فرائد الأصول - ج ١

الشيخ مرتضى الأنصاري

فرائد الأصول - ج ١

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: سماء قلم
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-8536-64-5
ISBN الدورة:
978-964-8536-63-8

الصفحات: ٥٠٩

فالنكتة في التعبير عن الدليل بالإجماع ـ مع توقّفه على ملاحظة انضمام مذهب الإمام عليه‌السلام الذي هو المدلول إلى الكاشف عنه ، وتسمية المجموع دليلا ـ : هو التحفّظ على ما جرت (٢٩٤) عليه سيرة أهل الفنّ من إرجاع كلّ دليل إلى أحد الأدلّة المعروفة بين الفريقين ، أعني الكتاب والسنّة والإجماع والعقل ، ففي إطلاق الإجماع على هذا مسامحة في مسامحة (٢٩٥) ، وحاصل المسامحتين : إطلاق الإجماع على اتّفاق طائفة يستحيل بحكم العادة خطأهم وعدم وصولهم إلى حكم الإمام عليه‌السلام.

والاطّلاع على تعريفات الفريقين واستدلالات الخاصّة وأكثر العامّة على حجّية الإجماع ، يوجب القطع بخروج هذا الإطلاق عن المصطلح وبنائه على المسامحة ؛ لتنزيل وجود من خرج عن هذا الاتّفاق منزلة عدمه ، كما قد عرفت من السيّد والفاضلين قدّست أسرارهم : من أنّ كلّ جماعة ـ قلّت أو كثرت ـ علم دخول قول الإمام عليه‌السلام فيهم ، فإجماعهم حجّة. ويكفيك في هذا ما سيجيء من المحقّق الثاني

______________________________________________________

أنّ اعتبار الإجماع إنّما هو من حيث دلالته على قول الإمام عليه‌السلام. وهي إمّا بالتضمّن ، كما هو مقتضى طريقة القدماء ، أو بالالتزام والكشف واللزوم ، إمّا بضميمة قاعدة اللطف ، كما هو مقتضى طريقة الشيخ ، أو التقرير كما عن المتأخّرين ، أو بضميمة العادة ، كما هو مقتضى طريقة أكثر المتأخّرين.

٢٩٤. لمراعاة هذه الطريقة قد ذكر المحقّق القمّي رحمه‌الله عند بيان موضوع علم الاصول : أنّ الاستصحاب إن أخذ من الأخبار فداخل فيها ، وإن أخذ من العقل فداخل فيه.

٢٩٥. لأنّ الإجماع حيث كان مصطلحا في اتّفاق جميع العلماء الذين يدخل فيهم الإمام عليه‌السلام من باب التضمّن ، فإطلاقه على اتّفاق جماعة أحدهم الإمام عليه‌السلام مسامحة ، وعلى اتّفاق من عداه مسامحة أخرى ، إلّا أنّ المسامحة الثانية قد جمعت المسامحة الاولى أيضا ، لأنّ المسامحة في الإطلاق الثاني تارة من حيث عدم إطلاقه على اتّفاق الجميع ، فمن هذه الجهة شارك الأوّل ، واخرى من حيث عدم دخول الإمام عليه‌السلام في المجمعين ، ومن هذه الجهة فارقة.

٤٤١

في تعليق الشرائع : من دعوى الإجماع على أنّ خروج الواحد من علماء العصر قادح في انعقاد الإجماع ، مضافا إلى ما عرفت : من إطباق الفريقين (٢٩٦) على تعريف الإجماع باتّفاق الكلّ.

ثمّ إنّ المسامحة من الجهة الاولى (٢٩٧) أو الثانية في إطلاق لفظ «الإجماع» على

______________________________________________________

وهذا كلّه إذا كان المشار إليه بقوله : «ففي إطلاق الإجماع على هذا» هو اتّفاق من عدا الإمام عليه‌السلام. وإن كان المشار إليه هو اتّفاق جماعة ينضمّ قول الإمام عليه‌السلام المكشوف عنه باتّفاق هؤلاء إلى أقوالهم ، فوجه المسامحتين حينئذ أنّ إطلاق الإجماع على اتّفاق جماعة أحدهم الإمام عليه‌السلام مع إدراك أقوالهم على سبيل الحسّ مسامحة ، وإطلاقه على اتّفاق جماعة أحدهم الإمام عليه‌السلام مع إدراك قوله عليه‌السلام على سبيل الحدس والاجتهاد مسامحة اخرى متفرّعة على المسامحة الأولى.

٢٩٦. لا يخفى أنّ ما تقدّم منه هو تعريفات كثير من الفريقين لا الأكثر فضلا عن الجميع. اللهمّ إلّا أن يريد الاستكشاف بتعريف كثير منهم عمّا هو معتبر عند جميعهم ، نظير ما ذكروه في طريق تحصيل العلم بفتاوى جميع العلماء في طريق تحصيل الإجماع ، من أنّه قد يستكشف بفتاوى جماعة أو المشهور عن فتاوى الجميع. وفيه ما لا يخفى.

وكيف كان ، فممّا يوهن ما ذكره ما ذكره الفاضل البارع الآغا محمّد علي بن الوحيد البهبهاني في كتابه المسمّى بسنّة الهداية من أنّ في ماهيّة الإجماع وشرائطه قريبا من سبعين قولا. نعم ، قد نسب اعتبار اتّفاق الجميع إلى المشهور فيما بين العامّة.

٢٩٧. توضيح المقام : أنّه قد أورد على حجّية الإجماع المنقول بأنّ الحجّة منه ما كان على طريقة القدماء ، أو ما (*) كان في حكمه ، وهو ما كان دخول الإمام عليه‌السلام

__________________

(*) في هامش الطبعة الحجريّة : «إطلاق الإجماع على اتّفاق جماعة أحدهم الإمام عليه‌السلام وإن خرج عنهم الكثير أو الأكثر. منه».

٤٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

فيه في المجمعين من باب التضمّن ، لعدم قيام دليل على اعتباره لو اريد به غيره من الشهرة أو ما كان على طريقة الحدس ، كما تقدّم في الأمر الأوّل. وقد اشتبهت الحجّة منه بغيرها في كلمات العلماء ، لأنّهم كثيرا ما يطلقونه ويريدون به غير معناه المصطلح عليه.

وأجيب عنه بأنّهم حيثما يطلقونه لا بدّ أن يريدوا به معناه المصطلح عليه ، لأنّ في إرادة غيره إغراء أو تدليسا ، وهم أجلّ وأرفع من ذلك.

وأشار المصنّف رحمه‌الله هنا إلى ضعف الجواب ، بأنّ الإغراء إنّما يلزم لو كان غرض المدّعي من دعوى الإجماع أن يكون ذلك مرجعا ودليلا لكلّ من يقف عليه ، وليس كذلك ، لأنّ العبرة في الاستدلال بحصول العلم من الدليل للمستدلّ دون غيره ، لأنّ من استدلّ بظاهر آية مثلا ليس مقصوده منه إلّا مجرّد الاستدلال على مطلوبه ، لا لأن يكون دليلا لمن يأتي بعده أيضا. وهو واضح. ويؤيّده فيما نحن فيه ـ بل يدلّ عليه ـ أنّ جماعة من المدّعين للإجماع لا يعملون إلّا بالعلم ، كالسيّد والحلّي والحلبي ، بل بعضهم يحيلون العمل بغيره كابن قبة ، فكيف يتعلّق غرضهم من دعوى الإجماع بعمل غيرهم به؟ ويؤيّده أيضا أنّي لم اطّلع على أحد قبل الفاضلين يتمسّك بالإجماع المنقول في إثبات مطلوبه ، مع كثرة تمسّكهم بالإجماعات المحصّلة ، فهو ربّما يرشد إلى عدم حجّية الإجماع المنقول عندهم ، فكيف يرضون بعمل غير المدّعي به؟

فإن قلت : سلّمنا ذلك كلّه إلّا أنّ الإجماع ـ كما صرّح به المصنّف رحمه‌الله ـ حقيقة عرفيّة في المعنى المصطلح عند القدماء ، واللفظ لا بدّ أن يحمل على حقيقته ما لم يصرفه عنها صارف.

