فرائد الأصول - ج ٦

الشيخ مرتضى الأنصاري

فرائد الأصول - ج ٦

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: سماء قلم
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-8536-63-8
ISBN الدورة:
978-964-8536-63-8

الصفحات: ٤٧٢

١
٢

٣
٤

في قاعدة الفراغ والتجاوز

٥
٦

المسألة الثانية : في أنّ أصالة الصحّة في العمل (٢٦٠٨)

______________________________________________________

٢٦٠٨. اعلم أنّا إن قلنا باختصاص مورد قاعدة حمل فعل المسلم على الصحّة بفعل غير الحامل ، فالنسبة بينها وبين قاعدة الشكّ بعد الفراغ هو التباين.

وإن قلنا بكونه أعمّ منه ومن فعل الحامل ، بناء على ما يظهر من بعضهم من شمول الاولى لفعله كما سيجيء في محلّه ، فالنسبة بينهما بحسب المورد بالنسبة إلى فعل الحامل عموم من وجه ، لاختصاص الاولى بما كان الشكّ فيه في وجه الفعل وصفته ، أعني : صحّته بعد إحراز وقوعه ، وعمومها لما كان الشكّ فيه قبل تجاوز المحلّ وبعده ، واختصاص الثانية بما كان الشكّ فيه بعد تجاوز المحلّ وعمومها لما كان الشكّ فيه في الصفة أو الموصوف ، ففي مادّة الاجتماع يحكم بالصحّة من وجهين. وتظهر الثمرة في مورد الاجتماع في المعاملات ، بناء على اختصاص الثانية بالعبادات مطلقا أو في الجملة على الخلاف كما سيجيء ، فيحكم بالصحّة حينئذ لأجل القاعدة الاولى دون الثانية.

وقيل : لا بدّ حينئذ من تخصيصها بصورة تجاوز المحلّ ، تخصيصا لها بمفهوم عمومات قاعدة الفراغ ، مثل قوله عليه‌السلام : «إذا خرجت من شيء ودخلت في غيره فشكّك ليس بشيء» فإنّ عموم القاعدة الاولى يعمّ صورة تجاوز المحلّ وعدمه ، فيخصّص بمفهوم «إذا خرجت». وفيه إشكال بل منع ، لما تقرّر في محلّه من عدم جواز العمل بمفهوم الدليل مع عدم العمل بمنطوقه ، والمقام من قبيل ذلك ، لفرض عدم العمل بقاعدة الفراغ في المعاملات.

٧

بعد الفراغ عنه لا يعارض بها الاستصحاب إمّا لكونها من الأمارات ، كما يشعر به (٢٦٠٩) قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ في بعض روايات ذلك الأصل ـ : " هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ" (١) ، وإمّا لأنّها وإن كانت من الاصول إلّا أنّ الأمر بالأخذ بها في مورد الاستصحاب (٢٦١٠) يدلّ على تقديمها عليه ، فهي خاصّة بالنسبة إليه ، يخصّص بأدلّتها أدلّته ، ولا إشكال في شيء من ذلك.

إنّما الإشكال في تعيين مورد ذلك الأصل من وجهين : أحدهما من جهة تعيين معنى" الفراغ" و" التجاوز" المعتبر في الحكم بالصحّة ، وأنّه هل يكتفى به أو يعتبر الدخول في غيره؟ وأنّ المراد بالغير ما هو؟ الثاني : من جهة أنّ الشك في وصف الصحّة للشيء ملحق بالشكّ في أصل الشيء أم لا؟

وتوضيح الإشكال من الوجهين موقوف على ذكر الأخبار (٢٦١١) الواردة في هذه القاعدة ، ليزول ببركة تلك الأخبار كلّ شبهة حدثت أو تحدث في هذا المضمار ،

______________________________________________________

٢٦٠٩. لأنّه بمنزلة العلّة. وحاصلها : أنّ الغالب في مورد القاعدة هو التفات الفاعل إلى فعله وصفته من الصحّة والفساد ، والعاقل الملتفت لا يتعمّد إلى ترك الفعل أو إلى إيقاعه على وجه الفساد ، مع كونه مطلوبا منه على وجه الصحّة.

٢٦١٠. لأنّ الشكّ في مورد القاعدة إمّا في صفة الفعل أو وقوعه ، والأصل عدم كلّ منهما ، فلو لم تكن القاعدة مقدّمة على الاستصحاب للغي اعتبارها ولعري عن الفائدة. ويرشد إليه تقديمها عليه في مورد الأخبار الواردة في المقام.

