته من غير بيان أو تفصيل في الإرواء ١٨٧٠ ، وانظر «أحكام القرآن» ٢٠١٣ بتخريجي.

[٢٠١٤] ـ جيد ، دون لفظ ذكر نزوله على أيدي الرجال والاستغفار.

ـ إسناده ضعيف لضعف موسى بن عبيدة الربذي.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٤٣٨ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «المنتخب» لعبد بن حميد ٧٩٥ عن أبي عاصم الضحاك بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الترمذي ٣٢٧٠ والبيهقي في «الشعب» ٥١٣٠ من طريقين عن عبد الله بن جعفر عن ابن دينار به ، وإسناده ضعيف لضعف ابن جعفر.

ـ وليس فيه ذكر نزوله على أيدي الرجال ، ولا الاستغفار.

ـ وقال الترمذي : هذا حديث غريب ، لا نعرفه إلّا من حديث عبد الله بن دينار عن ابن عمر إلّا من هذا الوجه.

وعبد الله بن جعفر يضعّف ، ضعفه يحيى بن معين وغيره ، وعبد الله بن جعفر هو والد علي بن المديني.

ـ وتابعه موسى بن عقبة عند ابن خزيمة ٢٧٨١ وابن حبان ٣٨٢٨ ورجاله ثقات.

(١) في المخطوط «خريم».

(٢) في المطبوع «عبد الله» والمثبت عن ط و «شرح السنة».

٢٦٦

حميد أنا الضحاك بن مخلد عن موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم طاف يوم الفتح على راحلته يستلم الأركان بمحجنه ، فلما خرج لم يجد مناخا ، فنزل على أيدي الرجال ، ثم قام فخطبهم فحمد الله وأثنى عليه ، وقال : «الحمد لله الذي أذهب عنكم عبّيّة (١) الجاهلية (٢) وتكبرها بآبائها [وفخرها بالآباء وتكبرها] ، إنما الناس رجلان برّ تقي كريم على الله ، وفاجر شقي هين على الله ، ثم تلا (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى) ، ثم قال : أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم».

[٢٠١٥] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا محمد هو ابن سلام ثنا عبدة عن عبيد الله عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة قال : سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أي الناس أكرم؟ قال : أكرمهم عند الله أتقاهم ، قالوا : ليس عن هذا نسألك ، قال : فأكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله. قالوا : ليس عن هذا نسألك ، قال فعن معادن العرب تسألوني؟ قالوا : نعم ، قال : «فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا».

[٢٠١٦] أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا عمرو والناقد ثنا كثير بن هشام ثنا جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم».

__________________

ـ وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه أحمد ٢ / ٣٦١ وأبو داود ٥١١٦ وفيه هشام بن سعد لين الحديث ، لكن يصلح شاهدا لما قبله.

ـ الخلاصة : أصل الحديث حسن صحيح بطرقه وشواهده ، دون الألفاظ التي نبهت عليها ، والله الموفق ، وانظر «أحكام القرآن» ٢٠٠٣ بتخريجي.

[٢٠١٥] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري لتفرده عن ابن سلام ، ومن فوقه رجال الشيخين.

ـ عبدة هو ابن سليمان الكلابي ، عبيد الله هو ابن عمر.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٤٤٠ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٤٦٨٩ عن محمد بن سلام بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٣٣٧٤ و ٣٣٨٣ والنسائي في «الكبرى» ١١٢٥٠ وأحمد ٢ / ٤٣١ والطحاوي في «المشكل» ٢٠٥٤ من طرق عن عبيد الله بن عمر بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٣٣٥٣ و ٣٤٩٠ ومسلم ٢٣٧٨ والنسائي في «الكبرى» ١١٢٤٩ من طرق عن عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة به.

[٢٠١٦] ـ إسناده صحيح على شرط مسلم.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤٠٤٥ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح مسلم» ٢٥٦٤ عن عمرو الناقد بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه ابن ماجه ٤١٤٣ وأحمد ٢ / ٥٣٩ وأبو نعيم في «الحلية» ٤ / ٩٨ من طرق عن كثير بن هشام به.

ـ وأخرجه أحمد ٢ / ٢٨٤ و ٢٨٥ وابن حبان ٣٩٤ وأبو نعيم في «الحلية» ٧ / ١٢٤ من طرق عن جعفر بن برقان به.

ـ وأخرجه مسلم ٢٥٦٤ ح ٣٣ من طريق أبي سعيد مولى عبد الله بن عامر بن كريز عن أبي هريرة به.

(١) في المطبوع «عيبة» والمثبت عن «شرح السنة» و «صحيح البخاري».

(٢) زيد في المخطوط «وفخرها بالآباء وتكبرها».

٢٦٧

(قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤))

قوله تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا) ، الآية.

[٢٠١٧] نزلت في نفر من بني أسد بن خزيمة قدموا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في سنة جدبة فأظهروا الإسلام ولم يكونوا مؤمنين في السر ، فأفسدوا طرق المدينة بالعذرات وأغلوا أسعارها وكانوا يغدون ويروحون إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويقولون : أتتك العرب بأنفسها على ظهور رواحلها ، وجئناك بالأثقال والعيال والذراري ، ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان وبنو فلان ، يمنون على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويريدون الصدقة ، ويقولون أعطنا ، فأنزل الله فيهم هذه الآية.

وقال السدي : نزلت في الأعراب الذين ذكرهم الله في سورة الفتح ، وهم أعراب من جهينة ومزينة وأسلم وأشجع وغفار ، كانوا يقولون : آمنا ليأمنوا على أنفسهم وأموالهم ، فلما استنفروا إلى الحديبية تخلفوا ، فأنزل الله عزوجل هذه الآية فيهم ، (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا) صدقنا ، (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) ، أنقذنا استسلمنا مخافة القتل والسبي ، (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) ، فأخبر أن حقيقة الإيمان التصديق بالقلب ، وأن الإقرار باللسان وإظهار شرائعه بالأبدان لا يكون إيمانا دون التصديق بالقلب والإخلاص.

[٢٠١٨] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا محمد بن غرير الزهري ثنا يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عن صالح عن ابن شهاب أخبرني عامر بن سعد عن أبيه قال أعطى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رهطا وأنا جالس فيهم ، قال : فترك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيهم رجلا لم يعطه وهو أعجبهم إليّ ، فقمت إلى رسول الله فساررته ، فقلت : ما لك عن فلان والله إني لأراه مؤمنا ،

__________________

[٢٠١٧] ـ حديث حسن. ذكره المصنف تعليقا ، ومن غير عز ولقائل.

وذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٧٦٧ بدون إسناد.

ـ وورد بنحوه من حديث ابن عباس عند النسائي في «التفسير» ٥٣٩ والبزار كما في «تفسير ابن كثير» ٤ / ٢٥٨ من طريقين ضعيفين عن سعيد بن جبير به.

ـ وورد عن أبي قلابة مرسلا ، أخرجه ابن سعد ١ / ٢ / ٣٩.

ـ وورد عن قتادة مرسلا ، أخرجه الطبري ٣١٧٨١.

ـ وورد عن عبد الله بن أبي أوفى ، أخرجه الطبراني في «الكبير» و «الأوسط» كما في «المجمع» ٧ / ١١٢.

قال الهيثمي : وفيه الحجاج بن أرطاة ، وهو ثقة ، ولكنه مدلس ، وبقية رجاله رجال الصحيح.

ـ رووه بألفاظ متقاربة ، والمعنى واحد ، فالحديث حسن إن شاء الله.

ـ وانظر «فتح القدير» ٢٣٢٤ للشوكاني بتخريجي.

[٢٠١٨] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري.

ـ إبراهيم هو ابن سعد بن إبراهيم ، صالح هو ابن كيسان ، ابن شهاب هو محمد بن مسلم ، سعد هو ابن أبي وقاص.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ١٤٧٨ عن محمد بن عزير بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٢٧ ومسلم ١٥٠ والحميدي ٦٧ والطيالسي ١٩٨ وابن أبي شيبة ١١ / ٣١ وأحمد ١ / ١٨٢ وابن مندة ١٦٢ وأبو يعلى ٧١٤ و ٧٣٣ من طرق عن الزهري به.

ـ وأخرجه أبو داود ٤٦٨٣ والنسائي ٨ / ١٠٣ و ١٠٤ والحميدي ٦٨ وأحمد ١ / ١٦٧ وابن حبان ١٦٣ وابن مندة ١٦١ والطبري ٣١٧٧٧ من طرق عن معمر عن الزهري به.

٢٦٨

قال : «أو مسلما» قال : فسكت قليلا ثم غلبني ما أعلم منه ، فقلت : يا رسول الله ما لك عن فلان فو الله إني لأراه مؤمنا قال : «أو مسلما» قال : فسكت قليلا ، ثم غلبني ما أعلم منه ، فقلت : يا رسول الله ما لك عن فلان فو الله إني لأراه مؤمنا قال : «أو مسلما» قال : «إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه خشية أن يكب في النار على وجهه».

فالإسلام هو الدخول إلى السلم وهو الانقياد والطاعة ، يقال : أسلم الرجل إذا دخل في السلم كما يقال : أشتى الرجل إذا دخل في الشتاء ، وأصاف إذا دخل في الصيف ، وأربع إذا دخل في الربيع ، فمن الإسلام ما هو في طاعة على الحقيقة باللسان ، والأبدان والجنان ، كقوله عزوجل لإبراهيم عليه‌السلام : (أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) [البقرة : ١٣١] ، ومنه ما هو انقياد باللسان دون القلب ، وذلك قوله : (وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) ، (وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) ، ظاهرا وباطنا سرا وعلانية. قال ابن عباس تخلصوا الإيمان ، (لا يَلِتْكُمْ) قرأ أبو عمرو لا يالتكم بالألف كقوله تعالى : (وَما أَلَتْناهُمْ) [الطور : ٢١] والآخرون بغير ألف وهما لغتان معناهما لا ينقصكم ، يقال : ألت يألت ألتا ولات يليت ليتا إذا نقص ، (مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً) ، أي لا ينقص من ثواب أعمالكم شيئا ، (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، ثم بين حقيقة الإيمان.

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٦) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٧) إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٨))

فقال : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا) ، لم يشكوا في دينهم ، (وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) ، في إيمانهم فلما نزلت هاتان الآيتان أتت الأعراب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحلفون بالله إنهم مؤمنون صادقون ، وعرف الله غير ذلك منهم.

فأنزل الله عزوجل : (قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللهَ بِدِينِكُمْ) ، والتعليم هاهنا بمعنى الإعلام ، ولذلك قال بدينكم وأدخل الباء فيه ، يقول أتخبرون الله بدينكم الذي أنتم عليه ، (وَاللهُ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ، أي لا يحتاج إلى إخباركم.

(يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ) ، أي بإسلامكم ، (بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ) ، وفي مصحف عبد الله إذ هداكم للإيمان (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ، إنكم مؤمنون.

(إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) (١٨) ، قرأ ابن كثير «يعملون» بالياء وقرأ الآخرون بالتاء.

٢٦٩

سورة ق

مكية وهي خمس وأربعون آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (١) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ (٢) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ (٣) قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ (٤))

(ق) قال ابن عباس : هو قسم ، وقيل : هو اسم للسورة ، وقيل : هو اسم من أسماء القرآن. وقال القرظي : هو مفتاح اسمه القدير ، والقادر والقاهر والقريب والقابض ، وقال عكرمة والضحاك : هو جبل محيط بالأرض من زمردة خضراء ، منه خضرة السماء والسماء مقبية [عليه](١). عليه كنفاها (٢) ، ويقال هو وراء الحجاب الذي تغيب الشمس من ورائه بمسيرة سنة ، وقيل : معناه قضي الأمر أو قضي ما هو كائن كما قالوا في (الم) [السجدة : ١](وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) ، الشريف الكريم على الله الكثير الخير واختلفوا في جواب هذا القسم ، فقال أهل الكوفة جوابه (بَلْ عَجِبُوا) وقيل جوابه محذوف ، مجازه : والقرآن المجيد لتبعثن. وقيل : جوابه قوله (ما يلفظ من قول). وقيل : (قَدْ عَلِمْنا) ، وجوابات القسم سبعة «إنّ» الشديدة كقوله : (وَالْفَجْرِ (١) وَلَيالٍ عَشْرٍ (٢)) [الفجر : ١](إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ) (١٤) [الفجر : ١٤] وما النفي كقوله : (وَالضُّحى (١) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (٢) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) (٣) [الضحى : ١ و ٣] ، واللام المفتوحة كقوله : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (٩٢) (٣) [الحجر : ٩٢] وإن الخفيفة كقوله تعالى : (إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [الشعراء : ٩٧] ولا كقوله : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ) [النحل : ٣٨] ، و «قد» كقوله تعالى : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها (١) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) (٩) [الشمس : ١ و ٩] ، وبل كقوله : (وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ).

(بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ) ، مخوف ، (مِنْهُمْ) ، يعرفون نسبه وصدقه وأمانته (فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ) ، غريب.

(أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً) ، نبعث ترك ذكر البعث لدلالة الكلام عليه ، (ذلِكَ رَجْعٌ) ، أي رد إلى الحياة (بَعِيدٌ) ، وغير كائن أي يبعد أن نبعث بعد الموت.

قال الله عزوجل : (قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ) ، أي ما تأكل من لحومهم ودمائهم وعظامهم لا يعزب عن علمه شيء. قال السدي : هو الموت ، يقول : قد علمنا من يموت منهم ومن يبقى ، (وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) ، محفوظ من الشياطين ومن أن يدرس ويتغير [وهو اللوح المحفوظ](٤) ، وقيل : حفيظ أي حافظ لعدتهم وأسمائهم.

__________________

(١) زيادة عن المخطوط وط.

(٢) في المطبوع «كتفاها» والمثبت عن المخطوط.

(٣) تصحف في المطبوع «أجمعين».

(٤) زيادة عن المخطوط.

٢٧٠

(بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ (٥) أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ (٦) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (٧) تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٨) وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩) وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ (١٠) رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ (١١))

(بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِ) ، بالقرآن ، (لَمَّا جاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) ، مختلط ، قال سعيد بن جبير ومجاهد : ملتبس. قال قتادة : في هذه الآية من ترك الحق مرج عليه أمره والتبس عليه دينه. وقال الحسن : ما ترك قوم الحق إلّا مرج أمرهم. وذكر الزجاج معنى اختلاط أمرهم ، فقال : هو أنهم يقولون للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، مرة شاعر ، ومرة ساحر ، ومرة معلم ، ويقولون للقرآن مرة سحر ، ومرة رجز ، ومرة مفترى ، فكان أمرهم مختلطا ملتبسا عليهم ، ثم دلهم على قدرته.

فقال : (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها) ، بغير عمد ، (وَزَيَّنَّاها) ، بالكواكب ، (وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ) ، شقوق وفتوق وصدوع واحدها فرج.

(وَالْأَرْضَ مَدَدْناها) ، بسطناها على وجه الماء ، (وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ) ، جبالا ثوابت ، (وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) ، حسن كريم يبهج به ، أي يسر بنظره.

(تَبْصِرَةً) ، أي جعلنا ذلك تبصرة ، (وَذِكْرى) ، أي تبصيرا وتذكيرا ، (لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) ، أي ليتبصر (١) به ويتذكر به.

(وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً) ، كثير الخير وفيه حياة كل شيء وهو المطر ، (فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ) ، يعني البر والشعير وسائر الحبوب التي تحصد فأضاف الحب إلى الحصيد ، وهما واحد لاختلاف اللفظين ، كما يقال : مسجد الجامع وربيع الأول. وقيل : حب الحصيد أي حب النبت الحصيد.

(وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ) ، قال مجاهد وعكرمة وقتادة : طوالا ، يقال : بسقت النخلة بسوقا إذا طالت. وقال سعيد بن جبير : مستويات. (لَها طَلْعٌ) ثمر وحمل ، سمي بذلك لأنه يطلع ، والطلع أول ما يظهر قبل أن ينشق (٢) ، (نَضِيدٌ) ، متراكب متراكم منضود بعضه على بعض في أكمامه ، فإذا خرج من أكمامه فليس بنضيد.

(رِزْقاً لِلْعِبادِ) ، أي جعلناها رزقا للعباد ، (وَأَحْيَيْنا بِهِ) ، أي بالمطر ، (بَلْدَةً مَيْتاً) ، أنبتنا فيها الكلأ ، (كَذلِكَ الْخُرُوجُ) ، من القبور.

(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (١٢) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (١٣) وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ (١٤) أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (١٥) وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (١٧) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨))

__________________

(١) في المطبوع «ليبصروا» والمثبت عن المخطوط.

(٢) في المخطوط «يتشقق».

٢٧١

قوله عزوجل : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ (١٢) وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ وَإِخْوانُ لُوطٍ (١٣) وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ) ، وهو تبع الحميري ، واسمه أسعد أبو كرب ، قال قتادة : ذم الله قومه (١) ولم يذمه ، ذكرنا قصته في سورة الدخان. (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ) ، أي كل من هؤلاء المذكورين كذب الرسل ، (فَحَقَّ وَعِيدِ) ، وجب لهم عذابي ثم أنزل جوابا لقولهم ذلك رجع بعيد.

(أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ) ، يعني أعجزنا حين خلقناهم أولا فنعيا بالإعادة وهذا تقرير لهم لأنهم اعترفوا بالخلق الأول وأنكروا البعث ، ويقال لكل من عجز عن شيء عيي به. (بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ) ، أي في شك ، (مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) ، وهو البعث.

(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) ، يحدث به قلبه فلا يخفى علينا سرائره وضمائره ، (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ) ، أعلم به ، (مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) ، لأن أبعاضه وأجزاءه يحجب بعضها بعضا ، ولا يحجب علم الله شيء وحبل الوريد عرق العنق ، وهو عرق بين الحلقوم والعلباوين ، يتفرق في سائر البدن ، والحبل هو الوريد ، فأضيف إلى نفسه لاختلاف اللفظين.

(إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ) ، إذا يتلقى ويأخذ الملكان الموكلان بالإنسان عمله ومنطقه يحفظانه ويكتبانه ، (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ) ، أي أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله ، فالذي عن اليمين يكتب الحسنات ، والذي عن الشمال يكتب السيئات. (قَعِيدٌ) ، أي قاعد ، ولم يقل قعيدان لأنه أراد عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد ، فاكتفى بأحدهما عن الآخر ، هذا قول أهل البصرة ، وقال أهل الكوفة : أراد قعودا كالرسول يجعل للاثنين والجمع ، كما قال الله تعالى في الاثنين : (فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الشعراء : ١٦] ، قيل : أراد بالقعيد الملازم الذي لا يبرح ، لا القاعد الذي هو ضد القائم. قال مجاهد : القعيد الرصيد.

(ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ) ، ما يتكلم من كلام فيلفظه أي يرميه من فيه ، (إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ) ، حافظ ، (عَتِيدٌ) ، حاضر أينما كان.

قال الحسن : إن الملائكة يجتنبون الإنسان على حالين عند غائطه وعند جماعه. وقال مجاهد يكتبان عليه حتى أنينه في مرضه. وقال عكرمة : لا يكتبان إلّا ما يؤجر عليه أو يؤزر فيه. وقال الضحاك : مجلسهما تحت الشعر على الحنك ، ومثله عن الحسن ، وكان الحسن يعجبه أن ينظف عنفقته.

[٢٠١٩] أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا الحسين بن محمد بن الحسين الدينوري ثنا

__________________

[٢٠١٩] ـ ضعيف جدا بهذا اللفظ ، وورد مختصرا بسند ضعيف ، والمتن غريب.

ـ إسناده ضعيف جدا ، جعفر بن الزبير متروك متهم ، والقاسم وإن وثقه ابن معين والترمذي ، فقد ضعفه ابن حبان ، وقال أحمد : روى عنه علي بن يزيد أعاجيب ، ولا أراها إلا من قبل القاسم ، وقال ابن معين بعد أن وثقه : والثقات يروون عنه هذه الأحاديث ـ أي الواهية ـ ولا يرفعونها ، ثم قال : يجيء من المشايخ الضعفاء ما يدل حديثهم على ضعفه.

ـ وأخرجه الطبراني في «الكبير» ٧٩٧١ من طريق عبد القاهر بن شعيب والبيهقي في «الشعب» ٧٠٤٩ من طريق مروان ابن معاوية كلاهما عن جعفر بن الزبير بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البيهقي في «الشعب» ٧٠٥٠ والواحدي في «الوسيط» ٤ / ١٦٥ ـ ١٦٦ من طريقين عن إسماعيل بن عيسى ـ

(١) في المخطوط «قوم تبّع».

٢٧٢

إسماعيل بن جعفر بن حمدان ثنا الفضل بن العباس بن مهران ثنا طالوت ثنا حماد بن سلمة أنا جعفر بن الزبير عن القاسم بن عبد الرحمن (١) عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كاتب الحسنات على يمين الرجل [وكاتب السيئات على يسار الرجل ، وكاتب الحسنات أمين (٢) على كاتب السيئات](٣) ، فإذا عمل حسنة كتبها صاحب اليمين عشرا ، وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال : دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر».

(وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (٢٠) وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (٢١) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (٢٢) وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (٢٣) أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (٢٤))

(وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ) ، غمرته وشدته التي تغشى الإنسان وتغلب على عقله ، (بِالْحَقِ) ، أي بحقيقة الموت ، وقيل : بالحق من أمر الآخرة حتى يتبينه الإنسان ويراه بالعيان. وقيل : بما يؤول إليه أمر الإنسان من السعادة والشقاوة. ويقال : لمن جاءته سكرة الموت ، (ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) ، تميل ، قال الحسن : تهرب. قال ابن عباس : تكره ، وأصل الحيد الميل ، يقال : حدت عن الشيء أحيد حيدا ومحيدا إذا ملت عته.

(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) ، يعني نفخة البعث ، (ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ) ، أي ذلك اليوم يوم الوعيد الذي وعده الله للكفار أن يعذبهم فيه. قال مقاتل : يعني بالوعيد العذاب أي يوم وقوع الوعيد.

(وَجاءَتْ) ، ذلك اليوم ، (كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ) ، يسوقها إلى المحشر ، (وَشَهِيدٌ) ، يشهد عليها بما عملت ، وهو عمله ، قال الضحاك : السائق من الملائكة والشاهد من أنفسهم الأيد والأرجل ، وهي رواية

__________________

ـ العطار عن المسيب بن شريك عن بشر بن نمير عن القاسم به دون صدره ، وإسماعيل ضعيف ومثله القاسم. وورد بلفظ «إن صاحب الشمال ليرفع القلم ست ساعات عن العبد المسلم المخطئ أو المسيء ، فإن ندم واستغفر الله منها ألقاها ، وإلّا كتب واحدة».

ـ وأخرجه أبو نعيم ٦ / ١٢٤ والواحدي ٤ / ١٦٥ والبيهقي ٧٠٥١ والطبراني ٧٧٦٥ من طريق إسماعيل بن عياش عن عاصم بن رجاء بن حيوة عن عروة بن رويم عن القاسم به.

ـ وإسناده ضعيف ، وعلته القاسم ، وكذا إسماعيل ضعفه غير واحد مطلقا ، وضعفه بعضهم في روايته خاصة عن غير الشاميين.

ـ قال الهيثمي في «المجمع» ١٠ / ٢٠٨ : وفيه جعفر بن الزبير ، وهو كذاب ، ولكن ورد من وجه آخر رواه الطبراني بأسانيد رجال أحدها وثقوا! قلت : فيه القاسم كما تقدم ، ولا يحتج بما ينفرد به ، وتعيين ست ساعات أو سبع غريب جدا.

ـ وله شاهد من حديث أم عصمة ، وفيه : «ثلاث ساعات».

وفي الإسناد سعيد بن سنان ، وهو متروك ، أخرجه الطبراني في «الأوسط» ١٧ ، فهذا شاهد لا يفرح به ، وهو يعارض الأول في تعيين الزمن.

ـ الخلاصة : لفظ المصنف ضعيف جدا ، واللفظ المختصر عن إسماعيل بن عياش الذي أوردته ، ضعيف فقط ، وشاهده ليس بشيء ، وقد أورده الألباني في «الصحيحة» ١٢٠٩ وحسنه ، وليس كما قال بل الإسناد ضعيف والمتن غريب ، ولا يتدين بحديث ينفرد به القاسم ، وفي الطريق إليه جعفر ، وهو متروك أو ابن عياش ، وهو غير حجة.

(١) في المطبوع «القاسم بن محمد» والتصويب عن كتب التراجم و «معجم الطبراني» ٧٩٧١.

(٢) في المطبوع «أمير» والمثبت عن المخطوط (ب)

(٣) ما بين المعقوفتين زيد في المطبوع و «ط» والمخطوط (ب) وسقط من المخطوط (أ)

٢٧٣

العوفي عن ابن عباس. وقال الآخرون : هما جميعا من الملائكة.

