عيون التفاسير للفضلاء السماسير - ج ٤

شهاب الدين أحمد بن محمود السيواسي

عيون التفاسير للفضلاء السماسير - ج ٤

المؤلف:

شهاب الدين أحمد بن محمود السيواسي


المحقق: الدكتور بهاء الدين دارتما
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار صادر
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9953-13-157-0

الصفحات: ٣٥١

(إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى (٢٣))

(إِنْ هِيَ) أي ما الأصنام (إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها) أي سميتم بها (أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ) آلهة تخرصا فلا حقيقة تحتها من نفع أو ضر (ما أَنْزَلَ اللهُ بِها) أي بتلك الأسماء (مِنْ سُلْطانٍ) أي حجة على تسميتهم (إِنْ) أي ما (يَتَّبِعُونَ) في عبادتها وتسميتها بها (إِلَّا الظَّنَّ) أي على غير يقين أنها آلهة (وَما تَهْوَى الْأَنْفُسُ) أي تتبعون ما تشتهي أنفسهم الجهولة من عبادتها وترك دين الله تعالى (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدى) [٢٣] أي التوحيد على لسان الرسل بالكتاب.

(أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى (٢٤) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى (٢٥))

قوله (أَمْ لِلْإِنْسانِ) استفهام للإنكار ، أي للإنسان الكافر (ما تَمَنَّى) [٢٤] من شفاعة الأصنام له (فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى) [٢٥] يحكم فيهما ما يريد لا حاكم سواه فلا يكون له ما يتمناه.

(وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى (٢٦))

قوله (١)(وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي) أي لا تنفع (شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً) إن شفعوا ، رد لقولهم إنهم يشفعون لنا ثم استثنى فقال (إِلَّا) أي لا يشفعون إلا (مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ) أن يشفع له (وَيَرْضى) [٢٦] عنه وهو من كان معه التوحيد.

(إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى (٢٧))

قوله (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى) [٢٧] أي باسم النبات ، فيه تنبيه للمؤمنين بالآخرة لئلا يقولوا مثل قولهم.

(وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً (٢٨))

(وَما لَهُمْ بِهِ) أي بذلك القول (مِنْ عِلْمٍ) أي يقين أو حجة عليه (إِنْ) أي ما (يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) [٢٨] أي لا ينفع ظنهم أن شفاعة الآلهة تدفع (٢) عنهم العذاب.

(فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا (٢٩))

(فَأَعْرِضْ) يا محمد (عمن (تَوَلَّى) أي عن إبلاغ من انصرف (عَنْ ذِكْرِنا) أي عن الإيمان بالقرآن والعمل به (وَلَمْ يُرِدْ) بعمله (٣)(إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا) [٢٩] أي منفعتها لا منفعة الدار الآخرة ، نسخ بآية السيف (٤).

(ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى (٣٠))

(ذلِكَ) أي إرادتهم الحيوة الدنيا (مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) أي غاية وصول علمهم ولا يعلمون شيئا (٥) من أمر الآخرة لغفلتهم عنه (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ) أي بمن ترك (٦) طريق الهداية (وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى) [٣٠] أي بمن تمسك بالتوحيد وسلك طريق الهداية.

(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١))

(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) من الخلق فله الأمر فيهما (٧)(لِيَجْزِيَ) أي ليعاقب (الَّذِينَ أَساؤُا بِما

__________________

(١) قوله ، وي : ـ ح.

(٢) تدفع ، ي : يدفع ، ح و.

(٣) بعمله ، وي : بعلمه ، ح.

(٤) وهذا القول مأخوذ عن القرطبي ، ١٧ / ١٠٥ ؛ وانظر أيضا هبة الله بن سلامة ، ٨٧ ؛ وابن الجوزي ، ٥٥.

(٥) شيئا ، ح : ـ وي.

(٦) أي بمن ترك ، وي : أي عن ترك ، ح.

(٧) فيهما ، وي : فيها ، ح.

١٦١

عَمِلُوا) من الشرك والمعاصي (وَيَجْزِيَ) أي ليثيب (١)(الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) [٣١] أي بسبب الأعمال الحسنى أو بالجنة.

(الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى (٣٢))

قوله (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ) رفع أو نصب على المدح أو وصف للذين أحسنوا أي ينتهون (كَبائِرَ الْإِثْمِ) أي الكبائر من الإثم وهي الذنوب التي لا يسقط عقابها إلا بالتوبة (وَالْفَواحِشَ) من الذنوب أيضا وهي ما فحش من الكبائر كالزنا والقتل بغير حق ، كأنه قال والفواحش منها خاصة ذكرها لتصريح زيادة قبحها ، وقيل : كبائر الإثم الشرك بالله والفواحش المعاصي (٢)(إِلَّا اللَّمَمَ) أي الصغائر من الذنوب كالغمرة والنظرة واللمسة والقبلة ، فانها تغفر بلا توبة من الصلوة إلى الصلوة ومن الجمعة إلى الجمعة ، ويجوز أن يكون الاستثناء منقطعا أو صفة كقوله (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ)(٣) ، أي غير الله (إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ) للذين يجتنبون الكبائر بالتوبة لصغائرهم (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ) أي بحالكم منكم (إِذْ أَنْشَأَكُمْ) أي خلقكم (مِنَ الْأَرْضِ) أي من ترابها أو خلق آدم عليه‌السلام وأنتم من ذريته (وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ) جمع جنين ، أي كنتم صغارا (فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) كان هو أعلم بحالكم فيها وهو أعلم بكم في الحال أيضا (فَلا تُزَكُّوا) من الذنوب (أَنْفُسَكُمْ) بنسبتها إلى الصلاح أو لا تمدحوها أو لا يمدح بعضكم بعضا في وجهه ولا يمدحه أيضا في غيبته وهو يعلم أنه يبلغ ممدوحه (هُوَ) أي الله (أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) [٣٢] أي بمن تزكى بالعمل الصالح أو تطهر من الذنوب أولا وآخرا ، قيل : نزلت الآية حين قال ناس من الصالحين صلاتنا وصيامنا وحجنا كذا وكذا (٤) ، فنهوا عن القول به قالوا هذا إذا كان على سبيل الإعجاب والرياء ، فأما من اعتقد وعلم أن كل عمله الصالح بتوفيق الله وتأييده لا من عنده ولم يقصد به التمدح لم يكن من المزكين أنفسهم ، لأن المسرة بالطاعة طاعة وذكرها شكر.

(أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (٣٣))

(أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى) [٣٣] أي أعرض عن الحق وهو الإسلام ، يعني الوليد بن مغيرة ومثله ممن أعرض عنه بعد ميله إليه أو أمال غيره منه بسبب المال.

(وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى (٣٤))

(وَأَعْطى قَلِيلاً) من ماله (وَأَكْدى) [٣٤] أي وبخل بعده ، فانه أنفق أصحاب النبي عليه‌السلام نفقة قليلة ، ثم انتهى عن ذلك وأكدى ، من الكدية وهي أرض صلبة تمنع حافر البئر من النفوذ.

(أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى (٣٥) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى (٣٦) وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧))

(أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ) أي علم اللوح المحفوظ (فَهُوَ يَرى) [٣٥] أي يعلم ما له وما عليه (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ) أي ألم يخبر (٥)(بِما) بين الله (فِي صُحُفِ مُوسى) [٣٦] أي في التورية أو هي عشر صحائف قبل التورية (وَ) في صحف (إِبْراهِيمَ) وهي عشر صحائف ، قوله (الَّذِي وَفَّى) [٣٧] أي تمم ما أمر به صفة (إِبْراهِيمَ).

(أَلاَّ تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى (٣٨))

قوله (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [٣٨] محله جر بدل من «ما» في قوله (بِما فِي صُحُفِ) أو رفع خبر مبتدأ محذوف ، أي هو أن لا تزر ، يعني لا تحمل حاملة حمل نسمة أخرى ، روي : أن الوليد قال لعثمان رضي الله

__________________

(١) ليثيب ، ح ي : يثبت ، و.

(٢) نقله عن السمرقندي ، ٣ / ٢٩٢.

(٣) الأنبياء (٢١) ، ٢٢.

(٤) عن الكلبي ومقاتل ، انظر البغوي ، ٥ / ٢٥٣ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٥ / ٥١.

(٥) أي ألم يخبر ، و : أي لم يخبر ، ي : أي يخبر ، ح.

١٦٢

عنه : تنفق مالك في سبيل الله ، فعن قريب تفتقر ، قال عثمان : إن لي ذنوبا ، فقال الوليد : ادفع إلي بعض المال حتى أرفع عنك ذنوبك فدفع إليه وأشهد عليه وأمسك من الخطأ فنزلت الآية (١).

(وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى (٣٩))

قوله (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) [٣٩] عطف على قوله أن لا (تَزِرُ) أي ليس للإنسان في الآخرة نافعا إلا ما نوى وأخلص في عمله ولا يشكل بأن المؤمن له أجر ما سعى وأجر ما سعي له ، وله فضل من الله سوى عدله (٢) ، لأن ذلك لنفع عمله له فكأنه سعى (٣) نفسه لكونه تابعا له ، وكذلك إلحاق الأبناء بالآباء لصلاحهم ، وقيل : الآية نازلة في شأن الكافر (٤) ، يعني ليس للكافر من الخير إلا ما عمل فيثاب به هنا ولا يبقى له أجر في الآخرة.

(وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى (٤٠) ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى (٤١))

قوله (وَأَنَّ سَعْيَهُ) عطف على أن لا (تَزِرُ) أي ومما كتب في صحف موسى وإبراهيم أن سعى الإنسان (سَوْفَ يُرى) [٤٠] أي ثواب عمله في الآخرة (ثُمَّ يُجْزاهُ) أي يجزي الإنسان المؤمن جزاء سعيه ، والهاء لل «سعي» بتقدير الجزاء ، قوله (الْجَزاءَ الْأَوْفى) [٤١] بدل من الهاء في (يُجْزاهُ) ، أي الجزاء الأكمل.

(وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى (٤٢) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكى (٤٣) وَأَنَّهُ هُوَ أَماتَ وَأَحْيا (٤٤))

(وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى) [٤٢] أي ومنه أن مرجع الخلائق كلهم بعد الموت إلى الله تعالى فيجازيهم بأعمالهم و (الْمُنْتَهى) بمعنى الانتهاء (وَأَنَّهُ) أي ومنه أن الله (هُوَ أَضْحَكَ) أي خلق فيهم قوة الضحك (وَأَبْكى) [٤٣] أي خلق فيهم قوة البكاء أو (أَضْحَكَ) في الجنة أهلها و (أَبْكى) في النار أهلها (وَ) منه (أَنَّهُ هُوَ أَماتَ) في الدنيا (وَأَحْيا) [٤٤] في الآخرة للبعث.

(وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٤٥) مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى (٤٦) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرى (٤٧))

(وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ) أي الصنفين (الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) [٤٥] من كل الحيوان (مِنْ نُطْفَةٍ إِذا تُمْنى) [٤٦] أي تراق في الرحم (وَأَنَّ عَلَيْهِ) أي على الله (النَّشْأَةَ الْأُخْرى) [٤٧] بالمد والقصر (٥) ، أي الخلقة الثانية للبعث بعد الموتة الأولى.

(وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى (٤٨) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى (٤٩))

(وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى) الناس بالأموال عن غيرهم (وَأَقْنى) [٤٨] أي أفقرهم إلى الخلق (٦) في المعيشة ، هما فعلان حذف مفعولهما (وَأَنَّهُ) أي أن الله (هُوَ رَبُّ الشِّعْرى) [٤٩] أي خالقها وهي كوكب خلف الجوزاء عبدتها خزاعة.

(وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى (٥٠) وَثَمُودَ فَما أَبْقى (٥١) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى (٥٢))

(وَأَنَّهُ) أي أن الله (أَهْلَكَ عاداً الْأُولى) [٥٠] بالإدغام وترك الهمزة ، وبالتنوين مع الهمزة (٧) وهي قوم هود بالعذاب (وَ) أهلك (ثَمُودَ) بالتنوين وعدمه (٨) ، أي قوم ثمود وهم عاد الأخرى (فَما أَبْقى) [٥١] منهم أحدا ،

__________________

(١) عن ابن عباس والسدي والكلبي والمسيب بن شريك ، انظر الواحدي ، ٣٢٩ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٢٩٤.

(٢) عدله ، وي : عمله ، ح.

(٣) فكأنه سعى ، و : فكأن سعي ، ح فكأنه يسعى ، ي.

(٤) عن الربيع بن أنس ، انظر البغوي ، ٥ / ٢٥٥.

(٥) «النشأة» : قرأ المكي والبصري بفتح الشين وألف بعدها وبعد الألف همزة مفتوحة ، والباقون باسكان الشين. البدور الزاهرة ، ٣٠٨.

(٦) الخلق ، وي : الخلائق ، ح.

(٧) «عادا الأولى» : قرأ المدنيان والبصريان بنقل حركة همزة الأولى إلى اللام قبلها وحذف الهمزة مع إدغام تنوين «عادا» في لام «الأولى» ... وقرأ الباقون باظهار تنوين «عادا» وكسره وإسكان لام «الأولى» وتحقيق الهمزة بعدها مضمومة مع إسكان الواو ... البدور الزاهرة ، ٣٠٨.

(٨) «وثمودا» : قرأ عاصم ويعقوب وحمزة بترك التنوين ، وغيرهم باثباته. البدور الزاهرة ، ٣٠٨.

١٦٣

وهذا تخويف لكفار قريش ليؤمنوا (وَقَوْمَ نُوحٍ) أي أن الله أهلك قوم نوح أيضا (مِنْ قَبْلُ) أي قبل عاد وثمود (إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ) لنبيهم (وَأَطْغى) [٥٢] أي أشد في كفرهم من غيرهم ، لأن نوحا لبث فيهم ألفا إلا خمسين عاما دعاهم إلى الإيمان فلم يجيبوا ، ومع ذلك يؤذونه ويضربونه حتى يغشى عليه ، فاذا أفاق قال رب اغفر لقومي أنهم لا يعلمون وكانوا يوصون الأولاد بتكذيبه وإيذائه.

(وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى (٥٣))

(وَالْمُؤْتَفِكَةَ) نصبها (أَهْوى) [٥٣] وهي مدينة قوم لوط ، أي أسقطها جبرائيل باذن الله مقلوبة إلى الأرض بعد أن رفعها بجناحه إلى السماء ، من ائتفكت إذا انقلبت إلى الأرض.

(فَغَشَّاها ما غَشَّى (٥٤))

(فَغَشَّاها) أي غطاها (ما غَشَّى) [٥٤] أي ما غطى بعد إلقائها إلى الأرض من الحجارة الممطرة من سجيل عليهم ، وإنما أبهم المغشي تهويلا لشأنه.

(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى (٥٥))

(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ) أي إذا عرفت أن هذه المذكورات من الله فبأي نعمة من نعماء ربك (تَتَمارى) [٥٥] أي تتجاحد أيها الإنسان بأنها ليست (١) من الله الذي خلقك ورباك وتشرك به شيئا.

(هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى (٥٦))

(هذا) أي القرآن (نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى) [٥٦] أي إنذار من الإنذارات المتقدمة قبلكم (٢) أو إشارة إلى محمد عليه‌السلام ، أي هو رسول مخوف من الرسل الأولى الذين يخوفون أممهم قبلكم (٣) كنوح وهود وصالح.

(أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (٥٧) لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ كاشِفَةٌ (٥٨))

(أَزِفَتِ الْآزِفَةُ) [٥٧] أي قربت القيامة القريبة (لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ) أي من غيره نفس (كاشِفَةٌ) [٥٨] أي مبينة لها متى تكون ، لأن علمها عند الله (لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ)(٤).

(أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (٥٩) وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ (٦٠) وَأَنْتُمْ سامِدُونَ (٦١))

(أَفَمِنْ هذَا) أي أتكفرون فمن هذا (الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ) [٥٩] تكذيبا (وَتَضْحَكُونَ) استهزاء (وَلا تَبْكُونَ) [٦٠] بما فيه من الوعيد إذا سمعتموه ، والبكاء والخشوع حق عليكم ، روي : أنه عليه‌السلام لم ير ضاحكا بعد نزولها (٥)(وَأَنْتُمْ سامِدُونَ) [٦١] أي لاهون أو مغنون أو معرضون استكبارا عن الإيمان به ولا تخافون من العاقبة.

(فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (٦٢))

(فَاسْجُدُوا لِلَّهِ) أي انقادوا له بالتوحيد تواضعا أو اسجدوا سجود التلاوة أو صلوا الفرائض (وَاعْبُدُوا) [٦٢] له بخلوص العبادة ولا تعبدوا الآلهة.

__________________

(١) بأنها ليست ، وي : ـ ح.

(٢) قبلكم ، وي : قبلك ، ح.

(٣) قبلكم ، وي : قبلك ، ح.

(٤) الأعراف (٧) ، ١٨٧.

(٥) أخذه عن الكشاف ، ٦ / ٥٣.

١٦٤

سورة القمر

مكية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١))

(اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) أي قرب قيامها وهي القيامة (وَ) قد (انْشَقَّ الْقَمَرُ) [١] لأن خروج النبي عليه‌السلام ودعواه النبوة من علامات الساعة ، وعلامة صحة نبوته انشقاق القمر ، وذلك حين سأل كفار قريش علامة لنبوته فانشق القمر بنصفين على عهده باشارته (١) ، روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال : «رأيت جبل حراء بين فلقتي القمر» (٢) ، والفلقة الشقة.

(وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (٢))

(وَإِنْ يَرَوْا) أي قريش (آيَةً) أي علامة من علامات الله الدالة على معجزة محمد عليه‌السلام كانشقاق القمر (يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا) هذا (سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) [٢] أي مصنوع قوي ، من المرة ، وهي (٣) القوة أو دائم.

(وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (٣))

(وَكَذَّبُوا) النبي عليه‌السلام أو الآية (وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) في الباطل وهو الشرك (وَكُلُّ أَمْرٍ) من الخير والشر (مُسْتَقِرٌّ) [٣] بأهله ، أي عمل الجنة يستقر لهم وعمل أهل النار يستقر لهم أو أمر محمد عليه‌السلام لا بد أن يستقر على غاية يظهر لهم أنه حق أو باطل.

(وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ (٤))

(وَلَقَدْ جاءَهُمْ) أي جاء (٤) أهل مكة (مِنَ الْأَنْباءِ) أي من أخبار الأمم المتقدمة (ما)(٥) أي الخبر الذي (٦)(فِيهِ مُزْدَجَرٌ) [٤] أي ازدجار بمعنى (٧) الزجر في نفسه موضع ازدجار ، يعني مظنة (٨) نهي بغلظة عن الشرك والمعصية ، وهو القرآن ، يقال زجرته وازدجرته إذا نهيته.

(حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ (٥))

(حِكْمَةٌ بالِغَةٌ) بدل من «ما» أو خبر مبتدأ محذوف ، أي هو حكمة وثيقة وهي علم كامل وبيان شاف يهدي إلى الطريق الذي يؤدي إلى رضاء الله ورحمته (فَما تُغْنِ النُّذُرُ) [٥] أي لا ينفعهم الرسل المنذرون عند نزول العذاب إذا لم يؤمنوا بهذه الحكمة البالغة.

__________________

(١) عن أنس بن مالك ، انظر الكشاف ، ٦ / ٥٤ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٢٩٧.

(٢) انظر السمرقندي ، ٣ / ٢٩٧ ؛ والكشاف ، ٦ / ٥٤.

(٣) وهي ، ح و : وهو ، ي.

(٤) أي جاء ، وي : ـ ح.

(٥) نفسه موضع ازدجار يعني مظنة ، + ي.

(٦) أي الخبر الذي ، ح و : ـ ي.

(٧) الذي فيه أي الخبر الذي ، + ي.