قلت : إنّه متّجه فيما لم نعلم إجمالا أنّ المتكلّم كثيرا يطلق الألفاظ ويريد بها معانيها المجازيّة من دون نصب قرينة ، نظير ما تقدّم سابقا عن الأخباريّين في نفي حجّية ظواهر الكتاب ، ونحن قد علمنا إمّا بالتّتبّع أو بشهادة جمع من المتتبّعين ـ

٤٤٣

هذا من دون قرينة لا ضير فيها ؛ لأنّ العبرة في الاستدلال بحصول العلم من الدليل للمستدلّ. نعم ، لو كان نقل الإجماع المصطلح حجّة عند الكلّ كان إخفاء القرينة في الكلام الذي هو المرجع للغير تدليسا ، أمّا لو لم يكن نقل الإجماع حجّة أو كان نقل مطلق الدليل القطعي حجّة ، لم يلزم تدليس أصلا. ويظهر من ذلك ما في كلام صاحب المعالم رحمه‌الله حيث إنّه بعد ما ذكر أنّ حجّية الإجماع إنّما هي لاشتماله على قول المعصوم ، واستنهض بكلام المحقّق الذي تقدّم واستجوده ، قال :

والعجب من غفلة جمع من الأصحاب عن هذا الأصل وتساهلهم في دعوى الإجماع عند احتجاجهم به للمسائل الفقهيّة ، حتّى جعلوه عبارة عن اتّفاق جماعة من

______________________________________________________

كما سيأتي شطر من كلماتهم ـ أنّهم كثيرا ما يطلقون الإجماع ويريدون به غير معناه المصطلح عليه.

فإن قلت : سلّمناه أيضا لكن أيّ فرق بين قول الكلّ أو الأكثر بحجّية الإجماع المنقول وقول البعض بها ، حيث سلّم المصنّف رحمه‌الله لزوم المحذور على الأوّل لو أراد مدّعي الإجماع غير معناه المصطلح عليه دون الثاني؟

قلت : إنّ وجه الفرق أنّ الظاهر أنّه على الأوّل يتعلّق غرض المدّعي من دعوى الإجماع بصيرورته حجّة لغيره أيضا كما أنّه حجّة له ، بخلافه على الثاني.

نعم ، يبقى في المقام إشكال على المصنّف رحمه‌الله ، وهو أنّ ظاهره تسليم لزوم المحذور على تقدير قول الكلّ أو الأكثر بحجّية الإجماع المنقول لو سامح المدّعي من الجهة الاولى خاصّة ، بأن أطلق الإجماع على اتّفاق جماعة أحدهم الإمام عليه‌السلام من دون نصب قرينة عليه. وليس كذلك ، لأنّ الظاهر أنّ كلّ من قال بحجّية الإجماع المنقول على طريقة القدماء يقول بحجّيته على هذا الوجه أيضا ، لاتّحاد المناط فيهما ، وهو كونه نقلا لقول الحجّة ، فإذا أطلق الإجماع وتردّد بين إرادة المعنى المصطلح عليه والمعنى المذكور لا يلزم منه إغراء وتدليس أصلا ، وإن قال الكلّ أو الأكثر بحجّية الإجماع المنقول. وبقي في المقام بعض الكلام قد أشرنا إليه في غاية المأمول ، والله هو المعوّل والمسئول.

٤٤٤

الأصحاب ، فعدلوا به عن معناه الذي جرى عليه الاصطلاح (٢٩٨) من دون نصب قرينة جليّة ، ولا دليل لهم على الحجّية يعتدّ به (٢٩٩) ، (١٦) انتهى. وقد عرفت : أنّ مساهلتهم وتسامحهم في محلّه بعد ما كان مناط حجّية الإجماع الاصطلاحي

______________________________________________________

٢٩٨. فيه إشارة إلى انقلاب الاصطلاح عن الإطلاق الأوّل للإجماع إلى الإطلاق الثاني ، لأنّ الظاهر أنّ مقصوده من المعنى الذي جرى عليه الاصطلاح هو اتّفاق جماعة يدخل فيهم الإمام عليه‌السلام ، سواء كانوا جميع العلماء أو بعضهم كما يرشد إليه ذكر ذلك بعد نقل كلام المحقّق واستجواده.

ومن هنا قد يورد على المصنّف رحمه‌الله بعدم ارتباط ما أورده على صاحب المعالم بمحلّ كلامه ، نظرا إلى أنّ صاحب المعالم قد أورد على القوم بأنّهم كثيرا ما يطلقون الإجماع ويريدون به الشهرة ، ولا وجه لتسمية الشهرة باسم الإجماع. وما ذكره المصنّف رحمه‌الله يرجع إلى بيان وجه المسامحة في إطلاق الإجماع على اتّفاق جماعة أحدهم الإمام عليه‌السلام. ولا ارتباط لأحد الكلامين بالآخر.

ولكنّك خبير بما فيه ، لأنّ حاصل ما ذكره المصنّف رحمه‌الله أنّ صاحب المعالم قد زعم تسمية العلماء للشهرة بالإجماع وتعجّب منه ، فدفعه بمنع كون مقصودهم تسميتها به ، بل لمّا كان مقصودهم دعوى اتّفاق جماعة كاشف عن رضا المعصوم عليه‌السلام بقاعدة اللطف أو التقرير أو العادة فسمّوه إجماعا وإنّ هذه المسامحة في محلّها.

٢٩٩. يعني : على حجّية نقل الإجماع الذي عدلوا به عن المعنى المصطلح عليه. وفي قوله : «يعتدّ به» إشارة إلى وجود دليل عليه في الجملة ، وهو أنّ اتّفاق جماعة من العلماء الأعلام العدول على حكم من دون دليل قويّ عليه مستبعد ، بل معلوم العدم ، فاتّفاقهم يكشف على سبيل القطع عن وجود دليل على الحكم عندهم. ووجه عدم الاعتداد به أنّ غاية ذلك حصول العلم بأنّهم لا يفتون من دون دليل ، وأمّا دلالته على كون ما هو دليل عندهم دليلا عندنا أيضا لو ظفرنا به فلا ، غاية الأمر حصول الظنّ به ، ولا دليل على حجّية هذا الظنّ.

٤٤٥

موجودا في اتّفاق جماعة من الأصحاب ، وعدم تعبيرهم عن هذا الاتّفاق بغير لفظ «الإجماع» ؛ لما عرفت من التحفّظ على عناوين الأدلّة المعروفة بين الفريقين.

