فرائد الأصول - ج ١

الشيخ مرتضى الأنصاري

فرائد الأصول - ج ١

المؤلف:

الشيخ مرتضى الأنصاري


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: سماء قلم
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-8536-64-5
ISBN الدورة:
978-964-8536-63-8

الصفحات: ٥٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

كما ربّما يوهمه ظاهر العبارة. فيئول المعنى حينئذ إلى أنّ القسم الأوّل ما يعمل لتشخيص كون مقتضى ظاهر اللفظ مرادا للمتكلّم عند احتمال إرادته خلافه.

ثمّ إنّ مقتضى الترتيب الطبعي هو تعاكس القسمين ، بجعل القسم الثاني أوّلا ، لأنّ الكلام في القسم الثاني ـ كما سيشير إليه ـ في إثبات الظهور ، وفي هذا القسم في إثبات كون الظاهر المفروغ من ظهوره مرادا للمتكلّم فالقسم الثاني بمنزلة المقدّمة لإثبات القسم الأوّل ، فهو أولى بالتقديم ، إلّا أنّ المصنّف رحمه‌الله قدّمه اهتماما بشأنه ، لكثرة ما يتعلّق به من الكلام ، ولكونه من أوضح أفراد الظنون الخاصّة ، لعدم مخالفة أحد في اعتبار الظواهر ، وعليه إجماع أهل اللسان في كلّ زمان. والخلاف في حجّية ظواهر الكتاب أو في حجّية الظواهر مطلقا بالنسبة إلى غير من خوطب بها لا ينافي كون كلّية الكبرى مسلّمة ، كما يظهر من تحرير المصنّف رحمه‌الله للنزاع في المقامين فلاحظه.

ثمّ إنّ حاصل الكلام في القسم الأوّل بيان اعتبار الظنّ الحاصل بمراد المتكلّم من حقائق الألفاظ أو مجازاتها المحفوفة بالقرائن المقاليّة أو الحاليّة وأمّا الظنّ الحاصل بالمراد من المجملات بسبب القرائن الخارجة ، أو الظنّ بالمراد من الخبر بسبب شهرة الفتوى بمضمونه أو بفهم الأصحاب ، فلا اعتداد به ، وإن كشفت الشهرة ظنّا عن احتفافه بقرينة ظنّية حين صدوره ، إذ القدر المتيقن من الإجماع وبناء العرف على اعتبار الظواهر هو الظنّ الحاصل من ظواهر الألفاظ ، سواء كان الظهور ناشئا من أصالة الحقيقة أو قرينة المجاز. وأمّا الظنون الخارجة التي لا تعطي اللفظ ظهورا فلا يعتدّ بها عندهم. وكذلك المعتبر من القرائن عندهم هي القرينة المقطوع بوجودها وإن كانت ظنّية الدلالة ، لا القرينة الظنّية الوجود.

ثمّ إنّ المراد بالظنّ بالمراد هو الظنّ الحاصل بالإرادة بعد العلم بالأوضاع ، لأنّ هذا هو المتيقّن من إجماع العلماء وبناء العرف فما حكي عن بعض الأفاضل سماعا منه من الاكتفاء بالظنّ بالأوضاع ، نظرا إلى كون الظنّ بها مستلزما للظنّ بالمراد ، و

٣٠١

عند احتمال إرادته خلاف ذلك ، كأصالة الحقيقة (١٩٩) عند احتمال إرادة المجاز ، وأصالة العموم والإطلاق ، ومرجع الكلّ إلى أصالة عدم القرينة الصارفة عن المعنى الذي يقطع بإرادة المتكلّم الحكيم (٢٠٠) له لو حصل القطع بعدم القرينة ، وكغلبة استعمال (٢٠١) المطلق في الفرد الشائع بناء

______________________________________________________

انّ الظنّ به معتبر إجماعا فيكون الظنّ بالوضع معتبرا حينئذ ، لا محالة خال من التحقيق ، لما عرفت من أنّ المعتبر من الظواهر هو الظنّ الحاصل بالمراد بعد العلم بالوضع لا مطلقا.

١٩٩. لاختصاص موردها بما تميّزت المعاني الحقيقيّة عن المجازيّة ، ووقعت الشبهة في إرادة المعنى الحقيقي الذي فرض ظهور اللفظ فيه أو المعنى المجازي ، فتعمل أصالة الحقيقة حينئذ لتعيين إرادة المعنى الأوّل. ومثله الكلام في أصالة العموم والإطلاق ، بل هما من جزئيّات ذاك الأصل. والوجه في إفرادهما بالذكر هو الاهتمام بشأنهما ، لكثرة موردهما ، كأنّهما صارا أصلين مستقلّين في قبال أصالة الحقيقة.

٢٠٠. القاصد للإفهام. وستأتي الإشارة إلى وجه التقليد.

٢٠١. عطف على قوله : «كأصالة الحقيقة». وهذه الغلبة من القرائن المفهمة ، لأنّ القرائن ـ على ما تقرّر في محلّه ـ إمّا صارفة ، وهي إحدى قرينتي المجاز ، إذ المعتبر فيه نصب قرينتين صارفة ومعيّنة ، أو قرينة ذات جنبتين ، وإمّا معيّنة ، وهي قرينة المشترك والقرينة الاخرى للمجاز على ما عرفت ، وإمّا مفهمة ، وهي قرينة المشترك المعنوي. ووجه التسمية في الكلّ واضح.

ثمّ إنّ الظاهر عدم الفرق في تسمية قرينة المشترك المعنوي بما ذكر بين القول بكون تقييد المطلقات موجبا للتجوّز فيها كما عزي إلى المشهور ، وعدمه كما هو المختار ، وإن كانت هي على الأوّل من القرائن الصارفة كما لا يخفى.

ثمّ إنّ إفراد الغلبة بالذكر مع شمول قرائن المقام لها إنّما هو لكون المراد بقرائن المقام هي قرائن المجاز ، فلا تشمل الغلبة التي هي من القرائن المفهمة. وتخصيص

٣٠٢

على عدم وصوله (٢٠٢) إلى حدّ الوضع ، وكالقرائن المقاميّة التي يعتمدها أهل

______________________________________________________

القرائن المقاميّة بالذكر إنّما هو لعدم وجود قرينة عامّة في القرائن المقاليّة بحيث ترجع إلى قاعدة ، ومقصود المصنّف رحمه‌الله هي الإشارة إلى القرائن الكلّية. نعم ، ما ذكره من الكلّية يشمل جميع القرائن. وهو واضح.

