تفسير البغوي - ج ٤

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي

تفسير البغوي - ج ٤

المؤلف:

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي


المحقق: عبدالرزاق المهدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٧

أبو عوانة ثنا يوسف هو ابن [سعيد بن](١) مسلّم ثنا حجاج عن ابن جريج عن عطاء قال : قالت عائشة : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا رأى مخيلة تغير وجهه وتلون ، ودخل وخرج وأقبل وأدبر ، فإذا أمطرت السماء سري عنه ، قالت : وذكرت له الذي رأيت ، قال : «وما يدريك لعله يا عائشة كما قال قوم عاد : (فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) الآية».

(فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ) ، قرأ عاصم وحمزة ويعقوب يرى ، بضم الياء (مَساكِنُهُمْ) برفع النون يعني لا يرى شيء إلا مساكنهم ، وقرأ الآخرون بالتاء وفتحها ، مساكنهم نصب يعني لا ترى أنت يا محمد إلّا مساكنهم لأن السكان والأنعام بادت بالريح ، فلم يبق إلّا هود ومن آمن معه. (كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ).

(وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٢٦) وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٧) فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٨))

(وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ) ، يعني فيما لم نمكنكم فيه من قوة الأبدان وطول العمر وكثرة المال. قال المبرد : (ما) في قوله (فِيما) بمنزلة الذي ، و (إِنْ) بمنزلة ما ، وتقديره : ولقد مكّناهم في الذي ما مكنّاكم فيه. (وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٢٦).

(وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ) ، يا أهل مكة ، (مِنَ الْقُرى) ، كحجر ثمود وأرض سدوم ونحوهما ، (وَصَرَّفْنَا الْآياتِ) الحجج والبينات ، (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) ، عن كفرهم فلم يرجعوا ، فأهلكناهم يخوّف مشركي مكة.

(فَلَوْ لا) ، فهلا (نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً) ، يعني الأوثان التي اتخذوها آلهة يتقربون بها إلى الله عزوجل ، القربان كل ما يتقرب به إلى الله عزوجل ، وجمعه قرابين ، كالرهبان والرهابين : (بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ) ، قال مقاتل بل ضلت الآلهة عنهم فلم تنفعهم عند نزول العذاب بهم (وَذلِكَ إِفْكُهُمْ) ، أي كذبهم الذي كانوا يقولون أنها تقربهم إلى الله عزوجل وتشفع لهم ، (وَما كانُوا يَفْتَرُونَ) ، يكذبون أنها آلهة.

__________________

ـ حجاج هو ابن محمد ، ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز ، عطاء هو ابن أبي رباح.

ـ وهو في «شرح السنة» ١١٤٧ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٣٢٠٦ ومسلم ٨٩٩ ح ١٥ والترمذي ٣٢٥٤ وأحمد ٦ / ٣٤٠ ـ ٣٤١ وأبو يعلى ٤٧١٣ من طرق عن ابن جريج به.

ـ وأخرجه مسلم ٨٩٩ وابن حبان ٦٥٨ والبيهقي ٣ / ٣٦١ من طريق محمد بن جعفر عن عطاء بن أبي رباح به.

(١) زيادة عن كتب التراجم.

٢٠١

(وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩))

قوله عزوجل : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) ، الآية قال المفسرون : لما مات أبو طالب خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وحده إلى الطائف يلتمس من ثقيف النصر والمنعة له من قومه.

[١٩٢٦] فروى محمد بن إسحاق عن يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال : لما انتهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى الطائف عمد (١) إلى نفر من ثقيف ، وهم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم ، وهم إخوة ثلاثة عبد ياليل ومسعود وحبيب بنو عمرو بن عمير ، وعند أحدهم امرأة من قريش من بني جمح (٢) ، فجلس إليهم فدعاهم إلى الله وكلمهم بما جاء (٣) له من نصرته على الإسلام ، والقيام معه على من خالفه من قومه ، فقال له أحدهم هو يمرط ثياب الكعبة : إن كان الله أرسلك ، وقال الآخر : ما وجد الله أحدا يرسله غيرك؟ وقال الثالث : والله ما أكلمك أبدا ، لئن كنت رسولا من الله كما تقول لأنت أعظم خطرا من أن أردّ عليك الكلام ، ولئن كنت تكذب على الله فما ينبغي لي أن أكلمك ، فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من عندهم وقد يئس من خير ثقيف ، وقال لهم : إذ فعلتم ما فعلتم فاكتموه علي ، وكره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يبلغ قومه فيزيدهم (٤) عليه ذلك ، فلم يفعلوا وأغروا به سفهاءهم (٥) وعبيدهم يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه (٦) الناس ، وألجئوه إلى حائط لعتبة وشيبة ابني ربيعة ، وهما فيه فرجع عنه سفهاء ثقيف ومن كان تبعه ، فعمد إلى ظل حبلة من عنب ، فجلس فيه وابنا ربيعة ينظران إليه ويريان ما لقي من سفهاء ثقيف ، ولقد لقي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تلك المرأة التي من بني جمح (٧) ، فقال لها : ما ذا لقينا من أحمائك؟ فلما اطمأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهو اني على الناس ، أنت أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي ، إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أو إلى عدو ملكته أمري ، إن لم يكن بك عليّ غضب فلا أبالي ، ولكن عافيتك هي أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل علي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلّا بك» ، فلما رأى ابنا ربيعة ما لقي تحركت له رحمهما فدعوا غلاما لهما نصرانيا يقال له : عداس ، فقالا (٨) له : خذ قطفا من هذا العنب وضعه في ذلك الطبق ثم اذهب به إلى ذلك الرجل ، فقل له يأكل منه ، ففعل ذلك عداس ، ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلما وضع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يده قال : بسم الله ثم أكل ، فنظر عداس إلى وجهه ثم قال : والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلدة [في هذا الرجل إلّا حسدا](٩) ، فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : من أي البلاد أنت يا عداس؟ وما دينك؟ وما دينك؟ قال : أنا نصراني وأنا رجل من أهل نينوى ؛ فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أمن قرية الرجل

__________________

[١٩٢٦] ـ ضعيف. رواه ابن هشام في «السيرة» ٢ / ٢١ ـ ٢٣ من طريق ابن إسحاق. حدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرطبي ... فذكره.

ـ وهذا مرسل فهو ضعيف ، ويزيد غير قوي.

(١) زيادة عن المخطوط (ب)

(٢) تصحف في المخطوط (ب) إلى «جميع».

(٣) في المطبوع «جاءهم» والمثبت عن المخطوط.

(٤) في المطبوع «فيذئلهم» وفي المخطوط (ب) «فيديرهم عليّ» والمثبت عن ط والمخطوط (أ)

(٥) في المطبوع «سفاءهم» والمثبت عن المخطوط.

(٦) في المخطوط (ب) «إليه».

(٧) في المخطوط (ب) «جميع».

(٨) في المطبوع «فقال» والمثبت عن المخطوط.

(٩) زيادة عن المخطوط.

٢٠٢

الصالح يونس بن متى؟ قال له : وما يدريك ما يونس بن متى؟ فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : ذاك أخي كان نبيا وأنا نبي ، فأكبّ عداس على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقبل رأسه ويديه وقدميه ، قال : فيقول ابنا ربيعة أحدهما لصاحبه : أما غلامك فقد أفسده عليك ، فلما جاءهما عداس قالا له : ويلك يا عداس ما لك تقبّل رأس هذا الرجل ويديه وقدميه؟ قال : يا سيدي ما في الأرض خير من هذا الرجل ، لقد أخبرني بأمر ما يعلمه إلّا نبي ، فقالا : ويحك يا عداس لا يصرفنك عن دينك فإن دينك خير من دينه ، ثم إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم انصرف من الطائف راجعا إلى مكة حين يئس من خير ثقيف ، حتى إذا كان بنخلة قام من جوف الليل يصلي فمرّ به نفر من جن أهل نصيبين باليمن (١) ، فاستمعوا له فلما فرغ من صلاته ولّوا إلى قومهم منذرين ، قد آمنوا وأجابوا لما سمعوا ، فقص الله خبرهم عليه ، فقال : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِ).