(٨) الزجر في نفسه موضع ازدجار يعني مظنة ، ح و : ـ ي.

١٦٥

(فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ (٦))

(فَتَوَلَّ) أي أعرض (عَنْهُمْ) واتركهم بعد البلاغ وإقامة الحجة عليهم بها (يَوْمَ يَدْعُ) أي اذكر يوم يدعوهم (الدَّاعِ) هو (١) إسرافيل على صخرة بيت المقدس (إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ) [٦] بضم الكاف وسكونها (٢) ، أي منكر تنكره النفوس لشدته وهو عذاب جهنم أو هول يوم القيامة.

(خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ (٧))

(خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ) جمع خاشع ، نصب على الحال من ضمير محذوف من «يدعوا» العامل فيها ، أي يدعوهم الداعي حال كون أبصارهم خاضعة ، يعني ذليلة ضعيفة عن مشاهدة العذاب ، ف (أَبْصارُهُمْ) رفع ب «خشع» ، لأنه جمع مكسر بمعنى الجماعة ، وقرئ «خاشعا» (٣) بغير تاء لاستناده إلى الظاهر (يَخْرُجُونَ) أي هم يخرجون (مِنَ الْأَجْداثِ) أي من القبور (كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ) [٧] عن معدنهم يحول بعضهم في بعض لا يدرون أين يذهبون ، فمحل (كَأَنَّهُمْ جَرادٌ) حال من ضمير (يَخْرُجُونَ).

(مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ (٨))

قوله (مُهْطِعِينَ) أي مسرعين أو ناظرين (إِلَى الدَّاعِ) وهو إسرافيل ، حال بعد حال (وهو (يَقُولُ الْكافِرُونَ هذا يَوْمٌ عَسِرٌ) [٨] أي صعب علينا ، فيمكثون بعد الخروج من القبور واقفين أربعين سنة حتى يقولوا أرحنا من هذا ولو إلى النار ، ثم يؤمرون بالحساب.

(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (٩) فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠))

ثم قال تسلية للنبي عليه‌السلام (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ) أي قبل قريش (قَوْمُ نُوحٍ) نوحا (فَكَذَّبُوا عَبْدَنا) أي نوحا تكذيبا بعد تكذيب ، يعني بالغوا فيه قرنا بعد قرن (وَقالُوا) هو (مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ) [٩] أي وعد بالوعيد كالضرب والخنق (٤) وغيرهما (فَدَعا) نوح (رَبَّهُ) مستنصرة عليهم (أَنِّي) أي بأني (مَغْلُوبٌ) أي مقهور فيما بينهم (فَانْتَصِرْ) [١٠] أي انتقم لي منهم.

(فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢))

(فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ) أي طرقها (بِماءٍ مُنْهَمِرٍ) [١١] أي سائل ينصب انصابا شديدا (وَفَجَّرْنَا) أي جعلنا (الْأَرْضَ عُيُوناً) منفجرة كالأنهار الجارية (فَالْتَقَى الْماءُ) أي التصق ماء السماء والأرض (عَلى أَمْرٍ) أي على حال (قَدْ قُدِرَ) [١٢] في اللوح المحفوظ من إهلاك قوم نوح ، أي على حال قدرها الله كيف شاء.

(وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (١٣))

(وَحَمَلْناهُ) أي نوحا (عَلى ذاتِ أَلْواحٍ) أي على سفينة اتخذت من ألواح عراض (وَ) ذات (دُسُرٍ) [١٣] جمع دسير ، وهو المسمار يشتد به (٥) الألواح.

(تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (١٤))

قوله (تَجْرِي) محله جر صفة سفينة (بِأَعْيُنِنا) أي بمنظر منا وحفظنا ، قوله (٦)(جَزاءً) مفعول له لفعل مقدر ، يدل عليه حمل نوح عليه‌السلام على السفينة ، أي حملناه عليها وأغرقنا قومه للجزاء ، يعني للإنتقام (لِمَنْ كانَ كُفِرَ) [١٤] أي لأجل من جحد وهو نوح أو الله تعالى.

__________________

(١) هو ، وي : أي ، ح.

(٢) «نكر» : أسكن الكاف المكي ، وضمها غيره. البدور الزاهرة ، ٣٠٨.

(٣) «خشعا» : قرأ البصريان والأخوان وخلف بفتح الخاء وألف بعدها وكسر الشين مخففة ، والباقون بضم الخاء وفتح الشين مشددة. البدور الزاهرة ، ٣٠٨.

(٤) الخنق ، ح : الحنق ، وي.

(٥) يشتد به ، وي : تشتد به ح.

(٦) قوله ، وي : ـ ح.

١٦٦

(وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٥) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٦))

(وَلَقَدْ تَرَكْناها) أي أبقينا السفينة بباقردى من بلد الجزيرة أو على الجودي دهرا طويلا حتى أبصرها أوائل هذه الأمة (آيَةً) أي عبرة للخلق ، قيل : لم يكن قبل ذلك سفينة فبرؤيتها اتخذوا سفينة في البحار (١)(فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [١٥] أي معتبر بصنع الله بقوم نوح فيؤمن ويطيع (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) [١٦] أي إنذاري لمن أنذرهم الرسل فلم يؤمنوا.

(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧))

(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) أي سهلناه للحفظ والقراءة والاعتبار (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [١٧] أي متعظ يتعظ به فيؤمن ، روي : أن كتب الأولين كالتورية والإنجيل لم يتيسر لأهلها حفظها من أولها إلى آخرها (٢).

(كَذَّبَتْ عادٌ فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٨))

(كَذَّبَتْ عادٌ) رسولهم هودا (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) [١٨] وهي جمع نذير بمعنى الإنذار ، أي كيف وقع عذابي وإنذاري لهم ، يعني أليس وجدوه حقا.

(إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ (١٩) تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ (٢٠) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٢١))

ثم بين عذابه بهم فقال (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً) أي باردة شديدة الهبوب (فِي يَوْمِ نَحْسٍ) أي شؤم (مُسْتَمِرٍّ) [١٩] أي دائم شؤمه لا يفتر عنهم سبع ليال وثمانية أيام (تَنْزِعُ النَّاسَ) أي تقلعهم من الأرض وتصرعهم على رؤوسهم فتدق رقابهم (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ) أي أصول (نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) [٢٠] أي منقلع من الأرض ساقط عليها ، وشبهوا بالنخل لطولهم ، قيل : «كان طول واحد منهم اثني عشر ذراعا» (٣) ، وقيل : «سبعين ذراعا» (٤)(فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) [٢١] أي إنذاري ، يعني أليس وجدوه حقا.

(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٢٢))

(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) أي للحفظ والاتعاظ (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [٢٢] أي متعط به.

(كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (٢٣) فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٢٤))

(كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ) [٢٣] أي صالحا حين أتاهم لدعوتهم إلى الإيمان (فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً) أي خلقا مثلنا (نَتَّبِعُهُ) في أمره وليس بملك طلبوا أن يكون من جنس أعلى من جنس البشر (إِنَّا إِذاً) أي إن اتبعناه (لَفِي ضَلالٍ) أي في خطأ من الهداية (وَسُعُرٍ) [٢٤] أي في جنون أو بعد من الحق.

(أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ (٢٥) سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ (٢٦))

ثم قالوا استهزاء (أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ) أي أأنزل الوحي (عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا) ونحن أحق به منه (بَلْ هُوَ كَذَّابٌ) في قوله (أَشِرٌ) [٢٥] أي متكبر على الخلق حمله تعظمه على ادعاء ذلك فقال تعالى (سَيَعْلَمُونَ) بالتاء على حكاية جواب صالح لهم والياء (٥)(غَداً) أي يوم القيامة (مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ) [٢٦] أي هم أم صالح.

(إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ (٢٧))

ثم سئلوا منه بأن يخرج لهم ناقة من الحجر فدعا ربه فأوحي إليه (إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ) أي مخرجوها من الحجر

__________________

(١) هذا الرأي مأخوذ عن السمرقندي ، ٣ / ٢٩٩.

(٢) روي أن كتب الأولين ... إلى آخرها ، ح : ـ وي. نقله المؤلف عن الكشاف ، ٦ / ٥٧ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٢٦٣.

(٣) عن مقاتل ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٣٠٠.

(٤) عن الكلبي ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٣٠٠.

(٥) «سيعلمون» : قرأ الشامي وحمزة بتاء الخطاب ، وغيرهما بياء الغيبة. البدور الزاهرة ، ٣٠٩.

١٦٧

(فِتْنَةً لَهُمْ) أي بلية بهم (فَارْتَقِبْهُمْ) أي انتظر يا صالح هلاكهم (وَاصْطَبِرْ) [٢٧] على أذاهم.

(وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ (٢٨) فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ (٢٩))

(وَنَبِّئْهُمْ) أي أخبرهم (أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ) أي مقسوم (بَيْنَهُمْ) وبين الناقة ، يوم لهم ويوم للناقة (كُلُّ شِرْبٍ) أي كل نصيب من الماء (مُحْتَضَرٌ) [٢٨] أي يحضره من نوبته الشرب منهم دون الناقة أو الناقة بنوبتها دونهم فهموا بقتلها (فَنادَوْا) أي نادى مصدع وأتباعه (صاحِبَهُمْ) أي قدار بن سالف (فَتَعاطى) أي أخذ السيف تشجعا (فَعَقَرَ) [٢٩] الناقة ، أي قتلها بقوتهم.

(فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٣٠) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ (٣١))

(فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ) [٣٠] أي أهلكتهم فكيف تعذيبي وإنذاري لهم (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً) أي صيحة جبرائيل (فَكانُوا) أي صاروا (كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ) [٣١] بكسر الظاء ، أي كحشيش الرجل الذي يجمعه ويجعله حظيرة لغنمه فداسته الغنم فتكسر من يبسه.

