تفسير البغوي - ج ٤

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي

تفسير البغوي - ج ٤

المؤلف:

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي


المحقق: عبدالرزاق المهدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٧

علي بن سالم الهمداني ثنا أبو الأزهر أحمد بن الأزهر النيسابوري ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما أدري تبع نبيا كان (١) أو غير نبي».

(وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ، من الأمم الكافرة ، (أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ).

(وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (٣٨) ما خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِ) ، قيل : يعني للحق وهو الثواب على الطاعة والعقاب على المعصية. (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ).

(إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ) ، يوم يفصل الرحمن بين العباد ، (مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ) ، يوافي يوم القيامة الأولون والآخرون.

(يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئاً) ، لا ينفع قريب قريبه ولا يدفع عنه شيئا ، (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) ، لا يمنعون من عذاب الله.

(إِلَّا مَنْ رَحِمَ اللهُ) ، يريد المؤمنين فإنه يشفع بعضهم لبعض ، (إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ) ، في انتقامه من أعدائه ، (الرَّحِيمُ) ، بالمؤمنين.

(إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (٤٣) طَعامُ الْأَثِيمِ (٤٤)) ، أي ذي الإثم ، وهو أبو جهل.

(كَالْمُهْلِ) ، هو دردي الزيت أسود (٢) ، (يَغْلِي فِي الْبُطُونِ) ، قرأ ابن كثير وحفص (يَغْلِي) بالياء ، جعلا الفعل للمهل ، وقرأ الآخرون بالتاء لتأنيث الشجرة ، (فِي الْبُطُونِ) ، أي بطون الكفار ، (كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) (٤٦) ، كالماء الحار إذا اشتد غليانه.

[١٩٠٦] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أبو بكر العبدوسي أنا أبو بكر محمد بن حمدون بن خالد بن بريدة (٣) ثنا سليمان بن يوسف ثنا وهب بن جرير ثنا شعبة عن الأعمش عن مجاهد عن عبد الله بن

__________________

ـ وأخرجه الحاكم ١ / ٣٦ من طرق عن عبد الرزاق به ، وصححه على شرطهما ، ووافقه الذهبي.

ـ وأخرجه الحاكم ٢ / ٤٥٠ من طريق آخر عن ابن أبي ذئب به ، بلفظ أبي داود ، لكن عنده «ذو القرنين» بدل «عزير».

ـ وصححه الحاكم على شرطهما ، ووافقه الذهبي ، وكذا الألباني في «الصحيحة» ٢٢١٧ والصواب على شرط البخاري فقط ، فإن في إسناده آدم بن أبي إياس لم يرو له مسلم.

[١٩٠٦] ـ إسناده ضعيف ، وعلته عنعنة الأعمش عند الجميع ، وهو مدلس ، ولم يسمعه من مجاهد.

ـ قال الحافظ في «تهذيب التهذيب» ٤ / ١٩٧ : قال يعقوب بن شيبة : قلت لعلي المديني : كم سمع الأعمش من مجاهد؟

قال لا يثبت منها إلّا ما قال سمعت ، هي نحو عشرة أحاديث ، وإنما أحاديث مجاهد عنده عن أبي يحيى القتات ، وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه في أحاديث الأعمش عن مجاهد ، قال أبو بكر بن عياش عنه : حدثنيه ليث عن مجاهد.

ـ قلت : وليث هو ابن أبي سليم ، وهو ضعيف.

ـ شعبة هو ابن الحجاج ، الأعمش هو سليمان بن مهران.

وصححه الحاكم على شرطهما! ووافقه الذهبي! ـ وأخرجه ابن أبي شيبة ١٣ / ١٦١ وأحمد ١ / ٣٣٨ والبيهقي ٥٤٤ من طريق الأعمش عن أبي يحيى عن مجاهد به موقوفا ، وهو الصحيح.

ـ أبو يحيى هذا لين الحديث ، ومع ذلك حديثه أصح من المرفوع.

ـ الخلاصة : المرفوع ضعيف ، والصحيح موقوف.

(١) في المطبوع «أكان نبيا» والمثبت عن ط والمخطوط.

(٢) في المطبوع «الأسود» والمثبت عن المخطوط.

(٣) في المطبوع والمخطوط (أ) «يزيد» وفي المخطوط (ب) «زيد» والمثبت عن «شرح السنة».

١٨١

عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أيها الناس اتقوا الله حقّ تقاته ، فلو أن قطرة من الزقوم قطرت على الأرض لأمرت على أهل الدنيا معيشتهم ، فكيف بمن تكون طعامه وليس لهم طعام غيره».

(خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ (٤٧) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ (٤٨) ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (٤٩) إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ (٥٠) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ (٥١) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٢) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (٥٣) كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٥٤) يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ آمِنِينَ (٥٥) لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (٥٦))

قوله تعالى : (خُذُوهُ) ، أي يقال للزبانية خذوه يعني الأثيم ، (فَاعْتِلُوهُ) ، قرأ أهل الكوفة وأبو جعفر وأبو عمرو بكسر التاء ، وقرأ الباقون بضمها ، وهما لغتان ، أي ادفعوه وسوقوه ، يقال : عتله يعتله عتلا إذا ساقه بالعنف والدفع والجذب ، (إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ) ، وسطه.

(ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ) (٤٨) ، قال مقاتل : إن خازن النار يضربه على رأسه فينقب (١) رأسه عن دماغه ، ثم يصب فيه ماء حميما قد انتهى حره.

ثم يقال له : (ذُقْ) ، هذا العذاب ، (إِنَّكَ) ، قرأ الكسائي أنك بفتح الألف ، أي لأنك كنت تقول أنا العزيز الكريم ، وقرأ الآخرون بكسرها على الابتداء ، (أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ) ، عند قومك بزعمك ، وذلك أن أبا جهل كان يقول : أنا أعز أهل الوادي وأكرمهم ، فتقول له هذا اللفظ خزنة النار على طريق الاستخفاف (٢) والتوبيخ.

(إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ) (٥٠) ، تشكون فيه ولا تؤمنون به ثم ذكر مستقر المتقين ، فقال :

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ) (٥١) ، قرأ أهل المدينة والشام : (فِي مَقامٍ) بضم الميم على المصدر ، أي في إقامة ، وقرأ الآخرون بفتح الميم ، أي في مجلس أمين ، أمنوا فيه من الغير أي من الموت ومن الخروج منه.

(فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (٥٢) يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقابِلِينَ (٥٣) كَذلِكَ وَزَوَّجْناهُمْ) ، أي كما أكرمناهم بما وصفنا من الجنات والعيون واللباس كذلك أكرمناهم بأن زوجناهم ، (بِحُورٍ عِينٍ) ، أي قرناهم بهن ليس من عقد التزويج لأنه لا يقال : زوجته بامرأة.

قال أبو عبيدة : جعلناهم أزواجا لهن كما يزوّج النعل بالنعل (٣) ، أي جعلناهم اثنين اثنين ، والحور هن النساء النقيات البياض.

قال مجاهد : يحار فيهن الطرف من بياضهن وصفاء لونهن.

وقال أبو عبيدة : الخور هنّ شديدات بياض الأعين الشديدات سوادها ، واحدها حور ، والمرأة حوراء ، والعين جمع العيناء وهي عظيمة العينين.

(يَدْعُونَ فِيها بِكُلِّ فاكِهَةٍ) ، اشتهوها ، (آمِنِينَ) ، من نفارها ومن مضرتها. وقال قتادة : آمنين

__________________

(١) في المخطوط (ب) «فيثقب» والمثبت عن ط والمطبوع والمخطوط (أ)

(٢) في المطبوع «الاستهزاء» والمثبت عن المخطوط.

(٣) في المخطوط (ب) «البعل بالبعل» والمثبت عن المخطوط (أ) وط.

١٨٢

من الموت والأوصاب والشياطين.

(لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) ، أي سوى الموتة الأولى التي ذاقوها في الدنيا ، وبعدها وضع : (إِلَّا) موضع سوى بعد ، وهذا كقوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) [النساء : ٢٢] ، أي سوى ما قد سلف ، وبعد ما قد سلف ، وقيل : إنما استثنى الموتة الأولى وهي في الدنيا من موت في الجنة لأن السعداء حين يموتون يصيرون بلطف [الله تعالى](١) إلى أسباب الجنة ، يلقون الروح والريحان ويرون منازلهم في الجنة ، فكان موتهم في الدنيا كأنهم في الجنة لاتصالهم بأسبابهم ومشاهدتهم إيّاهم. (وَوَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ).

(فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٥٧) فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥٨) فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ (٥٩))

(فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ) ، أي فعل ذلك بهم فضلا منه ، (ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).

(فَإِنَّما يَسَّرْناهُ) ، سهلنا القرآن كناية عن غير مذكور ، (بِلِسانِكَ) ، على لسانك ، (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) ، يتعظون.

(فَارْتَقِبْ) ، فانتظر النصر من ربك. وقيل : فانتظر لهم العذاب. (إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ) ، منتظرون قهرك بزعمهم.

[١٩٠٧] أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أخبرني الحسين بن فنجويه ثنا يحيى بن محمد بن يحيى ثنا أبو عيسى موسى بن علي الختلي ثنا أبو هاشم (٢) الرفاعي ثنا زيد بن الحباب ثنا عمر بن عبد الله بن أبي خثعم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قرأ حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك».

__________________

[١٩٠٧] ـ باطل. إسناده ضعيف جدا ، مداره على عمر بن عبد الله متروك الحديث ، وضعفه الترمذي جدا بقوله : قال البخاري :

منكر الحديث. واتهمه ابن حبان بوضع الحديث.

ـ أبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف.

ـ وأخرجه الترمذي ٢٨٨٨ والبيهقي في «الشعب» ٢٤٧٥ وابن الجوزي في «الموضوعات» ١ / ٢٤٨ من طرق عن زيد بن الحباب بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه ابن عدي ٥ / ٦٥ من طريق عمر بن يونس عن عمر بن عبد الله بن أبي خثعم به.

ـ قال الترمذي : هذا حديث غريب لا نعرفه إلّا من هذا الوجه ، وعمر بن أبي خثعم يضعّف. قال البخاري : وهو منكر الحديث.

ـ وقال ابن حبان ، يصنع الحديث.

ـ وحكم ابن الجوزي وبوضع الحديث وهو كما قال لما فيه من مبالغة ، وانظر «الكشاف» ١٠١٩ و «تفسير القرطبي» ٥٤٥٩ بتخريجي.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المخطوط (ب) «هشام».

١٨٣

سورة الجاثية

مكية إلّا آية ١٤ فمدنية وهي سبع وثلاثون آية نزلت بعد الدخان

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (٣) وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٤) وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٥) تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ (٦) وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (٧) يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٨) وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٩) مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠) هذا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (١١))

(حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) إِنَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ (٣) وَفِي خَلْقِكُمْ وَما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ) ، قرأ حمزة والكسائي ويعقوب آيات (وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ) بكسر التاء فيهما ردّا على قوله : (لَآياتٍ) وهو في موضع النصب ، وقرأ الآخرون برفعهما على الاستئناف على أن العرب تقول إن لي عليك مالا وعلى أخيك مال ، ينصبون الثاني ويرفعونه ، (لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) ، أنه لا إله غيره.

(وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ) ، يعني الغيث الذي هو سبب أرزاق العباد ، (فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).

(تِلْكَ آياتُ اللهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِ) ، يريد هذا الذي قصصنا عليك من آيات الله نقصها عليك بالحق ، (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ) ، بعد كتاب الله ، (وَآياتِهِ يُؤْمِنُونَ) ، قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر ويعقوب : تؤمنون بالتاء على معنى قل لهم يا محمد فبأي حديث تؤمنون ، وقرأ الآخرون بالياء.

(وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) (٧) ، كذاب صاحب إثم يعني النضر بن الحارث.

(يَسْمَعُ آياتِ اللهِ تُتْلى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها)(كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً) [لقمان : ٧](فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ وَإِذا عَلِمَ مِنْ آياتِنا) : قال مقاتل : من القرآن ، (شَيْئاً اتَّخَذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) ، وذكر بلفظ الجمع ردا إلى كل في قوله : (لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ).

(مِنْ وَرائِهِمْ) ، أمامهم ، (جَهَنَّمُ) ، يعني أنهم في الدنيا يمتعون (١) بأموالهم ولهم في الآخرة النار يدخلونها ، (وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا) ، من الأموال ، (شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ) ، ولا ما عبدوا من دون الله من الآلهة ، (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ).

__________________

(١) في المطبوع «ممتعون» والمثبت عن المخطوط (ب)

١٨٤

(هذا) ، يعني هذا القرآن ، (هُدىً) ، بيان من الضلالة ، (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ).

(اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢) وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١٣) قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٤) مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١٥) وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (١٦) وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٧))

(اللهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٢) وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) ، ومعنى تسخيرها أنه خلقها لمنافعنا فهو مسخر لنا من حيث إنا ننتفع به ، (جَمِيعاً مِنْهُ) ، فلا تجعلوا لله أندادا.

قال ابن عباس : جميعا منه كل ذلك رحمة منه. قال الزجاج : كل ذلك تفضل منه وإحسان. (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).

(قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) ، أي لا يخافون من وقائع الله ولا يبالون نقمته.

[١٩٠٨] قال ابن عباس ومقاتل : نزلت في عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه ، وذلك أن رجلا من بني غفار شتمه بمكة فهمّ عمر رضي الله تعالى عنه أن يبطش به ، فأنزل الله هذه الآية ، وأمره أن يعفو عنه.

وقال القرظي والسدي : نزلت (١) في أناس من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من أهل مكة كانوا في أذى شديد من المشركين ، من قبل أن يؤمروا بالقتال ، فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأنزل الله هذه الآية ثم نسختها آية القتال.

(لِيَجْزِيَ قَوْماً) ، قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي لنجزي بالنون ، وقرأ الآخرون بالياء ، أي ليجزي الله ، وقرأ أبو جعفر (لِيَجْزِيَ) بضم الياء الأولى جزم (٢) الثانية وفتح الزاي ، قال أبو عمرو : وهو

__________________

[١٩٠٨] ـ أثر ابن عباس ذكره المصنف هاهنا تعليقا ، وله في أول الكتاب أسانيد متعددة عن ابن عباس ، وأكثرها واه بمرة ، وتفرد المصنف به دليل وهنه أو بطلانه حيث لم أجده عند غيره ، ولا ذكره السيوطي في «الدر» ولا ابن كثير في «التفسير».

ـ وأثر مقاتل ، إسناده إليه أول الكتاب ، وهو مرسل ، ومقاتل إن كان ابن حبان فقد روى مناكير ، وإن كان ابن سليمان ، فهو كذاب.

ـ وأثر القرظي ، فسنده إليه أول الكتاب ، ومع إرساله هو من طريق أبي معشر وهو ضعيف.

ـ وأثر السدي ساقه هاهنا تعليقا كسابقه ، وإسناده إليه أول الكتاب.

وأخرج الطبري ٣١١٨٥ بسند فيه مجاهيل عن ابن عباس نحوه.

ـ الخلاصة : كون السورة نزلت في عمر ، واه بمرة ، والقول الثاني أقرب للصواب ، وإن لم يصح بوجه من الوجوه ، والله أعلم.

(١) في المطبوع «نزل» والمثبت عن ط والمخطوط.

(٢) في المطبوع «سكون» والمثبت عن المخطوط.

١٨٥

لحن. قال الكسائي : معناه ليجزي الجزاء قوما ، (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ).

(مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١٥) وَلَقَدْ آتَيْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ) ، التوراة ، (وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) ، الحلالات يعني المن والسلوى ، (وَفَضَّلْناهُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) ، أي عالمي زمانهم ، قال ابن عباس : لم يكن أحد من العالمين في زمانهم أكرم على الله ولا أحب إليه منهم.

(وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ) ، يعني العلم بمبعث محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وما بيّن لهم من أمره ، (فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ).

(ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (١٨) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (١٩) هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٢٠) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٢١) وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٢))

(ثُمَّ جَعَلْناكَ) ، يا محمد (عَلى شَرِيعَةٍ) ، سنة وطريقة بعد موسى ، (مِنَ الْأَمْرِ) ، من الدين ، (فَاتَّبِعْها وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) ، يعني مراد الكافرين ، وذلك أنهم كانوا يقولون له ارجع إلى دين آبائك ، فإنهم كانوا أفضل منك.

