عيون التفاسير للفضلاء السماسير - ج ٤

شهاب الدين أحمد بن محمود السيواسي

عيون التفاسير للفضلاء السماسير - ج ٤

المؤلف:

شهاب الدين أحمد بن محمود السيواسي


المحقق: الدكتور بهاء الدين دارتما
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار صادر
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9953-13-157-0

الصفحات: ٣٥١

(فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٦))

قوله (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) نسخ قوله (٢) ، أي اتقوه على قدر طاقتكم (وَاسْمَعُوا) ما أمرتم به سماع قبول (وَأَطِيعُوا) الله ورسوله (وَأَنْفِقُوا) المال في سبيله وآتوا (خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ) وافعلوا ما هو خير لها وأنفع ، وهو تأكيد للحث على امتثال هذه الأمور ، ثم زاد ذلك بقوله (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ) أي يدفع البخل عن نفسه (فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [١٦] بدخول الجنة.

(إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (١٧))

(إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) أي صادقا من قلوبكم ، فيه تلطف من الله في طلب الصدقات للفقراء بوجه يرغب في الإعطاء عن طيبة نفس من غير ضرر مع أنه مولى وهم عبيده (يُضاعِفْهُ) أي الله يضاعف القرض (لَكُمْ) أي (٣) يعطي للواحدة عشرا إلى ما لا يحصى (وَيَغْفِرْ لَكُمْ) ذنوبكم (وَاللهُ شَكُورٌ) يقبل منكم اليسير ويعطي لكم (٤) الجزيل (حَلِيمٌ) [١٧] لا يعاجل بعقوبة المسيء والبخيل.

(عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨))

(عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) أي عالم بالملك والملكوت (الْعَزِيزُ) أي الغالب في ملكه (الْحَكِيمُ) [١٨] في أمره وفعله.

__________________

(١) آل عمران (٣) ، ١٠٢.

(٢) هذا الرأي مأخوذ عن البغوي ، ٥ / ٣٩٧ ـ ٣٩٨ ؛ وانظر أيضا هبة الله بن سلامة ، ٩٣.

(٣) أي ، ح : ـ وي.

(٤) لكم ، وي : ـ ح.

٢٢١

سورة الطلاق

مدنية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً (١))

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ) أفرده بالخطاب أولا تعظيما له ثم خاطب بالجمع وأراد به رسوله محمدا عليه‌السلام مع أمته تشريفا لهم فقال (إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ) أي إذا أردتم طلاق نسائكم اللاتي هن ذوات الأقراء (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) أي في أول طهر يعتد به (١) وهو طهر لم يجامعها زوجها فيه حائلا (٢) كانت أو حاملا وهو الطلاق السني ، فطلاق الحائض والنفساء بدعي لما روي عن النبي عليه‌السلام أنه قال لعمر : «مر ابنك أن يراجع امرأته ، ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك ، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء» (٣) ، والحكم بالمراجعة يدل على وقوع الطلاق البدعي ، وعن الشافعي رحمه‌الله لا بأس بارسال الثلث ، وقال : لا أعرف في عدد الطلاق سنة ولا بدعة وهو مباح (٤) ، فالمراد من (النِّساءَ) المدخول بهن من المعتدات بالحيض لقوله (لِعِدَّتِهِنَّ) ، إذ لا عدة (٥) لغيرهن فيكون معنى (لِعِدَّتِهِنَّ) لقبل عدتهن ، فاللام بمعنى في ، أي في وقت يكن طاهرات من غير جماع ، لأنه ربما يندم الرجل على امرأة يطلقها ، فاذا كانت طاهرة لم يجامعها ، فان بدا له أن يمسكها أمسكها وإن بدا له أن يخلي سبيلها يخلي سبيلها (٦) ، هكذا روي عن علي رضي الله عنه (٧)(وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) أي اضبطوها واحفظوا عدد الأقراء واكملوها ثلاثة مستقلات بلا نقصان ، وإنما أمر الرجال بالحفظ لأن في النساء غلفة فربما لا تحفظها ، قيل : الصغيرة والآيسة والحامل كلهن عند أبي حنيفة وأبي يوسف يفرق عليهن الثلاث في الأشهر وغير المدخول لا يطلق للنسة إلا واحدة ولا يراعى الوقت ، وقال غيرهما الحامل لا تطلق للسنة إلا واحدة كغير المدخول بها ، إذ لا حيض لها فلا يراعى الوقت (٨)(وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ) فيما أمركم به من الطلاق في طهرهن فلو طلقها زوجها في الحيض فقد أساء ووقع الطلاق عليها وفاقا منهم (لا تُخْرِجُوهُنَّ) باختيارهن إن طلبن الخروج (مِنْ بُيُوتِهِنَّ) اللاتي يسكنها إذا طلقتموهن حتى تنقضي عدتهن (وَلا يَخْرُجْنَ) بغير اختيارهن من بيوتهن إن طلبتم خروجهن غضبا عليهن وكراهة لمساكنتهن ، إذ لا أذن لكم في رفع الحظر (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) وهي أن تأتي حدا فتخرج بالضرورة لإقامته عليها ثم تعود (وَتِلْكَ) أي الأحكام المذكورة (حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ) أي يتركها (فَقَدْ ظَلَمَ) أي أضر (نَفْسَهُ لا تَدْرِي) أي لا تعلم ما يحدث لك بعد البينونة (لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ) أي بعد (٩) الطلاق (أَمْراً) [١] وهو أن يندم الزوج لحبها أو

__________________

(١) يعتد به ، وي : تعتد به ، ح.

(٢) حائلا ، ح و : حابلا ، ي.

(٣) رواه البخاري ، الطلاق ، ١ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٣٩٩ ؛ والكشاف ، ٦ / ١٢٣.

(٤) هذا القول منقول عن الكشاف ، ٦ / ١٢٣.

(٥) إذ لا عدة ، وي : ـ ح.

(٦) يخلي سبيلها ، ح و : ـ ي.

(٧) انظر السمرقندي ، ٣ / ٣٧٤.

(٨) وهذه الآراء مأخوذة عن الكشاف ، ٦ / ١٢٣ ـ ١٢٤.

(٩) بعد ، ح : ـ وي.

٢٢٢

لولدها فيراجع زوجته بعد التطليقة والتطليقتين فاستحب تفريق الطلاق لذلك ، إذ لو طلقها ثلاثا لا يمكن له أن يراجعها.

(فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (٢))

(فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ) أي إذا قرب انقضاء عدتهن وهو آخر العدة ، يعني إذا مضى ثلاث حيض ولم تغتسل من الحيضة الثالثة بعد فأنتم بالخيار إن شئتم إمساكهن (فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) أي بنكاح جديد أو بالرجعة والإحسان (أَوْ فارِقُوهُنَّ) أي وإن شئتم مفارقتهن ففارقوهن (بِمَعْرُوفٍ) أي اتركوهن بالإحسان واتقاء (١) الضرر (وَأَشْهِدُوا) على الفراق (ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ) فهو مستحب أو على النكاح الجديد فهو واجب ، إذ لا نكاح إلا بشهود (وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ) أي لأجل الله خاصة لا تنظروا في المشهود له ولا في المشهود عليه (ذلِكُمْ) أي أداء الشهادة لله (يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) لئلا يكتمها (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ) ويطلق امرأته (٢) للسنة (يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) [٢](٣) بالمراجعة.

(وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً (٣))

(وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) أي لم يخطر بباله ، يعني يوسع رزقه (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) أي يعتمد عليه في أمر الرزق وفي كل ما نابه من النوائب (فَهُوَ حَسْبُهُ) أي الله يكفيه ما همه ، قيل : المخرج على وجهين ، أحدهما أن يخرجه من تلك الشدة والآخر أن يكرمه فيها الرضا والصبر (٤)(إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ) بالتنوين وبالإضافة (٥) ، أي منفذ حكمه في الرخاء والشدة (قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ) من الرخاء والشدة (قَدْراً) [٣] أي أجلا ونهاية لا يتقدم ولا يتأخر عنه.

(وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً (٤))

(وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ) لكبرهن ، أي يصرن لذلك قاطعات الرجاء من الحيض (إِنِ ارْتَبْتُمْ) أي إن أشكل عليكم حكمهن في العدة (فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ) قيل : نزلت حين سأل معاذ بن جبل رضي الله عنه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد نزول قوله (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ)(٦) ، فقال : يا رسول الله لو كانت المرأة آيسة ، أي قاطعة الرجاء من الحيض كيف تعتد ثم قام رجل آخر بعده ، فقال : يا رسول الله لو كانت صغيرة كيف عدتها ، وقال آخر : لو كانت حاملا كيف عدتها فنزلت (٧)(وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) لصغرهن وهو مبتدأ ، خبره محذوف ، وهو كاللائي يئسن ، أي فعدتهن ثلاثة أشهر ، وإنما حذف الخبر لدلالة ما قبله عليه هذا في الطلاق ، وأما في العدة التي توفي زوجها فهي أربعة أشهر وعشر (٨) ، قوله (وَأُولاتُ الْأَحْمالِ) مبتدأ ، أي ذوات الحمل سواء كانت مطلقات أو توفي عنهن أزواجهن (أَجَلُهُنَّ) مبتدأ ثان ، أي انقضاء عدتهن التي يجوز بعدها النكاح (أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) في محل الرفع خبر المبتدأ الثاني ، والجملة في محل الرفع خبر المبتدأ الأول ، قال علي وابن عباس : «عدة المتوفى عنها أبعد الأجلين» (٩)(وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ) أي من يخشه ويصبر على ما أمره به (يَجْعَلْ لَهُ مِنْ

__________________

(١) واتقاء ، ح و : وإبقاء ، ي.

(٢) امرأته ، وي : ـ ح.