فيقول الله لها ، (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا) ، اليوم في الدنيا ، (فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ) ، الذي كان في الدنيا على قلبك وسمعك وبصرك ، (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) ، نافذ تبصر ما كنت تنكر في الدنيا وروي عن مجاهد قال : يعني نظرك إلى لسان ميزانك حين توزن حسناتك وسيئاتك.

(وَقالَ قَرِينُهُ) ، الملك الموكل به ، (هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) ، معد محضر ، وقيل : (ما) بمعنى (من) ، وقال مجاهد : يقول هذا الذي وكلتني به من ابن آدم حاضر عندي قد أحضرته وأحضرت ديوان أعماله.

فيقول الله عزوجل لقرينه : (أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ) ، هذا خطاب للواحد بلفظ التثنية على عادة العرب ، يقولون : ويلك ارحلاها وازجراها وخذاها وأطلقاها ، للواحد ، قال الفراء : وأصل ذلك أن أدنى أعوان الرجل في إبله وغنمه وسفره اثنان ، فجرى كلام الواحد على صاحبيه ، ومنه قولهم في الشعر للواحد خليلي. وقال الزجاج : هذا أمر للسائق والشهيد ، وقيل : للمتلقيين. (كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) ، عاص معرض عن الحق. قال عكرمة ومجاهد : مجانب للحق معاند لله.

(مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (٢٥) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ (٢٦) قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٢٧) قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (٢٨) ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٢٩) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠))

(مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ) ، أي للزكاة المفروضة وكل حق وجب في ماله ، (مُعْتَدٍ) ، ظالم لا يقر بتوحيد الله ، (مُرِيبٍ) ، شاك في التوحيد ، ومعناه : داخل في الريب.

(الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ) (٢٦) ، وهو النار.

(وَقالَ قَرِينُهُ) ، يعني الشيطان الذي قيض لهذا الكافر ، (رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ) ، ما أضللته وما أغويته ، (وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) ، عن الحق فيتبرأ منه شيطانه ، قال ابن عباس وسعيد بن جبير ومقاتل : قال قرينه يعني الملك ، قال سعيد بن جبير : يقول الكافر يا رب إن الملك زاد علي في الكتابة ، فيقول الملك : ربنا ما أطغيته ، يعني ما زدت عليه وما كتبت إلّا ما قال وعمل ، ولكن كان في ضلال بعيد ، طويل لا يرجع عنه إلى الحق.

(قالَ) ، يعني يقول الله (لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ) ، في القرآن وأنذرتكم وحذرتكم على لسان الرسول ، وقضيت عليكم ما أنا قاض.

(ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ) ، لا تبديل لقولي وهو قوله : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [هود : ١١٩ ، السجدة : ١٣] ، وقال قوم : معنى قوله : (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ) أي : لا يكذب القول عندي ، ولا يغير القول عن وجهه لأني أعلم الغيب. وهذا قول الكلبي ، واختيار الفراء لأنه قال : (ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَ) ولم يقل ما يبدل قولي (١)(وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ، فأعاقبهم بغير جرم.

(يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ) ، قرأ نافع وأبو بكر بالياء ، أي يقول الله لقوله : (قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَ) ، وقرأ الآخرون بالنون ، (هَلِ امْتَلَأْتِ) ، وذلك لما سبق لها من وعده إياها إنه يملؤها من الجنة والناس ، وهذا

__________________

(١) في المطبوع «لي» والمثبت عن «ط» والمخطوط.

٢٧٤

السؤال من الله عزوجل لتصديق خبره وتحقيق وعده ، (وَتَقُولُ) ، جهنم ، (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) ، قيل : معناه قد امتلأت فلم يبق في موضع لم يمتلئ ، فهو استفهام إنكار ، هذا قول عطاء ومجاهد ومقاتل بن سليمان ، وقيل : هذا استفهام بمعنى الاستزادة ، وهو قول ابن عباس في رواية أبي صالح ، وعلى هذا يكون السؤال بقوله : (هَلِ امْتَلَأْتِ) ، قبل دخول جميع أهلها فيها.

وروي عن ابن عباس : أن الله تعالى سبقت كلمته (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [هود : ١١٩ ، السجدة : ١٣] ، فلما سيق أعداء الله إليها لا يلقى فيها فوج إلّا ذهب فيها ولا يملؤها شيء ، فتقول : ألست قد أقسمت لتملأني؟ فيضع قدمه عليها ، تعالى عمّا يقول الظالمون ، ثم يقول : هل امتلأت؟ فتقول : قط قط [قد امتلأت](١) فليس فيّ مزيد.

[٢٠٢٠] أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن العباس الحميدي أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن أيوب الطوسي أنا أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي ثنا آدم بن أبي إياس العسقلاني ثنا شيبان بن عبد الرحمن عن قتادة عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا تزال جهنم تقول هل من مزيد ، حتى يضع ربّ العزة فيها قدمه ، فتقول قط قط وعزتك ، وينزوي (٢) بعضها إلى بعض ، ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله خلقا فيسكنه فضول الجنة» (٣).

(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (٣١) هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (٣٢) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (٣٣) ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (٣٤))

(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ) ، قربت وأدنيت ، (لِلْمُتَّقِينَ) ، الشرك ، (غَيْرَ بَعِيدٍ) ، [هل](٤) ينظرون إليها قبل أن يدخلوها.

(هذا ما تُوعَدُونَ) ، قرأ ابن كثير بالياء والآخرون بالتاء ، يقال لهم : هذا الذي ترونه ما توعدون على ألسنة الأنبياء عليهم‌السلام ، (لِكُلِّ أَوَّابٍ) ، رجاع إلى الطاعة عن المعاصي.

قال سعيد بن المسيب : هو الذي يذنب ثم يتوب ثم يذنب ثم يتوب. وقال الشعبي ومجاهد [هو] الذي يذكر ذنوبه في الخلاء فيستغفر منها. وقال الضحاك : هو التوّاب. وقال ابن عباس وعطاء : هو المسبح ، من قوله : (يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ) [سبأ : ١٠] وقال قتادة : هو المصلي. (حَفِيظٍ) ، قال ابن عباس :

__________________

[٢٠٢٠] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ، قتادة هو ابن دعامة.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤٣١٧ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٦٦٦١ عن آدم بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٢٨٤٨ والترمذي ٢٨٤٨ والترمذي ٣٢٦٨ من طريقين عن شيبان به.