٢٠٢. اعلم أنّ في دلالة المطلقات التي لها أفراد شايعة على تلك الأفراد وجوها أو أقوالا (*) : أحدها : كونها لأجل النقل : بأن كانت المطلقات لأجل كثرة استعمالها في تلك الأفراد منقولة عرفا عن الطبيعة إلى تلك الأفراد.

وثانيها : كونها لأجل الاشتراك ، بأن بلغت لكثرة استعمالها في تلك الأفراد إلى مرتبة الاشتراك بينها وبين الطبيعة ، لكنّ الشهرة قرينة معيّنة لإرادة خصوص تلك الأفراد.

وثالثها : كونها لأجل صيرورة المطلقات مجازات مشهورة في تلك الأفراد.

ورابعها : كون العمل بالأفراد الشّائعة من باب القدر المتيقّن وقاعدة الاشتغال ، لأنّها متيقّنة الإرادة من بين أفراد الطبيعة ، كما يظهر من المحقّق القمّي رحمه‌الله.

وخامسها : كونها من باب تعدّد الدالّ والمدلول ، بأن كان المطلق دالّا على الطبيعة وشيوع تلك الأفراد على إرادتها في ضمنها.

وسادسها : التفصيل بين أقسام التشكيك ، بأنّه إن كان من قبيل البدوي فهو في حكم المتواطي في الحكم بالإطلاق ، وإن كان من قبيل المضرّ الإجمالي فهو محكوم بالإجمال بالنسبة إلى الأفراد النادرة ، وإن كان من قبيل مبيّن العدم فهو

__________________

(*) في هامش الطبعة الحجريّة : «يحتمل أن يكون الوجه في عدم تعرّض المصنّف للصورة المفروضة قلّة وجودها في الاستعمالات العرفيّة ، لأنّ اللفظ بعد بلوغه إلى مرتبة الشهرة ينتقل إلى مرتبة النقل باستعمالات السيرة ، حتّى انّ العلّامة الطباطبائي قد أنكر مرتبة الاشتراك ، وادّعي الانتقال من مرتبة الشهرة إلى مرتبة النقل. وهو وإن كان فاسدا ، لاستلزامه الطفرة كما قرّر في محلّه ، إلّا أنّ الاستعمال في هذه المرتبة قليل الوجود. منه».

٣٠٣

.................................................................................................

______________________________________________________

منصرف إلى الأفراد الشّائعة من قبيل تعدّد الدالّ والمدلول. وهذا هو أقرب الوجوه المذكورة ، كما قرّرناه في مبحث المطلق والمقيّد مع سائر ما يتعلّق بالمقام في كتابنا المسمّى بغاية المأمول.

والوجه فيما قيّد به المصنّف رحمه‌الله هو إلغاء الغلبة ، بناء على وصول الاستعمال إلى حدّ الوضع ، لأنّ المدار في الحمل على الحقيقة في متّحد المعنى هي أصالة الحقيقة لا وجود القرينة ، وإن كانت فهي مؤكّدة لمقتضى هذا الأصل لا مؤسّسة في الحمل.

نعم ، تخرج على ما ذكره الغلبة على القول بكون المطلقات التي لها أفراد شايعة مشتركة بينها وبين الطبيعة. ولا وجه له ، لأنّ الغلبة على هذا تكون قرينة معيّنة لإرادة أحد معنى المشترك ، والظهور الناشئ من هذه القرينة أيضا داخل في القسم الأوّل. اللهمّ إلّا أن يمنع كون الغلبة قرينة معيّنة لها ، كما يظهر من بعض كلمات المحقّق القمّي رحمه‌الله ، حيث منع كون اشتهار استعمال المشترك في أحد معنييه قرينة لإرادته. وعليه يحكم بالإجمال فيما نحن فيه.

فإن قلت : إنّ الكلام في المقام ـ كما يشير إليه عند بيان القسم الثاني ـ إنّما هو في إعمال الأمارات لتشخيص كون الظاهر المفروغ من ظهوره مرادا للمتكلّم عند احتمال خلافه ، ولا ريب أن الغلبة ووقوع الأمر عقيب الحظر ـ بل جميع قرائن المجاز ـ إنّما هي من أمارات ظهور اللفظ ، بمعنى كونها معطية للظهور له ، لا مثبتة لاعتبار الظهور وكونه مرادا للمتكلّم بعد الفراغ من أصل وجوده ، إذ لا إشكال في عدم ظهور اللفظ في المعنى المجازي إلّا بوجود القرينة ، بخلاف أصالة الحقيقة التي مرجعها إلى أصالة عدم القرينة المعتبرة عند أهل اللسان ، لأنّ هذا الأصل أمارة لكون ظاهر اللفظ مرادا للمتكلّم ، والعرف دليل على اعتبار هذه الأمارة ، وقرائن المجازات ـ من أسباب ظهور الألفاظ في المعاني المجازيّة ، والعرف ، وبناء أهل اللسان ـ دليل على اعتبار هذه الظواهر وكونها مرادة للمتكلّم.

قلت : نعم ، إلّا أنّ المقصود من عطف الغلبة وغيرها على أصالة الحقيقة بيان

٣٠٤

اللسان (*) في محاوراتهم ، كوقوع الأمر عقيب توهّم الحظر ونحو ذلك ، وبالجملة : الامور المعتبرة عند أهل اللسان في محاوراتهم بحيث لو أراد المتكلّم القاصد للتفهيم خلاف مقتضاها من دون نصب قرينة معتبرة ، عدّ ذلك منه قبيحا.

والقسم الثاني : ما يعمل لتشخيص أوضاع الألفاظ ، وتمييز (**) مجازاتها من حقائقها ، وظواهرها عن خلافها (٢٠٣) ، كتشخيص أنّ لفظ «الصعيد» موضوع لمطلق وجه الأرض أو التراب الخالص؟ وتعيين أنّ وقوع الأمر عقيب توهّم الحظر هل يوجب ظهوره في الإباحة المطلقة؟ وأنّ الشهرة في المجاز المشهور هل توجب احتياج الحقيقة إلى القرينة الصارفة عن الظهور العرضي المسبّب من الشهرة ، نظير احتياج المطلق المنصرف إلى بعض أفراده؟

______________________________________________________

كون الغلبة أيضا كأصالة الحقيقة في كونها مثبتة لاعتبار الظهور وكون الظاهر مرادا للمتكلّم ، لا مشخّصة له ، فالمقصود من ذكرها هنا بيان كونها دليلا على اعتبار الظهور الناشئ منها ، لا بيان كونها من أمارات الظهور ، لأنّ محلّ الكلام في القسم الأوّل ـ كما عرفت ـ في اعتبار الظهور المفروغ من وجوده وفي كونه مرادا للمتكلّم. وفي القسم الثاني في اعتبار الظنّ بالظهور الناشئ من الظنّ بالأوضاع وبكون الموجود قرينة ، وقرائن المجاز معطية للظهور للفظ يقينا ، ومفيدة لكون هذا الظهور مرادا للمتكلّم فمرجع الكلام في اعتبار قرائن المجاز إلى الكلام في كون الظهور الناشئ منها مرادا للمتكلّم وعدمه ، وهذا لا يندرج في القسم الثاني كما عرفته وستعرفه أيضا.