(٣) أي ، + ح و.

(٤) أخذه المؤلف عن السمرقندي ، ٣ / ٣٧٥.

(٥) «بالغ أمره» : قرأ حفص بحذف تنوين «بالغ» وخفض راء «أمره» ، وغيره بالتنوين ونصب راء «أمره». البدور الزاهرة ، ٣٢٢.

(٦) البقرة (٢) ، ٢٢٨.

(٧) نقله المؤلف عن السمرقندي ، ٣ / ٣٧٥ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٣٥٦ ، ٣٥٧.

(٨) عشر ، وي : عشرا ، ح.

(٩) انظر الكشاف ، ٦ / ١٢٥.

٢٢٣

أَمْرِهِ) أي أمر الدارين (١)(يُسْراً) [٤] يعني يسهل (٢) عليه أمرهما ويخلصه (٣) من شدائدهما.

(ذلِكَ أَمْرُ اللهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً (٥))

(ذلِكَ) أي المذكور من حكمه (٤) تعالى (أَمْرُ اللهِ) أي حكمه وفرضه (أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ) في القرآن على نبيكم (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ) ويعمل بأحكامه وفرائضه (يُكَفِّرْ عَنْهُ) بالياء والنون (٥)(سَيِّئاتِهِ) في دار الدنيا (وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً) [٥] أي ثوابا في دار الآخرة.

(أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى (٦))

(أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ) هذا ذكر أحكام المطلقات على الأزواج ، أي أنزلوهن بعد الطلاق مكانا من حيث تسكنون فيه ، ف (مِنْ) للتبعيض في المكان كما في قولك جئت من الليل ، في بعض الليل ، و (مِنْ) في (مِنْ وُجْدِكُمْ) بيان (مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ) ، والوجد الوسع والطاقة والغنا ، أي مما تطيقونه من مكان سكناكم (٦)(وَلا تُضآرُّوهُنَّ) أي لا تؤذوهن (لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ) في المكان والنفقة فيتركن ذلك لكم على طريق الفداء وإسقاط الحق عليكم (وَإِنْ كُنَّ) أي المطلقات (أُولاتِ حَمْلٍ) أي ذوات حمل (فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) والسكنى والنفقة واجبتان لكل مطلقة رجعية أو بائنة ، وعند الشافعي رحمه‌الله ليس للبائنة إلا السكنى ولا نفقة لها ، وفائدة الشرط في قوله (وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ) عند أبي حنيفة وأصحابه رحمهم‌الله أن مدة الحمل ربما طال ، فظن ظان أن النفقة تسقط إذا مضى مقدار عدة الحائل فنفي ذلك الوهم ، وأما المتوفى عنها وهي حامل ، فالأكثر على أن لا نفقة لها ، وعن على رضي الله عنه وجماعة أنهم أوجبوا نفقتها (٧)(فَإِنْ أَرْضَعْنَ) أي المطلقات ولدا (لَكُمْ) منهن أو من غيرهن (فَآتُوهُنَّ) أي أعطوهن (أُجُورَهُنَّ) لأن النفقة على الأب وأجر الرضاع منها فهو على الأب ، إذا كانت المرأة مطلقة (وَأْتَمِرُوا) أي تشاوروا (بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ) أي بأمر جميل وهو المسامحة في حق الصبي بأن يتواصي الأبوان على أجر معلوم والرضاع (٨) عن طيبة نفس (وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ) في الرضاع ، يعني إن امتنع الأب عن إعطاء أجرة الرضاع وامتنعت الأم عن إرضاعه (فَسَتُرْضِعُ لَهُ) أي للصبي مرضع (أُخْرى) [٦] ولا تكره الأم على إرضاعه.

(لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ ما آتاها سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً (٧))

(لِيُنْفِقْ) بالجزم ، لأنه لام الأمر ، أي لينفق على المطلقات والمرضعات (ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ) أي ذو غنا على قدر غناه ويسره (وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ) أي ضيق (فَلْيُنْفِقْ) عليهن (مِمَّا آتاهُ اللهُ) من المال على قدره وحاله (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً) في أمر النفقة (إِلَّا ما آتاها) أي الذي أعطاها من المال ، قوله (سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً) [٧] وعد لفقراء الأزواج بفتح أبواب الرزق عليهم (٩) ان أنفقوا (١٠) ما قدروا عليه من غير تقصير.

__________________

(١) الدارين ، وي : الدين ، ح ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٤٠٣.

(٢) يسهل ، ح : سهل ، وي.

(٣) ويخلصه ، وي : وتخليصه ، ح.

(٤) حكمه ، وي : حكمته ، ح.

(٥) هذه القراءة مأخوذة عن السمرقندي ، ٣ / ٣٧٥.

(٦) مكان سكناكم ، ح و : مكانكم ، ي.

(٧) نقل المؤلف هذه الأقوال عن الكشاف ، ٦ / ١٢٦.

(٨) والرضاع ، وي : في الرضاع ، ح.

(٩) عليهم ، ح و : ـ ي.

(١٠) ان أنفقوا ، وي : ان تنفقوا (ان ينفقوا) ، ح.

٢٢٤

(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً (٨) فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً (٩))

(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ) أي كم من أهل قرية (عَتَتْ) أي عصت (عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَرُسُلِهِ)(١) الذي أمرها به استكبارا (فَحاسَبْناها) أي جازينا (٢) تلك القرية بعملها (حِساباً شَدِيداً) بالقحط والسيف في الدنيا (وَعَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً) [٨] وهو النار في الآخرة (فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها) أي جزاء ذنبها (وَكانَ عاقِبَةُ أَمْرِها) أي صار آخره (خُسْراً) [٩] أي ندامة وهلاكا.

(أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً (١٠))

(أَعَدَّ) أي هيأ (اللهُ لَهُمْ) أي لأعدائه (عَذاباً شَدِيداً) في الآخرة ، إذ لم يرجعوا عن كفرهم ولم يكن ما أصابهم في الدنيا كفارة لذنوبهم ، ثم أمر الله تعالى للمؤمنين لطفا منه بتقواه معتبرين بحال الهالكين بترك ما أمرهم به بقوله (فَاتَّقُوا اللهَ) أي اخشوه وأطيعوه فيما يأمركم به وينهاكم عنه (يا أُولِي الْأَلْبابِ) أي يا ذوي العقول الخالصة (الَّذِينَ آمَنُوا) بالله ورسوله (قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً) [١٠] أي كتابا شريفا وهو القرآن.

(رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ رِزْقاً (١١))

قوله (رَسُولاً) بدل من (ذِكْراً) أو نصب بمضمر ، أي أرسل رسولا إليكم أو (٣) ذا رسول أو برسول نعت «ذِكْراً» (يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ) أي يقرأ ويعرض عليكم آيات القرآن (مُبَيِّناتٍ) أي واضحات الأحكام بألسنتكم (لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا) أي صدقوه (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي الطاعات بما فيه (مِنَ الظُّلُماتِ) أي من حجب الكفر (إِلَى النُّورِ) أي إلى الإيمان أو من ظلمة الجهل إلى نور العلم أو من الشك إلى اليقين (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ) أي يثبت على الإيمان (وَيَعْمَلْ صالِحاً) أي يؤد فرائض الله وسنن الرسول (يُدْخِلْهُ) بالياء والنون (٤)(جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) أي دائمين فيها بعد البعث (قَدْ أَحْسَنَ اللهُ لَهُ) أي جمل للمؤمن (رِزْقاً) [١١] أي ثوابا عظيما في الجنة ، وفيه معنى التعجب والتعظيم.

(اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً (١٢))

قوله (اللهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ) مبتدأ وخبر ، تأكيد لإحسانه على خلقه (وَ) خلق (مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) أي كعدد السموات صرح هنا به أن الأرض سبع لا في موضع آخر ، قيل : بين كل أرضين مسيرة خمسمائة عام كما بين كل سماوين وغلظ كل منهما (٥) كذلك (٦) ، وقيل : في كل أرض خلق الله لهم سادة يقومون عليهم مقام آدم ونوح وإبراهيم وعيسى عليهم الصلوة والسّلام أجمعين (٧)(يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ) أي يجري أمر الله وحكمه (بَيْنَهُنَّ)(٨) بالوحي بين كل سماء وبين كل أرض ، فينزل جبرائيل من السماء السابعة إلى الأرض السفلي وينفذ ملك الله فيهن ، ولا مانع عنه ، ففي كل سماء وفي كل أرض خلق من خلقه وأمر من أمره وقضاء من قضائه (لِتَعْلَمُوا) أيها الناس بنور العقل (أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) [١٢] أي أحاط علمه بكل شيء في الوجود.

__________________

(١) أي ، + ح.

(٢) جازينا ، وي : جازيناها ، ح.

(٣) إليكم أو ، و : أي ، ح ، ـ ي.

(٤) «يدخله» : قرأ المدنيان والمكي والبصريان وشعبة ، وكسرها غيرهم. البدور الزاهرة ، ٣٢٢.

(٥) منهما ، وي : منها ، ح.

(٦) أخذه عن الكشاف ، ٦ / ١٢٧.

(٧) ولم أجد له أصلا في المصادر التي راجعتها.

(٨) أي ، + وي.