٢٦١١. استدلّ عليه أيضا ـ مضافا إلى الأخبار ـ بوجوه أخر ، منها : الإجماع في الجملة. ومنها : بناء العقلاء على الصحّة بعد تجاوز المحلّ. ومنها : ظهور حال العاقل المريد لإيقاع الفعل على وجه الصحّة ، كما أشار إليه فخر الدين في الإيضاح في مسألة من شكّ في بعض أفعال الغسل ، قال : «إنّ الأصل في فعل العاقل المكلّف ، الذي يقصد براءة ذمّته بفعل صحيح ، وهو يعلم الكيفيّة والكميّة ، الصحّة» انتهى. ومنها : الغلبة ، لأنّ الغالب في الأفعال الصحّة ، فتأمّل جيّدا.

٨

فنقول مستعينا بالله : روى زرارة في الصحيح (٢٦١٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، قال : " إذا خرجت من شيء ودخلت في غيره فشكّك ليس بشيء" (٢). وروي إسماعيل (٢٦١٣) بن جابر عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : " إنّ شكّ في الركوع بعد ما سجد فليمض ، وإن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض ، كلّ شيء شكّ فيه وقد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه" (٣). وهاتان الروايتان ظاهرتان في اعتبار الدخول في غير المشكوك. وفي الموثّقة (٢٦١٤): " كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فامضه كما هو" (٤). وهذه الموثّقة ظاهرة في عدم اعتبار الدخول في الغير. وفي موثّقة ابن أبي يعفور : " إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء ، إنّما الشكّ إذا كنت في شيء لم تجزه". وظاهر صدر هذه الموثقة كالاوليين وظاهر عجزها كالثالثة. هذه تمام ما وصل إلينا من الأخبار العامّة.

وربّما يستفاد العموم (٢٦١٥) من بعض ما ورد في الموارد الخاصّة ، مثل :

______________________________________________________

٢٦١٢. قال : «قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل شكّ في الأذان وقد دخل في الإقامة؟ قال : يمضي. قلت : رجل شكّ في التكبير وقد قرأ؟ قال : يمضي. قلت : شكّ في القراءة وقد ركع؟ قال : يمضي. قلت : شكّ في الركوع وقد سجد؟ قال : يمضي على صلاته. ثمّ قال : يا زرارة إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء». ومثلها ما رواه الحلبي عن الصادق عليه‌السلام وهي مرويّة في الفقيه ، إلّا أنّ فيها : «وكلّ شيء شكّ فيه وقد دخل في حالة اخرى فليمض ، ولا يلتفت إلى الشكّ» الحديث.

٢٦١٣. رواه عنه الشيخ في الحسن بمحمّد بن عيسى الأشعري.

٢٦١٤. قيل رواه الشيخ في الصحيح عن ابن بكير الثقة الذي أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام.

٢٦١٥. أمّا من الأوليين فبتنقيح المناط وإلغاء خصوصيّة المحلّ ، واستفادة ورودهما لبيان إعطاء القاعدة. وفيه نظر. وأمّا من الثالثة فبتضمّنها لما هو بمنزلة العلّة المنصوصة.

٩

قوله عليه‌السلام في الشكّ في فعل الصلاة بعد خروج الوقت من قوله عليه‌السلام : " وإن كان بعد ما خرج وقتها فقد دخل حائل فلا إعادة" ، وقوله عليه‌السلام : " كلّ ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكّرا فأمضه كما هو". وقوله عليه‌السلام فيمن شكّ في الوضوء بعد ما فرغ : " هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ". ولعلّ المتتبّع يعثر (٢٦١٦) على أزيد من ذلك.

وحيث إنّ مضمونها لا يختصّ بالطهارة والصلاة ، بل يجري في غيرهما كالحجّ ، فالمناسب الاهتمام في تنقيح مضامينها ودفع ما يتراءى من التعارض بينها ، فنقول مستعينا بالله ، فإنّه وليّ التوفيق.

إنّ الكلام يقع في مواضع : الموضع الأوّل : أنّ الشكّ في الشيء ظاهر لغة وعرفا في الشكّ في وجوده ، إلّا أنّ تقييد ذلك في الروايات بالخروج عنه ومضيّه والتجاوز عنه ، ربّما يصير قرينة على إرادة كون وجود أصل الشيء مفروغا عنه ، وكون الشكّ فيه باعتبار الشكّ في بعض ما يعتبر فيه شرطا أو شطرا.

______________________________________________________

٢٦١٦. منها ما رواه في الفقيه عن محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنّه قال : «إن شكّ الرجل بعد ما صلّى فلم يدر ثلاثا صلّى أم أربعا ، وكان يقينه حين انصرف أنّه كان قد أتمّ ، لم يعد الصلاة ، وكان حين انصرف أقرب إلى الحقّ منه بعد ذلك». وهي وإن كانت أخصّ من المدّعى ، لأجل اختصاص موردها بصورة اليقين بالإتمام حين العمل ، إلّا أنّه يمكن إتمامها بعدم القول بالفصل. وفيه نظر ، لأنّها بظاهرها إنّما تدلّ على اعتبار الشكّ الساري لا قاعدة الفراغ ، وقد تقدّم الفرق بينهما في كلام المصنّف رحمه‌الله.

