تفسير البغوي - ج ٤

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي

تفسير البغوي - ج ٤

المؤلف:

الحسين بن مسعود الفراء البغوي الشافعي


المحقق: عبدالرزاق المهدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٤٧

وهو معنى الطمس كما قال الله : (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ) [البقرة : ٢٠] يقول : كما أعمينا قلوبهم لو شئنا أعمينا أبصارهم الظاهرة ، (فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ) ، فتبادروا إلى الطريق ، (فَأَنَّى يُبْصِرُونَ) ، فكيف يبصرون وقد أعمينا أعينهم؟ يعني : لو نشاء لأضللناهم عن الهدى ، وتركناهم عميا يترددون ، فكيف يبصرون الطريق حينئذ؟ هذا قول الحسن والسدي ، وقال ابن عباس وقتادة ومقاتل وعطاء : معناه لو نشاء لفقأنا أعين ضلالتهم ، فأعميناهم عن غيهم ، وحولنا أبصارهم من الضلالة إلى الهدى ، فأبصروا رشدهم (فَأَنَّى يُبْصِرُونَ) ولم أفعل ذلك بهم؟

(وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ) ، يعني مكانهم ، يريد : لو نشاء لجعلناهم قردة وخنازير في منازلهم ، وقيل : لو نشاء لجعلناهم حجارة ، وهم قعود في منازلهم لا أرواح لهم. (فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا وَلا يَرْجِعُونَ) ، يعني إلى ما كانوا عليه ، وقيل : لا يقدرون على ذهاب ولا رجوع.

(وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ) ، قرأ عاصم وحمزة بالتشديد ، وقرأ الآخرون بفتح النون الأولى وضم الكاف مخففا ، أي نرده إلى أرذل العمر شبه الصبي في أول الخلق : وقيل : ننكسه في الخلق أي نضعف جوارحه بعد قوتها ونردها إلى نقصانها بعد زيادتها. (أَفَلا يَعْقِلُونَ) ، فيعتبروا ويعلموا أن الذي قدر على تصريف أحوال الإنسان يقدر على البعث بعد الموت.

قوله تعالى : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ) ، قال الكلبي : إن كفار مكة قالوا : إن محمدا شاعر ، وما يقوله شعر ، فأنزل الله تكذيبا لهم : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ) أي ما يتسهل له ذلك وما كان يتزن له بيت من الشعر ، حتى إذا تمثل ببيت شعر جرى على لسانه منكسرا.

[١٧٨٩] أخبرنا أبو سعيد الشريحي أنا أبو إسحاق الثعلبي أنا الحسين بن محمد الثقفي أنا أحمد بن جعفر بن حمدان (١) ثنا يوسف بن عبد الله بن ماهان أنا موسى بن إسماعيل أنا حماد بن سلمة عن علي بن (٢) زيد عن الحسن أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : كان يتمثل بهذا البيت :

كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيا

فقال أبو بكر : يا رسول الله (٣) إنما قال الشاعر :

كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا

فقال (٤) أبو بكر وعمر : أشهد أنك رسول الله ، يقول الله تعالى : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ).

[١٧٩٠] أخبرنا عبد الواحد [بن أحمد] المليحي أنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح أنا أبو القاسم

__________________

[١٧٨٩] ـ إسناده ضعيف جدا ، وله علل ثلاث : الأولى : ضعف علي بن زيد ، والثانية : الإرسال ، والثالثة : مراسيل الحسن واهية كما هو مقرر في كتب علم الحديث.

ـ وأخرجه ابن سعد في «الطبقات» ١ / ٢٩٨ ـ ٢٩٠ من طريق حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن الحسن به.

ـ وأخرجه الواحدي في «الوسيط» ٣ / ٥١٨ من طريق حماد عن علي بن زيد أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ... فذكره.

[١٧٩٠] ـ صحيح. إسناده حسن في المتابعات لأجل شريك فإنه صدوق لكن تغير حفظه لما تولى القضاء ، وقد توبع وللحديث شاهد ، وباقي الإسناد على شرط الصحيح.

(١) في المطبوع «همدان» والمثبت عن المخطوط.

(٢) زيد في المطبوع «علي بن همدان حدثنا يوسف بن أبي زيد» والتصويب عن «ط» والمخطوط.

(٣) في المخطوط «نبي الله» والمعنى واحد.

(٤) في المخطوط «ثم قال» والمعنى واحد.

٢١

البغوي أنا علي بن الجعد أنا شريك عن المقدام بن شريح عن أبيه قال : قلت لعائشة : أكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتمثل بشيء من الشعر؟ قالت : كان يتمثل من شعر عبد الله بن رواحة ، قالت : وربما قال :

ويأتيك بالأخبار من لم تزود (١)

[١٧٩١] وقال معمر عن قتادة : بلغني أن عائشة سئلت : هل كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتمثل بشيء من الشعر؟ قالت : كان الشعر أبغض الحديث إليه ، قالت : ولم يتمثل بشيء من الشعر إلّا ببيت أخي بني قيس طرفة :

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا

ويأتيك بالأخبار من لم تزود

فجعل يقول : «ويأتيك من لم تزود بالأخبار» فقال أبو بكر رضي الله عنه : ليس هكذا يا رسول الله ، فقال : «إني لست بشاعر ولا ينبغي لي».

(إِنْ هُوَ) ، يعني ما القرآن ، (إِلَّا ذِكْرٌ) ، موعظة ، (وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) ، فيه الفرائض والحدود والأحكام.

(لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ (٧٠) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ (٧١) وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ (٧٢) وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ (٧٣) وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (٧٤) لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (٧٥) فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (٧٦) أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٧٧) وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨))

(لِيُنْذِرَ) ، قرأ أهل المدينة والشام ويعقوب لتنذر بالتاء وكذلك في [سورة](٢) الأحقاف ، وافق ابن كثير في الأحقاف [١٢] أي : لتنذر يا محمد ، وقرأ الآخرون بالياء لينظر القرآن ، (مَنْ كانَ حَيًّا) ، يعني مؤمنا حي (٣) القلب لأن الكافر كالميت في أنه لا يتدبر ولا يتفكر ، (وَيَحِقَّ الْقَوْلُ) ، ويجب

__________________

ـ شريك هو ابن عبد الله ، شريح هو ابن هانئ.

ـ وأخرجه الترمذي ٢٨٥٢ والبخاري في «الأدب المفرد» ٨٦٧ وأحمد ٦ / ١٥٦ والطحاوي في «المعاني» ٤ / ٢٩٧ والبغوي في «الأنوار» ٣٤٩ من طرق عن شريك به.

ـ وأخرجه البخاري في «الأدب المفرد» ٢٩٢ وابن سعد في «الطبقات» ١ / ٢٩٠ من طريق الوليد بن أبي ثور عن سماك عن عكرمة عن عائشة به.

ـ وإسناده ضعيف لضعف الوليد ، وسماك ضعيف في عكرمة خاصة.

ـ وأخرجه أبو يعلى ٢٩٤٥ عن طريق الوليد بن أبي ثور عن عكرمة عن عائشة.

ـ وإسناده ضعيف ، لانقطاعه ، ولضعف الوليد بن أبي ثور.

ـ وله شاهد من حديث ابن عباس أخرجه البزار ٢١٠٦ والطبراني في «الكبير» ١١٧٦٣.

ـ وقال الهيثمي في «المجمع» ١٣٣٤٦ : رجالهما رجال الصحيح.

[١٧٩١] ـ صحيح. أخرجه عبد الرزاق في «التفسير» ٢٤٩٦ عن معمر عن قتادة به.

ـ وأخرجه الطبري ٢٩٢٢٩ من طريق سعيد عن قتادة به ، وهذا مرسل ، لكن المتن صحيح يتأيد بما قبله.

(١) في المطبوع تكرر بيت الشعر ، وقول عائشة.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) في المطبوع «حتى» والمثبت عن «ط» والمخطوط.

٢٢

حجة العذاب (١)(عَلَى الْكافِرِينَ).

[قوله عزوجل :](٢)(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا) ، تولينا خلقه بإبداعنا من غير إعانة أحد ، (أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ) ، ضابطون قاهرون ، أي لم يخلق الأنعام وحشية نافرة من بني آدم لا يقدرون على ضبطها بل هي مسخرة لهم.

وهي قوله : (وَذَلَّلْناها لَهُمْ) ، سخرناها (٣) لهم ، (فَمِنْها رَكُوبُهُمْ) ، أي ما يركبون وهي الإبل ، (وَمِنْها يَأْكُلُونَ) [أي](٤) : من لحمانها.

(وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ) ، أي من أصوافها وأوبارها وأشعارها ونسلها ، (وَمَشارِبُ) ، من ألبانها ، (أَفَلا يَشْكُرُونَ) ، رب هذه النعم.

(وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ) (٧٤) ، يعني : لتمنعهم من عذاب الله ، ولا يكون ذلك قط.

(لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ). قال ابن عباس : لا تقدر الأصنام على نصرهم ومنعهم من العذاب. (وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ) ، أي الكفار جند الأصنام يغضبون لها ويحضرونها في الدنيا وهي لا تسوق إليهم خيرا ولا تستطيع لهم نصرا. وقيل : هذا في الآخرة يؤتى بكل معبود من دون الله تعالى ومعه أتباعه الذين عبدوه كأنهم جند محضرون في النار.

(فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) ، يعني قول كفار مكة في تكذيبك ، (إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ) ، في ضمائرهم من التكذيب ، (وَما يُعْلِنُونَ) ، من عبادة الأصنام (٥) أو ما يعلنون بألسنتهم من الأذى. قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ) ، جدل بالباطل ، (مُبِينٌ) ، بين الخصومة ، يعني إنه مخلوق من نطفة ثم يخاصم ، فكيف لا يتفكر في بدء خلقه حتى يدع الخصومة.

[١٧٩٢] نزلت في أبي بن خلف الجمحي خاصم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في إنكار البعث ، وأتاه بعظم قد بلي ففتته بيده ، فقال : أترى يحيي الله هذا بعد ما رم؟ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نعم ويبعثك ويدخلك النار» ، فأنزل الله هذه الآيات.

(وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ) ، بدأ أمره ثم ، (قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) ، بالية ، ولم يقل رميمة لأنه معدول عن فاعلة وكل ما كان معدولا عن وجهه ووزنه كان مصروفا عن إعرابه (٦) ، كقوله : (وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا) [مريم : ٢٨] ، أسقط الهاء لأنها كانت مصروفة عن باغية.

(قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا

__________________

[١٧٩٢] ـ أخرجه عبد الرزاق في «التفسير» ٢٤٩٨ والطبري ٢٩٢٤٢ من طريقين عن قتادة مرسلا ، وأخرجه برقم ٢٩٢٤١ عن الحسن ، وأخرجه الواحدي ٧٢١ عن أبي مالك ، فهذه المراسيل تتأيد بمجموعها.

(١) زيد في المطبوع «قوله».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) في المطبوع «سخرنا» والمثبت عن المخطوط.

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) في المخطوط «الأوثان» والمعنى واحد.

(٦) في المطبوع و «ط» : «أخواته» والمثبت عن المخطوط.

٢٣

أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (٨٠) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (٨١) إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢) فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٣))

(قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها) ، خلقها ، (أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ).

(الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً) ، قال ابن عباس : هما شجرتان يقال لأحدهما : المرخ وللأخرى العفار ، فمن أراد منهم النار قطع منهما غصنين مثل السواكين وهما خضراوان يقطر منهما الماء ، فيسحق المرخ على العفار فيخرج منها النار بإذن الله عزوجل.

تقول العرب : في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار ، وقال الحكماء : في كل شجر نار إلّا العناب. (فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) ، تقدحون وتوقدون النار من ذلك الشجر ، ثم ذكر ما هو أعظم من خلق الإنسان :

فقال : (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ) ، قرأ يعقوب يقدر بالياء على الفعل ، (عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى) ، أي : قل بلى هو قادر على ذلك ، (وَهُوَ الْخَلَّاقُ) ، يخلق خلقا بعد خلق ، (الْعَلِيمُ) بجميع ما خلق.

(إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٨٢).

(فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ) ، أي ملك ، (كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ).

[١٧٩٣] أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي أنا أبو الطاهر الزيادي أنا أبو بكر محمد بن الحسين القطان حدثنا علي بن الحسين (١) الدارابجردي حدثنا عبد الله بن عثمان أخبرنا عبد الله بن المبارك عن

__________________

[١٧٩٣] ـ ضعيف. إسناده ضعيف لجهالة أبي عثمان ، وبينه وبين معقل واسطة كما سيأتي.

ـ سليمان هو ابن طرخان ، أبو عثمان ، قيل : اسمه سعد.

ـ وهو في «شرح السنة» ١٤٥٨ بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه النسائي في «عمل اليوم والليلة» ١٠٧٤ من طريق ابن المبارك به.

ـ وأخرجه ابن حبان ٣٠٠٢ من طريق يحيى القطان عن سليمان التيمي به.

ـ وأخرجه أبو داود ٣١٢١ وابن ماجه ١٤٤٨ وأحمد ٥ / ٢٦ و ٢٧ وابن أبي شيبة ٣ / ٢٣٧ وأبو عبيد في «فضائل القرآن» ص ١٣٦ والحاكم ١ / ٥٦٥ ، والطبراني ٢٠ / (٥١٠) والبيهقي ٣ / ٣٨٣ من طريق ابن المبارك عن سليمان التيمي عن أبي عثمان ـ غير النهدي ـ عن أبيه عن معقل.

ـ قال الحاكم : وقفه يحيى بن سعيد وغيره عن سليمان التيمي ، والقول فيه قول ابن المبارك ، إذ الزيادة من الثقة مقبولة.

ـ وأخرجه النسائي ١٠٧٥ والطيالسي ٩٣١ والطبراني ٢٠ / (٥١١ و ٥٤١) من طريق سليمان التيمي عن رجل عن أبيه عن معقل بن يسار.

ـ قال الحافظ في «تلخيص الحبير» ٢ / ١٠٤ : وأعله ابن القطان بالاضطراب ، وبالوقف ، وبجهالة حال أبي عثمان ، وأبيه ، ونقل أبو بكر عن العربي عن الدارقطني أنه قال : هذا حديث ضعيف الإسناد ، مجهول المتن ، ولا يصح في الباب حديث.

الخلاصة : هو حديث ضعيف ، ولم يتابع أبو عثمان على هذا الحديث ولا يعرف إلّا به.

(١) في المخطوط «الحسن» والمثبت عن «ط» و «شرح السنة».

٢٤

سليمان التيمي عن أبي عثمان وليس بالنهدي عن معقل بن يسار قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اقرءوا على موتاكم سورة يس».

ورواه محمد بن العلاء عن ابن المبارك ، وقال : عن أبي عثمان وليس بالنهدي عن أبيه عن معقل بن يسار [والله تعالى أعلم](١).

سورة الصافات

مكية وهي مائة واثنتان وثمانون آية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (١) فَالزَّاجِراتِ زَجْراً (٢) فَالتَّالِياتِ ذِكْراً (٣) إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ (٤) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ (٥) إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ (٦))

(وَالصَّافَّاتِ صَفًّا) (١) ، قال ابن عباس ، رضي الله عنهما ، والحسن وقتادة : هم الملائكة في السماء يصفون كصفوف الخلق في الدنيا للصلاة.

[١٧٩٤] أخبرنا عمر بن عبد العزيز القاشاني أخبرنا أبو عمر القاسم بن جعفر الهاشمي أخبرنا أبو علي محمد بن العلاء أحمد اللؤلؤي حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي (٢) حدثنا زهير قال : سألت سليمان الأعمش عن حديث جابر بن سمرة في الصفوف المقدمة فحدثنا عن المسيب بن رافع [عن تميم](٣) بن طرفة عن جابر بن سمرة ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم».

قلنا : وكيف تصف الملائكة عند ربهم؟ قال : «يتمون الصفوف المقدمة ويتراصون في الصف».

وقيل : هم الملائكة تصف أجنحتها في الهواء واقفة حتى يأمرها الله بما يريد. وقيل : هي الطيور

__________________

[١٧٩٤] ـ صحيح. النفيلي روى له البخاري ، وتميم روى له مسلم وباقي الإسناد على شرطهما.

ـ وهو في «شرح السنة» ٨١٠ بهذا الإسناد.

ـ زهير هو ابن معاوية ، سليمان هو ابن مهران.

ـ وهو في «سنن أبي داود» ٦٦١ عن عبد الله بن محمد النفيلي بهذا الإسناد.

ـ وأخرجه ابن حبان ٢١٦٢ من طريق عبد الرحمن بن عمرو البجلي عن زهير بن معاوية به.

ـ وأخرجه مسلم ٤٣٠ والنسائي ٢ / ٩٢ وابن ماجه ٩٩٢ وعبد الرزاق ٢٤٣٢ ، وأحمد ٥ / ١٠١ وابن خزيمة ١٥٤٤ وابن أبي شيبة ١ / ٣٥٣ وأبو عوانة ٢ / ٣٩ وأبو يعلى ٧٤٧٤ وابن حبان ٢١٥٤ من طرق عن الأعمش به.

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المطبوع «النفتيلى» والمثبت عن «ط» و «شرح السنة».

(٣) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع والمثبت عن «ط» و «شرح السنة» و «المخطوط».

٢٥

دليله قوله تعالى : (وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ) [النور : ٤١].

قوله تعالى : (فَالزَّاجِراتِ زَجْراً) (٢) ، يعني [الملائكة](١) تزجر السحاب وتسوقه ، وقال قتادة : هي زواجر القرآن تنهى وتزجر عن القبائح (٢).