إذا عرفت ما ذكرنا (٣٠٠) فنقول : إنّ الحاكي للاتّفاق (٣٠١) قد ينقل الإجماع بقول مطلق ، أو مضافا إلى المسلمين أو الشيعة أو أهل الحقّ أو غير ذلك ممّا

______________________________________________________

٣٠٠. من الأمرين. قد تقدّم بيان وجه الحاجة إلى بيان الأمرين.

٣٠١. لا يخفى أنّ الألفاظ التي يعبّر بها عن اتّفاق العلماء كثيرة ومختلفة الدلالة ، منها قولهم : يدلّ عليه الإجماع ، أو المسألة كذا إجماعا ، أو هذا إجماعي ، أو نحو ذلك من الألفاظ المطلقة. ومنها قولهم : يدلّ عليه إجماع المسلمين ، أو الشيعة ، أو أهل الحقّ ، أو العلم. ومنها قولهم : أجمع أو اتّفق علمائنا ، أو أصحابنا ، أو فقهائنا ، أو فقهاء أهل البيت ، أو الأصحاب. ومنها قولهم : إنّ ذلك قضيّة المذهب. ومنها قولهم : إنّ ذلك مذهب الإماميّة ، أو دين الإماميّة. ومنها قولهم : اعتقادنا كذا ، ومنه قول الصدوق في الأمالي في مسألة جواز القنوت بالفارسيّة : اعتقادنا أنّه يعمل بأصالة البراءة. ومنها قول السيّد في الذريعة : هذا ممّا انفرد به الإماميّة. ومنها قولهم هذا مذهب المحصّلين من العلماء ، أو أصحابنا. ومنها قولهم : بلا خلاف ، أو لم يظهر فيه مخالف ، أو لا نعرف أو لا نعلم فيه خلافا ، أو نحو ذلك. ومنها قولهم : هذا ممّا قطع به الأصحاب ، أو مقطوع به بينهم ، أو لا ريب فيه.

ولا يخفى أنّ شيئا من هذه ليس نصّا في الإجماع المصطلح عليه ، لاحتمال إرادة اتّفاق من عدا الإمام عليه‌السلام منها. وأمّا ظهورها فيه ، فربّما يمنع ظهور ما عدا الصنف الأوّل أيضا فيه. أمّا الثاني والثالث فلأنّ المنساق من المسلمين والشيعة وأهل العلم وعلمائنا وأصحابنا وفقهائنا وفقهاء أهل البيت والأصحاب ، هو غير الإمام عليه‌السلام. نعم ، يمكن دعوى الظهور في مثل أهل الحقّ. فما يظهر من المصنّف رحمه‌الله من الفرق بين الصنفين بدعوى ظهور الصنف الثاني دون الثالث لا يخلو عن نظر.

وأمّا الرابع فإنّ ظاهره أنّ ذلك مقتضى اصول المذهب وقواعده لا أنّه مجمع عليه بينهم ، فلا دلالة فيه على دعوى اتّفاق من عدا الإمام عليه‌السلام فضلا عن دخوله فيهم.

٤٤٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا الخامس فلا دلالة فيه أيضا ، لعدم إطلاق الإمامي على نفس الإمام عليه‌السلام ، مضافا إلى ظهوره في نفي قول بهذا الحكم من العامّة ، فلا يشمل جميع الإماميّة فضلا عن الإمام عليه‌السلام ، وإلى احتمال إرادة أنّ هذا على طريقة الإماميّة من العمل بالأخبار دون القياس في مقابل العامّة.

وأمّا السادس فلا دلالة فيه أيضا ، وإن كان ربّما يتوّهم كون ذلك فوق مرتبة دعوى الإجماع ، لقوّة احتمال إرادة المدّعي اعتقاد نفسه أو اعتقاد من عدا الإمام عليه‌السلام.

وأمّا السابع فلا دلالة فيه أيضا ، لظهوره في نفي قول به من العامّة ، فلا يشمل جميع الإماميّة فضلا عن الإمام عليه‌السلام.

وأمّا الثامن فلا دلالة فيه أيضا ، لظهوره فيمن عدا الإمام عليه‌السلام من المحصّلين والعالمين بالأحكام على طريق التعلّم والتحصيل.

وأمّا التاسع فأوضح من الجميع ، لظهوره في مجرّد دعوى الاتّفاق من العلماء ، أو عدم ظهور الخلاف منهم. أمّا العاشر فهو أيضا ظاهر ممّا تقدّم.

نعم ، هذه الأصناف مختلفة المراتب من حيث احتمال إرادة المعنى المصطلح عليه للإجماع منها ، ففي بعضها قريب مثل : إجماع المسلمين أو أهل العلم أو نحو ذلك ، وفي بعضها بعيد مثل : إجماع أصحابنا أو علمائنا ، وهكذا ، وفي بعض آخر أبعد مثل : هذا ممّا انفرد به الإماميّة أو لا خلاف فيه ، أو نحو ذلك.

نعم ، قد يدّعى ظهور كثير منها في دعوى الإجماع بالمعنى المصطلح عليه ، نظرا إلى طريقة الفقهاء ، لأنّهم في مقام دعوى الإجماع لا يفرّقون بين كثير من الألفاظ المذكورة ، فإذا ادّعوا إجماع الامّة قالوا : يدلّ عليه إجماع المسلمين أو أهل الحقّ أو أهل العلم أو المحصّلين. وإذا ادّعوا الإجماع المعتبر بين الإماميّة قالوا : يدلّ عليه إجماع أصحابنا أو الإماميّة أو نحو ذلك. ويؤيّده ما حكي عن الشيخ من تعليل إجماع المسلمين بعدم الخلاف بينهم ، كما في محكيّ الإشارات ، مع ما عرفت

٤٤٧

يمكن أن يراد به (٣٠٢) دخول الإمام عليه‌السلام في المجمعين. وقد ينقله مضافا إلى من عدا الإمام عليه‌السلام كقوله : أجمع علمائنا أو أصحابنا أو فقهائنا أو فقهاء أهل البيت عليهم‌السلام ؛ فإنّ ظاهر ذلك من عدا الإمام عليه‌السلام ، وإن كان إرادة العموم محتملة بمقتضى المعنى اللغويّ (٣٠٣) ، لكنّه مرجوح. فإن أضاف الإجماع إلى من عدا الإمام عليه‌السلام فلا إشكال في عدم حجّية نقله ؛ لأنّه لم ينقل حجّة ، وإن فرض حصول العلم للناقل بصدور الحكم عن الإمام عليه‌السلام من جهة هذا الاتّفاق ، إلّا أنّه إنّما نقل سبب العلم ، ولم ينقل المعلوم وهو قول الإمام عليه‌السلام حتّى يدخل في نقل الحجّة وحكاية السّنة بخبر الواحد. نعم ، لو فرض أنّ السبب المنقول ممّا يستلزم عادة موافقة قول الإمام عليه‌السلام أو وجود دليل ظنيّ معتبر حتّى بالنسبة إلينا ، أمكن إثبات ذلك السبب المحسوس بخبر العادل والانتقال منه إلى لازمه ، لكن سيجيء بيان الإشكال في تحقّق ذلك.

