تفسير البغوي - ج ٤

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي

تفسير البغوي - ج ٤

المؤلف:

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي


المحقق: عبدالرزاق المهدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٧

[١٨٦٠] أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد بن علي الزرقي (١) ثنا أبو الحسن علي بن يوسف الشيرازي أنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن موسى القرشي ببغداد ثنا محمد بن عبيد [الله](٢) بن العلاء ثنا أحمد بن بديل ثنا وكيع ثنا أبو المليح قال : سمعت أبا صالح يذكر عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من لم يدع الله غضب الله عليه».

وقيل : الدعاء : هو الذكر والسؤال ، (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ) ، قرأ ابن كثير وأبو جعفر وأبو بكر : (سَيَدْخُلُونَ) بضم الياء وفتح الخاء ، وقرأ الآخرون بفتح الياء وضم الخاء ، ومعنى داخرين صاغرين ذليلين.

(اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٦١) ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٦٢) كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٦٣) اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٦٤) هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦٥) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٦٦) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦٧) هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٦٨) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (٦٩) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٧٠) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (٧١) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (٧٢) ثُمَّ

__________________

[١٨٦٠] ـ إسناده ضعيف. رجاله ثقات غير أبي صالح ، وهو الخوزي ، فإنه ضعيف ، ضعفه ابن معين ، وقال أبو زرعة : لا بأس به. وقال الحاكم : مجهول ، ووافقه الذهبي ، ولم يرو عنه سوى أبي المليح ، فالقول قول الحاكم وابن معين.

ـ وهو في «شرح السنة» ١٣٨٣ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه ابن ماجه ٣٨٢٧ وأحمد ٢ / ٤٧٧ من طريق وكيع به.

ـ وأخرجه البخاري في «الأدب المفرد» ٦٥٨ والحاكم ١ / ٤٩١ وأبو يعلى ٦٦٥٥ من طريق مروان.

ـ وأخرجه البخاري في «الأدب المفرد» بإثر ٦٥٨ والترمذي ٣٣٧٠ من طريق حاتم بن إسماعيل.

ـ وأخرجه الحاكم ١ / ٤٩١ والمزي في «تهذيب الكمال» ٣ / ١٦١٥ من طريق أبي عاصم الضحاك بن مخلد.

ـ رووه كلهم عن أبي المليح به.

ـ وصححه الحاكم! مع أنه عقب ذلك بقوله : أبو صالح الخوزي وأبو المليح الفارسي لم يذكرا بجرح ، إنما هما في عداد المجهولين لقلة الحديث ، وسكت الذهبي.

الخلاصة : إسناد الحديث ضعيف ، ومع ذلك ذكره الألباني في «الصحيحة» ٢٦٥٤ وحسنه ، فإن ذكر له شاهدا فهو كما قال ، وإلّا فالإسناد ضعيف.

(١) في المطبوع و «ط» والمخطوط (أ): «الزرقي» وفي المخطوط (ب): «الدروقي» وفي «شرح السنة» : «الدّر».

(٢) زيادة عن المخطوط.

١٢١

قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٧٣) مِنْ دُونِ اللهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ الْكافِرِينَ (٧٤) ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (٧٥) ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٦) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ (٧٧) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ (٧٨))

(اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٦١) ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٦٢) كَذلِكَ) ، يعني كما أفكتم عن الحق مع قيام الدلائل كذلك ، (يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ).

(اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً) ، فراشا ، (وَالسَّماءَ بِناءً) ، سقفا كالقبة ، (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) ، قال مقاتل : خلقكم فأحسن خلقكم. قال ابن عباس : خلق ابن آدم قائما معتدلا يأكل ويتناول بيده ، وغير ابن آدم يتناول بفيه. (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) ، قيل : هو من غير رزق الدواب (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٦٥)) ، قال الفراء : هو خبر وفيه إضمار الأمر ، مجازه : فادعوه واحمدوه. وروي عن مجاهد عن ابن عباس قال : من قال لا إله إلّا الله فليقل على إثرها الحمد لله رب العالمين ، فذلك قوله عزوجل : (فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).

(قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٦٦)) ، وذلك حين دعي إلى الكفر.

(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) ، أي أطفالا ، (ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ) ، أي من قبل أن يصير شيخا ، (وَلِتَبْلُغُوا) ، جميعا ، (أَجَلاً مُسَمًّى) ، وقتا معلوما محدودا لا تجاوزونه ، يريد أجل الحياة إلى الموت ، (وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) ، أي لكي تعقلوا توحيد ربكم وقدرته.

(هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٦٨) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ) ، يعني القرآن يقولون ليس من عند الله ، (أَنَّى يُصْرَفُونَ) ، كيف يصرفون عن دين الحق. قيل : هم المشركون. وعن محمد بن سيرين وجماعة : إنها نزلت في القدرية.

(الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٧٠) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (٧١)) ، يجرون.

(فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (٧٢)) ، قال مقاتل : توقد بهم النار. وقال مجاهد : يصيرون وقودا للنار.

(ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٧٣) مِنْ دُونِ اللهِ)؟ يعني الأصنام ، (قالُوا ضَلُّوا عَنَّا) ، فقدناهم فلا نراهم ، (بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً) ، قيل : أنكروا. وقيل : معناه بل لم نكن ندعوا من قبل شيئا

١٢٢

ينفع ويضر. وقال الحسين بن الفضل : أي لم نكن نصنع من قبل شيئا أي ضاعت عبادتنا لها ، كما يقول من ضاع عمله : ما كنت أعمل شيئا. قال الله عزوجل : (كَذلِكَ) أي كما أضل هؤلاء ، (يُضِلُّ اللهُ الْكافِرِينَ).

(ذلِكُمْ) العذاب الذي نزل بكم ، (بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ) تبطرون وتأشرون ، (فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ) تفرحون وتختالون.

(ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٦) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ) ، بنصرك ، (حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) ، من العذاب في حياتك ، (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ) ، قبل أن يحل ذلك بهم ، (فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ).

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ) ، خبرهم في القرآن ، (وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) ، بأمر الله وإرادته (فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ) ، قضاؤه بين الأنبياء والأمم ، (قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ).

(اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٧٩) وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٨٠) وَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ (٨١) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٨٣) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ (٨٥))

(اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها) [أي](١) ، بعضها ، (وَمِنْها تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ) ، في أصوافها وأوبارها وأشعارها وألبانها. (وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ) ، تحمل أثقالكم من بلد إلى بلد ولتبلغوا عليها حاجاتكم ، (وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) ، أي على الإبل في البر وعلى السفن في البحر ، نظيره قوله تعالى : (وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) [الإسراء : ٧٠].

(وَيُرِيكُمْ آياتِهِ) ، دلائل قدرته ، (فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ).

(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ) ، يعني مصانعهم وقصورهم ، (فَما أَغْنى عَنْهُمْ) ، لم ينفعهم ، (ما كانُوا يَكْسِبُونَ) وقيل : هو بمعنى الاستفهام ، ومجازه : أي شيء أغنى عنهم كسبهم.

(فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا) ، رضوا ، (بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) ، قال مجاهد هو قولهم نحن أعلم لن نبعث ولن نعذب ، سمي ذلك علما أعلى ما يدعونه وهو في الحقيقة جهل. (وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ) (٨٤) ، يعني تبرأنا مما كنا نعدل بالله.

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

١٢٣

(فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) ، عذابنا ، (سُنَّتَ اللهِ) ، قيل (١) نصبها بنزع الخافض ، أي كسنة الله. وقيل : على المصدر. وقيل : على الإغراء أي احذروا سنة الله ، (الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ) ، وتلك السنة أنهم إذا عاينوا عذاب الله آمنوا ، ولا ينفعهم إيمانهم عند معاينة العذاب. (وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ) ، بذهاب الدارين (٢) ، قال الزجاج : الكافر خاسر في كل وقت ، ولكنهم يتبين لهم خسرانهم إذا رأوا العذاب.

