تفسير البغوي - ج ٤

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي

تفسير البغوي - ج ٤

المؤلف:

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي


المحقق: عبدالرزاق المهدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٧

[١٨٤٠] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا محمد ثنا أبو معاوية [عن](١) الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما بين النفختين أربعون» ، قالوا : أربعون يوما؟ قال : «أبيت» ، قالوا : أربعون شهرا؟ قال : «أبيت» ، قالوا : أربعون سنة؟ قال : «أبيت» ، قال : ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل ليس من الإنسان شيء إلّا يبلى إلّا عظم واحد ، وهو عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة».

(وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَوُضِعَ الْكِتابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٦٩) وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ (٧٠) وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ (٧١) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٢) وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ (٧٣))

قوله عزوجل : (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ) ، أضاءت ، (بِنُورِ رَبِّها) بنور خالقها ، وذلك حين يتجلى الرب لفصل القضاء بين خلقه فما يتضارون في نوره كما لا يتضارون في الشمس في اليوم الصحو. وقال الحسن والسدي : بعدل ربّها ، وأراد بالأرض عرصات القيامة ، (وَوُضِعَ الْكِتابُ) ، أي كتاب الأعمال ، (وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَداءِ) ، قال ابن عباس : يعني الذين يشهدون للرسل بتبليغ الرسالة ، وهم أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقال عطاء : يعني الحفظة يدل عليه قوله تعالى : (وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ) (٢١) [ق : ٢١] ، (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِ) ، أي بالعدل ، (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) ، أي لا يزاد في سيئاتهم ولا ينقص من حسناتهم.

(وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ) ، أي ثواب ما عملت ، (وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ) ، قال عطاء : يريد أني عالم بأفعالهم لا أحتاج إلى كاتب ولا إلى شاهد.

(وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ) ، سوقا عنيفا ، (زُمَراً) ، أفواجا بعضها على إثر بعض ، كل أمة على حدة. قال أبو عبيدة والأخفش : زمرا أي جماعات في تفرقة ، واحدتها زمرة. (حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها) ، السبعة وكانت مغلقة قبل ذلك ، قرأ أهل الكوفة (فُتِحَتْ) ، و (فُتِحَتْ) بالتخفيف ، وقرأ الآخرون بالتشديد على التكثير (وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها) ، توبيخا وتقريعا لهم ، (أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ) ، من

__________________

[١٨٤٠] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ محمد هو ابن العلاء ، أبو معاوية هو محمد بن خازم ، الأعمش هو سليمان بن مهران ، أبو صالح اسمه ذكوان ، مشهور بكنيته.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤١٩٥ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٤٩٣٥ عن محمد بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٢٩٥٥ والنسائي في «التفسير» ٤٧٨ والطبري ٣٠٢٤١ من طرق عن أبي معاوية به.

(١) سقط من المطبوع.

١٠١

أنفسكم ، (يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ) ، وجبت ، (كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ) ، وهو قوله : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [السجدة : ١٣].

(قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٢) وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها) ، قال الكوفيون : هذه الواو زائدة حتى تكون جوابا لقوله : (حَتَّى إِذا جاؤُها) كما (١) في سوق الكفار ، وهذا كما قال الله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً) [الأنبياء : ٤٨] أي ضياء ، والواو زائدة ، وقيل : الواو واو والحال ، مجازه : وقد فتحت أبوابها ، فأدخل الواو لبيان أنها كانت مفتحة قبل مجيئهم وحذفها في الآية الأولى أنها كانت مغلقة قبل مجيئهم ، فإذا لم تجعل الواو زائدة في قوله : (وَفُتِحَتْ أَبْوابُها).

اختلفوا في جواب قوله : (حَتَّى إِذا) ، قيل : جوابه قوله : (جاؤُها) ، و (وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها) ، والواو فيه ملغاة تقديره : حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها قال لهم خزنتها.

وقال الزجاج : القول عندي أن الجواب محذوف ، تقديره : حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها. (وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ) ، دخلوها فحذف دخلوها لدلالة الكلام عليه ، (وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ) ، يريد أن خزنة الجنة يسلمون عليهم ويقولون طبتم.

قال ابن عباس : طاب لكم المقام. قال قتادة : هم إذا قطعوا النار حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص بعضهم من بعض حتى إذا هذّبوا وطيّبوا أدخلوا (٢) الجنة ، فقال لهم رضوان وأصحابه : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ). وروي عن علي عليه‌السلام قال : سيقوا إلى الجنة فإذا انتهوا إليها وجدوا عند بابها شجرة يخرج من تحت ساقها عينان فيغتسل المؤمن من إحداهما فيطهر ظاهره ، ويشرب من الأخرى فيطهر باطنه ، وتلقته الملائكة على أبواب الجنة يقولون : سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين.

(وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (٧٤) وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٧٥))

(وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ) ، أي أرض الجنة. وهو قوله عزوجل : (وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) (١٠٥) [الأنبياء : ١٠٥]. (نَتَبَوَّأُ) ، ننزل ، (مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ) ، قال الله تعالى : (فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) ، ثواب (٣) المطيعين.

(وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ) ، أي محدقين محيطين بالعرش ، مطيفين بحوافيه أي بجوانبه ، (يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ) ، قيل : هذا تسبيح تلذذ لا تسبيح تعبد لأن التكليف متروك في ذلك اليوم ، (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِ) ، أي قضي بين أهل الجنة والنار بالعدل ، (وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) ، يقول أهل الجنة : شكرا حين تم وعد الله لهم.

__________________

(١) في المخطوط «كما قال في».

(٢) في المخطوط «دخلوا».

(٣) في المطبوع «ثوب» والمثبت عن المخطوط.

١٠٢

سورة غافر

مكية وهي خمس وثمانون آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣) ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (٤) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (٥) وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ (٦) الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٧))

[١٨٤١] أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان ثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا عبيد الله (١) بن موسى ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال : إن مثل القرآن كمثل رجل انطلق يرتاد لأهله منزلا فمر بأثر غيث فبينما هو يسير فيه ويتعجب منه إذ هبط على روضات دمثات (٢) ، فقال : عجبت من الغيث الأول فهذا أعجب منه وأعجب ، فقيل له إن مثل الغيث الأول مثل عظم القرآن وإن مثل هؤلاء الروضات الدمثات (٣) مثل آل حم في القرآن.

[١٨٤٢] أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا أبو محمد الرومي ثنا أبو العباس السراج أنا قتيبة ثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن الجراح بن [أبي](٤) الجراح حدثه عن ابن عباس قال : لكل شيء لباب ولباب القرآن الحواميم.

وقال ابن مسعود : إذا وقعت في آل حم وقعت في روضات دمثات أتأنّق فيهن. وقال سعد بن إبراهيم : كن آل حم يسمّين العرائس.

__________________

[١٨٤١] ـ موقوف صحيح. إسناده صحيح ، رجاله ثقات.

[١٨٤٢] ـ إسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة.

(١) في المطبوع «عبد الله» والمثبت عن المخطوط وكتب التراجم.

(٢) في المطبوع «دمثال» والمثبت عن المخطوط.

(٣) في المطبوع «الدمثال» والمثبت عن المخطوط.

(٤) سقط من المطبوع.

١٠٣

قوله عزوجل : (حم) ، قد سبق الكلام في حروف التهجي.

قال السدي عن ابن عباس : حم اسم الله الأعظم. وروى عكرمة عنه قال : الر وحم ونون ، حروف الرحمن مقطعة. وقال سعيد بن جبير وعطاء الخراساني : الحاء افتتاح أسمائه حكيم حميد حي حليم حنان ، والميم افتتاح أسمائه ملك مجيد منان. وقال الضحاك والكسائي : معناه قضى ما هو كائن كأنهما أشارا إلى أن معناه حم بضم الحاء وتشديد الميم ، وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر حم بكسر الحاء ، والباقون بفتحها.

(تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢) غافِرِ الذَّنْبِ) ، ساتر الذنب ، (وَقابِلِ التَّوْبِ) ، يعني التوبة مصدر تاب يتوب توبا. وقيل : التوب جمع توبة مثل دومة ودوم وعومة وعوم (١). قال ابن عباس : غافر الذنب لمن قال لا إله إلّا الله ، وقابل التوب ممن قال لا إله إلّا الله محمد رسول الله. (شَدِيدِ الْعِقابِ) ، لمن لا يقول لا إله إلّا الله ، (ذِي الطَّوْلِ) ، ذي الغنى عمن لا يقول لا إله إلّا الله. قال مجاهد : ذي الطول ذي السعة والغنى. وقال الحسن : ذو الفضل. وقال قتادة : ذو النعم. وقيل : ذو القدرة وأصل الطول الإنعام الذي تطول مدته على صاحبه. (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ).

(ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ) ، في دفع آيات الله بالتكذيب والإنكار ، (إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) ، قال أبو العالية : آيتان ما أشدهما على الذين يجادلون في القرآن : (ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) ، و (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) [البقرة : ١٧٦].

[١٨٤٣] أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا عبد الله بن حامد (٢) ثنا محمد بن خالد أنا

__________________

[١٨٤٣] ـ صحيح. إسناده ضعيف لضعف ليث ، لكن توبع ؛ وللحديث طرق وشواهد ، فهو صحيح إن شاء الله.

ـ زائدة هو ابن قدامة ، ليث هو ابن أبي سليم ، أبو سلمة هو ابن عبد الرحمن.

ـ وأخرجه أحمد ٢ / ٢٥٨ وابن أبي شيبة ١٥ / ٥٢٩ من طريقين عن سعد بن إبراهيم بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه أحمد ٢ / ٤٧٨ و ٤٩٤ والحاكم ٢ / ٢٢٣ من طريق أبي عاصم عن سعيد عن سعد بن إبراهيم عن عمر بن أبي سلمة عن أبيه به. وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وإسناده حسن لأجل عمر بن أبي سلمة.

ـ وأخرجه أبو داود ٤٦٠٣ وأحمد ٢ / ٢٨٦ و ٤٢٤ و ٤٧٥ و ٥٠٣ و ٥٢٨ والحاكم ٢ / ٢٢٣ وابن حبان ١٤٦٤ وأبو نعيم في «الحلية» ٨ / ٢١٢ ـ ٢١٣ وفي «أخبار أصبهان» ٢ / ١٢٣ من طرق عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة به.

وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي.

وللحديث شواهد منها :

ـ حديث عبد الله بن عمرو «لا تجادلوا في القرآن ، فإن جدالا فيه كفر».

أخرجه الطيالسي ٢٢٨٦ وأحمد ٤ / ١٧٠ و ٢٠٤ ـ ٢٠٥ وإسناده حسن رجاله رجال البخاري مسلم ، لكن فليح بن سليمان كثير الخطأ.

ـ وورد من وجه آخر ، أخرجه أبو عبيد في «فضائل القرآن» ٦ / ٥٤ ص ٢١٢ وإسناده ضعيف ، لضعف عبد الله بن صالح كاتب الليث.

ـ وحديث زيد بن ثابت.

أخرجه الطبراني كما في «المجمع» ٧١٠ وقال الهيثمي : رجاله موثقون.

ـ وحديث أبي جهيم الأنصاري.

(١) في المطبوع «حومة وحوم» والمثبت عن المخطوط.

(٢) في المطبوع «أحمد» والمثبت عن المخطوط.

١٠٤

داود بن سليمان أنا عبد الله (١) بن حميد ثنا الحسين بن علي الجعفي عن زائدة عن ليث عن سعد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن جدالا (٢) في القرآن كفر».

[١٨٤٤] أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو الحسين بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا أحمد بن منصور الرمادي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قوما يتدارءون (٣) في القرآن ، فقال : «إنما هلك (٤) من كان قبلكم بهذا ضربوا كتاب الله بعضه ببعض ، وإنما نزل كتاب الله يصدق بعضه بعضا ، فلا تكذبوا بعضه ببعض ، فما علمتم منه فقولوه ، وما جهلتم فكلوه إلى عالمه».

قوله تعالى : (فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ) ، تصرّفهم في البلاد للتجارات (٥) وسلامتهم فيها مع كفرهم ، فإن عاقبة أمرهم العذاب ، نظيره قوله عزوجل : (لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ) (١٩٦) [آل عمران : ١٩٦].

(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ) ، وهم الكفار الذين تحزبوا على أنبيائهم بالتكذيب من بعد قوم نوح ، (وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ) ، قال ابن عباس : ليقتلوه ويهلكوه. وقيل : ليأسروه. والعرب تسمي الأسير أخيذا ، (وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا) ، ليبطلوا ، (بِهِ الْحَقَ) ، الذي جاء به الرسل ومجادلتهم مثل قولهم : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) [إبراهيم : ١٠] ، و (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ) [الفرقان : ٢١] ونحو ذلك ، (فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ).

(وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ) ، يعني كما حقت كلمة العذاب على الأمم المكذبة حقت ، (عَلَى الَّذِينَ

__________________

أخرجه أبو عبيد ٧ / ٥٤ وفي إسناده ضعف.

لكن هذه الأحاديث تتقوى بمجموعها والله أعلم.

[١٨٤٤] ـ صحيح. إسناده حسن للاختلاف المعروف في عمرو عن آبائه ، ومن دونه ثقات توبعوا ، وللحديث شواهد وطرق.

ـ وهو في «شرح السنة» ١٢١ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «مصنف عبد الرزاق» ٢٠٣٦٧ عن معمر بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه أحمد ٢ / ١٨٥ والآجري في «الشريعة» ١٣٤ من طريق عبد الرزاق به.

ـ وأخرجه ابن ماجه ٨٥ وأحمد ٢ / ١٩٥ ـ ١٩٦ من طريق داود بن أبي هند عن عمرو بن شعيب به.

ـ وقال البوصيري في «الزوائد» : هذا إسناد صحيح ، رجاله ثقات وللحديث شواهد منها :

ـ حديث أبي هريرة أخرجه النسائي في «فضائل القرآن» ١١٨ وأحمد ٢ / ٣٠٠ والطبري ٧ وابن حبان ٧٤ ولفظه «أنزل القرآن على سبعة أحرف ، والمراء في القرآن كفر ، ما عرفتم منه فاعملوا به ، وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه».

وإسناده صحيح على شرطهما.

ـ وحديث أبي أمامة أخرجه الآجري ١٣٦ ولفظه «يا هؤلاء لا تضربوا كتاب الله تعالى بعضه ببعض ، فإنه لم تضل أمة إلّا أوتوا الجدل».

وإسناده ضعيف لضعف القاسم بن عبد الرحمن.

(١) كذا في المطبوع. وفي المخطوط (ب) «حميد بن حميد» وفي المخطوط (أ) «عبد بن حميد».

(٢) في المطبوع «دجالا» والمثبت عن ط والمخطوط.

(٣) في المخطوط (ب) يتدارءون وفي «شرح السنة» : «يتدارءون ـ قال الرمادي : يتمارون ـ».

(٤) في المطبوع «ملك» والمثبت عن ط والمخطوط و «شرح السنة».

(٥) في المخطوط (ب) «بالتجارات» والمثبت عن ط والمخطوط (أ)

١٠٥

كَفَرُوا)، من قومك ، (أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ) ، قال الأخفش : لأنهم أو بأنهم أصحاب النار.

قوله عزوجل : (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ) ، حملة العرش والطائفون به وهم الكروبيون ، وهم سادة الملائكة.

قال ابن عباس : حملة العرش ما بين كعب أحدهم إلى أسفل قدميه مسيرة خمسمائة عام.

ويروى أن أقدامهم في تخوم الأرضين والأرضون والسموات إلى حجزهم (١) ، وهم يقولون : سبحان ذي العزة والجبروت ، سبحان ذي الملك والملكوت ، سبحان الحي الذي لا يموت ، سبّوح قدّوس ربّ الملائكة والروح.

وقال ميسرة بن عبد ربه (٢) : أرجلهم في الأرض السفلى ، ورءوسهم خرقت (٣) العرش ، وهم خشوع لا يرفعون طرفهم ، وهم أشد خوفا من أهل السماء السابعة ، وأهل السماء السابعة أشد خوفا من أهل السماء التي تليها ، والتي تليها أشد خوفا من التي تليها.