فقال جلّ ذكره : (إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً) ، لن يدفعوا عنك من عذاب الله شيئا إن اتبعت أهواءهم ، (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ).

(هذا) ، يعني القرآن ، (بَصائِرُ) ، معالم ، (لِلنَّاسِ) ، في الحدود والأحكام يبصرون بها ، (وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ).

(أَمْ حَسِبَ) ، بل حسب ، (الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ) ، اكتسبوا المعاصي والكفر (أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) ، نزلت في نفر من مشركي مكة ، قالوا للمؤمنين : لئن كان ما تقولون حقا لنفضلن عليكم في الآخرة كما فضلنا عليكم في الدنيا.

(سَواءً مَحْياهُمْ) قرأ حمزة والكسائي وحفص ويعقوب (سَواءً) بالنصب أي نجعلهم سواء ، يعني أحسبوا أن حياة الكافرين (وَمَماتُهُمْ) كحياة المؤمنين وموتهم سواء كلا ، وقرأ الآخرون بالرفع على الابتداء والخبر أي محياهم ومماتهم سواء فالضمير فيهما يرجع إلى المؤمنين والكافرين جميعا ، معناه المؤمن مؤمن محياه ومماته أي في الدنيا والآخرة والكافر كافر محياه ومماته في الدنيا والآخرة ، (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) ، بئس ما يقضون ، قال مسروق : قال لي رجل من أهل مكة : هذا مقام أخيك تميم الداري ، لقد رأيته ذات ليلة حتى أصبح أو كاد أن يصبح يقرأ آية من كتاب الله يرددها يركع بها ويسجد ويبكي : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) الآية.

(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٣))

١٨٦

(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) ، قال ابن عباس والحسن وقتادة : معناه ذلك الكافر اتخذ دينه ما يهواه ، فلا يهوى شيئا إلّا ركبه لأنه لا يؤمن بالله ولا يخافه ، ولا يحرم ما حرم الله. وقال الآخرون : معناه اتخذ معبوده هواه فيعبد ما تهواه نفسه. قال سعيد بن جبير : كانت العرب يعبدون الحجارة والذهب والفضة ، فإذا وجدوا شيئا أحسن من الأول رموه وكسروه ، وعبدوا الآخر. قال الشعبي : إنما سمي الهوى لأنه يهوي بصاحبه في النار. (وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) ، منه بعاقبة أمره وقيل على ما سبق في علمه أنه ضال قبل أن يخلقه ، (وَخَتَمَ) ، طبع ، (عَلى سَمْعِهِ) فلم يسمع الهدى ، (وَقَلْبِهِ) ، فلم يعقل الهدى ، (وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً) ، قرأ حمزة والكسائي غشوة بفتح الغين وسكون الشين ، والباقون غشاوة ظلمة فهو لا يبصر الهدى ، (فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ) ، أي فمن يهديه بعد أن أضله الله ، (أَفَلا تَذَكَّرُونَ).

(وَقالُوا ما هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (٢٤) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٢٦) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ (٢٧))

(وَقالُوا) ، يعني منكري البعث ، (ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) ، أي ما الحياة إلّا حياتنا الدنيا ، (نَمُوتُ وَنَحْيا) ، أي يموت الآباء ويحيا الأبناء ، وقال الزجاج : يعني نموت ونحيا ، فالواو للاجتماع ، (وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) ، أي وما يفنينا إلّا مر الزمان وطول العمر واختلاف الليل والنهار. (وَما لَهُمْ بِذلِكَ) ، أي الذي قالوه ، (مِنْ عِلْمٍ) ، أي لم يقولوه عن علم ، (إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ).

[١٩٠٩] أخبرنا أبو علي حسان بن سعيد المنيعي أنا أبو طاهر محمد بن محمد محمش الزيادي أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان ثنا أبو الحسن أحمد بن يوسف السلمي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن همام بن منبه ثنا أبو هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قال الله تعالى لا يقل ابن آدم يا خيبة الدهر ، فإني أنا الدهر ، أرسل الليل والنهار ، فإذا شئت قبضتهما».

[١٩١٠] أخبرنا أبو سعيد عبد الله بن أحمد الطاهري ثنا جدي عبد الصمد بن عبد الرحمن البزاز أنا

__________________

[١٩٠٩] ـ إسناده صحيح ، أحمد السلمي خرج له مسلم ، وقد توبع ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.

ـ عبد الرزاق بن همام ، معمر بن راشد.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٢٨١ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه أحمد ٢ / ٣١٨ والبيهقي في «الأسماء والصفات» ٣٠٥ من طريق عبد الرزاق به.

ـ وأخرجه البخاري ٤٨٢٦ و ٧٤٩١ ومسلم ٢٢٤٦ ح ١ وأبو داود ٥٢٧٤ والحميدي ١٠٩٦ وأحمد ٢ / ٢٣٨ والطبري ٣١٢٠٧ وابن حبان ٥٧١٥ والبيهقي ٣ / ٣٦٥ والبغوي ٣٢٨٢ من طرق عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة به.

ـ وأخرجه مسلم ٢٢٤٦ ح ٣ وعبد الرزاق ٢٠٩٣٨ وأحمد ٢ / ٢٠٧٥ من طريق معمر عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة به.

ـ وأخرجه الطبري ٣١٢١١ من طريق معمر عن قتادة عن الزهري عن أبي هريرة به.

[١٩١٠] ـ صحيح. إسحاق ثقة ، وقد توبع ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.

ـ عبد الرزاق بن همام ، معمر بن راشد ، أيوب هو ابن أبي تميمة ، ابن سيرين هو محمد.

١٨٧

محمد بن زكريا العذافري أنا إسحاق بن إبراهيم الدبري ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن أيوب [عن](١) ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يسب أحدكم الدهر فإن الله هو الدهر ، ولا يقولن للعنب الكرم ، فإن الكرم هو الرجل المسلم».

ومعنى الحديث : أن العرب كان من شأنهم ذم الدهر ، وسبّه عند النوازل ، لأنهم كانوا ينسبون إليه ما يصيبهم من المصائب والمكاره ، فيقولون : أصابتهم قوارع الدهر ، وأبادهم الدهر.

كما أخبر الله تعالى عنهم : (وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) فإذا أضافوا إلى الدهر ما نالهم من الشدائد سبو فاعلها ، وكان مرجع سبهم إلى الله عزوجل ، إذ هو الفاعل في الحقيقة للأمور التي يضيفونها إلى الدهر ، فنهوا عن سب الدهر.

(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) ، أي ليوم القيامة ، (لا رَيْبَ فِيهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَخْسَرُ الْمُبْطِلُونَ) (٢٧) ، يعني الكافرين الذين هم أصحاب الأباطيل ، يظهر في ذلك اليوم خسرانهم بأن يصيروا إلى النار.

(وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٩) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (٣٠) وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ (٣١) وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلاَّ ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ (٣٢))

(وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً) ، باركة على الركب وهي جلسة المخاصم بين يدي الحاكم ينتظر القضاء من الله.

قال سلمان الفارسي : إن في القيامة ساعة هي عشر سنين يخر الناس فيها جثاة على ركبهم حتى إبراهيم عليه‌السلام ينادي ربه لا أسألك إلّا نفسي. (كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا) ، الذي فيه أعمالها ، وقرأ يعقوب (كُلَّ أُمَّةٍ) بالنصب ، ويقال لهم ، (الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).

(هذا كِتابُنا) ، يعني ديوان الحفظة ، (يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ) ، يشهد عليكم ببيان شاف ، كأنه (٢) ينطق. وقيل : المراد بالكتاب اللوح المحفوظ. (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).

(هذا كِتابُنا) ، يعني ديوان الحفظة ، (يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِ) ، يشهد عليكم ببيان شاف ، كأنه ينطق. وقيل : المراد بالكتاب اللوح المحفوظ. (إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ، أي نأمر الملائكة بنسخ أعمالكم ، أي بكتبها وإثباتها عليكم. وقيل : تستنسخ أي نأخذ نسخته (٣) وذلك أن الملكين يرفعان عمل

__________________

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٢٨١ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «مصنف عبد الرزاق» ٢٠٩٣٧ عن معمر به.