٢٢٥

سورة التحريم

مدنية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١))

قوله (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ) نزل عتابا له عليه‌السلام لتحريمه المحلل على نفسه حين شرب شربة من عسل عند سودة ، فدخل على عائشة فقالت : «إني لأجد منك ريحا» ، ثم دخل على حفصة بعد أن اتفقت حفصة وعائشة في هذا القول ، فقالت : «إني أجد منك ريحا» ، وكان عليه‌السلام يكره الريح المنكرة ، قال : «أراه من شراب شربته عند سودة والله لا أشربه» (١) ، وروي : أنه عليه‌السلام وطئ جاريته مارية القبطية في بيت حفصة وكانت غائبة ، فلما دخلت عليه شق ذلك عليها وبكت ، فقال عليه‌السلام : «هي جاريتي أحل الله لي اسكتي فهي حرام علي أبتغي بذاك رضاك ولا تعلمي أحدا من النساء» ، فأخبرت عائشة بذلك (٢) ، فكأن التحريم زلة منه ، ومعناه لم تحرم (ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ) من ملك اليمين أو من (٣) العسل ، قوله (٤)(تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ) حال من ضمير (لَكَ) ، أي تطلب رضاهن بتحريم المحلل وليس لأحد تحريم ما أحل ، يعني رضا عائشة (وَاللهُ غَفُورٌ) لمن تاب من ذنوبه كحفصة (رَحِيمٌ) [١] لها حيث لم يعاقبها.

(قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ وَاللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٢))

(قَدْ فَرَضَ اللهُ) أي أوجب (لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ) أي كفارة قسمكم (وَاللهُ مَوْلاكُمْ) أي ناصركم (وَهُوَ الْعَلِيمُ) بما قالت حفصة لعائشة في أمر مارية (الْحَكِيمُ) [٢] يحكم بكفارة اليمين وتحليلها ، قيل : لو حرم الرجل حلالا على نفسه فليس بيمين عند البعض ، بل هو ما نوى به من طلاق أو عتاق أو ظهار ، ويمين عند البعض يجب به الكفارة ، وعليه أبو حنيفة رحمه‌الله ، وبعضهم يقول إنه ليس بشيء وإنما امتنع النبي عليه‌السلام من مارية لأجل يمينه بقوله «والله لا أقربها بعد اليوم» (٥) ، فقال الله تعالى له لا تمتنع باليمين عما أباح الله لك ، كفر عن يمينك ، واستعمله ، قيل : «إنه لم يكفر» (٦) ، لأنه كان مفعولا له ما تقدم ن ذنبه وما تأخر وإنما هو تعليم للمسلمين ، وقيل : «أعتق رقبة في تحريم مارية» (٧).

__________________

(١) اختصره المفسر من السمرقندي ، ٣ / ٣٧٩ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٤٠٨ ؛ والواحدي ، ٣٥٨ ، ٣٥٩.

(٢) عن ابن عباس عن عمر ، انظر الواحدي ، ٣٥٧ ـ ٣٥٩ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٣٧٨ ؛ والبغوي ، ٥ / ٤٠٩.

(٣) من ، ح : ـ وي.

(٤) قوله ، وي : ـ ح.

(٥) نقله المؤلف هذه الأقوال عن البغوي ، ٥ / ٤١٠ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٦ / ١٢٨.

(٦) عن الحسن ، انظر الكشاف ، ٦ / ١٢٩.

(٧) عن مقاتل ، انظر الكشاف ، ٦ / ١٢٩.

٢٢٦

(وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ (٣))

(وَإِذْ) أي ويعلم حين (أَسَرَّ النَّبِيُّ) أي أخفى من الغير (إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ) وهي حفصة (حَدِيثاً) أي حديث مارية وخلافة الشيخين بعده عليه‌السلام (فَلَمَّا نَبَّأَتْ) أي أخبرت حفصة عائشة (بِهِ) أي بذلك الحديث (وَأَظْهَرَهُ)(١) أي أعلم (اللهُ) قولها (عَلَيْهِ) أي على رسوله محمد عليه‌السلام بسبب جبرائيل (عَرَّفَ بَعْضَهُ) بالتخفيف ، أي جازى الرسول عليه‌السلام حفصة على بعض ما أفشت من سره لعائشة وهو حديث مارية ، فقال : لم أفشيته ولم تحفظي سري وضاق صدره منه ، وقرئ بالتشديد (٢) أصله أعلمه حفصة موبخا بعد ما حدثت لعائشة ، وإنما لم يقل فلما نبأت به بعضهن وعرفها بعضه بذكر مفعول (نَبَّأَتْ) والمفعول الأول ل (عَرَّفَ) ، لأن الغرض ذكر جناية حفصة في وجود الإنباء به من قبلها لا بيان من المذاع إليه ، وذكر أن رسول الله عليه‌السلام لم يوجد منه بحلمه إلا الإعلام ببعضه وهو حديث الامامة (٣) مارية لا بيان من المعرف (وَأَعْرَضَ) أي سكت (عَنْ بَعْضٍ) أي عن أمر الخلافة ولم يذكر لحفصة لم أفشيته ، يعني أمر الخلافة تكرما منه عليه‌السلام في عدم الاستقصاء بالجزاء لها (فَلَمَّا نَبَّأَها) أي نبأ النبي عليه‌السلام حفصة (بِهِ) أي بما نبأت من الخبر عائشة (قالَتْ) حفصة (مَنْ أَنْبَأَكَ هذا) أي المنبأ به الذي صدر مني (قالَ) صلى‌الله‌عليه‌وسلم (نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ) بكل شيء (الْخَبِيرُ) [٣] من كل سر.

(إِنْ تَتُوبا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ (٤))

ثم التفت من الغيبة إلى الخطاب مبالغة في العتاب فقال (إِنْ تَتُوبا) يا عائشة وحفصة (إِلَى اللهِ) من فعلكما الذي كرهه النبي عليه‌السلام ، وجواب الشرط محذوف ، أي قبلت توبتكما (فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما) أي زاغت ومالت عن (٤) الحق وهو أن تسروا ما كره النبي عليه‌السلام من تحريم مارية وجمع القلوب والمراد قلبا كما فرارا من اجتماع تثنيتين في كلمة واحدة (وَإِنْ تَظاهَرا) بالتخفيف والتشديد (٥) ، أي إن تعاونوا (عَلَيْهِ) أي على أذاه (فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ) أي ناصره البتة (وَجِبْرِيلُ) وهو رأس الكروبيين (وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) واحد أريد به الجمع ، أي كل من آمن وعمل صالحا أو من (٦) برئ من النفاق وهو عطف على الضمير المستتر في «مولاه» الراجع إلى الله ، يعني هم ينصرونه كما ينصره الله ، قوله (وَالْمَلائِكَةُ) مبتدأ ، أي الملائكة مع تكاثرهم (بَعْدَ ذلِكَ) أي بعد نصر المذكورين ، خبره (ظَهِيرٌ) [٤] أي ظهراؤه وأعوانه ولم يكتف بنصر الله وهو أعظم الأنصار إيذانا بأنه فضل نصرته بنصرتهم (٧) لفضلهم على سائر خلقه وفي الحقيقة نصرتهم من جملة نصرة الله.

(عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً (٥))

قوله (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ) لعصيانكن (٨)(أَنْ يُبْدِلَهُ) بالتخفيف والتشديد (٩)(أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ) تخويف لهن رسوله المكرم عنده (١٠) إن لم يتبن مما يسوءه ويؤذيه ، لأنه عليه‌السلام إذا طلقهن لعصيانهن له لم يبقين

__________________

(١) الله ، + ح.

(٢) «عرف» : قرأ الكسائي بتخفيف الراء ، وغيره بتشديدها. البدور الزاهرة ، ٣٢٣.

(٣) الامامة ، ح : ـ وي.

(٤) عن ، ح : إلى ، وي ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٣٨٠.

(٥) «تظاهرا» : قرأ الكوفيون بتخفيف الظاء ، والباقون بتشديدها. البدور الزاهرة ، ٣٢٣.

(٦) من ، وي : ـ ح.

(٧) بنصرتهم ، ح و : ـ ي.

(٨) لعصيانكن ، وي : لعصيانهن ، ح.

(٩) «يبدله» : قرأ المدنيان والبصري بفتح الباء وتشديد الدال ، وغيرهم باسكان الباء وتخفيف الدال. البدور الزاهرة ، ٣٢٣.

(١٠) عنده ، وي : ـ ح.

٢٢٧

على الصفة التي هي كونهن خير نساء الدنيا ، قوله (مُسْلِماتٍ) الآية بيان لأوصاف تلك النساء التي تبدل ، أي مقرات بالإسلام وأحكامه (مُؤْمِناتٍ) أي مخلصات في دينهن (قانِتاتٍ) أي مطيعات لأمر الله وأمر رسوله (تائِباتٍ) أي راجعات عن ذنوبهن إلى الله (عابِداتٍ) أي مجاهدات في عبادة الله (سائِحاتٍ) أي صائمات أيامهن ، يقال ساح للعبادة إذا مضى نهاره بلا زاد (ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً) [٥] أي مفتضات وعذارى ، ووسط الواو بين (ثَيِّباتٍ) و (أَبْكاراً) دون باقي الصفات ، لأنهما صفتان متباينتان لا يجتمعان كاجتماعها فيهن ، فلابد من الواو ليدل على ذلك.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (٦) يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٧))

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا) أي جنبوا وأبعدوا (أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ناراً) أي عن نار جهنم بامتثال أمر الله واجتناب نهيه وبأن تحملوا أهلكم على طاعة الله بتعليمهن فرائضها وسننها لعل الله يجمعهم معكم في الجنة (وَقُودُهَا) أي ما يوقد به النار من الحطب ، يعني حطبها (النَّاسُ) إذا صاروا إليها (وَالْحِجارَةُ) أي حجارة الكبريت ، وذلك قبل أن يصير الناس إليها (عَلَيْها) أي على النار (مَلائِكَةٌ) هي ولاة يعذبون بها الناس ، وهم التسعة عشر وأعوانهم (غِلاظٌ شِدادٌ) أي أقوياء يعملون بأيديهم وأرجلهم ما أمروا يضرب أحدهم بمقمعته ضربة واحدة سبعين ألفا من الناس فيسقطون في النار (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ) أي يقبلونه ولا ينكرونه (وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) [٦] به باسراع ولا يمتنعون عن فعله بالرشوة كأعوان ملوك الدنيا ، وهذه الآية تهديد للفساق من أهل الكبائر فانهم مساكنون مع الكفار (١) في دار واحدة وإن اختلفت دركاتهم ، وللذين آمنوا بألسنتهم دون قلوبهم بدليل قوله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ) أي يقال لهم يومئذ حين (٢) يعتذرون (٣) لا يقبل منكم العذر اليوم (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ) أي بما كنتم (تَعْمَلُونَ) [٧] في الدنيا من المعاصي والشرك.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٨))