[١٩٢٧] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا مسدد ثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : انطلق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ ، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء ، فأرسلت عليهم الشهب فرجعت الشياطين إلى قومهم ، فقالوا : ما لكم؟ قالوا : حيل (٢) بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب ، قالوا : ما حال بينكم وبين خبر السماء إلّا شيء حدث ، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها ، فانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء إلّا شيء حدث ، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها ، فانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء ، فانصرف أولئك الذين توجهوا نحو تهامة إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو بنخلة ، عامدين إلى سوق عكاظ وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر ، فلما سمعوا القرآن استمعوا له ، فقالوا : هذا والله الذي حال بينكم وبين خبر السماء ، فهنالك رجعوا إلى قومهم فقالوا : يا قومنا (إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً) (٢) [الجن : ٢] ، فأنزل الله على نبيه : (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِ) [الجن : ١] ، وإنما أوحى إليه قول الجن.

وروي : أنهم لما رجموا بالشهب بعث إبليس سراياه لتعرف الخبر ، وكان أول بعث بعث ركبا من أهل نصيبين وهم أشراف الجن وساداتهم ، فبعثهم إلى تهامة.

وقال أبو حمزة الثمالي (٣) : بلغنا أنهم من [بني](٤) الشيصبان وهم أكثر الجن عددا ، وهم عامة جنود إبليس ، فلما رجعوا قالوا : (إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً) [الجن : ٢].

[١٩٢٨] وقال جماعة : بل أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن ينذر الجن ويدعوهم إلى الله تعالى ويقرأ عليهم القرآن ،

__________________

[١٩٢٧] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري حيث تفرد عن مسدّد.

ـ أبو عوانة هو وضاح اليشكري مشهور بكنيته ، أبو بشر هو جعفر بن إياس.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٧٧٣ عن مسدد بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٧٧٣ و ٣٣٢٠ ومسلم ٤٤٩ والترمذي ٣٣٢٠ وأحمد ١ / ٢٥٢ و ٢٧٠ وأبو يعلى ٢٣٦٩ من طرق عن أبي عوانة به.

ـ وأخرجه أحمد ١ / ٢٧٤ وأبو يعلى ٥٢٠٢ من طريق أبي إسحاق عن سعيد به.

[١٩٢٨] ـ هذا الخبر هو عند الطبري منجما ٣١٣١٥ من طريق سعيد عن قتادة مرسلا. و ٣١٣١٦ من طريق معمر عن قتادة و ٣١٣١٧ من طريق عبد الله بن عمرو بن غيلان عن ابن مسعود و ٣١٣١٨ من طريق عن أبي عثمان بن شبة ـ

(١) في المطبوع «اليمن» والمثبت عن المخطوط.

(٢) في المطبوع «خيل» والمثبت عن المخطوط.

(٣) في المطبوع «اليماني» والمثبت عن المخطوط.

(٤) زيادة عن المخطوط.

٢٠٣

فصرف إليه نفرا من الجن من أهل نينوى ، وجمعهم له ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إني أمرت أن أقرأ على الجن الليلة ، فأيّكم يتبعني؟ فأطرقوا ثم استتبعهم فأطرقوا ، ثم استتبعهم الثالثة فأطرقوا ، فاتّبعه عبد الله بن مسعود ، قال عبد الله : ولم يحضر معه أحد غيري ، فانطلقنا حتى إذا كنا بأعلى (١) مكة دخل نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شعبا يقال له : شعب الحجون (٢) ، وخطّ لي خطا ثم أمرني أن أجلس فيه ، وقال : لا تخرج منه حتى أعود إليك ، ثم انطلق حتى قام فافتتح القرآن فجعلت أرى أمثال النسور تهوي ، وسمعت لغطا شديدا حتى خفت على نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وغشيته أسودة كثيرة حالت بيني وبينه ، حتى ما أسمع صوته ثم طفقوا يتقطعون مثل قطع السحاب ذاهبين ، ففرغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مع الفجر ، فانطلق إليّ وقال لي : أنمت؟ فقلت : لا والله يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد هممت مرارا أن أستغيث بالناس حتى سمعتك تقرعهم بعصاك تقول اجلسوا ، قال : لو خرجت [والله](٣) لم آمن عليك أن يتخطفك بعضهم ، ثم قال : هل رأيت شيئا؟ قلت : نعم يا رسول الله رأيت رجالا سودا مستثفري (٤) ثياب بيض ، قال : أولئك جن نصيبين سألوني المتاع ، والمتاع الزاد ، فمتعتهم بكل عظم حائل (٥) وروثة وبعرة. قال فقالوا : يا رسول الله تقدرها الناس [علينا](٦) ، فنهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يستنجي بالعظم والروث ، قال فقلت : يا رسول الله وما يغني ذلك عنهم؟ قال : إنهم لا يجدون عظما إلّا وجدوا عليه لحمه يوم أكله ، ولا روثة إلّا وجدوا فيها حبها يوم أكلت ، قال فقلت : يا رسول الله سمعت لغطا شديدا؟ فقال : إن الجن تدارأت في قتيل قتل بينهم فتحاكموا إليّ فقضيت بينهم بالحق ، قال : ثم تبرز رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم أتاني ، فقال : هل معك ماء؟ قلت : يا رسول الله معي إداوة فيها شيء من نبيذ التمر ، فاستدعاه فصببت على يده فتوضأ وقال : «تمرة طيبة وماء طهور».

[١٩٢٩] وقال قتادة : ذكر لنا أن ابن مسعود لما قدم الكوفة رأى شيوخا شمطا من الزط فأفزعوه حين رآهم ، فقال : أظهروا ، فقيل له : إن هؤلاء قوم من الزط ، فقال : ما أشبههم بالنفر الذي صرفوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، يريد الجن.

[١٩٣٠] أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغفار بن محمد ثنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا محمد بن المثنى ثنا عبد الأعلى ثنا داود وهو ابن أبي هند

__________________

ـ الخزاعي عن ابن مسعود فهذه الروايات تتأيد بمجموعها من جهة الإسناد ، لكن هي معارضة بحديث صحيح موصول يأتي بعد حديث واحد.

[١٩٢٩] ـ ضعيف. وأخرجه الطبري ٢١٣١٦ من طريق معمر عن قتادة مرسلا.

[١٩٣٠] ـ إسناده صحيح. رجاله رجال البخاري ومسلم سوى داود ، تفرد عنه مسلم.

ـ عبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى البصري السّامي ، عامر هو ابن شراحيل الشعبي.

ـ وهو في «صحيح مسلم» ٤٥٠ عن محمد بن المثنى بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه أبو داود ٨٥ مختصرا والترمذي ١٨ و ٤٢٥٨ وابن أبي شيبة ١ / ١٥٥ وابن خزيمة ٨٢ وأبو عوانة ١ / ٢١٩ وابن حبان ١٤٣٢ والبيهقي ١ / ١٠٨ ـ ١٠٩ في «دلائل النبوة» ٢ / ٢٢٩ والبغوي في «شرح السنة» ١٧٨ مختصرا من طرق عن داود بن أبي هند به.

(١) في المطبوع «على» والمثبت عن المخطوط.

(٢) تصحف في المخطوط (ب) إلى «الجحون».

(٣) زيادة عن المخطوط (ب)

(٤) في المخطوط (ب) «مستترين بثياب».

(٥) في المطبوع «حائك».

(٦) زيادة عن المخطوط.

٢٠٤

عن عامر قال : سألت علقمة هل كان ابن مسعود شهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة الجن؟ قال فقال علقمة : أنا سألت ابن مسعود فقلت : هل شهد أحد منكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة الجن؟ قال : لا ولكنا كنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات ليلة ففقدناه فالتمسناه في الأودية والشعاب ، فقلنا : استطير أو اغتيل ، قال فبتنا بشر ليلة بات بها قوم ، فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراء ، قال فقلنا : يا رسول الله فقدناك فطلبناك فلم نجدك ، فبتنا بشرّ ليلة بات بها قوم فقال : أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن ، قال : فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم ، قال : وسألوه الزاد فقال : «لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون (١) لحما وكل بعرة علف لدوابكم» فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم».

ورواه مسلم [بن الحجاج] عن علي بن حجر ثنا إسماعيل بن إبراهيم عن داود بهذا الإسناد إلى قوله : وآثار نيرانهم.

قال الشعبي : وسألوه الزاد وكانوا من جن الجزيرة إلى آخر الحديث من قول الشعبي مفصلا من حديث عبد الله.

قوله عزوجل : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) ، اختلفوا في عدد ذلك النفر.

فقال ابن عباس : كانوا سبعة من جن نصيبين ، فجعلهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رسلا إلى قومهم.

وقال آخرون : كانوا تسعة. وروى عاصم عن زر بن حبيش : كان زوبعة من التسعة الذين استمعوا القرآن. (فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا) ، قالوا : صه.

[١٩٣١] وروي في الحديث : «إن الجن ثلاثة أصناف صنف لهم أجنحة يطيرون بها في الهواء ، وصنف حيّات وكلاب ، وصنف يحلون ويظعنون».