وقال مجاهد : بين الملائكة والعرش سبعون حجابا من نور.

[١٨٤٥] وروى محمد بن المنكدر عن جابر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أذن لي أن أحدّث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش ما بين شحمة أذنيه إلى عاتقيه مسيرة سبعمائة عام».

وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أنه قال : إن ما بين القائمة من قوائم العرش والقائمة الثانية خفقان الطير المسرع ثلاثين ألف عام ، والعرش يكسى كل يوم سبعين ألف لون من النور ، لا يستطيع أن ينظر إليه خلق من خلق الله ، والأشياء كلها في العرش كحلقة في فلاة. وقال مجاهد : بين السماء السابعة وبين العرش سبعون ألف حجاب [حجاب](٤) من نور وحجاب من ظلمة وحجاب نور وحجاب ظلمة. وقال وهب بن منبه : إن حول العرش سبعون ألف صف من الملائكة ، صف خلف صف يطوفون بالعرش ، يقبل هؤلاء يدبر (٥) هؤلاء فإذا استقبل بعضهم بعضا هلّل هؤلاء وكبّر هؤلاء ، ومن ورائهم سبعون ألف صف قيام أيديهم إلى أعناقهم قد وضعوها على عواتقهم ، فإذا سمعوا تكبير أولئك وتهليلهم رفعوا أصواتهم ، فقالوا : سبحانك وبحمدك ما أعظمك وأجلك أنت الله لا إله غيرك ، أنت الأكبر الخلق كلهم لك راجعون ، ومن وراء هؤلاء مائة ألف صف من الملائكة قد وضعوا اليمنى على اليسرى ليس منهم أحد إلّا وهو يسبح بتحميد لا يسبحه الآخر ، ما بين جناحي أحدهم مسيرة ثلاثمائة عام ، وما بين شحمة أذنه إلى عاتقه أربعمائة عام ، واحتجب الله من الملائكة الذين حول العرش بسبعين حجابا من نار ،

__________________

[١٨٤٥] ـ صحيح. أخرجه ابن طهمان في «مشيخته» ٢١ وأبو داود ٤٧٢٧ والخطيب في «تاريخ بغداد» ١٠ / ١٩٥ من طريق موسى بن عقبة عن محمد بن المنكدر به.

وصححه السيوطي في «الدر المنثور» ٥ / ٦٤٧ وهو كما قال.

ـ وفي الباب من حديث أبي هريرة أخرجه أبو يعلى ٦٦١٩ وابن مردويه كما في «الدر» ٥ / ٦٤٧ وإسناده صحيح ، صححه السيوطي في الدر وكذا ابن حجر في «المطالب العالية» ٣ / ٢٦٧ وقال الهيثمي في «المجمع» ٨ / ١٣٥ : رجاله رجال الصحيح.

(١) في المطبوع «حجزتهم» والمثبت عن المخطوط.

(٢) في المخطوط (ب) «عزوبة» وفي المخطوط (أ) «غزوية».

(٣) في المطبوع «تحت» والمثبت عن المخطوط.

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) في المطبوع «يقبل» والمثبت عن المخطوط.

١٠٦

وسبعين حجابا من ظلمة ، وسبعين حجابا من نور ، وسبعين حجابا من درّ أبيض ، وسبعين حجابا من ياقوت أحمر ، وسبعين حجابا من ياقوت أصفر ، وسبعين حجابا من زبرجد أخضر ، وسبعين حجابا من ثلج ، وسبعين حجابا من ماء ، وسبعين حجابا من برد ، وما لا يعلمه إلّا الله تعالى. قال : ولكل واحد من حملة العرش ومن حوله أربعة وجوه ، وجه ثور ووجه أسد ووجه نسر ووجه إنسان ، ولكل واحد منهم أربعة أجنحة ، أما جناحان فعلى وجهه مخافة أن لا ينظر إلى العرش فيصعق ، وأما جناحان فيهفو بهما (١) كما يهفو هذا الطائر بجناحيه إذا حركه ليس لهم كلام إلّا التسبيح [والتسليم والتمجيد والتكبير](٢) والتحميد. قوله عزوجل : (يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ) ، يصدقون بأنه واحد لا شريك له.

[١٨٤٦] أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أبو منصور السمعاني ثنا أبو جعفر الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا عمر بن عبد الله الرقاشي ثنا جعفر بن سليمان ثنا هارون بن رئاب ثنا شهر بن حوشب قال : حملة العرش ثمانية ، فأربعة منهم يقولون : سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على حلمك بعد علمك ، وأربعة منهم يقولون : سبحانك اللهم وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك ، قال : وكأنهم ينظرون ذنوب بني آدم.

قوله عزوجل : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا) ، يعني يقولون ربنا ، (وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً) ، قيل : نصب على التفسير ، وقيل : على النقل ، أي وسعت رحمتك وعلمك كل شيء ، (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ) ، دينك. (وَقِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) ، قال مطرف : أنصح عباد الله للمؤمنين هم الملائكة وأغش الخلق للمؤمنين هم الشياطين.

(رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٨) وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٩) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ (١٠) قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (١١) ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (١٢))

(رَبَّنا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ) ، آمن ، (مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ، قال سعيد بن جبير : يدخل المؤمن الجنة فيقول أين أبي أين أمي أين ولدي أين زوجتي؟ فيقال : إنهم لم يعملوا مثل عملك ، فيقول : إني كنت أعمل لي ولهم ، فيقال : أدخلوهم [الجنة](٣).

(وَقِهِمُ السَّيِّئاتِ) ، العقوبات ، (وَمَنْ تَقِ السَّيِّئاتِ) ، أي ومن تقه السيئات يعني العقوبات ، وقيل : جزاء السيئات ، (يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

قوله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنادَوْنَ) ، يوم القيامة وهم في النار وقد مقتوا أنفسهم حين

__________________

[١٨٤٦] ـ مقطوع. إسناده إلى شهر حسن ، رجاله ثقات ، وهو مقطوع لأنه قول التابعي ، والظاهر أنه متلقى عن أهل الكتاب.

(١) في المطبوع «بها» والمثبت عن المخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

١٠٧

عرضت عليهم سيئاتهم ، وعاينوا العذاب ، فيقال لهم : (لَمَقْتُ اللهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمانِ فَتَكْفُرُونَ) ، يعني لمقت الله إياكم في الدنيا إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون أكبر من مقتكم اليوم أنفسكم عند حلول العذاب بكم.

(قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) ، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقتادة والضحاك : كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم فأحياهم الله في الدنيا ، ثم أماتهم الموتة التي لا بد منها ثم أحياهم للبعث يوم القيامة ، فهما موتتان وحياتان ، وهذا كقوله تعالى : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) [البقرة : ٢٨] ، وقال السدي : أميتوا في الدنيا ثم أحيوا في قبورهم للسؤال ، ثم أميتوا في قبورهم ثم أحيوا في الآخرة. (فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) ، أي من خروج من النار إلى الدنيا فنصلح أعمالنا ونعمل بطاعتك ، نظيره : (هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ) [الشورى : ٤٤].

قال الله تعالى : (ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ) ، فيه متروك استغني عنه لدلالة الظاهر عليه ، مجازه : فأجيبوا أن لا سبيل إلى ذلك ، وهذا العذاب والخلود في النار بأنكم إذا دعي الله وحده كفرتم ، أي إذا قيل لا إله إلّا الله أنكرتم ، وقلتم : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً) [ص : ٥] ، (وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ) ، غيره (تُؤْمِنُوا) ، تصدقوا ذلك الشرك ، (فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ). الذي لا أعلى منه ولا أكبر.

(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً وَما يَتَذَكَّرُ إِلاَّ مَنْ يُنِيبُ (١٣) فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (١٤) رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (١٥) يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (١٦) الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٧) وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (١٨) يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ (١٩))

(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً) ، يعني المطر الذي هو سبب الأرزاق ، (وَما يَتَذَكَّرُ) ، وما يتعظ بهذه الآيات ، (إِلَّا مَنْ يُنِيبُ) ، يرجع إلى الله تعالى في جميع أموره.

(فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) ، الطاعة والعبادة. (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ).

(رَفِيعُ الدَّرَجاتِ) ، رافع درجات الأنبياء والأولياء في الجنة ، (ذُو الْعَرْشِ) ، خالقه ومالكه ، (يُلْقِي الرُّوحَ) ، ينزل الوحي ، سماه روحا لأنه تحيا به القلوب كما تحيا به الأبدان بالأرواح ، (مِنْ أَمْرِهِ) ، قال ابن عباس : من قضائه. وقيل : من قوله. وقال مقاتل : بأمره. (عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ) ، أي لينذر النبي بالوحي ، (يَوْمَ التَّلاقِ) ، وقرأ يعقوب بالتاء أي لتنذر أنت يا محمد يوم التلاق ، يوم يلتقي أهل السماء وأهل الأرض. قال قتادة ومقاتل : يلتقي فيه الخلق والخالق. قال ابن زيد : يتلاقى العباد. وقال ميمون بن مهران : يلتقي الظالم والمظلوم والخصوم. وقيل : يلتقي العابدون والمعبودون. وقيل : يلتقي فيه المرء مع عمله.

(يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ) ، خارجون من قبورهم ظاهرون لا يسترهم شيء ، (لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ) ، من أعمالهم وأحوالهم ، (شَيْءٌ) ، ويقول الله تعالى في ذلك اليوم بعد فناء الخلق ، (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) ، فلا أحد يجيبه فيجيب بنفسه فيقول ، (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) ، الذي قهر الخلق بالموت.

(الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ) ، يجزى المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته ،(لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ

١٠٨

اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ).

(وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ) ، يعني يوم القيامة سميت بذلك لأنها قريبة إذ كل ما هو آت قريب ، نظيره قوله عزوجل : (أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (٥٧)) [النجم : ٥٧] ، أي قربت القيامة. (إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ) ، وذلك أنها تزول عن أماكنها من الخوف حتى تصير إلى الحناجر ، فهي لا تعود إلى أماكنها وهي لا تخرج من أفواههم فيموتوا ويستريحوا. (كاظِمِينَ) ، مكروبين ممتلئين خوفا وحزنا ، والكظم تردد الغيظ والخوف والحزن في القلب حتى يضيق به. (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ) ، قريب ينفعهم ، (وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) ، فيشفع فيهم.

(يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ) ، أي خيانتها وهي مسارقة النظر إلى ما يحل. قال مجاهد : [هو](١) نظر الأعين إلى ما نهى الله عنه. (وَما تُخْفِي الصُّدُورُ).

(وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٢٠) أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ (٢١) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٢٢) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢٣) إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ (٢٤) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (٢٥) وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ (٢٦))

(وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) ، يعني الأوثان ، (لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ) ، لأنها لا تعلم شيئا ولا تقدر على شيء.

قرأ نافع (٢) تدعون ، بالتاء ، وقرأ الآخرون بالياء. (إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).

(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) ، قرأ ابن عامر منكم بالكاف ، وكذلك هو في مصاحفهم ، (وَآثاراً فِي الْأَرْضِ) ، فلم ينفعهم ذلك. (فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ) ، يدفع عنهم العذاب.

(ذلِكَ) أي ذلك العذاب الذي نزل بهم ، (بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ) قال عزوجل : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢٣) إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ (٢٤) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا) ، يعني فرعون وقومه ، (اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ).

قال قتادة : هذا غير القتل الأول لأن فرعون كان قد أمسك عن قتل الولدان ، فلما بعث موسى عليه‌السلام أعاد القتل عليهم ، فمعناه أعيدوا عليهم القتل. (وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ) ، ليصدوهم بذلك عن متابعة موسى ومظاهرته ، (وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ) ، وما مكر فرعون وقومه واحتيالهم ،(إِلَّا فِي

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) زيد في المطبوع «وابن عامر».

١٠٩

ضَلالٍ) ، أي يذهب كيدهم باطلا ، ويحيق بهم ما يريده الله عزوجل.

(وَقالَ فِرْعَوْنُ) ، لملئه (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى) ، وإنما قال هذا لأنه كان في خاصة قوم فرعون من يمنعه من قتله خوفا من الهلاك ، (وَلْيَدْعُ رَبَّهُ) ، أي وليدع موسى ربه الذي يزعم أنه أرسله إلينا فيمنعه منا ، (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ) ، أن يغير ، (دِينَكُمْ) ، الذي أنتم عليه ، (أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ) ، قرأ يعقوب وأهل الكوفة (أَوْ أَنْ يُظْهِرَ) ، وقرأ الآخرون وأن يظهر ، وقرأ أهل المدينة والبصرة وحفص يظهر بضم الياء وكسر الهاء على التعدية ، (الْفَسادَ) نصب لقوله : (أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ) ، حتى يكون الفعلان على نسق واحد ، وقرأ الآخرون بفتح الياء والهاء على اللزوم ، (الْفَسادَ) ، رفع وأراد بالفساد تبديل الدين وعبادة غيره.

(وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ (٢٧) وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (٢٨) يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلاَّ ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشادِ (٢٩))

(وَقالَ مُوسى) ، لما توعده فرعون بالقتل ، (إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ) ، واختلفوا في هذا المؤمن قال مقاتل والسدي : كان قبطيا ابن عم فرعون وهو الذي حكى الله عنه فقال : (وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى) [القصص : ٢٠] ، وقال قوم : كان إسرائيليا ، ومجاز الآية : وقال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون ، وكان اسمه حزبيل عند ابن عباس ، وأكثر العلماء.

وقال ابن إسحاق : كان اسمه جبران. وقيل : كان اسم الرجل الذي آمن من آل فرعون حبيبا. (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ) ، لأن يقول ربي الله ، (وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ) ، أي بما يدل على صدقه ، (وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ) ، لا يضركم ذلك ، (وَإِنْ يَكُ صادِقاً) ، فكذبتموه وهو صادق ، (يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ).

قال أبو عبيد : المراد بالبعض الكل ، أي إن قتلتموه وهو صادق أصابكم ما يتوعدكم به (١) من العذاب. قال الليث : بعض هاهنا صلة يريد يصبكم الذي يعدكم.

وقال أهل المعاني : هذا على الظاهر في الحجاج كأنه قال أقل ما في صدقه أن يصيبكم بعض الذي يعدكم وفي بعض ذلك هلاككم ، فذكر البعض ليوجب الكل ، (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي) ، إلى دينه (مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ) ، مشرك ، (كَذَّابٌ) ، على الله.

[١٨٤٧] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا

__________________

[١٨٤٧] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ، حيث تفرد عن علي بن عبد الله وهو المديني ، ومن فوقه رجال الشيخين.

(١) في المطبوع «ما وعدكم من العذاب» والمثبت عن المخطوط.

١١٠

محمد بن إسماعيل ثنا علي بن عبد الله ثنا الوليد بن مسلم حدثني الأوزاعي حدثني يحيى بن أبي كثير حدثني محمد بن إبراهيم التيمي حدثني عروة بن الزبير قال قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص : أخبرني بأشد ما صنعه المشركون برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلي بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولوى ثوبه في عنقه ، فخنقه به خنقا شديدا ، فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبه ودفعه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقال : (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ).

(يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ) ، غالبين في أرض مصر ، (فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ) ، من يمنعنا من عذاب الله ، (إِنْ جاءَنا) ، والمعنى لكم الملك اليوم فلا تتعرضوا لعذاب الله بالتكذيب ، وقتل النبي فإنه لا مانع من عذاب الله إن حل بكم ، (قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ) ، من الرأي والنصيحة ، (إِلَّا ما أَرى) ، لنفسي. وقال الضحاك : ما أعلمكم إلّا ما أعلم ، (وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ) ، ما أدعوكم إلّا إلى طريق الهدى.

(وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (٣٠) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (٣١) وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (٣٢) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٣) وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ (٣٤) الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (٣٥) وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (٣٦) أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبابٍ (٣٧) وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ (٣٨) يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ (٣٩) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ (٤٠))

(وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (٣٠) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) ، أي مثل عادتهم في الإقامة على التكذيب حتى أتاهم العذاب ، (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) ، أي

__________________

ـ الأوزاعي هو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٦٤٠ و «الأنوار» ٣٠ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٤٨١٥ عن علي بن عبد الله بهذا الإسناد.