وفي حكم الإجماع المضاف إلى من عدا الإمام عليه‌السلام : الإجماع المطلق المذكور في مقابل الخلاف ، كما يقال : خرء الحيوان الغير المأكول غير الطير نجس إجماعا ، وإنّما اختلفوا في خرء الطير ، أو يقال : إنّ محلّ الخلاف هو كذا ، وأمّا كذا فحكمه كذا إجماعا ؛ فإنّ معناه في مثل هذا كونه قولا واحدا. وأضعف ممّا ذكر : نقل عدم الخلاف وأنّه ظاهر الأصحاب أو قضية المذهب وشبه ذلك.

______________________________________________________

من اختلاف اللفظين في المؤدّى ، فلا بدّ من التدبّر وملاحظة المقامات والقرائن ، كما أشار إليه المصنّف رحمه‌الله من إطلاق الإجماع في مقابل الخلاف.

٣٠٢. يعني : إمكانا راجحا لا مرجوحا كما في القسم الآتي.

٣٠٣. لا يخفى أنّ أهل البيت في قولهم «فقهاء أهل البيت» إن اريد بهم خصوص الأئمّة عليهم‌السلام تصير الإضافة حينئذ بمعنى اللام ، فلا يشملهم لفظ الفقهاء وإن اريد به معناه اللغوي. وإن اريد بهم أهل بيت النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله مطلقا ، وتؤخذ الإضافة بمعنى «من» بأن كان الفقهاء من أهل البيت ، لا يشمل لفظ الفقهاء غير الأئمّة عليهم‌السلام ، وبالجملة إنّه لم يظهر وجه لما يظهر من المصنّف رحمه‌الله من شمول هذه الكلمة للإجماع المتضمّن لقول الإمام عليه‌السلام باعتبار إرادة المعنى اللغوي.

٤٤٨

وإن أطلق الإجماع أو أضافه على وجه يظهر منه إرادة المعنى المصطلح المتقدّم ـ ولو مسامحة ؛ لتنزيل وجود المخالف منزلة العدم ؛ لعدم قدحه في الحجّية ـ فظاهر الحكاية كونها حكاية (٣٠٤) للسنّة أعني حكم الإمام عليه‌السلام ، لما عرفت من أنّ الإجماع الاصطلاحي متضمّن لقول الإمام عليه‌السلام فيدخل في الخبر والحديث ، إلّا أنّ مستند علم الحاكي بقول الإمام عليه‌السلام أحد امور :

______________________________________________________

٣٠٤. فإن قلت : إنّ السنّة عبارة عن قول المعصوم أو فعله أو تقريره ونقل الإجماع على وجه تظهر منه إرادة المعنى المصطلح عليه إنّما يتمّ فيما إذا كان مستند علم الحاكي بقول الإمام عليه‌السلام هو الحسّ ، وإلّا فلو كان هي قاعدة اللطف أو التقرير أو العادة فلا سبيل حينئذ إلى دعوى الإجماع على الوجه المذكور ، لأنّ الإجماع على هذه الوجوه هو اتّفاق من عدا الإمام عليه‌السلام ، فإذا اتّفق من عداه من علماء عصر واحد أو مطلقا على حكم واستكشف به عن رضاه بأحد الوجوه المذكورة ، لا تصحّ دعوى الإجماع حينئذ على وجه يظهر منه دخول قول الإمام عليه‌السلام في أقوال المجمعين ، ولا يكون نقل مثل هذا الإجماع نقلا للسنّة ، لفرض كونه نقلا لقول من عدا الإمام عليه‌السلام ، وإن كان موافقا له.

فحيثما يدّعى الإجماع على وجه يظهر منه إرادة المعنى المصطلح عليه ، فلا بدّ أن يكون مستند علم المدّعي فيه هو الحسّ خاصّة دون الأعمّ.

قلت : إنّ الكلام في المقام إنّما هو في ظهور لفظ الناقل في دعوى الإجماع بحيث يندرج قول الإمام في أقوال المجمعين من باب التضمّن ، سواء كان مستند علم المدّعي بقول الإمام عليه‌السلام هو الحسّ أو قاعدة اللطف أو التقرير أو العادة. وعدم اشتراط العلم بدخول شخص الإمام عليه‌السلام في أشخاص المجمعين على الوجوه الثلاثة الأخيرة غير قادح في دلالة اللفظ على دخوله فيهم ، لما أشار إليه المصنّف رحمه‌الله سابقا من إمكان الاستكشاف عن قول الإمام عليه‌السلام باتّفاق من عداه بأحد هذه الوجوه الثلاثة ، ثمّ ضمّ قوله عليه‌السلام إلى أقوال من عداه ، ودعوى الإجماع على وجه تفيد دخوله

٤٤٩

أحدها : الحسّ ، كما إذا سمع الحكم (٣٠٥) من الإمام عليه‌السلام في جملة جماعة لا يعرف أعيانهم ، فيحصل له العلم بقول الإمام عليه‌السلام. وهذا في غاية القلّة ، بل نعلم جزما أنّه لم يتّفق لأحد من هؤلاء الحاكين للإجماع كالشيخين والسيّدين وغيرهما ؛ ولذا صرّح الشيخ في العدّة ـ في مقام الردّ على السيّد حيث أنكر الإجماع من باب وجوب اللطف ـ : بأنّه لو لا قاعدة اللطف لم يمكن التوصّل إلى معرفة موافقة الإمام للمجمعين.

الثاني : قاعدة اللطف ، على ما ذكره الشيخ في العدّة (١٧) وحكي القول به عن غيره من المتقدّمين. ولا يخفى أنّ الاستناد إليه غير صحيح ـ على ما ذكر في محلّه (١٨) (٣٠٦) ـ فإذا علم استناد الحاكي إليه فلا وجه للاعتماد على حكايته (٣٠٧) ، والمفروض أنّ إجماعات الشيخ كلّها مستندة إلى هذه القاعدة ؛ لما عرفت من كلامه المتقدّم من العدّة ، وستعرف منها ومن غيرها من كتبه. فدعوى مشاركته للسيّد قدس‌سره في استكشاف قول الإمام عليه‌السلام من تتّبع أقوال الامّة واختصاصه بطريق آخر مبنيّ على

______________________________________________________

فيهم من باب التضمّن.

٣٠٥. أو وصلت إليه فتاوى جماعة ، أو ظفر بفتاواهم في الكتب مع عدم معرفته بأعيانهم ، مع علمه إجمالا بكون إحداها قول الإمام عليه‌السلام. وإنّما اعتبر عدم معرفة كلّ واحد من المجمعين لأنّه مع المعرفة بأعيان بعضهم دون بعض فلا يعتدّ بأقوال المعروفين ، لعدم تأثيرها في معرفة قول الإمام عليه‌السلام. فإذا اتّفق عشرة أحدهم الإمام عليه‌السلام على قول ، فإن عرفوا جميعا فلا اعتداد بقول من عدا الإمام عليه‌السلام ، وهذا ليس إجماعا. وإن كان أحدهم مجهول النسب دون الباقين فهو كالأوّل ، للعلم حينئذ بأنّ الإمام عليه‌السلام هو مجهول النسب. وإن جهل اثنان فالإجماع يحصل بهما ، لأنّ العلم بقول الإمام عليه‌السلام إنّما حصل باتّفاقهما ، فلا اعتداد بقول الباقين ، وهكذا.

٣٠٦. قد قرّرنا الكلام فيه في غاية المأمول بما لا مزيد عليه ، فليرجع هناك.