ومنها : ما في ذيل صحيحة زرارة : «فإذا قمت عن الوضوء وفرغت عنه وقد صرت في حال اخرى في الصلاة أو غيرها ، فشككت في بعض ما سمّى الله ممّا أوجب الله ، لا شيء عليك». ومنها : ما رواه محمّد بن مسلم في الصحيح عن الصادق عليه‌السلام : «رجل شكّ في الوضوء بعد ما فرغ من الصلاة؟ قال : يمضي على صلاته ولا يعيد».

١٠

نعم لو اريد الخروج والتجاوز عن محلّه ، أمكن إرادة المعنى الظاهر (٢٦١٧) من الشكّ في الشيء. وهذا هو المتعيّن ، لأنّ إرادة الأعمّ (٢٦١٨) من الشكّ في وجود الشيء والشكّ الواقع في الشيء الموجود ، في استعمال واحد ، غير صحيح. وكذا إرادة خصوص الثاني ، لأنّ مورد غير واحد من تلك الأخبار هو الأوّل ، ولكن

______________________________________________________

٢٦١٧. لأنّه إذا اريد بالتجاوز في قوله عليه‌السلام : «كلّ شيء شكّ فيه وقد جاوزه» هو التجاوز عن محلّ الشيء المشكوك فيه ، فهو لا ينافي كون المراد بالشكّ فيه الشكّ في وجوده دون صفته.

٢٦١٨. توضيحه : أنّ الشكّ في الشيء تارة يطلق ويراد به كون الشيء مشكوكا فيه ، فيكون لفظ «في» حينئذ صلة لا ظرفا ويكون مؤدّاه الشكّ في وجوده. واخرى يراد به الشكّ الواقع في الشيء الموجود ، بأن كان لفظ «في الشيء» ظرفا مستقرّا متعلقا بأفعال العموم ، والمراد بوقوع الشكّ في الشيء الموجود وكونه ظرفا له تعلّق الشكّ بما يعتبر فيه شطرا أو شرطا ، لأنّه مع الشكّ في بعض ما يعتبر في الشيء الموجود ينزّل منزلة وقوعه فيه ، فيعبّر عنه بالشكّ في الشيء ، على أن يكون الظرف صفة للشكّ من باب المسامحة. وهذان المعنيان لا تصحّ إرادتهما من كلام واحد إلّا على القول بجواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد ، وهو ضعيف كما قرّر في محلّه.

وقد أورد عليه بعض مشايخنا بأنّ حمله على إرادة المعنى الأوّل لا ينافي شمول الأخبار لصورتي الشكّ في وجود شيء والشكّ في صفته ، أعني : الصحّة فيما نحن فيه ، بناء على كون الشكّ في وجوده أعمّ من الشكّ في وجوده الواقعي والشرعيّ ، لأنّ ما ليس بصحيح شرعا ليس بموجود كذلك ، فعلى التقديرين يصدق كون الشكّ في وجوده.

ويمكن دفعه بأنّ المنساق من الشكّ في الشيء هو الشكّ في وجوده الواقعي ، وحمله على المعنى الأعمّ يحتاج إلى قرينة ، فتأمّل.

١١

يبعد ذلك في ظاهر موثّقة محمّد بن مسلم من جهة قوله : " فأمضه (٢٦١٩) كما هو" ، بل لا يصحّ ذلك (٢٦٢٠) في موثّقة ابن أبي يعفور ، كما لا يخفى.

لكنّ الإنصاف : إمكان تطبيق (٢٦٢١) موثّقة محمد بن مسلم على ما في الروايات ، وأمّا هذه الموثّقة فسيأتي توجيهها على وجه لا تعارض الروايات إن شاء الله تعالى.

الموضع الثاني : أنّ المراد بمحلّ الفعل (٢٦٢٢) المشكوك في وجوده هو الموضع (*)

______________________________________________________

٢٦١٩. لأنّ وجوب البناء على وقوع الفعل على ما هو عليه في الواقع من الاشتمال على أجزائه وشرائطه ، ظاهر في اختصاص الحكم بصورة الشكّ في صحّة الفعل بعد إحراز وقوعه لا في نفس الوقوع.