(فَلَمَّا حَضَرُوهُ) ، قال بعضهم لبعض (أَنْصِتُوا) واسكتوا [أي](٢) لنستمع إلى قراءته ، فلا يحول بيننا وبين الاستماع شيء ، فأنصتوا واستمعوا القرآن حتى كاد يقع بعضهم على بعض من شدة حرصهم ، (فَلَمَّا قُضِيَ) ، فرغ من تلاوته ، (وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ)(٣) ، انصرفوا إليهم ، (مُنْذِرِينَ) ، مخوفين داعين بأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

(قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠) يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٣١) وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٣٢) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ

__________________

[١٩٣١] ـ حسن. وأخرجه الحاكم ٢ / ٤٥٦ والطبراني في «الكبير» ٢٢ / (٥٧٣) والطحاوي في «المشكل» ٢٩٤١ وابن حبان ٦١٥٦ والبيهقي «الأسماء والصفات» ٨٢٧ وأبو نعيم في «الحلية» ٥ / ١٣٧ من طريق معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير عن أبي ثعلبة الخشني مرفوعا.

وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي ، وهو حسن لأجل معاوية بن صالح فقد روى له مسلم ، وفيه كلام.

ـ وله شاهد من حديث أبي الدرداء : أخرجه ابن أبي الدنيا في «مكائد الشيطان» (١) و «الهواتف» ١٥٦ وابن حبان في «المجروحين» ٣ / ١٠٧ وأعله بيزيد بن سنان ، وهو ضعيف.

(١) في المخطوط (ب) «كان».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) تصحف في المطبوع إلى «قولهم».

٢٠٥

وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٣))

(قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) (٣٠) ، قال عطاء : كان دينهم اليهودية ، لذلك قالوا : إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى.

(يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللهِ) ، يعني محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، (وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) ، (مِنْ) صلة أي ذنوبكم ، (وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ).

قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : فاستجاب لهم من قومهم نحو من سبعين رجلا من الجن فرجعوا إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فوافقوه في البطحاء ، فقرأ عليهم القرآن وأمرهم ونهاهم ، وفيه دليل على أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان مبعوثا إلى الجن والإنس جميعا.

قال مقاتل : لم يبعث قبله نبي إلى الإنس والجن جميعا.

واختلف العلماء في حكم مؤمني الجن ، فقال قوم : ليس لهم ثواب إلّا نجاتهم من النار ، وتأوّلوا قوله : (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) ، وإليه ذهب أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه. وحكى سفيان عن ليث قال : الجن ثوابهم أن يجاروا من النار ، ثم يقال لهم كونوا ترابا ، وهذا مثل البهائم.

وعن أبي الزناد قال : إذا قضي بين الناس قبل لمؤمني الجن عودوا ترابا فيعودون ترابا فعند ذلك يقول الكافر : (يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) [النبأ : ٤٠] ، وقال الآخرون : يكون لهم الثواب في الإحسان كما يكون عليهم العقاب في الإساءة كالإنس ، وإليه ذهب مالك وابن أبي ليلى.

وقال جويبر (١) عن الضحاك : الجن يدخلون الجنة ويأكلون ويشربون ، وذكر النقاش في تفسيره حديث أنهم يدخلون الجنة. فقيل : هل يصيبون من نعيمها؟ قال : يلهمهم الله تسبيحه وذكره ، فيصيبون من لذته ما يصيبه بنو آدم من نعيم الجنة.

وقال أرطأة بن المنذر : سألت ضمرة بن حبيب هل للجن ثواب؟ قال : نعم ، وقرأ : (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ) [الرحمن : ٥٦ و ٧٤] ، قال فالإنسيات للإنس والجنيات للجن. وقال عمر بن عبد العزيز : إن مؤمني الجن حول الجنة في ربض ورحاب وليسوا فيها.

(وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ) ، لا يعجز الله فيفوته ، (وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ) ، أنصار يمنعونه من الله ، (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ).

(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَ) ، لم يعجز عن إبداعهن ، (بِقادِرٍ) ، هكذا قراءة العامة ، واختلفوا في وجه دخول الباء فيه ، فقال أبو عبيدة والأخفش : الباء زائدة للتأكيد ، كقوله : (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) [المؤمنون : ٢٠] ، وقال الكسائي والفراء : العرب تدخل الباء في الاستفهام مع الجحد ، فتقول : ما أظنك بقائم ، وقرأ يعقوب «يقدر» بالياء على الفعل واختار أبو عبيدة قراءة العامة لأنها في قراءة عبد الله قادر بغير باء ، (عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

(وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٤) فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ

__________________

(١) تصحف في المطبوع إلى «جرير».

٢٠٦

فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ (٣٥))

(وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ) ، فيقال لهم ، (أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ) ، أي فيقال لهم ، (فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ).

(فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) ، قال ابن عباس : ذوو الحزم. وقال الضحاك : ذوو الجد والصبر.

واختلفوا فيهم ، فقال ابن زيد : كل الرسل. كانوا أولي عزم لم يبعث لله نبيا إلّا كان ذا عزم وحزم ، ورأي وكمال عقل ، وإنما أدخلت من للتجنيس لا للتبعيض كما يقال : اشتريت أكسية من الخز وأردية من البز وقال بعضهم : الأنبياء كلهم أولو عزم إلّا يونس بن متى لعجلة كانت منه ، ألا ترى أنه قيل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (لا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) [القلم : ٤٨] ، وقال قوم : هم نجباء الرسل المذكورين في سورة الأنعام [٩٠] وهم ثمانية عشر لقوله تعالى بعد ذكرهم : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام :٩٠].

وقال الكلبي : هم الذين أمروا بالجهاد وأظهروا المكاشفة مع أعداء الدين. وقيل : هم ستة نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى ، عليهم‌السلام ، وهم المذكورون على النسق في سورة الأعراف والشعراء.

وقال مقاتل : هم ستة نوح صبر على أذى قومه ، وإبراهيم صبر على النار ، وإسحاق صبر على الذبح ، ويعقوب صبر على فقد ولده وذهاب بصره ، ويوسف صبر على البئر والسجن ، وأيوب صبر على الضر ، وقال ابن عباس وقتادة : هم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى أصحاب الشرائع ، فهم مع محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم خمسة ، قلت : ذكرهم الله على التخصيص في قوله : (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) [الأحزاب : ٧] ، وفي قوله تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً) [الشورى : ١٣] الآية.

[١٩٣٢] أخبرنا أبو طاهر المطهر بن علي بن عبيد الله الفارسي ثنا أبو ذر محمد بن إبراهيم سبط الصالحاني أنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان المعروف بأبي الشيخ الحافظ أنا عبد الرحمن بن أبي حاتم أنا محمد بن الحجاج أنا السري بن حيان أنا عباد بن عباد (١) ثنا مجالد بن سعيد عن الشعبي عن مسروق قال : قالت عائشة قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا عائشة إن الدنيا لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد ، يا عائشة إن الله لم يرض من أولي العزم إلّا بالصبر على مكروهها ، والصبر على مجهودها ولم يرض إلّا أن كلفني ما كلفهم ، وقال : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) وإني والله لا بدّ لي من طاعته ، والله لأصبرن كما صبروا وأجهدنّ

__________________

[١٩٣٢] ـ إسناده ضعيف لضعف مجالد بن سعيد ، وجهالة السّري بن حيان ، حيث ذكره ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» من غير جرح أو تعديل.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٩٤١ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الواحدي في «الوسيط» ٤ / ١١٦ ـ ١١٧ من طريق ابن أبي حاتم بهذا الإسناد.

ـ وعلّقه أبو الشيخ في «أخلاق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم» ٨٤٥ بقوله : قال أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم حدثنا محمد بن الحجاج ... بهذا الإسناد.

(١) في المخطوط (ب) «عياد بن عياد».

٢٠٧

كما جهدوا ، ولا حول ولا قوة إلّا بالله».

قوله تعالى : (وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ) ، أي ولا تستعجل العذاب لهم ، فإنه نازل بهم لا محالة ، كأنه ضجر بعض الضجر فأحب أن ينزل العذاب بمن أبى منهم ، فأمر بالصبر وترك الاستعجال ، ثم أخبر عن قرب العذاب فقال : (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ) ، من العذاب في الآخرة ، (لَمْ يَلْبَثُوا) ، في الدنيا ، (إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ) ، أي إذا عاينوا العذاب صار طول لبثهم في الدنيا والبرزخ كأنه ساعة من نهار ، لأن ما مضى وإن كان طويلا كأن لم يكن ، ثم قال : (بَلاغٌ) ، أي هذا القرآن وما فيه من البيان بلاغ من الله إليكم ، والبلاغ بمعنى التبليغ ، (فَهَلْ يُهْلَكُ) ، بالعذاب إذا نزل (إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ) ، الخارجون من أمر الله ، قال الزجاج : تأويله لا يهلك مع رحمة الله وفضله إلّا القوم الفاسقون ، ولهذا قال قوم : ما في الرجاء لرحمة الله آية أقوى من هذه الآية.