٣٠٧. لأنّ غاية المحكيّ أن يكون كالمحصّل ، فإذا لم يكن المحصّل حجّة عند المنقول إليه فكذلك المحكيّ. ولكنّك خبير بأنّه يمكن الفرق بدعوى حجّية المحكيّ دون المحصّل ، كما يظهر من صاحب الفصول ، قال في طيّ موهنات الإجماع المنقول :

٤٥٠

.................................................................................................

______________________________________________________

«ومنها : تعويل ناقله في الاستكشاف على طريق لا تعويل عليه ، كمصيره إلى أنّ العبرة في الإجماع بدخول المعصوم عليه‌السلام في المجمعين على وجه لا يعلم نسبه ، فإنّ هذا ممّا يقطع أو يظنّ عادة بعدم وقوعه ، أو يكتفى في الاستكشاف بمصير واحد أو جماعة إلى الحكم من غير مخالف فيقطع بموافقة المعصوم عليه‌السلام ، وإلّا لظهر وأظهر الخلاف كما يراه الشيخ وجماعة ، وقد مرّ» ثمّ قال : «والجواب : أنّ العلم أو الظنّ ببطلان الطريق لا يوجب بطلان النقل. نعم ، يوجب الوهن فيه ، فإذا اعتضد بأمارات توجب الظنّ بصحّة نقله اتّجه التعويل عليه» انتهى.

توضيحه : أنّ ناقل الإجماع مع قوله بصحّة الاستناد في الاستكشاف عن رضا المعصوم عليه‌السلام إلى طريق اللطف ، فإمّا أن يحتمل كون ما نقله هو الإجماع على طريقة القدماء ، وإمّا أن لا يحتمل فيه ذلك ، بأن يعلم بابتنائه على طريقة اللطف.

وعلى الأوّل فالوجه في حجّيته أنّه قد نقل رضا المعصوم عليه‌السلام ، غاية الأمر أنّ طريق تحصيله للعلم به مردّد عندنا بين الصحيح والفاسد ، فليحمل على الصحيح كما هو المقرّر شرعا في الأسباب الشرعيّة ، كالمعاملات والإخبار عن الطهارة والنجاسة والشهادة ، إذ لا يسأل عن طريق علم المخبر والشاهد وإن احتمل استنادهما إلى طريق غير صحيح عندنا. وسنشير إلى عدم انحصار طريق تحصيل العلم عند الشيخ في قاعدة اللطف ، خلافا لما فهمه المصنّف من كلامه.

وعلى الثاني فالوجه في حجّيته أنّه قد أخبر عن رضا المعصوم عليه‌السلام ، وعلمنا بفساد طريق علمه لا يستلزم فساد معلومه ، إذ فساد الدليل في الواقع لا يستلزم بطلان المدلول كذلك. فإذا أخبر الشيخ عن رضا المعصوم عليه‌السلام يؤخذ به لآية النبأ ، ولا ينظر إلى فساد طريق علمه.

هذا غاية توضيح المقام ، وهو بعد لا يخلو عن نظر بل منع ، إذ لا دليل على اعتبار خبر العدل مع علمنا بفساد طريق علمه بالمخبر به ، كما إذا أخبر عن شيء مع علمنا باستناده فيه إلى الرمل مثلا ، لعدم الدليل عليه من آية النبأ وغيرها. هذا

٤٥١

قاعدة «وجوب (*) اللطف» ، غير ثابتة وإن ادّعاها بعض (١٩) (٣٠٨) ؛ فإنّه قدس‌سره قال في العدّة

______________________________________________________

مع العلم باستناده إلى طريق فاسد ، وكذلك مع احتماله احتمالا يعتدّ به عند العقلاء. ولا سبيل لقاعدة الحمل على الصحّة (**) إلى باب الرواية ، لاختصاصها بالموضوعات الخارجة المشتبهة كما لا يخفى. نعم ، لو ثبتت الملازمة غالبا بين اعتقاد شخص والواقع أمكن القول باعتبار خبره وإن علمنا بفساد طريق اعتقاده ، سواء أخبر عن اعتقاده أو عن الواقع ، بأن قال : اعتقادي كذا أو الأمر الفلاني كذا. ولعلّه سيأتي الكلام في توضيح ذلك إن شاء الله تعالى.

٣٠٨. قد أصرّ المصنّف رحمه‌الله هنا على انحصار طريقة الشيخ في مسألة الإجماع في قاعدة اللطف ، وعدم مشاركته للسيّد في طريقته والعبارات التي نقلها عن العدّة وغيرها ظاهرة فيما ادّعاه ، إلّا أنّ بعض عباراته الآخر أصرح منها في المشاركة مع السيّد في طريقته ، كالعبارة التي نقلها المصنّف رحمه‌الله عن العدّة في مسألة أخبار الآحاد ، فإنّه حيث ادّعى الإجماع على العمل بأخبار الآحاد أورد على نفسه بقوله : «أليس شيوخكم لا يزالون يناظرون خصومهم في أنّ خبر الواحد لا يعمل به؟» إلى أن قال في الجواب عنه : «على أنّ الذين أشير إليهم في السؤال أقوالهم متميّزة بين أقوال الطائفة المحقّة ، وقد علمنا أنّهم لم يكونوا أئمّة معصومين ، وكلّ قول علم قائله وعرف نسبه وتميّز عن أقاويل سائر الفرقة المحقّة لم يعتدّ بذلك القول ، لأنّ قول الطائفة إنّما يكون حجّة من حيث كان فيهم معصوم ، فإذا كان القول من غير المعصوم علم أنّ قول المعصوم داخل في باقي الأقوال ، ووجب المصير إليه على ما بيّنته في الإجماع» انتهى.

__________________

(*) في بعض النسخ : بدل «وجوب اللطف» ، وجوب قاعدة اللطف.

(**) كذا في الطبعة الحجريّة. والعبارة مشوّشة جدّا ، ولعلّ «إلى» تصحيف : من ، أي : قاعدة الحمل على الصحّة المأخوذة من الروايات.

٤٥٢

ـ في حكم ما إذا اختلفت الإماميّة (٣٠٩) على قولين يكون أحد القولين قول الإمام عليه‌السلام على وجه لا يعرف بنفسه ، والباقون كلّهم على خلافه ـ : إنّه متى اتّفق ذلك ، فإن كان على القول الذي انفرد به الإمام عليه‌السلام دليل من كتاب أو سنّة مقطوع بها ، لم يجب عليه الظهور ولا الدلالة على ذلك ؛ لأنّ الموجود من الدليل كاف في إزاحة التكليف (٣١٠) ، ومتى لم يكن عليه دليل وجب عليه الظهور أو إظهار من يبيّن

______________________________________________________

وهو كالصريح في اختباره لطريقة السيّد. والعجب من عدم التفاته إليه مع نقله عبارته هناك. وإنّما قلنا كالصريح لاحتمال أن يكون هذا الكلام من الشيخ لأجل إلزام السيّد في دعواه عدم جواز العمل بأخبار الآحاد على طريقته لا أنّه مختار الشيخ ، كما أنّ ما يظهر من عباراته التي نقلها المصنّف رحمه‌الله هنا من أنّه لو لا طريقة اللطف لا تمكن دعوى الإجماع ، يحتمل أن يريد به عدم الإمكان في الغالب لا دائما ، وإن كان كلّ منهما خلاف ظاهر العبارتين ، فيمكن الجمع بينهما بما ذكرناه من إرجاع أحدهما إلى الآخر. ويحتمل أن يكون ما ذكره في مبحث أخبار الآحاد عدولا عمّا اختاره في مبحث الإجماع ، إلّا أنّه يبعّده ما تقدّم من قوله : «على ما بيّنته في الإجماع» بل هذه العبارة تنافر قضيّة إلزام الخصم أيضا كما لا يخفى.