ـ وأخرجه البخاري ٤٨٤٨ و ٧٣٨٤ وأحمد ٣ / ١٣٤ و ١٤١ و ٢٣٤ وأبو يعلى ٣١٤٠ والطبري ٣١٩٢١ والبيهقي في «الأسماء والصفات» ٧٥٣ من طرق عن قتادة به.

ـ وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري أخرجه أحمد ٣ / ٧٨ وأبو يعلى ١٣١٣ وإسناده جيد.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المخطوط «وتزوي».

(٣) هذا الحديث وأمثاله نذهب فيه إلى ما ذهب إليه السلف فإنهم يثبتون لله تعالى ما أثبته لنفسه ، وما صح عن نبيه من غير تكييف ولا تعطيل ولا تشبيه ، ليس كمثله شيء.

(٤) زيادة عن المخطوط.

٢٧٥

الحافظ لأمر الله ، وعنه أيضا : هو الذي يحفظ ذنوبه حتى يرجع عنها ويستغفر منها. قال قتادة : حفيظ لما استودعه الله من حقه. قال الضحاك : المحافظ على نفسه والمتعهد لها. قال الشعبي : المراقب ، قال سهل بن عبد الله : هو المحافظ على الطاعات والأوامر.

(مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) ، محل «من» جر (١) على نعت الأوّاب. وقيل رفع على الاستئناف ، ومعنى الآية : من خاف الرحمن وأطاعه بالغيب ولم يره. وقال الضحاك والسدي : يعني في الخلوة حيث لا يراه أحد [و] قال الحسن : إذا أرخى الستر وأغلق الباب. (وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ) ، مخلص مقبل إلى طاعة الله.

(ادْخُلُوها) ، أي يقال لأهل هذه الصفة : ادخلوها ، أي ادخلوا الجنة. (بِسَلامٍ) ، بسلامة من العذاب والهموم. وقيل : بسلام من الله وملائكته عليهم. وقيل : بسلامة (٢) من زوال النعم (ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ).

(لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (٣٥) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٦) إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧) وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (٣٨) فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (٣٩))

(لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها) ، وذلك أنهم يسألون الله تعالى حتى تنتهي مسألتهم فيعطون ما شاءوا ، ثم يزيدهم الله من عنده ما لم يسألوه ، وهو قوله : (وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) ، يعني الزيادة لهم في النعيم مما لم يخطر ببالهم. وقال جابر وأنس هو النظر إلى وجه الله الكريم.

قوله عزوجل : (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ) ، ضربوا وساروا وتقلبوا وطافوا ، وأصله من النقب وهو الطريق كأنهم سلكوا كل طريق ، (هَلْ مِنْ مَحِيصٍ) ، فلم يجدوا محيصا من أمر الله. وقيل : هل من محيص مفرّ من الموت؟ فلم يجدوا منه مفرا وهذا إنذار لأهل مكة وأنهم على مثل سبيلهم لا يجدون مفرا عن الموت يموتون ، فيصيرون إلى عذاب الله.

(إِنَّ فِي ذلِكَ) ، فيما ذكرت من العبر والعذاب وإهلاك القرى ، (لَذِكْرى) ، تذكرة وعظة ، (لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) ، قال ابن عباس : أي عقل. قال الفراء : هذا جائز في العربية ، تقول : مالك قلب وما قلبك معك ، أي ما عقلك معك. وقيل له : قلب حاضر مع الله. (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ) ، استمع القرآن ، واستمع ما يقال له لا يحدث نفسه بغيره ، تقول العرب : ألق إلي سمعك ، يعني استمع ، (وَهُوَ شَهِيدٌ) ، يعني (٣) حاضر القلب ليس بغافل ولا ساه.

قوله عزوجل : (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ) (٣٨) ، إعياء وتعب.

[٢٠٢١] نزلت في اليهود حيث قالوا يا محمد : أخبرنا بما خلق الله من الخلق في هذه الأيام الستة ،

__________________

[٢٠٢١] ـ ضعيف جدا. أخرجه الواحدي في «أسباب النزول» ٧٦٩ من طريق أبي بكر بن عياش عن أبي سعد البقال عن عكرمة عن ابن عباس : أن اليهود أتت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... فذكره. ـ

(١) في المخطوط «رفع» والمثبت هو الصواب انظر «تفسير القرطبي» عند هذه الآية.

(٢) في المخطوط «بسلام».

(٣) في المخطوط «أي».

٢٧٦

فقال : «خلق الله الأرض يوم الأحد والاثنين ، والجبال يوم الثلاثاء ، والمدائن والأنهار والأقوات يوم الأربعاء ، والسموات والملائكة يوم الخميس إلى ثلاث ساعات (١) من يوم الجمعة ، وخلق في أول الثلاث الساعات الآجال ، وفي الثانية الآفة ، وفي الثالث آدم» قالوا : صدقت إن أتممت ، قال : وما ذاك؟ قالوا : ثم استراح يوم السبت ، واستلقى على العرش ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ردا عليهم.

(فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) ، من كذبهم فإن الله لهم بالمرصاد ، وهذا قبل الأمر بقتالهم ، (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) ، أي صل حمدا لله ، (قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) ، يعني صلاة الصبح ، (وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) ، يعني صلاة العصر. وروي عن ابن عباس قال : قبل الغروب الظهر العصر.

(وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (٤٠) وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٤١))

(وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ) ، يعني صلاة المغرب والعشاء. وقال مجاهد : ومن الليل أي صلاة الليل أي وقت صلي. (وَأَدْبارَ السُّجُودِ) قرأ أهل الحجاز وحمزة : (وَأَدْبارَ السُّجُودِ) بكسر الهمزة ، مصدر أدبر إدبارا ، وقرأ الآخرون بفتحها على جمع الدبر. قال عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب والحسن والشعبي والنخعي والأوزاعي : أدبار السجود الركعتان بعد صلاة المغرب ، وأدبار النجوم الركعتان قبل صلاة الفجر (٢) وهي رواية العوفي عن ابن عباس. وروي عنه مرفوعا ، هذا قول أكثر المفسرين.

[٢٠٢٢] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أبو المنصور محمد بن محمد بن سمعان أنا أبو جعفر

__________________

ـ وإسناده ضعيف لضعف أبي سعد ، بل هو متروك.

