عيون التفاسير للفضلاء السماسير - ج ٢

شهاب الدين أحمد بن محمود السيواسي

عيون التفاسير للفضلاء السماسير - ج ٢

المؤلف:

شهاب الدين أحمد بن محمود السيواسي


المحقق: الدكتور بهاء الدين دارتما
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار صادر
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9953-13-157-0

الصفحات: ٣٣٤

١
٢

٣
٤

سورة الأنعام

كلها مكية

قيل (١) : نزلت ومعها سبعون ألف ملك يسبحون ويحمدون (٢)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١))

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) حمد الله تعالى ذاته القديم على توحيده الذي دل عليه خلق هذه الأجرام العظام الذي يعجز عنه سواه ، أي جميع المحامد لله الذي خلق السموات مع ما فيها من الشمس والقمر والنجوم ، وخلق الأرض مع ما فيها من الجبال والبراري والأشجار والثمار والبحار والأنهار (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) أي أحدثهما بعد خلق السموات والأرض ، لأن الظلمة الظل المنشأ من الأجسام الكثيفة ، والنور الضوء المنشأ من النار ، وهما من الأعراض التي لا تقوم إلا بالجواهر ، قيل : المراد بهما الليالي والأنهر (٣) ، وإنما جمع الظلمة دون النور لقلة النور وكثرة الظلمات ، لأن لكل كثيف ظل (٤) وليس لكل شيء نور (٥) ، والفرق بين الخلق والجعل أن في الخلق معنى التقدير من العدم ، وفي الجعل معنى التصيير من الوجود ، قوله (٦)(ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) عطف على قوله (الْحَمْدُ لِلَّهِ) بمعنى أن الله ما خلق ذلك كله إلا نعمة للناس وغيرهم ، فهو حقيق بكل الحمد على ما خلق ، ثم الذين كفروا أي جحدوا (بِرَبِّهِمْ) أي بتوحيده (يَعْدِلُونَ) [١] أي يشركون به غيره فيكفرون نعمته ، و (ثُمَّ) لاستبعاد أن يعدلوا به بعد وضوح آيات قدرته.

(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (٢))

(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ) أي خلق أصلكم آدم (مِنْ طِينٍ) أي كائنا منه ، لأنه أخذ تراب من وجه الأرض أحمرها وأبيضها وأسودها وغير ذلك (٧) ، ثم عجن بالماء العذب والملح وغيرهما ، فتلونت أبدانكم واختلفت أخلاقكم ، ثم جعل طينا ثم صور آدم منه ثم نفخ الروح فيه (ثُمَّ قَضى أَجَلاً) أي مدة تعيشون بها إلى الموت (وَأَجَلٌ مُسَمًّى) مبتدأ نكرة موصوفة ، خبره (عِنْدَهُ) أي والمدة التي هي من يوم الموت إلى يوم البعث معلومة له مكتوب (٨) في اللوح المحفوظ أن البعث لواقع بعد انقضائها يوم القيامة ، وقدم الأجل تعظيما له وإن كان حق المبتدأ النكرة التأخير (ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ) [٢] أي تشكون في البعث بعد الموت وتستبعدونه بعد نصب الدلائل عليه ، وهي خلقكم من تراب وحيوتكم مدة وموتكم بعدها (٩) ، وربكم أقدر على بعثكم من أول خلقكم.

__________________

(١) قيل ، ب س : ـ م.

(٢) أخذه عن البغوي ، ٢ / ٣٣٣ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٤٧٢ ـ ٤٧٣.

(٣) الأنهر ، س م : الأنهار ، ب.

(٤) ظل ، ب م : ظلا ، س.

(٥) نقله المؤلف عن الكشاف ، ٢ / ٥٧.

(٦) قوله ، س : ب م.

(٧) وقد مر ذكره في أثناء تفسير قوله تعالي «وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ ...» رقم الآية (٣٤) من سورة البقرة.

(٨) مكتوب ، ب س : مكتوبة ، م.

(٩) وموتكم بعدها ، ب م : وموتكم مدة بعدها ، س.

٥

(وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ (٣))

(وَهُوَ اللهُ) مبتدأ وخبر ، وخبر آخر (فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ) أو متعلق بمعنى اسم الله ، أي هو الإله المعبود فيهما لا شريك له أو المتفرد بالتدبير فيهما أو هو الذي يقال له الله فيهما لا يشرك به في هذا الاسم كقوله (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا)(١) ، قوله (٢)(يَعْلَمُ سِرَّكُمْ) كلام مستأنف بمعنى هو يعلم أو خبر ثالث ، أي يعلم سر أعمالكم (وَجَهْرَكُمْ) أي علانية أعمالكم ، يعني السر والجهر عنده سواء ، فاحذروا من عقابه (وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ) [٣] من الخير والشر فيجازيكم بذلك فآمنوا برسوله (٣) وما أنزل إليه قبل أن تجازوا (٤).

(وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ (٤))

ثم أخبر عن حال من أعرض عن الإيمان بالرسول من المشركين بقوله (وَما تَأْتِيهِمْ) أي أهل مكة (مِنْ آيَةٍ) أي علامة الوحدانية كانشقاق القمر وآي القرآن ، و (مِنْ) زائدة في الفاعل بعد النفي ، و (مِنْ) في (مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ) تبعيض ، أي آية هي بعض آيات خالقهم (إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ) [٤] أي تاركين الإيمان بها بالتكذيب ، نزل حين سألوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يريهم علامة على صدقه في دعوى الرسالة ، وقالوا نريد أن تدعو ربك لينشق القمر بنصفين لنؤمن بك وبربك ، فدعا رسول الله عليه‌السلام ، فانشق القمر بنصفين وهم ينظرون إليه ، فقالوا هذا سحر مبين (٥).

(فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٥))

فقال تعالى (فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ) الفاء في جواب شرط محذوف (٦) ، تقديره : إن كان معرضين عن الآيات فقد كذبوا بما هو أعظم آية وهو الحق (٧) ، أي القرآن (لَمَّا جاءَهُمْ) يعني استهزؤا به ، وقالوا : إنه ليس بقرآن نازل من الله (فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ) أي أخبار (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) [٥] أي سيظهر لهم وبال استهزائهم عند نزول العذاب بهم أما في الدنيا أو في الآخرة (٨).

(أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (٦))

(أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ) أي قبل أهل مكة (مِنْ قَرْنٍ) أي جماعة مقترنين في زمان واحد (مَكَّنَّاهُمْ) أي أعطيناهم مكانا (فِي الْأَرْضِ) يعني منزلا تمكنوا فيه بالمال والولد وأسباب المعيشة (ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ) يا أهل مكة ، فيه نقل من الغيبة إلى الخطاب لتأكيد الإرهاب (وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً) أي مطرا متتابعا عند الحاجة ، وهو حال من «السَّماءَ» (وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي) أي جارية (مِنْ تَحْتِهِمْ) في بساتينهم الواسعة بأنواع النعم ، فكفروا بربهم كعاد وثمود وغيرهم (فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ) أي بتكذيبهم رسلهم (وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ) أي بعد هلاكهم (قَرْناً آخَرِينَ) [٦] أي جماعة أخرى لا يماثلونهم ، وذكر هذه الجملة لإظهار قدرته الباهرة لأهل مكة ليحذروا فيؤمنوا ، يعني لا يتعاظمه أن يهلك قرنا ويحدث بعدهم قرنا آخر أطوع ، ونصب (٩)(قَرْناً) على أنه مفعول ثان (١٠) ل (أَنْشَأْنا).

(وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٧))

قوله (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً) أي مكتوبا (فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ) أي أخذوه (بِأَيْدِيهِمْ) معاينة لئلا يشكوا فيه

__________________

(١) مريم (١٩) ، ٦٥.

(٢) قوله ، س : ـ ب م.

(٣) فآمنوا برسوله ، ب س : وآمنوا برسولي ، م.

(٤) قبل أن تجازوا ، ب م : قبل أن تجاوزوا ، س.

(٥) وهذا منقول عن السمرقندي ، ١ / ٤٧٤.

(٦) شرط محذوف ، ب م : الشرط المحذوف ، س.

(٧) هو أعظم آية وهو الحق ، ب م : هو أعظم آية وأكبرها وهو الحق ، س.

(٨) أو في الآخرة ، ب م : وأما في الآخرة ، س.

(٩) ونصب ، س : ونصبه ، ب م.

(١٠) ثان ، ب م : ثاني ، س.

٦

(لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا) أي ما هذا الكتاب (إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) [٧] أي ظاهر لكل إنسان ، فلا يؤمنون به.

(وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ (٨))

(وَقالُوا لَوْ لا) أي هلا (أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ) من السماء ، نزل حين قالوا للنبي عليه‌السلام : أنزل علينا كتابا مع ملائكة يشهدون بصدقك حتى نؤمن بك (١) ، فقال تعالى ردا عليهم (وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً) عليهم من السماء وعاينوه ولم يؤمنوا (لَقُضِيَ الْأَمْرُ) أي لوجب الحكم بهلاكهم عند حصول مرادهم (ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ) [٨] أي لا ينتظر بهم طرفة عين حتى يعذبوا أو يهلكوا لعدم طاقتهم برؤيته ونوره المحرق أرواحهم.

(وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ (٩))

(وَلَوْ جَعَلْناهُ) أي رسولهم (مَلَكاً لَجَعَلْناهُ) أي الملك المرسل (رَجُلاً) أي على صورة البشر ليتمكنوا من رؤيته لضعف البشر عن مشاهدة الملك (وَلَلَبَسْنا) أي ولخلطنا (عَلَيْهِمْ) بادعائهم (٢) الملكية ، لأنه ملك في صورة رجل (ما يَلْبِسُونَ) [٩] أي ما يخلطون على أنفسهم حينئذ ، فيقولون هذا إنسان وليس بملك فكذبوه ، فوقع الأمر ملتبسا بالشك عليهم فخذلهم الله كما كانوا مخذولين.

(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (١٠))

ثم سلى نبيه عليه‌السلام ليصبر على أذاهم بقوله (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ) أي استهزأهم قومهم المرسل إليهم كما استهزأ بك قومك في أمر العذاب (فَحاقَ) أي نزل وأحاط (بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ) أي استهزؤا بالرسل (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) [١٠] أي الشيء الذي استهزؤا به الرسل من الحق وهو العذاب.

(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١١))

قوله (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ) خطاب للنبي عليه‌السلام أن يقول للمشركين سافروا في البلاد للتجارة وغيرها من المنافع أو للاعتبار بمن مضوا من قبلهم (ثُمَّ انْظُرُوا) بنظر العقل لا بنظر الغفلة (كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) [١١] بالرسل والكتب من المسخ والنسخ والخسف وغير ذلك من العذاب ، و (ثُمَّ) للتراخي والتباعد بين السير والنظر.

(قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٢))

ثم قالوا للنبي عليه‌السلام إن فعلت هذا الفعل بنا لطلب المال فاترك هذا الفعل ونجمع لك مالا تصير به أغنى أهل مكة فنزل (٣)(قُلْ) لهم سائلا عنهم سؤال تبكيت (لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي الذي فيهما ، فان أجابوا بالحق فبها ونعمت وإلا فأنت تقريرا لهم (قُلْ) ما في السموات والأرض كله (لِلَّهِ) فلا تقدرون على أن تعطوا منه شيئا إلى غيره هو القادر على الإعطاء والمنع ، ثم قال استعطافا لهم ليؤمنوا به (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) أي أوجبها على ذاته الكريم ، فلا يعاجلكم بالعقوبة في الدنيا ، قال عليه‌السلام : «إن لله مائة رحمة أنزل منها واحدة فقسمها بين الخلق فبها يتراحمون وبها تعطف الوحوش على أولادها ، وادخر لنفسه تسعة وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة» (٤) ، ثم قال مقسما والله (لَيَجْمَعَنَّكُمْ) في قبوركم (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) واللام فيه جواب قسم محذوف (٥) دل عليه (كَتَبَ) أو «إلى» بمعنى في ، أي في يوم القيامة (لا رَيْبَ فِيهِ) أي في الجمع وهو البعث ، ثم قال تخويفا لهم (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) أي باعوها في علم الله تعالى باختيار شهواتها بدل ما أعد لهم من النعيم في

__________________

(١) عن الكلبي ، انظر الواحدي ، ١٨٠ ؛ والبغوي ، ٢ / ٣٣٧.

(٢) بادعائهم ، س : بادعائه ، ب م.

(٣) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ٤٧٥.

(٤) أخرجه مسلم ، التوبة ، ١٩ ؛ وابن ماجة ، الزهد ، ٣٥ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٤٧٥ ـ ٤٧٦.

(٥) قسم محذوف ، ب م : القسم المحذوف ، س.

٧

الجنة ، وهو مبتدأ ، خبره (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [١٢] بالبعث ، لأنه محكوم عليهم بالعذاب.

(وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣))

قوله (وَلَهُ ما سَكَنَ) مبتدأ وخبر ، أي لله كل ما استقر (فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) من الدواب والطيور في البر والبحر ، فمنه ما يحل في الليل وينتشر (١) في النهار ، ومنه ما يحل بالنهار وينتشر (٢) بالليل (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [١٣] فلا يخفى عليه شيء مما يشتمل عليه الليل والنهار من الأقوال والأفعال.

(قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٤))

ثم قالوا للنبي عليه‌السلام إن آباءك كانوا على ديننا فارجع إلى دين آبائك حتى نعينك بالمال ، فقال تعالى (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا) أي أأعبد ربا غير ربي الله (فاطِرِ السَّماواتِ) بالجر صفة (اللهِ)(٣) ، أي خالقها (وَ) خالق (الْأَرْضِ) والفطر إنشاء الخلقة من غير مثال ، وهو من الصفات الخاصة بالله تعالى (وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ) أي يرزق ولا يرزق (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) من أهل مكة أو من هذه الأمة ، وقيل لي (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [١٤] بقولهم لك ارجع إلى دين آبائك ، يعني أمرت بالإسلام ونهيت من الشرك.

(قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥))

(قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي) بالرجوع إلى ما دعوتموني إليه من عبادة غيره (عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [١٥] وهو يوم القيامة.

(مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (١٦))

(مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ) مجهولا ، والضمير فيه لل «عذاب» ، وفي (عَنْهُ) ل «من» فيكون (يَوْمَئِذٍ) ظرفا ل (يُصْرَفْ) ، ومعلوما (٤) ، والضمير له ل «الله» وفي «عنه» لل «عذاب» ، والمفعول محذوف ، أي من يصرفه الله عن العذاب (فَقَدْ رَحِمَهُ) أي فقد عصمه برحمته ومغفرته (وَذلِكَ) أي صرف العذاب عن الإنسان (٥)(الْفَوْزُ الْمُبِينُ) [١٦] أي النجاة الظاهرة ، قال عليه‌السلام : «لا ينجو أحد بعمله ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته» (٦).

(وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧))

ثم قال تعالى تخويفا لنبيه من الرجوع عن دينه (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ) أي إن يصبك (بِضُرٍّ) أي بشدة وبلاء من الفقر والمرض (٧) وغيره (فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ) أي لا يقدر أحد أن يدفعه عنك إلا الله لا الصنم وغيره من آلهتهم التي يدعونك إلى عبادتها (وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ) أي إن يصبك بسعة (٨) وصحة (فَهُوَ) يقدر على ذلك دون غيره ، لأنه (عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [١٧] من إعطاء الخير ومنع الضر.

(وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١٨))

(وَهُوَ الْقاهِرُ) أي الله هو الغالب (فَوْقَ عِبادِهِ) حال من الضمير في (الْقاهِرُ) ، أي مستعليا عليهم بتدبير أمورهم من النفع والضر بحسب اقتضاء الحكمة ، والمراد من العباد المملوكون لا من يصدر منهم العبادة (وَهُوَ

__________________

(١) ينتشر ، ب م : ينشر ، س.

(٢) ينتشر ، ب م : ينشر ، س.

(٣) الله ، س : لله ، ب م.

(٤) «يصرف» : قرأ شعبة والأخوان وخلف ويعقوب بفتح الياء وكسر الراء ، والباقون بضم الياء وفتح الراء. البدور الزاهرة ، ١٠٠.

(٥) الإنسان ، ب م : الناس ، س.

(٦) رواه البخاري ، الرقاق ، ١٨ ، والمرضى ، ١٩ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٤٧٧.

(٧) من الفقر والمرض ، س : من المرض ، ب م.