٢٠٣. من قبيل عطف الأعمّ على الأخصّ ، لعدم اختصاص الكلام بتشخيص الحقائق عن مجازاتها كما يظهر من ذكر الأمثلة.

__________________

(*) في بعض النسخ : بدل «أهل اللسان» ، العقلاء.

(**) في بعض النسخ : بدل «تمييز» ، تشخيص.

٣٠٥

وبالجملة : فالمطلوب في هذا القسم أنّ اللفظ ظاهر في هذا المعنى (٢٠٤) أو غير ظاهر؟ وفي القسم الأوّل أنّ الظاهر المفروغ عن كونه ظاهرا مراد أو لا؟ والشكّ في الأوّل (٢٠٥) مسبّب عن الأوضاع اللغويّة والعرفيّة ، وفي الثاني عن اعتماد المتكلم على القرينة وعدمه ، فالقسمان من قبيل الصغرى والكبرى لتشخيص المراد.

أمّا القسم الأوّل : فاعتباره في الجملة (٢٠٦) ممّا لا إشكال فيه ولا خلاف ؛ لأنّ المفروض كون تلك الامور معتبرة عند أهل اللسان في محاوراتهم المقصود بها التفهيم ، ومن المعلوم بديهة أنّ طريق محاورات الشارع في تفهيم مقاصده للمخاطبين لم يكن طريقا مخترعا مغايرا لطريق محاورات أهل اللسان في تفهيم مقاصدهم.

______________________________________________________

٢٠٤. لا يخفى أنّ إثبات هذا الظهور إمّا بالوجدان ، وهو موقوف على العلم بالأوضاع اللغويّة والعرفيّة ، أو بالظنّ المعتبر ، وهو موقوف على إثبات اعتبار الأمارات المثبتة للأوضاع اللغويّة والعرفيّة ، كقول أهل اللغة ونحوه. ولا كلام لنا في الأوّل. ومرجع الكلام في الثاني إلى إثبات اعتبار الظنّ بالظهور الناشئ من الأمارات المورثة للظنّ بالأوضاع اللغويّة والعرفيّة ، فما يندرج في هذه الكلّية فهو من محلّ الكلام في هذا القسم ، كما يتّضح ذلك بملاحظة ما فصّله عند الاستدلال على اعتبار هذا القسم ، فلاحظ ولا تغفل.

٢٠٥. يعني : في القسم الثاني. والتعبير عنه بالأوّل باعتبار ذكره أوّلا في كلامه المتصل بهذا الكلام ، أعني : قوله : «وبالجملة فالمطلوب ...». ونحوه الكلام في قوله : «وفي الثاني».

٢٠٦. التقييد بقوله : «في الجملة» للإشارة إلى الخلافين الآتيين. لكنّ الأولى تركه ، لأنّ الكلام في هذا القسم ـ كما أشار إليه ـ إنّما هو في اعتبار الامور المعتبرة عند أهل اللسان في محاوراتهم ، بحيث لو أراد المتكلّم القاصد للإفهام خلاف مقتضاها من دون نصب قرينة معتبرة عدّت تلك الإرادة منه قبيحة. ولا ريب في

٣٠٦

وإنّما الخلاف والإشكال وقع في موضعين : أحدهما : جواز العمل بظواهر الكتاب. والثاني : أنّ العمل بالظواهر مطلقا في حقّ غير المخاطب بها قام الدليل عليه بالخصوص ـ بحيث لا يحتاج إلى إثبات انسداد باب العلم في الأحكام الشرعيّة ـ أم لا؟ والخلاف الأوّل ناظر (٢٠٧) إلى عدم كون المقصود بالخطاب استفادة المطلب منه مستقلّا. والخلاف الثاني ناظر إلى منع كون المتعارف بين أهل اللسان اعتماد غير من قصد إفهامه بالخطاب على ما يستفيده من الخطاب بواسطة أصالة عدم القرينة عند التخاطب ، فمرجع كلا الخلافين إلى منع الصغرى.

وأمّا الكبرى ـ أعني كون الحكم عند الشارع في استنباط مراداته من خطاباته

______________________________________________________

عدم الخلاف في كلّية هذه الكبرى ، لأنّ الخلافين الآتيين في صغريات هذه الكبرى لا في كلّيتها ، كما اعترف به قدس‌سره. وحاصل الخلافين : منع تحقّق جميع قيود الكبرى المذكورة في ظواهر الكتاب ، لأجل عدم كون المقصود منها استفادة المطالب مستقلّة. وكذا في مطلق الظواهر بالنسبة إلى غير من خوطب بها ، لأجل عدم قصد الإفهام بالنسبة إليهم. ولا ريب في أنّ الخلاف في بعض صغريات كبرى كلّية لا يعدّ خلافا في كلّية الكبرى لتحتاج إلى التقييد.

٢٠٧. النسبة بين الخلافين عموم من وجه ، لاختصاص الخلاف الأوّل بالكتاب ، وعمومه للمخاطبين الحاضرين في مجلس الوحي ولغيرهم سوى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمّة عليهم‌السلام ، واختصاص الثاني بغير المخاطبين المشافهين ، وعمومه للكتاب والسنّة.

فإن قلت : إنّ ما ذكره من كون الخلاف الأوّل ناظرا إلى عدم كون المقصود بالخطاب استفادة المطلب منه مستقلّا إنّما يتمّ بالنظر إلى أحد دليلي الأخباريّين ، وهو الدليل الأوّل ، لإمكان استفادة هذا المطلب من مجموع الأخبار الواردة في المقام ، كما أشار إليه المصنّف رحمه‌الله بعد نقلها. وأمّا الدليل الثاني ، أعني : العلم الإجمالي بطروء التخصيص والتقييد والتجوّز في أكثر ظواهر القرآن المسقط لها عن

٣٠٧

المقصود بها التفهيم وما هو المتعارف عند أهل اللسان في الاستفادة ـ فممّا لا خلاف فيه ولا إشكال.

أمّا الكلام في الخلاف الأوّل ، فتفصيله : أنّه ذهب جماعة من الأخباريّين (١٢) (٢٠٨)

______________________________________________________

الظهور ، فهو مخالف لما ذكر ، إذ ظاهره كون عدم جواز العمل بها إنّما هو لوجود المانع ، وهو العلم الإجمالي المذكور ، لا لعدم المقتضي ، ولا ريب أنّ منع المانع فرع وجود المقتضي ، وهو كون المقصود بالخطاب استفادة المطلب مستقلّا.