(فَالتَّالِياتِ ذِكْراً) (٣) ، هم الملائكة يتلون ذكر الله عزوجل. وقيل : هم جماعة قراء القرآن وهذا كله قسم أقسم الله تعالى به ، وموضع (٣) القسم :

قوله : (إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ) (٤) ، وقيل : فيه إضمار ، أي وربّ الصافات والزاجرات والتاليات ، وذلك أن كفار مكة قالوا : (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً) [ص : ٥]؟ فأقسم الله بهؤلاء [إن إلهكم لواحد](٤).

(رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ) (٥) ، أي مطالع الشمس [قيل أراد به المشارق والمغارب كما قال في موضع آخر [(فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ)](٥) [المعارج : ٤٠] ، فإن قيل : قد قال في موضع : (بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) [المعارج : ٤٠] ، وقال في موضع [آخر](٦)(رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) (١٧) [الرحمن : ١٧] ، وقال في موضع : (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) [المزمل : ٩] ، فكيف وجه التوفيق بين هذه الآيات؟ قيل : أما قوله : (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) [المزمل : ٩] ، أراد به جهة المشرق وجهة المغرب. وقوله : (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) (١٧) [الرحمن : ١٧] أراد مشرق الشتاء ومشرق الصيف ، وأراد بالمغربين : مغرب الشتاء ومغرب الصيف. وقوله : (بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) [المعارج : ٤٠] ، أراد الله تعالى أنه خلق للشمس ثلاثمائة وستين كوة في المشرق وثلاثمائة وستين كوة في المغرب على عدد أيام السنة ، تطلع الشمس منها من ذلك اليوم إلى العام المقبل ، فهي وتغرب في كوة منها لا ترجع إلى الكوة التي تطلع الشمس منها من ذلك اليوم إلى العام المقبل ، فهي المشارق والمغارب ، وقيل : كل موضع شرقت عليه الشمس فهو مشرق وكل موضع غربت عليه الشمس فهو مغرب ، كأنه أراد [به](٧) رب جميع ما شرقت عليه الشمس وغربت.

(إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ) (٦) ، قرأ عاصم ، وبرواية أبي بكر بزينة منونة ، الكواكب نصب أي بتزييننا الكواكب وقرأ حمزة وحفص بزينة منونة الكواكب خفضا على البدل ، أي بزينة بالكواكب ، أي زيناها بالكواكب. وقرأ الآخرون (بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ) ، بلا تنوين على الإضافة. قال ابن عباس : بضوء الكواكب.

(وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ (٧) لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ (٨) دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ (٩) إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ (١٠) فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ (١١))

(وَحِفْظاً). أي حفظناها حفظا. (مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ) ، متمرد يرمون بها.

(لا يَسَّمَّعُونَ) ، قرأ حمزة والكسائي وحفص (يَسَّمَّعُونَ) بتشديد السين والميم ، أي : لا يتسمعون ،

__________________

(١) ما بين المعقوفتين سقط من «المطبوع» والمثبت عن المخطوط و «ط».

(٢) في المخطوط «القبيح» والمعنى واحد.

(٣) في المطبوع «وجواب» والمثبت عن «ط» والمخطوط.

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع واستدرك من «ط» والمخطوط.

(٦) زيادة عن المخطوط.

(٧) زيادة عن المخطوط.

٢٦

فأدغمت التاء في السين ، وقرأ الآخرون بسكون السين خفيف الميم ، (إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى) ، أي إلى الكتبة (١) من الملائكة ، والملأ الأعلى هم الملائكة لأنهم في السماء ، ومعناه أنهم لا يستطيعون الاستماع إلى الملأ الأعلى ، (وَيُقْذَفُونَ) ، يرمون ، (مِنْ كُلِّ جانِبٍ) ، من كل آفاق السماء بالشهب.

(دُحُوراً) ، يبعدونهم عن مجالس الملائكة ، يقال : دحره دحرا ودحورا إذا طرده وأبعده ، (وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ) ، دائم ، قال مقاتل : دائم إلى النفخة الأولى لأنهم يحرقون (٢) ويتخبلون.

(إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ) ، اختلس الكلمة من كلام الملائكة مسارقة ، (فَأَتْبَعَهُ) ، لحقه [وأدركه](٣)(شِهابٌ ثاقِبٌ) ، كوكب مضيء قوي لا يخطئه يقتله ، أو يحرقه أو يخبله ، وإنما يعودون إلى استراق السمع مع علمهم بأنهم لا يصلون إليه طمعا في السلامة ونيل المراد ، كراكب البحر (٤) ، قال عطاء : سمي النجم الذي يرمى به الشياطين ثاقبا لأنه يثقبهم.

(فَاسْتَفْتِهِمْ) ، يعني سلهم يعني أهل مكة ، (أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا) ، يعني من السموات والأرض والجبال ، وهذا استفهام بمعنى التقرير أي هذه الأشياء أشد خلقا كما قال : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) [غافر : ٥٧] ، وقال : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها) [النازعات : ٢٧] ، وقيل : (أَمْ مَنْ خَلَقْنا) يعني من الأمم الخالية ، لأن من يذكر فيمن يعقل ، يقول : إن هؤلاء ليسوا بأحكم خلقا من غيرهم من الأمم ، وقد أهلكناهم بذنوبهم فما الذي يؤمن هؤلاء من العذاب؟ ثم ذكر خلق الإنسان ، فقال : (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ) ، يعني جيدا حرا لاصق يعلق باليد ، ومعناه : اللازم بدلت (٥) الميم باء كأنه يلزم اليد [إذا وضعت فيه فيصبغها ويتراكم عليها](٦) وقال مجاهد والضحاك : منتن.

(بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (١٢) وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ (١٣) وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (١٤) وَقالُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (١٥) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (١٦) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (١٧) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ (١٨))

(بَلْ عَجِبْتَ) ، قرأ حمزة والكسائي بضم التاء ، وهي قراءة ابن مسعود وابن عباس ، والعجب من الله عزوجل ليس كالتعجب من الآدميين ، كما قال : (فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ) [التوبة : ٧٩] ، وقال عزوجل : (نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ) [التوبة : ٦٧] ، والعجب من الآدميين إنكاره وتعظيمه ، والعجب من الله تعالى قد يكون بمعنى الإنكار والذم ، وقد يكون بمعنى الاستحسان والرضا.

[١٧٩٥] كما جاء في الحديث : «عجب ربكم من شاب ليست له صبوة».

__________________

[١٧٩٥] ـ ضعيف. أخرجه أحمد ٤ / ١٥١ وأبو يعلى ١٧٤٩ والطبراني ١٧ / ٣٠٩ والبيهقي في «الأسماء والصفات» ٩٩٣ من طريق ابن لهيعة عن أبي عشانة عن عقبة بن عامر مرفوعا.

وإسناده ضعيف ، لضعف ابن لهيعة. ـ

(١) في المطبوع «الكتيبة» والمثبت عن «ط» والمخطوط.

(٢) في المخطوط «يخرجون».

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) في المطبوع «السفينة» والمثبت عن «ط» والمخطوط.

(٥) في المطبوع «إبدال» والمثبت عن المخطوط.

(٦) ما بين المعقوفتين سقط من المطبوع واستدرك من المخطوط.

٢٧

[١٧٩٦] وجاء في الحديث : «عجب ربكم من إلكم وقنوطكم وسرعة إجابته إياكم» (١) وسئل الجنيد عن هذه الآية ، فقال : إن الله لا يعجب من شيء ولكن الله وافق رسوله لما عجب رسوله فقال : (وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ) [الرعد : ٥] أي هو كما تقوله ، وقرأ الآخرون بفتح التاء على خطاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أي عجبت من تكذيبهم إياك ، (وَيَسْخَرُونَ) ، يعني وهم يسخرون من تعجبك.

قال قتادة : عجب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من هذا القرآن حين أنزل وضلال بني آدم ، وذلك أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يظن أن كل من يسمع القرآن يؤمن به ، فلما سمع المشركون القرآن سخروا منه ولم يؤمنوا به ، فعجب من ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال الله تعالى : (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ) (١٢).

(وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ) (١٣) ، يعني (٢) : إذا وعظوا بالقرآن لا يتعظون.

(وَإِذا رَأَوْا آيَةً) ، قال ابن عباس ومقاتل يعني انشقاق القمر ، (يَسْتَسْخِرُونَ) ، يسخرون ويستهزءون ، وقيل : يستدعي بعضهم عن بعض السخرية.

(وَقالُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) (١٥) ، يعني سحر بين.

(أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) (١٦).

(أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ) (١٧) ، أي وآباؤنا الأولون.

(قُلْ نَعَمْ) ، تبعثون ، (وَأَنْتُمْ داخِرُونَ) ، صاغرون ، والدخور أشد الصغار.

(فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ (١٩) وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ (٢٠) هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢١) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ (٢٢) مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (٢٣) وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (٢٤) ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ (٢٥) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (٢٦))

(فَإِنَّما هِيَ) أي قصة البعث أو القيامة ، (زَجْرَةٌ) ، أي صيحة ، (واحِدَةٌ) ، يعني نفخة البعث ، (فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ) ، أحياء.

(وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ) (٢٠) ، أي يوم الحساب ويوم الجزاء.

__________________

ـ وذكره الهيثمي في «المجمع» ١٠ / ٢٧٠ وقال : رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني ، وإسناده حسن! كذا قال رحمه‌الله ، ومداره على ، ابن لهيعة ، وهو ضعيف ، لا يحتج به ، وأخرجه ابن المبارك في «الزهد» ٣٤٩ موقوفا ، وهو أصح.

[١٧٩٦] ـ ضعيف جدا. ذكره أبو عبيد في «غريب الحديث» ١ / ٣٥٥ بقوله : «رواه عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون عن محمد بن عمرو يرفعه ا ه ، وهذا معضل ، محمد بن عمرو في عداد تابع التابعين ، فالخبر ضعيف جدا.

ـ وأخرج ابن ماجه ٢٨١ من حديث أبي رزين العقيلي قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ضحك ربنا من قنوط عباده ، وقرب غيره» وإسناده لين لأجل وكيع بن عدس ، ولعله تقدم.

(١) ضعيف جدا. أخرجه الترمذي ٣٢٢٩ من طريق الوليد عن زهير به وأخرجه الطبري ٢٩٦٣٥ من طريق عمرو بن أبي سلمة قال : سمعت زهيرا عمن سمع أبا العالية قال : حدثني أبي بن كعب أنه سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن قوله (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) قال : يزيدون عشرين ألفا.

ـ وإسناده ضعيف جدا ، وله علتان : فيه راو لم يسمّ ، فهذه علة ، والثانية : زهير روى عنه أهل الشام مناكير كثيرة ، وهذا الحديث من رواية أهل الشام عنه ، وحسبه الوقف ، والله أعلم.

(٢) في المخطوط «أي».

٢٨

(هذا يَوْمُ الْفَصْلِ) ، يوم القضاء ، وقيل : يوم الفصل بين المحسن والمسيء ، (الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ).

(احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي أشركوا. أجمعوهم إلى الموقف للحساب والجزاء ، (وَأَزْواجَهُمْ) ، أشباههم (١) وأتباعهم وأمثالهم ، قال قتادة والكلبي : كل من عمل مثل عملهم فأهل الخمر مع أهل الخمر وأهل الزنا مع أهل الزنا. وقال الضحاك ومقاتل : قرناءهم من الشياطين كل كافر مع شيطانه في سلسلة. وقال الحسن : وأزواجهم المشركات. (وَما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) ، في الدنيا ، يعني الأوثان والطواغيت. وقال مقاتل : يعني إبليس وجنوده ، واحتج بقوله : (أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ) [يس : ٦٠] ، (فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ) ، قال ابن عباس : دلوهم إلى طريق النار. وقال ابن كيسان : قدّموهم. والعرب تسمي السابق هاديا.

(وَقِفُوهُمْ) ، واحبسوهم ، يقال : وقفته وقفا فوقف وقوفا. قال المفسرون : لما سيقوا إلى النار حبسوا عند الصراط لأن السؤال عند الصراط ، فقيل : وقفوهم (إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) ، قال ابن عباس : عن جميع أقوالهم وأفعالهم. وروي عنه : عن لا إله إلّا الله.

[١٧٩٧] وفي الخبر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن أربعة (٢) أشياء : عن عمره فيما أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه ، [وعن علمه] ما ذا عمل [به](٣)».

(ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ) (٥) ، أي لا تتناصرون ، يقال لهم توبيخا : ما لكم لا ينصر بعضكم بعضا ، يقول لهم خزنة النار هذا جوابا لأبي جهل حين (٤) قال يوم بدر : (نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ) [القمر : ٤٤].

فقال الله تعالى : (بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ) (٢٦) ، قال ابن عباس : خاضعون. وقال الحسن : منقادون ، يقال استسلم للشيء إذا انقاد له وخضع له ، والمعنى : هم اليوم أذلاء منقادون لا حيلة لهم.

__________________

[١٧٩٧] ـ صحيح. أخرجه الترمذي ٢٤١٦ وأبو يعلى ٥٢٧١ والخطيب في «تاريخ بغداد» ١٢ / ٤٤٠ والطبراني في «الصغير» ١ / ٢٦٩ من طريق حميد بن مسعدة عن حصين بن نمير عن حسين بن قيس عن عطاء عن ابن عمر عن ابن مسعود مرفوعا ، وإسناده ضعيف.

ـ قال الترمذي : هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث ابن مسعود عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلّا من حديث الحسين بن قيس وحسين بن قيس يضعّف في الحديث من قبل حفظه.

ـ لكن للحديث شاهد من حديث أبي برزة الأسلمي أخرجه الترمذي ٢٤١٧ والدارمي ١ / ١٣٥ وأبو يعلى ٧٤٣٤ من طرق عن أسود بن عامر عن أبي بكر عن الأعمش عن سعيد بن عبد الله بن جريج عن أبي برزة مرفوعا ، وإسناده حسن ، رجاله ثقات.

ـ قال الترمذي : هذا حديث صحيح.

ـ وأخرجه أبو نعيم في «الحلية» ١٠ / ٢٣٢ من وجه آخر عن ابن نمير عن الأعمش به.

ـ وله شاهد آخر من حديث معاذ أخرجه الخطيب ١١ / ٤٤١ وإسناده ضعيف لضعف عبد المجيد بن عبد العزيز ، لكن يصلح للاعتبار بحديثه.

(١) في المطبوع «أشياعهم» والمثبت عن «ط» والمخطوط.

(٢) في المطبوع «خمس» والمثبت عن «ط» والمخطوط.

(٣) في المطبوع «وما ذا عمل فيما علم» والمثبت عن «ط» والمخطوط.

(٤) في المطبوع «حيث» والمثبت عن «ط» والمخطوط.

٢٩

(وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٧) قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ (٢٨) قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٢٩) وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ (٣٠) فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ (٣١) فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ (٣٢) فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٣) إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (٣٤) إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ (٣٥) وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ (٣٦) بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (٣٧))

(وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) ، أي الرؤساء والأتباع (يَتَساءَلُونَ) ، يتخاصمون.

(قالُوا) ، أي الأتباع للرؤساء ، (إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ) ، أي من قبل الدين فتضلوننا عنه وتروننا أن الدين ما تضلوننا به ، قاله الضحاك ، وقال مجاهد : عن الصراط الحق ، واليمين عبارة عن الدين والحقّ ، كما أخبر الله تعالى عن إبليس : (ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ) [الأعراف : ١٧] ، فمن أتاه الشيطان من قبل اليمين أتاه من قبل الدين فلبّس عليه الحق. وقال بعضهم : كان الرؤساء يحلفون لهم أن ما يدعونهم إليه هو الحق ، فمعنى قوله : (تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ) أي من ناحية الأيمان التي كنتم تحلفونها فوثقنا بها. وقيل : عن اليمين أي عن القوة والقدرة ، كقوله : (لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ) (٤٥) [الحاقة : ٤٥] ، والمفسرون على القول الأول.

(قالُوا) ، يعني الرؤساء للأتباع ، (بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) ، لم تكونوا على الحق فنضلكم عنه ، أي إنما الكفر من قبلكم.

(وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) ، من قوة وقدرة فنقهركم على متابعتنا ، (بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ) ، ضالين.

(فَحَقَ) ، وجب ، (عَلَيْنا) ، جميعا ، (قَوْلُ رَبِّنا) ، يعني كلمة العذاب ، وهي قوله : (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [السجدة : ١٣]. (إِنَّا لَذائِقُونَ) ، العذاب ، أي أن الضال والمضل جميعا في النار.

(فَأَغْوَيْناكُمْ) ، فأضللناكم عن الهدى ودعوناكم إلى ما كنا عليه ، (إِنَّا كُنَّا غاوِينَ) ، ضالين.

قال الله : (فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) (٣٣) [أي](١) الرؤساء والأتباع.

(إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) (٣٤) ، قال ابن عباس : الذين جعلوا لله شركاء (٢).

(إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ) (٣٥) ، يتكبرون عن كلمة التوحيد ويمتنعون منها.

(وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ) (٣٦) يعنون (٣) النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

قال الله عزوجل ردّا عليهم : (بَلْ جاءَ) ، محمد ، (بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ) ، أي أنه أتى بما أتى به المرسلون قبله.

(إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ (٣٨) وَما تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٩) إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (٤٠) أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (٤١) فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (٤٢) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٤٣) عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (٤٤) يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (٤٥)

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المخطوط «شريكا» والمعنى واحد.

(٣) في المطبوع «يعني» والمثبت عن «ط» والمخطوط.

٣٠

بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (٤٦) لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ (٤٧) وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ (٤٨) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (٤٩))

(إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ (٣٨) وَما تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٣٩) ، في الدنيا من الشرك.

(إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) (٤٠) ، الموحدين.

(أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ) (٤١) ، يعني بكرة وعشيا كما قال : (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) [مريم : ٦٢].

(فَواكِهُ) جمع الفاكهة وهي الثمار كلها رطبها ويابسها وهي كل طعام يؤكل للتلذذ لا للقوت ، (وَهُمْ مُكْرَمُونَ) ، بثواب الله.

(فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٤٣) عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) (٤٤) ، لا يرى بعضهم قفا بعض.

(يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ) ، إناء فيه شراب ولا يكون كأسا حتى يكون فيه شراب ، وإلّا فهو إناء ، (مِنْ مَعِينٍ) ، خمر جارية في الأنهار ظاهرة تراها العيون.

(بَيْضاءَ) ، قال الحسن : خمر أشد بياضا من اللبن ، (لَذَّةٍ) ، أي لذيذة ، (لِلشَّارِبِينَ).

(لا فِيها غَوْلٌ) ، قال الشعبي : لا تغتال عقولهم فتذهب بها. قال الكلبي [ليس فيها](١) إثم. وقال قتادة : وجع البطن. وقال الحسن : صداع. وقال أهل المعاني : الغول فساد يلحق في خفاء ، يقال : اغتاله اغتيالا إذا أفسد عليه أمره في خفية ، وخمرة الدنيا يحصل منها أنواع من الفساد ، منها السكر وذهاب العقل ووجع البطن والصداع والقيء والبول ، ولا يوجد شيء من ذلك في خمر الجنة. (وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) ، قرأ حمزة والكسائي (يُنْزَفُونَ) بكسر الزاي وافقهما عاصم في الواقعة [١٩] ، وقرأ الآخرون بفتح الزاي فيهما فمن فتح الزاي فمعناه : لا يغلبهم على عقولهم ولا يسكرون ، يقال : نزف الرجل فهو منزوف ونزيف إذا سكر ، ومن كسر الزاي فمعناه : لا ينفذ (٢) شرابهم ، يقال أنزف الرجل فهو منزف إذا فنيت خمرته.

(وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ) ، حابسات الأعين غاضات الجفون قصرن (٣) أعينهن على أزواجهن لا ينظرن إلى غيرهم ، (عِينٌ) ، أي حسان الأعين ، يقال : رجل أعين وامرأة عيناء ونساء عين.

(كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ) ، جمع البيضة ، (مَكْنُونٌ) ، مصون (٤) مستور ، وإنما ذكر المكنون والبيض جمع لأنه رده إلى اللفظ. قال الحسن : [شبههنّ ببيض [النعام (٥) لأن] النعامة تكنها بالريش من الريح والغبار حين خروجها] ، فلونها أبيض في صفرة. ويقال : هذا أحسن ألوان النساء أن تكون المرأة بيضاء مشرّبة صفرة ، والعرب تشبهها ببيضة النعامة.

(فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٥٠) قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ (٥١) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (٥٢) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (٥٣) قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (٥٤) فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ (٥٥) قالَ تَاللهِ إِنْ

__________________

(١) سقط من المطبوع ، واستدرك من المخطوط.

(٢) في المطبوع «ينزف» والمثبت عن «ط» والمخطوط.

(٣) في المخطوط «قصرت».

(٤) في المطبوع «مضمون» والمثبت عن «ط» والمخطوط.

(٥) زيادة عن المخطوط.

٣١

كِدْتَ لَتُرْدِينِ (٥٦) وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٥٧) أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (٥٨) إِلاَّ مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٥٩) إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٠) لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ (٦١) أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (٦٢))

(فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) (٥٠) ، يعني أهل الجنة في الجنة يسأل بعضهم بعضا عن حاله في الدنيا.

(قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ) ، يعني من أهل الجنة ، (إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ) ، في الدنيا ينكر البعث. قال مجاهد : كان شيطانا. وقال الآخرون : كان من الإنس. وقال مقاتل : كانا أخوين. وقال الباقون : كانا شريكين أحدهما كافر اسمه قطروس (١) والآخر مؤمن اسمه يهوذا ، وهما اللذان قصّ الله تعالى خبرهما في سورة الكهف في قوله تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ) [٣٢].

(يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ) (٥٢) ، بالبعث.

(أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ) (٥٣) ، مجزيون ومحاسبون وهذا استفهام إنكار.

(قالَ) ، الله تعالى لأهل الجنة : (هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ) ، إلى النار ، وقيل : يقول المؤمن لإخوانه من أهل الجنة هل أنتم مطلعون إلى النار لننظر كيف منزلة أخي فيقول أهل الجنة : أنت أعرف به منا.

(فَاطَّلَعَ) ، قال ابن عباس : إن في الجنة كوى ينظر أهلها منها إلى النار ، فاطلع هذا المؤمن ، (فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ) ، فرأى قرينه في وسط النار ، وإنما سمي وسط الشيء سواء لاستواء الجوانب منه.

(قالَ) ، له ، (تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ) والله لقد كدت أن تهلكني ، قال مقاتل : [معناه](٢) والله لقد كدت أن تغويني ، ومن أغوى إنسانا فقد أهلكه.

(وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي) ، رحمته وإنعامه علي بالإسلام ، (لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) ، معك في النار.

(أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى) (٥٨) ، في الدنيا ، (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) ، قال بعضهم : يقول هذا أهل الجنة للملائكة حين يذبح الموت : أفما نحن بميتين؟ فتقول لهم الملائكة : لا.

فيقولون : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٦٠) ، وقيل : إنما يقولونه على جهة الحديث بنعمة الله عليهم في أنهم لا يموتون ولا يعذبون. وقيل : يقوله المؤمن لقرينه على جهة التوبيخ بما كان ينكره.

قال الله تعالى : (لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ) (٦١) ، أي لمثل هذا المنزل ولمثل هذا النعيم الذي ذكره من قوله : (أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ) (٤١) ، إلى (فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ).

(أَذلِكَ). أي ذلك الذي ذكر لأهل الجنة ، (خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ) ، التي هي نزل أهل النار ، والزقوم : [ثمرة](٣) شجرة خبيثة مرة كريهة الطعم ، يكره أهل النار على تناولها ، فهم يتزقمونه على أشد كراهية ، ومنه قولهم : تزقّم الطعام إذا تناوله على كره ومشقة.

(إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (٦٣) إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (٦٤) طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (٦٥) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٦٦) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ (٦٧) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (٦٨)

__________________

(١) في المخطوط «قرطوس».

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيادة عن «ط» والمخطوط.

٣٢

إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ (٦٩) فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ (٧٠) وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (٧١) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (٧٢) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣) إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (٧٤))

(إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ) (٦٣) ، للكافرين وذلك أنهم قالوا : كيف يكون في النار شجرة والنار تحرق الشجر؟ وقال ابن الزبعرى لصناديد قريش : إن محمدا يخوّفنا بالزقوم ، والزقوم بلسان بربر الزبد والتمر ، فأدخلهم أبو جهل بيته ، وقال يا جارية : زقمينا فأتتهم بالزبد والتمر ، فقال : تزقموا فهذا ما يوعدكم به محمد.

فقال الله تعالى : (إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) (٦٤) ، قعر النار ، وقال الحسن : أصلها في قعر جهنم وأغصانها ترتفع إلى دركاتها.

(طَلْعُها) ، ثمرها سمي طلعا لطلوعه ، (كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : هم الشياطين بأعيانهم شبه بها لقبحها ، لأن الناس إذا وصفوا شيئا بغاية القبح قالوا : كأنه شيطان ، وإن كانت الشياطين لا ترى لأن قبح صورتها متصور في النفس ، وهذا معنى قول ابن عباس والقرظي ، وقال بعضهم : أراد بالشياطين الحيات ، والعرب تسمي الحية القبيحة المنظر شيطانا. وقيل : هي شجرة قبيحة مرّة منتنة تكون في البادية تسميها العرب رءوس الشياطين.

(فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ) (٦٦) ، والملء حشو الوعاء بما لا يحتمل الزيادة عليه.

(ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً) ، خلطا ومزاجا ، (مِنْ حَمِيمٍ) ، من ماء حار شديد الحرارة ، يقال : إنهم إذا أكلوا الزقوم شربوا عليه الحميم فيشوب الحميم في بطونهم الزقوم فيصير شوبا له.

(ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ) ، بعد شرب الحميم ، (لَإِلَى الْجَحِيمِ) ، وذلك أنهم يوردون الحميم لشربه وهو خارج من الجحيم كما يورد الإبل الماء ، ثم يردون إلى الجحيم ، يدل (١) عليه قوله تعالى : (يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) (٤٤) [الرحمن] ، وقرأ ابن مسعود : «ثم إن منقلبهم لإلى الجحيم».

(إِنَّهُمْ أَلْفَوْا) وجدوا ، (آباءَهُمْ ضالِّينَ). (فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ) (٧٠) ، يسرعون ، قال الكلبي : يعملون مثل أعمالهم.

(وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ) (٧١) ، من الأمم الخالية.

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (٧٢) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ) (٧٣) ، الكافرين أي كان عاقبتهم العذاب.

(إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) (٤٠) ، الموحدين نجوا من العذاب.

(وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (٧٥) وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦) وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (٧٧) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (٧٨) سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (٧٩) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٠) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (٨١) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٨٢) وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ (٨٣) إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٤) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ (٨٥) أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ (٨٦) فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٨٧) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقالَ إِنِّي

__________________

(١) في المطبوع «دل» والمثبت عن المخطوط.

٣٣

سَقِيمٌ (٨٩) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (٩٠) فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٩١))

قوله عزوجل : (وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ) ، دعا ربه على قومه فقال : (أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) [القمر : ١٠](فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ) ، نحن يعني أجبنا دعاءه وأهلكنا قومه.

(وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) (٧٦) ، الغم العظيم الذي لحق قومه وهو الغرق.

(وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ) (٧٧) ، وأراد أن الناس كلهم من نسل نوح ، روى الضحاك عن ابن عباس قال : لما خرج نوح من السفينة مات من كان معه من الرجال والنساء إلّا ولده ونساءهم ، قال سعيد بن المسيب : كان ولد نوح ثلاثة : سام وحام ويافث ، فسام أبو العرب وفارس والروم ، وحام أبو السودان ، ويافث أبو الترك والخزر ويأجوج ومأجوج وما هنالك.

(وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) (٧٨) ، أي أبقينا له ثناء حسنا وذكرا جميلا فيمن بعده من الأنبياء والأمم إلى يوم القيامة.

(سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ) (٧٩) ، أي سلام عليه منّا في العالمين. وقيل : أي تركنا عليه في الآخرين أن يصلى عليه إلى يوم القيامة.

(إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (٨٠) ، قال مقاتل : جزاه الله بإحسانه الثناء الحسن في العالمين.

(إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (٨١) ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) (٨٢) ، يعني الكفار.

قوله تعالى : (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ) ، أي من أهل دينه وملته وسنته ، (لَإِبْراهِيمَ). (إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٤)) ، مخلص من الشرك والشك.

(إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ) (٨٥) ، استفهام توبيخ.

(أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ) (٨٦) ، يعني أتأفكون إفكا وهو أسوأ الكذب ، وتعبدون آلهة سوى الله.

(فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٨٧) ، إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره أنه يصنع بكم.

(فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ) (٨٩) ، قال ابن عباس : كان قومه يتعاطون علم النجوم فعاملهم من حيث كانوا [يتعاطون](١) لئلا ينكروا عليه ، وذلك أنه أراد أن يكايدهم في أصنامهم ليلزمهم الحجة في أنها غير معبودة ، وكان لهم من الغد عيد ومجمع وكانوا يدخلون على أصنامهم ويقربون لهم القرابين ، ويضعون (٢) بين أيديهم الطعام قبل خروجهم إلى عيدهم ، زعموا لتبرك (٣) عليه فإذا انصرفوا من عيدهم أكلوه ، فقالوا لإبراهيم : ألا تخرج غدا معنا إلى عيدنا ، فنظر إلى النجوم فقال : إني سقيم ، قال ابن عباس : مطعون ، وكانوا يفرون من الطاعون فرارا عظيما. قال الحسن : مريض. وقال مقاتل : وجع. وقال الضحاك : سأسقم.

(فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ) (٩٠) ، إلى عيدهم فدخل إبراهيم على الأصنام فكسرها.

كما قال الله تعالى : (فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ) ، مال إليها ميلة في خفية ، ولا يقال : (راغ) حتى يكون

__________________

(١) زيادة عن المخطوط.

(٢) في المطبوع «ويفرشون لهم الفراش ، ويضعون» والمثبت عن المخطوط.

(٣) في المخطوط : «التبارك» وفي «ط» : «للتبارك».

٣٤

صاحبه مخفيا (١) لذهابه ومجيئه ، (فَقالَ) استهزاء بها. (أَلا تَأْكُلُونَ) ، يعني الطعام الذي بين أيديكم.

(ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ (٩٢) فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (٩٣) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (٩٤) قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ (٩٥) وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ (٩٦) قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (٩٧) فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ (٩٨) وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (٩٩))

(ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ فَراغَ عَلَيْهِمْ) (٩٢) [مال عليهم](٢)(ضَرْباً بِالْيَمِينِ) ، أي كان يضربهم بيده اليمنى لأنها أقوى على العمل من الشمال. وقيل : باليمين أي بالقوة. وقيل : أراد به القسم أي القسم الذي سبق منه وهو قوله : (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) [الأنبياء : ٥٧].

(فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ) ، يعني إلى إبراهيم ، (يَزِفُّونَ) ، يسرعون وذلك أنهم أخبروا بصنيع إبراهيم بآلهتهم فأسرعوا إليه ليأخذوه ، وقرأ الأعمش وحمزة (يَزِفُّونَ) بضم الياء وقرأ الآخرون بفتحها ، وهما لغتان وقيل بضم الياء : أي يحملون دوابهم على الجد والإسراع.

(قالَ) ، لهم إبراهيم على وجه الحجاج ، (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) ، يعني ما تنحتون بأيديكم [من الأصنام](٣).

(وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) (٩٦) ، وفيه دليل على أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى.

(قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ) (٧٩) ، معظم النار ، قال مقاتل : بنوا له حائطا من الحجارة (٤) طوله في السماء ثلاثون ذراعا وعرضه عشرون ذراعا ، وملئوه من الحطب وأوقدوا فيه النار فطرحوه فيها.

(فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً) ، شرا وهو أن يحرقوه ، (فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ) ، أي المقهورين حيث سلّم الله تعالى إبراهيم وردّ كيدهم.

(وَقالَ) ، يعني إبراهيم ، (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي) ، أي مهاجر إلى ربي ، والمعنى : أهجر دار الكفر وأذهب إلى مرضاة ربي ، قاله بعد الخروج من النار ، كما قال : (إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي) [العنكبوت : ٢٦] ، (سَيَهْدِينِ) ، إلى حيث أمرني بالمصير إليه وهو الشام. قال مقاتل : فلما قدم الأرض المقدسة سأل ربه الولد.

(رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠٠) فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (١٠١) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢) فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣))

فقال : (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) (١٠٠) ، يعني هب لي ولدا صالحا من الصالحين.

(فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ) (١٠١) ، قيل بغلام في صغره حليم في كبره ، ففيه بشارة أنه نبي وأنه يعيش فينتهي في السن حتى يوصف بالحلم.

__________________

(١) في المطبوع «مخيفا» والمثبت عن «ط» والمخطوط.

(٢) زيادة عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) في المطبوع «الحجر» والمثبت عن المخطوط.

٣٥

(فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) ، قال ابن عباس وقتادة : يعني المشي معه إلى الجبل.

وقال مجاهد عن ابن عباس : لما شبّ حتى بلغ سعيه سعي إبراهيم.

والمعنى : بلغ أن يتصرف معه ويعينه في عمله. قال الكلبي : يعني العمل لله تعالى وهو قول الحسن ومقاتل بن حيان وابن زيد ، قالوا : هو العبادة لله تعالى ، واختلفوا في سنه ، قيل : كان ابن ثلاث عشرة سنة. وقيل : كان ابن سبع سنين. قوله تعالى : (قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ).

واختلف العلماء من المسلمين في هذا الغلام الذي أمر إبراهيم بذبحه بعد اتفاق أهل الكتابين على أنه إسحاق ، فقال قوم : هو إسحاق وإليه ذهب من الصحابة عمرو وعلي وابن مسعود وابن عباس ، ومن التابعين وأتباعهم كعب الأحبار وسعيد بن جبير وقتادة ومسروق وعكرمة وعطاء ومقاتل والزهري والسدي ، وهي رواية عكرمة وسعيد بن جبير عن ابن عباس ، وقالوا : وكانت هذه القصة بالشام.