وأخرجه البخاري ٣٦٧٨ و ٣٨٥٦ وأحمد ٢ / ٢٠٤ والبيهقي في «دلائل النبوة» ٢ / ٢٧٤ من طرق عن الوليد بن مسلم به.

ـ وأخرجه أحمد ٢ / ٢١٨ وابن حبان ٦٥٦٧ والبيهقي ٢ / ٢٧٥ ـ ٢٧٦ من وجه آخر عن محمد بن إسحاق حدثني يحيى بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بنحوه مطوّلا.

ـ وذكره الهيثمي في «المجمع» ٦ / ١٥ ـ ١٦ وقال : في الصحيح طرف منه ، رواه أحمد ، وقد صرح ابن إسحاق بالسماع ، وبقية رجاله رجال الصحيح ا ه.

١١١

لا يهلكهم قبل اتخاذ (١) الحجة عليهم.

(وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (٣٢)) ، يوم القيامة يدعى كل أناس بإمامهم وينادي بعضهم بعضا ، فينادي أصحاب الجنة أصحاب النار و [ينادي](٢) أصحاب النار أصحاب الجنة ، وينادي أصحاب الأعراف ، وينادى بالسعادة والشقاوة ، ألا إن فلان ابن فلان قد سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا ، وفلان ابن فلان قد شقي شقاوة لا يسعد بعدها أبدا ، وينادى حين يذبح الموت : يا أهل الجنة خلود فلا موت (٣) ، ويا أهل النار خلود فلا موت (٤).

وقرأ ابن عباس والضحاك : «يوم التناد» بتشديد الدال أي يوم التنافر ، وذلك أنهم هربوا فندوا في الأرض كما تند الإبل إذا شردت عن أربابها.

وقال الضحاك : وكذلك إذا سمعوا زفير النار ندوا هربا فلا يأتون قطرا من الأقطار إلّا وجدوا الملائكة صفوفا ، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه ، فذلك قوله تعالى : (وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها) [الحاقة : ١٧] ، وقوله : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا) [الرحمن : ٣٣].

(يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ) ، منصرفين عن موقف الحساب إلى النار. وقال مجاهد : فارين غير معجزين ، (ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ) ، يعصمكم من عذابه ، (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٣) وَلَقَدْ جاءَكُمْ) ، يعني يوسف بن يعقوب (مِنْ قَبْلُ) ، أي من قبل موسى ، (بِالْبَيِّناتِ) ، يعني قوله أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ، (فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ) ، قال ابن عباس : من عبادة الله وحده لا شريك له ، (حَتَّى إِذا هَلَكَ) ، مات ، (قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً) ، أي أقمتم على كفركم وظننتم أن الله لا يجدد عليكم الحجة ، (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ) ، مشرك ، (مُرْتابٌ) ، شاك.

(الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ) ، قال الزجاج : هذا تفسير للمسرف المرتاب يعني الذين يجادلون في آيات الله أي في إبطالها بالتكذيب ، (بِغَيْرِ سُلْطانٍ) ، حجة ، (أَتاهُمْ) ، من الله ، (كَبُرَ مَقْتاً) ، أي كبر ذلك الجدال [عند الله](٥) مقتا ، (عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) ، قرأ أبو عمرو وابن عامر (قَلْبِ) بالتنوين ، وقرأ الآخرون بالإضافة ، دليله قراءة عبد الله بن مسعود «على قلب (٦) كل متكبر جبار».

(وَقالَ فِرْعَوْنُ) ، لوزيره ، (يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً) ، والصرح البناء الظاهر الذي لا يخفى على الناظر وإن بعد وأصله من التصريح وهو الإظهار ، (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (٣٦) أَسْبابَ السَّماواتِ) ، يعني طرقها وأبوابها من سماء إلى سماء ، (فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى) ، قراءة العامة برفع العين نسقا على قوله : (أَبْلُغُ الْأَسْبابَ) ، وقرأ حفص عن عاصم بنصب العين وهي قراءة حميد الأعرج ، على جواب لعلى بالفاء (وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ) ، يعني موسى (كاذِباً) ، فيما يقول : إن له ربا غيري ، (وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ) ، وقرأ أهل الكوفة ويعقوب (وَصُدَّ) بضم الصاد نسقا على قوله : (زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ) قال ابن عباس : صده الله عن سبيل الهدى. وقرأ الآخرون بالفتح أي صدّ فرعون الناس عن السبيل. (وَما

__________________

(١) في المطبوع «إيجاب» وفي المخطوط (ب) «إيجاد» والمثبت عن المخطوط (أ) وط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) في المخطوط (أ) «بلا» والمثبت عن المخطوط (ب) وط.

(٤) في المخطوط (أ) «بلا».

(٥) زيادة عن المخطوط.

(٦) في المطبوع «على كل قلب» والمثبت عن ط.

١١٢

كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ) ، يعني وما كيده في إبطال آيات الله وآيات موسى إلّا في خسار وهلاك.

(وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ) (٣٨) ، طريق الهدى.

(يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ) ، متعة تنتفعون بها مدة ثم تنقطع ، (وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ) ، التي لا تزول. (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ) ، قال مقاتل : لا تبعة عليهم فيما يعطون في الجنة من الخير.

(وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (٤١) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (٤٢) لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ (٤٣) فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (٤٤) فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ (٤٥) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ (٤٦))

(وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ) ، يعني ما لكم كما تقول العرب : ما لي أراك حزينا؟ أي ما لك يقول أخبروني عنكم كيف هذه الحال أدعوكم إلى النجاة من النار والإيمان بالله ، (وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ) ، إلى الشرك الذي يوجب النار ، ثم فسر فقال :

(تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ) (٤٢) ، العزيز في انتقامه ممن كفر ، الغفار لذنوب أهل التوحيد.

(لا جَرَمَ) ، حقا ، (أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) ، أي إلى الوثن ، (لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ) ، قال السدي : لا يستجيب لأحد في الدنيا ولا في الآخرة ، يعني ليست له استجابة دعوة. وقيل : ليست له دعوة إلى عبادته في الدنيا لأن الأوثان لا تدّعي الربوبية ، ولا تدعو إلى عبادتها ، وفي الآخرة تتبرأ من عابديها. (وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللهِ) ، مرجعنا إلى الله فيجازي كلا بما يستحق ، (وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ) ، المشركين ، (هُمْ أَصْحابُ النَّارِ).

(فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ) ، إذا عاينتم العذاب حين لا ينفعكم الذكر ، (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ) ، وذلك أنهم توعدوه لمخالفته دينهم ، (إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) ، يعلم المحقّ من المبطل ثم خرج المؤمن من بينهم ، فطلبوه فلم يقدروا عليه.

وذلك قوله عزوجل : (فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا) ، ما أرادوا به من الشر ، قال قتادة : نجا مع موسى وكان قبطيا ، (وَحاقَ) ، نزل ، (بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ) ، الغرق في الدنيا والنار في الآخرة.

وذلك قوله تعالى : (النَّارُ) ، هي رفع على البدل من السوء ، (يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) ، صباحا ومساء ، قال ابن مسعود : أرواح آل فرعون في أجواف طيور سود يعرضون على النار كل يوم مرتين تغدو وتروح إلى النار ، ويقال : يا آل فرعون هذه منازلكم (١) حتى تقوم الساعة. وقال قتادة ومقاتل والسدي والكلبي : تعرض روح كل كافر على النار بكرة وعشيا ما دامت الدنيا.

__________________

(١) في المطبوع «مأواكم» والمثبت عن المخطوط.

١١٣

[١٨٤٨] أخبرنا أبو الحسن السرخسي أنا زاهر بن أحمد أنا أبو إسحاق الهاشمي أنا أبو مصعب عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي ، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ، فيقال له : هذا مقعدك حتى يبعثك الله إلى يوم القيامة».