سورة فصلت

مكية وهي أربع وخمسون آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٢) كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣) بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٤) وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ (٥) قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٧))

(حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٢)) ، قال الأخفش : تنزيل مبتدأ وخبره قوله عزوجل.

(كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ) بينت آياته (قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) ، اللسان العربي ولو كان بغير لسانهم ما علموه ، ونصب (٣) قرآنا بوقوع البيان عليه أي فصلناه قرآنا.

(بَشِيراً وَنَذِيراً) ، نعتان للقرآن أي بشيرا لأولياء الله ونذيرا لأعدائه ، (فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) ، أي لا يصغون إليه تكبرا.

(وَقالُوا) ، يعني مشركي مكة (قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ) ، في أغطية ، (مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ) ، فلا نفقه ما تقول ، (وَفِي آذانِنا وَقْرٌ) ، صمم فلا نسمع ما تقول ، والمعنى : إنا في ترك القبول عنك (٤) بمنزلة من لا يفهم ولا يسمع ، (وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) ، خلاف في الدين (٥) وحاجز في النحلة (٦) فلا نوافقك على ما تقول ، (فَاعْمَلْ) ، أنت على دينك ، (إِنَّنا عامِلُونَ) ، على ديننا.

(قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) ، يعني كواحد منكم ولو لا الوحي ما دعوتكم ، وهو قوله : (يُوحى إِلَيَّ

__________________

(١) في المطبوع «قال» والمثبت عن المخطوط.

(٢) في المطبوع «بذهاب نعيم الدارين» والمثبت عن «ط» والمخطوط.

(٣) في المطبوع «نصيب» والمثبت عن المخطوط.

(٤) في المطبوع «عندك» والمثبت عن المخطوط.

(٥) في المخطوط (ب): «فى الدنيا» والمثبت عن ط والمخطوط (أ)

(٦) في المطبوع «الملة» والمثبت عن المخطوط.

١٢٤

أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) ، قال الحسن : علمه الله التواضع ، (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ) ، توجهوا إليه بالطاعة (١) ولا تميلوا عن سبيله ، (وَاسْتَغْفِرُوهُ) ، من ذنوبكم ، (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ).

(الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) ، قال ابن عباس : الذين [لا](٢) يقولون لا إله إلّا الله وهي زكاة الأنفس ، والمعنى : لا يطهرون أنفسهم من الشرك بالتوحيد. وقال الحسن وقتادة : لا يقرون بالزكاة ولا ترون إيتاءها «في» (٣) واجبا ، وكان يقال (٤) : الزكاة قنطرة الإسلام فمن قطعها نجا ومن تخلف عنها هلك. وقال الضحاك ومقاتل : لا ينفقون في الطاعة ولا يتصدقون. وقال مجاهد : لا يزكون أعمالهم (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ).

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٨) قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (١٠) ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (١١))

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) (٨) ، قال ابن عباس : غير مقطوع. وقال مقاتل : غير منقوص ، ومنه [كأس](٥) المنون لأنه ينقص منه الإنسان وقوته (٦) ، وقيل : غير ممنون عليهم به. وقال مجاهد : غير محسوب.

وقال السدي : نزلت هذه الآية في المرضى والزمني والهرمي ، إذا عجزوا عن الطاعة يكتب لهم [الأجر](٧) كأصح ما كانوا يعلمون فيه.

[١٨٦١] أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو الحسين بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا

__________________

[١٨٦١] ـ صحيح. إسناده حسن لأجل عاصم بن أبي النجود ، لكن توبع وللحديث شواهد.

ـ عبد الرزاق بن همام ، معمر بن راشد.

ـ وهو في «شرح السنة» ١٤٢٣ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «مصنف عبد الرزاق» ٢٠٣٠٨ عن معمر به.

ـ وأخرجه أحمد ٢ / ٢٠٣ من طريق عبد الرزاق بهذا الإسناد.

وذكره الهيثمي في «المجمع» ٢ / ٣٠٣ وقال : وإسناده حسن.

ـ وورد من وجه آخر عن عبد الله بن عمرو مرفوعا بنحوه ولفظه «ما من أحد من الناس يصاب ببلاء في جسده إلّا أمر الله عزوجل الملائكة الذين يحفظونه قال : اكتبوا لعبدي في كل يوم وليلة ما كان يعمل من خير ما كان في وثاقي».

أخرجه أحمد ٢ / ١٥٩ والحاكم ١ / ٣٤٨ وصححه ، ووافقه الذهبي وقال الهيثمي : رواه أحمد والبزار والطبراني في «الكبير» ، ورجال أحمد رجال الصحيح.

ـ وللحديث شواهد منها :

ـ حديث أبي موسى «إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا».

ـ أخرجه البخاري ٢٩٩٦ وأبو داود ٣٠٩١ وأحمد ٤ / ٤١٠ والحاكم ١ / ٣٤١ ابن حبان ٢٩٢٩ والبيهقي ٣ / ٣٧٤.

(١) في المطبوع «الطاعة» والمثبت عن المخطوط (أ)

(٢) سقط من المطبوع.

(٣) في المخطوط (ب) «إتيانها» والمعنى واحد.

(٤) في المطبوع «قال» والمثبت عن ط والمخطوط.

(٥) زيادة عن المخطوط.

(٦) كذا في المطبوع وط والمخطوط (ب) ، وفي المخطوط (أ): «لأنه ينقص من الإنسان قوته».

(٧) زيادة عن المخطوط.

١٢٥

أحمد بن منصور الرمادي (١) ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن عاصم بن أبي النجود عن خيثمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة ثم مرض قيل للملك الموكل به اكتب له مثل عمله إذا كان طليقا حتى أطلقه أو أكفته إليّ».

قوله عزوجل : (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) ، يوم الأحد والاثنين ، (وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ).

(وَجَعَلَ فِيها) أي في الأرض ، (رَواسِيَ) جبالا ثوابت ، (مِنْ فَوْقِها) ، من فوق الأرض ، (وَبارَكَ فِيها) ، أي في الأرض بما خلق فيها من البحار والأنهار والأشجار والثمار ، (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها).

قال الحسن ومقاتل : قسم في الأرض أرزاق العباد والبهائم. وقال عكرمة والضحاك : قدّر في كل بلدة ما لم يجعله في [البلدة] الأخرى ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة من بلد إلى بلد. قال الكلبي قدر الخبز لأهل قطر [والتمر لأهل قطر](٢) والذرة لأهل قطر والسمك لأهل قطر وكذلك أقواتها. (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) ، يريد خلق ما في الأرض وقدر الأقوات في يومين يوم الثلاثاء والأربعاء فهما مع الأحد والاثنين أربعة أيام ، رد الآخر على الأول في الذكر ، كما تقول : تزوجت أمس امرأة واليوم ثنتين وإحداهما هي التي تزوجها بالأمس.

(سَواءً لِلسَّائِلِينَ) قرأ أبو جعفر (سَواءً) رفع على الابتداء ، أي هي سواء ، وقرأ يعقوب بالجر على نعت قوله : (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ) ، وقرأ الآخرون (سَواءً) نصب على المصدر استوت [سواء و](٣) استواء ، ومعناه : سواء للسائلين عن ذلك. قال قتادة والسدي : من سأل عنه فهكذا الأمر سواء لا زيادة ولا نقصان جوابا لمن سأل في كم خلقت الأرض والأقوات.

(ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) ، أي : عمد إلى خلق السماء ، (وَهِيَ دُخانٌ) ، وكان ذلك الدخان بخار الماء ، (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) ، أي ائتيا ما آمركما أي افعلاه ، كما يقال : ائت من هذا الأحسن أي افعله.