ـ وأخرجه الطبري ٣١٩٦٠ من طريق أبي سنان عن أبي بكر. قال : جاءت اليهود النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : .... فذكره. وهذا معضل ، وهو أصح من الموصول ، والمتن منكر جدا بذكر نزول الآية ، فإن السورة مكية ، وسؤالات اليهود كانت في المدينة ، وقد ورد نحو هذا الخبر بدون ذكر هذه الآية ، وهو أصح ، وتقدم.

[٢٠٢٢] ـ صحيح. إسناده لين لأجل أبي أيوب ، لكن توبع ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.

ـ أبو أيوب هو سليمان بن عبيد الله ، ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز ، عطاء هو ابن أبي رباح.

ـ وهو في «شرح السنة» ٨٧٥ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ١١٦٩ ومسلم ٧٢٤ وأبو داود ١٢٥٤ وأبو يعلى ٤٤٤٣ وابن خزيمة ١١٠٨ وابن حبان ٢٤٥٦ و ٢٤٥٧ وأبو عوانة ٢ / ٢٦٤ والبيهقي ٢ / ٤٧٠ من طرق عن ابن جريج به.

ـ وأخرجه عبد الرزاق ٤٧٧٧ ومن طريقه أحمد ٦ / ١٦٦ عن الثوري عن حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير عن عائشة.

ـ وأخرجه أحمد ٦ / ٢٢٠ و ٢٥٤ من طريق سفيان الثوري بالإسناد السابق.

(١) في المخطوط «الثلاث الساعات».

(٢) ورد مرفوعا من حديث ابن عباس قال : بت عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فصلى ركعتين خفيفتين قبل صلاة الفجر ، ثم خرج إلى الصلاة ، فقال : يا ابن عباس ركعتان قبل صلاة الفجر إدبار النجوم ، وركعتان بعد المغرب إدبار السجود».

ـ أخرجه الترمذي ٣٢٧١ والحاكم ١ / ٣٢٠ والطبري ٣١٩٨٥ من حديث ابن عباس.

ـ قال الترمذي : غريب.

وصححه الحاكم! وتعقبه الذهبي بقوله : رشدين بن سعد ضعفه أبو زرعة والدار قطني.

ـ والراجح في هذا الوقف فيه على ابن عباس ، وقد وهم رشدين فرفعه ، وأشار الحافظ ابن كثير في «تفسيره» ٤ / ٢٧١ إلى ذلك.

ـ وحديث ابن عباس متفق عليه ، وليس فيه هذه اللفظة ، وتقدم في آخر آل عمران.

٢٧٧

محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا أبو أيوب الدمشقي ثنا الوليد بن مسلم ثنا ابن جريج عن عطاء عن عبيد بن عمير عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على شيء من النوافل أشدّ معاهدة منه على الركعتين أمام الصبح.

[٢٠٢٣] أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي أنا أبو محمد أنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الجراحي ثنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي ثنا أبو عيسى الترمذي ثنا صالح بن عبد الله ثنا أبو عوانة عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى عن سعد (١) بن هشام عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها».

[٢٠٢٤] أخبرنا أبو عثمان الضبي أنا أبو محمد الجراحي أنا أبو العباس المحبوبي ثنا أبو عيسى الترمذي ثنا محمد بن المثنى ثنا بدل بن المحبر ثنا عبد الملك بن معدان عن عاصم بن بهدلة عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود أنه قال : ما أحصي ما سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ في الركعتين بعد المغرب وفي الركعتين قبل صلاة الفجر : بقل يا أيها الكافرون ، وقل هو الله أحد.

وقال مجاهد : قوله (وَأَدْبارَ السُّجُودِ) هو التسبيح باللسان في أدبار الصلوات المكتوبات.

__________________

[٢٠٢٣] ـ صحيح. رجاله رجال البخاري ومسلم سوى صالح بن عبد الله الترمذي ، وهو ثقة ، وقد توبع ومن دونه.

ـ أبو عوانة ، هو وضاح اليشكري ، مشهور بكنيته ، قتادة هو ابن دعامة.

ـ وهو في «شرح السنة» ٨٧٦ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «سنن الترمذي» ٤١٦ عن صالح بن عبد الله بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٧٢٥ والنسائي ٣ / ٢٥٢ وأحمد ٦ / ٥٠ ـ ٥١ و ١٤٩ و ٢٦٥ وابن خزيمة ١١٠٧ وابن أبي شيبة ٢ / ٢٤١ والطيالسي ١٤٩٨ والحاكم ١ / ٣٠٦ ـ ٣٠٧ وابن حبان ٢٤٥٨ وأبو عوانة ٢ / ٢٧٣ والبيهقي ٢ / ٤٧٠ من طرق عن قتادة به.

[٢٠٢٤] ـ ضعيف بهذا اللفظ. إسناده ضعيف لضعف عبد الملك بن معدان.

ـ عبد الملك هو ابن الوليد بن معدان ، وقد ينسب لجده ، أبو وائل هو شقيق بن سلمة.

ـ وهو في «شرح السنة» ٨٧٩ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «سنن الترمذي» ٤٣١ عن محمد بن المثنى بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه ابن ماجه ١١٦٦ من طريق بدل المحبر به.

ـ وأخرجه الطحاوي في «المعاني» ١ / ٢٩٨ من طريق عبد الملك به.

ـ وأخرجه ابن ماجه ١١٦٦ وأبو يعلى ٥٠٤٩ والبيهقي ٣ / ٤٣ من طريق بدل بن المحبر عن عبد الملك عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن ابن مسعود به.

ـ ولفظ ركعتي الفجر ، له شاهد من حديث ابن عمر ، أخرجه.

ـ أخرجه الترمذي ٤١٧ وابن ماجه ١١٤٩ والنسائي ٢ / ١٧٠ وأحمد ٢ / ٣٥ و ٩٤ وعبد الرزاق ٤٧٩٠ وابن حبان ٢٤٥٩ ، ورجاله ثقات مشاهير ، لكن فيه عنعنة أبي إسحاق ، وهو مدلس ، فالإسناد ضعيف ، لكن يشهد لفقره الفجر ، وصحح إسناده الشيخ شعيب ، وقال على شرطهما ، وتقدم أن فيه عنعنة أبي إسحاق ، حتى عند ابن حبان ، واضطرب الألباني في هذا الحديث فهو في «صحيح ابن ماجه» ١١٦٦ و «ضعيف ابن ماجه» ٢٤٣.