وكيف كان ، فممّا ذكرناه قد ظهر وجه اختلافهم في فهم مذهب الشيخ في دعوى المشاركة كما يظهر من القوانين والضوابط والمناهج ، أو اختصاصه بطريقة اللطف كما ذكره المصنّف رحمه‌الله تبعا لصاحب الإشارات ، فلاحظ بعين الإنصاف ، وأعرض عن القيل والقال.

٣٠٩. ولو كان اختلافها بكون أحد القولين للإمام عليه‌السلام والآخر لباقي الامّة ، لأنّ الإمام عليه‌السلام من جملة الامّة ، وحينئذ يصدق اختلاف الامّة مع كون أحد القولين للإمام عليه‌السلام.

٣١٠. يعني : في إزالة العلّة والمانع عن التكليف لإتمام الحجّة حينئذ على العباد ، كما ورد في الدعاء : أزاح العلل في التكليف ، وسوّى التوفيق بين الضعيف والشريف.

٤٥٣

الحقّ في تلك المسألة ـ إلى أن قال ـ : وذكر المرتضى عليّ بن الحسين الموسوي أخيرا أنّه يجوز أن يكون الحق عند الإمام عليه‌السلام والأقوال الأخر كلّها باطلة ولا يجب عليه الظهور ؛ لأنّا إذا كنّا نحن السبب في استتاره ، فكلّ ما يفوتنا من الانتفاع به وبما معه من الأحكام يكون قد فاتنا من قبل أنفسنا ، ولو أزلنا سبب الاستتار لظهر وانتفعنا به وأدّى إلينا الحقّ الذي كان عنده. قال : وهذا عندي غير صحيح ؛ لأنّه يؤدّي إلى أن لا يصحّ الاحتجاج بإجماع الطائفة أصلا ؛ لأنّا لا نعلم دخول الإمام عليه‌السلام فيها إلّا بالاعتبار الذي بيّنّاه ، ومتى جوّزنا انفراده بالقول وأنّه لا يجب ظهوره ، منع ذلك من الاحتجاج بالإجماع ، انتهى كلامه. وذكر في موضع آخر من العدّة : أنّ هذه الطريقة ـ يعني طريقة السيّد المتقدّمة ـ غير مرضيّة عندي ؛ لأنّها تؤدّي إلى أن لا يستدلّ بإجماع الطائفة أصلا ؛ لجواز أن يكون قول الإمام عليه‌السلام مخالفا لها ومع ذلك لا يجب عليه إظهار ما عنده ، انتهى.

وأصرح من ذلك في انحصار طريق الإجماع عند الشيخ فيما ذكره من قاعدة اللطف : ما حكي عن بعض أنّه حكاه عن كتاب التمهيد للشيخ : أنّ سيّدنا المرتضى قدس‌سره كان يذكر كثيرا : أنّه لا يمتنع أن يكون هنا امور كثيرة غير واصلة إلينا ، علمها مودع عند الإمام عليه‌السلام وإن كتمها الناقلون ، ولا يلزم مع ذلك سقوط التكليف عن الخلق ... إلى أن قال : وقد اعترضنا على هذا في كتاب العدّة في اصول الفقه وقلنا : هذا الجواب صحيح لو لا ما نستدلّ في أكثر الأحكام على صحّته بإجماع الفرقة ، فمتى جوّزنا أن يكون قول الإمام عليه‌السلام خلافا لقولهم ولا يجب ظهوره ، جاز لقائل أن يقول : ما أنكرتم أن يكون قول الإمام عليه‌السلام خارجا عن قول من تظاهر بالإمامة ومع هذا لا يجب عليه الظهور ؛ لأنّهم أتوا من قبل أنفسهم ، فلا يمكننا الاحتجاج بإجماعهم أصلا ، انتهى.

فإنّ صريح هذا الكلام أنّ القادح في طريقة السيّد منحصر في استلزامها رفع التمسّك بالإجماع ولا قادح فيها سوى ذلك ؛ ولذا صرّح في كتاب الغيبة بأنّها قويّة تقتضيها الاصول (٢٠) ، فلو كان لمعرفة الإجماع وجواز الاستدلال به طريق آخر غير قاعدة وجوب إظهار الحقّ عليه ، لم يبق ما يقدح في طريقة السيّد ؛ لاعتراف الشيخ

٤٥٤

بصحّتها لو لا كونها مانعة عن الاستدلال بالإجماع.

ثمّ إنّ الاستناد إلى هذا الوجه ظاهر من كلّ من اشترط (٣١١) في تحقّق الإجماع عدم مخالفة أحد من علماء العصر كفخر الدين والشهيد والمحقّق الثاني. قال في الإيضاح (٣١٢) في مسألة ما يدخل في المبيع : إنّ من عادة المجتهد أنّه إذا تغيّر اجتهاده إلى التردّد أو الحكم بخلاف ما اختاره أوّلا ، لم يبطل ذكر الحكم الأوّل ، بل يذكر ما أدّاه إليه اجتهاده ثانيا في موضع آخر لبيان عدم انعقاد إجماع أهل عصر

______________________________________________________

٣١١. وجه الظهور : أنّ مدار الإجماع على طريقة القدماء على العلم بدخول الإمام عليه‌السلام في جملة المجمعين من علماء عصر واحد ، وإن خرج منهم واحد أو اثنان ، بل جماعة قلّوا أو كثروا ، مع معرفة أنسابهم. وعلى طريقة المتأخّرين على الاستكشاف عن رضا المعصوم عليه‌السلام من اتّفاق جماعة قلّوا أو كثروا ، من علماء عصر أو أعصار ، أحياء أو أموات أو ملفّقين ، مع العلم بأنسابهم وعدمه. وأنت خبير بأنّه قد تقدّم من المصنّف رحمه‌الله عند بيان المعنى المصطلح عليه للإجماع استشهاده دعوى المحقّق الثاني في تعليق الشرائع الإجماع على أنّ خروج الواحد من علماء العصر قادح في انعقاد الإجماع ، لكون الإجماع في الاصطلاح عبارة عن اتّفاق الكلّ ، ولا ريب أنّ الإجماع المبنيّ على قاعدة اللطف خارج من المعنى المصطلح عليه ، لأنّه عبارة عن اتّفاق من عدا الإمام عليه‌السلام ، لعدم اشتراط دخوله في المجمعين على هذه القاعدة. وحينئذ إن كان اشتراط عدم مخالفة أحد شاهدا باعتبار الإجماع من باب اللطف لم يبق وجه للاستشهاد المذكور ، وإن كان شاهدا لكون الإجماع عبارة عن اتّفاق الكلّ لم يبق وجه لما استظهره في المقام.