وقال طاوس عن ابن عباس : «ائتيا [طائعين](٤) أعطيا [قالتا أتينا طائعين](٥) يعني أخرجا (٦) ما خلقت فيكما من المنافع لمصالح العباد.

قال ابن عباس : قال الله عزوجل : أما أنت يا سماء فأطلعي شمسك وقمرك ونجومك ، وأنت يا أرض فشقي أنهارك وأخرجي ثمارك ونباتك ، وقال لهما : افعلا ما آمركما طوعا وإلّا ألجأتكما إلى ذلك

__________________

ـ وحديث أنس «إذا ابتلى الله عزوجل العبد المسلم ببلاء في جسده قال الله عزوجل للملك : اكتب له صالح عمله الذي كان يعمل به ...».

ـ أخرجه أحمد ٣ / ٢٥٨ وأبو يعلى ٤٢٣٣ و ٤٢٣٥ ورجاله ثقات كما في «المجمع» ٢ / ٢٠٤.

(١) في المخطوط (ب) «الزيادي».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) زيادة عن المخطوط (ب)

(٥) زيادة عن المخطوط (ب) والمخطوط (أ)

(٦) في المطبوع «أخرجاه» والمثبت عن المخطوط.

١٢٦

حتى تفعلاه كرها فأجابتا بالطوع ، و (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) ، ولم يقل طائعتين لأنه ذهب به إلى السموات والأرض ومن فيهن ، مجازه : أتينا بما فينا طائعين ، فلما وصفهما بالقول أجراهما في الجمع مجرى من يعقل.

(فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (١٢) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (١٣) إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (١٤) فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (١٥) فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ (١٦) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٧))

(فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) ، أي أتمهن وفرغ من خلقهن ، (وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها) ، قال عطاء عن ابن عباس : خلق في كل سماء خلقها من الملائكة وما فيها من البحار وجبال البرد وما لا يعلمه إلا الله. وقال قتادة والسدي : يعني خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها. وقال مقاتل : وأوحى إلى كل سماء ما أراد من الأمر والنهي ، وذلك يوم الخميس والجمعة. (وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) ، وكواكب ، (وَحِفْظاً) ، لها ونصب حفظا على المصدر ، أي حفظناها بالكواكب حفظا من الشياطين الذين يسترقون السمع ، (ذلِكَ) ، الذي ذكر من صنعه ، (تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ) ، في ملكه ، (الْعَلِيمِ) ، بخلقه.

قوله عزوجل : (فَإِنْ أَعْرَضُوا) ، يعني هؤلاء المشركين عن الإيمان بعد هذا البيان ، (فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ) ، خوّفتكم ، (صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) ، أي هلاكا مثل هلاكهم ، والصاعقة المهلكة من كل شيء.

(إِذْ جاءَتْهُمُ) ، يعني عادا وثمودا ، (الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) ، أراد بقوله : (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) الرسل الذين أرسلوا إلى آبائهم من قبلهم ، (وَمِنْ خَلْفِهِمْ) يعني من بعد الرسل الذين أرسلوا إلى آبائهم الذين أرسلوا إليهم هود وصالح ، فالكناية في قوله (مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ) راجعة إلى عاد وثمود وفي قوله (وَمِنْ خَلْفِهِمْ) راجعة إلى الرسل ، (أَلَّا) ، بأن لا ، (تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ) ، بدل هؤلاء الرسل ، (مَلائِكَةً) ، أي لو شاء ربنا دعوة الخلق لأنزل ملائكة ، (فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ).

[١٨٦٢] أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي ثنا عبد الله بن حامد (١) الأصفهاني ثنا أحمد بن

__________________

[١٨٦٢] ـ حديث حسن بشواهده. إسناده ضعيف لضعف الحماني ، وهو يحيى بن عبد الحميد ، لكن توبع عند أبي يعلى وغيره ، وفيه الأجلح وثقه ابن معين وغيره ، وضعفه النسائي وغيره ، قاله الهيثمي في «المجمع» ٦ / ٢٠.

ـ ابن فضيل هو محمد ، الأجلح هو ابن عبد الله.

ـ وأخرجه البيهقي في «الدلائل» ٢ / ٢٠٢ ـ ٢٠٤ من طريق يحيى بن معين عن محمد بن فضيل بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه أبو يعلى ١٨١٨ من وجه آخر عن علي بن مسهر به.

ـ وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف» ١٤ / ٢٩٥ ومن طريقه عبد بن حميد في «المنتخب» ١١٢٣ وأبو نعيم ١٨٢ ، عن علي بن مسهر عن الأجلح بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الحاكم ٢ / ٢٥٣ من وجه آخر عن جعفر بن عون عن الأجلح به ، وصححه ، ووافقه الذهبي ، وقال الحافظ ابن كثير ٤ / ١٠٧ ـ ١٠٨ : سياق البغوي أشبه من سياق البزار وأبي يعلى ، وانظر ما بعده.

(١) في المخطوط (ب) «خالد» والمثبت عن «ط» والمخطوط (أ)

١٢٧

محمد بن يحيى العبدي (١) أنا أحمد بن مجدة بن العريان ثنا الحماني ثنا ابن فضيل (٢) عن الأجلح عن الذيال بن حرملة عن جابر بن عبد الله قال : قال الملأ : من قريش وأبو جهل : قد التبس علينا أمر محمد فلو التمستم رجلا عالما بالشعر والكهانة والسحر ، فأتاه فكلّمه ثم أتانا ببيان من أمره ، فقال عتبة بن ربيعة : والله لقد سمعت الشعر والكهانة والسحر وعلمت من ذلك علما وما يخفى علي إن كان كذلك أو لا ، فأتاه فلما خرج إليه قال : فقال أنت يا محمد خير (٣) أم هاشم؟ أنت خير أم عبد المطلب؟ أنت خير أم عبد الله؟ فيم تشتم آلهتنا؟ وتضلل آباءنا فإن كنت تريد (٤) الرئاسة عقدنا لك ألويتنا فكنت رأسا ما بقيت ، وإن كان بك الباءة زوّجناك عشر نسوة تختار من أي بنات قريش؟ وإن كان بك المال جمعنا لك ما تستغني أنت وعقبك من بعدك؟ ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ساكت لا يتكلم ، فلما فرغ قرأ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : بسم الله الرحمن الرحيم (حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٢) كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ) ، إلى قوله (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) (١٣) ، الآية فأمسك عتبة على فيه وناشده بالرحم ورجع إلى أهله ، ولم يخرج إلى قريش فاحتبس عنهم فقال أبو جهل : يا معشر قريش والله ما نرى عتبة إلّا قد صبأ إلى دين محمد ، وقد أعجبه طعامه وما ذاك إلا من حاجة أصابته ، فانطلقوا بنا إليه ، فانطلقوا إليه ، فقال أبو جهل : والله يا عتبة ما حبسك عنّا إلّا أنك صبوت إلى دين محمد وأعجبك طعامه ، فإن كانت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد ، فغضب عتبة وأقسم أن لا يكلم محمدا أبدا ، وقال : والله لقد علمتم أني من أكثر قريش مالا ولكني أتيته وقصصت عليه القصة فأجابني بشيء ، والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر ، وقرأ السورة إلى قوله : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) (١٣) الآية فأمسكت بفيه وناشدته بالرحم أن يكف ، وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب ، فخفت أن ينزل بكم العذاب.

