تفسير البغوي - ج ٤

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي

تفسير البغوي - ج ٤

المؤلف:

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي


المحقق: عبدالرزاق المهدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٧

(وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩))

قوله عزوجل : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ) ، أي يعرض عن ذكر الرحمن فلم يخف عقابه ، ولم يرج ثوابه ، يقال : عشوت إلى النار أعشو عشوا ، إذا قصدتها مهتديا بها ، وعشوت عنها أعرضت عنها ، كما يقول : عدلت إلى فلان وعدلت عنه وملت إليه وملت عنه.

قال القرظي : يول ظهره عن ذكر الرحمن وهو القرآن. قال أبو عبيدة والأخفش : يظلم بصرف بصره عنه. قال الخليل بن أحمد : أصل العشو النظر ببصر ضعيف.

وقرأ ابن عباس : (وَمَنْ يَعْشُ) بفتح الشين أي يعم ، يقال عشى يعشى عشيا إذا عمي فهو أعشى ، وامرأة عشواء. (نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً) ، قرأ يعقوب : يقيض بالياء ، والباقون بالنون ، نسبب له شيطانا ونضمه إليه ونسلطه عليه. (فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) ، لا يفارقه يزين له العمى ويخيل إليه أنه على الهدى.

(وَإِنَّهُمْ) ، يعني الشياطين ، (لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ) ، أي ليمنعونهم عن الهدى وجمع الكنانة لأن قوله : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً) في مذهب جمع وإن كان اللفظ على الواحد ، (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) ، ويحسب كفار بني آدم أنهم على هدى.

(حَتَّى إِذا جاءَنا) ، قرأ أهل العراق غير أبي بكر : (جاءَنا) على الواحد يعنون الكافر ، وقرأ الآخرون : جاءانا ، على التثنية يعنون الكافر وقرينه قد جعلا في سلسلة واحدة. (قالَ) ، الكافر لقرينه الشيطان ، (يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ) ، أي بعد ما بين المشرق والمغرب فغلب اسم أحدهما على الآخر كما يقال للشمس والقمر : القمران ، ولأبي بكر وعمر : العمران. وقيل : أراد بالمشرقين مشرق الصيف ومشرق الشتاء ، والأول أصح ، (فَبِئْسَ الْقَرِينُ) ، قال أبو سعيد الخدري : إذا بعث الكافر زوج بقرينه من الشياطين (١) فلا يفارقه حتى يصير إلى النار.

(وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ) ، في الآخرة ، (إِذْ ظَلَمْتُمْ) ، أشركتم في الدنيا ، (أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) ، يعني لا ينفعكم الاشتراك في العذاب ولا يخفف الاشتراك عنكم العذاب ، لأن لكل واحد من الكفار والشياطين الحظ الأوفر من العذاب. وقال مقاتل : لن ينفعكم الاعتذار والندم اليوم فأنتم وقرناؤكم اليوم مشتركون في العذاب كما كنتم مشتركين في الدنيا في الكفر.

(أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٠) فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (٤١) أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْناهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (٤٢) فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٣) وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ (٤٤))

(أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٤٠) ، يعني الكافرين الذين حقت عليهم كلمة العذاب لا يؤمنون.

__________________

(١) في المطبوع «الشيطان» والمثبت عن ط والمخطوط.

١٦١

(فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ) ، بأن نميتك قبل أن نعذبهم ، (فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ) ، بالقتل بعدك.

(أَوْ نُرِيَنَّكَ) ، في حياتك ، (الَّذِي وَعَدْناهُمْ) ، من العذاب ، (فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ) ، قادرون متى شئنا عذبناهم وأراد به مشركي مكة انتقم منهم يوم بدر ، وهذا قول أكثر المفسرين ، وقال الحسن وقتادة : عنى به أهل الإسلام من أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد كان بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نقمة شديدة [عليهم](١) في أمته ، فأكرم الله نبيه وذهب به ولم يره في أمته إلّا الذي يقر عينه ، وأبقى النقمة بعده.

[١٨٨٤] وروي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أري ما يصيب أمته بعده فما رؤي ضاحكا منبسطا حتى قبضه الله لنفسه.

(فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٤٣).

(وَإِنَّهُ) ، يعني القرآن ، (لَذِكْرٌ لَكَ) ، أي لشرف لك ، (وَلِقَوْمِكَ) ، من قريش ، نظيره : (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ) [الأنبياء : ١٠] ، أي شرفكم ، (وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ) ، عن حقه وأداء شكره.

[١٨٨٥] روى الضحاك عن ابن عباس أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا سئل لمن هذا الأمر بعدك لم يخبر (٢) بشيء حتى نزلت هذه الآية ، فكان بعد ذلك إذا سئل لمن هذا؟ قال : لقريش.

[١٨٨٦] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا عبد الرحمن بن [أبي](٣) شريح أنا أبو القاسم البغوي ثنا علي بن الجعد أنا عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي اثنان».

[١٨٨٧] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا

__________________

[١٨٨٤] ـ ضعيف. أخرجه الطبري ٣٠٨٧٢ عن قتادة مرسلا ، فهو ضعيف.

[١٨٨٥] ـ لا أصل له. ذكره المصنف تعليقا ، وراوية الضحاك هو جويبر بن سعيد ذاك المتروك ، حيث روى تفسيرا كاملا عن الضحاك عن ابن عباس ، وهو مصنوع ، والضحاك لم يلق ابن عباس.

[١٨٨٦] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري.

زيد هو ابن عبد الله بن عمر.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٧٤١ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «الجعديات» ٢١٩٥ عن عاصم بن محمد به.

ـ أخرجه البخاري ٢١٩٥ و ٧١٤٠ ومسلم ١٨٢٠ وأحمد ٢ / ٢٩ و ٩٣ و ١٢٨ وأبو يعلى ٥٥٨٩ وابن حبان ٦٢٦٦ و ٦٦٥٥ والبيهقي في «السنن» ٨ / ١٤١ وفي «الدلائل» ٦ / ٥٢٠ ـ ٥٢١ من طرق عن عاصم بن محمد به.

[١٨٨٧] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ أبو اليمان هو الحكم بن نافع ، شعيب هو ابن دينار.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٣٥٠٠ و ٧١٣٩ عن أبي اليمان بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه أحمد ٤ / ٩٤ وابن أبي عاصم في «السنة» ١١١٢ من طريق بشر بن شعيب عن أبيه به.

ـ وأخرجه ابن أبي عاصم ١١١٣ من طريق نعيم بن حماد عن ابن المبارك عن معمر عن الزهري به.

ـ ونعيم بن حماد ، ضعيف لكنه توبع.

ـ وفي الباب من حديث أبي هريرة أخرجه البخاري ٣٤٩٥ ومسلم ١٨١٨ وأحمد ٢ / ١٦١ و ٢٤٢ وابن حبان ٦٢٦٤ والبغوي في «شرح السنة» ٣٧٣٨ و ٣٧٣٩.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المطبوع «يجب» والمثبت عن المخطوط.

(٣) زيادة عن «شرح السنة» والمخطوط (أ)

١٦٢

محمد بن إسماعيل حدثنا أبو اليمان أنا شعيب عن الزهري قال : كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث عن معاوية قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلّا كبّه الله على وجهه ما أقاموا الدين».

وقال مجاهد : القوم هم العرب ، فالقرآن لهم شرف إذ نزل بلغتهم ، ثم يختص بذلك الشرف الأخص فالأخص من العرب ، حتى يكون الأكثر لقريش ولبني هاشم.

وقيل : (ذكر لك) شرف لك بما أعطاك من الحكمة (ولقومك) المؤمنين بما هداهم الله به ، (وسوف تسألون) عن القرآن وعمّا يلزمكم من القيام بحقه.

(وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (٤٥) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٦) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ (٤٧) وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٤٨) وَقالُوا يا أَيُّهَا السَّاحِرُ ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ (٤٩) فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ (٥٠))

قوله عزوجل : (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) (٤٥) ، اختلفوا في هؤلاء المسئولين (١).

[١٨٨٨] قال عطاء عن ابن عباس : لما أسري بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث الله له آدم وولده من المرسلين ، فأذّن جبريل ثم أقام ، وقال : يا محمد تقدم فصلّ بهم ، فلما فرغ من الصلاة قال له جبريل (٢) : يا محمد (وَسْئَلْ (٣) مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا) الآية ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا أسأل فقد اكتفيت».

وهذا قول الزهري وسعيد بن جبير وابن زيد ، قالوا : جمع الله له الرسل (٤) ليلة أسري به وأمره أن يسألهم فلم يشك ولم يسأل.

وقال أكثر المفسرين : سل مؤمني أهل الكتاب الذين أرسلت إليهم الأنبياء هل جاءتهم الرسل إلّا بالتوحيد؟ وهو قول ابن عباس في سائر الروايات ، ومجاهد وقتادة والضحاك والسدي والحسن (٥) [والقائلين بذلك] استدلوا عليه بقراءة (٦) عبد الله وأبي : «واسأل الذين أرسلنا إليهم قبلك رسلنا» ، ومعنى

__________________

ـ وحديث جابر عند البخاري ٤٨١٨ والترمذي ٣٢٥١ وأحمد ١ / ٢٢٩ و ٢٨٦ وابن حبان ٦٢٦٣ والبغوي في «شرح السنة» ٣٧٤٠.