٣١٢. يظهر من كلامه كون وجود مخالف واحد ـ ولو مع عدوله عن قوله الأوّل وموافقته للباقين ـ قادحا في انعقاد الإجماع ، ولم يظهر قائل به من القائلين بالإجماع من باب اللطف كما ستعرفه. ولنأت بمثال لتوضيح المقام ، وهو أن يفرض علماء عصر جماعة ثمّ اتّفق انقراضهم إلّا واحدا منهم ، فأدرك هو عصرا آخر قد حدث فيه علماء آخرون ، وكان علماء العصر الأوّل قائلين بحكم كوجوب

٤٥٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الجمعة ، وعلماء العصر الثاني على خلافهم كحرمتها ، وكان هذا الواحد المدرك للعصرين مجتهدا في هذه المسألة في العصر الثاني على خلاف اجتهاده في العصر الأوّل. فلا يخلو حينئذ : إمّا أن يكون اجتهاده الأوّل على طبق اجتهاد علماء العصر الأوّل ، أو على خلافه. وكذلك اجتهاده الثاني. وهو إذا لم يبطل اجتهاده الأوّل وكتب اجتهاده الثاني في موضع آخر ترتّب على عدم إبطال اجتهاده الأوّل أمران :

أحدهما : بيان عدم انعقاد إجماع العصر الأوّل على خلاف اجتهاده الأوّل ، لأنّ علماء العصر الأوّل إمّا أن يكونوا مخالفين له ، أو موافقين له. وعلى الأوّل فخلافه لهم مانع من انعقاد الإجماع على خلافه. وعلى الثاني فالفرض انعقاد إجماع العصر الأوّل حينئذ على طبق اجتهاده الأوّل ، وعدم انعقاد إجماعهم على خلافه كما يتحقّق بوجود الخلاف كما في صورة المخالفة ، كذلك يتحقّق بانعقاد الإجماع على طبق الاجتهاد الأوّل. مع أنّ هذه الصورة غير صحيحة ، لأنّه مع موافقتهم له في الاجتهاد الأوّل ينعقد الإجماع في المسألة لا محالة ، وحينئذ يكون اجتهاده الثاني مخالفا للإجماع لا محالة. ووجه ترتّب ذلك على عدم إبطال الاجتهاد الأوّل أنّه لو أبطله ربّما توهّم كونه من أهل الاجتهاد الثاني دون الأوّل ، فيتوهّم لذلك انعقاد إجماع عصر الاجتهاد الأوّل على خلاف الاجتهاد الأوّل.

وثانيهما : بيان عدم انعقاد إجماع عصر الاجتهاد الثاني على طبق اجتهاده الثاني ، لأنّه في العصر الثاني إمّا أن يخالف اجتهاده اجتهادهم فلا يحقّق الإجماع ، وإمّا أن يوافقه فاجتهاده الأوّل يمنع انعقاد الإجماع في العصر الثاني كما أشرنا إليه أوّلا. ووجه ترتّب ذلك على عدم إبطال اجتهاده الأوّل ظاهر ، لأنّه لو أبطله فربّما يتوّهم كونه من أهل العصر الثاني دون الأوّل ، فيتوهّم لذلك في صورة الموافقة انعقاد إجماع العصر الثاني على طبق اجتهاده الثاني. ويترتّب على ضبط اجتهاده الثاني في موضع آخر بيان عدم انعقاد إجماع أهل العصر الثاني على طبق اجتهاده الأوّل ، لأنّ أهل العصر الثاني إمّا يخالفون اجتهاده الأوّل فلا معنى لدعوى إجماعهم

٤٥٦

.................................................................................................

______________________________________________________

حينئذ على طبقه ، وإمّا يوافقونه وحينئذ فاجتهاده الثاني المخالف لاجتهاده يمنع انعقاد الإجماع على طبق اجتهاده الأوّل.

وإذا عرفت هذا فاعلم أنّ الفخر قد ذكر في كلامه حكمين ، أحدهما عدم إبطال الاجتهاد الأوّل ، والآخر : كتابة الاجتهاد الثاني في موضع آخر. ورتّب على الأوّل أمرين ، وعلى الثاني أمرا واحدا كما عرفت. وترتّب الأمر الثاني على الحكم الأوّل مبنيّ على كون الاجتهاد الأوّل المعدول عنه مانعا من انعقاد الإجماع في العصر الثاني على طبق اجتهاده الثاني.

وممّا ذكرناه يظهر وجه رجوع الضمير المضاف إليه في قوله «على خلافه» إلى الاجتهاد الأوّل ، لعدم صحّة رجوعه إلى الاجتهاد الثاني ، لعدم كون عدم انعقاد إجماع العصر الأوّل على خلاف الاجتهاد الثاني مرتّبا على عدم إبطال الاجتهاد الأوّل ، ولا على كتابة الاجتهاد الثاني في موضع آخر.

أمّا الأوّل فإنّ أهل العصر الأوّل إمّا أن يكونوا مخالفين للاجتهاد الثاني أو موافقين له. فعلى الأوّل يكون إجماع العصر الأوّل منعقدا على خلاف الاجتهاد الثاني لا محالة ، فلا وجه لنفي ذلك. وعلى الثاني يكون الاجتهاد الأوّل مانعا من انعقاد إجماع العصر الأوّل على طبق الاجتهاد الثاني ، فيكون أثر عدم إبطال الاجتهاد الأوّل هو ذلك ، لا بيان عدم انعقاد إجماع العصر الأوّل على خلاف الاجتهاد الثاني كما هو المقصود.

وأمّا الثاني فواضح ، لأنّ إجماع العصر الأوّل إمّا أن يكون موافقا للاجتهاد الثاني أو مخالفا له. فعلى الأوّل يكون الاجتهاد الأوّل مانعا من انعقاد إجماع العصر الأوّل على طبق الاجتهاد الثاني لا من انعقاده على خلافه ، مع أنّ ذلك من آثار عدم محو الاجتهاد الأوّل لا من آثار كتابة الاجتهاد الثاني في موضع آخر. وعلى الثاني ينعقد إجماع العصر الأوّل على خلاف الاجتهاد الثاني ، وليس ضبط الاجتهاد الثاني مانعا منه.

٤٥٧

الاجتهاد الأوّل على خلافه وعدم انعقاد إجماع أهل العصر الثاني على كلّ واحد منهما ، وأنّه لم يحصل في الاجتهاد الثاني مبطل للأوّل ، بل معارض لدليله مساو له (٢١) ، انتهى. وقد أكثر في الإيضاح من عدم الاعتبار (٣١٣) بالخلاف ؛ لانقراض عصر المخالف ، وظاهره الانطباق (٣١٤) على هذه الطريقة ، كما لا يخفى.

وقال في الذكرى : ظاهر العلماء المنع عن العمل بقول الميّت ، محتجّين بأنّه لا قول للميّت ؛ ولهذا ينعقد الإجماع على خلافه ميّتا. واستدلّ المحقّق الثاني في حاشية الشرائع على أنّه لا قول للميّت : بالإجماع على أنّ خلاف الفقيه الواحد لسائر أهل عصره يمنع من انعقاد الإجماع ؛ اعتدادا بقوله واعتبارا بخلافه ، فإذا مات وانحصر أهل العصر في المخالفين له انعقد وصار قوله غير منظور إليه ولا يعتدّ به ، انتهى.