ـ وأخرجه مسلم ٢٢٤٧ وأحمد ٢ / ٢٧٢ من طريق عبد الرزاق به.

ـ وأخرجه مسلم ٢٢٤٦ ح ٥ والبيهقي ٣ / ٣٦٥ من طريق هشام عن ابن سيرين به دون عجزه «ولا يقولن للعنب ...».

(١) زيادة عن المخطوط و «شرح السنة».

(٢) في المطبوع «فكأنه» والمثبت عن المخطوط.

(٣) في المطبوع «نسخة» والمثبت عن المخطوط.

١٨٨

الإنسان فيثبت الله منه ما كان له فيه ثواب أو عقاب ، ويطرح منه اللغو نحو قولهم هلم واذهب ، وقيل : الاستنساخ من اللوح المحفوظ تنسخ الملائكة كل عام ما يكون [من](١) أعمال بني آدم ، والاستنساخ لا يكون إلّا من أصل ، فينسخ كتاب من كتاب. وقال الضحاك : يستنسخ (٢) أي يثبت. وقال السدي : تكتب. وقال الحسن : تحفظ.

(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ) (٣٠) ، الظفر الظاهر.

(وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا) ، يقال لهم ، (أَفَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ) ، متكبرين كافرين.

(وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها) ، قرأ حمزة : «والساعة» نصب عطفا (٣) على الوعد ، وقرأ الآخرون بالرفع على الابتداء (قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا) ، أي ما نعلم ذلك إلّا حدسا (٤) وتوهما. (وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) ، أنها كائنة.

(وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٣٣) وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٣٤) ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٣٥) فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٣٦) وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣٧))

(وَبَدا لَهُمْ) في الآخرة ، (سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) ، في الدنيا أي جزاؤها (وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ).

(وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْساكُمْ) ، نترككم في النار ، (كَما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا) ، تركتم الإيمان والعمل للقاء هذا اليوم ، (وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ ذلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آياتِ اللهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) ، حتى قلتم : لا بعث ولا حساب ، (فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْها) ، قرأ حمزة والكسائي بفتح الياء وضم الراء ، وقرأ الآخرون بضم الياء وفتح الراء ، (وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) ، لا يطلب منهم أن يرجعوا إلى طاعة الله ، لأنه لا يقبل ذلك اليوم عذرا ولا توبة.

(فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّماواتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٣٦) وَلَهُ الْكِبْرِياءُ) ، العظمة ، (فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

[١٩١١] أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي حدثنا السيد أبو الحسين (٥) محمد بن الحسين

__________________

[١٩١١] ـ صحيح. إسناده ضعيف ، إبراهيم بن طهمان سمع من عطاء بعد الاختلاط ، لكن تابعه غير واحد ، ومنهم سفيان ، وقد سمع من عطاء قبل الاختلاط ، وللحديث طرق أخرى.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٤٨٦ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه أبو داود ٤٠٩٠ والطيالسي ٢٣٨٧ وابن حبان ٣٢٨ و ٥٦٧١ من طريق حماد بن سلمة.

ـ وأخرجه أبو داود ٤٠٩٠ وابن ماجه ٤١٧٤ من طريق أبي الأحوص.

ـ وأخرجه الطيالسي ٢٣٨٧ وابن أبي شيبة ٩ / ٨٩ من طريق ابن فضيل. ـ

(١) في المطبوع «أعمال من» والمثبت عن المخطوط.

(٢) في المطبوع «تستنسخ» والمثبت عن المخطوط.

(٣) في المطبوع «عطفها» والمثبت عن المخطوط.

(٤) في المخطوط (ب) «حدثا».

(٥) في المطبوع «الحسن» والمثبت عن «شرح السنة» والمخطوط (ب)

١٨٩

العلوي أنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسن الشرقي ثنا أحمد بن حفص وعبد الله بن محمد الفراء وقطن بن إبراهيم قالوا أنا حفص بن عبد الله حدثني إبراهيم بن طهمان عن عطاء بن السائب عن الأغر أبي مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يقول الله عزوجل الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني في (١) واحد منهما أدخلته النار» (٢).

سورة الأحقاف

مكية وهي خمس وثلاثون آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ (٣) قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤) وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ (٥) وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ (٦) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٨))

(حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (٢) ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ

__________________

ـ وأخرجه الحميدي ١١٤٩ وأحمد ٢ / ٢٤٨ و ٣٧٦ من طريق سفيان.

كلهم عن عطاء بن السائب بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٢٦٢٠ والبخاري في «الأدب المفرد» ٥٥٢ من طريق الأعمش عن أبي إسحاق عن الأغر أبي مسلم أنه حدثه عن أبي سعيد وأبي هريرة ... فذكره مرفوعا.

ـ وأخرجه أحمد ٢ / ٤١٤ من طريق حماد عن سهيل عن عطاء بن السائب به.

ـ وأخرجه الحاكم ١ / ٦١ من طريق حماد عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة به.

ـ وورد من حديث ابن عباس :

أخرجه ابن ماجه ٤١٧٥ وابن حبان ٥٦٧٢.

قال البوصيري في «الزوائد» : هذا إسناد رجاله ثقات إلّا أن عطاء بن السائب اختلط بأخرة ، ولم يعرف حال عبد الرحمن بن محمد المحاربي هل روى عنه قبل الاختلاط أو بعده.

ـ قلت : تقدم من طرق ، وأن الثوري سمع منه ، قبل الاختلاط ، وقد توبع ، فالحديث صحيح.

(١) قوله «في» ليس في «شرح السنة» ولا في المخطوط.

(٢) في المخطوط (ب) «ناري».

١٩٠

مُسَمًّى)، يعني يوم القيامة وهو الأجل الذي تنتهي إليه السموات والأرض ، وهو إشارة إلى فنائهما (١)(وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا) ، خوّفوا به في القرآن من البعث والحساب ، (مُعْرِضُونَ).

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا) ، أي بكتاب جاءكم من الله قبل القرآن فيه بيان ما تقولون ، (أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ) ، قال الكلبي : أي بقية من علم يؤثر على الأولين ، أي يسند إليهم. قال مجاهد وعكرمة ومقاتل : رواية عن الأنبياء. وقال قتادة : خاصة من علم. وأصل الكلمة من الأثر وهو الرواية (٢) ، يقال : أثرت الحديث أثرا وأثارة ، ومنه قيل للخبر : أثر (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ).

(وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ) ، يعني الأصنام لا تجيب عابديها إلى شيء يسألونها ، (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) ، يعني أبدا ما دامت الدنيا ، (وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ) ، لأنها جماد لا تسمع ولا تفهم.

(وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ) (٦) جاحدين ، بيانه قوله : (تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ) [القصص : ٦٣].

(وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) (٧) ، يسمون القرآن سحرا.

(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) ، محمد من قبل نفسه ، فقال الله عزوجل : (قُلْ) ، يا محمد ، (إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللهِ شَيْئاً) ، لا تقدرون أن تردوا عني عذابه إن عذبني على افترائي ، فكيف أفتري على الله من أجلكم ، (هُوَ أَعْلَمُ) ، [أي] الله أعلم (بِما تُفِيضُونَ فِيهِ) ، تخوضون فيه من التكذيب بالقرآن والقول فيه إنه سحر. (كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) ، أن القرآن جاء من عنده ، (وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ، في تأخير العذاب عنكم ، قال الزجاج : هذا دعاء لهم إلى التوبة ، معناه : إن الله عزوجل غفور لمن تاب منكم رحيم به.

(قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠))

(قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) ، أي بديعا مثل نصف ونصيف ، وجمع البدع أبداع ، [أي](٣) لست بأول مرسل ، قد بعث قبلي كثير من الأنبياء ، فكيف تنكرون نبوتي. (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) ، اختلف العلماء في معنى هذه الآية ، فقال بعضهم : معناه ما أدري ما يفعل بي ولا بكم يوم القيامة ، فلما نزلت هذه الآية فرح المشركون ، فقالوا : واللات والعزى ما أمرنا وأمر محمد عند الله إلّا واحد ، وما له علينا من مزية وفضل ، ولو لا أنه ابتدع ما يقوله من ذات نفسه لأخبره الذي بعثه بما يفعل به ، فأنزل الله (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) [الفتح : ٢] ، فقالت الصحابة : هنيئا لك يا نبي الله قد علمنا ما يفعل بك ، فما ذا يفعل بنا؟ فأنزل الله تعالى : (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ) [الفتح : ٥] الآية ، وأنزل : (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللهِ فَضْلاً كَبِيراً) (٤٧) [الأحزاب : ٤٧] ، فبين الله تعالى ما يفعل به وبهم ، وهذا قول أنس وقتادة والحسن وعكرمة ، قالوا : إنما قال هذا قبل أن يخبر بغفران ذنبه وإنما أخبر بغفران ذنبه عام الحديبية ، فنسخ ذلك.

__________________

(١) في المخطوط «فنائها».

(٢) في المخطوط (ب) «رواية».

(٣) زيادة عن المخطوط (ب)

١٩١

[١٩١٢] أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار ثنا أحمد بن منصور الرمادي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن خارجة بن زيد قال : كانت أم العلاء الأنصارية تقول لما قدم المهاجرون المدينة : اقترعت الأنصار على سكناهم ، قالت : فطار لنا عثمان بن مظعون في السكنى ، فمرض فمرضناه ، ثم توفي فجاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فدخل فقلت : رحمة الله عليك أبا السائب فشهادتي أن قد (١) أكرمك الله ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وما يدريك أن الله قد أكرمه»؟ فقلت لا والله لا أدري فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أما هو فقد أتاه اليقين من ربه وإني لأرجو له الخير والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ولا بكم» قالت : فو الله لا أزكي بعده أحدا أبدا ، قالت : ثم رأيت لعثمان بعد في النوم عينا تجري فقصصتها على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : «ذاك عمله».

وقالت جماعة : قوله (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) في الدنيا ، أما في الآخرة فقد علم أنه في الجنة ، وأن من كذبه فهو في النار ، ثم اختلفوا فيه.

[١٩١٣] قال ابن عباس رضي الله عنهما : لما اشتدّ البلاء بأصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما يرى النائم وهو بمكة أرضا ذات سباخ ونخل رفعت له يهاجر إليها ، فقال له أصحابه : متى تهاجر إلى الأرض التي أريت فسكت ، فأنزل الله تعالى هذه الآية (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) ، أأترك في مكاني أم أخرج وإياكم (٢) إلى الأرض التي رفعت لي.

وقال بعضهم وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إلى ما ذا يصير عاقبة أمري وأمركم في الدنيا ، بأن أقيم معكم في مكانكم أم أخرج كما خرجت الأنبياء من قبلي ، أم أقتل كما قتل الأنبياء من قبلي ، وأنتم أيها المصدقون لا أدري تخرجون معي أم تتركون ، أما ما ذا يفعل بكم [وما أدري ما يفعل بكم](٣) أيها المكذبون ، أترمون بالحجارة من السماء أم يخسف بكم ، أم أي شيء يفعل بكم ، كما (٤) فعل بالأمم المكذبة؟ ثم أخبر الله عزوجل أنه يظهر دينه على الأديان ، فقال : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ

__________________

[١٩١٢] ـ صحيح ، رجاله رجال البخاري ومسلم سوى أحمد الرمادي لكن توبع ، وللحديث طرق.

ـ عبد الرزاق بن همام ، معمر بن راشد ، الزهري محمد بن مسلم.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣١٨٨ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «المصنف» لعبد الرزاق ٢٠٤٢٢ عن معمر بهذا الإسناد.

ـ ومن طريق عبد الرزاق أخرجه أحمد ٦ / ٤٣٦ والطبراني ٢٥ (٣٣٧).

ـ وأخرجه البخاري ١٢٤٣ و ٧٠٠٣ و ٢٦٨٧ و ٧٠٠٤ و ٧٠١٨ وأحمد ٦ / ٤٣٦ وابن سعد ٣ / ٣٩٨ والطبراني ٢٥ / ٣٣٨ و ٣٣٩) من طرق عن الزهري به.

ـ وأخرجه أحمد ٦ / ٤٣٦ وابن حبان ٦٤٣ من طريق أبي النضر عن خارجة بن زيد عن أمه أم العلاء به مختصرا.

ـ وأخرجه الطبراني ٤٨٧٩ من طريق ابن لهيعة عن أبي النضر عن خارجة بن زيد عن أبيه.

[١٩١٣] ـ واه بمرة. ذكره المصنف عن ابن عباس تعليقا ، وله إلى ابن عباس أسانيد متعددة أول الكتاب ، وعامتها واه.

ـ وذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٧٤٤ معلقا عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ، وهذا ساقط ، الكلبي متروك كذاب ، والخبر واه بمرة ليس بشيء.

(١) في المطبوع «عليك لقد» والمثبت عن «شرح السنة» والمخطوط (ب)

(٢) في المطبوع «أنا وأنتم» والمثبت عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) في المخطوط «مما».

١٩٢

عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) [التوبة : ٣٣ والفتح : ٢٨ والصف : ٩] ، وقال في أمته : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (٣٣) [الأنفال : ٣٣] ، فأخبر الله ما يصنع به وبأمته ، هذا قول السدي. (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) ، أي ما أتبع إلّا القرآن ، ولا أبتدع من عندي شيئا ، (وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ).

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ) ، معناه : أخبروني ما ذا تقولون ، (إِنْ كانَ) ، يعني القرآن ، (مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ) ، أيها المشركون ، (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ) ، المثل : صلة ، يعني عليه ، أي على أنه من عند الله (فَآمَنَ) ، يعني الشاهد ، (وَاسْتَكْبَرْتُمْ) ، عن الإيمان به ، وجواب قوله : (إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) محذوف على تقدير : أليس قد ظلمتم (١) يدل على هذا المحذوف قوله : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ، وقال الحسن : جوابه : فمن أضل منكم كما قال في سورة السجدة [١٠] واختلفوا في هذا الشاهد قال قتادة والضحاك : هو عبد الله بن سلام ، شهد على نبوة المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وآمن به ، واستكبر اليهود فلم يؤمنوا.

[١٩١٤] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا محمد بن إسماعيل ثنا عبد الله بن منير سمع عبد الله بن بكر ثنا حميد عن أنس قال : «سمع عبد الله بن سلام بمقدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو في أرض يخترف (٢) فأتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلّا نبي : فما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال : أخبرني بهن جبريل آنفا ، قال : جبريل؟ قال : نعم ، قال : ذاك عدو اليهود من الملائكة فقرأ هذه الآية : (قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ) ، [البقرة : ٩٧] ، فأما أول أشراط الساعة فنار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب ، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت (٣) ، وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد ، وإذا سبق ماء المرأة نزعت ، قال : أشهد أن لا إله إلّا الله وأنك رسول الله ، يا رسول الله إن اليهود قوم بهت ، وإنهم أن يعلموا بإسلامي (٤) قبل أن تسألهم عني يبهتونني ، فجاءت اليهود فقال لهم : أي رجل عبد الله فيكم؟ قالوا : خيرنا وابن خيرنا ، وسيدنا وابن سيدنا ، قال : أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام؟ قالوا : أعاذه الله من ذلك ، فخرج عبد الله ، فقال : أشهد أن لا إله إلّا الله وأن محمدا رسول الله ، فقالوا : شرنا وابن شرنا ، فانتقصوه ، قال : هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله».

[١٩١٥] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا

__________________

[١٩١٤] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري حيث تفرد عن ابن منير ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.

ـ حميد هو ابن أبي حميد الطويل.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٦٦٣ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٤٤٨٠ عن عبد الله بن منير بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٢٩٣٨ و ٣٣٢٩ والنسائي في «عشرة النساء» ١٨٩ وأحمد ٣ / ١٠٨ وأبو يعلى ٣٨٥٦ وابن حبان ٧١٦١ والبيهقي في «الدلائل» ٢ / ٥٢٨ ـ ٥٢٩ من طرق عن حميد به.

ـ وأخرجه أحمد ٣ / ٢٧١ وأبو يعلى ٣٤١٤ وابن حبان ٧٤٢٣ وأبو نعيم في «الدلائل» ٢٤٧ من طريق حماد بن سلمة عن ثابت وحميد عن أنس به.