ثم أخبر الله عن مستقرهم يوم القيامة فقال : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا) ، قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو وأبو بكر : (السَّاعَةُ) ، (أَدْخِلُوا) ، بحذف الألف والوصل وبضمها في الابتداء وضم الخاء من الدخول ، أي يقال لهم ادخلوا يا (آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) ، وقرأ الآخرون : «أدخلوا» بقطع الألف وكسر الخاء من الإدخال ، أي يقال للملائكة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب. قال ابن عباس : يريد ألوان العذاب غير الذي كانوا يعذبون به منذ غرقوا (١).

(وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ (٤٧) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ (٤٨) وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ (٤٩) قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (٥٠) إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (٥١) يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٥٢))

(وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ) ، أي اذكر يا محمد لقومك إذ يختصمون يعني أهل النار في النار ، (فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً) ، في الدنيا ، (فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ) ، والتبع يكون واحدا وجمعا في قول أهل البصرة ، واحده تابع ، وقال أهل الكوفة : هو جمع لا واحد له وجمعه اتباع.

(قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ (٤٨) وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ) ، حين اشتد عليهم العذاب ، (لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ).

__________________

[١٨٤٨] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ أبو مصعب هو أحمد بن أبي بكر ، مالك هو ابن أنس ، نافع هو أبو عبد الله مولى ابن عمر.

ـ وهو في «شرح السنة» ١٥١٨ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «الموطأ» ١ / ٢٣٩ عن نافع به.

ـ وأخرجه البخاري ١٣٧٩ ومسلم ٢٨٦٦ ح ٦٥ والنسائي ٤ / ١٠٧ ـ ١٠٨ وأحمد ٢ / ١١٣ وابن حبان ٣١٣٠ والبيهقي في «إثبات عذاب القبر» ٤٨ من طرق عن مالك به.

ـ وأخرجه البخاري ٣٢٤٠ و ٦٥١٥ والترمذي ١٠٧٢ والنسائي ٤ / ١٠٧ وابن ماجه ٤٢٧٠ وأحمد ٢ / ١٦ و ٥١ و ١٢٣ والطيالسي ١٨٣٢ من طرق عن نافع به.

ـ وأخرجه مسلم ٢٨٦٦ ح ٦٦ والبيهقي في «إثبات عذاب القبر» ٤٩ من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر به.

(١) في المطبوع «أغرقوا» والمثبت عن المخطوط.

١١٤

(قالُوا) ، يعني خزنة جهنم لهم ، (أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا) ، أنتم إذا ربكم ، أي إنا لا ندعو لكم لأنهم علموا أنه لا يخفف عنهم العذاب. قال الله تعالى : (وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) ، أي يبطل ويضل ولا ينفعهم.

قوله عزوجل : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) ، قال ابن عباس : بالغلبة والقهر. وقال الضحاك : بالحجة وفي الآخرة بالعذر. وقيل : بالانتقام من الأعداء في الدنيا والآخرة ، وكل ذلك قد كان للأنبياء والمؤمنين فهم منصورون بالحجة على من خالفهم ، وقد نصرهم الله بالقهر على من ناوأهم وإهلاك أعدائهم ونصرهم بعد أن قتلوا بالانتقام من أعدائهم ، كما نصر يحيى بن زكريا لما قتل قتل به سبعون ألفا ، فهم منصورون بأحد هذه الوجوه ، (وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) ، يعني يوم القيامة يقوم الحفظة من الملائكة يشهدون للرسل بالتبليغ وعلى الكفار بالتكذيب.

(يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ) ، إن اعتذروا عن كفرهم لم يقبل منهم ، وإن تابوا لم ينفعهم ، (وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ) ، البعد من الرحمة ، (وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) ، يعني جهنم.

(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ (٥٣) هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٥٤) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (٥٥) إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (٥٦) لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٥٧))

(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى) ، قال مقاتل : الهدى من الضلالة ، يعني التوراة ، (وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ) ، التوراة.

(هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) (٥٤).

(فَاصْبِرْ) ، يا محمد على أذاهم ، (إِنَّ وَعْدَ اللهِ) ، في إظهار [دينك](١) وإهلاك أعدائك ، (حَقٌ) ، قال الكلبي : نسخت آية القتال آية الصبر ، (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) ، هذا تعبد من الله ليزيده به درجة وليصير سنة لمن بعده ، (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) ، صلي شاكرا لربك ، (بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ) ، قال الحسن : يعني صلاة العصر وصلاة الفجر. وقال ابن عباس : الصلوات الخمس.

(إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ) ، ما في قلوبهم والصدر موضع القلب ، فكنى به عن القلب لقرب الجوار ، (إِلَّا كِبْرٌ) ، قال ابن عباس : ما يحملهم على تكذيبك إلّا ما في صدورهم من الكبر والعظمة ، (ما هُمْ بِبالِغِيهِ) ، قال مجاهد : ما هم ببالغي مقتضى ذلك الكبر ، لأن الله عزوجل مذلهم. قال ابن قتيبة : إن في صدورهم إلّا تكبر على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وطمع في أن يغلبوه وما هم ببالغي ذلك. قال أهل التفسير : نزلت في اليهود وذلك أنهم قالوا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إن صاحبنا المسيح بن داود يعنون الدجال يخرج في آخر الزمان ، فيبلغ سلطانه البر والبحر ، ويرد الملك إلينا ،

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

١١٥

قال الله تعالى : (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) ، من فتنة الدجال ، (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).

(لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) ، مع عظمهما ، (أَكْبَرُ) ، أعظم في الصدور ، (مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) ، أي من إعادتهم بعد الموت ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ) ، يعني الكفار ، (لا يَعْلَمُونَ) ، حيث لا يستدلون بذلك على توحيد خالقها. وقال قوم : أكبر أي أعظم من خلق الدجال ، (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ، يعني اليهود الذي يخاصمون في أمر الدجال.

[١٨٤٩] وروي عن هشام بن عامر قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر فتنة من الدجال».

[١٨٥٠] أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري أنا جدي عبد الصمد بن عبد الرحمن البزاز أنا محمد بن زكريا العذافري أنا إسحاق بن إبراهيم الدبري (١) ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن قتادة عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد الأنصارية قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في بيتي فذكر الدجال.

فقال : «إن بين يديه ثلاث سنين [سنة](٢) تمسك السماء فيها صنف (٣) ثلث قطرها والأرض ثلث

__________________

[١٨٤٩] ـ جيد. أخرجه نعيم بن حماد في «الفتن» ص ٣١٦ من حديث هشام بن عامر ، وإسناده ضعيف ، فيه من لم يسم.

ـ وله شاهد من حديث جابر ، أخرجه نعيم ص ٣١٦ وإسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة.

ـ وله شاهد من حديث أبي أمامة ، أخرجه نعيم ص ٣١٥ وفيه عمرو بن عبد الله الحمصي ، وهو مقبول ، وللحديث شواهد.

ـ وكرره من مرسل عبد الرحمن بن جبير وعبد الرحمن بن ميسرة وشريح بن عبيد.

الخلاصة : هو حديث حسن صحيح بمجموع طرقه وشواهده.

[١٨٥٠] ـ إسناده غير قوي ، شهر بن حوشب مختلف فيه. فقد وثقه قوم ، وضعفه آخرون ، وخلاصة القول : لا يحتج بما ينفرد به ، وقد تفرد بصدر هذا الحديث وعجزه.

ـ معمر بن راشد ، قتادة بن دعامة.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤١٥٨ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «مصنف عبد الرزاق» ٢٠٨٢١ عن معمر بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه أحمد ٦ / ٤٥٥ ـ ٤٥٦ ونعيم بن حماد في «الفتن» ص ٣٢٦ من طريق عبد الرزاق به.

ـ وأخرجه أحمد ٦ / ٤٥٦ من طريق عبد الحميد عن شهر به.

ـ وأخرجه الطبراني ٢٤ / (٤٠٥) و (٤٠٦) من طريقين عن قتادة به.

ـ وأخرجه الطبراني ٢٤ / (٤٣٠) من طريق عبد الله بن عثمان بن خثيم عن شهر به.

ـ وذكره الهيثمي في «المجمع» ٧ / ٣٤٥ وقال : رواه كله أحمد والطبراني من طرق ، وفيه شهر بن حوشب ، وفيه ضعف وقد وثق.