٢٦٢٠. لصراحتها في اعتبار كون الشكّ في بعض ما يعتبر في الوضوء شطرا أو شرطا ، فتكون صريحة في الشكّ في الصحّة. ولكن قد يقال بأنّ ظاهرها فرض الشكّ في وجود ما يعتبر في الوضوء ، لا في صحّة الوضوء باعتبار بعض ما يعتبر فيه. والفرق بينهما واضح ، وإن كان الأوّل مستلزما للثاني ، وحينئذ يتعيّن حملها على إرادة المعنى الأوّل. اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ المراد بقوله : «إذا شككت في شيء من الوضوء» هو الشكّ في صحّة الوضوء. والتصريح بكون الشكّ في وجود بعض ما يعتبر فيه شطرا أو شرطا ، إنّما هو من جهة أنّ الشكّ لا بدّ أن يكون ناشئا من الشكّ في وجود بعض ما يعتبر فيه ويؤيّده رجوع الضمير في «غيره» إلى الوضوء دون المشكوك فيه كما سيجيء ، فإنّ اعتبار الدخول في غير الوضوء يؤيّد كون المقصود بالشكّ المقصود بيان حكمه هو الشكّ في صحّة الوضوء ، لا الشكّ في خصوص ما يعتبر فيه.

٢٦٢١. بأن يراد بقوله «امضه كما هو» هو البناء على وقوعه على نحو ما ينبغي أن يقع عليه ، لا البناء على كون الواقع واقعا على ما ينبغي أن يقع عليه.

٢٦٢٢. هذا مبنيّ على كفاية مجرّد التجاوز عن محلّ الفعل المشكوك في وجوده أو صحّته في عدم الاعتداد بالشكّ. وأمّا على القول باعتبار الدخول في

__________________

(*) في بعض النسخ : بدل «الموضع» ، الموضوع.

١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الغير ، فلا بدّ أن يكون هذا الغير مترتّبا على المشكوك فيه ، بأن كانت مرتبته بعد مرتبته ، لأنّه مقتضى اعتبار التجاوز عنه والدخول في غيره. والترتّب بالمعنى المذكور إمّا أن يكون شرعيّا ، كأفعال الصلاة والطهارات والحجّ ونحوها. وإمّا أن يكون عاديّا ، كاعتياد الاستبراء قبل الاستنجاء. وإمّا أن يكون عقليّا ، كترتّب الحرف الساكن على المتحرّك ، بأن شكّ حين التكلّم بالساكن في أنّه انتقل إليه من الحرف المتحرّك قبله أو من متحرّك آخر بدله ، فإذا شكّ في حال التكلّم بكاف كلمة «أكبر» في أنّه انتقل إليه من الهمزة المتحرّكة أو من متحرّك آخر ، بنى على الأوّل هذا والمتيقّن من كلمات الأصحاب في جريان القاعدة هو ما كان الترتّب فيه شرعيّا أو عقليّا ، ولكن إطلاق الأخبار يشمل الجميع.

ثمّ إنّ الترتّب إمّا أن يكون وضعيّا ، بمعنى توقّف صحّة الفعل الثاني على الإتيان بالأوّل كما في أفعال الطهارات والصلاة. وإمّا أن يكون تكليفيّا ، بأن يجب الإتيان بأحدهما قبل الآخر ، وإن صحّ مع التأخّر أيضا. فثمرة التأخير مجرّد حصول العصيان به في الإلزاميّات ، كأفعال منى في الحجّ ، لأنّ رمي الجمرة مثلا واجب قبل الحلق ، إلّا أنّ العمل مع التأخير يقع صحيحا أيضا. وكذا سجدتا السهو بالنسبة إلى الفراغ من الصلاة إذا وقع فيها ما يوجبهما ، ومثلهما الأذان والإقامة من المندوبات ، فإنّ مرتبتها متأخّرة عن مرتبته في التكليف الندبي. وقد تضمّن حكم الشكّ في الأذان بعد الدخول في الإقامة صحيحتا زرارة والحلبي المتقدّمتان سابقا. وإمّا أن يكون في الكمال ، بأن يتوقّف كمال أحدهما على تقدّم الآخر عليه ، كتوقّف كمال قراءة القرآن على تقدّم الطهارة والاستقبال ، وتوقّف كمال الصلاة على تقدّم الإقامة عليها. وقد تضمّنت الصحيحتان حكم الشكّ في الإقامة ، فمع الشكّ في وقوع ما ينبغي تقدّمه يبنى على وقوعه. والمتيقّن من كلمات الأصحاب في جريان القاعدة هو الأوّل ، وإن كانت الأخبار تعمّ الجميع ، وهو أيضا ظاهر جماعة من المتأخّرين ممّن التزم بعموم الأخبار.

١٣

الذي لو اتي به فيه لم يلزم منه اختلال في الترتيب المقرّر. وبعبارة اخرى : محلّ الشيء هي المرتبة المقرّرة له بحكم العقل (٢٦٢٣) أو بوضع الشارع أو غيره ولو كان نفس المكلّف من جهة اعتياده بإتيان ذلك المشكوك في ذلك المحلّ. فمحلّ تكبيرة الإحرام قبل الشروع في الاستعاذة لأجل القراءة بحكم الشارع ، ومحلّ كلمة" أكبر" قبل تخلّل الفصل الطويل بينه وبين لفظ الجلالة بحكم الطريقة المألوفة في نظم الكلام ، ومحلّ الراء من" أكبر" قبل أدنى فصل يوجب الابتداء بالساكن بحكم العقل ، ومحلّ غسل الجانب الأيسر أو بعضه في غسل الجنابة لمن اعتاد الموالاة فيه قبل تخلّل فصل يخلّ بما اعتاده من الموالاة.