(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٣٢) كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (٣٣) إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلاَّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ (٣٤))

(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) أي للحفظ والاتعاظ (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [٣٢](كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ) [٣٣] أي بالرسل ، لأنهم قالوا لا نؤمن بك وبمثلك فأهلكهم الله تعالى ، وهو (١) قوله (إِنَّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً) أي ريحا ترميهم بحجارة دون ملء الكف وهي الحصباء (إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ) [٣٤] أي وقت السحر من العذاب وهم لوط وابنتاه ، وصرف «سحر» لأنه نكرة ولو عرف بالقصد لمنع من الصرف للعدل والتعريف ، أن حقه أن يستعمل حينئذ بالألف واللام إلا أنه عدل عن ذلك.

(نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (٣٥))

قوله (نِعْمَةً) مصدر أو مفعول له ، أي للإنعام عليهم (مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ) [٣٥](٢) نعمتنا بالإيمان في الدارين.

(وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنا فَتَمارَوْا بِالنُّذُرِ (٣٦) وَلَقَدْ راوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (٣٧) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ (٣٨))

(وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ) أي خوفهم لوط (بَطْشَتَنا) أي أخذتنا بالعذاب (فَتَمارَوْا) أي تجادلوا وكذبوا (بِالنُّذُرِ) [٣٦] أي بلوط والرسل الذين أخبروهم أنه نازل بهم (وَلَقَدْ راوَدُوهُ) أي طلبوا من لوط المخادعة (عَنْ ضَيْفِهِ) وهم الملائكة ومعهم جبرائيل عليه‌السلام ليخبثوا بهم فصدهم وأغلق بابه على ضيفه فعالجوا فتحه ، فقالت (٣) الملائكة خل بيننا وبينهم ففتحه فصفقهم ، أي ضربهم جبرائيل بجناحه صفقة (فَطَمَسْنا أَعْيُنَهُمْ) أي أذهبناها وجعلناها بلا شق فلم يروا طريقهم فأخرجهم لوط من بيته (فَذُوقُوا) أي فقلنا لهم ذوقوا (عَذابِي وَنُذُرِ [٣٧] وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً) أي أخذهم وقت الصبح (عَذابٌ مُسْتَقِرٌّ) [٣٨] أي دائم متصل بعذاب الآخرة.

(فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ (٣٩) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٤٠) وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (٤١))

(فَذُوقُوا) أي فقيل لهم ذوقوا (عَذابِي وَنُذُرِ) [٣٩](وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ) أي للحفظ والاتعاظ (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [٤٠] أي طالب لحفظه (٤) والاتعاظ به.

__________________

(١) وهو ، وي : ـ ح.

(٢) من شكر ، + ح.

(٣) فقالت ، وي : وقال ، ح.

(٤) لحفظه ، وي : للحفظ ، ح.

١٦٨

وفائدة تكرير قوله «فَذُوقُوا» ، «وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ» أن يجددوا عند استماعه الاتعاظ والاستيقاظ لئلا يغلبهم السهو والنسيان ولا يستولي عليهم الغفلة عن تلك العبرات الملينة للقلوب المنبهة لها في كل أوان.

(وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ) [٤١] أي موسى وهرون أو هما أو غيرهما من الأنبياء لعرضهما عليهم ما أنذر به الرسل.

(كَذَّبُوا بِآياتِنا كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (٤٢))

(كَذَّبُوا بِآياتِنا) أي الآيات التسع (كُلِّها فَأَخَذْناهُمْ) بالعذاب عند التكذيب (أَخْذَ عَزِيزٍ) أي منتقم (مُقْتَدِرٍ) [٤٢] أي قادر على تعذيبهم لا يعجزه شيء.

(أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ فِي الزُّبُرِ (٤٣))

(أَكُفَّارُكُمْ) يا قريش (خَيْرٌ) أي أشد وأعظم (مِنْ أُولئِكُمْ) أي من الذين ذكرناهم إياكم من قوم نوح إلى فرعون ومع شدتهم وعظمتهم أهلكناهم فكيف أنتم (أَمْ لَكُمْ بَراءَةٌ) أي ألكم براءة نجاة (فِي الزُّبُرِ) [٤٣] أي في الكتب المتقدمة أن لا تعذبوا فآمنتم بتلك البراءة والمراد به الإنكار.

(أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ (٤٤) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥))

(أَمْ يَقُولُونَ) بالياء ، أي أيقولون جهلا منهم وعنادا (نَحْنُ جَمِيعٌ) أي جمع (مُنْتَصِرٌ) [٤٤] أي ممتنع يجمعنا من محمد وأصحابه أو من العذاب ، والاستفهام تقرير لقولهم ، لأن أبا جهل قال يوم بدر إنا جمع منتصر فركب على فرسه وتقدم في الصف ، فقال تعالى قبل ذلك بمكة (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ) أي جمع المشركين في الحرب (وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) [٤٥](١) أي ينصرفون عن الحرب خلفهم منهزمين وينصر رسوله فهزموا يوم بدر ، فوافق الخبر الواقع فصار هذا من علامات النبوة لمحمد عليه‌السلام.

(بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهى وَأَمَرُّ (٤٦))

(بَلِ السَّاعَةُ) أي هم هزموا ببدر بل الساعة ، أي القيامة (مَوْعِدُهُمْ) بأشد العذاب (وَالسَّاعَةُ) أي وعذابها (أَدْهى) أي أعظم بلية ، والداهية المنكر الذي لا يهتدى أن يدفع (وَأَمَرُّ) [٤٦] أي أوجع من عذاب الدنيا.

(إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ (٤٧) يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ (٤٨))

(إِنَّ الْمُجْرِمِينَ) أي المشركين (فِي ضَلالٍ) أي في هلاك (وَسُعُرٍ) [٤٧] أي في نار مسعرة في الآخرة ، قوله (يَوْمَ يُسْحَبُونَ) ظرف ل (سُعُرٍ) ، أي هم في سعر يوم يجرون (فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ) ويقال لهم (ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) [٤٨] أي عذابها ، و (سَقَرَ) اسم لجهنم منعت من الصرف للعجمة والعلمية والتأنيث.

(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ (٤٩))

(إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) [٤٩] حال من (كُلَّ) ، أي خلقنا كل شيء مقدرا محكما مرتبا على شكل يوافقه كما يقتضيه الحكمة أو مقدرا موافقا بما كتب في اللوح قد علمنا حاله وزمانه قبل خلقه فنصب (كُلَّ) بفعل مقدر يفسره ما بعده.

(وَما أَمْرُنا إِلاَّ واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ (٥٠))

(وَما أَمْرُنا) بشيء أردنا إيجاده (إِلَّا) كلمة (واحِدَةٌ) وهي (كُنْ فَيَكُونُ)(٢) سريعا (كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) [٥٠] أي كنظر البصر ورجعه ، بل هو أقرب منه فسرعة أمرنا بمجيء الساعة ليست إلا كطرف العين.

__________________

(١) الأدبار كما قال كلوا في بعض بطنكم يعني ، + ح.

(٢) البقرة (٢) ، ١١٧ ؛ آل عمران (٣) ، ٤٧ ، ٥٩ ؛ الأنعام (٦) ، ٧٣ ؛ النحل (١٦) ، ٤٠ ؛ مريم (١٩) ، ٣٥ ؛ يس (٣٦) ، ٨٢ ؛ غافر (٤٠) ، ٦٨.

١٦٩

(وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (٥١))

(وَلَقَدْ أَهْلَكْنا أَشْياعَكُمْ) أي أشباهكم في الكفر والتكذيب ممن قبلكم من الأمم حين كذبوا الرسل (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [٥١] أي معتبر يتعظ فيعلم أن ذلك حق ويخاف ويؤمن.

(وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ (٥٢) وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ (٥٣))

قوله (وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ) مبتدأ ، خبره (فِي الزُّبُرِ) [٥٢] أي كل شيء عمله العباد من خير وشر ثابت في الكتاب (١) ، يعني في دواوين الحفظة يحصي عليهم (وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ) من الذنب (مُسْتَطَرٌ) [٥٣] أي مكتوب في اللوح المحفوظ لا يفوت منه شيء.

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (٥٤))

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ) من الشرك والعمصية (فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ) [٥٤] أي في بساتين وأنهار جارية ، يسكنونها ويشربون من نهرها الماء واللبن والعسل والخمر واكتفى باسم الجنس لرعاية الفاصلة.

(فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (٥٥))

قوله (فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ) بدل من الخبر ، أي في مسكن طيب يستحسنه القلوب وترتضيه ، فأي منزلة أكرم من تلك المنزلة الجامعة كلها ، قوله (٢)(عِنْدَ مَلِيكٍ) حال ، أي مقربين عند عزيز الملك واسعة (مُقْتَدِرٍ) [٥٥] أي قادر على الثواب والعقاب وغيرهما ، وتنكيرهما للتعظيم.

__________________

(١) الكتاب ، وي : الزبر ، ح.

(٢) قوله ، وي : ـ ح.

١٧٠

سورة الرحمن

مكية أو مدنية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢))

قوله (الرَّحْمنُ) [١] نزل حين قال المشركون وما الرحمن ، ما نعرف الرحمن إلا مسيلمة الكذاب (١) ، فأخبر الله تعالى عن نفسه فقال الرحمن ، وهو آية عند البعض ، لأنه خبر مبتدأ محذوف ، أي الله الرحمن أو هو مبتدأ ، خبر (عَلَّمَ) أي الرحمن الذي أنكروه علم محمدا (الْقُرْآنَ) [٢] بانزال جبرائيل عليه‌السلام إياه وقراءته عليه ، قدم في تعديد الآية لتبكيب منكري الرحمن ما هو في أعلا مراتبها في الدين وهو تنزيل القرآن وتعليمه الذي هو سبب لإنشاء الإنسان.

(خَلَقَ الْإِنْسانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيانَ (٤))

ثم قال (خَلَقَ الْإِنْسانَ) [٣] أي الذي خلق آدم أو الجنس لدينه (عَلَّمَهُ الْبَيانَ) [٤] أي التكلم بالحروف ليتبين ما يقول وما يقال له ويتميز به عن سائر الحيوان.

(الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ (٥))

(الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبانٍ) [٥] أي الذي الشمس والقمر كائنان بحسبانه ، وتقديره : يجريان في بروجهما ومنازلهما المحدودة ليعرف الإنسان بذلك الشهور والسنين والحساب ، إذ له فيه منافع عظيمة.

(وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ (٦))

(وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدانِ) [٦] وإنما وسط العاطف هنا اعتبار للتناسب بينهما من حيث التفاضل بين السماوي والأرضي ، أي نجوم السماء وأشجار الأرض يسجدان له بكرة وعشيا سجودا يعلمه تعالى ، وقيل : سجودهما انقيادهما فيما خلقا له كانقياد المكلف فيما أمر به (٢) ، وقيل : النجم من النبات ما لم يقم على ساق كاليقطين والشجر ما قام على ساق منها كالباذنجان (٣).

(وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ (٧) أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزانِ (٨) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزانَ (٩))

(وَالسَّماءَ رَفَعَها) أي الذي رفع السماء سقفا لمصالح العباد حيث جعلها منشأ أحكامه ومسكن ملائكته النازلين بالوحي على أنبيائه ، وفيه تنبيه على كبرياء شأنه (وَوَضَعَ الْمِيزانَ) [٧] أي أنزله للعدل بين الناس وهو كل ما يوزن به ويكال ويذرع ، وذلك في زمان نوح عليه‌السلام ولم يكن قبل ذلك ميزان ، وعلل ذلك بقوله

__________________

(١) اختصره المؤلف من السمرقندي ، ٣ / ٣٠٤.

(٢) وهذا المعنى مأخوذ عن الكشاف ، ٦ / ٦١.

(٣) اختصره المولف من السمرقندي ، ٣ / ٣٠٤ ـ ٣٠٥ ؛ والبغوي ، ٥ / ٢٧٠ ـ ٢٧١.

١٧١

(أَلَّا تَطْغَوْا) أي لئلا تجوروا ، ويجوز أن يكون نهيا و «أن» مفسرة والقول مقدر ، أي قل لهم لا تجوروا (فِي الْمِيزانِ) [٨] سواء وزنتم أو اتزنتم ، وأكده بقوله (وَأَقِيمُوا) أي قوموا (الْوَزْنَ) للناس (بِالْقِسْطِ) أي بالعدل (وَلا تُخْسِرُوا) أي لا تنقصوا (الْمِيزانَ) [٩] أي الموزون الذي هو حق الناس ، خسر بالفتح وأخسر واحد.

(وَالْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ (١٠) فِيها فاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ (١١) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ (١٢))

(وَالْأَرْضَ وَضَعَها) أي الذي وضع الأرض ، يعني بسطها على الماء (لِلْأَنامِ) [١٠] أي للناس أو للإنس والجن (فِيها) أي في الأرض (فاكِهَةٌ) أي ضروب مما يتفكه به (وَ) فيها (النَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ) [١١] وهي أوعية ثمر النخل ، الواحد كم بكسر الكاف (وَ) فيها (الْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ) وهو ورق الزرع ، وقيل : التبن (١)(وَالرَّيْحانُ) [١٢] أي ذو الريحان وهو الرزق أو ما يشم ، وقرئ والحب ذا العصف والريحان بالنصب (٢) على تقدير خلق ، أي وخلق الحق والريحان بدلالة وضعها ، يعني خلق المذكورات لهم نعمة عليهم ليوحدوا الله تعالى ولا يشركوا به شيئا.

(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٣))

قوله (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [١٣] خطاب للثقلين بالإشارة إلى نعمه عليهم بدلالة الأنام عليهما ، أي فبأي نعمة من نعماء ربكما أيها الإنس والجن تتجاحدان أنها ليست منه تعالى ، وال (آلاءِ) جمع إلى كمعا وهي النعم الظاهرة كالتوحيد ، والنعماء النعم الباطنة كمعرفة القلب ، وكررت هذه الآية في هذه السورة تقريرا لنعمة الله وتذكيرا بها وتوبيخا لمنكريها ، روي : أن النبي عليه‌السلام قرأ سورة الرحمن على أصحابه فسكتوا ، فقال عليه‌السلام : «الجن كانوا أحسن منكم ردا ما قرأت عليهما فبأي آلاء ربكما تكذبان إلا قالوا : ولا نكذب بشيء من آلائك يا ربنا فلك الحمد» (٣).

(خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ (١٤))

(خَلَقَ الْإِنْسانَ) أي آدم (مِنْ صَلْصالٍ) أي من طين يابس يتصوت من يبسه ولا يرد عليه قوله (مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ)(٤) ، (مِنْ طِينٍ لازِبٍ)(٥) ، أي من تراب ، لأن الكل متفق في المعنى ، إذ هو يفيد أنه خلقه من تراب جعله طينا ثم حمأ مسنونا ثم صلصالا (كَالْفَخَّارِ) [١٤] أي كما يتصوت الفخار وهو الطين المطبوخ ، صفة (صَلْصالٍ).

(وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ (١٥))

(وَخَلَقَ الْجَانَّ) أي إبليس أو أبا الجن (٦)(مِنْ مارِجٍ) أي من (٧) لهب صاف من دخان فيه ، قوله (مِنْ نارٍ) [١٥] نعت (مارِجٍ) للبيان ، كأنه قيل من صاف من نار أو مختلط من نار ، وقيل : هي نار بين السماء وبين (٨) الحجاب الرقيق ، منها يكون البرق.

(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٦))

ثم قال (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [١٦] أي كيف تنكرون هذه النعمة انها ليست من الله ، فانه خلقكم أيها الإنسان من نفس واحدة ، وخلقكم أيها الجن من نفس واحدة فلا خالق لكم سواه.

__________________

(١) عن ابن عباس في رواية الوالي ، انظر البغوي ، ٥ / ٢٧١ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٣٠٥ (عن الضحاك).

(٢) «والحب ذو العصف والريحان» : قرأ ابن عامر بنصب الباء الموحدة والذال وألف بعدها تحذف وصلا وتثبت وقفا ، وبنصب النون والأخوان وخلف برفع الباء والذال وواو بعدها تحذف وصلا وتثبت وقفا وخفض النون ، والباقون برفع الثلاثة. البدور الزاهرة ، ٣١٠.

(٣) روى الترمذي نحوه ، تفسير القرآن ، ٥٥.

(٤) الحجر (١٥) ، ٢٦ ، ٢٨ ، ٣٣.

(٥) الصافات (٣٧) ، ١١.

(٦) أو أبا الجن ، و : وأبا الجن ، ي ، والجن ، ح.

(٧) من ، ح : ـ وي.

(٨) بين ، ح و : ـ ي.

١٧٢

(رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (١٨))

(رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ) أي هو رب مشرقي الصيف والشتاء (وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) [١٧] أي رب مغربيهما (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [١٨] فانكم حيث كنتم من مشارق الأرض ومغاربها تأكلون رزقه ويحفظكم وينصركم.

(مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ (١٩) بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ (٢٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢١))

(مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ) أي أرسلهما وهما الملح والعذب متجاوزين (يَلْتَقِيانِ) [١٩] أي يلتصقان في رأي العين (بَيْنَهُما بَرْزَخٌ) أي حائل من قدرته تعالى (لا يَبْغِيانِ) [٢٠] أي لا يختلطان بسبب الحائل لئلا يتغير طعمهما (١) ، وهو حاجز لطيف لا يراه الخلق أو لا يتجاوزان حديهما ليغرقا الناس (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [٢١] بأنه خلق البحرين لمنافعكم وأظهر قدرته بهما لتعتبروا وتوحدوه ، فكيف تنكرونه.

(يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ (٢٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٣))

قرئ (يَخْرُجُ) معلوما ومجهولا (٢)(مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ) [٢٢] والمراد الصغار والكبار ، ونسب الإخراج إلى البحرين وإن أخرج من الملح وحده لا لتصاقهما في رأي العين فكأنهما واحد ، قيل : «إذا أمطرت السماء فتحت الأصداف أفواهها ، فإذا وقعت فيها قطرة صارت لؤلؤة بقدرته تعالى» (٣)(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [٢٣] بأن هذه النعمة ليست منه تعالى.

(وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٢٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٥))

(وَلَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ) بالكسر ، أي لله السفن المحدثات السير ، وبالفتح (٤) ، أي أحدثها غيرها بأمره تعالى وإرادته ، وقيل : هي مرفوعات الشرع (٥) ، وهي الطرق العظيمة المرتفعة على الماء (فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ) [٢٤] أي كالجبال عظما وارتفاعا ، جمع علم وهو الجبل الطويل ، يعني السفن التي تسير في البحر مشبهة بالجبال في البر ، كلاهما خلقا لمنفعة الخلق (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [٢٥] أي فكيف تنكرون هذه النعمة بأنها ليست من الله تعالى.

(كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (٢٦) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٢٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٢٨))

(كُلُّ مَنْ عَلَيْها) أي كل شيء من الإنس والجن والحيوان على الأرض (فانٍ) [٢٦] أي يفني ولا يبقى (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ) أي ذاته تعالى (ذُو الْجَلالِ)(٦) الذي يجلله وينزهه الموحدون عن سمات المحدثان (وَ) ذو (الْإِكْرامِ) [٢٧](٧) الذي يكرم عباده بأنعمه عليهم ويتجاوز عن سيئاتهم بكرمه (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [٢٨] أي كيف تنكرون هذا الكرم منه ، إذ الغناء نعمة عظيمة يجيء عقيبها وقت الجزاء.

(يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (٢٩) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٠))

(يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ) أي الملائكة القوة على عبادته (وَ) من في (الْأَرْضِ) الرزق والمغفرة وهم الإنس والجن ، فكلهم يفتقرون إليه دينا ودنيا (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) [٢٩] أي في كل يوم لا يخلو عن إحداث أمر من الأمور وتجديد حال من الأحوال ، يعني يعطي ويمنع ويحيي ويميت ويعز ويذل ويثيب ويعاقب ، وهو رد لقول اليهود حيث قالوا إن الله لا يقضي يوم السبت شيئا (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [٣٠] أي كيف تنركونه وأنتم تحتاجون إليه في كل حال.