(٨) بسعة ، ب س : سعة ، م.

٨

الْحَكِيمُ) في أمره وتدبيره (الْخَبِيرُ) [١٨] بأفعال عباده ومصالحهم.

(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (١٩))

ثم قالوا للنبي عليه‌السلام أما وجد ربك رسولا غيرك أرنا من يشهد أنك رسول الله ، وما نرى من أهل الكتاب أحدا يشهد برسالتك فنزل (١)(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً) نصبه (٢) تميير ، أي أعظم حجة وبرهانا على صدق رسالتي فان أجابوك وإلا فأنت (قُلِ اللهُ) أكبر شهادة بحذف الخبر ليطابق الجواب السؤال ، وقدر بعده هو مبتدأ ، خبره (شَهِيدٌ) أي الله شهيد (بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) جملة اسمية وقعت موقع الجواب ، لأن الله إذا كان شهيدا بينه وبينهم فهو أكبر شيء شهادة له ، أي هو يشهد بأني رسول الله إليكم ، والشهيد بمعنى الشاهد ، وهو المبين للحق المبهم (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ) أي لأخوفكم بالقرآن يا أهل مكة وأبشركم ، قوله (وَمَنْ بَلَغَ) عطف على «كم» في «أنذركم» ، أي وأنذر من بلغه القرآن وأبشره إلى يوم القيامة ، قال عليه‌السلام : «بلغوا عني ولو آية ، ومن بلغه القرآن فهو نذير له» (٣) ، قيل : «من بلغه القرآن فكأنما رأى محمدا عليه‌السلام» (٤) ، ثم استفهم عنهم موبخا بقوله مع الإنكار (أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى) من الأصنام ، فان قالوا نعم فأنت (قُلْ لا أَشْهَدُ) مثل شهادتكم (قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) أي بل أشهد أنه إله واحد لا شريك له (وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) [١٩] به من الأوثان.

(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٢٠))

ثم قال تقريرا لنبوة محمد عليه‌السلام (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) أي التورية والإنجيل (يَعْرِفُونَهُ) أي محمدا ونعته معرفة حقيقية بالكتاب (كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ) بنعوتهم وحلاهم (٥) ، قال عبد الله بن سلام : «أنا أعرف بالنبي عليه‌السلام مني لابني ، لأني أشهد أنه رسول الله ، ولا أشهد لابني أنه ابني ، لأني لا أدري ما أحدث النساء بعدي» (٦) ، ثم ميز عنهم بعضهم بقوله (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) في علم الله باختيار الشرك مكان التوحيد (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [٢٠] بمحمد أو بالبعث ككعب بن الأشرف وأصحابه.

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢١))

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى) أي اختلق (عَلَى اللهِ كَذِباً) حيث قالوا والله أمرنا باتخاذ الآلهة (٧) ، وقالوا الملائكة بنات الله وغير ذلك مما نسبوا إليه من الحلال والحرام كذبا (أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) أي بالقرآن أنه ليس من الله (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [٢١] أي الكافرون من عذابه.

(وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٢٢))

قوله (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ) نصب بعامل محذوف ليكون أبلغ في التخويف بسبب الإبهام ، أي يكون كيت وكيت يوم نجمعهم ، أي العابد والمعبود من الصنم (جَمِيعاً) يوم القيامة (ثُمَّ نَقُولُ) بالنون (٨) في الفعلين للتعظيم (لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا) بالله آلهة (أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) [٢٢] أنهم آلهة تعبدون (٩) من دون الله باشراكهم معه تعالى ليشفعوا لكم.

__________________

(١) عن الكلبي ، انظر الواحدي ، ١٨٠ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٤٧٧.

(٢) نصبه ، ب م : نصب ، س.

(٣) انظر السمرقندي ، ١ / ٤٧٧. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.

(٤) عن محمد بن كعب القرظي ، انظر السمرقندي ، ١ / ٤٧٧.

(٥) وحلاهم ، ب م : وبحلاهم ، س.

(٦) انظر السمرقندي ، ١ / ٤٧٨.

(٧) الآلهة ، ب م : آلهة ، س.

(٨) «نحشر» و «نقول» : قرأ يعقوب بالياء التحتية فيهما ، والباقون بالنون فيهما كذلك. البدور الزاهرة ، ١٠١.

(٩) تعبدون ، س : يعبدون ، ب م.

٩

(ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (٢٣))

(ثُمَّ لَمْ تَكُنْ) بالياء والتاء ورفع (١)(فِتْنَتُهُمْ) أي قولهم أو معذرتهم ، اسم «كان» (إِلَّا أَنْ قالُوا) في محل النصب خبر «كان» ، وبنصب (٢)(فِتْنَتُهُمْ)(٣) خبر «كان» واسمها (أَنْ قالُوا) عكس الأول ، أي ثم لا تكون (٤) ضلالتهم ونفاقهم إلا قولهم (وَاللهِ رَبِّنا) بجر الباء صفة ل «الله» ، وبنصبها (٥) نداء ، وجواب القسم (ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) [٢٣] بك شيئا ، قالوا بهذا الكذب حيرة ودهشة من غير تمييز بين النافع وغير النافع.

(انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤))

قال الله تعالى لمحمد عليه‌السلام تعجيبا (٦) من حالهم (انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) أي كيف صار وبال كذبهم على نفوسهم (وَضَلَّ) أي غاب (عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) [٢٤] في الدنيا من ألوهية أصنامهم وشفاعتها لهم.