______________________________________________________

ثمّ إنّ اعتبار الترتّب فيما حصل الترتّب فيه بين الفعلين بحسب الوضع أو العادة أو الكمال واضح. وأمّا في غيره ، مثل ما لو شكّ في بعض حالاته في الإتيان بالصلاة أو إحدى الطهارات أو غيرهما ، أو في إيقاعها على الوجه المأمور به ، فلا بدّ حينئذ من اعتبار الدخول في الفعل الذي اعتبر الشارع عدمه في المشكوك فيه ، كالأكل والشرب والمشي والنوم ونحوها بالنسبة إلى الصلاة ، فإنّ مرتبة هذه الامور متأخّرة عنها ، لأنّ المراد بالترتّب ـ كما عرفت ـ مجرّد كون الفعل الذي حصل الشكّ بعد الدخول فيه ممّا من شأنه أن يوقع بعد المشكوك فيه على بعض الوجوه ، فإذا اعتاد الإتيان بالصلاة في أوّل وقتها ، فإذا شكّ في الإتيان بها بعد مضيّ الوقت المعتاد مع الاشتغال بما ينافيها ، لا يعتدّ بهذا الشكّ ويحكم بوقوعها.

٢٦٢٣. يعني : أنّ الابتداء بالساكن لمّا كان محالا عقلا (*) ، فلازم هذا الحكم العقلي أن يكون محلّ الراء من كلمة «أكبر» قبل الفصل اليسير. وأنت خبير بأنّ

__________________

(*) في هامش الطبعة الحجريّة : «قوله : محالا عقلا ... ، عند الجمهور ، خلافا لبعضهم حيث جعل الابتداء بالساكن في غير الألف متعسّرا لا متعذّرا. قيل : الظاهر أنّ مناط هذا الخلاف على أنّ الحركة هل هي انفصال ما للحرف عن المخرج بعد اتّصاله به ، والسكون اتّصاله به من غير انفصال مطلقا ، أو هي انفصال تامّ ، وهو اتّصال بلا انفصال تامّ؟ فعلى الأوّل الابتداء بالساكن متعذّر مطلقا. وعلى الثاني متعسّر ، كما في صورة ألزمه والاختلال ، ولكن في غير الألف ، لتعذّره فيه مطلقا. وهو ظاهر. وأمّا ـ كون الحركة بالمعنى الثاني ، والسكون بالمعنى الأوّل ، فمستلزم لوجود الواسطة بينهما ، كما أنّ كونهما بعكس هذا مستلزم لردّ التقابل بينهما ، فافهم. ثمّ الحقّ منهما هو المعنى الأوّل والحكم بالتعذّر ، كما هو المشهور ، انتهى. منه دام ظلّه».

١٤

هذا كلّه ممّا لا إشكال فيه إلّا الأخير (٢٦٢٤) ، فإنّه ربّما يتخيّل انصراف (٢٦٢٥) إطلاق الأخبار إلى غيره ، مع أنّ فتح هذا الباب بالنسبة إلى العادة يوجب مخالفة إطلاقات (٢٦٢٦) كثيرة ، فمن اعتاد الصلاة في أوّل وقتها أو مع الجماعة ، فشكّ في فعلها بعد ذلك ، فلا يجب عليه الفعل. وكذا من اعتاد فعل شيء بعد الفراغ من الصلاة فرأى نفسه فيه وشكّ في فعل الصلاة. وكذا من اعتاد الوضوء بعد الحدث بلا فصل يعتدّ به أو قبل دخول الوقت للتهيّؤ ، فشكّ بعد ذلك في الوضوء ، إلى غير ذلك من الفروع التي يبعد التزام الفقيه بها.

نعم ذكر جماعة من الأصحاب مسألة معتاد الموالاة في غسل الجنابة إذا شكّ في الجزء الأخير ، كالعلّامة (٥) وولده والشهيدين والمحقّق الثاني وغيرهم قدّس الله أسرارهم.

______________________________________________________

الراء في كلمة «أكبر» ليس بساكن ، لكونه متحرّكا بالضمّ ، إلّا أن يريد به حال الوقف. وكيف كان ، فالأولى التمثيل بكاف كلمة «أكبر».

٢٦٢٤. أي : المحلّ العادي.