[١٨٨٨] ـ ضعيف جدا بهذا اللفظ. ذكره المصنف تعليقا ، فهو واه. ولم أره عند غير المصنف ، حتى السيوطي لم يذكره في «الدر» ولابن كثير في تفسيره ، وورد عن عبد الرحمن بن زيد قوله ، أخرجه الطبري ٣٠٨٨٧ وهذا مرسل ؛ وابن زيد متروك ، فالخبر واه بمرة.

ـ وكونه صلى عليه‌السلام بالأنبياء ليلة الإسراء صحيح ، وتقدم.

(١) تصحف في المخطوط (ب) إلى «المشركين».

(٢) في المطبوع والمخطوط (أ) «سل يا محمد» والمثبت عن المخطوط (ب)

(٣) زيادة عن المخطوط (ب)

(٤) في المطبوع «المرسلين» والمثبت عن المخطوط.

(٥) زيد في المطبوع «ومقاتل».

(٦) في المطبوع والمخطوط (أ) «يدل عليه قراءة» والمثبت عن المخطوط (ب)

١٦٣

الأمر بالسؤال التقرير لمشركي قريش أنه لم يأت رسول ولا كتاب بعبادة غير الله عزوجل.

قوله عزوجل : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ فَقالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (٤٦) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِآياتِنا إِذا هُمْ مِنْها يَضْحَكُونَ (٤٧)) ، استهزاء.

(وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها) ، قرينتها وصاحبتها التي كانت قبلها ، (وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ) ، بالسنين والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمس ، فكانت هذه دلالات لموسى ، وعذابا لهم ، فكانت كل واحدة أكبر من التي قبلها ، (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) ، عن كفرهم.

(وَقالُوا) ، لموسى لما عاينوا العذاب ، (يا أَيُّهَا السَّاحِرُ) ، يا أيها العالم الكامل الحاذق ، وإنما قالوا هذا توقيرا وتعظيما له لأن السحر عندهم كان علما عظيما وصفة ممدوحة ، وقيل : معناه يا أيها الذي غلبنا بسحره.

وقال الزجاج : خاطبوه به لما تقدم له عندهم من التسمية بالساحر. (ادْعُ لَنا رَبَّكَ بِما عَهِدَ عِنْدَكَ) ، أي بما أخبرتنا من عهده إليك إن آمنا كشف عنا العذاب فاسأله يكشف عنا العذاب ، (إِنَّنا لَمُهْتَدُونَ) ، مؤمنون فدعى موسى فكشف عنهم فلم يؤمنوا.

فذلك قوله عزوجل : (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ) (٥٠) ، ينقضون عهدهم ويصرون على كفرهم.

(وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (٥١) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ (٥٢) فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (٥٣) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطاعُوهُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٥٤) فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٥) فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ (٥٦) وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (٥٧))

(وَنادى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قالَ يا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ) ، أنهار النيل ، (تَجْرِي مِنْ تَحْتِي) ، من تحت قصوري ، وقال قتادة : يجري بين يدي في جناني وبساتيني. وقال الحسن : بأمري. (أَفَلا تُبْصِرُونَ) ، عظمتي وشدة ملكي.

(أَمْ أَنَا خَيْرٌ) ، بل أنا خير ، (أم) بمعنى بل وليس بحرف عطف على قول أكثر المفسرين ، وقال الفراء : الوقف على قوله (أم) ، وفيه إضمار مجازه أفلا تبصرون أم تبصرون ، ثم ابتدأ فقال أنا خير ، (مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ) ، ضعيف حقير يعني موسى ، قوله : (وَلا يَكادُ يُبِينُ) يفصح بكلامه للثغته التي في لسانه.

(فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ) ، إن كان صادقا ، (أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ) ، قرأ حفص ويعقوب (أَسْوِرَةٌ) جمع سوار ، وقرأ الآخرون أساورة على جمع الأسورة ، وهي جمع الجمع. قال مجاهد : كانوا إذا سوّدوا رجلا سوّروه بسوار وطوقوه بطوق من ذهب يكون ذلك دلالة لسيادته ، فقال فرعون : هلا ألقى رب موسى عليه أسورة من ذهب إن كان سيدا تجب علينا طاعته. (أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ) ، متتابعين يجب أن يقارن (١) بعضها (٢) بعضا يشهدون له بصدقه ويعينونه على أمره.

__________________

(١) في المطبوع «يتابع» والمثبت عن المخطوط.

(٢) في المطبوع «بعضهم» والمثبت عن المخطوط.

١٦٤

قال الله تعالى : (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ) ، أي استخف فرعون قومه القبط ، أي وجدهم جهالا ، وقيل : حملهم على الخفة والجهل. يقال : استخفه عن رأيه إذا حمله على الجهل وأزاله عن الصواب ، (فَأَطاعُوهُ) ، على تكذيب موسى ، (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ).

(فَلَمَّا آسَفُونا) ، أغضبونا ، (انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ فَجَعَلْناهُمْ سَلَفاً) ، قرأ حمزة والكسائي (سَلَفاً) بضم السين واللام.

قال الفراء : هو جمع سليف من سلف بضم اللام يسلف ، أي تقدم ، وقرأ الآخرون بفتح السين واللام على جمع السالف مثل حارس وحرس وخادم وخدم وراصد ورصد ، وهما جميعا الماضون المتقدمون من الأمم ، يقال : سلف يسلف إذا تقدم والسلف من تقدم من الآباء فجعلناهم متقدمين ليتعظ بهم الآخرون. (وَمَثَلاً لِلْآخِرِينَ) ، عبرة وعظة لمن بقي بعدهم. وقيل : سلفا لكفار هذه الأمة إلى النار ومثلا لمن يجيء بعدهم.

(وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً).

[١٨٨٩] قال ابن عباس وأكثر المفسرين إن الآية نزلت في مجادلة عبد الله بن الزبعرى مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في شأن عيسى عليه‌السلام ، لما نزل قوله تعالى : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) [الأنبياء : ٩٨] ، وقد ذكرناه في سورة الأنبياء عليهم‌السلام. (إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ) ، قرأ أهل المدينة والشام والكسائي (يَصِدُّونَ) بضم الصاد ، أي يعرضون ، نظيره قوله تعالى : (يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً) [النساء : ٦١] ، وقرأ الآخرون بكسر الصاد ، واختلفوا في معناه.

قال الكسائي : هما لغتان مثل يعرشون ويعرشون ، وشد عليه يشد ويشد ، ونمّ بالحديث ينم وينم ، وقال ابن عباس : معناه يضجون. وقال سعيد بن المسيب : يصيحون. وقال الضحاك : يعجون. وقال قتادة : يجزعون. وقال القرظي : يضجرون : ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون يقولون ما يريد منّا محمد إلّا أن نعبده ونتخذه إلها كما اتخذت النصارى عيسى.

(وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (٥٨) إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (٥٩) وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (٦٠) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِها وَاتَّبِعُونِ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١))

(وَقالُوا أَآلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ) ، قال قتادة : أم هو يعنون محمدا فنعبده ونطيعه ونترك آلهتنا. وقال السدي وابن زيد (أَمْ هُوَ) يعنون عيسى ، قالوا : يزعم محمد أن كل ما عبد من دون الله في النار فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى وعزير والملائكة في النار ، وقال الله تعالى : (ما ضَرَبُوهُ) ، يعني هذا المثل ، (لَكَ إِلَّا جَدَلاً) ، خصومة بالباطل وقد علموا أن المراد من قوله : (وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) [الأنبياء : ٩٨] هؤلاء الأصنام. (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ).

[١٨٩٠] أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا أبو بكر عبد الرحمن بن عبد الله

__________________

[١٨٨٩] ـ تقدم في سورة الأنبياء ، آية : ٩٨.

[١٨٩٠] ـ حسن. إسناده غير قوي لأجل أبي غالب ، فقد وثقه قوم وضعفه آخرون ، لكن توبع ، فالحديث حسن.

ـ أبو غالب اسمه حزور ، وقيل : سعيد بن الحزور ، وقيل : نافع ، وهو مولى خالد بن عبد الله القسري.

١٦٥

الحمشاوي (١) أنا أحمد بن جعفر بن حمدان القطيعي ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا عبد الله بن نمير ثنا حجاج بن دينار الواسطي عن أبي غالب عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما ضلّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلّا أوتوا الجدل» ، ثم قرأ : (ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ).

ثم ذكر عيسى فقال : (إِنْ هُوَ) ، ما هو يعني عيسى السلام ، (إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ) ، بالنبوة ، (وَجَعَلْناهُ مَثَلاً) آية وعبرة ، (لِبَنِي إِسْرائِيلَ) ، يعرفون به قدرة الله عزوجل على ما يشاء حيث خلقه من غير أب.

(وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً) ، أي ولو نشاء لأهلكناكم وجعلنا بدلا منكم ملائكة ، (فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ) ، يكونون خلفاء منكم يعمرون الأرض ويعبدونني ويطيعونني. وقيل : يخلف بعضهم بعضا.

(وَإِنَّهُ) ، يعني عيسى عليه‌السلام ، (لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) ، يعني نزوله من أشراط الساعة يعلم به قربها ، وقرأ ابن عباس وأبو هريرة وقتادة : (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ) ، بفتح اللام والعين أي أمارة وعلامة.

[١٨٩١] وروينا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا يكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ويضع الجزية ، وتهلك في زمانه الملل كلها إلّا الإسلام».

[١٨٩٢] ويروى : «أنه ينزل على ثنية بالأرض المقدسة ، وعليه ممصرتان (٢) ، وشعر رأسه دهين ، وبيده حربة وهي التي يقتل بها الدجال ، فيأتي بيت المقدسي والناس في صلاة العصر ، فيتأخر الإمام فيقدمه عيسى ويصلي خلفه على شريعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم يقتل الخنازير ويكسر الصليب ويخرب البيع والكنائس ، ويقتل النصارى إلّا من آمن به».

__________________

ـ وهو في «مسند أحمد» ٥ / ٢٥٦ عن عبد الله بن نمير بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الترمذي ٣٢٥٣ وابن ماجه ٤٨ وأحمد ٥ / ٢٥٢ والحاكم ٢ / ٤٤٨ والطبري ٣٠٩٣٨ و ٣٠٩٣٩ من طرق عن الحجاج بن دينار به.

وتصحّف «أبو غالب» إلى «أبو طالب» في «سنن ابن ماجه».

ـ وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وقال الترمذي : حسن صحيح.

ـ وأخرجه الطبري ٣٠٩٤٠ من طريق القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة به. والقاسم لين الحديث ، وضعفه بعضهم ، لكن يصلح للاعتبار بحديثه ، وفي الباب أحاديث.

ـ فهو حسن إن شاء الله ، وانظر «فتح القدير» ٢٢٣٩ بتخريجي.

[١٨٩١] ـ متفق عليه ، وتقدم في سورة النساء عند آية : ١٥٩.

[١٨٩٢] ـ لم أقف له على إسناد ، وقال الحافظ ابن حجر في «تخريج الكشاف» ٤ / ٢٦٠ : أخرجه الثعلبي بغير سند ، وهو موجود في أحاديث متفرقة ا ه.

ـ قلت : صدره منكر وهو قوله «ينزل على ثنية بالأرض المقدسة» فإنه معارض بما في الصحيح عند مسلم «ينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق» وفي رواية «عند مسجدها» ، انظر صحيح مسلم ٢٩٣٧.

ـ ولباقيه شاهد بنحوه من حديث أبي هريرة ، أخرجه أحمد ٢ / ٤٠٦ وإسناده على شرط مسلم.

(١) في المطبوع «الجمشاوي» والمثبت عن المخطوط (أ) ووقع في المخطوط (ب) «الجمشاذى» وفي «ط» : «الحمشاوي».

(٢) في المطبوع «وعليه ثوبان مصريتان» والمثبت عن المخطوط (أ) والمخطوط (ب)

١٦٦

[١٨٩٣] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا ابن بكير ثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب عن نافع مولى أبي قتادة الأنصاري أن أبا هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم»؟

وقال الحسن وجماعة : وإنه يعني وإن القرآن لعلم للساعة يعلمكم قيامها. ويخبركم بأحوالها وأهوالها ، (فَلا تَمْتَرُنَّ بِها) ، فلا تشكن فيها ، قال ابن عباس : لا تكذبوا بها ، (وَاتَّبِعُونِ) ، على التوحيد ، (هذا) ، الذي أنا عليه ، (صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ).

(وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٢) وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (٦٣) إِنَّ اللهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦٤) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٦٥) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٦٦))

(وَلا يَصُدَّنَّكُمُ) ، لا يصرفنكم ، (الشَّيْطانُ) ، عن دين الله ، (إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ).

(وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ) ، بالنبوة ، (وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ) ، من أحكام التوراة ، قال قتادة : يعني اختلاف الفرق الذين تحزبوا على أمر عيسى. قال الزجاج : الذي جاء به عيسى في الإنجيل إنما هو بعض الذي اختلفوا فيه ، وبيّن لهم في غير الإنجيل ما احتاجوا إليه. (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ).

(إِنَّ اللهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦٤) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٦٥) هَلْ يَنْظُرُونَ) ، هل ينتظرون ، (إِلَّا السَّاعَةَ) ، يعني أنها تأتيهم لا محالة فكأنهم ينتظرونها ، (أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً) ، فجأة ، (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ).

(الْأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ (٦٧) يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٦٨) الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ (٦٩) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ (٧٠) يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ (٧١))

__________________

[١٨٩٣] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ ابن بكير هو يحيى بن عبد الله بن بكير ، الليث هو ابن سعد ، يونس هو ابن يزيد ، ابن شهاب هو الزهري محمد بن مسلم ، نافع هو ابن عباس.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤١٧٢ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٣٤٤٩ عن الليث بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ١٥٥ ح ٢٤٤ وابن مندة في «الإيمان» ٤١٤ والبيهقي في «الأسماء والصفات» ٨٩٥ من طريق يونس بهذا الإسناد.

ـ أخرجه مسلم ١٥٥ ح ٢٤٥ وعبد الرزاق ٢٠٨٤١ وأحمد ٢ / ٣٣٦ وابن حبان ٦٨٠٢ وابن مندة ٤١٥ و ٤١٦ من طرق عن الزهري به.

ـ وفي الباب أحاديث.

١٦٧

(الْأَخِلَّاءُ) ، على المعصية في الدنيا ، (يَوْمَئِذٍ) ، يوم القيامة ، (بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) ، إلا المتحابين في الله عزوجل على طاعة الله عزوجل.

[١٨٩٤] أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أخبرني عقيل بن محمد بن أحمد أن أبا الفرج البغدادي القاضي أخبرهم عن محمد بن جرير ثنا ابن عبد الأعلى ثنا ابن (١) ثور عن معمر عن قتادة عن أبي إسحاق أن عليا قال في هذه الآية : خليلان مؤمنان وخليلان كافران ، فمات أحد المؤمنين فقال : يا رب إن فلانا كان يأمرني بطاعتك وطاعة رسولك ، ويأمرني بالخير وينهاني عن الشر ، ويخبرني أني (٢) ملاقيك ، يا رب فلا تضله بعدي واهده كما هديتني وأكرمه كما أكرمتني ، فإذا مات خليله المؤمن جمع بينهما ، فيقول : ليثن أحدكما على صاحبه ، فيقول : نعم الأخ ، ونعم الخليل ، ونعم الصاحب ، قال : ويموت أحد الكافرين ، فيقول : يا رب إن فلانا كان ينهاني عن طاعتك وطاعة رسولك ، ويأمرني بالشر وينهاني عن الخير ، ويخبرني أني غير ملاقيك ، فيقول بئس الأخ ، وبئس الخليل ، وبئس الصاحب.

(يا عِبادِ) ، أي فيقال لهم يا عبادي ، (لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ).

روي عن المعتمر بن سليمان عن أبيه قال : سمعت أن الناس حين يبعثون ليس منهم أحد إلّا فزع ، فينادي مناديا : (يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) (٦٨) ، فيرجوها الناس كلهم فيتبعها.

(الَّذِينَ آمَنُوا بِآياتِنا وَكانُوا مُسْلِمِينَ) (٦٩) ، فييأس الناس منها غير المسلمين.

فيقال لهم : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ) (٧٠) ، تسرون وتنعمون.

(يُطافُ عَلَيْهِمْ بِصِحافٍ) ، جمع صحفة وهي القصعة الواسعة ، (مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوابٍ) ، جمع كوب وهو إناء مستدير مدور الرأس لا عرى لها ، (وَفِيها) ، أي في الجنة ، (ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ) ، قرأ أهل المدينة والشام وحفص «تشتهيه» ، وكذلك في مصاحفهم ، وقرأ الآخرون بحذف الهاء. (وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيها خالِدُونَ).

[١٨٩٥] أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة أنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث أنا

__________________

[١٨٩٤] ـ موقوف ضعيف. إسناده ضعيف ، وعلته الإرسال ، أبو إسحاق لم يسمع من علي.

ـ وأخرجه الطبري ٣٠٩٧٣ من طريق ابن عبد الأعلى به لكن ليس فيه ذكر قتادة ، فهو إما سقط من مطبوع الطبري أو زيد في إسناد الثعلبي ، فالله أعلم.

ـ ووصله عبد الرزاق في «التفسير» ٢٧٨٣ من وجه آخر عن أبي إسحاق عن الحارث الأعور عن علي ، والحارث ضعيف الحديث.

[١٨٩٥] ـ إسناده ضعيف لأجل إرساله ، ورجاله ثقات ، وورد من وجوه لا تقوم بها حجة.