__________________

(١) طعمهما ، وي : طعمها ، ح.

(٢) «يخرج» : قرأ المدنيان والبصريان بضم الياء وفتح الراء وغيرهم بفتح الياء وضم الراء. البدور الزاهرة ، ٣١٠.

(٣) عن ابن جريج ، انظر البغوي ، ٥ / ٢٧٣.

(٤) «المنشآت» : قرأ حمزة وشعبة بخلف عنه بكسر الشين وغيرهما بفتحها. البدور الزاهرة ، ٣١٠.

(٥) أخذه عن الكشاف ، ٦ / ٦٤ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٢٧٤.

(٦) أي ، + ح.

(٧) أي ، + ح.

١٧٣

(سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ (٣١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٢))

(سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ) [٣١] بفتح الهاء وضمها (١) ، هذا وعيد للإنس والجن بالمبالغة لا الفراع (٢) من الشغل ، لأنه تعالى لا يشغله شأن عن شأن ، أي سنحفظ (٣) عليكم أعمالكم فنجازيكم (٤) بذلك حق الجزاء بحيث لا يكون لي شغل سواه ، وسموا بالثقلين لأنهم ثقل الأرض أحياء وأمواتا أو لعظم قدرهم في الأرض كما في الحديث : «خلفت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي» (٥). (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [٣٢] أي كيف تنكرون من هو يجازيكم بأعمالكم ويثيبكم بحسناتكم.

(يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطانٍ (٣٣) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٤))

(يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) هو كالتفسير لقوله «أَيُّهَ الثَّقَلانِ» (إِنِ اسْتَطَعْتُمْ) أي تخرجوا (أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي من جوانبهما هربا من الموت أو من النار (فَانْفُذُوا) أي أخرجوا ، قيل : يقال لهم هذا القول يوم القيامة تعجيزا (٦) ، ولا نفي في قوله (لا تَنْفُذُونَ) أي لا تطيقون النفوذ ، يعني الخروج في جهة ما (إِلَّا بِسُلْطانٍ) [٣٣] أي بقوة وقهر من الله تعالى وإني لكم ذلك ، روي : أن الملائكة تنزل فتحيط بجميع الخلائق ، فاذا رآهم الجنة والإنس هربوا فلا يأتون وجها إلا وجدوا الملائكة أحاطت به (٧)(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [٣٤] أي كيف تنكرون من بين لكم أهوال يوم القيامة ولا يغيثكم أحد غيره.

(يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ (٣٥) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٦))

(يُرْسَلُ عَلَيْكُما) ثني هنا نظرا إلى اللفظ وجمع ف ي استعطعتم نظرا إلى معنى «الثقلين» ، أي يرسل عليكما يا كفار الإنس والجن إذا خرجتم من قبوركم (شُواظٌ) بضم الشين والكسر (٨) ، أي لهب خالص (مِنْ نارٍ) يصب على رؤوسكما (وَنُحاسٌ) بالرفع عطفا على (شُواظٌ) ، وبالجر (٩) عطفا على (نارٍ) ، أي الصفر المذاب وتساقان إلى المحشر (فَلا تَنْتَصِرانِ) [٣٥] أي لا تمتنعان من ذلك العذاب (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [٣٦] أي فكيف تنكرون قدرته وتوحيده وهو يحفظكم عن ذلك يومئذ فعليكم أن توحدوه.

(فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ (٣٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٣٨))

(فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ) أي انفرجت من حر جهنم بعد البعث أو من نزول الملائكة (فَكانَتْ وَرْدَةً) أي كلون وردة من حمرة وصفرة وبياض أو كلون فرس ورد وهو الأبيض بضرب إلى الحمرة أو الصفرة ، يعني يتغير لونها في كل وقت (كَالدِّهانِ) [٣٧] أي كعصير الزيت وهو يتلون في ساعة واحدة ألوانا ، وقيل : «الدهان» الأديم الأحمر الذي يختلف ألوانه (١٠) أو هو دهن الورد الصافي ، يعني تصير السماء من هيبة ذلك اليوم ذائبة حين يصيبها حر جهنم كدهن الورد الصافي (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [٣٨] أي فكيف تنكرون من هو بهذه الهيبة وهو ينجيكم من شدة عذابه يومئذ.

__________________

(١) «أيه» : قرأ ابن عامر بضم الهاء وصلا ، وغيره بفتحها كذلك فان وقف عليه فالبصريان والكسائي بالألف ، وغيرهم على الهاء مسكنة. البدور الزاهرة ، ٣١١.

(٢) الفراغ ، ح و : لفراغ ، ي.

(٣) سنحفظ ، و : سيحفظ ، ح ي ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٣٠٧.

(٤) فنجازيكم ، و : فيجازيكم ، ح ي ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٣٠٧.

(٥) أخرجه أحمد بن حنبل ، ٣ / ١٤ ؛ وروى مسلم نحوه ، فضائل الصحابة ، ٣٦ ، ٣٧ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٢٧٥.

(٦) هذا الرأي مأخوذ عن البغوي مختصرا ، ٥ / ٢٧٦.

(٧) قد أخذه المفسر عن الكشاف ، ٦ / ٦٥.

(٨) «شواظ» : كسر الشين المكي ، وضمها غيره. البدور الزاهرة ، ٣١١.

(٩) «نحاس» : قرأ ابن كثير وأبو عمرو وروح بخفض السين ، والباقون برفعها. البدور الزاهرة ، ٣١١.

(١٠) وهذا المعنى منقول عن السمرقندي ، ٣ / ٣٠٩.

١٧٤

(فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ (٣٩) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٠))

(فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ) أي عن عمله القبيح (إِنْسٌ وَلا جَانٌّ) [٣٩] لأنهم يعرفون بعلامة فيهم وهي سواد الوجوه وزرقة العيون كما يعرف الصالح بغرته وتحجيله ، يعني ببياض وجهه وبياض أرجله ، قيل : يسأل للتوبيخ لا ليعلم من جهته (١) ، وقيل : «يسأل في بعض المواطن دون بعض» (٢)(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [٤٠] أي فانه ينجيكم من شدة السؤال والحساب يومئذ فكيف تنكرونه.

(يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ (٤١) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٢))

(يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ) أي بسواد وجوههم وزرقة عيونهم (فَيُؤْخَذُ) المجرم (بِالنَّواصِي) جمع الناصية وهي قصاص الشعر (وَالْأَقْدامِ) [٤١] أي يؤخذ تارة بالنواصي وتارة بالأقدام فيسحبون على وجوههم إلى النار (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [٤٢] أي إنه يدفع عنكم العذاب الشديد إن آمنتم به ، فكيف تنكرونه ويقال لهم إذا دنوا من النار :

(هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ (٤٣) يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (٤٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٥))

(هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ) [٤٣] في الدنيا ، أي أنتم ، ثم أخبر عن حالهم في جهنم بقوله (يَطُوفُونَ بَيْنَها) في محل النصب على الحال من المجرمين ، أي يسعون بين الجحيم (وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) [٤٤] أي ماء حار شديد الحرارة فيعذبون بهما ، قيل : عند الجوع يؤتى بهم إلى الزقوم النابت في جهنم الذي طلعه كرؤوس الشياطين فيأخذ حلقهم إذا أكلوا ، وعند العطش يؤتى بهم إلى الحميم فيشربون منه فيغلي أجوافهم (٣) ، وفيه دليل على أن الحميم خارج من جهنم (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [٤٥] أي إنه ينجيكم من هذه الغصة بالإيمان به والإنذار منه قبل الابتلاء بها لطفا عظيما ، فكيف تنكرونه.

(وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ (٤٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٧))

ثم أخبر تعالى عن حال من آمن به واتقاه في الدنيا وأطاع أمره ولم يعصه بقوله (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ) أي لمن علم البعث فخاف قيامه لدى ربه للحساب فترك المعصية وأطاعه أو ال (مَقامَ) مقحم كما يقال أخاف جانب فلان (جَنَّتانِ) [٤٦] جنة عدن وجنة النعيم أو جنة لفعل الطاعة وجنة لترك المعصية (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [٤٧] أي إنه يدخلكم الجنة كما وعد فكيف تنكرونه ولا تطيعونه.

(ذَواتا أَفْنانٍ (٤٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٩))

قوله (ذَواتا أَفْنانٍ) [٤٨] خبر مبتدأ محذوف ، أي هما ذواتا أغصان ، جمع فنن وهو الغصن أو ذواتا ألوان من كل شيء جمع فن (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [٤٩] أي إنه قدر لكم هذه النعمة الوافرة والراحة ، فكيف تنكرونه.

(فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ (٥٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥١) فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ (٥٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٣))

(فِيهِما) أي في الجنتين (عَيْنانِ تَجْرِيانِ) [٥٠] في الأسافل والأعالي بالماء الزلال التسنيم والسلسبيل (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ [٥١] فِيهِما) أي في الجنتين (مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ) في الدنيا أو من كل لون (٤) من الفاكهة (زَوْجانِ) [٥٢] أي صنفان ، الحلو والخامض أو المعروف والغريب (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [٥٣].

__________________

(١) هذا القول مأخوذ عن السمرقندي ، ٣ / ٣٠٩.

(٢) عن عكرمة ، انظر البغوي ، ٥ / ٢٧٨.

(٣) أخذه المصنف عن السمرقندي مختصرا ، ٣ / ٣٠٩.

(٤) من نوع ، ي : ـ ح و.