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٥))

قوله (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) نزل في شأن النضر الذي كان يخبر أهل مكة بقصص المتقدمين وسيرهم ، فقالوا له : ما ترى فيما يقول محمد؟ قال : ما أدري ما يقول وما أفهم شيئا منه ، ولا أرى إلا أنه من أساطير الأولين كحديث رستم واسفنديار (٧) ، وهذا غاية في التكذيب ، فقال تعالى تجهيلا لهم ومنهم من يستمع إلى حديثك وقراءتك (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) أي أغطية (أَنْ يَفْقَهُوهُ) محله نصب على أنه مفعول له ، أي لئلا يفهموا القرآن (وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) أي ثقلا وصمما لئلا يسمعوه ، يعني جعالناهم كأنهم مجبولون على ذلك ، فلا ينفعهم استماعهم لحسدهم وسوء نيتهم (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ) أي علامة دالة على صدقك (لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ) أي يخاصمونك بالباطل ويدحضون به الحق وهو القرآن ، ويقولون إنه ليس من الله (يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا) أي ما القرآن (إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [٢٥] أي أكاذيب المتقدمين ، جمع أسطورة ، وهي التي سطرت في القرطاس مما لا نظام له من البسابس.

(وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٢٦))

قوله (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ) نزل في شأن أبي طالب وأصحابه من أهل مكة ، كان يقول للنبي عليه‌السلام حين عرض عليه الإسلام : لو لا أن تعيرني قريش بالإسلام لأقررت بدينك ، ولكني أذب عنك ما دمت حيا (٨) ، فقال تعالى هم ، أي بعض أهل مكة ينهون الناس ، يعني قريشا عن إيذاء محمد عليه‌السلام (وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ) أي ويتباعدون عن اتباع دينه ، وقيل : نزل في حق المشركين (٩) ، أي أنهم ينهون الناس عن أن يتبعوا النبي والقرآن ويبعدون عن ذلك ، فهم يضلون ويضلون (وَإِنْ يُهْلِكُونَ) أي ما ينلكون (إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ) [٢٦] بهلاكهم.

__________________

(١) «لم تكن فتنتهم» : قرأ نافع وأبو جعفر وأبو عمرو وشعبة وخلف بتأنيث «تكن» ونصب «فتنتهم» ، وقرأ ابن كثير وابن عامر وحفص بالتأنيث والرفع ، وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب بالتذكير والنصب. البدور الزاهرة ، ١٠١.

(٢) وبنصب ، ب م : ونصب ، س.

(٣) «فتنتهم» ، م : الفتنة ، ب س.

(٤) لا تكون ، ب س : لا يكون ، م.

(٥) «ربنا» : قرأ الأخوان وخلف بنصب الباء ، والباقون بجرها. البدور الزاهرة ، ١٠١.

(٦) تعجيبا ، ب م : تعجبا ، س.

(٧) عن الكلبي ، انظر البغوي ، ٢ / ٣٤٧ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٤٧٩ ؛ والواحدي ، ١٨٠ ـ ١٨١ (عن ابن عباس).

(٨) أخذه المصنف عن البغوي ، ٢ / ٣٤٨ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٤٧٩ ؛ والواحدي ، ١٨١.

(٩) عن محمد بن الحنفية والسدي والضحاك ، انظر الواحدي ، ١٨١ ؛ والبغوي ، ٢ / ٣٤٨.

(١٠) «بالغداة» : قرأ ابن عامر بضم الغين وإسكان الدال وبعدها واو مفتوحة ، والباقون بفتح الغين والدال وبعدها ألف. البدور الزاهرة ، ١٠٣.

(١١) أخذه عن البغوي ، ٢ / ٣٦٣.

١٠

(ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (٢٣))

(ثُمَّ لَمْ تَكُنْ) بالياء والتاء ورفع (١)(فِتْنَتُهُمْ) أي قولهم أو معذرتهم ، اسم «كان» (إِلَّا أَنْ قالُوا) في محل النصب خبر «كان» ، وبنصب (٢)(فِتْنَتُهُمْ)(٣) خبر «كان» واسمها (أَنْ قالُوا) عكس الأول ، أي ثم لا تكون (٤) ضلالتهم ونفاقهم إلا قولهم (وَاللهِ رَبِّنا) بجر الباء صفة ل «الله» ، وبنصبها (٥) نداء ، وجواب القسم (ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) [٢٣] بك شيئا ، قالوا بهذا الكذب حيرة ودهشة من غير تمييز بين النافع وغير النافع.

(انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢٤))

قال الله تعالى لمحمد عليه‌السلام تعجيبا (٦) من حالهم (انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) أي كيف صار وبال كذبهم على نفوسهم (وَضَلَّ) أي غاب (عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) [٢٤] في الدنيا من ألوهية أصنامهم وشفاعتها لهم.

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (٢٥))

قوله (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ) نزل في شأن النضر الذي كان يخبر أهل مكة بقصص المتقدمين وسيرهم ، فقالوا له : ما ترى فيما يقول محمد؟ قال : ما أدري ما يقول وما أفهم شيئا منه ، ولا أرى إلا أنه من أساطير الأولين كحديث رستم واسفنديار (٧) ، وهذا غاية في التكذيب ، فقال تعالى تجهيلا لهم ومنهم من يستمع إلى حديثك وقراءتك (وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) أي أغطية (أَنْ يَفْقَهُوهُ) محله نصب على أنه مفعول له ، أي لئلا يفهموا القرآن (وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً) أي ثقلا وصمما لئلا يسمعوه ، يعني جعالناهم كأنهم مجبولون على ذلك ، فلا ينفعهم استماعهم لحسدهم وسوء نيتهم (وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ) أي علامة دالة على صدقك (لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ) أي يخاصمونك بالباطل ويدحضون به الحق وهو القرآن ، ويقولون إنه ليس من الله (يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا) أي ما القرآن (إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [٢٥] أي أكاذيب المتقدمين ، جمع أسطورة ، وهي التي سطرت في القرطاس مما لا نظام له من البسابس.

(وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٢٦))

قوله (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ) نزل في شأن أبي طالب وأصحابه من أهل مكة ، كان يقول للنبي عليه‌السلام حين عرض عليه الإسلام : لو لا أن تعيرني قريش بالإسلام لأقررت بدينك ، ولكني أذب عنك ما دمت حيا (٨) ، فقال تعالى هم ، أي بعض أهل مكة ينهون الناس ، يعني قريشا عن إيذاء محمد عليه‌السلام (وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ) أي ويتباعدون عن اتباع دينه ، وقيل : نزل في حق المشركين (٩) ، أي أنهم ينهون الناس عن أن يتبعوا النبي والقرآن ويبعدون عن ذلك ، فهم يضلون ويضلون (وَإِنْ يُهْلِكُونَ) أي ما ينلكون (إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ) [٢٦] بهلاكهم.

__________________

(١) «لم تكن فتنتهم» : قرأ نافع وأبو جعفر وأبو عمرو وشعبة وخلف بتأنيث «تكن» ونصب «فتنتهم» ، وقرأ ابن كثير وابن عامر وحفص بالتأنيث والرفع ، وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب بالتذكير والنصب. البدور الزاهرة ، ١٠١.

(٢) وبنصب ، ب م : ونصب ، س.

(٣) «فتنتهم» ، م : الفتنة ، ب س.

(٤) لا تكون ، ب س : لا يكون ، م.

(٥) «ربنا» : قرأ الأخوان وخلف بنصب الباء ، والباقون بجرها. البدور الزاهرة ، ١٠١.

(٦) تعجيبا ، ب م : تعجبا ، س.

(٧) عن الكلبي ، انظر البغوي ، ٢ / ٣٤٧ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٤٧٩ ؛ والواحدي ، ١٨٠ ـ ١٨١ (عن ابن عباس).

(٨) أخذه المصنف عن البغوي ، ٢ / ٣٤٨ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٤٧٩ ؛ والواحدي ، ١٨١.

(٩) عن محمد بن الحنفية والسدي والضحاك ، انظر الواحدي ، ١٨١ ؛ والبغوي ، ٢ / ٣٤٨.

(١٠) «بالغداة» : قرأ ابن عامر بضم الغين وإسكان الدال وبعدها واو مفتوحة ، والباقون بفتح الغين والدال وبعدها ألف. البدور الزاهرة ، ١٠٣.

(١١) أخذه عن البغوي ، ٢ / ٣٦٣.

١١

الْحَكِيمُ) في أمره وتدبيره (الْخَبِيرُ) [١٨] بأفعال عباده ومصالحهم.

(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (١٩))

ثم قالوا للنبي عليه‌السلام أما وجد ربك رسولا غيرك أرنا من يشهد أنك رسول الله ، وما نرى من أهل الكتاب أحدا يشهد برسالتك فنزل (١)(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً) نصبه (٢) تميير ، أي أعظم حجة وبرهانا على صدق رسالتي فان أجابوك وإلا فأنت (قُلِ اللهُ) أكبر شهادة بحذف الخبر ليطابق الجواب السؤال ، وقدر بعده هو مبتدأ ، خبره (شَهِيدٌ) أي الله شهيد (بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) جملة اسمية وقعت موقع الجواب ، لأن الله إذا كان شهيدا بينه وبينهم فهو أكبر شيء شهادة له ، أي هو يشهد بأني رسول الله إليكم ، والشهيد بمعنى الشاهد ، وهو المبين للحق المبهم (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ) أي لأخوفكم بالقرآن يا أهل مكة وأبشركم ، قوله (وَمَنْ بَلَغَ) عطف على «كم» في «أنذركم» ، أي وأنذر من بلغه القرآن وأبشره إلى يوم القيامة ، قال عليه‌السلام : «بلغوا عني ولو آية ، ومن بلغه القرآن فهو نذير له» (٣) ، قيل : «من بلغه القرآن فكأنما رأى محمدا عليه‌السلام» (٤) ، ثم استفهم عنهم موبخا بقوله مع الإنكار (أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى) من الأصنام ، فان قالوا نعم فأنت (قُلْ لا أَشْهَدُ) مثل شهادتكم (قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) أي بل أشهد أنه إله واحد لا شريك له (وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) [١٩] به من الأوثان.

(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٢٠))

ثم قال تقريرا لنبوة محمد عليه‌السلام (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) أي التورية والإنجيل (يَعْرِفُونَهُ) أي محمدا ونعته معرفة حقيقية بالكتاب (كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ) بنعوتهم وحلاهم (٥) ، قال عبد الله بن سلام : «أنا أعرف بالنبي عليه‌السلام مني لابني ، لأني أشهد أنه رسول الله ، ولا أشهد لابني أنه ابني ، لأني لا أدري ما أحدث النساء بعدي» (٦) ، ثم ميز عنهم بعضهم بقوله (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) في علم الله باختيار الشرك مكان التوحيد (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [٢٠] بمحمد أو بالبعث ككعب بن الأشرف وأصحابه.

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢١))

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى) أي اختلق (عَلَى اللهِ كَذِباً) حيث قالوا والله أمرنا باتخاذ الآلهة (٧) ، وقالوا الملائكة بنات الله وغير ذلك مما نسبوا إليه من الحلال والحرام كذبا (أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) أي بالقرآن أنه ليس من الله (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [٢١] أي الكافرون من عذابه.

(وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٢٢))

قوله (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ) نصب بعامل محذوف ليكون أبلغ في التخويف بسبب الإبهام ، أي يكون كيت وكيت يوم نجمعهم ، أي العابد والمعبود من الصنم (جَمِيعاً) يوم القيامة (ثُمَّ نَقُولُ) بالنون (٨) في الفعلين للتعظيم (لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا) بالله آلهة (أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) [٢٢] أنهم آلهة تعبدون (٩) من دون الله باشراكهم معه تعالى ليشفعوا لكم.

__________________

(١) عن الكلبي ، انظر الواحدي ، ١٨٠ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٤٧٧.

(٢) نصبه ، ب م : نصب ، س.

(٣) انظر السمرقندي ، ١ / ٤٧٧. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.

(٤) عن محمد بن كعب القرظي ، انظر السمرقندي ، ١ / ٤٧٧.

(٥) وحلاهم ، ب م : وبحلاهم ، س.

(٦) انظر السمرقندي ، ١ / ٤٧٨.

(٧) الآلهة ، ب م : آلهة ، س.

(٨) «نحشر» و «نقول» : قرأ يعقوب بالياء التحتية فيهما ، والباقون بالنون فيهما كذلك. البدور الزاهرة ، ١٠١.

(٩) تعبدون ، س : يعبدون ، ب م.

١٢

الْحَكِيمُ) في أمره وتدبيره (الْخَبِيرُ) [١٨] بأفعال عباده ومصالحهم.

(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (١٩))

ثم قالوا للنبي عليه‌السلام أما وجد ربك رسولا غيرك أرنا من يشهد أنك رسول الله ، وما نرى من أهل الكتاب أحدا يشهد برسالتك فنزل (١)(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً) نصبه (٢) تميير ، أي أعظم حجة وبرهانا على صدق رسالتي فان أجابوك وإلا فأنت (قُلِ اللهُ) أكبر شهادة بحذف الخبر ليطابق الجواب السؤال ، وقدر بعده هو مبتدأ ، خبره (شَهِيدٌ) أي الله شهيد (بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) جملة اسمية وقعت موقع الجواب ، لأن الله إذا كان شهيدا بينه وبينهم فهو أكبر شيء شهادة له ، أي هو يشهد بأني رسول الله إليكم ، والشهيد بمعنى الشاهد ، وهو المبين للحق المبهم (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ) أي لأخوفكم بالقرآن يا أهل مكة وأبشركم ، قوله (وَمَنْ بَلَغَ) عطف على «كم» في «أنذركم» ، أي وأنذر من بلغه القرآن وأبشره إلى يوم القيامة ، قال عليه‌السلام : «بلغوا عني ولو آية ، ومن بلغه القرآن فهو نذير له» (٣) ، قيل : «من بلغه القرآن فكأنما رأى محمدا عليه‌السلام» (٤) ، ثم استفهم عنهم موبخا بقوله مع الإنكار (أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى) من الأصنام ، فان قالوا نعم فأنت (قُلْ لا أَشْهَدُ) مثل شهادتكم (قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) أي بل أشهد أنه إله واحد لا شريك له (وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) [١٩] به من الأوثان.

(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٢٠))

ثم قال تقريرا لنبوة محمد عليه‌السلام (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) أي التورية والإنجيل (يَعْرِفُونَهُ) أي محمدا ونعته معرفة حقيقية بالكتاب (كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ) بنعوتهم وحلاهم (٥) ، قال عبد الله بن سلام : «أنا أعرف بالنبي عليه‌السلام مني لابني ، لأني أشهد أنه رسول الله ، ولا أشهد لابني أنه ابني ، لأني لا أدري ما أحدث النساء بعدي» (٦) ، ثم ميز عنهم بعضهم بقوله (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) في علم الله باختيار الشرك مكان التوحيد (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [٢٠] بمحمد أو بالبعث ككعب بن الأشرف وأصحابه.

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢١))

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى) أي اختلق (عَلَى اللهِ كَذِباً) حيث قالوا والله أمرنا باتخاذ الآلهة (٧) ، وقالوا الملائكة بنات الله وغير ذلك مما نسبوا إليه من الحلال والحرام كذبا (أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) أي بالقرآن أنه ليس من الله (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [٢١] أي الكافرون من عذابه.

(وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٢٢))

قوله (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ) نصب بعامل محذوف ليكون أبلغ في التخويف بسبب الإبهام ، أي يكون كيت وكيت يوم نجمعهم ، أي العابد والمعبود من الصنم (جَمِيعاً) يوم القيامة (ثُمَّ نَقُولُ) بالنون (٨) في الفعلين للتعظيم (لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا) بالله آلهة (أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) [٢٢] أنهم آلهة تعبدون (٩) من دون الله باشراكهم معه تعالى ليشفعوا لكم.

__________________

(١) عن الكلبي ، انظر الواحدي ، ١٨٠ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٤٧٧.

(٢) نصبه ، ب م : نصب ، س.

(٣) انظر السمرقندي ، ١ / ٤٧٧. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.

(٤) عن محمد بن كعب القرظي ، انظر السمرقندي ، ١ / ٤٧٧.

(٥) وحلاهم ، ب م : وبحلاهم ، س.

(٦) انظر السمرقندي ، ١ / ٤٧٨.

(٧) الآلهة ، ب م : آلهة ، س.

(٨) «نحشر» و «نقول» : قرأ يعقوب بالياء التحتية فيهما ، والباقون بالنون فيهما كذلك. البدور الزاهرة ، ١٠١.