سورة محمد

مدينة وهي ثمان وثلاثون آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ (٢) ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ (٣) فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ (٤))

(الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) (١) ، أبطلها فلم يقبلها وأراد بالأعمال ما فعلوا من إطعام الطعام وصلة الأرحام ، قال الضحاك : أبطل كيدهم ومكرهم بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وجعل الدائرة عليهم.

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ) ، قال سفيان الثوري : يعني لم يخالفوه في شيء ، (وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) مشركو مكة (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الأنصار. (كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ) ، حالهم قال ابن عباس رضي الله عنهما عصمهم أيام حياتهم ، يعني أن هذا الإصلاح يعود إلى إصلاح أعمالهم حتى لا يعصوا.

(ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ) ، الشيطان ، (وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ) ، يعني القرآن (كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ لِلنَّاسِ أَمْثالَهُمْ) ، أشكالهم ، قال الزجاج : كذلك يبين الله أمثال حسنات المؤمنين ، وإضلال أعمال الكافرين.

(فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ) ، نصب على الإغراء ، أي فاضربوا رقابهم يعني أعناقهم. (حَتَّى

٢٠٨

إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ) ، بالغنم في القتل وقهرتموهم ، (فَشُدُّوا الْوَثاقَ) ، يعني في الأسر حتى لا يفلتوا منكم ، والأسر يكون بعد المبالغة في القتل ، كما قال : (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ) [الأنفال : ٦٧] ، (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) ، يعني بعد أن تأسروهم فإما أن تمنّوا (١) عليهم منّا بإطلاقهم من غير عوض ، وإما أن تفادوهم فداء ، واختلف العلماء في حكم هذه الآية ، فقال قوم : هي منسوخة بقوله : (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ) [الأنفال : ٥٧] ، وبقوله : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) [التوبة : ٥] ، وإلى هذا القول ذهب قتادة والضحاك والسدي وابن جريج ، وهو قول الأوزاعي وأصحاب الرأي ، قالوا : لا يجوز المنّ على من وقع في الأسر من الكفار ولا الفداء ، وذهب آخرون إلى أن الآية محكمة والإمام بالخيار في الرجال البالغين (٢) من الكفار إذا وقعوا في الأسر بين أن يقتلهم أو يسترقهم أو يمن عليهم فيطلقهم بلا عوض أو يفاديهم بالمال ، أو بأسارى المسلمين ، وإليه ذهب ابن عمر ، وبه قال الحسن وعطاء وأكثر الصحابة والعلماء ، وهو قول الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق ، قال ابن عباس : لما كثر المسلمون واشتد سلطانهم أنزل الله عزوجل في الأسارى (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً) ، وهذا هو الأصح والاختيار لأنه عمل به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والخلفاء بعده.

[١٩٣٣] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي ثنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا عبد الله بن يوسف ثنا الليث ثنا سعيد بن أبي سعيد سمع أبا هريرة قال بعث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة فربطوه بسارية من سواري المسجد ، فخرج إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : وما ذا عندك يا ثمامة؟ فقال : عندي يا محمد خير إن تقتلني (٣) تقتل ذا دم ، وإن تنعم (٤) تنعم على شاكر ، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت ، فتركه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى كان الغد ، فقال له : «ما عندك يا ثمامة؟» فقال : ما عندي ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر ، فتركه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى كان بعد الغد ، فقال له : «ما عندك يا ثمامة؟» فقال : عندي ما قلت لك ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أطلقوا ثمامة» ، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد ، فقال : أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، يا محمد والله ما كان على وجه الأرض وجه أبغض إليّ من وجهك ، فقد أصبح وجهك أحبّ الوجوه كلها إليّ والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك ، فأصبح دينك أحبّ الدين كله

__________________

[١٩٣٣] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري.

ـ سعيد هو المقبري ، الليث هو ابن سعد.

ـ وهو في «شرح السنة» ٢٧٠٦ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٤٣٧٢ عن عبد الله بن يوسف بهذا الإسناد.

وأخرجه البخاري ٤٦٢ و ٢٤٢٢ ومسلم ١٧٦٤ وأبو داود ٢٦٧٩ والنسائي ١ / ١٠٩ ـ ١١٠ وأحمد ٢ / ٤٥٣ وابن خزيمة ٢٥٢ والبيهقي ١ / ١٧١ وفي «دلائل النبوة» ٤ / ٧٨ من طرق عن الليث به.

ـ وأخرجه أحمد ٢ / ٢٤٦ و ٢٤٧ من طريق ابن عجلان عن سعيد المقبري به.

ـ وأخرجه مسلم ١٧٦٤ ح ٦٠ والبيهقي في «الدلائل» ٤ / ٧٩ من طريقين عن سعيد المقبري به.

ـ وأخرجه البيهقي في «الدلائل» ٤ / ٨١ من طريق ابن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة.

(١) في المطبوع «تمنعوا» والمثبت عن المخطوط.

(٢) في المطبوع «العاقلين» والمثبت عن المخطوط.

(٣) في المطبوع «تقتل» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة».

(٤) زيد في المخطوط (ب) «علي».

٢٠٩

إليّ ، والله ما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك فأصبح بلدك أحبّ البلاد كلها إليّ ، وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة ، فما ذا ترى؟ فبشره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأمره أن يعتمر فلما قدم مكة قال له قائل أصبوت؟ فقال : لا ولكن أسلمت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

[١٩٣٤] أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب أنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ثنا أبو العباس الأصم أنا الربيع أنا الشافعي أنا عبد الوهّاب بن عبد المجيد الثقفي عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين قال أسر أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رجلا من بني عقيل فأوثقوه ، وكانت ثقيف قد أسرت رجلين من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ففداه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالرجلين اللذين أسرتهما ثقيف.

قوله تعالى : (حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) ، أي أثقالها وأحمالها ، يعني حتى تضع أهل الحرب السلاح (١) ، فيمسكوا عن الحرب ، وأصل الوزر ، ما يحمله (٢) الإنسان فسمى الأسلحة أوزارا لأنها تحمل ، وقيل : الحرب هم المحاربون كالسرب (٣) والركب ، وقيل : الأوزار الآثام ، ومعناه حتى يضع المحاربون آثامها ، بأن يتوبوا من كفرهم فيؤمنوا بالله ورسوله. وقيل : حتى تضع حربكم وقتالكم أوزار المشركين وقبائح أعمالهم بأن يسلموا ، ومعنى الآية : أثخنوا المشركين بالقتل والأسر حتى يدخل أهل الملل كلها في الإسلام ، ويكون الدين كله لله فلا يكون بعده جهاد ولا قتال ، وذلك عند نزول عيسى ابن مريم عليه (٤) السلام.

[١٩٣٥] وجاء في الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل (٥) آخر أمتي الدجال» وقال الكلبي : حتى يسلموا أو يسالموا وقال الفراء : حتى لا يبق إلّا مسلم أو مسالم. (ذلِكَ) ، الذي ذكرت وبينت من حكم الكفار ، (وَلَوْ يَشاءُ اللهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ) ، فأهلكهم وكفاكم أمرهم بغير قتال ، (وَلكِنْ) ، أمركم بالقتال ، (لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) ، فيصير من قتل من المؤمنين إلى الثواب ومن قتل من الكافرين إلى العذاب ، (وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) ، قرأ أهل البصرة وحفص : (قُتِلُوا) بضم القاف وكسر التاء خفيف ، يعني الشهداء وقرأ الآخرون قاتلوا بالألف من المقاتلة ، وهم المجاهدون ، (فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ) ، قال قتادة : ذكر لنا أن هذه الآية أنزلت يوم أحد ، وقد فشت في المسلمين الجراحات والقتل.

__________________

[١٩٣٤] ـ إسناده صحيح. الشافعي ثقة إمام ومن دونه ثقات. وقد توبعوا ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم غير أبي المهلب تفرد عنه مسلم.

ـ الربيع هو ابن سليمان المرادي ، الشافعي هو محمد بن إدريس ، أيوب هو ابن أبي تميمة ، أبو قلابة هو عبد الله بن زيد الجرمي ، أبو المهلب هو عمرو بن معاوية ، وقيل : عبد الرحمن بن معاوية ، وقيل غير ذلك.