ـ وقوله «يأتي الأعرابي ....» له شاهد من حديث أبي أمامة ، أخرجه نعيم بن حماد ص ٣٢٦ ـ ٣٢٧ وإسناده حسن في الشواهد لأجل عمرو بن عبد الله الحضرمي.

الخلاصة : صدر الحديث إلى قوله «إلا هلك» وكذا عجزه «فقلت يا رسول الله إنا لنعجن ...» تفرد به شهر ، وهو غير حجة فهو إلى الضعف أقرب ، وأما أثناؤه ، فله شاهد ، وفي الباب أحاديث ، والله أعلم.

(١) في المطبوع «الديري» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة».

(٢) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة».

(٣) العبارة في المطبوع «إن بين يديه ثلاث سنين تمسك السماء فيها أول سنة ثلث» والمثبت عن المخطوط ، و «شرح السنة».

١١٦

نباتها ، والثانية تمسك السماء ثلثي قطرها والأرض ثلثي نباتها ، والثالثة تمسك السماء قطرها كله والأرض نباتها كله ، فلا يبقى ذات ظلف ولا ذات ضرس من البهائم إلّا هلك ، وإن من أشد فتنته أنه يأتي الأعرابي فيقول : أرأيت إن أحييت لك إبلك أليس تعلم أني ربك؟ فيقول : بلى ، فيتمثل له الشيطان نحو إبله كأحسن ما يكون ضروعا وأعظمه أسنمة ، قال : ويأتي الرجل قد مات أخوه ومات أبوه فيقول : أرأيت إن أحييت لك أباك وأخاك ألست تعلم أني ربك؟ فيقول : بلى ، فيتمثل له الشيطان نحو أبيه ونحو أخيه». قالت : ثم خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لحاجته ، ثم رجع القوم في اهتمام وغم مما حدثهم ، قالت : فأخذ بلحمتي الباب فقال : مهيم أسماء؟ فقلت : يا رسول الله لقد خلعت أفئدتنا بذكر الدجال ، قال : «إن يخرج وأنا حي فأنا حجيجه ، وإلّا فإن ربي خليفتي على كل مؤمن» ، قالت أسماء فقلت : يا رسول الله والله إنا لنعجن عجينا فما نخبزه حتى نجوع فكيف بالمؤمنين يومئذ؟ قال : «يجزيهم ما يجزئ أهل السماء من التسبيح والتقديس».

[١٨٥١] وبهذا الإسناد أخبرنا معمر عن ابن خثيم عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يمكث الدجال في الأرض أربعين سنة ، السنة كالشهر ، والشهر كالجمعة ، والجمعة كاليوم ، واليوم كاضطرام السعفة في النار».

[١٨٥٢] أخبرنا أبو سعيد الطاهري أنا جدي عبد الصمد بن عبد الرحمن البزاز أنا محمد بن زكريا العذافري أنا إسحاق الدبري ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال : قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله ، ثم ذكر الدجال فقال : «إني لأنذركموه ، وما من نبي إلّا أنذر

__________________

[١٨٥١] ـ صحيح. إسناده غير قوي لأجل شهر بن حوشب ، لكن للحديث شواهد.

ـ ابن خثيم هو عبد الله بن عثمان.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤١٥٩ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «مصنف عبد الرزاق» ٢٠٨٢٢ عن معمر به.

ـ وأخرجه أحمد ٦ / ٤٥٤ من طريق عبد الرزاق به.

ـ وأخرجه نعيم بن حماد في «الفتن» ص ٣٣٧ من طريق عبد الله بن عثمان بن خيثم به.

ـ وفي الباب من حديث أبي أمامة أخرجه نعيم بن حماد ص ٣٣٧ وإسناده حسن في الشواهد لأجل عبد الله بن عمر الحضرمي ؛ فإنه مقبول.

ـ وله شاهد من حديث جابر عند أحمد ٣ / ٣٦٧ وذكره الهيثمي في «المجمع» ٧٠ / ٣٤٣ ـ ٣٤٤ وقال : رواه أحمد بإسنادين ، رجال أحدهما رجال الصحيح.

ـ وفي الصحيح من حديث النواس بن سمعان «.... قال : أربعون يوما ، يوم كسنة ، ويوم كشهر ، ويوم كجمعة ، وسائر أيامه كأيامكم ...» وقد تقدم في سورة الكهف عند آية : ٩٨.

[١٨٥٢] ـ صحيح. إسحاق الدبري ، ثقة ، وقد توبع ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.

ـ عبد الرزاق بن همام ، معمر بن راشد ، الزهري محمد بن مسلم ، سالم بن عبد الله بن عمر.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤١٥٠ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «مصنف عبد الرزاق» ٢٠٨٢٠ عن معمر به.

ـ وأخرجه أحمد ٢ / ١٤٩ من طريق عبد الرزاق به.

ـ وأخرجه البخاري ٣٠٥٧ و ٦١٥٧ ومسلم ٢٩٣٠ ح ٩٧ من طريق معمر به.

ـ وأخرجه أبو داود ٤٧٥٧ والترمذي ٢٢٣٦ وأحمد ٢ / ١٤٩ من طريق عبد الرزاق بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه ابن حبان ٦٧٨٠ من طريق هشام بن عروة عن وهب بن كيسان عن ابن عمر بأتم منه.

١١٧

قومه ، لقد أنذر نوح قومه ، ولكني سأقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لقومه ، تعلمون أنه أعور وإن الله ليس بأعور».

[١٨٥٣] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل [حدثنا موسى بن إسماعيل](١) ثنا جويرية عن نافع عن عبد الله قال : ذكر الدجال عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «إن الله لا يخفى عليكم ، إن الله ليس بأعور وأشار بيده إلى عينه ، وإن المسيح الدجال أعور عين (٢) اليمنى ، كأن عينه عنبة طافية».

[١٨٥٤] أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر الجرجاني أنا عبد الغافر بن محمد الفارسي أنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا علي بن حجر ثنا شعيب بن صفوان عن عبد الملك بن عمير عن ربعي بن حراش عن عقبة بن عمرو أبي مسعود الأنصاري قال : انطلقت معه إلى حذيفة بن اليمان فقال له عقبة : حدثني ما سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الدجال؟ قال : «إن الدجال يخرج وإنّ معه ماء ونارا ، فأما الذي يراه الناس ماء فنار تحرق ، وأما الذي يراه الناس نارا فماء بارد عذب ، فمن أدرك ذلك منكم فليقع في الذي يراه نارا فإنه ماء عذب طيب» فقال عقبة : وأنا قد سمعته تصديقا لحذيفة.

[١٨٥٥] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا

__________________

[١٨٥٣] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ جويرية هو ابن أسماء بن عبيد ، نافع هو أبو عبد الله مولى ابن عمر.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤١٥١ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٧٤٠٧ عن موسى بن إسماعيل بهذا الإسناد.

وأخرجه مسلم ٤ / ٢٢٤٧ (١٠٠) من طريق عبيد الله عن نافع به.

وانظر الحديث المتقدم.

[١٨٥٤] ـ صحيح. رجاله رجال مسلم لكن شعيب بن صفوان قال عنه الحافظ في «التقريب» : مقبول ، أي حيث يتابع ، وقد توبع ، فالحديث صحيح.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤١٥٤ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح مسلم» ٢٩٣٤ عن علي بن حجر بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٣٤٥٠ و ٧١٣٠ ومسلم ٢٩٣٤ والطبراني ١٧ / (٦٤٢ و ٦٤٣ و ٦٤٤) من طرق عن عبد الملك بن عمير به.

ـ وأخرجه أبو داود ومسلم ٢٩٣٥ ح ١٠٨ وأبو داود ٤٣١٥ وابن حبان ٦٧٩٩ من طريقين عن ربعي بن حراش به.

[١٨٥٥] ـ إسناده صحيح ، إبراهيم بن المنذر روى له البخاري ، ومن دونه ثقات ، وقد توبعوا ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.

ـ الوليد هو ابن مسلم ، أبو عمرو وهو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، إسحاق هو ابن عبد الله.