٢٦٢٥. يمكن منع الانصراف ، لعدم المنشأ له ، لأنّ منشأه إمّا كثرة الاستعمال أو كثرة الوجود أو كمال بعض الأفراد ، وشيء منها غير متحقّق في المقام ، لأنّ صدق التجاوز والخروج والمضيّ بالتجاوز عن المحلّ الشرعيّ والعقلي والعادّي على حدّ سواء. مضافا إلى منع كون الأخيرين منشأ للانصراف ، كما قرّر في محلّه.

٢٦٢٦. فيه نظر ، لأنّه إن أراد بالإطلاقات إطلاق الأمر بالصلاة ونحوه ، فلا ريب في عدم تحقّق الإطلاق مع الشكّ في الامتثال. وكذلك إن أراد بها إطلاقات الإطاعة ، لعدم صحّة التمسّك بها مع الشبهة في المصداق الخارجي. فالمتعيّن حينئذ في الموارد المذكورة هو التمسّك بقاعدة الاشتغال.

١٥

واستدلّ فخر الدين على مختاره في المسألة بعد صحيحة زرارة المتقدّمة : بأنّ خرق العادة على خلاف الأصل ، ولكن لا يحضرني كلام منهم في غير هذا المقام ، فلا بدّ من التتبع والتأمّل.

والذي يقرب في نفسي عاجلا هو الالتفات إلى الشكّ ، وإن كان الظاهر من قوله عليه‌السلام فيما تقدّم : " هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ" : أنّ هذه القاعدة من باب تقديم الظاهر على الأصل ، فهو دائر مدار الظهور النوعي ولو كان من العادة ، لكنّ العمل بعموم ما يستفاد من الرواية أيضا مشكل (٢٦٢٧) ، فتأمّل. والأحوط ما ذكرنا.

الموضع الثالث : الدخول في غير المشكوك إن كان محقّقا للتجاوز (٢٦٢٨) عن المحلّ ، فلا إشكال في اعتباره ، وإلّا فظاهر الصحيحتين الاوليتين اعتباره ، وظاهر إطلاق موثّقة ابن مسلم عدم اعتباره. ويمكن حمل التقييد (٢٦٢٩) في الصحيحين

______________________________________________________

٢٦٢٧. وجه الإشكال : ما أشار إليه من أنّ العمل بعموم ما يستفاد من الرواية يستلزم الالتزام بفروع يبعد التزام الفقيه به. والأمر بالتأمّل إشارة إلى الإشكال في مخالفة الرواية ، وطرحها بمجرّد الاستبعاد المزبور.

٢٦٢٨. توضيحه : أنّ تحقّق التجاوز عن المحلّ تارة يستند إلى الدخول في الغير ، كما إذا شكّ في تكبيرة الإحرام بعد الدخول في الاستعاذة للقراءة من دون فصل طويل ، بحيث لو لم يشرع فيها كان محلّ التكبير باقيا. واخرى لا يستند إليه ، بأن يتحقّق التجاوز قبل الدخول في الغير ولو لأجل الفصل المعتدّ به بينهما. وعلى الأوّل لا إشكال في عدم الاعتناء بالشكّ ، لكونه متيقّنا من الأخبار الواردة في المقام. وعلى الثاني فيه إشكال. وظاهر الصحيحين اعتبار الدخول في الغير ، وظاهر الموثّق عدم اعتباره. وممّا ذكرناه يندفع ما يتوهّم من العبارة ، من كون ظاهرها كون الدخول في الغير أعمّ من التجاوز عن المحلّ ، وليس كذلك ، لكون الأمر بالعكس. ووجه الاندفاع واضح ممّا ذكرناه.

٢٦٢٩. لا يخفى أنّه يمكن ترجيح الأخبار المطلقة بحمل الغير في الأخبار المقيّدة على مطلقة ، بأن يدّعى أنّ تقييدها به إنّما هو من جهة كون التجاوز عن

١٦

على الغالب خصوصا في أفعال الصلاة ، فإنّ الخروج من أفعالها يتحقّق غالبا بالدخول في الغير ، وحينئذ فيلغو القيد. ويحتمل ورود المطلق على الغالب ، فلا يحكم بالإطلاق.

ويؤيّد الأوّل ظاهر التعليل (٢٦٣٠) المستفاد من قوله عليه‌السلام : " هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ" وقوله عليه‌السلام : " إنّما الشكّ إذا كنت في شىء لم تجزه" بناء على ما

______________________________________________________

المحلّ ملازما للدخول في الغير ، لعدم خلوّ الشخص من جميع الأفعال بناء على تجدّد الأكوان. والتنافي بين الأخبار إنّما يتمّ إن كان المراد بالغير في الأخبار المقيّدة خاصّا لا مطلقا.

ولكن يدفعه : أنّ ظاهر اعتبار الدخول في الغير في الأخبار المقيّدة في الحكم بعدم الاعتناء بالشكّ كون المناط في الحكم هو الدخول في الغير لا مطلق التجاوز عن الشيء. وإناطة الحكم بالأوّل يرشد إلى كون المراد بالغير خاصّا لا مطلقا.