١٧٥

(مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ (٥٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٥) فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٥٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٧) كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَالْمَرْجانُ (٥٨))

قوله (مُتَّكِئِينَ) نصب على المدح لهم أو حال من الخائفين مقام ربهم ، أي ناعمين (عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ) وهو الديباج الأخضر الغليظ وظهائرها من سندس وهو الديباج الرقيق (وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ) أي ثمرهما (١)(دانٍ) [٥٤] أي قريب التناول للقائم والقاعد والنائم (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ [٥٥] فِيهِنَّ) أي في أعالي الجنتين وأسافلهما من الزوجات (قاصِراتُ الطَّرْفِ) أي نساء من الإنس والجن والحور غاضات البصر عن النظر إلى غير أزواجهن (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ) بضم الميم وكسرها (٢) ، من الطمث وهو الوطئ بتدمية ، والمراد هنا المس والجماع ، أي لم يمسسهن (إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ) [٥٦] فيه دليل على أن الجني يجامع ، وإنما قال لم يطمثهن إن أريد بهن نساء الدنيا ، لأنه لم يجامعهن مذ نشأت في هذه الخلقة وإن أريد بهن الحور فلأنهن خلقن في الجنة (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ [٥٦] كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ) في الصفاء (وَالْمَرْجانُ) [٥٨] في البياض ، قيل : «إن الحوراء تلبس سبعين حلة فيرى مخ ساقها من ورائها كما يرى الشراب الأحمر في الزجاجة البضاء» (٣).

(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٥٩) هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ (٦٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦١) وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ (٦٢))

(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ [٥٩] هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ) في العمل (إِلَّا الْإِحْسانُ) [٦٠] أي ما جزاء من أحسن في الدنيا (٤) بالتوحيد (٥) ، وهو قول لا إله إلا الله والعمل بما جاء به رسوله إلا أن يحسن إليه في الآخرة بالثواب وهو الجنة (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ [٦١] وَمِنْ دُونِهِما) أي ومما قرب من الجنتين المنعوتتين في الفضيلة (جَنَّتانِ) [٦٢] أخريان الأوليان للسابقين والأخريان للتابعين أو ما في الأوليين من ذهب وما في الأخريين من فضة ، والظاهر أن الأربع لمن خاف مقام ربه فيعطى كل منهم على قدره منهن.

(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٣) مُدْهامَّتانِ (٦٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٥) فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ (٦٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٧))

(فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ (٦٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٦٩) فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ (٧٠) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧١))

(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ [٦٣] مُدْهامَّتانِ) [٦٤] أي خضراوتان يضرب خضرتهما إلى السواد لشدتها ، اسم فاعل من ادهام (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ [٦٥] فِيهِما عَيْنانِ نَضَّاخَتانِ) [٦٦] أي فوارتان بالماء لا ينقطعان (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ [٦٧] فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ) [٦٨] خصص ذكرها بالعطف وإن كانا من الفاكهة لفضلهما ، وقال أبو حنيفة رحمه‌الله ليسا من الفاكهة ، فلو حلف رجل أن لا يأكل فاكهة فأكل تمرا أو رمانا لم يحنث ، وكذا الحكم عنده في العنب خلافا لصاحبيه وغيرهما (٦)(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ [٦٩] فِيهِنَّ خَيْراتٌ

__________________

(١) أي ثمرهما ، وي : أي ثمرها ، ح.

(٢) «لم يطمثهن» معا : وللكسائي ثلاثة مذاهب : المذهب الأول ضم اللفظ الأول وكسر الثاني من رواية الدوري وكسر الأول وضم الثاني من رواية أبي الحارث ... أو ضم الأول وكسر الثاني فيكون موافقا له فيهما وهذا هو المذهب الثاني ... والمذهب الثالث التخيير لكل من الراويين في ضم أحدهما بمعنى أنه إذا ضم الأول كسر الثاني وإذا كسر الأول ضم الثاني ... ويؤخذ من مجموع المذاهب الثلاثة أنه لا يجوز للدوري ولا لأبي الحارث ضمهما معا ولا كسرهما معا بل لا بد من التخالف بينهما في الضم والكسر ، فاذا ضم الأول تعين كسر الثاني وبالعكس. قال علماء القراءات وإذا أردت قراءتهما للكسائي وجمعهما في التلاوة فاقرأ الأول بالضم ثم الكسر والثاني بالكسر ثم الضم وقرأ الباقون بالكسر فيهما قولا واحدا. البدور الزاهرة ، ٣١١.

(٣) عن عمرو بن ميمون ، انظر البغوي ، ٥ / ٢٨٣.

(٤) في الدنيا ، وي : ـ ح.

(٥) بالتوحيد ، وي : في التوحيد ، ح.

(٦) هذه الآراء مأخوذة عن الكشاف ، ٦ / ٦٨.

١٧٦

حِسانٌ) [٧٠] أي في الجنان كلها زوجات خيرات الأخلاق حسان الوجوه (١) ، أصله خيرات بالتشديد ، وليس بجمع خير بمعنى أخير ، لأنه لا يجمع (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [٧١].

(حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ (٧٢) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٣) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ (٧٤) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٥))

قوله (حُورٌ مَقْصُوراتٌ) بدل من (خَيْراتٌ) ، أي فيهن حور مستورات لا ينظرن إلى غير أزواجهن (فِي الْخِيامِ) [٧٢] جمع خيمة وهي لؤلؤة مجوفة (٢) فرسخا في فرسخ لها أربعة آلاف مصراع من ذهب في كل زاوية منها أهل ما يرون الآخرين يطوف عليهم المؤمن (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ [٧٣] لَمْ يَطْمِثْهُنَّ) بضم الميم وكسرها (٣) أيضا ، أي لم يجامعهن (إِنْسٌ قَبْلَهُمْ) أي قبل أصحاب (٤) الجنتين (وَلا جَانٌّ [٧٤] فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) [٧٥].

(مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ (٧٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٧٧) تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ (٧٨))

قوله (مُتَّكِئِينَ) نصب على الاختصاص لا على الحال لانقطاعه عما قبله ، أي ناعمين (عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ) أي على وسائد على السرر ، وقيل : ضرب من البسط (٥)(وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ) [٧٦] أي وعلى بسط نفيس منسوب إلى عبقري وهو بلد الجن ينسب إليه كل شيء عجيب أو العبقري كل موشى ومنقش عند العرب وليس بنسبة فهو ككرسي (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ [٧٧] تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ) أي تعاظم ربك عن أن يكون له شريك في خلق الأشياء من النعم وغيرها ، وال (اسْمُ) مقحم ، قوله (ذِي الْجَلالِ) بالرفع صفة (اسْمُ) وبالجر (٦) صفة (رَبِّكَ) ، أي ذو ارتفاع القدر من سمات المحدثات (وَ) ذو (الْإِكْرامِ) [٧٨] أي الذي يكرم عبيده الموحدين بالتجاوز عن السيئات ورفع الدرجات.

__________________

(١) الوجوه ، ح و : الوجه ، ي.

(٢) لؤلؤة مجوفة ، و : لؤلؤ مجوفة ، ي ، اللؤلؤة المجوفة ، ح.

(٣) راجع في هذه القراءة إلى قوله تعالى : «فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ». رقم الآية (٥٦) من هذه السورة.

(٤) أصحاب ، وي : أهل ، ح.

(٥) وهو قول الحسن ومقاتل والقرظي ، انظر البغوي ، ٥ / ٢٨٥.

(٦) «ذي الجلال» : قرأ ابن عامر بضم الذال وواو بعدها ، وغيره يكسر الذال وياء بعدها ، وظاهر أن الواو والياء يحذفان وصلا ويثبتان وقفا. البدور الزاهرة ، ٣١١.

١٧٧

سورة الواقعة

مكية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١) لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (٢) خافِضَةٌ رافِعَةٌ (٣))

(إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) [١] أي إذا قامت القيامة وسميت واقعة ، لأنها تقع لا محالة (لَيْسَ لِوَقْعَتِها) لمجيئها (كاذِبَةٌ) [٢] أي نفس تكذبها ، لأن كل نفس حينئذ مؤمنة صادقة أو مصدر بمعنى التكذيب كالعافية ، والعامل في «إِذا» «لَيْسَ» أو اذكر مضمرا (خافِضَةٌ رافِعَةٌ) [٣] أي هي تخفض أقواما في النار وترفع أقواما في الجنة.

(إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (٤) وَبُسَّتِ الْجِبالُ بَسًّا (٥) فَكانَتْ هَباءً مُنْبَثًّا (٦))

قوله (إِذا رُجَّتِ الْأَرْضُ) بدل من (إِذا) ، أي إذا (١) زلزلت (رَجًّا) [٤] أي زلزلة لا تسكن حتى تلقي جميع ما في بطنها على ظهرها (وَبُسَّتِ الْجِبالُ) أي فتتت وكسرت (بَسًّا) [٥] أي فتا وكسرا (فَكانَتْ) أي فصارت (هَباءً) أي غبارا خفيفا (مُنْبَثًّا) [٦] أي منتشرا.

(وَكُنْتُمْ أَزْواجاً ثَلاثَةً (٧) فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (٨) وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ (٩))

(وَكُنْتُمْ) للاستقبال ، أي وستكون في يوم وقعت القيامة (أَزْواجاً ثَلاثَةً) [٧] أي ثلاثة أصناف ، اثنان في الجنة وواحد في النار ، ثم فسر الأزواج الثلاثة بقوله (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) أي الذين يعطون كتابهم بإيمانهم ، مبتدأ ، خبره (ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ) [٨] و (الْمَيْمَنَةِ) من اليمن وهو البركة ، والمراد منها الطاعة ، أي ما تدري ما أصحاب الميمنة ، يعني ما لهم من الخير والكرامة يومئذ ، وهذا الضرب من الكلام يجري مجرى التعجب ، أي أي شيء هم في العزة والإجلال (وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) أي الذين يعطون كتابهم بشمالهم (ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ) [٩] أي لا تدري ما لهم من الذل والعذاب ، و (الْمَشْئَمَةِ) من الشؤم والمراد منها المعصية ، وقيل : يؤخذ بأهل الجنة ذات اليمين وبأهل النار ذات الشمال (٢).

(وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (١٠) أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (١١) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (١٢) ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤) عَلى سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ (١٥) مُتَّكِئِينَ عَلَيْها مُتَقابِلِينَ (١٦))

(وَالسَّابِقُونَ) إلى الجنة أو (السَّابِقُونَ) الثاني تأكيد للأول المبتدأ ، كرر تعظيما لهم بذكر الخبر عنهم ، والخبر (السَّابِقُونَ [١٠] أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) [١١] عند الله (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) [١٢] أي في درجاتها العلى ، قوله (ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ [١٣] وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ) [١٤] تفصيل ل «السابقين» مع ذكر أوصافهم في الجنة ، وهي خبر مبتدأ محذوف ، أي السابقون جماعة من الأولين ، يعني من أول هذه الأمة كالصحابة والتابعين وقليل من

__________________

(١) إذا ، ح : ـ وي.