[١٨٦٣] وقال محمد بن كعب القرظي : حدّثت أن عتبة بن ربيعة كان سيدا حليما ، قال يوما وهو جالس في نادي قريش ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جالس وحده في المسجد : يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد وأكلمه وأعرض عليه أمورا لعله يقبل منا بعضها ، فنعطيه ويكف عنا ، وذلك حين أسلم حمزة ورأوا أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يزيدون ويكثرون ، فقالوا : بلى يا أبا الوليد فقم إليه فكلمه ، فقام عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : يا ابن أخي إنك منّا حيث علمت من البسطة في العشيرة والمكان في النسب ، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم ، فرقت جماعتهم وسفهت أحلامهم ، وعبت آلهتهم وكفّرت من مضى من آبائهم ، فاسمع مني أعرض عليك أمورا تنظر فيها ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : قل يا أبا الوليد ، فقال : يا ابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون [من](٥) أكثرنا مالا ، وإن كنت تريد شرفا سوّدناك علينا ،

__________________

[١٨٦٣] ـ حسن. أخرجه البيهقي في «الدلائل» ٢ / ٢٠٤ ـ ٢٠٥ عن محمد بن كعب مرسلا ، والمرسل من قسم الضعيف ، لكن يشهد لأصله ما قبله ، وله شاهد من حديث ابن عمر ، أخرجه أبو نعيم ١٨٥ والبيهقي ٢ / ٢٠٥ كلاهما في «الدلائل» ، وفيه داود بن زرعة ، لين الحديث ، لكن يصلح للاعتبار بحديثه ، فالحديث حسن إن شاء الله مع خلاف في بعض ألفاظه حيث ورد بألفاظ متقاربة ، وانظر «الكشاف» ٩٨٥ و «فتح القدير» ٢٢٠٣ وكلاهما بتخريجي.

(١) في المطبوع «العبيدي» والمثبت عن المخطوط.

(٢) في المخطوط (ب) «ثنا فضيل».

(٣) في المخطوط «فقال : أنت يا محمد خير» والمعنى واحد.

(٤) في المخطوط (أ) «تتمنّى» وفي المخطوط (ب) «إنما بك» والمثبت عن المطبوع و «ط».

(٥) زيادة عن المخطوط.

١٢٨

وإن كان هذا الذي بك رئيا (١) تراه لا تستطيع رده طلبنا لك الطب ، ولعل هذا شعر جاش به صدرك ، فإنكم لعمري بني عبد المطلب تقدرون من ذلك على ما لا يقدر عليه غيركم (٢) ، حتى إذا فرغ ما عنده من سائر الأمور التي يزعم أنها تردّه عمّا يقول فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أوقد (٣) فرغت يا أبا الوليد؟ قال : نعم ، قال : فاستمع مني ، قال : أفعل (٤) ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : بسم الله الرحمن الرحيم (حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٢) كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) ، ثم مضى فيها يقرأ فلما سمعها عتبة أنصت له وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما يستمع منه حتى انتهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى السجدة فسجد ، ثم قال : قد سمعت يا أبا الوليد فأنت وذاك ، فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض : نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به ، فلما جلس إليهم قالوا : وما وراءك يا أبا الوليد؟ فقال : ورائي أني قد سمعت قولا والله ما سمعت بمثله قط ، ما هو بالشعر ولا السحر ولا الكهانة يا معشر قريش ، أطيعوني خلوا ما بين هذا الرجل وبين ما هو فيه واعتزلوه ، فو الله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ [عظيم](٥) فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم ، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزّه عزكم ، فأنتم أسعد الناس به ، فقالوا : سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه ، قال [والله ما سحرني](٦) : هذا رأيي لكم ، فاصنعوا ما بدا لكم.

قوله عزوجل : (فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) ، وذلك أن هودا هددهم بالعذاب ، فقالوا : من أشد منّا قوة ، ونحن نقدر على دفع العذاب عنّا بفضل قوتنا ، وكانوا ذوي أجسام (٧) طوال ، قال الله تعالى ردا عليهم : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ).

(فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً) ، عاصفا (٨) شديدة الصوت ، من الصرة وهي الصيحة. وقيل : هي الباردة من الصر وهو البرد ، (فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ) ، قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب (نَحِساتٍ) بسكون الحاء ، وقرأ الآخرون بكسرها أي نكدات مشئومات (٩) ذات نحوس. وقال الضحاك : أمسك الله عنهم المطر ثلاث سنين دأبت (١٠) الرياح عليهم [عسرات](١١) من غير مطر ، (لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ) ، أي عذاب الهون والذل ، (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى) ، أشد إهانة (وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ).

(وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) ، دعوناهم ، قاله مجاهد ، وقال ابن عباس : بينا لهم سبيل الهدى. وقيل : دللناهم على الخير والشر ، كقوله (هَدَيْناهُ السَّبِيلَ) [الإنسان : ٣] ، (فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) ، فاختاروا الكفر على الإيمان ، (فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ) ، أي مهلكة العذاب ، (الْهُونِ) ، أي ذي الهون (١٢) أي الهوان وهو الذي يهينهم ويجزيهم ، (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ).

(وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (١٨) وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٩) حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ

__________________

(١) في المخطوط (ب) «رءيّ» وفي المخطوط (أ) «رايا».

(٢) في المخطوط (ب) «تقدرون على ذلك ما لم يقدر عليه غيركم» وفي المخطوط (أ) «تقدرون من ذلك على ما لا يقدر عليه حتى إذا فرغ».

(٣) في المخطوط (ب) «لقد» وفي المخطوط (أ) «قد».

(٤) في المطبوع «فافعل» والمثبت عن المخطوط.

(٥) زيادة عن المخطوط.

(٦) زيادة عن المخطوط (ب)

(٧) في المخطوط (ب) «أجساد» والمثبت عن «ط» والمخطوط (أ)

(٨) في المطبوع «عاصفة» والمثبت عن المخطوط.

(٩) في المطبوع والمخطوط (ب) «مشومات» وفي المخطوط (أ) «مستويات» والمثبت عن «ط».

(١٠) في المطبوع «دامت» والمثبت عن المخطوط.

(١١) زيادة عن المخطوط (ب)

(١٢) في المخطوط (ب) «الهوان».

١٢٩

عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٠) وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢١) وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ (٢٢) وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ (٢٤))

(وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (١٨) وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ) ، قرأ نافع ويعقوب : نحشر بالنون ، (أَعْداءُ) نصب ، وقرأ الآخرون بالياء ورفعها وفتح الشين (أَعْداءُ) رفع أي يجمع إلى النار ، (فَهُمْ يُوزَعُونَ) ، يساقون ويدفعون إلى النار ، وقال قتادة والسدي : يحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا.

(حَتَّى إِذا ما جاؤُها) ، جاءوا النار (شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ) ، أي بشراتهم ، (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) ، وقال السدي وجماعة : المراد بالجلود الفروج. وقال مقاتل : تنطق جوارحهم بما كتمت الألسن من عملهم.

(وَقالُوا) ، يعني الكفار الذين يحشرون إلى النار ، (لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) ، تم الكلام هاهنا. وقال الله تعالى : (وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) ، وليس هذا من جواب الجلود ، (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).

(وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ) ، أي تستخفون عند أكثر أهل العلم. وقال مجاهد : تتقون. وقال قتادة تظنون (أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ)(١).

[١٨٦٤] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا الحميدي أنا سفيان أنا منصور عن مجاهد عن أبي معمر عن عبد الله بن مسعود ، قال اجتمع عند البيت ثقفيان وقرشي ، أو قرشيان وثقفي كثير شحم بطونهم قليل فقه قلوبهم ، فقال أحدهم : أترون أن الله يسمع ما نقول؟ قال الآخر : يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا ، وقال الآخر : إن كان يسمع

__________________

[١٨٦٤] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري.