ولكن يمكن أن يقال : إنّ ذلك من النكات البيانية التي تلاحظ في البلاغة ، لا في استنباط الأحكام الشرعيّة من خطاباتها ، كيف ولو اعتبرت هذه النكات لزم القول باعتبار مفهوم الوصف أيضا ، لعدم قصوره في الإشعار بالعليّة عمّا ذكر ، بل اعتبار هذه النكات في كلام البلغاء أيضا ليس على وجه يكون مستندا للأحكام الشرعيّة ، ولذا لا يعتبر مفهوم الوصف وإن كان واردا في الكلام المجيد أيضا ، فلا غرو حينئذ فيما عرفت من دعوى احتمال كون التقييد بالدخول في الغير لأجل كون التجاوز عن المشكوك فيه ملازما له ، لا لأجل كونه مناطا في الحكم ، سيّما في الكلام الذي لم يرد لإظهار البلاغة.

وممّا ذكرناه قد ظهر أنّ التنافي بين الأخبار المطلقة والمقيّدة إنّما هو على تقدير كون المراد بالغير خاصّا لا مطلقا ، بأن لم يكن التجاوز عن المحلّ ملازما للدخول في الغير. وعلى تقديره لا بدّ من الجمع بينهما بأحد الوجهين اللذين ذكرهما المصنّف قدس‌سره.

٢٦٣٠. لا يخفى أنّ مؤيّد كلّ منهما مبعّد للآخر ، وبالعكس. ووجه التأييد

١٧

سيجيء (٢٦٣١) من التقريب ، وقوله عليه‌السلام : " كلّ ما مضى من صلاتك وطهورك ...". لكنّ الذي يبعّده أنّ الظاهر من" الغير" في صحيحة إسماعيل بن جابر : " إن شكّ في الركوع بعد ما سجد وإن شكّ في السجود بعد ما قام فليمض" بملاحظة مقام التحديد (٢٦٣٢) ومقام التوطئة للقاعدة المقرّرة بقوله عليه‌السلام بعد ذلك : " كلّ شيء شكّ فيه ..." كون السجود والقيام حدّا للغير الذي يعتبر الدخول فيه ، وأنّه لا غير أقرب من الأوّل بالنسبة إلى الركوع ، ومن الثاني بالنسبة إلى السجود ، إذ لو كان الهويّ للسجود كافيا عند الشكّ في الركوع ، والنهوض للقيام كافيا عند الشكّ في السجود ، قبح في مقام التوطئة للقاعدة الآتية التحديد بالسجود والقيام ، ولم يكن وجه لجزم المشهور (٦) بوجوب الالتفات إذا شكّ قبل الاستواء قائما.

وممّا ذكرنا يظهر أنّ ما ارتكبه بعض من تأخّر من التزام عموم" الغير" وإخراج الشكّ في السجود قبل تمام القيام بمفهوم الرواية (٢٦٣٣) ، ضعيف جدّا ، لأنّ

______________________________________________________

بظاهر العلّة هو وجود العلّة مع التجاوز عن المحلّ مطلقا ، سواء دخل في الغير أم لا. مضافا إلى أنّ الخبر المعلّل أقوى دلالة ، فيرجّح على الخالي من التعليل في مقام التعارض. ولذا عمل بما دلّ على عدم تنجّس البئر بالملاقاة مطلقا وإن كان مائها قليلا معلّلا بأنّ لها مادّة ، وإن كان الغالب فيها الكريّة. وإلى إمكان أن يكون قوله : «هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ» واردا في مقام إمضاء طريقة العقلاء لا تأسيسا لحكم شرعيّ ، بأن كان المراد الإشارة إلى أنّ العاقل المريد للفعل لا يخرج من محلّه غالبا إلّا بعد الإتيان به على وجهه ، كما أشار إليه فخر الدين في الإيضاح ، كما تقدّم عند بيان الأدلّة على تأسيس القاعدة.

٢٦٣١. في الموضع الرابع.

٢٦٣٢. يعني : من الإمام عليه‌السلام ، لفرض عدم سبق سؤال في صحيحة إسماعيل ، بخلاف صحيحة زرارة ، ولذا ترك الاستدلال بالثانية.

٢٦٣٣. أي : بمفهوم القيد المذكور في الرواية المذكورة من قوله : «بعد ما

١٨

الظاهر أنّ القيد وارد في مقام التحديد.