(٢) هذا الرأي مأخوذ عن الكشاف ، ٦ / ٧١.

١٧٨

الآخرين ، أي السابقون قليلون من آخر هذه الأمة (عَلى سُرُرٍ) أي الفريقان من السابقين في الجنة على سرر (مَوْضُونَةٍ) [١٥] أي منسوجة بالدار والياقوت والجواهر بعضها أدخل في بعض كالحصير المرمول والدرع المسرود (مُتَّكِئِينَ) أي ناعمين (عَلَيْها مُتَقابِلِينَ) [١٦] أي لا ينظر بعضهم إلى قفاء بعض.

(يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ (١٧) بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (١٨) لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ (١٩))

(يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ) [١٧] أي مبقون على سن واحد في شكل الأولاد أبدا للخدمة بهم ، وقيل : «أولاد أهل الدنيا لم يكن لهم حسنات فيثابوا عليها ولا سيئات فيعاقبوا عليها» (١)(بِأَكْوابٍ) أي يوطف عليهم ولدان بآنية لا عرى لها (وَأَبارِيقَ) أي آنية لها عرى وخراطيم (وَكَأْسٍ) أي وبكأس ، وهو قدح مملوء تشربونه من خمر جارية (مِنْ مَعِينٍ) [١٨] أي منبع لا ينقطع أبدا (لا يُصَدَّعُونَ عَنْها) أي لا يصدع رؤوسهم بشرب الخمر في الآخرة كخمر الدنيا (وَلا يُنْزِفُونَ) [١٩] معلوما ومجهولا (٢) ، من أنزف إذا ذهب ، أي لا تذهب عقولهم بشربها كما كانت تذهب في الدنيا.

(وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (٢٠) وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢١))

قوله (وَفاكِهَةٍ) عطف على (بِأَكْوابٍ) ، أي يطوف عليهم ولدان بفاكهة (مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ) [٢٠] أي يختارون من ألوانها (وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) [٢١] أي يتمنون مشويا أو مطبوخا ، قيل : «إذا خطر ذلك على قلب أحد منهم يجاء به على ما اشتهى» (٣) أو يقع على الصحفة (٤) ، أي القصعة (٥) ، فيأكل منه ما اشتهى ثم يطير.

(وَحُورٌ عِينٌ (٢٢) كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (٢٣) جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤))

قوله (وَحُورٌ عِينٌ) [٢٢] بالجر عطف على «أكواب» ، أي يطوف عليهم ولدان مخلدون بحور عين تكرمة لهم كما يجيء الجواري للملوك بالغلمان أو الجر على المجاورة والمراد الرفع وبالرفع (٦) عطف على (وِلْدانٌ) ، أي يطوف عليهم حور حين أيضا (كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) [٢٣] أي المستور في الصدف لم تمسه الأيدي (جَزاءً) أي للجزاء (بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) [٢٤] من الحسنات.

(لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً (٢٥) إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً (٢٦) وَأَصْحابُ الْيَمِينِ ما أَصْحابُ الْيَمِينِ (٢٧))

(لا يَسْمَعُونَ فِيها) أي في الجنة عند شرب الخمر (لَغْواً) أي باطلا (وَلا تَأْثِيماً) [٢٥] أي ولا ما يحدث الإثم (إِلَّا قِيلاً) أي قولا (سَلاماً سَلاماً) [٢٦] أي سلاما بعد سلام ، يعني يسلم بعضهم بعضا بالإفشاء ويسلم الملائكة عليهم فوجا فوجا بأمر الله تعالى تكرمة لهم فالاستثناء منقطع ، أي لكنهم يسمعون فيها قولا و (سَلاماً سَلاماً) بدل منه (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ) هذا ذكر الصنف الثاني بقوله (وَأَصْحابُ الْيَمِينِ) ، أي الذين كانوا على يمين آدم يوم الميثاق (ما أَصْحابُ الْيَمِينِ) [٢٧] أي لا تدري ما لهم من الخير والكرامة بسبب التوحيد والطاعة.

__________________

(١) عن الحسن ، انظر البغوي ، ٥ / ٢٨٩ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٦ / ٧٢.

(٢) «ينزفون» : قرأ الكوفيون بكسر الزاي ، وغيرهم بفتحها ، واتفق العشرة على ضم الياء فيه. البدور الزاهرة ، ٣١٢.

(٣) ذكر ابن عباس نحوه ، انظر البغوي ، ٥ / ٢٨٩.

(٤) الصحفة ، ح : ـ وي.

(٥) أي القصعة ، ح : ـ وي.

(٦) «وحور عين» : قرأ الأخوان وأبو جعفر بخفض الراء من «حور» ، والنون من «عين» ، والباقون برفعهما. البدور الزاهرة ، ٣١٢.

١٧٩

(فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (٢٨) وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ (٢٩) وَظِلٍّ مَمْدُودٍ (٣٠) وَماءٍ مَسْكُوبٍ (٣١) وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (٣٢) لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ (٣٣) وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ (٣٤))

ثم بين حالهم فقال هم (فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ) [٢٨] أي مقطوع من الشوك مملوء الحمل وهو شجر النبق ثمر معروف محبوب عند العرب (وَطَلْحٍ) أي هم في موز (مَنْضُودٍ) [٢٩] أي متراكم بعضه على بعض (وَ) في (ظِلٍّ مَمْدُودٍ) [٣٠] أي دائم (وَماءٍ مَسْكُوبٍ) [٣١] أي جار دائما (وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ [٣٢] لا مَقْطُوعَةٍ) بالزمان ، أي لا تنقطع في بعض الأوقات (وَلا مَمْنُوعَةٍ) [٣٣] عنهم ، يعني لا يمنعون من النظر إليها ومن الأكل منها (وَفُرُشٍ) أي هم في فرش على الأسرة (مَرْفُوعَةٍ) [٣٤] بعضها فوق بعض ، قال عليه‌السلام : «ارتفاعها كما بين السماء والأرض» (١) أو المراد من الفرش النساء المرفوعات على الأرائك بالفضل والجمال.

(إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ إِنْشاءً (٣٥) فَجَعَلْناهُنَّ أَبْكاراً (٣٦) عُرُباً أَتْراباً (٣٧) لِأَصْحابِ الْيَمِينِ (٣٨))

(إِنَّا أَنْشَأْناهُنَّ) الضمير للنساء بدلالة الفرش عليها ، أي خلقنا النساء فيها وهي نساء الدنيا (إِنْشاءً) [٣٥] أي خلقا جديدا من غير ولادة (فَجَعَلْناهُنَّ) بعد أن كن عجائز ، وهن أفضل وأحسن من حور الجنة (أَبْكاراً) [٣٦] أي عذارى في الجنة كلما أتاهن أزواجهن وجدوهن أبكارا (عُرُباً) بضم الراء وسكونها (٢) ، جمع عروب وهي العاشقة إلى زوجها (٣) والحسنة التبعل والكلام له (أَتْراباً) [٣٧] جمع ترب مستويات في السن ، بنات ثلاث وثلاثين سنة وسن أزواجهن كذلك (لِأَصْحابِ الْيَمِينِ) [٣٨] اللام يتعلق بقوله (أَنْشَأْناهُنَّ) أو خبر مبتدأ محذوف ، أي هذا الوصف من الكرامة لهم وهم المسلمون.

(ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٤٠))

روي : أنه لما نزل (وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ)(٤) ، قيل يا رسول الله : آمنا بالله ورسوله والناجي منا قليل فنزل قوله تعالى (٥)(ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ [٣٩] وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ) [٤٠] أي أصحاب اليمين جماعة من أول هذه الأمة وجماعة من آخر هذه الأمة ، قال النبي عليه‌السلام : «ثلة من الأولين وثلة من الآخرين هما جميعا من أمتي» (٦).

(وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ (٤١))

(وَأَصْحابُ الشِّمالِ) هذا ذكر الصنف الثالث ، أي أصحاب الشمال الذين كانوا على شمال آدم يوم الميثاق وهم الكافرون (ما أَصْحابُ الشِّمالِ) [٤١] أي لا يدرون ما لهم من الشر (٧) وشدة الحال يوم القيامة.

(فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (٤٢) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (٤٣) لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ (٤٤))

ثم بين حالهم بقوله (فِي سَمُومٍ) أي هم في ريح حارة من النار تنفذ (٨) في المسام (٩)(وَحَمِيمٍ) [٤٢] أي في ماء شديد الحر (وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ) [٤٣] أي في (١٠) دخان شديد السواد (لا بارِدٍ) كغيره من الظلال (وَلا كَرِيمٍ) [٤٤] أي لا حسن مقيله.

(إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ (٤٥) وَكانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (٤٦) وَكانُوا يَقُولُونَ أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٤٧) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (٤٨))

ثم علل استحقاقهم بتلك العقوبة بقوله (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ) أي في الدنيا (مُتْرَفِينَ) [٤٥] أي متكبرين في

__________________

(١) رواه الترمذي ، صفة الجنة ، ٨ ، وتفسير القرآن ، ٥٦ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٢٩٢.

(٢) «عربا» : قرأ شعبة وحمزة وخلف باسكان الراء ، والباقون بضمها. البدور الزاهرة ، ٣١٢.

(٣) إلى زوجها ، ح ي : أزواجها ، و.

(٤) الواقعة (٥٦) ، ١٤.

(٥) عن عروة بن رويم ، انظر الواحدي ، ٣٣٢.

(٦) روى أحمد بن حنبل نحوه ، ٢ / ٣٩١.

(٧) الشر ، وي : شر ، ح.

(٨) تنفذ ، وي : ينفذ ، ح.

(٩) في المسام ، ح و : في المشام ، ي.

(١٠) في ، ح : ـ وي.

١٨٠