ـ سفيان هو ابن سعيد الثوري.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤٢٨١ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «الزهد» ٢٧١ «زيادات نعيم بن حماد» عن سفيان بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الترمذي بإثر ٢٥٤٣ من طريق ابن المبارك به.

قال الترمذي : وهذا أصح من حديث المسعودي.

(١) في المطبوع «عن قتادة ثنا أبو ثور» والمثبت عن «تفسير الطبري».

(٢) في المخطوط (ب) «بأنني».

١٦٨

محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ثنا عبد الله بن المبارك عن سفيان عن علقمة بن مرثد عن عبد الرحمن بن سابط قال : قال رجل : يا رسول الله أفي الجنة خيل؟ فإني أحب الخيل ، فقال : «إن يدخلك الله الجنة فلا تشاء أن تركب فرسا من ياقوتة حمراء فتطير بك في أي الجنة شئت ، إلا فعلت» ، وقال أعرابي : يا رسول الله أفي الجنة إبل؟ فإني أحب الإبل ، فقال : «يا أعرابي إن يدخلك الله الجنة أصبت فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك».

(وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧٢) لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ (٧٣) إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ (٧٤) لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٥) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (٧٦) وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ (٧٧) لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ (٧٨) أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ (٧٩) أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (٨٠) قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ (٨١))

__________________

ـ وأخرجه أبو نعيم في «صفة الجنة» ٤٢٤ والبيهقي في «البعث» ٤٣٩ من طريق حنش بن الحارث عن علقمة بن مرثد عن عبد الرحمن بن ساعدة قال : كنت أحب الخيل .... فذكره وإسناده ضعيف.

ـ ووثق رواته الهيثمي في «المجمع» ١٠ / ٤١٣ والمنذري في «الترغيب» ٥٥٢٢.

مع أن عبد الرحمن بن ساعدة قال عنه أبو حاتم في «العلل» ٢ / ٢١٥ : لا يعرف.

وقال ابن حجر في «الإصابة» ٣ / ٤٨ ـ ١٤٩ : إن المحفوظ إنما هو عبد الرحمن بن سابط.

ـ وأخرجه أبو نعيم بإثر ٤٢٤ من طريق حنش بن الحارث عن علقمة قال : قال رجل من الأنصار يقال له عمير بن ساءة : يا رسول الله إني يعجبني الخيل ... فذكره.

ـ وأخرجه الترمذي ٢٥٤٣ وأبو نعيم في «صفة الجنة» ٤٢٥ والبيهقي في «البعث» ٤٣٦ من طرق عن المسعودي عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن رجلا سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم .... فذكره.

وإسناده ضعيف ، المسعودي صدوق ، لكنه اختلط.

ـ وورد مختصرا من حديث أبي أيوب ، عند الترمذي ٢٥٤٤ وأبي نعيم في «صفة الجنة» ٤٢٣ والطبراني في «الكبير» ٤٠٧٥ من طريق أبي معاوية عن واصل بن سائب عن أبي سورة عنه وإسناده ضعيف جدا.

ـ قال الترمذي : هذا حديث ليس إسناده بالقوي ، ولا نعرفه من حديث أبي أيوب إلّا من هذا الوجه ، وأبو سورة هو ابن أخي أبي أيوب يضعف في الحديث ضعفه يحيى بن معين جدا.

ـ وقال : سمعت البخاري يقول : أبو سورة هذا منكر الحديث يروي مناكير عن أبي أيوب لا يتابع عليها.

ـ وفي إسناده واصل بن السائب ، وهو ضعيف ، كذا إسناده منقطع بين أبي سورة وبين أبي أيوب.

ـ وورد أيضا من حديث أبي هريرة مختصرا أخرجه أبو نعيم ٥٢٦ من طريق علقمة عن أبي صالح عنه. وإسناده ضعيف ، فيه أبو طيبة عيسى بن سليمان ضعفه ابن معين.

ـ وأخرجه هناد في «الزهد» ٨٤ من طريق ليث عن علقمة مفضلا ، والليث قد اختلط.

ـ قال ابن القيم في «حادي الأرواح» ص ١٧٨ : إن علقمة بن مرثد اضطرب في إسناد هذا الحديث. فمرة يقول : عن سليمان بن بريدة ، عن أبيه. ومرة يقول : عن عبد الرحمن بن سابط عن عمير بن ساعدة. ومرة يقول : عن عبد الرحمن بن سابط عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، والترمذي جعل هذا أصح من حديث المسعودي ، لأن سفيان أحفظ منه وأثبت.

وقد رواه أبو نعيم عن حديث علقمة هذا فقال : عن أبي صالح عن أبي هريرة فذكره ا ه.

الخلاصة : هو حديث ضعيف مضطرب الإسناد ، غريب المتن ، وانظر : «الضعيفة» ١٩٨٠ وقد صوب الإرسال الترمذي وابن حجر.

١٦٩

(تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ* لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ) [١٨٩٦] وفي الحديث : «لا ينزع رجل من الجنة من ثمرها إلّا نبت مكانها مثلاها».

(إِنَّ الْمُجْرِمِينَ) ، المشركين ، (فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٥) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (٧٦) وَنادَوْا يا مالِكُ) ، يدعون خازن النار ، (لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ) ، ليمتنا ربك فنستريح فيجيبهم مالك بعد ألف سنة ، (قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ) ، مقيمون في العذاب.

[١٨٩٧] أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة [حدثنا محمد بن أحمد بن الحارث](١) أنا محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ثنا عبد الله بن المبارك عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة يذكره عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : إن أهل النار يدعون مالكا فلا يجيبهم أربعين عاما ، ثم يرد عليهم إنكم ماكثون ، قال : هانت والله دعوتهم على مالك وعلى رب مالك ، ثم يدعون ربهم فيقولون : ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنّا قوما ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون ، قال : فيسكت عنهم قدر الدنيا مرتين ، ثم يرد عليهم اخسئوا فيها ولا تكلمون ، قال : فو الله ما نبس القوم بعدها بكلمة وما هو إلّا الزفير والشهيق في نار جهنم تشبه أصواتهم بأصوات الحمير أولها زفير وآخرها شهيق.

(لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِ) ، يقول أرسلنا إليكم يا معشر قريش رسولنا بالحق ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ).

(أَمْ أَبْرَمُوا) ، أم أحكموا ، (أَمْراً) ، في المكر برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، (فَإِنَّا مُبْرِمُونَ) ، محكمون أمرا في مجازاتهم ، قال مجاهد : إن كادوا شرا كدتهم مثله.

(أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ) ، ما يسرونه من غيرهم ويتناجون به بينهم ، (بَلى) ، نسمع ذلك ونعلمه ، (وَرُسُلُنا) ، أيضا من الملائكة يعني الحفظة ، (لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ) (٨١) ، يعني إن كان للرحمن ولد في قولكم وعلى زعمكم ، فأنا أول من عبده بأنه واحد لا شريك له ولا ولد. وروي عن ابن عباس : (إِنْ كانَ) أي ما كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين الشاهدين له بذلك ، جعل : (إِنْ) بمعنى الجحد : وقال السدي : معناه لو كان للرحمن ولد فأنا أول من أعبده

__________________

[١٨٩٦] ـ ضعيف. أخرجه البزار ٣٥٣٠ والطبراني في «الكبير» ١٤٤٩ وأبو نعيم في «صفة الجنة» ٣٤٥ من طريق ريحان بن سعيد عن عباد بن منصور عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان مرفوعا.

ـ ومداره على ريحان بن سعيد ، وهو لين ، وشيخه عباد ضعفه ابن معين وأبو حاتم والنسائي وابن الجنيد والساجي ، ثم هو مدلس.

ـ وقال الهيثمي في «المجمع» ١٠ / ٤١٤ : رواه الطبراني والبزار ، ورجال الطبراني ، وأحد إسنادي البزار ثقات!؟

[١٨٩٧] ـ موقوف. رجاله ثقات مشاهير ، وهو صحيح إن كان قتادة سمعه من أبي أيوب ، فإن قتادة مدلس ، وساقه بصيغة تدل على عدم سماعه ، وبكل حال هو أثر.

ـ قتادة هو ابن دعامة ، أبو أيوب هو يحيى بن مالك ، وقيل : حبيب بن مالك.

ـ وهو في «الزهد» ٣١٩ «زيادات نعيم بن حماد» عن سعيد بن أبي عروبة بهذا الإسناد.

ـ الخلاصة : هو موقوف ، والأشبه أنه متلقى عن أهل الكتاب ، فقد وقع لعبد الله زاملتان عن أهل الكتاب يوم اليرموك ، فكان يحدث بهما.

(١) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع واستدرك من المخطوط.

١٧٠

بذلك ، ولكن لا ولد له. وقيل : العابدين بمعنى الآنفين ، يعني أول الجاحدين والمنكرين لما قلتم. ويقال : معناه أنا أول من غضب للرحمن أن يقال له ولد ، يقال : عبد يعبد إذا أنف أو غضب عبدا. وقال قوم : قل ما يقال : عبد فهو عابد ، إنما يقال : عبد فهو عبد.

(سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (٨٢) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٨٣) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٨٤) وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٥) وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (٨٦) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٨٧) وَقِيلِهِ يا رَبِّ إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (٨٨) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٨٩))

ثم نزه نفسه فقال : (سُبْحانَ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) (٨٢) عما يقولون من الكذب.

(فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا) ، في باطلهم ، (وَيَلْعَبُوا) ، في دنياهم ، (حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) ، يعني يوم القيامة.

(وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ) ، قال قتادة : يعبد في السماء وفي الأرض لا إله إلّا هو ، (وَهُوَ الْحَكِيمُ) ، في تدبير خلقه ، (الْعَلِيمُ) ، بمصالحهم.

(وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٥)) ، قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي «يرجعون» بالياء ، والآخرون بالتاء.

(وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِ) ، وهم عيسى وعزير والملائكة فإنهم عبدوا من دون الله ، ولهم الشفاعة ، وعلى هذا يكون (مِنْ) في محل الرفع ، وقيل : (مِنْ) في محل الخفض ، وأراد بالذين يدعون عيسى وعزير والملائكة ، يعني أنهم لا يملكون الشفاعة إلّا لمن شهد بالحق ، والأول أصح ، وأراد بشهادة الحق قول لا إله إلّا الله كلمة التوحيد ، (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) ، بقلوبهم ما شهدوا به بألسنتهم.

(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ) (٨٧) ، يصرفون عن عبادته.

(وَقِيلِهِ يا رَبِ) ، يعني قول محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم شاكيا إلى ربه يا رب ، (إِنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ) ، قرأ عاصم وحمزة (وَقِيلِهِ) بجر اللام والهاء على معنى وعنده علم الساعة وعلم قيله يا رب ، وقرأ الآخرون بالنصب ، وله وجهان : أحدهما معناه : أما يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم وقيله يا رب ، والثاني : وقال قيله.

(فَاصْفَحْ عَنْهُمْ) ، أعرض عنهم ، (وَقُلْ سَلامٌ) ، معناه : المتاركة ، كقوله تعالى : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ) [القصص : ٥٥] ، (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) ، قرأ أهل المدينة والشام بالتاء ، وقرأ والباقون بالياء ، قال مقاتل : نسختها آية السيف.

١٧١

سورة الدخان

مكية وهي تسع وخمسون آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (٣) فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤) أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (٥))

(حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) ، قال قتادة وابن زيد : هي ليلة القدر أنزل الله القرآن في ليلة القدر من أم الكتاب إلى السماء الدنيا ، ثم نزل به جبريل على (١) النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نجوما في عشرين سنة. وقال آخرون هي ليلة النصف من شعبان.

[١٨٩٨] أخبرنا عبد الوحد [بن أحمد] المليحي أنا أبو منصور السمعاني ثنا أبو جعفر الرياني ثنا حميد بن

__________________

[١٨٩٨] ـ صحيح بشواهده. إسناده ضعيف ، عبد الملك ومصعب كلاهما مجهول ، لكن للحديث شواهد.

ـ ابن وهب هو عبد الله ، محمد هو ابن أبي بكر الصديق.

ـ وهو في «شرح السنة» ٩٨٨.

ـ وتصحّف في «شرح السنة» : «أو عمه» إلى «عن أمه».

ـ وأخرجه البزار ٢٠٤٥ وابن خزيمة في «التوحيد» ص ٩٠ وابن أبي عاصم في «السنة» ٥٠٩ والبيهقي في «الشعب» ٣٨٢٧ من طرق عن عبد الملك بهذا الإسناد.

ـ وقال الهيثمي في «المجمع» ٨ / ٦٥ : وعبد الملك بن عبد الملك ، ذكره ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» ، ولم يضعفه وبقية رجاله ثقات ا ه.

ـ وللحديث شواهد منها :

١ ـ حديث معاذ بن جبل :

أخرجه ابن أبي عاصم في «السنة» ٥١٢ وابن حبان ٥٦٦٥ والطبراني ٢٠ (٢١٥) وأبو نعيم في «الحلية» ٥ / ١٩١.

ـ وقال الهيثمي في «المجمع» ٨ / ٦٥ : رواه الطبراني في «الكبير» و «الأوسط» ورجالهما ثقات.

٢ ـ حديث أبي موسى الأشعري :

ـ أخرجه ابن ماجه ١٣٩٠ وابن أبي عاصم ٥١٠ واللالكائي في «السنة» ٧٦٣.

ـ وإسناد ضعيف ، لضعف ابن لهيعة ، وجهالة ابن عرزب.

٣ ـ حديث أبي ثعلبة :

ـ أخرجه ابن أبي عاصم ٥١١ واللالكائي ٧٦٠ والطبراني في «الكبير» ٢٢ / ٢٢٣.

ـ وقال الهيثمي : وفيه الأحوص بن حكيم ضعيف.

٤ ـ حديث عبد الله بن عمرو :

(١) في المطبوع «عن» وهو تصحيف.

١٧٢

زنجويه ثنا الأصبغ بن الفرج ، أخبرني ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن عبد الملك بن عبد الملك حدثه أن ابن أبي ذئب [واسمه مصعب](١) حدثه عن القاسم بن محمد عن أبيه أو عمه (٢) عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ينزل الله جل ثناؤه ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا فيغفر لكل نفس إلّا إنسانا في قلبه شحناء أو مشركا بالله».

(إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ).

(فِيها) ، أي في الليلة المباركة ، (يُفْرَقُ) ، أي يفصل ، (كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) ، محكم ، وقال ابن عباس : يكتب في أم الكتاب في ليلة القدر ما هو كائن في السنة من الخير والشر والأرزاق والآجال حتى الحجاج ، يقال : يحج فلان ويحج فلان ، قال الحسن ومجاهد وقتادة : يبرم في ليلة القدر في شهر رمضان كل أجل وعمل وخلق ورزق ، وما يكون في تلك السنة. وقال عكرمة : هي ليلة النصف من شعبان يبرم فيها أمر السنة وتنسخ الأحياء من الأموات فلا يزاد فيهم أحد ولا ينقص منهم أحد.

[١٨٩٩] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أبو منصور السمعاني ثنا أبو جعفر الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا عبد الله بن صالح حدثني الليث حدثني عقيل عن ابن شهاب أخبرني عثمان بن محمد بن المغيرة بن

__________________

ـ أخرجه أحمد ٢ / ١٧٦.

ـ وقال الهيثمي : وفيه ابن لهيعة لين الحديث ، وبقية رجاله وثقوا.

وقال المنذري في «الترغيب» ٤٠٨٠ : رواه أحمد بإسناد ليّن.

٥ ـ حديث أبي هريرة :

ـ أخرجه البزار ٢٠٤٦.

ـ وقال الهيثمي : وفيه هشام بن عبد الرحمن لم أعرفه ، وبقية رجله ثقات.

٦ ـ حديث عوف بن مالك :

ـ أخرجه البزار ٢٠٤٨ وقال : إسناده ضعيف.

ـ قال الهيثمي : وفيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ، وثقه أحمد بن صالح ، وضعفه جمهور الأئمة ، وابن لهيعة لين ، وبقية رجاله ثقات.

٧ ـ وحديث عائشة «إن الله تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد شعر غنم كلب».

ـ أخرجه الترمذي ٧٣٩ وابن ماجه ١٣٨٩ وأحمد ٦ / ٢٣٨ واللالكائي ٧٦٤.

ـ وفي إسناده حجاج بن أرطأة مدلس وقد عنعن.

وقال الترمذي : سمعت البخاري يضعف هذا الحديث.

ـ قلت : هو ضعيف بهذا اللفظ ، لكن لمعناه شواهد كما ترى.

ـ الخلاصة : حديث الباب صحيح بمجموع شواهده ، والله أعلم.

[١٨٩٩] ـ إسناده ضعيف جدا ، فهو مرسل ، ومع إرساله عثمان عنده مناكير ، وقد روي من قوله غير مرفوع ، وهو الصحيح ، وفيه عبد الله بن صالح ضعيف الحديث لكن توبع ، وليس هو علة الحديث.

ـ الليث هو ابن سعد ، عقيل هو ابن خالد ، ابن شهاب هو الزهري محمد بن مسلم.

ـ وأخرجه الطبري ٣١٠٤٠ من طريق آدم بن أبي إياس عن الليث بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البيهقي في «الشعب» ٣٨٣٩ عن عثمان بن محمد بن الأخنس موقوفا عليه ، وهو أصح من المرفوع ـ الخلاصة : المرفوع ضعيف جدا ، والصواب مقطوع ، أي من قول التابعي.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) تصحف في «شرح السنة» إلى «عن أمه».

١٧٣

الأخنس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان ، حتى إن الرجل لينكح ويولد له ولقد أخرج اسمه في الموتى».

وروى أبو الضحى عن ابن عباس رضي الله عنهما : إن الله يقضي الأقضية في ليلة النصف من شعبان ، ويسلمها إلى أربابها في ليلة القدر.