وحكي عن بعض أنّه حكى عن المحقق الداماد قدس‌سره ، أنّه قال في بعض كلام له في تفسير «النعمة الباطنة» : إنّ من فوائد الإمام عجّل الله فرجه أن يكون مستندا لحجّية إجماع أهل الحلّ والعقد من العلماء على حكم من الأحكام ـ إجماعا بسيطا في أحكامهم الإجماعيّة ، وحجّية إجماعهم المركّب في أحكامهم الخلافيّة ـ فإنّه عجّل الله فرجه لا ينفرد بقول ، بل من الرحمة الواجبة في الحكمة الإلهيّة أن يكون في المجتهدين المختلفين في المسألة المختلف فيها من علماء العصر من يوافق رأيه رأي إمام عصره وصاحب أمره ويطابق قوله قوله وإن لم يكن ممّن نعلمه بعينه ونعرفه بخصوصه (٢٢) ، انتهى.

______________________________________________________

٣١٣. قال الفيّومي : «استكثرت من الشيء إذا أكثرت فعله. وقول الناس : أكثرت من الأكل ونحوه ، يحتمل الزيادة على مذهب الكوفيّين ، ويحتمل أن يكون للبيان على مذهب البصريّين ، والمفعول محذوف ، والتقدير : أكثرت الفعل من الأكل ، وكذلك ما أشبهه» انتهى.

٣١٤. لأنّ ظاهره قدح مخالف واحد في انعقاد الإجماع في عصر واحد ، وهو منطبق على قاعدة اللطف ، وإلّا كان الأنسب أن يعتذر بعدم قدح وجود المخالف ، مطلقا لا بانقراض عصر المخالف ، فالاعتذار به ظاهر في الاستناد إلى القاعدة.

٤٥٨

وكأنّه لأجل مراعاة هذه الطريقة (٣١٥) التجأ الشهيد في الذكرى إلى توجيه الإجماعات التي ادّعاها جماعة في المسائل الخلافيّة مع وجود المخالف فيها : بإرادة غير المعنى الاصطلاحي من الوجوه التي حكاها عنه في المعالم (٢٣) ، ولو جامع الإجماع وجود الخلاف ـ ولو من معلوم النسب ـ لم يكن داع إلى التوجيهات المذكورة مع بعدها أو أكثرها.

الثالث من طرق انكشاف قول الإمام عليه‌السلام لمدّعي الإجماع : الحدس ، وهذا على وجهين : أحدهما : أن يحصل له ذلك من طريق لو علمنا به ما خطّأناه في استكشافه ، وهذا على وجهين : أحدهما : أن يحصل (*) الحدس الضروري من مبادئ محسوسة بحيث يكون الخطأ فيه من قبيل الخطأ في الحسّ ، فيكون بحيث لو حصل لنا تلك الأخبار لحصل لنا العلم كما حصل له. ثانيهما : أن يحصل الحدس له من إخبار جماعة اتّفق له العلم بعدم اجتماعهم على الخطأ ، لكن ليس إخبارهم ملزوما عادة للمطابقة لقول الإمام عليه‌السلام بحيث لو حصل لنا علمنا بالمطابقة أيضا.

______________________________________________________

٣١٥. فيه نظر ، لأنّ الشهيد قال في الذكرى : «يثبت الإجماع بخبر الواحد ما لم يعلم خلافه ، لأنّه أمارة قويّة كروايته ، وقد اشتمل كتاب الخلاف والانتصار والسرائر والغنية على أكثر هذا الباب مع ظهور المخالف في بعضها حتّى من الناقل نفسه. والعذر إمّا بعدم اعتبار المخالف المعلوم النسب كما سلف. وإمّا تسميتهم لما اشتهر إجماعا. وإمّا بعدم ظفره حين ادّعى الإجماع بالمخالف.

وإمّا بتأويل الخلاف على وجه يمكن مجامعته لدعوى الإجماع وإن بعد ، كجعل الحكم من باب التخيير. وإمّا إجماعهم على روايته ، بمعنى تدوينهم في كتبهم منسوبا إلى الأئمّة عليهم‌السلام» انتهى ، فإنّ تأويل الإجماع في محلّ الخلاف بكون المخالف معلوم النسب لا يتمّ على طريقة اللطف ، لكون خروج معلوم النسب أيضا قادحا على هذه الطريقة ، فهو إنّما يتمّ على طريقة القدماء.

__________________

(*) في بعض النسخ زيادة : له.

٤٥٩

الثاني : أن يحصل ذلك من مقدّمات نظريّة واجتهادات كثيرة الخطأ ، بل علمنا بخطإ بعضها في موارد كثيرة من نقلة الإجماع ؛ علمنا ذلك منهم بتصريحاتهم في موارد واستظهرنا ذلك منهم في موارد أخر ، وسيجيء جملة منها.

إذا عرفت أنّ مستند خبر المخبر بالإجماع المتضمّن للإخبار من الإمام عليه‌السلام لا يخلو من الامور الثلاثة المتقدّمة ، وهي : السماع عن الإمام عليه‌السلام مع عدم معرفته بعينه ، واستكشاف قوله من قاعدة «اللطف» ، وحصول العلم من «الحدس» ، وظهر لك أنّ الأوّل منها غير متحقّق عادة لأحد من علمائنا المدّعين للإجماع ، وأنّ الثاني ليس طريقا للعلم فلا يسمع دعوى من استند إليه ؛ فلم يبق ممّا يصلح أن يكون المستند في الإجماعات المتداولة على ألسنة ناقليها إلّا «الحدس». وعرفت أنّ الحدس قد يستند إلى مبادئ محسوسة ملزومة عادة لمطابقة قول الإمام عليه‌السلام نظير العلم الحاصل من الحواسّ الظاهرة ، ونظير الحدس الحاصل لمن أخبر بالعدالة والشجاعة لمشاهدته آثارهما المحسوسة الموجبة للانتقال إليهما بحكم العادة ، أو إلى مبادئ محسوسة موجبة لعلم المدّعي بمطابقة قول الإمام عليه‌السلام من دون ملازمة عادية ، وقد يستند إلى اجتهادات وأنظار ، وحيث لا دليل على قبول خبر العادل المستند إلى القسم الأخير من الحدس ، بل ولا المستند إلى الوجه الثاني ، ولم يكن هناك ما يعلم به كون الإخبار مستندا إلى القسم الأوّل من الحدس ؛ وجب التوقّف في العمل بنقل الإجماع ، كسائر الأخبار المعلوم استنادها إلى الحدس المردّد بين الوجوه المذكورة.

فإن قلت : ظاهر لفظ «الإجماع» اتّفاق الكلّ ، فإذا أخبر الشخص بالإجماع فقد أخبر باتّفاق الكلّ ، ومن المعلوم أنّ حصول العلم بالحكم من اتّفاق الكلّ كالضروري ، فحدس المخبر مستند إلى مباد محسوسة ملزومة لمطابقة قول الإمام عليه‌السلام عادة ؛ فإمّا أن يجعل الحجّة نفس ما استفاده من الاتّفاق نظير الإخبار بالعدالة ، وإمّا أن يجعل الحجّة إخباره بنفس الاتّفاق المستلزم عادة لقول الإمام عليه‌السلام ، ويكون نفس المخبر به حينئذ محسوسا ، نظير إخبار الشخص بامور تستلزم العدالة أو الشجاعة عادة.

وقد أشار إلى الوجهين بعض السادة الأجلّة في شرحه على الوافية ؛ فإنّه قدس‌سره لمّا اعترض على نفسه : بأنّ المعتبر من الأخبار ما استند إلى إحدى الحواسّ ، والمخبر

٤٦٠