ـ الحميدي عبد الله بن الزبير ، سفيان بن عيينة ، منصور بن المعتمر ، مجاهد بن جبر ، أبو معمر ، هو عبد الله بن سخيرة.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٤٨١٧ عن الحميدي بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٤٨١٦ و ٧٥٢١ ومسلم ٢٧٧٥ والترمذي ٣٢٤٥ والطيالسي ١٩٧٢ والنسائي في «التفسير» ٤٨٨ والطبري ٣٠٤٩٦ والبيهقي في «الأسماء والصفات» ١٧٧ والواحدي في «أسباب النزول» ٧٣٢ من طرق عن منصور به.

ـ وأخرجه مسلم ٢٧٧٥ وأحمد ١ / ٣٨١ و ٤٢٦ و ٤٤٢ و ٤٤٤ ، وأبو يعلى ٥٢٠٤ والطبري ٣٠٤٩٧ والواحدي في «أسباب النزول» ٧٣٣ من طريق الأعمش عن عمارة عن عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود به.

ـ وأخرجه الحميدي ٨٧ من طريق سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد به.

(١) تصحّف في المطبوع إلى «تعلمون».

١٣٠

إذا جهرنا فإنه يسمع إذا أخفينا ، فأنزل الله (١) تعالى : (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ) (٢٢) (٢).

قيل : الثقفي وعبديا ليل وختناه القرشيان ربيعة وصفوان بن أمية.

قوله تعالى : (وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ) ، أهلككم ، أي ظنكم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون (٣) ، (أَرْداكُمْ) ، قال ابن عباس : طرحكم في النار ، (فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) ، ثم أخبر عن حالهم فقال :

(فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) ، مسكن لهم ، (وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا) ، يسترضوا ويطلبوا العتبى ، (فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) ، المرضين ، والمعتب الذي قبل عتابه وأجيب إلى ما سأل ، يقال : أعتبني فلان أي أرضاني بعد إسخاطه إياي ، واستعتبه طلبت منه أن يعتب أي يرضى.

(وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (٢٥) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (٢٦) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٧) ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (٢٨) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (٢٩))

(وَقَيَّضْنا لَهُمْ) ، أي بعثنا ووكلنا ، وقال مقاتل : هيأنا. وقال الزجاج : سببنا لهم. (قُرَناءَ) ، نظراء من الشياطين حتى أضلوهم ، (فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) ، من أمر الدنيا حتى آثروه على الآخرة ، (وَما خَلْفَهُمْ) ، من أمر الآخرة فدعوهم إلى التكذيب به وإنكار البعث ، (وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ) ، مع أمم ، (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ).

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، من مشركي قريش ، (لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ) ، قال ابن عباس : يعني : الغطوا فيه ، وكان بعضهم يوصي إلى بعض إذا رأيتم (٤) محمدا يقرأ فعارضوه بالرجز والشعر واللغو. قال مجاهد : والغوا فيه بالمكاء والصفير. وقال الضحاك : أكثروا الكلام فيختلط عليه ما يقول ، وقال السدي : صيحوا في وجهه. (لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) ، محمدا على قراءته.

(فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي) ، يعني بأسوإ الذي ، أي بأقبح الذي ، (كانُوا يَعْمَلُونَ) ، في الدنيا وهو الشرك بالله.

(ذلِكَ) ، الذي ذكرت من العذاب الشديد ، (جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ) ، ثم بين ذلك الجزاء فقال : (النَّارُ) ، أي هو النار ، (لَهُمْ فِيها) ، أي في النار ، (دارُ الْخُلْدِ) ، دار الإقامة لا انتقال منها ، (لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ)(جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ).

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، أي في النار يقولون ، (رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) ، يعنون إبليس

__________________

(١) تصحّف في المطبوع إلى «أو تعالى».

(٢) تصحفت في المطبوع إلى «تعلمون».

(٣) في المطبوع «تعلمون» والمثبت عن المخطوط.

(٤) في المخطوط (أ) «سمعتم» والمثبت عن المخطوط (ب) وط.

١٣١

وقابيل بن آدم الذي قتل أخاه لأنهما سنّا المعصية ، (نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا) ، في النار ، (لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ) ، ليكونا في الدرك الأسفل من النار. قال ابن عباس : ليكونا أشد عذابا منّا.

(إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٣٠) نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ (٣١) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (٣٢) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٣))

قوله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) ، سئل أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه عن الاستقامة فقال : أن لا تشرك بالله شيئا.

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي ، ولا تروغ روغان الثعلب.

وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه : أخلصوا العمل لله.

وقال علي رضي الله عنه : أدّوا الفرائض.

وقال ابن عباس : استقاموا على أداء الفرائض.

وقال الحسن : استقاموا على أمر الله تعالى فعملوا بطاعته واجتنبوا معصيته.

وقال مجاهد وعكرمة استقاموا على شهادة أن لا إله إلّا الله حتى لحقوا بالله.

وقال مقاتل : استقاموا على المعرفة ولم يرتدوا.

وقال قتادة : كان الحسن إذا تلا هذه الآية قال : اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة.

قوله عزوجل : (تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ) ، قال ابن عباس : عند الموت. وقال قتادة ومقاتل : إذا قاموا من قبورهم. قال وكيع بن الجراح : البشرى تكون في ثلاث مواطن : عند الموت وفي القبر وعند البعث (أَلَّا تَخافُوا) ، من الموت. وقال مجاهد : لا تخافوا على ما تقدمون عليه من أمر الآخرة. (وَلا تَحْزَنُوا) ، على ما خلفتم من أهل وولد ، فإنا نخلفكم في ذلك كله. وقال عطاء بن أبي رباح : لا تخافوا ولا تحزنوا على ذنوبكم فإني أغفرها لكم ، (وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ).

(نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ) ، تقول لهم الملائكة الذين تتنزل (١) عليهم بالبشارة نحن أولياؤكم أنصاركم وأحباؤكم ، (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) ، أي في الدنيا والآخرة. وقال السدي : تقول الملائكة نحن الحفظة الذين كنا معكم في الدنيا ، ونحن أولياؤكم في الآخرة يقولون لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنة. (وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ) ، من الكرامات واللذات ، (وَلَكُمْ فِيها) ، في الجنة (ما تَدَّعُونَ) ، تتمنون.

(نُزُلاً) ، رزقا ، (مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) قوله عزوجل : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللهِ) ، إلى طاعة الله (٢) ، (وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ، قال ابن سيرين [والسدي](٣) وابن عباس : هو

__________________

(١) في المطبوع «تنزل» والمثبت عن المخطوط (ب)

(٢) في المطبوع «طاعته» والمثبت عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

١٣٢

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دعا إلى شهادة أن لا إله إلّا الله. وقال الحسن : هو المؤمن الذي أجاب الله في دعوته ، ودعا الناس إلى ما أجاب إليه ، وعمل صالحا في إجابته ، وقال : إنني من المسلمين. وقالت عائشة : أرى هذه الآية نزلت في المؤذنين. وقال عكرمة : هو المؤذن [وقال](١) أبو أمامة الباهلي : وعمل صالحا صلى ركعتين بين الأذان والإقامة. وقال قيس بن أبي حازم : هو الصلاة بين الأذان والإقامة.

[١٨٦٥] أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن العباس الحميدي (٢) أنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن أيوب الطوسي ثنا أبو يحيى بن أبي مسرّة (٣) ثنا عبد الله بن يزيد (٤) المقري ثنا كهمس بن الحسن عن عبد الله بن بريدة عن عبد الله بن المغفل قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بين كل أذانين صلاة» ، ثلاث مرات ثم قال في الثالثة : «لمن شاء».

[١٨٦٦] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أبو منصور السمعاني ثنا أبو جعفر الرياني ثنا حميد بن زنجويه ثنا محمد بن يوسف ثنا سفيان عن زيد العمي عن أبي إياس معاوية بن قرة عن أنس بن مالك قال سفيان : لا أعلمه إلّا وقد رفعه [إلى](٥) النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا يردّ الدعاء بين الأذان والإقامة».

(وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (٣٤) وَما يُلَقَّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (٣٥) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ

__________________

[١٨٦٥] ـ صحيح ، عبد الله المقري فمن فوقه رجال البخاري ، ومسلم ، ومن دونه توبعوا.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤٣١ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٦٢٧ والبيهقي ٢ / ٤٧٢ من طريق عبد الله بن يزيد عن كهمس.

ـ وأخرجه مسلم ٨٣٨ والترمذي ١٨٥ وابن ماجه ١١٦٢ وابن أبي شيبة ٢ / ٣٥٦ وأحمد ٥ / ٥٤ من طريق وكيع عن كهمس به.

ـ وأخرجه مسلم ٨٣٨ والدار قطني ١ / ٢٦٦ من طريق أبي أسامة وابن حبان ١٥٥٩ من طريق ابن المبارك كلاهما عن كهمس به.

ـ وأخرجه النسائي ١ / ٢٨ وأحمد ٤ / ٨٦ من طريق يحيى بن سعيد عن كهمس به.

ـ وأخرجه أحمد ٥ / ٥٤ و ٥٦ و ٥٧ وأبو عوانة ٢ / ٣٢ و ٢٦٥ والدار قطني ١ / ٢٦٦ من طرق عن كهمس به.

[١٨٦٦] ـ صحيح. إسناده ضعيف لضعف زيد العمّيّ ، لكن توبع وللحديث شواهد ، فهو صحيح.

ـ سفيان هو ابن سعيد الثوري ؛ زيد هو ابن الحواري ، أبو الحواري.

ـ وهو في «شرح السنة» ٤٢٦ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه أبو داود ٥٢١ والترمذي ٢١٢ و ٣٥٩٤ و ٣٥٩٥ والنسائي في «عمل اليوم والليلة» ٦٨ و ٦٩ وعبد الرزاق ١٩٠٩ وابن أبي شيبة ١٠ / ٢٢٥ وأحمد ٣ / ١١٩ والبيهقي ١ / ٤١٠ من طرق عن سفيان به.

وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.

ـ وأخرجه النسائي في «اليوم والليلة» ٦٧ وابن أبي شيبة ١٠ / ٢٢٦ وأحمد ٣ / ١٥٥ و ٢٥٤ وابن خزيمة ٤٢٥ و ٤٢٧ وابن حبان ١٦٩٦ من طرق عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم السلولي عن أنس مرفوعا. وإسناده صحيح ، رجاله رجال البخاري ومسلم غير بريد ، وهو ثقة.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) تصحف في المطبوع إلى «الحيدي».

(٣) في المطبوع «ميسرة» والمثبت عن «شرح السنة» وكتب التراجم.

(٤) في المطبوع «زيد» وفي المخطوط (ب) «بن أبي يزيد» والمثبت عن «شرح السنة» والمخطوط (أ)

(٥) زيادة عن المخطوط.

١٣٣

هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٦) وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (٣٧) فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ (٣٨))

قوله عزوجل : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ) ، قال الفراء : (لا) هاهنا صلة ، معناه : ولا تستوي الحسنة والسيئة ، يعني الصبر والغضب ، والحلم والجهل ، والعفو والإساءة. (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) ، قال ابن عباس أمر بالصبر عند الغضب ، وبالحلم عند الجهل ، وبالعفو عند الإساءة. (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ) ؛ يعني إذا فعلت ذلك خضع لك عدوك وصار الذي بينك وبينه عداوة ، (كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) ، كالصديق القريب (١).

قال مقاتل بن حيان : نزلت في أبي سفيان بن حرب ، وذلك أنه لأن للمسلمين بعد شدة عداوته بالمصاهرة التي حصلت بينه وبين النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم أسلم فصار وليا بالإسلام ، حميما بالقرابة.

(وَما يُلَقَّاها) ، ما يلقى هذه الخصلة وهي دفع السيئة بالحسنة ، (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) ، على كظم الغيظ واحتمال المكروه ، (وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) ، في الخير والثواب ، وقال قتادة : الحظ العظيم الجنة ، أي ما يلقاها إلّا من وجبت له الجنة.

(وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ) ، لاستعاذتك وأقوالك (الْعَلِيمُ) ، بأفعالك وأحوالك.

قوله : (وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَ) ، إنما قال (خَلَقَهُنَ) بالتأنيث لأنه أجراها على طريق جمع التكسير ، ولم يجرها على طريق التغليب للمذكر على المؤنث ، (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ).

(فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا) ، عن السجود ، (فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ) ، يعني الملائكة (يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ) ، لا يملون ولا يفترون.

(وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٣٩) إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤٠) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ (٤١) لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢) ما يُقالُ لَكَ إِلاَّ ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ (٤٣))

(وَمِنْ آياتِهِ) ، دلائل قدرته ، (أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً) ، يابسة غبراء لا إنبات فيها ، (فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

(إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا) ، يميلون عن الحق في أدلتنا ، قال مجاهد : يلحدون في آياتنا بالمكاء

__________________

(١) زيد في المطبوع «و» بين «الصديق» و «القريب» وليس هو في المخطوطتين.

١٣٤

والتصدية واللغو واللغط. قال قتادة : يكذبون في آياتنا. قال السدي : يعاندون ويشاقون [لا تخفون علينا](١). قال مقاتل. نزلت في أبي جهل (لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ) ، وهو أبو جهل ، (خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ) ، قيل : هو حمزة. وقيل : عثمان. وقيل : عمار بن ياسر. (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) ، أمر تهديد ووعيد ، (إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ، عالم فيجازيكم به.

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ) ، بالقرآن ، (لَمَّا جاءَهُمْ) ، ثم أخذ في وصف الذكر وترك جواب : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، على تقدير الذين كفروا بالذكر يجازون بكفرهم. وقيل : خبره قوله من بعد : (أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) [فصلت : ٤٤]. (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ) ، قال الكلبي عن ابن عباس رضي الله عنهما : كريم على الله : قال قتادة : أعزه الله عزوجل فلا يجد الباطل إليه سبيلا.

وهو قوله : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) ، قال قتادة والسدي : الباطل هو الشيطان لا يستطيع أن يغيره أو يزيد فيه أو ينقص منه. قال الزجاج : معناه أنه محفوظ من أن ينقص منه ، فيأتيه الباطل من بين يديه أو يزاد فيه فيأتيه الباطل من خلفه ، وعلى هذا معنى (٢) «الباطل» : الزيادة والنقصان.

وقال مقاتل : لا يأتيه التكذيب من الكتب التي قبله ، ولا يجيء من بعده كتاب فيبطله ، (تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) ، ثم عزّى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم على تكذيبهم.

فقال : (ما يُقالُ لَكَ) ، من الأذى ، (إِلَّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ) ، يقول إنه قد قيل للأنبياء والرسل قبلك ساحر ، كما يقال لك وكذبوا كما كذبت ، (إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ) ، لمن تاب وآمن بك (وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ) ، لمن أصر على التكذيب.

(وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُءَ أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٤٤) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (٤٥) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٤٦) إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكائِي قالُوا آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (٤٧))

(وَلَوْ جَعَلْناهُ) ، أي جعلنا هذا الكتاب الذي تقرأه على الناس ، (قُرْآناً أَعْجَمِيًّا) ، بغير لغة العرب ، (لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ) ، هلا بينت آياته بالعربية حتى نفهمها ، (أَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌ) ، يعني : أكتاب أعجمي ورسول عربي؟ وهذا استفهام على وجه الإنكار ، أي أنهم كانوا يقولون : المنزّل عليه عربي والمنزل أعجمي.