(أَمْراً) ، أي أنزلنا أمرا ، (مِنْ عِنْدِنا) ، قال الفراء : نصب على معنى فيها يفرق كل أمر حكيم فرقا وأمرا ، أي نأمر أمرا ببيان ذلك. (إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) ، محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ومن قبله من الأنبياء.

(رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦) رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٧) لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٨) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (٩) فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (١٠) يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ (١١) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (١٢) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (١٣) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (١٤) إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عائِدُونَ (١٥) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (١٦))

(رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) ، قال ابن عباس : رأفة مني بخلقي ونعمتي عليهم بما بعثنا إليهم من الرسل. وقال الزجاج : أنزلناه في ليلة مباركة للرحمة ، (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) ، قرأ أهل الكوفة : (رَبِ) جرا ردا على قوله : (مِنْ رَبِّكَ) ، ورفعه الآخرون ردا على قوله : (هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) ، وقيل : على الابتداء ، (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) ، أن الله رب السموات والأرض.

(لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٨) بَلْ هُمْ فِي شَكٍ) ، من هذا القرآن ، (يَلْعَبُونَ) يهزءون به لاهون عنه.

(فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ (١٠) يَغْشَى النَّاسَ هذا عَذابٌ أَلِيمٌ) (١١) ، تقديره : هو عذاب إلهي ، ويجوز : أن يكون حكاية لكلامهم بما بعده ، أي : يقولون هذا عذاب أليم.

اختلفوا في هذا الدخان.

[١٩٠٠] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا

__________________

[١٩٠٠] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ سفيان هو ابن سعيد الثوري ، منصور هو ابن المعتمر ، الأعمش هو سليمان بن مهران ، أبو الضحى هو مسلم بن صبيح ، مسروق هو ابن الأجدع.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٤٧٧٤ عن محمد بن كثير بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه ابن حبان ٦٥٨٥ والطبراني ٩٠٤٨ وأبو نعيم في «الدلائل» ٣٦٩ من طريق محمد بن كثير بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٤٦٩٣ والحميدي ١١٦ من طريق سفيان بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٤٨٢٤ والترمذي ٣٢٥٤ وأحمد ١ / ٤٤١ من طريق شعبة عن الأعمش ومنصور به.

ـ وأخرجه البخاري ١٠٠٧ و ٤٨٢١ و ٤٨٢٢ و ٤٨٢٣ ومسلم ٢٧٩٨ ح ٤٠ والطبري ٣١٠٤٣ والطبراني ٩٠٤٦ و ٩٠٤٧ وأحمد ١ / ٣٨٠ و ٤٣١ والبيهقي في «الدلائل» ٢ / ٣٢٤ و ٣٢٥ و ٣٢٦ من طرق عن الأعمش به.

ـ وأخرجه مسلم ٢٧٩٨ والطبري ٣١٠٤٥ والبيهقي ٢ / ٣٢٦ من طرق عن جرير عن منصور به.

ـ الخلاصة : إسناده إلى ابن مسعود صحيح كالشمس ، لكنه رأي رآه ابن مسعود رضي الله عنه.

١٧٤

محمد بن إسماعيل ثنا محمد بن كثير عن سفيان ثنا منصور والأعمش عن أبي الضحى عن مسروق قال : بينما رجل يحدث في كندة ، فقال : يجيء دخان يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ، ويأخذ المؤمن (١) كهيئة الزكام ، ففزعنا فأتيت ابن مسعود وكان متكئا [فأخبرته فغضب](٢) فجلس؟ فقال : من علم فليقل ، ومن لم يعلم فليقل : الله أعلم ، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم لا أعلم (٣) ، فإن الله قال لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) (٨٦) [ص : ٨٦] ، وإن قريشا أبطئوا عن الإسلام فدعا عليهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف ، فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها وأكلوا الميتة والعظام ، ويرى الرجل ما بين السماء والأرض كهيئة الدخان» فجاء أبو سفيان فقال : يا محمد جئت تأمرنا (٤) بصلة الرحم ، وإنّ قومك قد هلكوا فادع الله لهم ، فقرأ : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) (١٠) إلى قوله (إِنَّكُمْ عائِدُونَ) ، أفيكشف عنهم عذاب الآخرة إذا جاء؟ ثم عادوا إلى كفرهم ، فذلك قوله : (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى) ، يعني يوم بدر ، ولزاما يوم بدر ، (الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ) (٢) ، إلى [قوله](٥)(سَيَغْلِبُونَ) [الروم : ٣] ، والروم قد مضى». ورواه محمد بن إسماعيل عن يحيى عن وكيع عن الأعمش ، قال قالوا : (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) (١٢) ، فقيل له : إن كشفنا عنهم عادوا إلى كفرهم ، فدعا ربه فكشف عنهم فعادوا فانتقم الله منهم يوم بدر ، فذلك قوله : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) (١٠) إلى قوله : (إِنَّا مُنْتَقِمُونَ).

[١٩٠١] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا يحيى ثنا وكيع عن الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عبد الله قال : خمس قد مضين اللزام والروم والبطشة والقمر والدخان. وقال قوم : هو دخان يجيء قبل قيام الساعة ولم يأت بعد ، فيدخل في أسماع الكفار والمنافقين حتى يكون كالرأس الحنيذ ، ويعتري المؤمن منه كهيئة الزكام وتكون الأرض كلها كبيت أوقد فيه النار ، وهو قول ابن عباس وابن عمر والحسن.

[١٩٠٢] أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرنا عقيل بن محمد الجرجاني ثنا أبو الفرج

__________________

ـ قال الحافظ ابن كثير في «التفسير» ٤ / ١٦٥ بعد أن ساق أحاديث مرفوعة في أن الدخان هو عند قيام الساعة وعقب ذلك بآثار موقوفة ومنها أثرا عن ابن عباس ، فقال : وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس حبر الأمة وترجمان القرآن ، وهكذا قول من وافقه من الصحابة والتابعين مع الأحاديث المرفوعة من الصحاح والحسان التي أوردناها مما فيه دلالة ظاهرة على أن الدخان من الآيات المنتظرة ، مع أنه ظاهر القرآن ، قال الله تعالى : (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) أي بيّن واضح يراه كل أحد ، وعلى ما فسره ابن مسعود إنما هو خيال رأوه في أعينهم من شدة الجوع ، وهكذا قوله (يَغْشَى النَّاسَ) أي يتغشاهم ويعمهم ، ولو كان أمرا خياليا يخص أهل مكة المشركين لما قيل : (يَغْشَى النَّاسَ) ا ه.

[١٩٠١] ـ تقدم في سورة الفرقان عند آية : ٧٧.

[١٩٠٢] ـ إسناده ضعيف جدا ، لأجل روّاد بن الجراح ، فإنه ضعيف متروك ، وقد أقرّ أنه لم يسمع هذا الحديث من الثوري ، وإنما

(١) في المطبوع «المؤمنين» والمثبت عن «صحيح البخاري» والمخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) في المطبوع «الله ورسول أعلم» والمثبت عن «صحيح البخاري» والمخطوط.

(٤) في المطبوع «تأمر» والمثبت عن المخطوط و «صحيح البخاري».

(٥) زيادة عن المخطوط.

١٧٥

المعافى بن زكريا البغدادي ثنا محمد بن جرير الطبري حدثني عصام بن رواد بن الجراح ثنا أبي أنا سفيان بن سعيد (١) ثنا منصور بن المعتمر عن ربعي بن حراش قال : سمعت حذيفة بن اليمان يقول : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أول الآيات الدخان (٢) ، ونزول عيسى ابن مريم ، ونار تخرج من قعر عدن أبين ، تسوق الناس إلى المحشر تقيل معهم إذا قالوا» (٣) ، قال حذيفة : يا رسول الله وما الدخان؟ فتلا هذه الآية : (يَوْمَ تَأْتِي السَّماءُ بِدُخانٍ مُبِينٍ) ، يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوما وليلة ، أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكام ، وأما الكافر فكمنزلة السكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره».

(أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرى) ، من أين لهم التذكر (٤) والاتعاظ؟ يقول : كيف يتذكرون ويتعظون؟ (وَقَدْ جاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ) ، ظاهر الصدق يعني محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ) ، أعرضوا عنه ، (وَقالُوا مُعَلَّمٌ) ، أي يعلمه بشر ، (مَجْنُونٌ).

قال الله تعالى : (إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ) ، أي عذاب الجوع ، (قَلِيلاً) ، أي زمانا يسيرا ، قال مقاتل : إلى يوم بدر. (إِنَّكُمْ عائِدُونَ) ، إلى كفركم.

(يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرى) ، وهو يوم بدر ، (إِنَّا مُنْتَقِمُونَ) ، وهذا قول ابن مسعود وأكثر العلماء ، وقال الحسن : يوم القيامة ، وروى عكرمة ذلك عن ابن عباس.

(وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ (١٧) أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٨) وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (١٩) وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ (٢٠) وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ (٢١) فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ (٢٢) فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ (٢٣) وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ (٢٤) كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٢٥) وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ (٢٦) وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ (٢٧))

__________________

سمعه من قوم مجاهيل كما ذكر الطبري ١١ / ٢٢٨.