قلت : لعلّ الوجه فيه كون عمدة أدلّتهم هي الأخبار ، كما صرّح به في بعض كلماته الآتية ، أو كون الدليل الثاني واردا منهم في مقام المماشاة مع الخصم ، بأن كان حاصل الدليلين منع المقتضي للعمل أوّلا ، ومع التنزّل والمماشاة وتسليم مقالة الخصم ـ بالغضّ عن مقتضى الأخبار ـ إبداء المانع من اقتضاء المقتضي للعمل ثانيا. والأولى له أن يزيد بعد قوله : «استفادة المطلب منه مستقلّا» قوله : أو أنّ ظواهر الكتاب ليست بظواهر بعد احتمال كون محكماته من المتشابه ، كما صنعه في آخر كلامه قبل الشروع في تنبيهات هذا الموضع ، لعدم ورود الإشكال حينئذ كما لا يخفى.

٢٠٨. قد يقرّر مراد الأخباريّين بوجهين :

أحدهما : ما عن السيّد الجزائري في رسالته المسمّاة بمنبع الحياة ، من كون جميع آيات القرآن متشابهة بالنسبة إلينا ، فلا يجوز أخذ شيء منها ولا الاستدلال بها إلّا ببيان أهل الذكر عليهم‌السلام. ولعلّه طريقة أكثرهم. وعن السيّد الكاظمي أنّ أوّل من سبق إلى ذلك الأمين الأسترآبادي في فوائده المدنيّة ، محتجّا بأنّ آيات القرآن قد جاءت على وجه التعمية والإلغاز ، فلا يجوز التمسّك بشيء منها إلّا بتفسير أهل العصمة عليهم‌السلام. وتبعه جماعة منهم الشيخ الحرّ العاملي قدس‌سره.

وأقول : قال الأمين في فوائده : «إنّ القرآن في الأكثر ورد على وجه التعمية بالنسبة إلى أذهان الرعيّة ، فكذلك كثير من السنن النبويّة صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإنّه لا سبيل لنا فيما

٣٠٨

.................................................................................................

______________________________________________________

لا نعلمه من الأحكام النظريّة الشرعيّة ـ أصليّة كانت أو فرعيّة ـ إلّا السماع عن الصادقين عليهم‌السلام ، وإنّه لا يجوز استنباط الأحكام النظريّة من ظواهر كتاب الله ولا ظواهر السنن النبويّة صلى‌الله‌عليه‌وآله ما لم يعلم أحوالهما من جهة أهل الذكر عليهم‌السلام ، بل يجب التوقّف والاحتياط فيهما» انتهى.

وعن السيّد الجزائري في بعض رسائله : «أنّي كنت حاضرا في المسجد الجامع من شيراز ، وكان الأستاذ المجتهد الشيخ جعفر البحراني والشيخ المحدّث صاحب جامع الكلم يتناظران في هذه المسألة ، فانجرّ الكلام بينهما حتّى قال له الفاضل المجتهد : ما تقول في معنى قل هو الله أحد ، فهل يحتاج في فهم معناه إلى الحديث؟ فقال : نعم ، لا نعرف معنى الأحديّة ، ولا الفرق بين الأحد والواحد إلّا بذلك» انتهى.

وثانيهما : عدم جواز التمسّك بظواهر القرآن بخلاف نصوصه ، وذلك منهم إمّا لنفي ظاهر في القرآن ، وإمّا لدعوى ورود النهي عن العمل بظواهره.

وقد نقل المحقّق القمّي رحمه‌الله ـ كما سيشير إليه المصنّف رحمه‌الله أيضا ـ عن بعض الأفاضل ـ وعنى به السيّد الصّدر ـ أنّه قال : إن أرادوا أنّه لا يجوز العمل بالظواهر التي ادّعى إفادتها للظنّ المحتملة لمثل التخصيص والتقييد والنسخ وغيرها ، لصيرورة أكثرها متشابها بالنسبة إلينا فلا يفيد الظنّ ، وما أفاد الظنّ منه منعنا عن العمل به ، مع قبول أنّ في القرآن محكما بالنسبة إلينا ، فلا كلام معهم. وإن أرادوا أنّه لا محكم فيه أصلا ، فهو باطل.

ثمّ أورد عليه المحقّق المذكور بأنّ ما ذكره ليس إلّا تشابها بالعرض ، ولا كلام فيه ، فهو خارج من محطّ النزاع ، لعدم اختصاص التشابه بهذا المعنى بالكتاب ، بل يجري في الأخبار أيضا ، مع أنّهم لا يمنعون من العمل بها وحاصل ما ذكره : كون مراد الأخباريّين من تشابه القرآن هو التشابه الذاتي مثل الإلغاز والتعمية ، لا العرضي الناشئ من احتمال التخصيص والتقييد والنسخ وغيرها. وربّما يمنع

٣٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

اختصاص نزاعهم بالأوّل. ويمكن استفادته ممّا عرفته من كلام الأمين الأسترآبادي الذي هو رأسهم ورئيسهم ، لأنّه إنّما ادّعى التعمية في الأكثر مع منعه من العمل بالجميع ، وهو لا يتمّ إلّا بدعوى عروض الاشتباه في الجميع ، فتدبّر.

ثمّ إنّ المخالف في المقام هو الأكثر ، وهم المجتهدون ، لذهابهم إلى اعتبار ظواهر الكتاب كنصوصه. ولهم وجوه :

أحدها : أنّ العمل بظواهره ممّا يعمّ به البلوى وتمسّ به الحاجة ، لانجبال طبائع من آمن برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على العمل بها ، سيّما مع كون جميع الكتب السماويّة كذلك ، لجريان عادة سائر الامم السابقة أيضا على العمل بما تضمّنت تلك الكتب من الأحكام. فلو كان العمل بظواهره منهيّا عنه لنهى عنه الأئمّة عليهم‌السلام بل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، بحيث بلغ إلينا متواترا ، بل كان معروفا ، عند العوام فضلا عن الخواص ، ولم يبق على ورطة الإجمال والاشتباه ، سيّما مع عدم ذهاب أحد من العلماء إليه سوى الطائفة الأخباريّة ، فتأمّل.