[١٩١٥] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري. ـ

(١) المطبوع «ظللتم» والمثبت عن المخطوط و «ط».

(٢) زيد في المطبوع «النخل».

(٣) في المطبوع «الخوت» والمثبت عن المخطوط و «شرح السنة».

(٤) زيد في المطبوع «من».

١٩٣

محمد بن إسماعيل ثنا عبد الله بن يوسف قال : سمعت مالكا يحدث عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال : ما سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول لأحد يمشي على وجه الأرض إنه من أهل الجنة إلّا لعبد الله بن سلام ، وفيه نزلت هذه الآية : (وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ) ، قال : لا أدري قال مالك الآية أو في الحديث.

قال : الآخرون الشاهد هو موسى بن عمران.

[١٩١٦] وقال الشعبي قال مسروق في هذه الآية : والله ما نزلت في عبد الله بن سلام لأن آل حم نزلت بمكة وإنما أسلم عبد الله بن سلام بالمدينة ، ونزلت هذه الآية في محاجة كانت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لقومه ، ومثل القرآن التوراة فشهد موسى على التوراة ومحمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم على القرآن (١) ، وكل واحد يصدق الآخر. وقيل : هو نبي من نبي إسرائيل فآمن واستكبرتم فلم تؤمنوا.

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (١١) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (١٢) إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٣) أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (١٥))

(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، من اليهود ، (لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ) ، دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، (خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ) ، يعني عبد الله بن سلام وأصحابه ، وقال قتادة نزلت في مشركي مكة ، قالوا : لو كان ما يدعونا إليه محمد خيرا ما سبقنا إليه فلان وفلان. وقال الكلبي : الذين كفروا أسد وغطفان ، قالوا للذين آمنوا يعني جهينة ومزينة : لو كان ما جاء به محمد خيرا ما سبقنا إليه رعاء إليهم : قال الله تعالى : (وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ) ، يعني بالقرآن كما اهتدى به أهل الإيمان (فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ) ، كما قالوا أساطير الأولين.

(وَمِنْ قَبْلِهِ) ، أي من قبل القرآن ، (كِتابُ مُوسى) ، يعني التوراة ، (إِماماً) ، يقتدى به ،

__________________

ـ أبو النضر هو سالم بن أبي أمية.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٨٨٥ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٣٨١٢ عن عبد الله بن يوسف بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه الطبري ٣١٢٤٩ وابن حبان ٧١٦٣ من طريقين عن عبد الله بن يوسف به.

ـ وأخرجه مسلم ٢٤٨٣ والنسائي في «فضائل الصحابة» ١٤٨ وأحمد ١ / ١٦٩ من طريق مالك بهذا الإسناد.

تنبيه : ليس عند مسلم ذكر الآية ، بل عند البخاري أيضا على الشك حيث قال شيخه عبد الله بن يوسف : لا أدري قال مالك الآية ، أو في الحديث ا ه.

[١٩١٦] ـ مرسل صحيح. أخرجه الطبري ٣١٢٤٦ من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي به وهذا مرسل ، وإسناده إلى الشعبي صحيح.

ـ والصواب أن يقال : الآية عامة وابن سلام من هؤلاء ، وهو الذي اختاره ابن كثير ٤ / ١٨٥.

(١) في المخطوط (ب) «الفرقان».

١٩٤

(وَرَحْمَةً) ، من الله لمن آمن به ، ونصبا على الحال عن الكسائي ، وقال أبو عبيدة : فيه إضمار ، أي جعلناه إماما ورحمة ، وفي الكلام محذوف ، تقديره : وتقدمه كتاب موسى إماما ولم يهتدوا به ، كما قال في الآية الأولى : (وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ) ، (وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ) ، أي القرآن مصدق للكتب التي قبله ، (لِساناً عَرَبِيًّا) ، نصب على الحال ، وقيل بلسان عربي ، (لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا) ، يعني مشركي مكة ، قرأ أهل الحجاز والشام ويعقوب : لتنذر بالتاء على خطاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقرأ الآخرون بالياء يعني الكتاب ، (وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ) ، (وَبُشْرى) في محل الرفع ، أي هذا كتاب مصدق وبشرى.

(إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٣) أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٤).

قوله عزوجل : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً). وقرأ أهل الكوفة : (إِحْساناً) كقوله تعالى : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) [البقرة : ٨٣ والنساء : ٣٦ ، الأنعام : ١٥١ والإسراء : ٢٣] ، (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً) ، يريد شدة الطلق ، قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو كرها بفتح الكاف فيهما ، وقرأ الآخرون بضمهما. (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ) ، فطامه ، وقرأ يعقوب : وفصله بغير ألف ، (ثَلاثُونَ شَهْراً) ، يريد أقل مدة الحمل وهي ستة أشهر وأكثر مدة الرضاع أربعة وعشرون شهرا.

وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال : إذا حملت المرأة تسعة أشهر أرضعت إحدى وعشرين شهرا ، وإذا حملت ستة أشهر أرضعت أربعة وعشرين شهرا. (حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ) ، نهاية قوته ، وغاية شبابه واستوائه ، وهو ما بين ثماني عشرة سنة إلى أربعين سنة ، فذلك قوله : (وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً) وقال السدي والضحاك : نزلت في سعد بن أبي وقاص ، وقد مضت القصة.

وقال الآخرون : نزلت في أبي بكر الصديق وأبيه وأبي قحافة عثمان بن عمرو ، وأمه أم الخير بنت صخر بن عمرو.

قال علي بن أبي طالب : الآية نزلت في أبي بكر أسلم أبواه جميعا ولم يجتمع لأحد من المهاجرين أسلم أبواه غيره أوصاه الله بهما ، ولزم ذلك من بعده ، وكان أبو بكر صحب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو ابن ثماني عشرة سنة والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ابن عشرين سنة في تجارة إلى الشام ، فلما بلغ أربعين سنة ونبّئ النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم آمن به ودعا ربه ف (قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي) ، ألهمني ، (أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَ) ، بالهداية والإيمان ، (وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ).

قال ابن عباس : وأجابه الله عزوجل فأعتق تسعة من المؤمنين يعذبون في الله ، ولم يرد شيئا من الخير إلّا أعانه الله عليه ، ودعا أيضا فقال : (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) ، فأجابه الله فلم يكن له ولد إلّا آمنوا جميعا ، فاجتمع له إسلام أبويه وأولاده جميعا فأدرك أبو قحافة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وابنه أبو بكر وابنه عبد الرحمن بن أبي بكر وابن عبد الرحمن أبو عتيق كلهم أدركوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ولم يكن ذلك لأحد من الصحابة. قوله : (إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ).

(أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (١٦) وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٧))

١٩٥

(أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) ، يعني أعمالهم الصالحة التي عملوها في الدنيا ، وكلها حسن ، والأحسن بمعنى الحسن ، فيثيبهم عليها ، وتتجاوز عن سيّئاتهم ، فلا نعاقبهم عليها ، قرأ حمزة والكسائي وحفص (نَتَقَبَّلُ وَنَتَجاوَزُ) بالنون ، (أَحْسَنَ) نصب ، وقرأ الآخرون بالياء ، وضمها أحسن رفع. (فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ) ، مع أصحاب الجنة ، (وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) ، وهو قوله عزوجل : (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) [التوبة : ٧٢].

(وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ) ، إذ دعواه إلى الإيمان بالله والإقرار بالبعث ، (أُفٍّ لَكُما) ، وهي كلمة كراهية ، (أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ) ، من قبري حيا ، (وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي) ، فلم يبعث منهم أحد ، (وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ) ، يستصرخان ويستغيثان الله عليه ويقولان له : (وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا) ، ما هذا الذي تدعواني إليه ، (إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ، قال ابن عباس والسدي ومجاهد : نزلت في عبد الله.

وقيل : في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه كان أبواه يدعوانه إلى الإسلام وهو يأبى ، ويقول : أحيوا لي عبد الله بن جدعان وعامر بن كعب ومشايخ قريش حتى أسألهم عما تقولون ، وأنكرت عائشة رضي الله عنها أن يكون هذا في عبد الرحمن بن أبي بكر ، والصحيح أنها نزلت في كافر عاق لوالديه ، قاله الحسن وقتادة ، وقال الزجاج : قول من قال إنها نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه يبطله قوله.

(أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (١٨) وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١٩) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (٢٠))

(أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) ، الآية أعلم الله تعالى أن هؤلاء قد حقت عليهم كلمة العذاب ، وعبد الرحمن مؤمن من أفاضل المسلمين فلا يكون ممن حقت عليه كلمة العذاب ، ومعنى أولئك الذين حق عليهم القول وجب عليهم العذاب ، (فِي أُمَمٍ) ، مع أمم ، (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ).

(وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : يريد من سبق إلى الإسلام ، فهو أفضل ممن تخلف عنه ولو بساعة ، قال مقاتل : ولكل فضائل بأعمالهم فيوفيهم الله جزاء أعمالهم. وقيل : ولكل يعني ولكل واحد من الفريقين المؤمنين والكافرين درجات ، يعني منازل ومراتب عند الله يوم القيامة بأعمالهم ، فيجازيهم عليها. قال ابن زيد : في هذه الآية درج أهل النار تذهب سفالا ، ودرج أهل الجنة تذهب علوا. (وَلِيُوَفِّيَهُمْ) ، قرأ ابن كثير وأهل البصرة وعاصم بالياء ، وقرأ الباقون بالنون. (أَعْمالَهُمْ) ، ليكتمل لهم ثواب أعمالهم ، (وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ).

(وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ) ، فيقال لهم ، (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا) ، قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو جعفر ويعقوب : أأذهبتم ، بالاستفهام ، ويهمز ابن عامر همزتين ، والآخرون بلا استفهام على الخبر كلاهما فصيحان ، لأن العرب تستفهم بالتوبيخ ، وتترك الاستفهام فتقول : أذهبت ففعلت كذا؟ (وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِها) ، يقول : أذهبتم طيباتكم يعني اللذات وتمتعتم بها؟ (فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ) ، أي العذاب الذي فيه ذل وخزي ، (بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ) ، تتكبرون ، (فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ) ، فلما وبّخ الله الكافرين بالتمتع بالطيبات في الدنيا آثر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه والصالحون اجتناب اللذات في

١٩٦

الدنيا رجاء ثواب الآخرة.

[١٩١٧] وروينا عن عمر قال : دخلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فإذا هو مضطجع على رمال حصير قد أثر الرمال بجنبه ، فقلت : يا رسول الله ادع الله فليوسع على أمتك ، فإن فارس والروم قد وسّع عليهم وهم لا يعبدون الله ، فقال : «أولئك قوم قد عجّلوا طيباتهم في الحياة الدنيا».

[١٩١٨] أخبرنا أبو محمد عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني (١) أنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي أنا أبو سعيد الهيثم بنا كليب [الشاشي](٢) ثنا أبو عيسى الترمذي ثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قال ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن أبي إسحاق قال : سمعت عبد الرحمن بن يزيد يحدث عن الأسود بن يزيد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ما شبع آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

[١٩١٩] أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي أنا أبو الحسين [علي بن محمد بن عبد الله](٣) بن بشران أنا إسماعيل بن محمد بن الصفار ثنا أحمد بن منصور الرمادي ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : لقد كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه نارا وما هو (٤) إلا الماء والتمر ، غير

__________________

[١٩١٧] ـ تقدم في سورة آل عمران عند آية : ١٩٨ وفي سورة الأحزاب ، أخرجه مسلم وغيره.

[١٩١٨] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري ومسلم.

ـ شعبة هو ابن الحجاج ، أبو إسحاق هو عمرو بن عبد الله.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٩٦٧ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «الشمائل» للترمذي ١٤٥ عن محمد بن المثنى ومحمد بن بشار بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه مسلم ٢٩٧٠ ح ٢٢ وأحمد ٦ / ٩٨ وابن ماجه ٣٣٤٦ من طريق محمد بن جعفر به.

ـ وأخرجه الطيالسي ٢٤٦٣ والترمذي ٢٣٨ وأبو يعلى ٤٥٤١ من طريق شعبة به.

وأخرجه أبو يعلى ٤٥٤٠ من طريق إسرائيل عن أبي إسحاق به.

ـ وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.

ـ وأخرجه البخاري ٥٤١٦ و ٦٤٥٤ ومسلم ٢٩٧٤ وأحمد ٦ / ١٥٦ و ٢٥٥ وابن حبان ٦٣٥٨ وابن سعد ١ / ٤٠٢ و ٤٠٣ من طرق عن عائشة.

[١٩١٩] ـ إسناده صحيح ، أحمد الرمادي ثقة روى له مسلم ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.

ـ عروة هو ابن الزبير.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٩٦٩ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «مصنف عبد الرزاق» ٢٠٦٢٥ عن معمر به.

ـ وأخرجه البخاري ٦٤٥٦ و ٦٤٥٨ ومسلم ٢٩٧٢ وأبو داود ٤١٤٦ و ٤١٤٧ والترمذي ١٧٦١ و ٢٤٦ و ٢٤٧١ وابن ماجه ٤١٤٤ و ٤١٥١ وابن سعد ١ / ٤٦٤ وأحمد ٦ / ٤٨ و ٥٠ و ٥٦ و ١٠٨ و ٢٠٧ و ٢١٢ وابن أبي شيبة ١٣ / ٢١٨ ـ ٢١٩ وابن حبان ٦٣٦١ وأبو الشيخ في «أخلاق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم» ٨٥٣ من طرق عن هشام بن عروة به.

ـ وأخرجه البخاري ٢٥٦٧ و ٦٤٥٩ ومسلم ٢٩٧٢ ح ٢٨ وابن أبي شيبة ٦٣٤٨ وابن حبان ٦٣٤٨ من طريق أبي حازم عن يزيد بن رومان عن عروة به.

(١) في المخطوط (ب) «الجرجاني».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) في المطبوع «لنا» والمثبت عن «شرح السنة» والمخطوط (ب)

١٩٧

أن جزى الله نساء من الأنصار خيرا ، كن ربما أهدين لنا شيئا من اللبن.

[١٩٢٠] أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني (١) أنا أبو القاسم الخزاعي أنا الهيثم بن كليب [الشاشي](٢) ثنا أبو عيسى الترمذي ثنا عبد الله بن معاوية الجمحي ثنا ثابت بن يزيد عن هلال بن خبّاب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يبيت الليالي المتتابعة طاويا ، وأهله لا يجدون عشاء ، وكان أكثر خبزهم خبز الشعير.

[١٩٢١] أخبرنا عبد الله بن عبد الصمد الجوزجاني (٣) أنا أبو القاسم الخزاعي أنا الهيثم بن كليب ثنا أبو عيسى ثنا عبد الله بن عبد الرحمن ثنا روح بن أسلم أبو حاتم البصري ثنا حماد بن سلمة أنا ثابت عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لقد أخفت في الله وما يخاف أحد ، ولقد أوذيت في الله وما يؤذي أحد ولقد أتت علي ثلاثون من بين ليلة ويوم وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا شيء (٤) يواريه إبط بلال».

[١٩٢٢] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف ثنا

__________________

[١٩٢٠] ـ إسناده لين ، رجاله ثقات مشاهير غير هلال بن خباب ، فقد وثقه ابن معين وغيره ، وقال ابن حبان : لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد وقال العقيلي : في حديثه وهم ، وقد تغير بأخرة.

ـ فالإسناد لين لكن لأصله ما يشهد له ، إلا أن حديثه محمول على ما قبله.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٩٧٢ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «سنن الترمذي» ٢٣٦١ عن عبد الله بن معاوية بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه ابن ماجه ٣٣٤٧ عن عبد الله بن معاوية به.

ـ وأخرجه أحمد ١ / ٢٥٥ من طريق آخر عن ثابت به.

الخلاصة : الإسناد لين ، لكن لأصله شواهد ، وهو محمول على الذي قبله أي وجود التمر والماء ، والمراد من الحديث عدم وجود الطعام والإدام ، والله أعلم.

[١٩٢١] ـ حسن. إسناده ضعيف لضعف روح بن أسلم ، لكن توبع ومن دونه ، ومن فوقه ثقات.