ـ وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» ٤ / ٢٧٢ : رواد متروك ، وقد أقر أنه لم يسمع هذا الحديث.

ـ وهو في «تفسير الطبري» ٣١٠٦١ عن عصام بن روّاد بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الثعلبي كما في «تفسير القرطبي» ١٦١٠ / ١٣١ من حديث حذيفة ، وهو بهذا اللفظ ضعيف جدا.

ـ وأصل الحديث عند مسلم ٢٩٠١ والحميدي ٨٢٧ والطيالسي ١٠٦٧ وابن أبي شيبة ١٥ / ١٦٣ وأحمد ٤ / ٦ وأبي داود ٤٣١١ والترمذي ٢١٨٣ وابن ماجه ٤٠٤١ وابن حبان ٦٧٩١ من حديث حذيفة بن أسيد.

قال : «اطّلع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم علينا ، ونحن نتذاكر ، فقال : ما تذكرون؟ قالوا : نذكر الساعة.

قال : إنها لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات ، فذكر الدخان ، والدجال ، والدابة ، وطلوع الشمس من مغربها ، ونزول عيسى ابن مريم صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ويأجوج ومأجوج ، وثلاثة خسوف : خسف بالمشرق ، وخسف بالمغرب ، وخسف بجزيرة العرب ، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم» لفظ مسلم. وقد تقدم في سورة الأنبياء عند آية : ٩٦.

الخلاصة : السياق المتقدم هو الصحيح ، وأما سياق المصنف فضعيف جدا ، وفي ألفاظه نكارة ، والله أعلم ، وانظر «الكشاف» ١٠١٤ بتخريجي.

(١) في المطبوع «أبو سفيان ابن سعيد» والمثبت عن «تفسير الطبري» وكتب التراجم.

(٢) في المخطوط (ب) و «تفسير الطبري» : «الدجال» وهو تصحيف.

(٣) زيد في المخطوط (ب) «وتبيت معهم إذا باتوا».

(٤) في المخطوط (ب) «التذكرة».

١٧٦

(وَلَقَدْ فَتَنَّا) ، بلونا ، (قَبْلَهُمْ) ، قبل هؤلاء ، (قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ) ، على الله وهو موسى بن عمران.

(أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ) ، يعن بني إسرائيل أطلقهم ولا تعذبهم ، (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) ، على الوحي.

(وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللهِ) ، أي لا تتجبروا عليه بترك طاعته ، (إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) ، ببرهان بيّن على صدق قولي ، فلما قال ذلك توعدوه بالقتل.

فقال : (وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ) (٢٠) ، أن تقتلون ، وقال ابن عباس تشتموني (١) وتقولوا هو ساحر. وقال قتادة : ترجموني بالحجارة.

(وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ) (٢١) ، فاتركوني لا معي ولا عليّ. وقال ابن عباس : فاعتزلوا أذاي باليد واللسان ، فلم يؤمنوا.

(فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ) (٢٢) ، مشركون فأجابه الله وأمره أن يسري.

فقال : (فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً) ، أي ببني إسرائيل ، (إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) ، يتبعكم فرعون وقومه.

(وَاتْرُكِ الْبَحْرَ) ، إذا قطعته أنت وأصحابك ، (رَهْواً) ، ساكنا على حالته وهيئته ، بعد أن ضربته ودخلته ، معناه لا تأمره أن يرجع اتركه حتى يدخله آل فرعون ، وأصل الرهو : السكون. وقال مقاتل : معناه اترك البحر راهيا أي ساكنا ، فسمي بالمصدر ، أي ذا رهو ، وقال كعب : اتركه طريقا. قال قتادة : طريقا يابسا. قال قتادة : لما قطع موسى البحر [وخرج بمن معه من بني إسرائيل فنظر إلى البحر فإذا هو على حاله لم يلتئم](٢) فعطف ليضرب البحر بعصاه ليلتئم وخاف أن يتبعه فرعون وجنوده ، فقيل له : اترك البحر رهوا كما هو ، (إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ) ، أخبر [الله](٣) موسى أنه يغرقهم ليطمئن قلبه في تركه [البحر](٤) كما جاوزه ، ثم ذكر ما تركوا بمصر.

فقال : (كَمْ تَرَكُوا) ، يعني بعد الغرق ، (مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ) (٢٦) ، مجلس شريف ، قال قتادة : الكريم الحسن.

(وَنَعْمَةٍ) ، ومتعة (٥) وعيش لين ، (كانُوا فِيها فاكِهِينَ) ، ناعمين وفاكهين أشرين بطرين.

(كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ (٢٨) فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ وَما كانُوا مُنْظَرِينَ (٢٩) وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ (٣٠) مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ (٣١) وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٢) وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ (٣٣) إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ (٣٤) إِنْ هِيَ إِلاَّ مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (٣٥) فَأْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٣٦) أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ (٣٧) وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (٣٨) ما خَلَقْناهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٣٩) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (٤٠) يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤١) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ اللهُ إِنَّهُ هُوَ

__________________

(١) في المطبوع «تشتمون» والمثبت عن المخطوط (ب)

(٢) ما بين المعقوفتين زيادة عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) زيد في المخطوط (ب) «ومنّة».

١٧٧

الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٤٢) إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعامُ الْأَثِيمِ (٤٤) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (٤٥) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (٤٦))

(كَذلِكَ) ، قال الكلبي : كذلك أفعل بمن عصاني ، (وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ) ، يعني بني إسرائيل.

(فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ) ، وذلك أن المؤمن إذا مات تبكي عليه السماء والأرض أربعين صباحا ، وهؤلاء لم يكن يصعد لهم عمل صالح فتبكي السماء على فقده ، ولا لهم على الأرض عمل صالح فتبكي الأرض عليه.

[١٩٠٣] أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا أبو عبد الله الفنجوي ثنا أبو علي المقري ثنا أبو يعلى الموصلي ثنا أحمد بن إسحاق البصري ثنا مكي بن إبراهيم ثنا موسى بن عبيدة الربذي (١) أخبرني يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «ما من عبد إلّا له في السماء بابان باب يخرج منه رزقه وباب يدخل فيه عمله ، فإذا مات فقداه وبكيا عليه» ، ثم تلا : (فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ).

قال عطاء : بكاء السماء حمزة أطرافها. قال السدي : لما قتل الحسين بن علي بكت عليه السماء وبكاؤها حمرتها. (وَما كانُوا مُنْظَرِينَ) ، لم ينظروا حين أخذهم العذاب لتوبة ولا لغيرها.

(وَلَقَدْ نَجَّيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مِنَ الْعَذابِ الْمُهِينِ) (٣٠) ، قتل الأبناء واستحياء النساء والتعب في العمل.

(مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كانَ عالِياً مِنَ الْمُسْرِفِينَ (٣١) وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ) ، يعني مؤمني بني إسرائيل ، (عَلى عِلْمٍ) ، بهم ، (عَلَى الْعالَمِينَ) ، على عالمي زمانهم.

(وَآتَيْناهُمْ مِنَ الْآياتِ ما فِيهِ بَلؤُا مُبِينٌ) (٣٣) ، قال قتادة : نعمة بينة من فلق البحر وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى ، والنعم التي أنعمها عليهم. قال ابن زيد : ابتلاهم بالرخاء والشدة ، وقرأ : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) [الأنبياء : ٣٥].

(إِنَّ هؤُلاءِ) ، يعني مشركي مكة (لَيَقُولُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى) ، أي لا موتة إلا هذه التي

__________________

[١٩٠٣] ـ إسناده ضعيف جدا ، موسى بن عبيدة ضعيف ليس بشيء ، وشيخه يزيد ضعيف روى مناكير كثيرة عن أنس ، وهذا منها.

ـ وضعفه الترمذي بقوله : موسى ويزيد يضعّفان ، وكذا ضعفه الهيثمي في «المجمع» ٧ / ١٠٤ وابن حجر في «المطالب العالية» ٣ / ٣٦٩.

ـ يزيد هو ابن أبان الرقاشي.

ـ وهو في «مسند أبي يعلى» ٤١٣٣ عن أحمد بن إسحاق البصري بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الترمذي ٣٢٥٢ من طريق وكيع عن موسى بن عبيدة بهذا الإسناد.

ـ وقال الهيثمي في «المجمع» ٧ / ١٠٥ : وفيه موسى بن عبيدة الربذي ، وهو ضعيف ا ه.

ـ وأخرجه أبو نعيم في «الحلية» ٣ / ٥٣ من طريق صفوان بن سليم عن يزيد بن أبان به والراوي عن صفوان هو إبراهيم ابن مهاجر بن مسمار ، وهو ضعيف ا ه.

ـ ولعجزه شاهد مرسل ، أخرجه الطبري ٣١١٢٩ ومع ذلك المتن منكر ، وحسبه الوقف ، وانظر «الكشاف» ١٠١٦ و «تفسير القرطبي» ٥٤٦٩ بتخريجي.