الثاني : أنّ ظواهره ونصوصه لو لم تكن حجّة توقّف فهم إعجاز القرآن على تفسير النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لمعانيها ، لوضوح أنّ عمدة جهات إعجازه إنّما هي جهة فصاحة آياته وبلاغتها ، ولا ريب أنّ بلاغة الكلام تتوقّف على فهم المراد منه ، لكون بلاغته باعتبار تأدية المعنى المراد بحسب مقتضى المقام ، ومحض فصاحة الألفاظ غير كاف في إعجاز القرآن ، فلو لم تكن ظواهره فضلا عن نصوصه معتبرة على حسب ما يفهمه أهل اللسان ، توقّف كونه إعجازا على بيان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وتفسيره للمعاني المرادة منها ، ولو كان كذلك لشاع ذلك وذاع في الأمصار والأصقاع ، وليس فليس ، إذ لا ريب أنّ العرب كانت معترفة بالعجز عن الإتيان بمثل سورة من سوره بمجرّد السماع عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله من دون توقّف وانتظار منهم لبيانه. مع أنّ ذلك مستلزم للدور ، إذ لو كان إعجاز القرآن موقوفا على بيانه فلا ريب أنّ اعتبار بيانه وتفسيره موقوف على ثبوت نبوّته ، فيلزم توقّف نبوّته على كون القرآن معجزا ،

٣١٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وكونه معجزا على ثبوت نبوّته ، وهو دور صريح. هكذا قيل. وفيه تأمّل.

الثالث : أنّ الكتاب لو لم يعتبر انفتح باب الطعن من اليهود والنصارى على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله والمسلمين ، ولم ينقل ذلك منهم ، وقد نقل جميع ما قالوه فيه في ذلك الزمان.

الرابع : الآيات الدالّة على ذلك ، مثل قوله تعالى : (لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ.) وقوله سبحانه : (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ.) وقوله عزوجل : (وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ.) وقوله عزّ وعلا (هُدىً وَرَحْمَةً.) وقوله عزّ من قائل : (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا.) وقوله تعالى : (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ.) إلى غير ذلك من الآيات الواضحة المنار. ويؤيّدها أنّ المنافقين كانوا إذا فعلوا منكرا يقع في قلوبهم الرعب من أن تنزّل فيهم آية تفضحهم ، ولو كانوا لم يفهموا من الآيات معانيها لم يكن لرعبهم واضطرابهم وجه. ووجه الدلالة : كون هذه الآيات بعد ملاحظة سياقها وضمّ بعضها إلى بعض مفيدة للقطع بحجّية القرآن. فلا يرد أنّ التمسّك بها يستلزم الدور.

الخامس : الأخبار المستفيضة ـ بل البالغة فوق حدّ التواتر ـ التي ذكرها المصنّف رحمه‌الله علي وجه المعارضة. ونذكر ما يتعلّق بها هناك.

السادس : استقرار طريقة أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام على التمسّك بالآيات في مقام المنازعة والمشاجرة. وكانوا إذا استدلّ أحدهم بآية سكت خصمه ، ولم يورد عليه بعدم حجّيتها ، مع اطّلاع أئمّتهم عليهم‌السلام على ذلك وعدم منعهم منه ، فهو تقرير منهم لهم على ذلك. وكذا عمل العلماء مستقرّ على ذلك في الأمصار والأعصار إلى زمان الأمين الأسترآبادي ، فهو إجماع منهم على ذلك.

فإن قلت : إنّ التمسّك بعمل أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام أو العلماء غير مجد في المقام ، لإجمال وجه عملهم ، لاحتمال كون عمل بعضهم بالآيات من باب الظنّ مطلقا ، وبعض آخر من باب الظنّ الخاصّ ، فبالإجماع المذكور أو تقرير الإمام عليه‌السلام

٣١١

إلى المنع عن العمل بظواهر الكتاب من دون ما يرد التفسير وكشف المراد عن الحجج المعصومين صلوات الله عليهم. وأقوى ما يتمسّك لهم (٢٠٩)

______________________________________________________

لا يمكن الاستكشاف عمّا هو المقصود من إثبات اعتبار الآيات من باب الظنّ الخاصّ.

قلت أوّلا : إنّ ذلك وإن لم يثبت المدّعى إلّا أنّه يكفي في مقام ردّ الأخباريّين المدّعين لإجمال الآيات وعدم جواز العمل بها على وجه.

وثانيا : إنّه إن اريد بكون عمل بعضهم من باب الظنّ مطلقا كون الانسداد علّة تامّة لعملهم بها ، بحيث يدور عملهم مدار الظنّ الشخصي ، كما هو لازم دعوى الانسداد في أمثال زماننا ، فهو فاسد جدّا لأنّا نعلم قطعا بعدم كون عمل أصحاب الأئمّة عليهم‌السلام بالآيات والأخبار من قبيل ذلك ، بل العلماء أيضا كذلك ، ولذا قد عملوا بها مع قيام الأمارات غير المعتبرة على خلافها. وإن اريد كون الانسداد حكمة لجعل الشارع للعمل بالظنون الخاصّة ومنها الآيات ، فهو عين المدّعى لا أنّه مناف له.

ثمّ إنّه على تقدير حجّية الكتاب لا فرق فيها بين مسائل الفروع واصول الفقه ، لعموم أدلّتها. فما يظهر من بعضهم من عدم جواز العمل به في اصول الفقه ، كما يظهر ممّن أورد على التمسّك بآية النبأ لإثبات حجّية خبر العدل ، بأنّ حجّيته من مسائل الاصول ، ولا يعتدّ فيها بظاهر الآية ، ضعيف جدّا. نعم لا يعتدّ به في اصول العقائد عند من اعتبر القطع فيها ، لعدم أدائه إليه غالبا. نعم ، يكتفي به فيها عند من يكتفي بالظنّ فيها كما سيأتي في محلّه.

٢٠٩. لهم وجوه أخر أيضا :

أحدها : ما ذكره الأمين الأسترآبادي قال : «ومن جملتها ـ يعني : الوجوه الدالّة على عدم حجّية الكتاب ترتّب المفاسد على فتح ذلك الباب. ألا ترى أنّ علماء العامّة قالوا في قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)

٣١٢

.................................................................................................

______________________________________________________

إنّ المراد به السلاطين» انتهى.

وفيه : أنّ ما ورد من طرقنا وطرقهم ، سيّما مع ما دلّ من البراهين القاطعة على وجود معصوم في كلّ زمان ، يكفينا في تأويل الآية بإرادة أشخاص معيّنة ، أعني : أئمّتنا عليهم‌السلام. والإنصاف أنّ منع حجّية الكتاب للغرض الذي دعا المستدلّ إلى ذلك فتح باب تشنيع على الإماميّة.