ـ وهو في «مسند الشافعي» ٢ / ١٢١ عن عبد الوهاب الثقفي بهذا الإسناد مطوّلا.

ـ وأخرجه مسلم ١٦٤١ وأبو داود ٣٣١٦ والترمذي ١٥٦٨ وأحمد ٤ / ٤٣٠ و ٤٣٣ ـ ٤٣٤ وابن حبان ٤٨٥٩ وابن الجارود ٩٣٣ والبيهقي ٩ / ٧٢ وفي «الدلائل» ٤ / ١٨٨ ـ ١٨٩ من طرق عن أيوب به ، وله قصة.

[١٩٣٥] ـ حسن. أخرجه أبو داود ٢٥٣٢ وأبو يعلى ٤٣١١ والبيهقي ٩ / ١٥٦ من حديث أنس وصدره «ثلاث من أصل الإسلام ...».

ـ وإسناده ضعيف ، لجهالة يزيد بن أبي نشبة. لكن للحديث شواهد. انظر تفسير ابن كثير عند هذه الآية.

(١) في المطبوع «السلام» والمثبت عن المخطوط.

(٢) في المطبوع «يحتمل» والمثبت عن المخطوط.

(٣) في المطبوع «كالشرب» والمثبت عن المخطوط.

(٤) في المطبوع «عليهما» والمثبت عن المخطوط.

(٥) في المخطوط (ب) «يقتل».

٢١٠

(سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ (٥) وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ (٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ (٧))

(سَيَهْدِيهِمْ) ، أيام حياتهم في الدنيا إلى أرشد الأمور ، وفي الآخرة إلى الدرجات ، (وَيُصْلِحُ بالَهُمْ) ، يرضى خصماءهم ويقبل أعمالهم.

(وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ) (٦) ، أي بيّن لهم منازلهم في الجنة حتى يهتدوا إلى مساكنهم لا يخطئونها ولا يستدلون عليها أحدا كأنهم سكانها منذ خلقوا فيكون المؤمن أهدى إلى درجته ، وزوجته وخدمه إلى منزله وأهله في الدنيا ، هذا قول أكثر المفسرين.

وروى عطاء عن ابن عباس : (عَرَّفَها لَهُمْ) أي طيبها لهم من العرف ، وهو الريح الطيبة وطعام معرف أي مطيب.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ) ، أي دينه ورسوله ، (يَنْصُرْكُمْ) ، على عدوكم ، (وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) ، عند القتال.

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ (٨) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (٩) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها (١٠) ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ (١١) إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ (١٢) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ (١٣) أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٤))

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ) ، قال ابن عباس : بعدا لهم. وقال أبو العالية : سقوطا لهم. وقال الضحاك : خيبة لهم. وقال ابن زيد : شقاء لهم. قال الفراء : هو نصب على المصدر ، على سبيل الدعاء. وقيل : في الدنيا العثرة ، وفي الآخرة التردي في النار. ويقال للعاثر : تعسا إذا لم يريدوا قيامة ، وضده لما (١) إذا أرادوا قيامه ، (وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) ، لأنها كانت في طاعة الشيطان.

(ذلِكَ) التعس والإضلال ، (بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) ، ثم خوّف الكفار.

فقال : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ) ، أي أهلكهم ، (وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها) ، أي لم يؤمنوا يتوعد مشركي مكة.

(ذلِكَ) ، الذي ذكرت ، (بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا) ، وليهم وناصرهم ، (وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) ، لا ناصر لهم ، ثم ذكر مآل الفريقين فقال :

(إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ) ، في الدنيا ، (وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ) ، ليس لهم همة إلّا بطونهم وفروجهم ، وهم لاهون ساهون عما في غد ، قيل : المؤمن في الدنيا يتزود والمنافق يتزين والكافر يتمتع ، (وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ).

(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ) ، أي أشد قوة من أهل مكة ، (الَّتِي أَخْرَجَتْكَ) ، أي أخرجك

__________________

(١) في المطبوع «أما» وفي المخطوط (ب) «نفا» والمثبت عن ط والمخطوط (أ)

٢١١

أهلها ، قال ابن عباس : كم رجال هم أشد من أهل مكة؟ يدل عليه قوله : (أَهْلَكْناهُمْ) ، ولم يقل : أهلكناها ، (فَلا ناصِرَ لَهُمْ).

[١٩٣٦] قال ابن عباس : لما خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من مكة إلى الغار التفت إلى مكة وقال : «أنت أحبّ بلاد الله إلى الله وأحبّ بلاد الله إليّ ولو أن المشركين لم يخرجوني لم أخرج منك» فأنزل الله هذه الآية.

(أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ) ، يقين من دينه محمد والمؤمنون ، (كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) ، يعني عبادة الأوثان ، وهم أبو جهل والمشركون.

(مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (١٥) وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٦) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (١٧))

(مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) ، أي صفتها ، (فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ) ، آجن متغير منتن ، قرأ ابن كثير (آسِنٍ) بالقصر ، والآخرون بالمد ، وهما لغتان يقال : أس الماء يأسن أسنا ، وآسن يأسن وياسن ، وأجن يأجن أجنا (١) ، أسونا وأجونا إذا تغير ، (وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ) ، لذيذة (لِلشَّارِبِينَ) ، لم تدنسها الأرجل ولم تدنسها الأيدي ، (وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى).

[١٩٣٧] أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد أنا محمد بن عيسى الجلودي ثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ثنا مسلم بن الحجاج ثنا أبو بكر بن أبي شيبة أنا أبو أسامة وعبد الله بن نمير وعلي بن مسهر عن عبيد (٢) الله بن عمر عن حبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «سيحان وجيحان والنيل والفرات كل من أنهار (٣) الجنة».

قال كعب الأحبار : نهر دجلة نهر ماء أهل الجنة ، ونهر الفرات نهر لبنهم ، ونهر مصر نهر خمرهم ، ونهر سيحان نهر عسلهم ، وهذه الأنهار الأربعة تخرج من نهر الكوثر ، (وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ) ، أي من كان في هذا النعيم كمن هو خالد في النار ، (وَسُقُوا ماءً حَمِيماً) ،

__________________

[١٩٣٦] ـ ضعيف بذكر الآية. أخرجه الطبري ٣١٣٧٢ وأبو يعلى كما في «المطالب العالية» ٣٧٣٧٧ وابن أبي حاتم كما في «تفسير ابن كثير» ٤ / ٢١٢ من حديث ابن عباس. وفي إسناده الحسين بن قيس ، وهو متروك ، والغريب فيه ذكر نزول الآية ، وأما أصله فله شواهد.

[١٩٣٧] ـ إسناده صحيح على شرط مسلم.

ـ أبو بكر هو عبد الله بن محمد ، أبو أسامة هو حماد بن أسامة.

ـ وهو في «صحيح مسلم» ٢٨٣٩ عن أبي بكر بن أبي شيبة بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه أحمد ٢ / ٢٨٩ و ٤٤٠ والخطيب في «تاريخ بغداد» ١ / ٥٤ ـ ٥٥ من طريق عبيد الله بن عمر به.

ـ وأخرجه أحمد ٢ / ٢٦١ والحميدي ١١٦٣ وأبو يعلى ٥٩٢١ والخطيب ١ / ٥٤ و ٨ / ١٨٥ ، من طرق عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة به.

(١) في المطبوع «ويأجن» والمثبت عن المخطوط.

(٢) في المطبوع «عبد الله» والمثبت عن «شرح السنة».

(٣) في المطبوع «أنها» والمثبت عن «شرح السنة» والمخطوط.

٢١٢

شديد الحر تسعر عليه جهنم منذ خلقت إذا أدني منهم يشوي وجوههم ووقعت فروة رءوسهم فإذا شربوه ، (فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ) ، فخرجت من أدبارهم ، والأمعاء جميع ما في البطن من الحوايا واحدها معي.

(وَمِنْهُمْ) ، يعني من هؤلاء الكفار ، (مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) ، وهم المنافقون يستمعون قولك فلا يعونه ولا يفهمونه تهاونا به وتغافلا ، (حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ) ، يعني فإذا خرجوا من عندك ، (قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) ، من الصحابة ، (ما ذا قالَ) ، محمد ، (آنِفاً) ، يعني الآن ، وهو من الائتناف ويقال : ائتنفت الأمر أي ابتدأته (١) وأنف الشيء أوله ، قال مقاتل (٢) : وذلك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يخطب ويعيب المنافقين ، فإذا خرجوا من المسجد سألوا عبد الله بن مسعود استهزاء ما ذا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال ابن عباس : وقد سئلت فيمن سئل (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) ، فلم يؤمنوا ، (وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) ، في الكفر والنفاق.

(وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا) ، يعني المؤمنين ، (زادَهُمْ) ، ما قال الرسول ، (هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) ، وفقهم للعمل بما أمر الله (٣) به ، وهو التقوى ، قال سعيد بن جبير : وآتاهم ثواب تقواهم.

(فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ (١٨) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (١٩))

(فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً).

[١٩٣٨] أخبرنا أبو الحسن عبد الرحمن بن محمد الداودي أنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى بن الصلت ثنا أبو إسحاق الهاشمي ثنا الحسين بن (٤) الحسن ثنا ابن المبارك أنا معمر بن راشد عمن سمع المقبري يحدث عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «ما ينتظر أحدكم من الدنيا إلّا غنىّ مطغيا ، أو فقرا منسيا ، أو

__________________

[١٩٣٨] ـ إسناده ضعيف ، فيه راو لم يسمّ ، وباقي الإسناد ثقات.

ـ ابن المبارك هو عبد الله.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٩١٧ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «الزهد» لابن المبارك (٧) عن معمر بن راشد بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الحاكم ٤ / ٣٢٠ ـ ٣٢١ وأبو يعلى ٦٥٤٢ من طريق ابن المبارك عن معمر عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة.

ـ قال الحاكم : إن كان معمر بن راشد سمع من المقبري ، فالحديث صحيح على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي ، وسقط عند الحاكم الراوي المجهول ، لذا علق صحة الحديث بسماع معمر من المقبري ، وقد صرح معمر بعدم سماعة له عند ابن المبارك والبغوي.

ـ وأخرجه الترمذي ٢٣٠٦ وابن الجوزي في «مشيخته» ص ١٩٦ من طريق أبي مصعب عن محرر بن هارون عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة به.

ـ وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب.

ـ كذا قال مع أن في إسناده محرر قال عنه البخاري والنسائي والساجي : منكر الحديث. فهذا الطريق لا يشهد للأول لشدة وهنه ، وأخشى أن يكون هو المذكور في الإسناد المتقدم.

(١) في المخطوط (ب) «ابتداء به».

(٢) ذكره المصنف هاهنا تعليقا ، وإسناده إليه أول الكتاب ، ومقاتل إن كان ابن سليمان فهو كذاب ، فإن كان ابن حيان فذو مناكير.

(٣) في المطبوع «أمرهم» والمثبت عن المخطوط (ب)

(٤) في المطبوع «ثنا» والمثبت عن «شرح السنة» والمخطوط (أ)

٢١٣

مرضا مفسدا ، أو هرما مفندا (١) ، أو موتا مجهزا ، أو الدجال فالدجال شر غائب ينتظر ، أو الساعة والساعة أدهى وأمر».

قوله عزوجل : (فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها) ، أي أماراتها وعلاماتها واحدها شرط ، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أشراط الساعة.

[١٩٣٩] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا أحمد بن المقدام ثنا فضيل (٢) بن سليمان ثنا أبو حازم ثنا سهل بن سعد قال : رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال بأصبعيه هكذا بالوسطى والتي تلي الإبهام : «بعثت أنا والساعة كهاتين».

[١٩٤٠] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن ويوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا حفص بن عمر الحوضي ثنا هشام عن قتادة عن أنس قال : لأحدثنّكم بحديث سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يحدثنكم به أحد غيري ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم ، ويكثر الجهل ، ويكثر الزنا ، ويكثر شرب الخمر ، ويقلّ الرجال ويكثر النساء ، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد».

[١٩٤١] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا

__________________

[١٩٣٩] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري فقد تفرد عن أحمد بن مقدام ، وقد توبع ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.

ـ أبو حازم هو سلمة بن دينار.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤١٨٩ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٤٩٣٦ عن أحمد بن المقدام بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٥٣٠١ و ٥٣٠١ ومسلم ٢٩٥٠ وأحمد ٥ / ٣٣٠ و ٣٣١ و ٣٣٥ و ٣٣٨ والحميدي ٩٢٥ وابن حبان ٦٦٤٢ والطبراني ٥٨٧٣ و ٥٨٨٥ و ٥٩٨٨ و ٥٩١٢ من طرق عن أبي حازم به.

[١٩٤٠] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري.

ـ هشام هو ابن عبد الله ، قتادة ابن دعامة.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٥٢٣١ عن حفص بن عمر بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٥٥٧٧ وأحمد ٣ / ٢١٣ و ٢١٤ والطيالسي ١٠١ من طرق عن هشام به.

ـ وأخرجه البخاري ٦٨٠٨ وأحمد ٣ / ٢٨٩ وأبو يعلى ٢٨٩٢ وأبو نعيم في «الحلية» ٢ / ٣٤٢ من طرق عن همام عن قتادة به.

ـ وأخرجه البخاري ٨١ ومسلم ٢٦٧١ ح ٩ والترمذي ٢٢٠٦ وأحمد ٣ / ١٧٦ و ٢٠٢ و ٢٧٣ وابن ماجه ٤٠٤٥ من طرق عن شعبة عن قتادة به.

ـ وأخرجه البخاري ٨٠ ومسلم ٢٦٧١ أحمد ٣ / ١٥١ من طريق أبي التياح عن أنس به.

ـ وأخرجه مسلم ٢٦٧١ ح ٩ من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة به.

ـ وأخرجه عبد الرزاق ٢٠٨٠١ من طريق معمر عن قتادة به.

[١٩٤١] ـ صحيح. إسناده حسن ، فليح وإن روى له البخاري ومسلم فقد ضعفه غير واحد ، لذا ينحط حديثه عن درجة الصحيح ، لكن للحديث شواهد ، فهو صحيح إن شاء الله ، والله أعلم.

فليح هو ابن سليمان. ـ

(١) تصحف في المطبوع إلى «مقيدا».

(٢) تصحف في المطبوع إلى «فضل».

٢١٤

محمد بن إسماعيل ثنا محمد بن سنان ثنا فليح حدثني هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : بينما النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في مجلس يحدث القوم إذ جاءه أعرابي فقال : متى الساعة؟ فمضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحدث ، فقال بعض القوم : سمع ما قال فكره ما قال : وقال بعضهم : بل لم يسمع حتى إذا قضى حديثه ، قال : أين السائل عن الساعة؟ قال ها أنا يا رسول الله ، قال : «إذا ضيّعت الأمانة فانتظر الساعة» : قال : كيف إضاعتها؟ قال : «إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة».

قوله عزوجل : (فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ) ، فمن أين لهم التذكر والاتعاظ والتوبة إذا جاءتهم الساعة ، نظيره : (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى) [الفجر : ٢٣].

قوله عزوجل : (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) ، قيل : الخطاب مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمراد به غيره ، وقيل : معناه فاثبت عليه. وقال الحسين بن الفضل : فازدد علما على علمك. وقال أبو العالية وابن عيينة : هو متصل بما قبله معناه : إذا جاءتهم الساعة فاعلم أنه لا ملجأ ولا مفزع عند قيامها إلّا إلى الله. وقيل فاعلم أنه لا إله إلّا الله أن الممالك تبطل عند قيامها فلا ملك ولا حكم لأحد إلّا الله.

(وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) ، أمر بالاستغفار مع أنه مغفور له لتستن به أمته.

[١٩٤٢] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي (١) أنا أبو منصور السمعاني أنا أبو جعفر الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا سليمان بن حرب ثنا حماد بن زيد عن ثابت عن أبي بردة عن الأغر المزني قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في كل يوم (٢) مائة مرة».

قوله عزوجل : (وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) ، هذا إكرام من الله تعالى لهذه الأمة حيث (٣) أمر نبيهم صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يستغفر لذنوبهم وهو الشفيع المجاب فيهم ، (وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ) ، قال ابن عباس والضحاك : متقلبكم متصرفكم ومنتشركم في أعمالكم في الدنيا ، (ومثواكم) مصيركم في الآخرة إلى الجنة أو إلى النار.

وقال مقاتل وابن جرير : (متقلبكم) متصرفكم لأشغالكم بالنهار (ومثواكم) مأواكم إلى مضاجعكم بالليل. وقال عكرمة : متقلبكم من أصلاب الآباء إلى أرحام الأمهات ومثواكم مقامكم في الأرض. وقال ابن كيسان : (متقلبكم) من ظهر إلى بطن (ومثواكم) مقامكم في القبور ، والمعنى : أنه عالم بجميع أحوالكم فلا يخفي عليه شيء منها.