[١٨٦٧] قال مقاتل : وذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يدخل على يسار غلام عامر بن الحضرمي ، وكان يهوديا أعجميا ، يكنى (٣) أبا فكيهة ، فقال المشركون : إنما يعلمه يسار فضربه سيده ، وقال : إنك تعلم محمدا ،

__________________

[١٨٦٧] ـ ذكره المصنف هاهنا عن مقاتل تعليقا ، وسنده إليه أول الكتاب ، وهو ضعيف لإرساله ، وتقدم في أواخر سورة النحل نحو هذا ، والله أعلم.

(١) زيادة عن المخطوطتين.

(٢) في المخطوط (ب) «هذا يعني» والمثبت عن المطبوع والمخطوط (أ) وط.

(٣) في المطبوع «يعنى» والمثبت عن المخطوطتين.

١٣٥

فقال يسار : هو يعلمني ، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

(قُلْ) ، يا محمد ، (هُوَ) ، يعني القرآن ، (لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ) هدى من الضلالة ، وشفاء لما في القلوب ، وقيل : شفاء من الأوجاع ، (وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى) ، قال قتادة : عموا عن القرآن وصموا عنه فلا ينتفعون به ، (أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) ، أي أنهم لا يسمعون ولا يفهمون كما أن من دعي [من](١) مكان بعيد لم يسمع ولم يفهم ، وهذا مثل لقلة انتفاعهم بما يوعظون به كأنهم ينادون من حيث لا يسمعون.

(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ) ، فمصدق ومكذب كما اختلف قومك في كتابك ، (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ) ، في تأخير العذاب عن المكذبين بالقرآن (لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) ، لفرغ من عذابهم وعجل إهلاكهم ، (وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) ، من صدقك ، (مُرِيبٍ) ، موقع لهم الريبة.

(مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (٤٦).

(إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ) ، أي علمها إذا سئل عنها مردود إليه لا يعلمه غيره ، (وَما تَخْرُجُ مِنْ ثَمَراتٍ مِنْ أَكْمامِها) ، قرأ أهل المدينة والشام وحفص : (ثَمَراتٍ) ، على الجمع ، وقرأ الآخرون ثمرة على التوحيد ، (مِنْ أَكْمامِها) أوعيتها واحدها : كم. قال ابن عباس رضي الله عنهما : يعني الكفرى قبل أن تنشق. (وَما تَحْمِلُ مِنْ أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ) ، إلا بإذنه ، يقول : يرد إليه علم الساعة كما يرد إليه علم الثمار والنتاج. (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ) ، ينادي الله المشركين ، (أَيْنَ شُرَكائِي) ، الذين كنتم تزعمون أنها آلهة ، (قالُوا) ، يعني المشركين ، (آذَنَّاكَ) ، أعلمناك ، (ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ) ، أي من شاهد بأن لك شريكا لما عاينوا العذاب تبرءوا من الأصنام.

(وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٤٨) لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ (٤٩) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٠) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ (٥١) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ (٥٢) سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (٥٣) أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (٥٤))

(وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ) ، يعبدون ، (مِنْ قَبْلُ) ، في الدنيا (وَظَنُّوا) ، أيقنوا ، (ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) ، مهرب.

(لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ) ، لا يمل الكافر ، (مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ) ، أي لا يزال يسأل ربه الخير ، يعني المال والغنى والصحة ، (وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ) ، الشدة والفقر ، (فَيَؤُسٌ) ، من روح الله ، (قَنُوطٌ) ، من رحمته.

(وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا) ، آتيناه خيرا وعافية وغنى ، (مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ) ، من بعد شدة وبلاء

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

١٣٦

إصابته ، (لَيَقُولَنَّ هذا لِي) ، أي بعملي وأنا محقوق (١) بهذا ، (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى) ، يقول هذا الكافر ليست على يقين من البعث ، فإن كان الأمر على ذلك ، ورددت إلى ربي أن لي عنده للحسنى ، أي الجنة أي كما أعطاني في الدنيا سيعطيني في الآخرة (فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : لنقفنّهم (٢) على مساوئ أعمالهم ، (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ).

(وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) (٥١) ، كثير والعرب تستعمل الطول والعرض في الكثرة ، يقال : أطال فلان الكلام والدعاء وأعرض ، أي أكثر.

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ) ، هذا القرآن (مِنْ عِنْدِ اللهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ) ، خلاف للحق بعيد عنه أي فلا أحد (٣) أضل منكم.

(سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : يعني منازل الأمم الخالية. (وَفِي أَنْفُسِهِمْ) ، بالبلاء والأمراض. وقال قتادة : في الآفاق يعني وقائع الله في الأمم ، وفي أنفسهم يوم بدر. وقال مجاهد والحسن والسدي والكلبي : في الآفاق ما يفتح من القرى على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم والمسلمين ، وفي أنفسهم فتح مكة. (حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُ) ، يعني دين الإسلام.

وقيل : القرآن يتبين لهم أنه من عند الله. وقيل : محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتبين لهم أنه مؤيد من قبل الله تعالى. وقال عطاء وابن زيد : في الآفاق يعني أقطار السماء والأرض من الشمس والقمر والنجوم والنبات والأشجار والأنهار ، وفي أنفسهم من لطيف الصنعة وبديع الحكمة ، حتى يتبين لهم أنه الحق : (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) ، قال مقاتل : أو لم يكف بربّك [شاهدا أن القرآن من الله. قال الزجاج : معنى الكفاية هاهنا أن الله تعالى قد بيّن من الدلائل ما فيه كفاية يعني أو لم يكف بربّك](٤) لأنه على كل شيء شهيد شاهد لا يغيب عنه شيء.

(أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ) ، في شك من البعث ، (أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) ، أحاط بكل شيء علما.

سورة الشورى

مكية وهي ثلاث وخمسون آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(حم (١) عسق (٢) كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣))

__________________

(١) في المطبوع «محبوب» وفي المخطوط (ب) «إنا محقون» والمثبت عن «ط» والمخطوط (أ)

(٢) في المخطوط (أ) «لنوقفتهم» وفي ط «لنفقّهنّهم» والمثبت عن المخطوط (ب) والمطبوع.

(٣) في المخطوط (ب) «أجد» والمثبت عن ط والمخطوط (أ)

(٤) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع واستدرك من ط والمخطوط.

١٣٧

(حم (١) عسق) ، سئل الحسين بن الفضل (١) لم تقطع (٢) حم عسق ولم يقطع كهيعص؟ فقال : لأنها سور (٣) أوائلها (٤) حم فجرت مجرى نظائرها فكان حم مبتدأ وعسق خبره ولأنهما عدا آيتين وأخواتها مثل كهيعص والمص والمر عدّت آية واحدة.

وقيل : لأن أهل التأويل لم يختلفوا في كهيعص وأخواتها أنها حروف التهجي لا غير.

واختلفوا في حم فأخرجها بعضهم من حيز الحروف وجعلها فعلا ، وقال : معناها حم أي قضى ما هو كائن ، روى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : ح حلمه ، م مجده ، ع علمه ، من سناؤه ، ق قدرته ، أقسم الله بها.

وقال شهر بن حوشب وعطاء بن أبي رباح : ح حرب يعز فيها الذليل ويذل فيها العزيز من (٥) قريش ، م مالك يتحول من قوم إلى قوم ، ع عدو لقريش يقصدهم ، س سيء يكون فيهم ، ق قدرة الله النافذة في خلقه.

وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : ليس من نبي صاحب كتاب إلّا وقد أوحيت إليه حم عسق.

فلذلك قال : (كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ) ، وقرأ ابن كثير (يُوحِي) بفتح الحاء وحجته قوله : (أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) [النساء : ١٦٣ ، الشورى : ٧] ، (وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ) ، وعلى هذه القراءة قوله ، (اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) ، تبين للفاعل كأنه قيل من يوحي فقيل الله العزيز الحكيم ، وقرأ الآخرون (يُوحِي) بكسر الحاء ، إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم. قال عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما : يريد أخبار الغيب.

(لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٤) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (٦) وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (٧))

(لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (٤) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَ) ، أي كل واحدة منها تتفطر فوق التي تليها من قول المشركين : (اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) نظيره في سورة مريم [٨٨] : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً (٨٨) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا (٨٩) تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ). (وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) ، من المؤمنين ، (أَلا إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).

(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ) ، يحفظ أعمالهم ويحصيها عليهم ليجازيهم بها ، (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) ، لم يوكلك الله عليهم حتى تؤخذ بهم.

(وَكَذلِكَ) ، مثل ما ذكرنا ، (أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى) ، مكة يعني أهلها ، (وَمَنْ حَوْلَها) ، يعني قرى الأرض كلها ، (وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ) ، أي تنذرهم بيوم الجمع وهو يوم القيامة يجمع الله

__________________

(١) في المخطوط (ب) «أبي الفضل».

(٢) في المطبوع «يقطع» والمثبت عن المخطوط.

(٣) في المطبوع «سورا» والمثبت عن المخطوط.

(٤) في المخطوط (ب) «أولها» والمثبت عن المخطوط (أ) وط.

(٥) في المخطوط (أ) «في».

١٣٨

الأولين والآخرين وأهل السموات والأرضين ، (لا رَيْبَ فِيهِ) ، لا شك في الجمع أنه كائن ثم بعد الجمع يتفرقون. (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ).

[١٨٦٨] أخبرنا أبو سعيد أحمد بن إبراهيم الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي ثنا أبو منصور الحمشاوي (١) ثنا أبو العباس الأصم ثنا أبو عثمان سعيد بن عثمان التنوخي ثنا بشر بن بكر حدثني سعيد بن عثمان عن أبي الزاهرية حدير (٢) بن كريب عن عبد الله بن عمرو بن العاص.

قال الثعلبي : وأخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه الدينوري ثنا أبو بكر بن مالك القطيعي ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي [ثنا](٣) هاشم (٤) بن القاسم ثنا ليث حدثني أبو قبيل المعافري عن شفي الأصبحي عن عبد الله بن عمرو قال : خرج علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات يوم قابضا على كفيه ومعه كتابان ،. فقال : «أتدرون ما هذان الكتابان؟» قلنا : لا يا رسول الله [إلا أن تخبرنا](٥) ، فقال «للذي في يده اليمنى : هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وعشائرهم وعدتهم قبل أن يستقروا نطفا في الأصلاب (٦) ، [وقبل أن يستقروا نطفا في الأرحام](٧) إذ هم في الطينة منجدلون فليس بزائد فيهم ولا ناقص منهم إجمال من الله عليهم إلى يوم القيامة ، ثم قال للذي في يساره : هذا كتاب من رب العالمين فيه أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وعشائرهم وعدتهم قبل أن يستقروا نطفا في الأصلاب ، وقبل أن يستقروا نطفا في الأرحام إذ هم في الطينة منجدلون فليس بزائد فيهم ولا بناقص منهم ، إجمال من الله عليهم إلى يوم القيامة» ، قال عبد الله بن عمرو : ففيم العمل إذا يا رسول الله؟ فقال : «اعملوا وسددوا وقاربوا ، فإن صاحب الجنة يختم له بعمل أهل الجنة وإن عمل أي عمل ، وإن صاحب النار يختم له بعمل أهل النار وإن

__________________

[١٨٦٨] ـ صحيح. ساقه المصنف بإسنادين ، أما الأول فرجاله ثقات معروفون سوى سعيد بن عثمان شيخ بشر ، فلم أجد له ترجمة ، وبكل حال توبع ، وأما الإسناد الثاني فهو على شرط الصحيح سوى شفي ؛ وهو ثقة ؛ وللحديث شواهد.

ـ ليث هو ابن سعد ، أبو قبيل هو حييّ بن هانئ ؛ شفيّ هو ابن ماتع.

ـ وأخرجه الواحدي في «الوسيط» ٤ / ٤٤ من طريق بكر بن مضر عن الليث بن سعد ، وابن لهيعة عن أبي قبيل بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الترمذي ٢١٤١ والنسائي في «التفسير» ٤٩٣ وأحمد ٢ / ١٦٧ وابن أبي عاصم في «السنة» ٣٤٨ وأبو نعيم في «الحلية» ٥ / ١٦٨ ـ ١٦٩ من طرق عن أبي قبيل به.

وقال الترمذي : حسن صحيح غريب.

ـ وأخرجه الطبري ٣٠٦١٨ من طريق عمرو بن الحارث عن أبي قبيل عن شفي الأصبحي عن رجل من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : خرج علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... فذكره.

ـ وهذا إسناد صحيح ، وجهالة الصحابي لا تضر ، وللحديث شواهد كثيرة تقدم بعضها ، فهو صحيح إن شاء الله ، والله الموفق.

(١) في المطبوع «أبو منظور الشامي» وفي «ط» : «أبو منصور الخشماذي» والمثبت عن المخطوط (أ) والمخطوط (ب)

(٢) في المطبوع «أبي الراهويه ثنا جرير» والمثبت عن المخطوط (أ)

(٣) سقط من الأصل.

(٤) في المطبوع «هشام» والمثبت عن ط والمخطوط.

(٥) ما بين المعقوفتين زيد في المطبوع وليس في «ط» ولا في المخطوط.

(٦) في المخطوط (ب) «الأرحام».

(٧) ما بين المعقوفتين سقط من المخطوط (ب)

١٣٩

عمل أي عمل ، ثم قال : (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ) فضل من الله ، (وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) عدل من الله عزوجل».

(وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٨) أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٩) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (١٠) فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١))

قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : على دين واحد. وقال مقاتل : على ملة الإسلام لقوله (١) تعالى : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى) [الأنعام : ٣٥] ، (وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ) ، في دين الإسلام ، (وَالظَّالِمُونَ) ، الكافرون ، (ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍ) ، يدفع عنهم العذاب ، (وَلا نَصِيرٍ) ، يمنعهم من النار.

(أَمِ اتَّخَذُوا) ، بل اتخذوا أي الكافرون ، (مِنْ دُونِهِ) ، أي من دون الله ، (أَوْلِياءَ فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُ) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : وليك يا محمد وولي من اتّبعك ، (وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

(وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ) ، من أمر الدين ، (فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ) ، يقضي فيه ويحكم يوم القيامة بالفصل الذي يزيل الريب ، (ذلِكُمُ اللهُ) ، الذي يحكم بين المختلفين هو ، (رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ).

(فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً) ، من مثل خلقكم حلائل ، قيل : إنما قال من أنفسكم لأنه خلق حواء من ضلع آدم. (وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً) ، أصنافا ذكورا وإناثا ، (يَذْرَؤُكُمْ) ، يخلقكم ، (فِيهِ) ، أي في الرحم. وقيل : في البطن. وقيل : في (٢) هذا الوجه من الخلقة. قال مجاهد : نسلا بعد نسل من الناس والأنعام. وقيل : في بمعنى الباء أي يذرؤكم به. وقيل : معناه يكثركم بالتزويج. (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ، المثل صلة أي ليس هو كشيء فأدخل المثل للتوكيد ، كقوله : (فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ ما آمَنْتُمْ بِهِ) [البقرة : ١٣٧] ، وقيل : الكاف صلة ،

مجازه ليس مثله شيء. قال ابن عباس رضي الله عنهما : ليس له نظير (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).

(لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٢) شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (١٣) وَما تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١٤) فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٥) وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ

__________________

(١) في المطبوع «كقوله» والمثبت عن المخطوط.

(٢) في المطبوع «على» والمثبت عن المخطوط.

١٤٠