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ) عن ذنوبكم (تَوْبَةً نَصُوحاً) بضم النون مصدر (٤) ، أي تنصحون (٥) نصوحا ، وبفتحها (٦) نعت كصبور ، أي توبة ناصحة لغيركم ، وهي إدمان البكاء على الذنب من خوف مقام ربه بعد الندم بالقلب الحاضر واللسان الذاكر به تعالى وهجران إخوان السوء وتدارك الفرطات مع العزم أن لا يعودوا بعدها في قبيح من القبائح إلى أن يعود اللبن في الضرع وملازمة صحبة أحباء الله والخوف من الوقوع فيه مرة أخرى ، قوله (عَسى رَبُّكُمْ) إطماع من الله لعباده وتعليم لهم التردد بين الخوف والرجاء من غير ترجيح ، أي توبوا على طمع (أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) أي الذنوب الماضية إن تبتم كذلك (وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ) عليه‌السلام (٧) فيما أراد لكم من الشفاعة ، وفيه تعريض لأهل الكفر والفسوق ، قوله (وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) مبتدأ ، خبره (نُورُهُمْ يَسْعى) أي يضيء إذا ركبوا على الصراط (بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) أي أمامهم (وَبِأَيْمانِهِمْ) أي عن أيمانهم وعن (٨) شمائلهم (يَقُولُونَ) أي الصراط (رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا) حين

__________________

(١) مع الكفار ، ي : للكفار ، ح و.

(٢) لا ، + ح.

(٣) اليوم لأنه ، + ح.

(٤) مصدر ، ح و : مصدرا ، ي.

(٥) تنصحون ، وي : ينصحون ، ح ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٣٨٢.

(٦) «نصوحا» : ضم النون شعبة ، وفتحها غيره. البدور الزاهرة ، ٣٢٣.

(٧) عليه‌السلام ، وي : ـ ح.

(٨) عن ، وي : ـ ح.

٢٢٨

رأوا أن نور المنافقين قد طفئ فخافوا على نورهم على عادة البشرية وإن كانوا معتقدين الأمن بالإيمان ، أي أحفظ لنا نورنا من الطفوء (وَاغْفِرْ لَنا) ما مضى من الذنوب (إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [٨] أي على إتمام النور ومغفرة الذنوب وغيرهما ، وهذا الدعاء ليس للتقرب حقيقة ، لأنه ليست الدار دار تقرب لكنهم أظهروا حالهم كحال المتقربين خوفا عن زوال ما هو حاصل لهم من الرحمة ، فلذلك يسمى تقربا.

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٩))

ثم حرض النبي عليه‌السلام على جهاد الفريقين بقوله (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ) بالسيف (وَالْمُنافِقِينَ) بالحجة وإقامة الحدود (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) أي اشدد على الكفار والمنافقين في ذلك (وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) إن لم يتوبوا (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [٩] أي المرجع جهنم.

(ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (١٠))

قوله (ضَرَبَ اللهُ) أي مثل (مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) أي لكفار مكة (امْرَأَتَ نُوحٍ) اسمها واعلة (وَامْرَأَتَ لُوطٍ) اسمها واهلة ، نزل حين قال كفار مكة استهزاء يشفع لنا محمد يوم القيامة ، فبين بضرب المثل أن شفاعة محمد لا ينفع كفار مكة ولو كانوا أقرباءه ، لأن امرأة نوح وامرأة لوط (١)(كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ) أي زوجتيهما (مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ) أي عاملين عملا صالحا في الإسلام (فَخانَتاهُما) أي خالفتا نوحا ولوطا في الدين ، لأن امرأة نوح كانت تخبر الناس أنه مجنون ، وامرأة لوط كانت تدل على الأضياف ، فخيانتهما : إبطان الكفر والتظاهر على الرسولين (فَلَمْ يُغْنِيا) أي زوجهما (عَنْهُما) مع صلاحهما ، يعني مع صالح الزوجين وكفر زوجتيهما (مِنَ اللهِ) أي من عذابه (شَيْئاً وَقِيلَ) أي يقال في الآخرة لزوجتيهما (ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) [١٠] أي الكافرين من قوم نوح ولوط ، فكذلك (٢) يقال لكفار مكة في الآخرة وإن كانوا أقرباء النبي عليه‌السلام ، يعني لا ينفعهم صلاحه عليه‌السلام وإنما ينفع الإيمان به ، ولا يجوز أن يكون الخيانة فيهما الفجور ، لأنه قبيح في الطباع (٣) لا يستحسنه أحد من الناس بخلاف الكفر ، فان الكفار لا يستقبحونه بل يستحسنونه ويسمونه (٤) حقا ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : «ما بغت امرأة نبي قط» (٥).

(وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١١))

(وَضَرَبَ اللهُ) أي مثل (مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا) بالنبي عليه‌السلام (امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ) اسمها آسية آمنت بموسى حين سمعت بتلقف عصاه ما أفكته السحرة ، فعلم فرعون إيمانها به ووتدها بأربعة أوتاد وعذبها بأن ألقى على مصدرها رحى عظيمة واستقبل بها الشمس ، قيل : كانت الملائكة تظلها من حرارة الشمس (٦) ، وأبدل من امرأة فرعون (إِذْ قالَتْ) امرأة فرعون عند ذلك (رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً) أي منزلا شريفا من منازل التقرب بك ، ثم بينت مكان القرب بقولها (فِي الْجَنَّةِ) وهو جنة المأوى أقرب إلى العرش ، وهذا معنى قوله (عِنْدَكَ) ، لأنه تعالى منزه عن الحلول في مكان ، ولذا جمع بين (عِنْدَكَ) و (فِي الْجَنَّةِ) فكشف لها فرأت بيتها فنسيت عذابها فضحكت ، فقالوا عند ذلك إنها مجنونة تضحك وهي في العذاب (وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ) أي من شركه (وَعَمَلِهِ) السوء (وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [١١] أي من تعييرهم وشماتتهم ، قيل : نجاها الله بأكرم نجاة رفعها

__________________

(١) قد أخذه عن السمرقندي ، ٣ / ٣٨٣.

(٢) فكذلك ، وي : وكذلك ، ح.

(٣) الطباع ، وي : الطبائع ، ح.

(٤) ويسمونه ، ح و : سموه ، ي.

(٥) انظر البغوي ، ٥ / ٤١٧ ؛ والكشاف ، ٦ / ١٣٢.

(٦) نقله عن الكشاف ، ٦ / ١٣٣.

٢٢٩

إلى الجنة فهي تأكل وتشرب وتتنعم فيها (١) ، وفيه دليل على أن الاستعاذة بالله والالتجاء إليه وسؤال الخلاص منه تعالى عند المحن من سير الصالحين وسنن النبيين.

(وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ (١٢))

قوله (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ) عطف على (امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ) ووصفها تفضيلا لها في الإخلاص (٢) بقوله (الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها) أي عفت ومنعت نفسها عن الفواحش أو منعته جبرائيل عليه‌السلام (٣)(فَنَفَخْنا فِيهِ) أي أرسلنا ونفخ في فرجها ، وقيل : فرجها جيبها (٤)(مِنْ رُوحِنا) أي روحا من أرواحنا وهو روح عيسى عليه‌السلام (وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها) أي بشرائعه أو بالبشارات التي بشرها جبرائيل بها (وَكُتُبِهِ) مفردا وجمعا (٥) ، أي وصدقت بكتبه المنزلة على الأنبياء (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) [١٢] أي المطيعين لربها ولم يقل القانتات تغليبا للذكر على الأنثى في فضل القنوت ، وفي هذين التمثيلين تعريض بأمي المؤمنين المذكورتين عائشة وحفصة في أول السورة أن من حقهما أن تكونا في الإخلاص والكمال كمثل هاتين المؤمنتين المخلصتين وأن لا تتكلا على أنهما زوجات رسول الله عليه‌السلام فان ذلك الفضل (٦) لا ينفعهما إلا مع كونهما مخلصتين في إيمانهما بالنبي على السّلام وإطاعة أمره وحفظ سره (٧).

__________________

(١) أخذه المؤلف عن الكشاف ، ٦ / ١٣٣.

(٢) في الإخلاص ، ح و : بالإخلاص ، ي.

(٣) عليه‌السلام ، ح : ـ وي.

(٤) هذا القول منقول عن السمرقندي ، ٣ / ٣٨٤.

(٥) «كتبه» : قرأ حفص والبصريان بضم الكاف والتاء علي الجمع ، والباقون بكسر الكاف وفتح التاء وألف بعدها على الإفراد. البدور الزاهرة ، ٣٢٣.

(٦) الفضل ، و : ـ ح ي.

(٧) عليه وعلى آله أفضل الصلوات وأكمل التحيات ، + ي.

٢٣٠

سورة الملك

مكية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١))

(تَبارَكَ) أي تعالى وتعاظم عن صفات المحدثين (الَّذِي بِيَدِهِ) أي في تصرفه (الْمُلْكُ) أي سلطان كل موجود فينبغي أن يوحد ويتوكل عليه من آمن به (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [١] من النفع والضر والعز والذل.

(الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (٢))

قوله (الَّذِي خَلَقَ) بدل من (الَّذِي) قبل أو هو الذي خلق (الْمَوْتَ) في الدنيا (وَالْحَياةَ) في الآخرة أو كلاهما في الدنيا ، وقدم (الْمَوْتَ) ، لأنه أسبق في الإنشاء كالنقطة ، والحيوة عبارة عما يصح الإحساس بوجوده في شيء ، والموت عبارة عن عدم ذلك فيه ، فمعنى (خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ) إيجاده تعالى ذلك المصحح وإعدامه ، والمعنى : خلق موتكم وحيوتكم أيها المكلفون (لِيَبْلُوَكُمْ) أي ليختبركم ويعلمكم فيما بين الموت والحيوة (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) أي أورع وأسرع إلى الطاعة بالإخلاص ، يعني ليعلم في الوجود واقعا ما يعلم في الأزل أنه يصدر منهم باختيارهم ، فكأنه ابتلاهم بخلقهما فيهم ، وسمي علم الواقع منهم بلاء ، فالبلاء ههنا (١) تضمن معنى العلم فتعلق بالجملة بعده ، إذ الأصل أن يكون متعلقة مفردا ، فالجملة في محل النصب على أنها مفعول ثان له نحو علمت عمروا أزيد أحسن عملا أم هو (وَهُوَ الْعَزِيزُ) أي المنتقم للمعرض عن العمل الأحسن (الْغَفُورُ) [٢] لمن تاب من الإعراض عنه.

(الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ (٣))

قوله (الَّذِي) بدل آخر أو هو الذي (خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) مصدر ، أي أطبق بعضها فوق بعض طباقا مثل القبة ، فهي طبقات متباينة غير مماسة ، قوله (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ) خطاب للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو عام ، أي لا تبصر في خلق الله (مِنْ تَفاوُتٍ) و «تفوت» بالتشديد (٢) ، أي تباين واختلاف ، المعنى : أن خلق الرحمن يناسب بعضه بعضا من غير خلل ونقصان كما في خلق السموات ، فانها سليمة من التفاوت ، أي لا يفوت من بعضها شيء لا بد منه ، وأضافه إلى (الرَّحْمنِ) تنبيها على سبب سلامتهن من التفاوت ، وهو أنه خلق الرحمن وتعظيما لخلقهن ، إذ لا يخلق مثل ذلك الخلق المتناسب إلا هو بقدرته الباهرة (فَارْجِعِ الْبَصَرَ) أي رده إلى السماء ليصح عندك ما أخبرت به بالمعاينة (هَلْ تَرى) فيها (مِنْ فُطُورٍ) [٣] أي شقوق ، جمع فطر وهو الشق.

__________________

(١) ههنا ، وي : هنا ، ح.

(٢) «تفاوت» : قرأ الأخوان بحذف الألف بعد الفاء وتشديد الواو ، والباقون باثبات الألف وتخفيف الواو. البدور الزاهرة ، ٣٢٤.

٢٣١

(ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ (٤))

(ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ) أي لا تقتنع بالرجع الأول بل ارجعه (كَرَّتَيْنِ) أي كرة بعد كرة ، يعني كرر نظرك لترى خللا ، فان الإنسان إذا نظر إلى شيء مرة لا يرى عيبه (١) ما لم ينظر مرة أخرى فيه ، قوله (يَنْقَلِبْ) جواب الأمر ، أي يرجع (إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً) أي ذليلا مبعدا عن إدراك عيب ما (وَهُوَ حَسِيرٌ) [٤] أي كليل منقطع عن إدراك ما نظر فيه قبل أن يرى فيه خللا.

(وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ (٥))

(وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا) أي القربى إلى الأرض (بِمَصابِيحَ) أي بالنجوم وهي كالسرج في المساجد والبيوت في الإضاءة والزينة (وَجَعَلْناها) أي النجوم سوى الزينة (رُجُوماً) أي مراجم ، جمع رجم ، مصدر سمي به ما يرمى به رميا (لِلشَّياطِينِ) الذين هم أعداؤكم إذا قصدوا استراق السمع ، لأنهم يخرجونكم من النور إلى الظلمات ، قيل : ينفصل الشهاب من النجم كالقبس من النار والنجم في مكانة لا يزول عنه فمنهم من يقتله الشهاب ومنهم من يخبله (٢)(وَأَعْتَدْنا لَهُمْ) أي هيأنا للشياطين في الآخرة بعد الإحراق بالشهب في الدنيا (عَذابَ السَّعِيرِ) [٥] أي الوقود ، عن قتادة : «خلق الله النجوم لثلاث وزينة للمساء ورجوما للشياطين وعلامات يهتدون بها ، فمن تأول فيها غير ذلك فقد تكلف ما لا علم به» (٣).

(وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٦) إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ (٧))

(وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا) أي جحدوا (بِرَبِّهِمْ) أي بوحدانيته من الشياطين وغيرهم (عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) [٦] هي (إِذا أُلْقُوا فِيها) أي طرح الكفار في جهنم (سَمِعُوا لَها) أي لأهلها المطروحين قبلهم أو من أنفسهم أو للنار (شَهِيقاً) أي صوتا منكرا كصوت الحمار (وَهِيَ تَفُورُ) [٧] أي جهنم تغلي بهم غليانا كما يغلي الماء الكثير بالحب القليل في المرجل.

(تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨))

(تَكادُ) أي تقرب النار (تَمَيَّزُ) أي تتفرق (مِنَ الْغَيْظِ) أي من غضبها على الكفار ، ويجوز أن يراد غيظ الزبانية (كُلَّما أُلْقِيَ فِيها) أي في جهنم (فَوْجٌ) أي أمة من الأمم (سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها) توبيخا يزيد في عذابهم عذابا وحسرة (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ) [٨] أي رسول ينذركم من النار.

(قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا وَقُلْنا ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ (٩))

(قالُوا بَلى قَدْ جاءَنا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنا) الرسل (وَقُلْنا) لهم (ما نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ) أي (٤) مما يخبرون (٥) من الكتاب (إِنْ) أي ما (أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ) [٩] أي في خطأ عظيم في قولكم أيها المرسلون ، ويجوز أن يكون من كلام الخزنة للكفار بتقدير القول وإرادة الهلاك من الضلال.

(وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ (١٠))

(وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ) إلى الحق (أَوْ نَعْقِلُ) الدليل الموصل إلى الهدى ، وجمع بينهما لكون مدار التكليف عليهما (ما كُنَّا) أي لم نكن (فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) [١٠] أي معهم.

__________________

(١) عيبه ، ح و : ـ ي.

(٢) لعل المؤلف اختصره من الكشاف ، ٦ / ١٣٥.

(٣) انظر الكشاف ، ٦ / ١٣٥.

(٤) أي ، ح : ـ وي.

(٥) يخبرون ، وي : تخبرون ، ح.

٢٣٢

(فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لِأَصْحابِ السَّعِيرِ (١١))

(فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ) حين لا ينفع الاعتراف ، فقال تعالى (فَسُحْقاً) بضم الحاء وإسكانها (١) ، أي بعدا ويأسا (لِأَصْحابِ السَّعِيرِ) [١١] من الرحمة ، مصدر ، فعله محذوف ، أي أسحقهم الله إسحاقا.

(إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١٢))

(إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ) أي غائبا عنهم ويعملون بما يأمرهم ولا يعصونه (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) لذنوبهم (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) [١٢] أي ثواب عظيم في الجنة.

(وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٣))

قوله (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ) في أمر محمد عليه‌السلام ، ظاهره الأمر بأحد الأمرين ومعناه الاستواء ، أي ليستو عندكم إسراركم وإجهاركم في علم الله بهما في شأنه عليه‌السلام (إِنَّهُ) أي إن الله (عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) [١٣] أي بما في القلوب (٢) من الخير والشر ، يعني أنه يعلم ضمائركم قبل أن تعبروها بألسنتكم ، فكيف لا يعلم ما تتكلمون في حقه ، نزل حين قال بعض الكفار لبعض لا تجهروا أصواتكم فان رب محمد يسمع فيخبره بما تقولون في شأنه (٣).

(أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٤))

(أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ) أي ألا يعلم السر من خلق السر في القلب ، لأن الخلق لا يكون إلا مع العلم ، والهمزة فيه للإنكار لتأكيد ما قبله ، و (مَنْ) فاعل (يَعْلَمُ) ، ويجوز أن يكون (مَنْ خَلَقَ) منصوبا بمعنى ألا يعلم مخلوقه وهذه حاله وهي قوله (وَهُوَ اللَّطِيفُ) أي لطف علمه بكل شيء (الْخَبِيرُ) [١٤] أي العليم بأحوال خلقه وأقواله.

(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (١٥))

(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً) أي سهلة لينة لكي تمشوا وتزرعوا وتنتفعوا فيها (فَامْشُوا فِي مَناكِبِها) أي في جوانبها وطرقها أو في جبالها (وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ) أي من رزق الله واشكروا له (وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) [١٥] أي وإلى الله البعث من قبوركم للحساب والجزاء.

(أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ (١٦))

قله (أَأَمِنْتُمْ) استفهام للتوبيخ ، أي أأمنتم عقوبة (مَنْ) هو حاكم (فِي السَّماءِ) ينفذ حكمه فيها بأن ينزل منها العذاب عليكم أو هم يعتقدون أن الرحمة والعذاب ينزلان من السماء أو (مَنْ) عبارة من الملائكة ، يعني هي مسكن الملائكة المتوكلين بالعذاب ، قوله (أَنْ يَخْسِفَ) بدل من (مَنْ فِي السَّماءِ) ، أي أأمنتم أن يخسف ، أي يغور (بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ) [١٦] أي تتحرك بالموج فتصيروا تحتها وتعلو عليكم.

(أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (١٧))

(أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ) أي عقاب من هو حاكم فيها ، فأبدل من «مَنْ» (أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً) أي ريحا ترميكم بالحصباء وهي الحجارة كما أرسل إلى قوم لوط (فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) [١٧] أي إنذاري لكم إذا رأيتم المنذر به حين لا ينفعكم علمكم.

__________________

(١) «فسحقا» : ضم الحاء الكسائي وأبو جعفر ، وأسكنها غيرهما. البدور الزاهرة ، ٣٢٤.

(٢) القلوب ، وي : قلوب ، ح.

(٣) عن ابن عباس ، انظر الواحدي ، ٣٦٠ ؛ والبغوي ، ٥ / ٤٢١ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٣٨٧.

٢٣٣

(وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ (١٨))

(وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من الأمم الماضية رسلهم (فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ) [١٨] أي إنكاري وعقوبتي لهم.

(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ (١٩))

(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ) أي ألم ينظروا إلى الطيور (فَوْقَهُمْ) كيف خلقها (صافَّاتٍ) أي باسطات أجنحتهن في الهواء ، قوله (وَيَقْبِضْنَ) أي يضممن جناحهن ، عطف على (صافَّاتٍ) لكونه في تقدير يصففن ويقبضن في الهواء بعد البسط كالسابح في البحر ، فيعتبروا في خلق الله القادر بالقدرة الباهرة ، وإنما لم يقل وقابضات لرعاية التناسب ، لأن الأصل في السباحة مد الأطراف وبسطها ، وأما القبض فطارئ على البسط للاستطهار به (١) على التحرك فيكون القبض تارة بعد تارة (ما يُمْسِكُهُنَّ) أي ما يأخذهن عن الوقوع عند القبض والبسط في الهواء (إِلَّا الرَّحْمنُ) بقدرته وتدبيره لهن من الريوش الكبار والصغار (إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) [١٩] أي عالم به كيف يخلق وكيف يدبر.

(أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ (٢٠))

(أم من (هذَا الَّذِي) يقال (هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ) أي منعة (يَنْصُرُكُمْ) من عذاب الله إن عصيتموه بتقدير الشرط ، والهمزة للإنكار والميم صلة و «من» للاستفهام ، أي لا أحد ممن يشار إليه ينصركم (مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ) أي من غير الله ذي الرحمة العامة ، يعني من المشار إليه بالنصر ينصركم غير الله (إِنِ الْكافِرُونَ) أي ما الجاحدون بالله العابدون بغيره من الأصنام (إِلَّا فِي غُرُورٍ) [٢٠] أي في خداع من الشيطان.

(أَمَّنْ هذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ (٢١))

(أَمَّنْ هذَا الَّذِي) يقال هو (يَرْزُقُكُمْ) أي من المشار إليه بالرزق يرزقكم سواه (إِنْ أَمْسَكَ) أي إن (٢) حبس الله (رِزْقَهُ) من السماء والأرض ، فلما لم يتعظوا ولم يقروا أضرب عنهم فقال (بَلْ لَجُّوا) أي تمادوا (فِي عُتُوٍّ) أي تكبر وعناد (وَنُفُورٍ) [٢١] أي في شرود من الإيمان لثقله عليهم.

(أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢٢))

(أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا) أي (٣) واقعا (عَلى وَجْهِهِ) من العمى والظلمة في قلبه ، والمراد الكافر ، من أكب مطاوع كب على الشذوذ بمعنى انكب إذا عثر على وجهه (أَهْدى) أي أرشد وأصوب في دينه (أم من (يَمْشِي سَوِيًّا) أي قائما معتدلا بنور قلبه ، يعني حاله نقيض حال من يمشي سالما من العثور (عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [٢٢] أي على دين الإسلام ، والمراد المؤمن ، يعني الكافر السالك في طريق النار خير أم المؤمن السالك في طريق الجنة.

(قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٢٣))

(قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ) أي خلقكم (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ) لتسمعوا به الحق (وَالْأَبْصارَ) لتبصروا بها الحق (وَالْأَفْئِدَةَ) أي القلوب لتعرفوا بها الحق وتشكروا الله على إنعامه لكم أسباب الهداية والمعرفة (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) [٢٣] أي شكركم فيما صنع لكم قليل ، أي منفي لأنكم استعملتم هذه الأسباب في طاعة غيره ولم توحدوه.

(قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤))

(قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ) أي خلقكم وكثركم (فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [٢٤] للحساب بعد الموت وللجزاء.

__________________

(١) البسط للاستظهار به ، ح و : الاستظهار به ، ي.

(٢) إن ، ح و : ـ ي.

(٣) أي ، وي : ـ ح.

٢٣٤

(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٥) قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٦) فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ (٢٧))

(وَيَقُولُونَ) للنبي عليه‌السلام وأصحابه استهزاء (مَتى هذَا الْوَعْدُ) أي وعد البعث بعد الموت (إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [٢٥] انا نبعث فقال تعالى (قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ) أي علم قيام الساعة (عِنْدَ اللهِ) لا يعلمه غيره (وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ) [٢٦] أخوفكم وأبين لكم ما أرسلت به إليكم بلسان تفهمونه به.

(فَلَمَّا رَأَوْهُ) أي العذاب (زُلْفَةً) أي قريبا ، حال من المفعول (سِيئَتْ) أي قبحت واسودت (وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ) أي ويقول لهم الخزنة (هذَا) أي هذا العذاب (الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ) أي بسببه (تَدَّعُونَ) [٢٧] من الدعوى أنكم لا تبعثون أو من الدعاء ، أي تسألون تعجيله.

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (٢٨))

ثم أمر الله تعالى نبيه عليه‌السلام (١) حين دعا كفار مكة على الرسول والمؤمنين بالهلاك بأن يقول نحن مؤمنون بالله متربصون منه إحدى الحسنيين وأنتم كافرون به ما ذا تتربصون منه سوى العذاب الدائم بقوله (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللهُ وَمَنْ مَعِيَ) من المؤمنين بالموت ويدخلنا الجنة بالإيمان (أَوْ رَحِمَنا) أي غفر لنا ذنوبنا بفضله وينصرنا عليكم بالقتل والغلبة (فَمَنْ يُجِيرُ) أي من يغيث (الْكافِرِينَ) وينجيهم (مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) [٢٨] بكفرهم أو المعنى : انا لا نأمن من عذابه إن عصيناه بمعصية مع إيماننا به وتوسل العبادة والتضرع إليه ، فكيف تأمنون أنتم بكفركم به من عذابه.

(قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢٩))

(قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ) ولم نكفر كما كفرتم إن شاء أهلكنا وإن شاء رحمنا ، فوقوع (آمَنَّا) مقدما تعريض للكافرين (وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا) أي فوضنا إليه أمورنا لا (٢) كتوكلكم على رجالكم وأموالكم ، فوقوع (عَلَيْهِ) مقدما يدل على اختصاص (تَوَكَّلْنا) بالله بخلاف توكلهم (فَسَتَعْلَمُونَ) غدا عند معاينة العذاب (مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [٢٩] أي في خطأ ظاهر نحن أم أنتم يا كفار مكة ، ف (مَنْ) استفهامية.

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ (٣٠))

(قُلْ أَرَأَيْتُمْ) أي أخبروني (إِنْ أَصْبَحَ ماؤُكُمْ غَوْراً) أي غائرا ذاهبا في الأرض لا يقدرون على شيء منه (فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِماءٍ مَعِينٍ) [٣٠] أي ماء جار يصل إليه من أراده بالدلو ، والغور مصدر لا يثنى ولا يجمع ، يقال ماء غور ومياه غور.

قيل : «سورة الملك هي المنجية تنجي صاحبها من عذاب القبر» (٣) ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن سورة من كتاب الله تعالى ما هي إلا ثلاثون آية ، شفعت لرجل فأخرجته يوم القيامة من النار ، وأدخلته الجنة ، وهي سورة تبارك» (٤).

__________________

(١) عليه‌السلام ، وي : ـ ح.

(٢) لا ، ح و : ـ ي.

(٣) عن عبد الله بن مسعود ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٣٩٠.

(٤) رواه الترمذي ، فضائل القرآن ، ٩ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٣٩٠ ؛ والبغوي ، ٥ / ٤٢٤.

٢٣٥

سورة ن والقلم

مكية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ (١) ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (٢))

قوله (ن) علم لليهموت ، أي بحق السمك الذي تحت الأرضين أو اللوح من نور أو ذهب ، وقيل : إنه حرف من اسم الله النور (١) أو من الرحمن (٢)(وَ) بحق (الْقَلَمِ) الذي كتب في اللوح ما هو كائن إلى قيام الساعة (وَ) بحق (ما يَسْطُرُونَ) [١] أي يكتب الكتبة بالقلم في اللوح ، و (ما) مصدرية أو المراد أصحاب القلم منه ، ف (ما) موصولة أقسم به تعظيما له لما في خلقه من الحكمة العظيمة والمنافع الكثيرة ، وجواب القسم (ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) أي بأنعامه عليك بالنبوة وغيرها (بِمَجْنُونٍ) [٢] والباء زائدة لا يمنع عمله في ما قبله من الحال وهي نعمة ربك على تقدير منعما عليك بذلك ، نزل حين جاء جبرائيل عليه‌السلام وعلمه القرآن والصلوة ، فقال كفار مكة جن محمد وكان النبي عليه‌السلام يفر من الشاعر والمجنون (٣) ، والمعنى (٤) : أنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حقا لست كما قال الأعداء.

(وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ (٣))

(وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً) أي ثوابا على احتمال ما قالوا (غَيْرَ مَمْنُونٍ) [٣] أي غير مقطوع ، لأنك مستحق على عملك وليس بتفضل ابتداء ولا منة على الأجر.

(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (٤))

(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [٤] لفرط احتمالك وحسن مدارتك ، وقيل : خلقه ما أمر الله به في قوله (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) (٥)(٦) ، وقيل : «هو آداب القرآن» (٧) ، روي : أن عائشة رضي الله عنها سئلت عن خلق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : «كان خلقه القرآن ألست تقرأ القرآن «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (٨)».» (٩).

(فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ (٥) بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ (٦))

(فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ) [٥] أي فسترى ويرون يوم القيامة (بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ) [٦] أي المجنون ، يقال فتن إذا مجن بالجنون (١٠) ، فيه تعريض لأبي جهل وغيره من قريش ، والباء زائدة أو المفتون مصدر بمعنى الجنون والباء للإلصاق.

(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٧))

(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) أي عن دينه وهم المجانين على الحقيقة (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) [٧] لدينه المستقيم وهم العقلاء على الحقيقة ، وفيه تهديد للضالين وتبشير للمتقين.

__________________

(١) عن عطاء ، انظر البغوي ، ٥ / ٤٢٥.

(٢) عن ابن عباس ، انظر البغوي ، ٥ / ٤٢٥ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٣٩٢.

(٣) أخذه عن السمرقندي ، ٣ / ٣٩٢.

(٤) والمعنى ، ح : المعنى ، وي.

(٥) الأعراف (٧) ، ١٩٩.

(٦) نقل المصنف هذا الرأي عن الكشاف ، ٦ / ١٤٠.

(٧) عن الحسن ، انظر البغوي ، ٥ / ٤٢٦.

(٨) المؤمنون (٢٣) ، ١.

(٩) انظر البغوي ، ٥ / ٤٢٦ ؛ والكشاف ، ٦ / ١٤٠.

(١٠) بالجنون ، ح و : بالمجنون ، ي.

٢٣٦

(فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ (٨))

ثم نزل حين دعوه إلى دين آبائه ، فأمره الله تعالى أن يثبت على دينه قوله (١)(فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ) [٨] بالقرآن.

(وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ (٩))

(وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ) أي تمنوا أن تداريهم (فَيُدْهِنُونَ) [٩] أي فيدارونك ، وهو خبر مبتدأ محذوف ، أي فهم يدهنون ولذا لم ينصب باضمار أن في جواب التمني.

(وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ (١٠) هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (١١))

(وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ) أي كثير الحلف بالكذب في دين الله (مَهِينٍ) [١٠] أي (٢) حقير ضعيف في الطاعة ، قوي في المعصية ، وهو الوليد بن المغيرة (هَمَّازٍ) أي عياب مغتاب (مَشَّاءٍ) بين الناس (بِنَمِيمٍ) [١١] أي بنميمة ، وهي نقل الكلام من قوم إلى قوم على وجه الإفساد.

(مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (١٢))

(مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ) أي بخيل بالمال (٣) لا ينفق نفسه ولا غيره أو مناع الغير عن الخير و (٤) الإسلام ، قيل : كان الوليد ذا مال كثير يقول : «من دخل دين محمد لا أنفعه بشيء» (٥) (مُعْتَدٍ) أي ظالم (أَثِيمٍ) [١٢] أي فاجر.

(عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ (١٣))

(عُتُلٍّ) أي غليظ القلب شديد الخصومة بالباطل (بَعْدَ ذلِكَ) أي مع ذلك الوصف المذكور (زَنِيمٍ) [١٣] أي ملصق بالقوم وليس منهم ، يعني هو دعي في قريش ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة سنة ولذلك اجترأ على كل معصية لا يرحم ، قال عليه‌السلام : «لا يدخل الجنة ولد الزنا ولا ولد ولده» (٦) أو ذي زنمة وهي قطعة اللحم النابت (٧) تحت عنق الماعزة.

(أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ (١٤) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٥))

(أَنْ كانَ ذا مالٍ) بهمزة الاستفهام (٨) للتوبيخ قبل (أَنْ) التي حذف منها لام التعليل وحذف متعلقه بعده بدلالة «فلا تطع» قبل ، أي ألأن كان صاحب مال تطيعه ، يعني لا تعطه بسبب ماله وبلا استفهام خبر ، أي لأن كان ذا مال (وَبَنِينَ) [١٤] كذبك ، يدل عليه قوله (إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ) هي (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [١٥] أي أباطيلهم وكذبهم.

(سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ (١٦))

(سَنَسِمُهُ) سنكويه كيا (عَلَى الْخُرْطُومِ) [١٦] أي على أنفه إهانة له وعلما يعرف به يوم القيامة أنه كافر لا كسائر الكفار أو هو أبو جهل قطع أنفه بالسيف يوم بدر فبقى علامة له ، وقيل : هو سواد وجهه يوم البعث (٩) ، وخص الأنف بالذكر لأن الوسم عليه أقبح.

__________________

(١) أخذه عن السمرقندي ، ٣ / ٣٩٢.

(٢) أي ، وي : ـ ح.

(٣) بالمال ، ح ي : المال ، و.

(٤) الخير و ، ح : ـ وي.

(٥) انظر البغوي ، ٥ / ٤٣٠.

(٦) ذكر العجلوني نحوه في كشف الخفاء (٢ / ٥٠١): «لا يدخل الجنة ولد زنية». وروى أحمد بن حنبل في مسنده (٢ / ٢٠٣): «لا يدخل الجنة عاق ولا مدمن خمر ولا منان ولا ولد زنية». وانظر أيضا الكشاف ، ٦ / ١٤١.

(٧) النابت ، وي : الثابت ، ح.

(٨) «أن كان» : قرأ الشامي وشعبة وحمزة وأبو جعفر ويعقوب بهمزتين مفتوحتين على الاستفهام ؛ وكل على أصله في الهمزتين إلا هشاما وابن ذكوان فخالف كل منهما أصله ، فأبو جعفر وهشام بالتسهيل والإدخال ورويس وابن ذكوان بالتسهيل من غير إدخال وشعبة وحمزة وروح بالتحقيق من غير إدخال ، وقرأ الباقون بهمزة واحدة مفتوحة على الخبر. البدور الزاهرة ، ٣٢٥.

(٩) أخذه عن السمرقندي ، ٣ / ٣٩٢.

٢٣٧

(إِنَّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ (١٧))

(إِنَّا بَلَوْناهُمْ) أي اختبرنا أهل مكة بالقحط والجوع (كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ) أي البستان الذي كان في اليمن لضروان ، وهي علم لرجل كريم إذا بلغ ثماره أتاه المساكين فلم يمنعهم من دخولها والأكل والتزود منها ، فلما مات خلفه بنوه فيها فمنعوهم من ذلك (إِذْ أَقْسَمُوا) أي حلفوا فيما بينهم (لَيَصْرِمُنَّها) أي ليقطعن ثمرتها وزرعها سرا خوفا من المساكين ، قوله (مُصْبِحِينَ) [١٧] أي داخلين في آخر جزء من الليل ، حال من فاعل «يصرم».

(وَلا يَسْتَثْنُونَ (١٨))

(وَلا يَسْتَثْنُونَ) [١٨] أي لم يقولوا إن شاء الله وهو شرط لكنه سمي استثناء ، لأنه يؤدي معنى الاستثناء ، فانك إذا قلت لأخرجن إن شاء الله أردت لا أخرج إلا أن يشاء الله.

(فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ (٢٠))

(فَطافَ عَلَيْها) أي على الجنة (طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ) أي نار محرقة ليلا (وَهُمْ نائِمُونَ [١٩] فَأَصْبَحَتْ) أي فصارت تلك الجنة سواء (كَالصَّرِيمِ) [٢٠] أي الليل المظلم الشديد ، من الصرم وهو القطع ، لأن الليل ينقطع عند النهار ، ويقال للنهار صريم أيضا ، لأنه ينقطع عند الليل.

(فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (٢١) أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ (٢٢))

(فَتَنادَوْا) أي نادى بعضهم بعضا (مُصْبِحِينَ) [٢١] أي حين دخلوا في الصبح (أَنِ اغْدُوا) أي قالوا اخرجوا بالغداة بالإقبال (عَلى حَرْثِكُمْ) أي زرعكم ، فلتضمن الغدو معنى الإقبال يعدى ب (عَلى) ، والأصل فيه إلى (إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ) [٢٢] أي حاصدين قبل أن يحضرها المساكين.

(فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ (٢٣) أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ (٢٤) وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ (٢٥))

(فَانْطَلَقُوا) أي ذهبوا إلى غلتهم (وَهُمْ يَتَخافَتُونَ) [٢٣] أي يتسارون فيما بينهم بكلام خفي (أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ) [٢٤] و (أَنْ) مفسرة لأن في التخافت معنى القول ، وهذا مبالغة في النهي عن تمكين المساكين من الدخول (وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ) أي على غضب ومنع للفقراء من جنتهم (قادِرِينَ) [٢٥] بزعمهم على الحصاد وجمع الثمار.

(فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (٢٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٢٧))

(فَلَمَّا رَأَوْها) أي الجنة محترقة (قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ) [٢٦] عن طريق جنتنا وليست هذه جنتنا ، فلما عرفوها قالوا (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) [٢٧] من منفعتها بسبب منعنا المساكين.

(قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ (٢٨))

(قالَ أَوْسَطُهُمْ) أي أعقلهم (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا) أي هلا (تُسَبِّحُونَ) [٢٨] الله على فعلكم السوء ، يعني هلا تتوبون أو هلا تصلون ، لأنهم قليلو (١) الصلوة ، وقيل : المراد بالتسبيح الاستثناء (٢) ، يعني إن شاء الله لالتقائهما في معنى التعظيم لله ، لأن الاستثناء تفويض إليه والتسبيح تنزيه له وكل واحد منهما تعظيم.

(قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (٢٩) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (٣٠) قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ (٣١) عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ (٣٢))

(قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) [٢٩] أنفسنا بمنعنا المساكين (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ) [٣٠] أي يلوم بعضهم بعضا بعملهم السوء ، ثم (قالُوا) جميعا (يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ) [٣١] أي مجاوزين حد الاستقامة في (١) اختصره المؤلف من السمرقندي ، ٣ / ٣٩٣ ؛ والبغوي ، ٥ / ٤٣٢.

__________________

(١) قليلو ، وي : قليل ، ح.

(٢) هذا الرأي مأخوذ عن الكشاف ، ٦ / ١٤٣.

٢٣٨

سبيل الله بكبرنا (عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها) أي (١) من هذه الجنة (إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ) [٣٢] أي طالبون الخير منه راجعون إليه ليتوب علينا ويرد جنتنا إلينا بفضله ، قيل : هم تابوا فأبدلوا جنة خيرا من الأولى (٢).

(كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٣٣))

(كَذلِكَ) أي مثل ذلك العذاب (الْعَذابُ) في الدنيا لمن خالف أمرنا (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ) لمن لم يتب من فعله السوء (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) [٣٣] أي يفقهون من الحق ، سئل قتادة عن أصحاب الجنة : أهم من أهل الجنة أم من أهل النار؟ قال : «لقد كلفتني تعبا» (٣) ، أي علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله.

(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥))

(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي في الآخرة (جَنَّاتِ النَّعِيمِ) [٣٤] فقال عتبة بن ربيعة : «إن كان كما يقول محمد ، فان لنا في الآخرة أكثر مما للمسلمين لفضلنا وشرفنا» ، فنزل (٤)(أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ) [٣٥] في ثواب الآخرة.

(ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦) أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (٣٧))

ثم قيل لهم على سبيل الالتفات (ما لَكُمْ) أي أي حال من الجهالة (كَيْفَ تَحْكُمُونَ) [٣٦] هذا الحكم الفاسد كأن أمر الجزاء مفوض إليكم فتحكمون بما شئتم (أَمْ لَكُمْ كِتابٌ) منزل (فِيهِ تَدْرُسُونَ) [٣٧] أي تقرؤون ما تدعون.

(إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ (٣٨) أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ (٣٩))

(إِنَّ لَكُمْ فِيهِ) أي في الكتاب (لَما) أي لشيئا (تَخَيَّرُونَ) [٣٨] أي تختارون (أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ) أي عهود وثيقة (عَلَيْنا بالِغَةٌ) أي ثابتة غير زائلة (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) أي لا نخرج من عهدتنا إلا يومئذ بالوفاء بها.

قوله (إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ) [٣٩] أي الذي تقضون لأنفسكم في الآخرة جواب للقسم الذي تضمنه «أم لكم إيمان علينا» ، لأن اليمين بمعنى القسم ، المعنى : أأقسمنا لكم إيمانا بما تحكمون فيجب الوفاء بها علينا كما يجب بالنذر (٥) والقسم على العاهد به.

(سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ (٤٠))

(سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ) [٤٠] أي قل لهم يا محمد أيكم بذلك الحكم كفيل يقوم بالاحتجاج لصحته.

(أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (٤١) يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ (٤٣))

(أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ) لله بزعمهم وهي الأصنام يكفلون لهم بذلك أم لهم ناس يشاركونهم (٦) في هذا القول ويذهبون مذهبهم فيه (فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا) في زعمهم (صادِقِينَ [٤١] يَوْمَ) أي اذكر يوم (يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) أي عن شدة الأمر يوم القيامة لأجل الحساب والجزاء ، والتنكير يدل على أنه أمر مبهم غير مألوف (وَيُدْعَوْنَ) أي الكفار ، ثم عقوبة وتوبيخا على ترك السجود في الدنيا لا تكليفا وامتحانا لإيمانهم بزعمهم (إِلَى السُّجُودِ) لربهم (فَلا يَسْتَطِيعُونَ) [٤٢] السجود لأن ظهورهم تصير يومئذ كالحديد لا يميل (خاشِعَةً) أي ذليلة (أَبْصارُهُمْ) أي أربابها (تَرْهَقُهُمْ) أي تغشاهم (ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ) أي إلى الصلوة في الدنيا (وَهُمْ سالِمُونَ) [٤٣] أي أصحاء فلا يأتون ، فلذلك منعوا عن السجود يومئذ ، قيل : «نزلت الآية فيمن ترك الصلوة بلا عذر (٧) أو تخلف عن الجماعات» (٨).

__________________

(١) أي ، وي : ـ ح.

(٢) نقل المصنف هذا القول عن الكشاف ، ٦ / ١٤٤.

(٣) انظر الكشاف ، ٦ / ١٤٤.

(٤) انظر السمرقندي ، ٣ / ٣٩٥.

(٥) بالنذر ، وي : بالنذور ، ح.

(٦) يشاركونهم ، ح و : شاركونهم ، ي.

(٧) عن سعيد بن جبير ، انظر البغوي ، ٥ / ٤٣٨.

(٨) عن كعب الأحبار ، انظر البغوي ، ٥ / ٤٣٨.

٢٣٩

(فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (٤٤))

ثم سلى نبيه عليه‌السلام بقوله (فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ) أي دعني مع من يكذب بالقرآن فانا كافيكهم (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ) أي سنمكن بهم درجة درجة (مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ) [٤٤] أنه استدراج بتجديد النعمة ومد العمر مع الصحة التي هي إحسان الله وإفضال يوجب عليهم الشكر والطاعة إذا أحدثوا معصية ونسوا الاستغفار وتركوا الشكر واختاروا الكفر.

(وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (٤٥))

(وَأُمْلِي لَهُمْ) أي أمهلهم ليزدادوا إثما (إِنَّ كَيْدِي) أي مكري بسبب الإحسان إليهم (مَتِينٌ) [٤٥] أي قوي لا يدفع ، ووصفه بالمتانة لقوة أثر إحسانه في التسبب للهلاك.

(أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٦) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤٧))

(أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً) أي جعلا على تبليغ الرسالة (فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ) أي لأجل أدائه (مُثْقَلُونَ) [٤٦] أي ممتنعون فلا يؤمنون لذلك (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ) أي اللوح (فَهُمْ) منه (يَكْتُبُونَ) [٤٧] ما يقولونه ويحكمون به.

(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ (٤٨))

(فَاصْبِرْ) يا محمد (لِحُكْمِ رَبِّكَ) أي لتبليغه فيهم بما شاء ، وإنهم إن أمهلوا لا يهملوا (وَلا تَكُنْ) في العجلة والغضب على قومك (كَصاحِبِ الْحُوتِ)(١) الذي غضب على قومه لعدم إيمانهم به فطال حزنه ، وهو يونس بن متى (إِذْ نادى) أي دعا في بطن الحوت (وَهُوَ مَكْظُومٌ) [٤٨] أي مملوء غما ، المعنى : لا يوجد منك ما وجد منه من الضجر فتبتلي ببلائه.

(لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (٤٩))

(لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ) أي لو لم تنله رحمة (مِنْ رَبِّهِ) بالتوفيق للتوبة وتاب عليه (لَنُبِذَ) أي لطرح (٢)(بِالْعَراءِ) أي بالصحراء التي لا نخل فيها ولا ماء (وَهُوَ مَذْمُومٌ) [٤٩] ولكنه رحم فنبذ غير مذموم وقد كان سقيما فشفيناه.

(فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (٥٠) وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (٥١) وَما هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٥٢))

(فَاجْتَباهُ) أي تاب عليه وهداه أو اصطفاه (رَبُّهُ) بالنبوة (فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) [٥٠] أي من الأنبياء ، قيل : نزلت الآية بأحد حين حل لنبي عليه‌السلام ما حل به (٣) ، و (إِنْ) مخففة في قوله (وَإِنْ يَكادُ) وعلمها اللام ، أي إن الشأن يقرب (الَّذِينَ كَفَرُوا) بالقرآن (لَيُزْلِقُونَكَ) بضم الياء وفتحها (٤) ، أي ليزيلونك عن مكانه (بِأَبْصارِهِمْ) يعني يهلكونك باصابة العين (لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ) أي القرآن لكن الله يعصمك منها ، نزل حين نظروا إليه نظرا شديدا بغيظ وعداوة وحسد عند تلاوة القرآن عليهم (٥)(وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) [٥١] لقراءتك القرآن وللتنفير عنه وإلا فقد علموا أنك أعقلهم فأكذبهم بقوله (وَما هُوَ) أي القرآن (إِلَّا ذِكْرٌ) أي عظة (لِلْعالَمِينَ) [٥٢] أي للجن والإنس لا يحدث جنون (٦) لأحد يقرأه ، قيل : «دواء العين قراءة هذه الآية» (٧).

__________________

(١) أي ، + ح.

(٢) لطرح ، وي : أطرح ، ح.

(٣) نقله المفسر عن الكشاف ، ٦ / ١٤٧.

(٤) «ليزلقونك» : فتح الياء المدنيان ، وضمها غيرهم. البدور الزاهرة ، ٣٢٥.

(٥) عن الزجاج ، انظر البغوي ، ٥ / ٤٣٩ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ٣٦٠ ـ ٣٦١.

(٦) جنون ، وي : جنونا ، ح.

(٧) عن الحسن ، انظر البغوي ، ٥ / ٤٣٩ ؛ والكشاف ، ٦ / ١٤٧.

٢٤٠