ـ الخلاصة : لفظ المصنف ضعيف ، وبخاصة قوله : «لا أحصي» ، وذكر الفجر له شاهد يجعله حسنا ، وأما المغرب فضعيف ، والله أعلم.

(١) تصحف في المطبوع إلى «سعيد».

٢٧٨

[٢٠٢٥] أخبرنا أبو الحسن (١) طاهر بن الحسين الروقي (٢) الطوسي بها ، أنا أبو الحسن محمد بن يعقوب أنا محمد بن [بن محمد بن](٣) يوسف ثنا محمد بن أيوب أنا مسدد ثنا خالد هو ابن عبد الله ثنا سهيل عن أبي عبيد عن عطاء بن يزيد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من سبح الله في دبر كل صلاة [مكتوبة](٤) ثلاثا وثلاثين ، وكبر الله ثلاثا وثلاثين ، وحمد الله ثلاثا وثلاثين ، فذلك تسعة وتسعون ، ثم قال تمام المائة : لا إله إلا الله لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر».

[٢٠٢٦] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا إسحاق أنا يزيد أنا ورقاء عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قالوا : يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالدرجات (٥) والنعيم المقيم ، قال : «كيف ذاك؟» قالوا : صلّوا كما صلينا وجاهدوا كما جاهدنا ، وأنفقوا من فضول أموالهم وليست لنا أموال ، قال : «أفلا أخبركم بأمر تدركون به من كان قبلكم وتسبقون من جاء بعدكم ، ولا يأتي أحد بمثل ما جئتم به إلّا من جاء بمثله : تسبحون في دبر كل صلاة عشرا وتحمدون عشرا وتكبرون عشرا».

قوله عزوجل : (وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) (٤١) ، أي واستمع يا محمد صيحة القيامة

__________________

[٢٠٢٥] ـ إسناده على شرط الصحيح.

ـ مسدد هو ابن مسرهد ، سهيل هو ابن أبي صالح ، أبو عبيد هو المذحجي ، قيل : اسمه عبد الملك وقيل : حييّ ، وقيل : حيّ.

ـ وهو في «شرح السنة» ٧١٩ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البيهقي ٢ / ١٨٧ من طريق مسدد بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٥٩٧ وابن خزيمة ٥٧٠ وابن حبان ٢٠١٦ من طرق عن خالد بن عبد الله به.

ـ وأخرجه مسلم ٥٩٧ وأحمد ٢ / ٣٧١ و ٤٨٢ والنسائي في «اليوم والليلة» ١٤٣ وأبو عوانة ٢ / ٢٤٧ و ٢٤٨ من طرق عن سهيل به.

ـ وأخرجه ابن حبان ٢٠١٣ وأبو عوانة ٢ / ٢٤٧ من طريق مالك عن أبي عبيد به.

[٢٠٢٦] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ إسحاق هو ابن راهوية ، يزيد هو ابن هارون ، ورقاء هو ابن عمر ، سمي هو مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام.

ـ أبو صالح ، اسمه ذكوان مشهور بكنيته.

ـ وهو في «شرح السنة» ٧٢١ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٦٣٢٩ عن إسحاق بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البيهقي ٢ / ١٨٦ من طريق ورقاء به.

ـ وأخرجه البخاري ٨٤٣ ومسلم ٥٩٥ والنسائي في «اليوم والليلة» ١٤٦ وابن خزيمة ٧٤٩ وأبو عوانة ٢ / ٢٤٩ وابن حبان ٢٠١٤ والبيهقي ٢ / ١٨٦ من طرق عن سميّ به.

ـ وأخرجه مسلم ٥٩٥ والنسائي ١٤٥ من طريقين عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه به.

(١) في المطبوع «أبو الحسين» والمثبت عن «شرح السنة».

(٢) في المطبوع «الدورقي» وفي المخطوط «الدرقي» والمثبت عن ط و «شرح السنة».

(٣) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة».

(٤) زيد في المخطوط «مكتوبة» وهذه الزيادة ليست في «شرح السنة».

(٥) زيد في المطبوع «العلى» وهذه ليست في المخطوط و «شرح السنة».

٢٧٩

والنشور يوم ينادي المنادي ، قال مقاتل : يعني إسرافيل ينادي بالحشر يا أيتها العظام البالية والأوصال المتقطعة واللحوم المتمزقة والشعور المتفرقة ، إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء من مكان قريب من صخرة بيت المقدس ، وهي وسط الأرض. قال الكلبي : هي أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا.

(يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (٤٢) إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (٤٣) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ (٤٤) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (٤٥))

(يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِ) ، وهي الصيحة الأخيرة (١) ، (ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ) ، من القبور.

(إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (٤٣) يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً) ، جمع سريع أي يخرجون سراعا ، (ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا) ، جمع علينا (يَسِيرٌ).

(نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ) ، يعني كفار مكة في تكذيبك ، (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) ، بمسلط تجبرهم على الإسلام إنما بعثت مذكرا ، (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) ، أي ما أوعدت به من عصاني من العذاب. قال ابن عباس : قالوا : يا رسول الله لو خوفتنا ، فنزلت : (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ)(٢).

سورة الذاريات

مكية وهي ستون آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(وَالذَّارِياتِ ذَرْواً (١) فَالْحامِلاتِ وِقْراً (٢) فَالْجارِياتِ يُسْراً (٣) فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً (٤))

(وَالذَّارِياتِ ذَرْواً) (١) ، يعني الرياح التي تذر التراب ذروا ، يقال : ذرت الريح التراب وأذرت.

(فَالْحامِلاتِ وِقْراً) (٢) ، يعني السحاب التي تحمل ثقلا من الماء.

(فَالْجارِياتِ يُسْراً) (٣) ، هي السفن تجري في الماء جريا سهلا.

(فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً) (٤) ، هي الملائكة يقسمون الأمور بين الخلق على ما أمروا به ، أقسم بهذه الأشياء لما فيها من الدلالة على صنعه (٣) وقدرته.

__________________

(١) في المخطوط «الآخرة».

(٢) ضعيف. أخرجه الطبري ٣٢٠٠٥ من طريق أيوب عن عمرو الملائي عن ابن عباس به. وكرره ٣٢٠٠٦ عن الملائي مرسلا.

ومدارهما على أيوب بن سيار ، وهو ضعيف.

(٣) في المخطوط «من الدلالات على صنعته».

٢٨٠