والظاهر أنّ التحديد بذلك توطئة للقاعدة ، وهي بمنزلة ضابطة كليّة ، كما لا يخفى على من له أدنى ذوق في فهم الكلام ، فكيف يجعل فردا خارجا بمفهوم القيد عن عموم القاعدة؟! فالأولى أن يجعل هذا كاشفا (٢٦٣٤) عن خروج مقدّمات أفعال الصلاة عن عموم" الغير" ، فلا يكفي في الصلاة مجرّد الدخول ولو في فعل غير أصلي ، فضلا عن كفاية مجرّد الفراغ.

______________________________________________________

قام» بعد قوله : «إن شكّ في السجود» فإنّ الغير الذي يعتبر الدخول فيه يشمل بعمومه النهوض من السجود إلى القيام. ومفهوم القيد مخرج له من العموم. هذا توضيح ما توهّمه بعض المتأخّرين.

٢٦٣٤. اعلم أنّ ما يناسب المقام هو الكلام في مقامين :

أحدهما : تعيين المراد بالغير الذي اعتبر الدخول فيه في الأخبار في عدم الاعتناء بالشكّ ، وكذا بمحلّ المشكوك فيه الذي ينبئ عنه التعبير بالخروج والمضيّ والتجاوز فيها.

وثانيهما : بيان حكم مقدّمات الأفعال من حيث اندراجها تحت عموم القاعدة وعدمه.

أمّا المقام الأوّل ، فاعلم أنّه نسب إلى العلّامة في بعض أقواله والشيخ في النهاية أنّ المراد بالغير الذي يعتبر الدخول فيه هو الجزء الركني ، فمحلّ الشكّ في تكبيرة الإحرام باق إلى حدّ الركوع ، وفيه إلى السجود ، وفيه إلى حدّ الركوع في الركعة الثانية. فإذا شكّ في التكبير في حال القراءة ، أو فيها قبل الركوع ، أو فيه قبل السجود ، أو فيه قبل الركوع في الركعة الثانية ، يبني على عدم وقوع المشكوك فيه أو صحّته ، فيأتي به على وجه الصحّة ، بخلاف ما إذا شكّ في الأوّل في حال الركوع ، وفي الثاني في حال السجود ، وفي الثالث في حال الركوع في الثانية ، فيبني حينئذ على الوقوع إن كان الشكّ فيه ، وعلى الصحّة إن كان الشكّ فيها. و

١٩

.................................................................................................

______________________________________________________

حينئذ يتّحد محلّ الشكّ مع محلّ السهو ، حيث يجب على الساهي أيضا الإتيان بما سها عنه قبل الدخول في الأركان لا بعده. والمشهور أنّ المراد بالغير هو الأفعال المستقلّة في مقابل المشكوك فيه المعنونة في الفقه ، كالقراءة والركوع والسجود والتشهّد والقيام ، دون مقدّماتها كرفع الرأس من السجود والنهوض للقيام والانحناء للركوع ونحوها. فإذا شكّ في التكبير بعد الدخول في القراءة يبني على وقوعه لا قبلها.

والمحقّق الأردبيلي بعد أن نقل عن الشهيد الثاني عدم الالتفات إلى الشكّ بعد الدخول في الأفعال المذكورة ، إلّا فيما إذا شكّ في الحمد بعد الدخول في السورة ، فيعيد وفاقا للشيخ ، استنادا إلى اتّحاد محلّ القراءتين ، وطرحا للرواية المعارضة بالضعف ، قال ما حاصله : إنّ مقتضى عموم الأخبار مثل قوله عليه‌السلام : «إذا خرجت من شيء ثمّ دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء» هو عدم الالتفات إلى الشكّ بعد الدخول في الغير مطلقا ، حتّى إذا شكّ في الحمد بعد الدخول في السورة ، بل في الآية بعد الدخول في الاخرى ، بل في كلمة بعد الشروع في الاخرى ، فلا يجب العود ، لتحقّق مطلق الانتقال إلى الغير.

وقال في جملة كلام له في المقام : «وبالجملة ، كلامهم أيضا لا يخلو عن اضطراب ، فإنّه يفهم تارة اعتبار جزء عمدة مثل الركن ، وتارة الاكتفاء بجزء في الجملة. فكأنّهم نظروا إلى عرف الفقهاء وما يعدّونه جزءا ، فالقراءة مثلا شيء واحد ، فتأمّل ، فإنّه أيضا مجمل ، وأنّه لا يتمّ في كلّ الروايات والمسائل ، ولا عرف في ذلك. ويمكن الصدق بأنّ هذا محلّ السورة والفاتحة ، بل محلّ الآية وغير ذلك ويدلّ على اعتبار ذلك صحيحة معاوية المتقدّمة ، فتأمّل ، فإنّ العمل به غير بعيد ، للأخبار السابقة الظاهرة» انتهى.

وقد ظهر ممّا ذكرناه أنّ المسألة ثلاثيّة الأقوال ، وأوّل من أخذ في الاعتراض على المشهور هو المحقّق المذكور ، ولله درّه إذ كم من مزايا في الزوايا

٢٠