__________________

ـ وهو في «شرح السنة» ٤١٢٧ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٥٩ و ٦٤٩٦ عن محمد بن سنان بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه أحمد ٤ / ٣٦١ وابن حبان ١٠٤ والبيهقي ١٠ / ١١٨ من طرق عن فليح به.

[١٩٤٢] ـ صحيح. حميد ثقة ، وقد توبع ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.

ـ ثابت هو ابن أسلم ، أبو بردة هو ابن أبي موسى الأشعري ، مشهور بكنيته ، الأغر هو ابن عبد الله.

ـ وهو في «شرح السنة» ١٢٨٠ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٢٧٠٢ ح ٤١ وأبو داود ١٥١٥ وأحمد ٤ / ٢٦٠ وابن حبان ٩٣١ من طرق عن حماد بن زيد به.

ـ وأخرجه النسائي في «عمل اليوم والليلة» ٤٤٢ والطبراني ٨٨٨ من طريق حماد بن سلمة عن ثابت البناني به.

ـ وأخرجه الطبراني ٨٨٩ من طريق هشام بن حسان عن ثابت البناني به.

(١) زيد في المطبوع «أنا أحمد بن عبد الله النعيمي».

(٢) في المخطوط (أ) «في اليوم».

(٣) في المخطوط (أ) «حين».

٢١٥

(وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (٢٠) طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (٢١) فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (٢٢))

(وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا) ، حرصا منهم على الجهاد ، (لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ) ، تأمرنا بالجهاد ، (فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ) ، قال قتادة : كل سورة ذكر فيها الجهاد فهي محكمة وهي أشد القرآن على المنافقين ، (رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ، يعني المنافقين ، (يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ) ، شزرا بتحديق شديد كراهية منهم للجهاد وجبنا عن لقاء العدو ، (نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ) ، كما ينظر الشاخص بصره عند الموت ، (فَأَوْلى لَهُمْ) ، وعيد وتهديد ، ومعنى قولهم في التهديد أولى لك أي وليك وقاربك ما تكره.

ثم قال : (طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ) ، وهذا ابتداء محذوف الخبر تقديره : طاعة ، وقول معروف أمثل ، أي لو أطاعوا وقالوا قولا معروفا كان أمثل وأحسن. وقيل : مجازه يقول هؤلاء المنافقون قبل نزول السورة المحكمة طاعة رفع على الحكاية أي أمرنا طاعة أو منّا طاعة ، وقول معروف حسن. وقيل : هو متصل بما قبله واللام في قوله بمعنى الباء ، مجازه : فأولى بهم طاعة الله ورسوله ، وقول معروف بالإجابة ، أي لو أطاعوا [وأجابوا](١) كانت الطاعة والإجابة أولى بهم ، وهذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء. (فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ) ، أي جد الأمر ولزم فرض القتال وصار الأمر معزوما (٢) ، (فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ) ، في إظهار الإيمان والطاعة ، (لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) ، وقيل جواب إذا محذوف تقديره فإذا عزم الأمر نكلوا وكذبوا فيما وعدوا ولو صدقوا الله لكان خيرا لهم.

(فَهَلْ عَسَيْتُمْ) ، فلعلكم [قرأ نافع عسيتم بكسر السين والباقون بفتحها وهما لغتان والفتح أفصح](٣)(إِنْ تَوَلَّيْتُمْ) ، أعرضتم عن القرآن وفارقتم أحكامه ، (أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) ، تعودوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية فتفسدوا في الأرض بالمعصية والبغي وسفك الدماء ، وترجعوا إلى الفرقة بعد ما جمعكم الله بالإسلام. (وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) ، قرأ يعقوب (وَتُقَطِّعُوا) بفتح التاء خفيف ، والآخرون بالتشديد من التقطيع على التكثير لأجل الأرحام ، قال قتادة : كيف رأيتم القوم حين تولوا عن كتاب الله ألم يسفكوا الدم الحرام ، وقطعوا الأرحام ، وعصوا الرحمن؟ وقال بعضهم : هو من الولاية. وقال المسيب بن شريك والفراء : يقول فهل عسيتم إن وليتم أمر الناس أن تفسدوا في الأرض بالظلم ، نزلت في بني أمية وبني هاشم ، يدل عليه قراءة علي بن أبي طالب (تَوَلَّيْتُمْ) بضم التاء والواو وكسر اللام ، يقول : إن وليتكم ولاة جائزة خرجتم معهم في الفتنة وعاونتموهم.

(أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ (٢٣) أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (٢٤) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ (٢٥) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ (٢٦))

(أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) (٢٣) ، عن الحق.

__________________

(١) زيادة عن المخطوط (ب)

(٢) في المخطوط (أ) «معروفا».

(٣) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع واستدرك من «تفسير الطبري».

٢١٦

(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) (٢٤) ، فلا تفهم مواعظ القرآن وأحكامه ، و (أَمْ) بمعنى (بل).

[١٩٤٣] أخبرنا أحمد بن إبراهيم أنا أبو إسحاق الثعلبي أنبأني عقيل بن محمد أنا المعافي بن زكريا أنا محمد بن جرير ثنا بشر [ثنا يزيد قال : ثنا سعيد قال :](١) ثنا حماد بن زيد ثنا هشام بن عروة عن أبيه قال : تلا (٢) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) (٢٤) فقال شاب من أهل اليمن : بل على قلوب أقفالها حتى يكون الله يفتحها أو يفرجها ، فما زال الشاب في نفس عمر حتى ولّى فاستعان به.

(إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ) ، رجعوا كفارا ، (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى) ، قال قتادة : هم كفار أهل الكتاب كفروا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد ما عرفوه وجدوا نعته في كتابهم ، وقال ابن عباس والضحاك والسدي : هم المنافقون ، (الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ) ، زين لهم القبيح ، (وَأَمْلى لَهُمْ) ، قرأ أهل البصرة بضم الألف وكسر اللام وفتح الياء على ما لم يسم فاعله ، وقرأ مجاهد بإرسال الياء على وجه الخبر من الله عزوجل عن نفسه أنه يفعل ذلك ، وتروى هذه القراءة عن يعقوب ، وقرأ الآخرون (وَأَمْلى لَهُمْ) بفتح الألف أي وأملى الشيطان لهم مدّ لهم في الأمل.

(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ) ، يعني المنافقين أو اليهود ، (قالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللهُ) ، وهم المشركون ، (سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ) ، في التعاون على عداوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والقعود عن الجهاد ، وكانوا يقولونه سرا فأخبر الله تعالى عنهم ، (وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ) ، قرأ أهل الكوفة غير أبي بكر بكسر الهمزة على المصدر والباقون بفتحها على جمع السر.

(فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ (٢٧) ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ (٢٨) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ (٢٩) وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (٣٠) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (٣١) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ (٣٢))

(فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ) (٢٧).

(ذلِكَ) ، أي الضرب ، (بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللهَ) ، قال ابن عباس : بما كتموا من التوراة وكفروا بمحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، (وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ) ، كرهوا ما فيه رضوان الله ، وهو الطاعة والإيمان. (فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ).

__________________

[١٩٤٣] ـ إسناده ضعيف ، رجاله ثقات ، وعلته الإرسال ، والمرسل من قسم الضعيف.

ـ بشر هو ابن خالد ، يزيد هو ابن هارون ، سعيد هو ابن أبي عروة.

ـ وهو في «تفسير الطبري» ٣١٤٠٨ عن بشر بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الواحدي في «الوسيط» ٤ / ١٢٧ من طريق وهيب عن هشام بن عروة عن أبيه به.

(١) زيادة في المخطوط.

(٢) في المخطوط (أ) «قرأ».

٢١٧

(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) ، يعني المنافقين ، (أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغانَهُمْ) ، أن لن يظهر أحقادهم على المؤمنين فيبديها حتى يعرفوا نفاقهم ، واحدها ضغن ، قال ابن عباس : حسدهم.

(وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ) ، أي لأعلمناكهم وعرفناكهم ، (فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ) ، بعلامتهم ، قال الزجاج : المعنى لو نشاء لجعلنا على المنافقين علامة تعرفهم بها.

قال أنس : ما خفي على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد نزول هذه الآية شيء من المنافقين ، كان يعرفهم بسيماهم.

(وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) ، في معناه ومقصده ، واللحن : وجهان صواب وخطأ ، فالفعل من الصواب لحن يلحن لحنا فهو لحن إذا فطن للشيء.

[١٩٤٤] ومنه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ولعلّ بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض».