الثاني : أنّ أسلوب القرآن وإن كان عربيّا إلّا أنّه أسلوب جديد وراء أساليب سائر الكتب وكلمات العرب ، كما يشهد به انتظام آياته واشتمالها على كيفيّات خاصّة ، لم يعهد قبله وبعده كتاب ينسلك بهذا المسلك العجيب ، وينتظم بهذا المنهج الغريب ، ومن هذا اشتماله على رموز وإشارات مثل المقطّعات التي لا يعلم تأويلها إلّا الله والراسخون في العلم ، ومثل التعبير عن العشر بالجزء في قوله تعالى مخاطبا لإبراهيم : (ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً) كما في رواية عبد الله بن سبابة قال : «امرأة أوصت إليّ وقالت : ثلثي يقضى به ديني ، وجزء منه لفلان. فسألت ابن أبي ليلى فقال : لا أدري لها شيئا ، ما أدري ما الجزء؟ فسألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن ذلك ، فقال : كذب أبو ليلى ، لها عشر الثلث ، إنّ الله تعالى أمر إبراهيم عليه‌السلام فقال : (اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً) وكانت الجبال يومئذ عشرة والجزء هو العشر من الشيء» الحديث. ويحتمل سائر الآيات أيضا أن يكون مثل ذلك ، فكيف يسع لأحد التمسّك بها من دون تفسير من أهل الذكر عليهم‌السلام؟

وفيه : أنّ تغاير أسلوب القرآن وأساليب سائر الكلمات وإن كان مسلّما ، إلّا أنّه لا يجدي طائلا في إثبات مدّعي الخصم ، لأنّ ذلك بعد الاعتراف بكونه عربيّا لا يوجب إجمال الظواهر والخروج من مقتضى القواعد العربيّة والأوضاع اللغويّة ، سيّما مع جريان عادة عامّة الناس جيلا بعد جيل على العمل بها. وكذلك اشتماله على الحروف المقطّعة لا يصدم فيما ذكرناه ، إذ مقصودنا ليس إثبات حجّية مثلها. وإجمالها وعدم معرفة المراد منها لا ينافي حجّية الظواهر ، ولا يخرجها من الظهور.

٣١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ومن هنا يظهر ما في سائر كلماته. وبالجملة إنّه لا بدّ من العمل بالظواهر إلّا فيما قام دليل معتبر على خلافها.

الثالث : قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ.) قال السيّد الصدر في تقريب دلالته : «قد ذمّهم على اتّباع التشابه ، ولم يبيّن المتشابهات ما هي؟ وكم هي؟ بل لم يبيّن لهم المراد بهذه اللفظة ، وجعل البيان موكولا إلى خلفائه عليهم‌السلام» انتهى.

وفيه أوّلا : منع كون المتشابه من متشابه المعنى ، لكون معناه من المفاهيم العرفيّة ، فيرجع إليه في تمييز معناه. وقد ذكر الشيخ الطريحي في تفسير الآية «أنّ المحكمات جمع المحكم ، وهو في اللغة المضبوط المتقن وفي الاصطلاح ـ على ما ذكره بعض المحقّقين ـ يطلق على ما اتّضح معناه ، وظهر لكلّ عارف باللغة ، وعلى ما كان محفوظا من النسخ أو التخصيص أو منهما ، وعلى ما كان نظمه مستقيما خاليا عن الخلل ، وعلى ما لا يحتمل من التأويل إلّا وجها واحدا». وقال : «يقابله بكلّ من هذه المتشابه» انتهى. والظاهر أنّ مقصوده جعل كلّ واحد من المحفوظ من النسخ والتخصيص ومنهما معنى مستقلّا ، كما يظهر من شرح الوافية للمحقّق الكاظمي. وزاد فيه معنيين آخرين ، أحدهما : ما كان متضمّنا لترتّب الإفادة إمّا مع تأويل أو بدونه. وثانيهما : ما علم بظاهره من غير قرينة تقرن إليه ، ولا دلالة تدلّ على المراد.

وقال الشيخ الطريحي بعد ما نقلناه عنه : «فاعلم أنّ المحكم خلاف المتشابه وبالعكس ، ولا واسطة بينهما ، وقد نصّ اللغويّون على أنّ المتشابهات هي المتماثلات ، يقال : هذا شبه هذا أي شبيهه» إلى أن قال : «ومن هذا تبيّن أنّ الظواهر ليست من المتشابه ، إذ ليس فيها شيء من هذه المعاني ، وإن احتملت

٣١٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ضعيفا خلاف المعنى الظاهر» انتهى.

وكيف كان ، فالمحكم على ما يقتضيه العرف واللغة هو المعنى الثاني ، أعني : ما اتّضح معناه وظهر لكلّ عارف باللغة والمتشابه خلافه وبعد معرفة معناهما يجب الأخذ بظاهرهما ما لم تقم قرينة على خلافه.

وثانيا : منع عدم وصول بيان من الأئمّة عليهم‌السلام في معنى المحكم والمتشابه. وقد روى العيّاشي عن الصادق عليه‌السلام بعد بيان الناسخ والمنسوخ «أنّ المتشابه ما اشتبه على جاهله». وظاهره أنّ المتشابه هو الكلام الذي اشتبه المراد منه على من لم يطّلع على المراد منه من الخارج. وبالمقايسة يظهر حال المحكم أيضا. وهو منطبق على ما قدّمناه من معناهما.

الرابع : ما ذكره الأمين الأسترآبادي ، قال : «إنّ ظنّ بقاء الآيات على ظاهرها إنّما يحصل للعامّة دون الخاصّة ، وقد مرّ بيانه في الفصل الخامس». وذكر في ذلك الفصل : «أنّ العامّة يدّعون أنّ كلّ ما جاء به النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله أظهره عند أصحابه ، وما خصّ أحدا بتعليمه ، وتوفّرت الدواعي على أخذه ونشره ، ولم تقع بعده فتنة انتهت إلى إخفاء بعضه ، فعدم اطّلاع صاحب الملكة المعتبرة في الاجتهاد بعد التتبّع على دليل مخرج عن البراءة الأصليّة ، وعلى نسخ وتقييد وتخصيص وتأويل آية أو سنّة ، يوجب ظنّه بعدم وجودها في الواقع». إلى أن قال : «وهذه المقدّمات باطلة على مذهبنا» انتهى.

ووجه استلزام المقدّمات المذكورة لبقاء الآيات على ظاهرها على مذهب العامّة دون الخاصّة ، كون الفحص عن المخصّص والمقيّد والناسخ وقرائن المجاز مورثا للظنّ بعدمها عند عدم الوجدان على مذهبهم ، فيصح لهم العمل بظواهر الآيات بعد الفحص والتتبّع ، بخلافه على مذهب الخاصّة ، لكون كثير من الأحكام باقيا عند أهل البيت عليهم‌السلام على مذهبهم كما نطقت به أخبارهم.