وروي عن سعيد بن جبير قال : أري إبراهيم ذبح إسحاق في المنام فسار به مسيرة شهر في غداة واحدة حتى أتى به المنحر بمنى ، فلما أمره الله تعالى بذبح الكبش ذبحه وسار به مسيرة شهر في روحة واحدة وطوبت له الأودية والجبال. وقال آخرون : هو إسماعيل ، وإليه ذهب عبد الله بن عمر وهو قول سعيد بن المسيب والشعبي والحسن البصري ومجاهد والربيع بن أنس ومحمد بن كعب القرظي ، والكلبي وهي رواية عطاء بن أبي رباح ويوسف بن ماهك عن ابن عباس ، قال المفدي إسماعيل ، وكلا القولين يروى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ومن ذهب إلى أن الذبيح إسحاق احتج من القرآن بقوله : (فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) (١٠١) أمر بذبح من بشّر به ، وليس في القرآن أنه بشّر بولد سوى إسحاق ، كما قال في سورة هود [٧١](فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ) ، ومن ذهب إلى أنه إسماعيل احتج بأن الله تعالى ذكر البشارة بإسحاق بعد الفراغ من قصة المذبوح فقال : (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) (١١٢) [الصافات : ١١٢] ، دلّ على أن المذبوح غيره ، وأيضا قال الله تعالى في سورة هود [٧١] : (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ) ، فلما بشره بإسحاق بشره بابنه يعقوب ، فكيف يأمره بذبح إسحاق وقد وعده بنافلة منه. قال القرظي : سأل عمر بن عبد العزيز رجلا كان من علماء اليهود أسلم وحسن إسلامه : أي ابني إبراهيم أمر بذبحه؟ فقال : إسماعيل ، ثم قال : يا أمير المؤمنين إن اليهود لتعلم ذلك ولكنهم يحسدونكم معشر العرب على أن يكون أباكم الذي كان من أمر الله تعالى بذبحه ، ويزعمون أنه إسحاق بن إبراهيم.

ومن الدليل عليه : أن قرني الكبش كانا منوطين بالكعبة في أيدي بني إسماعيل (١) إلى أن احترق البيت واحترق القرنان في أيام ابن الزبير والحجاج.

قال الشعبي : رأيت قرني الكبش منوطين بالكعبة.

وعن ابن عباس قال : والذي نفسي بيده لقد كان أول الإسلام وأن رأس الكبش لمعلق بقرنيه في ميزاب الكعبة ، وقد وحش يعني يبس.

قال الأصمعي : سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح إسحاق كان أو إسماعيل؟ فقال : يا أصمعي (٢) أين ذهب عقلك متى كان إسحاق بمكة؟ إنما كان إسماعيل بمكة ، وهو الذي بنى البيت مع أبيه.

__________________

(١) تصحف في المخطوط إلى «إسحاق».

(٢) في المطبوع «أصيمع» والمثبت عن المخطوط.

٣٦

وأما قصة الذبح قال السدي : لما دعا إبراهيم فقال : ربّ هب لي من الصالحين وبشر به ، قال : هو إذا لله ذبيح ، فلما ولد وبلغ معه السعي قيل له : أوف بنذرك ، هذا هو السبب في أمر الله تعالى إياه بذبح ابنه ، فقال عند ذلك لإسحاق : انطلق فقرب قربانا لله تعالى فأخذ سكينا وحبلا فانطلق معه حتى ذهب به بين الجبال ، فقال له الغلام : يا أبت أين قربانك؟ فقال : (يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ).

وقال محمد بن إسحاق : كان إبراهيم إذا زار هاجر وإسماعيل حمل على البراق فيغدو من الشام فيقبل بمكة ويروح من مكة فيبيت عند أهله بالشام ، حتى إذا بلغ إسماعيل معه السعي وأخذ بنفسه ورجاه لما كان يأمل فيه من عبادة ربه وتعظيم حرماته ، أمر في المنام أن يذبحه ، وذلك أنه رأى ليلة التروية كأن قائلا يقول له : إن الله يأمرك بذبح ابنك هذا ، فلما أصبح روى في نفسه أي فكر من الصباح إلى الرواح أمن الله هذا الحلم (١) أم من الشيطان؟ فمن ثم سمي يوم التروية ، فلما أمسى رأى في المنام ثانيا فلما أصبح عرف أن ذلك من الله عزوجل ، فمن ثم سمي يوم عرفة ، قال مقاتل : رأى ذلك إبراهيم ثلاث ليال متواليات (٢) ، فلما تيقن ذلك أخبر به ابنه ، فقال : (يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى).

قرأ حمزة والكسائي ترى بضم التاء وكسر الراء ما ذا تشير ، وإنما أمره ليعلم صبره على أمر الله تعالى وعزيمته على طاعته ، وقرأ العامة بفتح التاء والراء إلّا أبا عمرو فإنه يميل الراء ، قال له ابنه : (يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ).

وقال ابن إسحاق وغيره : فلما أمر إبراهيم بذلك قال لابنه : يا بني خذ الحبل والمدية ننطلق إلى هذا الشعب نحتطب ، فلما خلا إبراهيم بابنه في شعب ثبير أخبره بما أمر ، (قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ).

(فَلَمَّا أَسْلَما) ، انقادا وخضعا لأمر الله تعالى ، قال قتادة : أسلم إبراهيم ابنه وأسلم الابن نفسه (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) ، أي صرعه على الأرض. قال ابن عباس : أضجعه على [جنبه على](٣) الأرض والجبهة بين الجبينين ، قالوا : فقال له ابنه الذي أراد ذبحه : يا أبت اشدد رباطي حتى لا أضطرب ، واكفف عني ثيابك حتى لا ينتضح عليها من دمي شيء فينقص أجري وتراه أمي فتحزن ، واستحد شفرتك وأسرع مرّ السكين على حلقي ليكون أهون علي فإن الموت شديد ، وإذا أتيت أمي فاقرأ عليها‌السلام مني وإن رأيت أن ترد قميصي على أمي فافعل ، فإنه عسى أن يكون أسلى لها عني ، فقال له إبراهيم عليه‌السلام : نعم العون أنت يا بني على أمر الله ، ففعل إبراهيم ما أمر به ابنه ، ثم أقبل عليه فقبله وقد ربطه وهو يبكي والابن أيضا يبكي ، ثم إنه وضع السكين على حلقه فلم تحك السكين.

ويروى : أنه كان يجر الشفرة في حلقه (٤) فلا تقطع (٥) ، فشحذها مرتين أو ثلاثا بالحجر ، كل ذلك وهي لا تستطيع. قال السدي : ضرب الله تعالى صفحة من نحاس على حلقه ، قالوا : فقال الابن عند ذلك : يا أبت كبني بوجهي [إلى الأرض](٦) على جبيني فإنك إذا نظرت في وجهي رحمتني وأدركتك رقة

__________________

(١) في المطبوع «والحكم» والمثبت عن «ط» والمخطوط.

(٢) في المخطوط «متتابعات» والمعنى واحد.

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) في المخطوط (أ): «السكين على» والمعنى واحد.

(٥) في المطبوع «يقطع» والمثبت عن المخطوط.

(٦) زيادة عن المخطوط.

٣٧

تحول بينك وبين أمر الله تعالى ، وأنا لا انظر إلى الشفرة فأجزع ، ففعل ذلك إبراهيم ثم وضع الشفرة على قفاه فانقلبت السكين : (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا).

وروى أبو هريرة عن كعب الأحبار وابن إسحاق عن رجاله : لما رأى إبراهيم ذبح ابنه قال الشيطان : لئن لم أفتن عند هذا آل إبراهيم لا أفتن منهم أحدا أبدا فتمثل له الشيطان رجلا وأتى أم الغلام ، فقال لها : هل تدرين أين ذهب إبراهيم بابنك؟ قالت : ذهب به يحتطبان من هذا الشعب قال : لا والله ما ذهب به إلّا ليذبحه ، قالت : كلا هو أرحم به وأشد حبا له من ذلك ، قال : إنه يزعم أن الله قد أمره بذلك ، قالت : فإن كان ربه أمره بذلك فقد أحسن أن يطيع ربه ، فخرج الشيطان من عندها حتى أدرك الابن وهو يمشي على إثر أبيه ، فقال : يا غلام هل تدري أين يذهب بك أبوك؟ قال : نحتطب لأهلنا من هذا الشعب ، قال : والله ما يريد إلّا أن يذبحك ، قال : والله ما يريد إلّا أن يذبحك ، قال : ولم؟ قال : زعم أن ربه أمره بذلك ، قل : فليفعل ما أمره به ربه فسمعا وطاعة ، فلما امتنع منه الغلام أقبل على إبراهيم عليه‌السلام فقال له : أين تريد أيها الشيخ؟ قال أريد هذا الشعب لحاجة لي فيه ، قال : والله إني لأرى (١) الشيطان قد جاءك في منامك فأمرك (٢) بذبح ابنك (٣) هذا ، فعرفه إبراهيم عليه‌السلام ، فقال : إليك عني يا عدو الله فو الله لأمضين لأمر ربي ، فرجع إبليس بغيظه لم يصب من إبراهيم وآله شيئا مما أراد ، قد امتنعوا منه بعون الله تعالى.

وروى أبو الطفيل عن ابن عباس أن إبراهيم لما أمر بذبح ابنه عرض له الشيطان بهذا المشعر فسابقه فسبقه إبراهيم ، ثم ذهب إلى جمرة العقبة فعرض له الشيطان فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، ثم أدركه عند الجمرة الكبرى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ، ثم مضى إبراهيم لأمر الله عزوجل قال الله عزوجل : (فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) (١٠٣).

(وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥) إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (١٠٦))

(وَنادَيْناهُ) ، الواو في وناديناه صلة مقحمة مجازه ناديناه كقوله : (وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ) [يوسف : ١٥] أي أوحينا فنودي من الجبل ، (أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) ، تم الكلام هاهنا ثم ابتدأ فقال : (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (١٠٥) ، والمعنى : إنا كما عفونا عن إبراهيم عند ذبح ولده [كذلك](٤) نجزي من أحسن في طاعتنا ، قال مقاتل : جزاه الله بإحسانه في طاعته العفو عن ذبح ابنه.

(إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ) (١٠٦) ، الاختبار الظاهر حيث اختبره بذبح ابنه.

وقال مقاتل : البلاء هاهنا النعمة ، وهي أن فدى ابنه بالكبش ، فإن قيل : كيف قال صدقت الرؤيا وكان قد رأى الذبح ولم يذبح؟ قيل : جعله مصدقا لأنه قد أتى بما أمكنه ، والمطلوب إسلامهما لأمر الله تعالى وقد فعلا.

وقيل : كان [قد](٥) رأى في النوم معاجلة الذبح ولم ير إراقة الدم ، وقد فعل في اليقظة ما رأى في النوم ، فلذلك قال له : قد صدقت الرؤيا.

__________________

(١) في المطبوع «لا أرى» والمثبت عن المخطوط و «ط».

(٢) في المخطوط «فأمر».

(٣) في المخطوط «بنيك».

(٤) زيادة عن المخطوط.

(٥) زيادة عن المخطوط.

٣٨

(وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (١٠٧) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (١٠٨) سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (١٠٩) كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١١٠) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١١١) وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٢) وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (١١٣) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ (١١٤) وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (١١٥) وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (١١٦))

قوله : (وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) (١٠٧) ، فنظر إبراهيم فإذا هو بجبريل ومعه كبش أملح أقرن ، فقال : هذا فداء لابنك فاذبحه دونه ، فكبّر جبريل وكبّر الكبش وكبّر إبراهيم وكبّر ابنه ، فأخذ إبراهيم الكبش فأتى به المنحر من منى فذبحه.

قال أكثر المفسرين : كان ذلك الكبش (١) رعى في الجنة أربعين خريفا. وروي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : الكبش الذي ذبحه إبراهيم هو الذي قربه ابن آدم [هابيل]. قال سعيد بن جبير : حق له أن يكون عظيما. قال مجاهد : سماه عظيما لأنه متقبل. وقال الحسين بن الفضل : لأنه كان من عند الله. وقيل : عظيم في الشخص. وقيل : في الثواب. وقال الحسن : ما فدي إسماعيل إلّا بتيس من الأروى أهبط عليه من ثبير.

(وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) (١٠٨) ، أي تركنا له في الآخرين ثناء حسنا.

(سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (١٠٩) كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١١٠) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١١١) وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٢)) ، فمن جعل الذبيح إسماعيل قال : بشره بعد هذه القصة بإسحاق نبيا جزاء لطاعته ، ومن جعل الذبيح إسحاق قال : بشر إبراهيم بنبوة إسحاق ، رواه عكرمة عن ابن عباس. قال : بشر به مرتين حين ولد وحين نبئ.

(وَبارَكْنا عَلَيْهِ) ، يعني على إبراهيم في أولاده ، (وَعَلى إِسْحاقَ) ، يكون أكثر الأنبياء من نسله ، (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ) ، أي مؤمن ، (وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ) ، أي كافر ، (مُبِينٌ) ، أي ظاهر الكفر.

قوله تعالى : (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ) (١١٤) ، أنعمنا عليهما بالنبوة.

(وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما) ، بني إسرائيل ، (مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) ، أي الغم العظيم وهو الذي كانوا فيه من استعباد فرعون إياهم. وقيل : من الغرق.

(وَنَصَرْناهُمْ) ، يعني موسى وهارون وقومهما ، (فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ) ، على القبط.

(وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ (١١٧) وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (١١٨) وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ (١١٩) سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ (١٢٠) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٢١) إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١٢٢) وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٢٣))

(وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ) (١١٧) ، أي المستنير وهو التوراة.

(وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (١١٨) وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ (١١٩) سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ (١٢٠) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٢١) إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) (١٢٢).

__________________

(١) في المخطوط «كان ذلك الذبيح كبشا».

٣٩

قوله تعالى : (وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) (١٢٣) ، روي عن عبد الله بن مسعود قال : إلياس هو إدريس. وفي مصحفه : وإن إدريس لمن المرسلين. وهذا قول عكرمة.

وقال الآخرون : هو نبي من أنبياء بني إسرائيل. قال ابن عباس : هو ابن عم اليسع. قال محمد بن إسحاق : هو إلياس بن بشير (١) بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران.

وقال أيضا محمد بن إسحاق والعلماء من أصحاب الأخبار (٢) : لما قبض الله عزوجل حزقيل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، عظمت الأحداث في بني إسرائيل وظهر فيهم الفساد والشرك ونصبوا الأوثان وعبدوها من دون الله ، فبعث الله عزوجل إليهم إلياس نبيا وكانت الأنبياء من بني إسرائيل يبعثون بعد موسى بتجديد ما نسوا من التوراة ، وبنو إسرائيل كانوا متفرقين في أرض الشام ، وكان سبب ذلك أن يوشع بن نون لما فتح الشام بوأها بني إسرائيل وقسمها بينهم فأحل سبطا منهم ببعلبك ونواحيها ، وهم السبط الذين كان منهم إلياس فبعثه الله تعالى إليهم نبيا ، وعليهم يومئذ ملك يقال له : آجب قد أضل قومه وأجبرهم على عبادة الأصنام وكان يعبد هو وقومه صنما يقال له : بعل ، وكان طوله عشرين ذراعا وله أربعة وجوه ، فجعل إلياس يدعوهم إلى [عبادة](٣) الله عزوجل وهم لا يسمعون منه شيئا إلّا ما كان من أمر الملك ، فإنه صدقه وآمن به فكان إلياس يقوم أمره ويسدده ويرشده ، وكان لآجب الملك هذا امرأة يقال لها أزبيل (٤) وكان يستخلفها على رعيته إذا غاب عنهم في غزاة أو غيرها ، وكانت تبرز للناس وتقضي بين الناس ، وكانت قتالة الأنبياء يقال هي التي قتلت يحيى بن زكريا عليهما‌السلام ، وكان لها كاتب رجل مؤمن حكيم يكتم إيمانه وكان قد خلّص من يدها ثلاثمائة نبي كانت تريد قتل كل واحد منهم إذا بعث سوى الذين (٥) قتلتهم ، وكانت في نفسها غير محصنة وكانت قد تزوجت تسعة (٦) من ملوك بني إسرائيل ، قتلتهم (٧) كلهم بالاغتيال وكانت معمرة يقال : إنها ولدت سبعين ولدا ، وكان لآجب هذا جار [وهو] رجل صالح يقال له مزدكي (٨) ، وكانت له جنينة يعيش منها ويقبل على عمارتها ومرمتها وكانت الجنينة إلى جانب قصر الملك وامرأته ، وكانا يشرفان على تلك الجنينة يتنزهان فيها ويأكلان ويشربان ويقيلان فيها ، وكان آجب الملك يحسن جوار صاحبها مزدكي (٩) ويحسن إليه وامرأته أزبيل (١٠) تحسده لأجل تلك الجنينة ، وتحتال أن تغصبها منه لما تسمع الناس يكثرون ذكرها ويتعجبون من حسنها ، وتحتال أن تقتله والملك ينهاها عن ذلك ولا تجد عليه سبيلا ، ثم إنه اتفق خروج الملك إلى سفر بعيد وطالت غيبته فاغتنمته امرأته أزبيل (١١) ذلك فجمعت جمعا من الناس وأمرتهم أن يشهدوا على مزدكي (١٢) أنه سبّ زوجها آجب فأجابوها إليه ، وكان في حكمهم في ذلك الزمان القتل على من سبّ الملك إذا قامت عليه البينة ، فأحضرت مزدكي وقالت له : بلغني أنك شتمت الملك فأنكر مزدكي فأحضرت الشهود فشهدوا عليه بالزور ، فأمرت بقتله ، وأخذت جنينته ، فغضب الله عليهم للعبد الصالح.

فلما قدم الملك من سفره أخبرته الخبر ، فقال لها : ما أصبت ولا أرانا نفلح بعده ، فقد جاورنا منذ

__________________

(١) في المطبوع وط «بشر» والمثبت عن المخطوط.

(٢) في المطبوع «الأحبار» والمثبت عن المخطوط.

(٣) زيادة عن المخطوط.

(٤) في المخطوط «أن بيل».

(٥) في المطبوع «الذي» والمثبت عن المخطوط.

(٦) في المطبوع «سبعة».

(٧) في المطبوع «وقتلت» والمثبت عن المخطوط.

(٨) في المخطوط «مردكي».

(٩) في المخطوط «مردكي».

(١٠) في المخطوط «أن بيل».

(١١) في المخطوط «أن بيل».

(١٢) في المخطوط «مردكي».

٤٠