والفعل من الخطأ لحن يلحن لحنا فهو لاحن ، والأصل فيه إزالة الكلام عن جهته ، والمعنى إنك تعرفهم فيما يعرضون به من تهجين أمرك وأمر المسلمين والاستهزاء بهم ، فكان بعد هذا لا يتكلم منافق عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلّا عرفه بقوله ، ويستدل بفحوى كلامه على فساد خلقه وعقيدته ، (وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ).

(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) ، ولنعاملنكم معاملة المختبر بأن نأمركم بالجهاد والقتال ، (حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ) ، أي علم الوجود يريد حتى يتبين المجاهد والصابر على دينه من غيره ، (وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) ، أي نظهرها ونكشفها بإباء من يأبى القتال ، ولا يصبر على الجهاد ، وقرأ أبو بكر عن عاصم وليبلونكم حتى يعلم ، ويبلو بالياء فيهن ، لقوله تعالى : (وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ) ، وقرأ الآخرون بالنون فيهن ، لقوله تعالى : (وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ) ، وقرأ يعقوب ونبلوا ساكنة الواو ردا على قوله : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) وقرأ الآخرون بالفتح ردا على قوله (حَتَّى نَعْلَمَ).

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) ، أي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، (وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) ، إنما يضرون أنفسهم ، (وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ) ، فلا يرون لها ثوابا في الآخرة ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : هم المطعمون يوم بدر ، نظيرها قوله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) [الأنفال : ٣٦].

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (٣٣) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ (٣٤) فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ (٣٥) إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ (٣٦) إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ (٣٧))

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) (٣٣) ، قال عطاء : بالشك والنفاق ، وقال الكلبي : بالرياء والسمعة. وقال الحسن : بالمعاصي والكبائر.

وقال أبو العالية : كان أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يرون أنه لا يضر مع الإخلاص ذنب كما لا ينفع مع الشرك عمل ، فنزلت هذه الآية فخافوا الكبائر بعد أن تحبط الأعمال.

__________________

[١٩٤٤] ـ هو بعض حديث تقدم في سورة البقرة عند آية : ١٨٨.

٢١٨

وقال مقاتل : لا تمنوا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتبطلوا أعمالكم ، نزلت في بني أسد وسنذكره في سورة الحجرات إن شاء الله تعالى.

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ) ، قيل : هم أصحاب القليب وحكمها عام.

(فَلا تَهِنُوا) ، لا تضعفوا (وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ) ، أي لا تدعوا إلى الصلح ، ابتداء منع الله المسلمين أن يدعوا الكفار إلى الصلح ، وأمرهم بحربهم حتى يسلموا ، (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) ، الغالبون قال الكلبي : آخر الأمر لكم وإن غلبوكم في بعض الأوقات ، (وَاللهُ مَعَكُمْ) ، بالعون والنصرة ، (وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ) ، لن ينقصكم شيئا من ثواب أعمالكم ، يقال : وتره يتره وترا وترة إذا نقص حقه ، قال ابن عباس وقتادة ومقاتل والضحاك : لن يظلمكم أعمالكم الصالحة بل يؤتيكم أجورها.

ثم حض على طلب الآخرة فقال : (إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) ، باطل وغرور ، (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا) ، الفواحش ، (يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ) ، جزاء أعمالكم في الآخرة ، (وَلا يَسْئَلْكُمْ) ، ربكم ، (أَمْوالَكُمْ) ، لإيتاء الأجر بل يأمركم بالإيمان والطاعة ليثيبكم عليها الجنة ، نظيره قوله : (ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ) [الذاريات : ٥٧] ، وقيل : لا يسألكم محمد أموالكم ، نظيره : (قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) [الفرقان : ٥٧ ، ص : ٨٦] ، وقيل معنى الآية : لا يسألكم الله ورسوله أموالكم كلها في الصدقات ، إنما يسألانكم غيضا (١) من فيض ، ربع العشر فطيبوا بها نفسا ، وقروا بها عينا.

وإلى هذا القول ذهب ابن عيينة ، يدل عليه سياق الآية : (إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ) ، أي يجهدكم ويلحف عليكم بمسألة جميعها ، يقال : أحفى فلان فلانا إذا جهده ، وألحف عليه بالمسألة ، (تَبْخَلُوا) ، بها فلا تعطوها ، (وَيُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ) ، بغضكم وعداوتكم ، قال قتادة : علم الله أن في مسألة الأموال خروج الأضغان.

(ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ (٣٨))

(ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) ، يعني إخراج ما فرض الله عليكم ، (فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ) ، بما فرض عليه من الزكاة ، (وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُ) ، عن صدقاتكم وطاعتكم ، (وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) ، إليه وإلى ما عنده من الخير. (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) ، بل يكونوا أمثل منكم وأطوع لله منكم ، قال الكلبي : هم كندة والنخع ، وقال الحسن : هم العجم. وقال عكرمة : فارس والروم.

[١٩٤٥] أخبرنا أبو بكر أحمد بن أبي نصر الكوفاني (٢) أنا أبو محمد عبد الرحمن بن عمر بن محمد بن

__________________

[١٩٤٥] ـ عجزه صحيح ، وتأويل الآية بأهل فارس لا يصح.

ـ إسناده ضعيف لضعف مسلم بن خالد الزنجي. ـ

(١) في المخطوط (ب) «فيضا» والمثبت عن ط والمخطوط (أ)

(٢) في المطبوع «الكوفاتي» والمثبت عن المخطوط (أ) وط وفي المخطوط (ب) «القوفاتي».

٢١٩

إسحاق التّجيبي المصري المعروف بابن النحاس أنا أبو الطيب الحسن بن محمد الرياش ثنا يونس بن عبد الأعلى ثنا ابن وهب ثنا مسلم بن خالد عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تلا هذه الآية : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) ، قالوا : يا رسول الله من هؤلاء الذين إن تولينا استبدلوا بنا ثم لا يكونوا أمثالنا؟ فضرب على فخذ سلمان الفارسي ثم قال : «هذا وقومه ، ولو كان الدين عند الثريا لتناوله رجال من الفرس».

__________________

ـ ابن وهب هو عبد الله ، عبد الرحمن هو ابن يعقوب مولى الحرقة.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٨٩٥ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الطبري ٣١٤٤٣ وابن حبان ٧١٢٣ وأبو نعيم في «تاريخ أصبهان» ١ / ٣ من طرق عن ابن وهب بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الطبري ٣١٤٤٢ و ٣١٤٤ وأبو نعيم ١ / ٢ و ٣ من طرق عن مسلم بن خالد به.

ـ وأخرجه الترمذي ٣٢٦١ وأبو نعيم ١ / ٣ والواحدي ٤ / ١٣١ من طريقين عن إسماعيل بن جعفر عن عبد الله بن جعفر بن نجيح عن العلاء به.

ـ وعبد الله بن جعفر ، ضعيف متروك.

ـ وأخرجه البيهقي في «الدلائل» ٦ / ٣٣٤ من طريق أبي الربيع سليمان بن داود الزهراني عن إسماعيل بن جعفر عن العلاء به ، والظاهر أنه منقطع بين إسماعيل وسليمان بدليل الواسطة بينهما في الحديث المتقدم.

ـ وأخرجه الترمذي ٣٢٦٠ من طريق عبد الرزاق عن شيخ من أهل المدينة عن العلاء به.

ـ وقال الترمذي : هذا حديث غريب في إسناده مقال.

ـ قلت : هو ضعيف فيه من لم يسم ، ولعل المراد إبراهيم المدني الآتي ذكره.

ـ وأخرجه أبو نعيم في «تاريخ أصبهان» ١ / ٣ ـ ٤ من طريق عبد الله بن جعفر ومن طريق إبراهيم بن محمد المدني كلاهما عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة.

ـ وعبد الله بن جعفر ضعيف ، والمدني أظنه إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي ذاك المتروك المتهم.

ـ وعجزه دون ذكر الآية أخرجه مسلم ٢٥٤٦ ح ٢٣٠ وأحمد ٢ / ٣٠٩ وأبو نعيم ١ / ٤ من طريق يزيد بن الأصم عن أبي هريرة.

ـ وانظر الحديث الآتي في سورة الجمعة عند آية : ٣.

ـ وانظر «فتح القدير» ٢٢٨١ بتخريجي.

الخلاصة : لا يصح تفسير الآية بأن المراد بذلك أهل فارس فحسب بمثل هذه الروايات الضعيفة ، وعجز الحديث «ولو كان ....» متفق عليه لكن بلفظ «الإيمان» بدل «الدين».

ـ نعم صح الحديث في أهل الفارس في تفسير آية سورة الجمعة وهي (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) وسيأتي ، والله أعلم.

٢٢٠