ـ ثابت هو ابن أسلم البناني.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٩٧٥ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٩٧٥ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «سنن الترمذي» ٢٤٧٢ عن عبد الله بن عبد الرحمن بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه ابن ماجه ١٥١ وأحمد ٣ / ١٢٠ و ٢٨٦ والترمذي في «الشمائل» ١٣٧ وأبو يعلى ٣٤٢٣ وابن أبي شيبة ١١ / ٤٦٤ و ١٤ / ٣٠٠ وابن حبان ٦٥٦٠ وأبو نعيم في «الحلية» ١ / ١٥٠ من طرق عن حماد بن سلمة به.

[١٩٢٢] ـ إسناده صحيح على شرط البخاري.

ـ ابن فضيل هو محمد بن فضيل بن غزوان ، أبو حازم هو سلمة بن دينار.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٩٧٦ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «صحيح البخاري» ٤٤٢ عن يوسف بن عيسى بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه ابن حبان ٦٨٢ والبيهقي ٢ / ٢٤١ من طريق محمد بن فضيل به.

ـ وأخرجه أحمد في «الزهد» ص ١٣ من طريق وكيع عن الفضيل بن غزوان به.

(١) في المخطوط (ب) «الجرجاني».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) في المخطوط (ب) «الجرجاني».

(٤) زيد في المطبوع «من التمر» وليس هو في «شرح السنة» أو المخطوط.

١٩٨

محمد بن إسماعيل ثنا يوسف بن عيسى ثنا ابن فضيل عن أبيه عن أبي حازم عن أبي هريرة أنه قال : لقد رأيت سبعين من أصحاب الصفة ما منهم رجل عليه رداء ، إما إزار وإما كساء ، قد ربطوا في أعناقهم ، فمنها ما يبلغ نصف الساقين ، ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته.

[١٩٢٣] أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة الكشميهني ثنا أبو طاهر محمد [بن أحمد] بن الحارث ثنا أبو الحسن محمد بن يعقوب الكسائي أنا عبد الله بن محمود أنا إبراهيم بن عبد الله الخلال ثنا عبد الله بن المبارك عن شعبة بن الحجاج عن سعد بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم أن عبد الرحمن بن عوف أتي بطعام وكان صائما ، فقال : قتل مصعب بن عمير وهو خير مني فكفن في بردة إن غطي بها رأسه بدت رجلاه ، وإن غطي بها رجلاه بدا رأسه ، قال : وأراه قال : وقتل حمزة وهو خير مني. [فلم يوجد ما يكفن فيه إلّا بردة] ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط ، أو قال أعطينا من الدنيا ما أعطينا وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجّلت لنا ، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام.

وقال جابر بن عبد الله : رأى عمر بن الخطاب لحما معلقا في يدي ، فقال : ما هذا يا جابر؟ قلت : اشتهيت لحما فاشتريته ، فقال عمر : أو كلما اشتهيت شيئا يا جابر اشتريت ، أما تخاف هذه الآية : (أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا).

(وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٢١) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا عَنْ آلِهَتِنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٢) قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٣) فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٤) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاَّ مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (٢٥))

قوله عزوجل : (وَاذْكُرْ أَخا عادٍ) ، يعني هودا ، (إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ) ، قال ابن عباس : الأحقاف واد بين عمان ومهرة. وقال مقاتل : كانت منازل باليمن في حضرموت بموضع يقال له مهرة ، وإليها تنسب الإبل المهرية ، وكانوا أهل عمد سيارة في الربيع فإذا هاج العود رجعوا إلى منازلهم ، وكانوا من قبيلة إرم.

قال قتادة : ذكر لنا أن عادا كانوا أحياء باليمن وكانوا أهل رمل مشرفين على البحر بأرض يقال لها

__________________

[١٩٢٣] ـ صحيح. إسناده حسن لأجل إبراهيم الخلال ، فإنه صدوق ، لكن توبع ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.

ـ إبراهيم هو ابن عبد الرحمن بن عوف سمع أباه وعمر والكبار.

ـ وهو في «شرح السنة» ٣٩٧٩ بهذا الإسناد.

ـ وهو في «الزهد» لابن المبارك ٥٢١ عن شعبة بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ١٢٧٥ و ٤٠٤٥ من طريق ابن المبارك به.

ـ وأخرجه ابن حبان ٧٠١٨ من طريق شعبة له.

ـ وأخرجه البخاري ١٢٧٤ والبيهقي في «الدلائل» ٣ / ٢٩٩ من طريق إبراهيم بن سعد عن أبيه سعد بن إبراهيم له.

١٩٩

الشّحر (١) والأحقاف جمع حقف وهي المستطيل المعوج من الرمال.

قال ابن زيد : هي ما استطال من الرمل كهيئة الجبل ولم يبلغ أن يكون جبلا ، قال الكسائي : هي ما استدار من الرمال ، (وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ) ، مضت الرسل ، (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) ، أي من قبل هود ، (وَمِنْ خَلْفِهِ) ، إلى قومهم ، (أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ).

(قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا) ، لتصرفنا ، (عَنْ آلِهَتِنا) ، أي عن عبادتها ، (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) ، من العذاب ، (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) ، أن العذاب نازل بنا.

(قالَ) ، هود ، (إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ) ، وهو يعلم متى يأتيكم العذاب ، (وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ) ، من الوحي إليكم ، (وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ).

(فَلَمَّا رَأَوْهُ) ، يعني ما يوعدون به من العذاب ، (عارِضاً) ، سحابا يعرض أي يبدو في ناحية من السماء ثم يطبق السماء ، (مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ) ، فخرجت عليهم سحابة سوداء من واد لهم يقال له المغيث ، وكانوا قد حبس عنهم المطر ، فلما رأوها استبشروا ، (قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) ، يقول الله تعالى : (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ) ، فجعلت الريح تحمل الفسطاط وتحمل الظعينة حتى ترى كأنها جرادة.

(تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ) ، مرت به من رجال عاد وأموالها ، (بِأَمْرِ رَبِّها) ، فأول ما عرفوا أنها عذاب رأوا ما كان خارجا من ديارهم من الرجال والمواشي تطير بهم الريح بين السماء والأرض ، فدخلوا بيوتهم وأغلقوا أبوابهم فجاءت الريح فقلعت أبوابهم وصرعتهم ، وأمر الله الريح فأمالت عليهم الرمال ، وكانوا تحت الرمل سبع ليال وثمانية أيام ، لهم أنين ، ثم أمر الله الريح فكشفت عنهم الرمال فاحتملتهم فرمت بهم في البحر.

[١٩٢٤] أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن (٢) الأسفرايني أنا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الحافظ أنا يونس أنا ابن وهب أنا عمرو بن الحارث [أن](٣) أبا النضر حدثه عن سليمان بن يسار عن عائشة أنها قالت : ما رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مستجمعا ضاحكا حتى أرى منه بياض لهواته ، وكان إذا رأى غيما أو ريحا عرف ذلك في وجهه ، فقلت : يا رسول الله إن الناس إذا رأوا الغيم فرحوا ، رجاء أن يكون فيه المطر ، وإذا رأيته عرف في وجهك الكراهية ، فقال : «يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب ، قد عذب قوم بالريح ، وقد رأى قوم العذاب فقالوا : (هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) ، الآية».

[١٩٢٥] أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الأسفرايني أنا

__________________

[١٩٢٤] ـ إسناده صحيح على شرط مسلم ، حيث تفرد عن يونس ، لكن توبع ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.

ـ يونس هو ابن عبد الأعلى ، ابن وهب هو عبد الله ، أبو النضر هو سالم بن أبي أمية.

ـ وهو في «شرح السنة» ١١٤٥ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه البخاري ٤٨٢٨ و ٤٨٢٩ ومسلم ٨٩٩ ح ١٦ من طريق ابن وهب بهذا الإسناد.

ـ وتقدم في سورة النمل عند آية : ١٩.

[١٩٢٥] ـ صحيح. يوسف ثقة ، وقد توبع ومن دونه ، ومن فوقه رجال البخاري ومسلم. ـ

(١) في المخطوط (ب) «الشجر» وفي المخطوط (أ) «السحر».

(٢) في المخطوط (ب) «الحسين».

(٣) زيادة عن المخطوط.

٢٠٠