وفيه : أنّه إن أراد به إبداء الفرق بين المذهبين بالنسبة إلى المشافهين فهو بيّن

٣١٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الفساد. وإن أراد ذلك بالنسبة إلينا فهو قبل الفحص وإن كان مسلّما ، لعلمنا بوجود مخصّصات ومعارضات في جملة أخبارنا ، إلّا أنّه بعد الفحص عنها ترجع حالنا إلى مثل حال المشافهين في العمل بالظواهر ، كما ستأتي إليه الإشارة.

الخامس : ما ذكره الأمين الأسترآبادي أيضا من وجوب الفحص عن الناسخ والمنسوخ والتخصيص والتأويل عند المحقّقين من الاصوليّين ، وطريق التفحّص عندنا منحصر في سؤالهم عليهم‌السلام والرجوع إلى أخبارهم ، فلا يجوز العمل بالكتاب قبله.

وفيه : أنّه مسلّم ، إذ نحن أيضا لا نعمل بالعمومات إلّا بعد الفحص عن مخصّصاتها ، ولا بسائر الأدلّة إلّا بعد الفحص عن معارضاتها ، لكنّه لا يمنع من العمل بعد الظنّ بعدم المخصّص والمعارض لأجل الفحص عن مظانّها.

السادس : الآيات الآمرة بالرجوع إلى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وخلفائه عليهم‌السلام في التمسّك بالكتاب. وقد تمسّك بها في مقدّمات الحدائق. وهو إمّا من باب إلزام الخصم ، أو لأجل وصول بيان من الأئمّة عليهم‌السلام. منها : قوله تعالى في سورة النحل : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ.) حيث خصّ بيان ما أنزل إليهم ببيانه صلى‌الله‌عليه‌وآله ومنها قوله سبحانه في سورة النساء : (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ) حيث علّق علم ما جاء في الكتاب على الردّ إلى الرّسول وأولي الأمر منهم ، وهم الأئمّة عليهم‌السلام على ما روي عن أبي جعفر عليه‌السلام ومنها قوله عزوجل في سورة آل عمران : (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي) دلّ بالمفهوم على أنّ من لم يتّبع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ليس ممّن يحبّ الله. ولا ريب أنّ اتّباع الرسول إنّما هو باتّباع أوامره ونواهيه ، والوقوف عن تفسير الآيات إلّا ببيانه عليهم‌السلام نوع اتّباع له فيجب. والأئمّة عليهم‌السلام أيضا يقومون مقامه بالإجماع المركّب.

وفيه : منع دلالة هذه الآيات على المدّعى. أمّا الاولى فلعدم دلالتها على

٣١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

حصر البيان فيه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ ظاهرها بيان كون المقصود من إنزال القرآن هو بيان النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا أنّه يجوز لغيره استنباط شيء منه إلّا بعد بيانه ، مع أنّ من أخذ بظواهر القرآن فقد أخذ ببيانه ، لصدقه معه ، فتأمّل.

وأمّا الثانية فلعدم إشعار فيها بالمدّعى لو ردوها في جماعة من المنافقين وضعفاء المسلمين الذين أفشوا أراجيف أخبار المدينة ، وأدخلوا الرعب في قلوب المؤمنين ، لأنّهم كانوا إذا جاءهم أمر من إقبال عدوّ يقصد المسلمين ـ وهو المراد بالخوف ـ أو من ظهور المؤمنين على عدوّهم ـ وهو المراد بالأمن تحدّثوا وأفشوه من غير أن يعلموا بصحّته ، فأنكر الله تعالى ذلك ، لأنّ من فعل هذا لا يخلو كلامه عن كذب ، فأنزل الله تعالى الآية ، ولا دخل لها فيما نحن فيه أصلا. مع أنّ الردّ إلى ظاهر الآية ردّ إلى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله مضافا إلى أنّ الآية السابقة عليها ، وهي قوله تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) صريحة في جواز التدبّر في ظواهر الآيات ومعانيها ، والتأمّل في نظمها وأسلوبها ، وهو مناف لما ادّعوه من إجمالها وعدم جواز الأخذ بشيء منها.

وأمّا الثالثة فلأنّ غايتها الدلالة على وجوب التأسّي بالنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله في أفعاله ، كما استدلّوا بها على ذلك في محلّه ، ولا دخل لها فيما نحن فيه. مع أنّ الأخذ بظاهر الآيات اتّباع له ، كما أنّ الأخذ بما فسّره من الآيات اتّباع له ، فتأمّل.

السابع : ما زاده بعض أواخر المتأخّرين من الاصوليّين من قبلهم من دلالة جملة من الأخبار على وقوع التحريف في القرآن المسقط له من الاعتبار لا محالة. ولم أر من المتقدّمين والمتأخّرين من تمسّك بهذه الأخبار مع كثرتها وكونها بمرأى منهم ومسمع ، وهذا ربّما يومئ إلى كون نزاعهم في حجّية الكتاب قبل سنوح مثل ذلك ، كما في عصر النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو مع قطع النظر عنه. وكيف كان ، سيأتي الكلام في بيان هذه الأخبار وما يرد عليها ، فانتظره.

الثامن : ما تمسّك به السيّد الصدر من أنّ مقتضى الأصل حرمة العمل بالظنّ ،

٣١٧

على ذلك وجهان : أحدهما : الأخبار المتواترة المدّعى ظهورها (٢١٠)

______________________________________________________

وقد خرجنا من مقتضاه في الأخبار بالدليل ، وبقي الكتاب تحته. وفيه : أنّه قد تقدّم في الحاشية السابقة الأدلّة على حجّية ظواهر الكتاب من وجوه شتّى ، فيها يخرج أيضا من مقتضى الأصل.

٢١٠. هي على أقسام :

منها : ما ورد في النهي عن تفسير القرآن ، حتّى روي عن عائشة ـ كما في شرح الوافية للمحقّق الكاظمي ـ أنّها قالت : لم يكن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يفسّر القرآن إلّا بعد أن يأتي جبرئيل. وهي كثيرة قد أشار المصنّف رحمه‌الله إلى جملة منها ، بل ربّما يدعى تواترها معني.

ومنها : الأخبار المفسّرة لكثير من الآيات بخلاف ظاهرها ، مثل تفسير النجم برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتفسير الليلة المباركة بفاطمة عليها‌السلام. وفي رواية عبد الرحمن بن كثير عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) قال : «أمير المؤمنين عليه‌السلام والأئمّة عليهم‌السلام. (وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) قال : فلان وفلان. (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) أصحابهم وأهل ولايتهم. (فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) أمير المؤمنين عليه‌السلام والأئمّة عليهم‌السلام». وهذه الأخبار كثيرة جدّا ، ومع ملاحظة كثرتها لا يبقى ظنّ بإرادة الظاهر من سائر الآيات التي لم يرد فيها تفسير عنهم عليهم‌السلام.