ـ وهو في «شرح السنة» ٢٠١٥ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ١٨٨١ عن إبراهيم بن المنذر بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٤٩٤٣ وابن حبان ٦٨٠٣ من طريقين عن الوليد بن مسلم به.

ـ وأخرجه النسائي في «الكبرى» ٤٢٧٤ من طريق عمر بن عبد الواحد عن الأوزاعي به.

ـ وأخرجه أحمد ٣ / ١٩١ ومسلم ٢٩٤٣ وابن أبي شيبة ١٢ / ١٨١ و ١٥ / ١٤٣ من طرق عن حماد بن سلمة عن ـ

(١) سقط من المطبوع والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة».

(٢) في المطبوع «العين» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة».

١١٨

محمد بن إسماعيل حدثني إبراهيم بن المنذر ثنا الوليد حدثنا أبو عمرو (١) ثنا إسحاق حدثني أنس بن مالك عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ليس من بلد إلّا سيطؤه الدجال إلّا مكة والمدينة ، ليس من نقابها نقب إلّا عليه الملائكة صافين يحرسونها ، ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فيخرج إليه (٢) كل كافر ومنافق».

[١٨٥٦] أخبرنا أبو عبد الله محمد بن الفضل الخرقي أنا أبو الحسن علي بن عبد الله الطيسفوني أنا عبد الله بن عمر الجوهري ثنا أحمد بن علي الكشميهني ثنا علي بن حجر ثنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يأتي المسيح من قبل المشرق وهمته المدينة حتى ينزل دبر أحد ، ثم تصرف الملائكة وجهه قبل الشام ، وهناك يهلك».

[١٨٥٧] أخبرنا أبو سعيد الطاهري أنا جدي عبد الصمد البزاز أنا محمد بن زكريا العذافري أنا إسحاق الدبري ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن [أبي](٣) هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يتبع الدجال من أمتي سبعون ألفا عليهم السّيجان» (٤).

[١٨٥٨] ويرويه أبو أمامة رضي الله عنه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «مع الدجال يومئذ سبعون ألف يهودي

__________________

ـ إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة به.

ـ وأخرجه البخاري ٧١٢٤ وأحمد ٣ / ٢٣٨ من طريقين عن شيبان عن يحيى بن أبي كثير عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة به مختصرا.

[١٨٥٦] ـ إسناده صحيح على شرط مسلم.

ـ العلاء هو ابن عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحرقة.

ـ وهو في «شرح السنة» ٢٠١٦ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ١٣٨٠ عن يحيى بن أيوب وقتيبة وابن جحر بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه أحمد ٢ / ٣٩٧ من طريق سليمان بن داود وابن حبان ٦٨١٠ من طريق موسى بن إسماعيل كلاهما عن إسماعيل بن جعفر به.

ـ وأخرجه أحمد ٢ / ٤٠٧ ـ ٤٠٨ من طريق عبد الرحمن بن إبراهيم القاصّ و ٢ / ٤٥٧ من طريق شعبة كلاهما عن العلاء به مطوّلا.

[١٨٥٧] ـ باطل. إسناده ضعيف جدا لأجل أبي هارون فإنه متروك الحديث ، وهو معارض بما في الصحيح.

ـ إسحاق هو ابن إبراهيم الدّبري ، عبد الرزاق هو ابن همام ، معمر هو ابن راشد ، أبو هارون هو عمارة بن جوين.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤١٦٠ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «مصنف عبد الرزاق» ٢٠٨٢٥ عن معمر به.

ـ وأخرجه نعيم بن حماد في «الفتن» ص ٣٣٥ عن عبد الرزاق به.

ـ قال البغوي في «شرح السنة» ٧ / ٤٤٣ : السيجان : جمع الساج ، وهو طيلسان أخضر.

ـ الخلاصة : الإسناد ضعيف جدا ، والمتن باطل ، فإن هذا العدد يكون من اليهود لا من هذه الأمة ، وانظر ما بعده.

[١٨٥٨] ـ هو قطعة من حديث طويل أخرجه ابن ماجه ٤٠٧٧ ونعيم بن حماد ص ٣٤٦ عن أبي أمامة مرفوعا مطولا ، وإسناده لين لأجل عمرو بن عبد الله الحضرمي ، فإنه مقبول ، والحديث صحيح بشواهده دون لفظ «وسيف محلى» والصحيح في هذا المتن ما أخرجه مسلم ٢٩٤٤ وابن حبان ٦٧٩٨ «يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة».

(١) في المطبوع «ثنا ابن الوليد حدثنا ابن عمر» والمثبت عن المخطوط ، و «شرح السنة» و «صحيح البخاري».

(٢) في «صحيح البخاري» : «فيخرج الله».

(٣) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة».

(٤) في المطبوع «السجان» والمثبت عن ط و «شرح السنة» والمخطوط ..

١١٩

كلهم ذو ساج (١) وسيف محلى».

(وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ (٥٨) إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (٥٩) وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ (٦٠))

قوله تعالى : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ) (٥٨) ، قرأ أهل الكوفة (تَتَذَكَّرُونَ) بالتاء ، وقرأ الآخرون بالياء لأن أول الآيات وآخرها خبر عن قوم.

(إِنَّ السَّاعَةَ) ، أي القيامة لآتية لا ريب فيها. (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ).

(وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ، أي اعبدوني دون غيري أجبكم وأثبكم وأغفر لكم ، فلما عبّر عن العبادة بالدعاء جعل الإثابة استجابة.

[١٨٥٩] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد](٢) المليحي أنا أبو منصور محمد بن [محمد بن] سمعان ثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا محمد بن يوسف ثنا سفيان عن منصور عن ذر عن يسيع (٣) الكندي عن النعمان بن بشير قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول على المنبر : «إن الدعاء هو العبادة» ، ثم قرأ : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ، (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ).

__________________

ـ وأخرجه أحمد ٣ / ٢٢٤ وأبو يعلى ٣٦٣٩ من وجه آخر عن أنس بلفظ «يخرج الدجال من يهودية أصبهان ، معه سبعون ألفا من اليهود عليهم السيجان» وإسناده ضعيف.

ـ وحديث عثمان بن أبي العاص عند أحمد ٤ / ٢١٦.

[١٨٥٩] ـ إسناده قوي. رجاله رجال البخاري ومسلم سوى يسيع ، وهو ثقة.

ـ سفيان هو ابن سعيد الثوري ، منصور هو ابن المعتمر ، ذر هو ابن عبد الله المرهبي ، يسيع هو ابن معدان الحضرمي.

ـ وهو في «شرح السنة» ١٣٧٨ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الترمذي ٣٢٤٧ وأحمد ٤ / ٢٦٧ والحاكم ١ / ٤٩٠ و ٤٩١ والطبري ٣٠٣٨٢ من طرق عن سفيان به.

ـ وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وقال الترمذي : حسن صحيح.

ـ وأخرجه أبو داود ١٤٧٩ والنسائي في «التفسير» ٤٨٤ والبخاري في «الأدب المفرد» ٧١٤ والطيالسي ٨٠١ من طريق شعبة عن منصور به.

ـ وأخرجه الترمذي ٣٣٧٢ والنسائي ٤٨٤ وابن ماجه ٣٨٢٨ وابن أبي شيبة ١٠ / ٢٠٠ وأحمد ٤ / ٢٦٧ و ٢٧١ و ٢٧٦ والطبري ٣٠٣٨١ وأبو نعيم في «الحلية» ٨ / ١٢٠ من طرق عن الأعمش عن ذر به.

ـ وأخرجه ابن حبان ٨٩٠ من طريق جرير عن منصور به.

ـ وهو حديث حسن صحيح ، وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وكذا صححه النووي في «الأذكار» ١ / ٩٩٤ ، وانظر «تفسير الكشاف» ٩٨٣ و «فتح القدير» ٢١٩٩ بتخريجي ، والله الموفق.

(١) في المطبوع وط والمخطوط (ب): «تاج» والمثبت عن المخطوط (أ) و «سنن ابن ماجه».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) في المطبوع «عن أب ذر عن بسبيع» والمثبت عن ط والمخطوط و «شرح السنة».

١٢٠