(١) في المطبوع «الزيدي» وفي المخطوط (ب) «الزيدي» والمثبت عن «كتب التخريج وكتب التراجم».

١٧٨

نموتها في الدنيا ، ثم لا بعث بعدها ، وهو قوله : (وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ) ، بمبعوثين بعد موتتنا.

(فَأْتُوا بِآبائِنا) ، الذين ماتوا ، (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) ، أنا نبعث أحياء بعد الموت ، ثم خوفهم مثل عذاب الأمم الخالية فقال : (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ) ، أي ليسوا خيرا منهم ، يعني أقوى وأشد وأكثر من قوم تبع. قال قتادة : هو تبع الحميري ، وكان سار بالجيوش حتى حير الحيرة ، وبني سمرقند وكان من ملوك اليمن ، سمي تبعا لكثرة أتباعه ، وكل واحد منهم يسمى تبعا لأنه يتبع صاحبه ، وكان هذا الملك يعبد النار فأسلم ودعا قومه إلى الإسلام وهم حمير ، فكذبوه.

وكان من خبره ما ذكره محمد بن إسحاق وغيره ، وذكر عكرمة عن ابن عباس قالوا : كان تبع الآخر وهو أبو كرب أسعد بن مليك [يكرب](١) حين أقبل من المشرق وجعل طريقه على المدينة ، وقد كان حين مرّ بها خلف بين أظهرهم ابنا له فقتل غيلة ، فقدمها وهو مجمع على خرابها واستئصال أهلها ، فجمع له هذا الحي من الأنصار حين سمعوا ذلك من أمره ، فخرجوا لقتاله وكان الأنصار يقاتلونه بالنهار ويقرونه بالليل ، فأعجبه ذلك وقال : إن هؤلاء لكرام فبينما هو كذلك إذ جاءه حبران اسمهما : كعب وأسد من أحبار بني قريظة ، عالمان وكانا ابني عم ، حين سمعا ما يريد من إهلاك المدينة وأهلها ، فقالا له : أيها الملك لا تفعل فإنك إن أبيت إلّا ما تريد حيل بينك وبينها ولم نأمن عليك عاجل العقوبة. فإنها مهاجر نبي يخرج من هذا الحي من قريش اسمه محمد مولده مكة ، وهذه دار هجرته ومنزلك الذي أنت به يكون به من القتل والجراح أمر كبير في أصحابه ، وفي عدوهم.

قال تبع : من يقاتله وهو نبي؟ قالا : يسير إليه قومه فيقتلون (٢) هاهنا ، فتناهى لقولهما عمّا كان يريد بالمدينة ، ثم إنهما دعواه إلى دينهما فأجابهما واتبعهما على دينهما وأكرمهما وانصرف عن المدينة ، وخرج بهما ونفر من اليهود عامدين إلى اليمن ، فأتاه في الطريق نفر من هذيل وقالوا إنا ندلك على بيت فيه كنز من لؤلؤ وزبرجد وفضة ، قال : أي بيت؟ قالوا : بيت بمكة وإنما تريد هذيل هلاكه لأنهم عرفوا أنه لم يرده أحد قط بسوء إلّا هلك ، فذكر ذلك للأحبار ، فقالوا : ما نعلم لله في الأرض بيت غير هذا البيت ، فاتخذه مسجدا وانسك عنده وانحر واحلق رأسك ، وما أراد القوم إلّا هلاكك لأنه ما ناوأهم أحد قط إلّا هلك ، فأكرمه واصنع عنده ما يصنع أهله ، فلما قالوا له ذلك أخذ النفر من هذيل فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ثم صلبهم ، فلما قدم مكة نزل الشعب شعب البطائح ، وكسا البيت الوصائل ، وهو أول من كسا البيت ، ونحر بالشعب ستة آلاف بدنة ، وأقام به [ستة](٣) أيام وطاف به وحلق وانصرف.

فلما دنا من اليمن ليدخلها حالت حمير بين ذلك وبينه ، قالوا : لا تدخل علينا وقد فارقت ديننا ، فدعاهم إلى دينه وقال إنه دين خير من دينكم ، قالوا : فحاكمنا إلى النار.

وكانت باليمن نار في أسفل جبل يتحاكمون إليها فيما يختلفون فيه ، فتأكل الظالم ولا تضر المظلوم ، فقال تبع : أنصفتم ، فخرج القوم بأوثانهم وما يتقربون به في دينهم وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما حتى قعدوا للنار عند مخرجها الذي تخرج منه ، فخرجت النار فأقبلت حتى غشيتهم ، فأكلت الأوثان وما قربوا معها ، ومن حمل ذلك من رجال حمير.

وخرج الحبران بمصاحفهما في أعناقهما ، يتلوان التوراة تعرق جباههما لم تضرهما ، ونكصت النار

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المخطوط (ب) «فيقتتلون».

(٣) زيادة عن المخطوط (ب)

١٧٩

حتى رجعت إلى مخرجها الذي خرجت منه فأصفقت عند ذلك حمير على دينهما ، فمن هنالك كان أصل اليهودية في اليمن.

وذكر أبو حاتم عن الرقاشي (١) قال : كان أبو كرب أسعد الحميري من التبابعة آمن بالنبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل أن يبعث بسبعمائة سنة.

وذكر [لنا](٢) أن كعبا كان يقول : ذم الله قومه ولم يذمه.

وكانت عائشة تقول : لا تسبوا تبعا فإنه كان رجلا صالحا.

وقال سعيد بن جبير : هو الذي كسا البيت.

[١٩٠٤] أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا أبو عبد الله بن فنجويه الدينوري ثنا أبو بكر بن مالك القطيعي ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا أبي ثنا حسن (٣) بن موسى ثنا ابن [حدثنا] لهيعة [حدثنا] أبو زرعة ابن عمرو بن جرير (٤) عن سهل بن سعد قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «لا تسبوا تبعا فإنه كان قد أسلم».

[١٩٠٥] أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني ابن فنجويه ثنا ابن شيبة ثنا محمد بن

__________________

[١٩٠٤] ـ صدره حسن. وعجزه ضعيف.

ـ إسناده ضعيف جدا ، ابن لهيعة ضعيف ، وعمرو متروك ، ولصدره شواهد يحسن بها ، والله أعلم.

ـ ابن لهيعة هو عبد الله.

ـ وهو في «مسند أحمد» ٥ / ٣٤٠ عن حسن بن موسى بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الطبراني ٦٠١٣ من طريق سعيد بن أبي مريم وعبد الله بن يوسف عن ابن لهيعة به.

ـ وقال الهيثمي في «المجمع» ١٣٠٢٨ : فيه عمرو بن جابر ، وهو كذاب ا ه.

ـ وقال الحافظ في «تخريج الكشاف» ٤ / ٢٧٩ : فيه ابن لهيعة عن عمرو بن جابر ، وهما ضعيفان؟! والصواب أن عمرو ابن جابر متروك ، وقال أحمد : بلغني أنه كان يكذب ، راجع «الميزان» ٣ / ٢٥٠.

ـ وله شاهد من حديث ابن عباس أخرجه الطبراني في «الكبير» ١١٧٩٠ وفي «الأوسط» ١٤٤١ وإسناده ضعيف ، فيه مؤمل بن إسماعيل ، وثقه قوم ، وضعفه آخرون ، وقال البخاري : منكر الحديث.

وفيه أيضا سماك بن حرب عن عكرمة ، وسماك ضعيف بخاصة في روايته عن عكرمة.

ـ وورد عند الطبري ٣١١٤٣ عن قتادة قال : ذكر لنا أن تبعا ....» ولم يرفعه.

ـ وورد النهي عن سبه دون لفظ «فإنه أسلم».

أخرجه عبد الرزاق في «التفسير» ٢٨٢٢ عن عطاء مرسلا.

ـ وورد من مرسل وهب بن منبه أخرجه عبد الرزاق ٢٨٢١.

ـ فالنهي عن سبه لعله يتأيد بطرقه وشواهده ، ومنها الآتي. لكن لفظ «قد أسلم» لا يصح ، والله أعلم ، ومع ذلك أورده الألباني كله في «صحيح الجامع» ٧٣١٩ و «الصحيحة» ٢٤٢٣؟! وانظر «الكشاف» ١٠١٧.

[١٩٠٥] ـ صحيح. أزهر صدوق ، وقد توبع ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.

ـ عبد الرزاق بن همام ، معمر بن راشد ، ابن أبي ذئب محمد بن عبد الرحمن ، المقبري هو سعيد بن أبي سعيد.

وأخرجه أبو داود ٤٦٧٤ من طريق عبد الرزاق بهذا الإسناد. لكن بلفظ : «ما أدري أتبع لعين هو أم لا ، وما أدري أعزير نبي هو أم لا؟». ـ

(١) في المخطوط (أ) والمخطوط (ب): (الرياشي)

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) في المطبوع «حسين» وهو تصحيف والتصويب عن المخطوط و «شرح السنة».

(٤) في المطبوع «عمر بن جرير» والمثبت عن «شرح السنة» وكتب التراجم.

١٨٠