ومنها : الأخبار الحاصرة علم القرآن في النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وخلفائه عليهم‌السلام ، وأنّهم أهله ، مثل ما رواه الكليني عن الصادق عليه‌السلام قال : «إنّما يعلم القرآن من خوطب به». وما رواه في الروضة عنه عليه‌السلام أنّه «ليس من علم القرآن ولا من أمره أن يأخذ أحد من خلق الله في دينه بهوى ولا رأي ولا مقاييس ، وقد أنزل الله القرآن وجعل فيه تبيان كلّ شيء ، وجعل للقرآن وعلم القرآن أهلا» إلى أن قال : «وهم أهل

٣١٨

.................................................................................................

______________________________________________________

الذكر الذين أمر الله هذه الامّة بسؤالهم». وما رواه أبو بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) نحن الراسخون في العلم ، ونحن نعلم تأويله». إلى غير ذلك من الأخبار الواردة بهذا المساق. وقد أشار المصنّف رحمه‌الله إلى ما في القسم الأوّل منها.

وأمّا الثاني ففيه أنّ هذه الأخبار من قبيل بيان البطون ، لا بيان المراد من الظواهر ، لأنّ للقرآن بطنا ولبطنه بطنا ، كما روى العيّاشي عن جابر قال : «سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن شيء من تفسير القرآن فأجابني ثمّ سألته ثانيا فأجابني ، بجواب آخر ، فقلت : جعلت فداك كنت أجبت في هذه المسألة بجواب غير هذا قبل اليوم. فقال : يا جابر إنّ للقرآن بطنا وللبطن بطنا ، وظهرا وللظهر ظهرا. يا جابر وليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن ، إنّ الآية ليكون أوّلها في شيء وآخرها في شيء ، وهو كلام متّصل ينصرف على وجوه». إلى غير ذلك ممّا دلّ على أنّ للقرآن بطنا ولبطنه بطنا إلى سبعة أبطن. ولا ريب أنّ تعدّد معاني القرآن بحسب ظواهره وبطونه لا يوجب المنع من التمسّك بظواهره ، ولا استعمالها في أكثر من معنى واحد ، كما قرّرناه في مبحثه. مع أنّ دعوى أغلبيّة هذه ممنوعة ، إذ الباقية على ظاهرها هي الأغلب ، وهي لا تصدم في ظهور غيرها ، فيقتصر في ارتكاب خلاف الظاهر على مورد النصوص.

وأمّا الثالث فإنّا نقول بمقتضى تلك الأخبار من اختصاص علم القرآن بالأئمّة عليهم‌السلام ، لأنّ القرآن اسم لما بين الدّفتين ، ولا ريب أنّ العلم بمعاني جميع الآيات مختصّ بهم عليهم‌السلام. ومن هنا يظهر الجواب عمّا دلّ على كونهم أهلا له ، لأنّ من علم بظواهر الآيات أو مع جملة من بطونها بحسب تفسيرهم عليهم‌السلام لا ينسب علم القرآن إليه ، ولا يقال إنّه أهل له ، إذ المحصّل لعلم النحو مثلا لا يقال له إنّه نحويّ ما لم يتبحّر فيه ولم يستحضر مسائله ، لأنّه لا يقال : أهل لكذا واستأهل لكذا إلّا إذا كان حقيقا به ، ومن ذاك يقال لسكّان البيت : أهل البيت ، لكونهم أحقّ بالسكون

٣١٩

في المنع عن ذلك مثل النبويّ صلى‌الله‌عليه‌وآله : «من فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ (٢١١) مقعده من النار» (١٣). وفي رواية اخرى : «من قال في القرآن بغير علم فليتبوّأ ...» (١٤). وفي نبويّ ثالث : «من فسّر القرآن برأيه فقد افترى على الله الكذب» (١٥). وعن أبي عبد الله عليه‌السلام : «من فسّر القرآن برأيه إن أصاب لم يؤجر ، وإن أخطأ سقط أبعد من السماء» (١٦). وفي النبويّ العامّي : «من فسّر القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ» (١٧). وعن مولانا الرضا عليه‌السلام عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم‌السلام ، قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ الله عزوجل قال في الحديث القدسي : ما آمن بي من فسّر كلامي برأيه ، وما عرفني من شبّهني بخلقي ، وما على ديني من استعمل القياس في ديني» (١٨). وعن تفسير العياشي ، عن أبي عبد الله عليه‌السلام : «قال : من حكم برأيه بين اثنين فقد كفر ، ومن فسّر برأيه آية من كتاب الله فقد كفر» (١٩). وعن مجمع البيان : أنّه قد صحّ عن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله وعن الأئمة القائمين مقامه : أنّ تفسير القرآن لا يجوز إلّا بالأثر الصحيح والنصّ الصريح (٢٠). وقوله عليه‌السلام : «ليس شيء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن ، إنّ الآية يكون أوّلها في شيء وآخرها في شيء ، وهو كلام متّصل ينصرف إلى وجوه». وفي مرسلة شبيب بن أنس عن أبي عبد الله عليه‌السلام ، أنّه قال لأبي حنيفة : «أنت فقيه أهل العراق؟ قال : نعم ، قال : فبأيّ شيء تفتيهم؟ قال : بكتاب الله وسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال : يا أبا حنيفة ، تعرف كتاب الله حقّ معرفته ، وتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال : نعم ، قال عليه‌السلام : يا أبا حنيفة ، لقد ادّعيت علما! ويلك ، ما جعل الله ذلك إلّا عند أهل الكتاب الذين انزل عليهم ، ويلك ، ولا هو إلّا عند الخاصّ من ذرّية نبيّنا محمّد صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وما ورّثك الله من كتابه حرفا» (٢١). وفي رواية زيد الشحّام ، قال : «دخل قتادة على أبي جعفر عليه‌السلام ، فقال له :

______________________________________________________

فيه. وبالجملة ، إنّ كونهم عليهم‌السلام أهلا لعلم القرآن ونسبة علمه إليهم لا يستلزم عدم جواز تمسّك رعاياهم بما فهموه من ظواهره.

٢١١. في المجمع : «في الحديث : من طلب علما يباهي به العلماء فليتبوّأ مقعده من النار ، أي : لينزل منزله منها ، من بوّأت للرجل منزلا : هيّأته له ، أو من تبوّأت له منزلا : اتّخذته. وأصله الرجوع ، من باء إذا رجع. وسمّي المنزل مباءة

٣٢٠