(٩) تعبدون ، س : يعبدون ، ب م.

١٣

الْحَكِيمُ) في أمره وتدبيره (الْخَبِيرُ) [١٨] بأفعال عباده ومصالحهم.

(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (١٩))

ثم قالوا للنبي عليه‌السلام أما وجد ربك رسولا غيرك أرنا من يشهد أنك رسول الله ، وما نرى من أهل الكتاب أحدا يشهد برسالتك فنزل (١)(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً) نصبه (٢) تميير ، أي أعظم حجة وبرهانا على صدق رسالتي فان أجابوك وإلا فأنت (قُلِ اللهُ) أكبر شهادة بحذف الخبر ليطابق الجواب السؤال ، وقدر بعده هو مبتدأ ، خبره (شَهِيدٌ) أي الله شهيد (بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) جملة اسمية وقعت موقع الجواب ، لأن الله إذا كان شهيدا بينه وبينهم فهو أكبر شيء شهادة له ، أي هو يشهد بأني رسول الله إليكم ، والشهيد بمعنى الشاهد ، وهو المبين للحق المبهم (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ) أي لأخوفكم بالقرآن يا أهل مكة وأبشركم ، قوله (وَمَنْ بَلَغَ) عطف على «كم» في «أنذركم» ، أي وأنذر من بلغه القرآن وأبشره إلى يوم القيامة ، قال عليه‌السلام : «بلغوا عني ولو آية ، ومن بلغه القرآن فهو نذير له» (٣) ، قيل : «من بلغه القرآن فكأنما رأى محمدا عليه‌السلام» (٤) ، ثم استفهم عنهم موبخا بقوله مع الإنكار (أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى) من الأصنام ، فان قالوا نعم فأنت (قُلْ لا أَشْهَدُ) مثل شهادتكم (قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) أي بل أشهد أنه إله واحد لا شريك له (وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) [١٩] به من الأوثان.

(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٢٠))

ثم قال تقريرا لنبوة محمد عليه‌السلام (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) أي التورية والإنجيل (يَعْرِفُونَهُ) أي محمدا ونعته معرفة حقيقية بالكتاب (كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ) بنعوتهم وحلاهم (٥) ، قال عبد الله بن سلام : «أنا أعرف بالنبي عليه‌السلام مني لابني ، لأني أشهد أنه رسول الله ، ولا أشهد لابني أنه ابني ، لأني لا أدري ما أحدث النساء بعدي» (٦) ، ثم ميز عنهم بعضهم بقوله (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) في علم الله باختيار الشرك مكان التوحيد (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [٢٠] بمحمد أو بالبعث ككعب بن الأشرف وأصحابه.

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢١))

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى) أي اختلق (عَلَى اللهِ كَذِباً) حيث قالوا والله أمرنا باتخاذ الآلهة (٧) ، وقالوا الملائكة بنات الله وغير ذلك مما نسبوا إليه من الحلال والحرام كذبا (أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) أي بالقرآن أنه ليس من الله (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [٢١] أي الكافرون من عذابه.

(وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٢٢))

قوله (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ) نصب بعامل محذوف ليكون أبلغ في التخويف بسبب الإبهام ، أي يكون كيت وكيت يوم نجمعهم ، أي العابد والمعبود من الصنم (جَمِيعاً) يوم القيامة (ثُمَّ نَقُولُ) بالنون (٨) في الفعلين للتعظيم (لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا) بالله آلهة (أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) [٢٢] أنهم آلهة تعبدون (٩) من دون الله باشراكهم معه تعالى ليشفعوا لكم.

__________________

(١) عن الكلبي ، انظر الواحدي ، ١٨٠ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٤٧٧.

(٢) نصبه ، ب م : نصب ، س.

(٣) انظر السمرقندي ، ١ / ٤٧٧. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.

(٤) عن محمد بن كعب القرظي ، انظر السمرقندي ، ١ / ٤٧٧.

(٥) وحلاهم ، ب م : وبحلاهم ، س.

(٦) انظر السمرقندي ، ١ / ٤٧٨.

(٧) الآلهة ، ب م : آلهة ، س.

(٨) «نحشر» و «نقول» : قرأ يعقوب بالياء التحتية فيهما ، والباقون بالنون فيهما كذلك. البدور الزاهرة ، ١٠١.

(٩) تعبدون ، س : يعبدون ، ب م.

١٤

الْحَكِيمُ) في أمره وتدبيره (الْخَبِيرُ) [١٨] بأفعال عباده ومصالحهم.

(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (١٩))

ثم قالوا للنبي عليه‌السلام أما وجد ربك رسولا غيرك أرنا من يشهد أنك رسول الله ، وما نرى من أهل الكتاب أحدا يشهد برسالتك فنزل (١)(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً) نصبه (٢) تميير ، أي أعظم حجة وبرهانا على صدق رسالتي فان أجابوك وإلا فأنت (قُلِ اللهُ) أكبر شهادة بحذف الخبر ليطابق الجواب السؤال ، وقدر بعده هو مبتدأ ، خبره (شَهِيدٌ) أي الله شهيد (بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) جملة اسمية وقعت موقع الجواب ، لأن الله إذا كان شهيدا بينه وبينهم فهو أكبر شيء شهادة له ، أي هو يشهد بأني رسول الله إليكم ، والشهيد بمعنى الشاهد ، وهو المبين للحق المبهم (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ) أي لأخوفكم بالقرآن يا أهل مكة وأبشركم ، قوله (وَمَنْ بَلَغَ) عطف على «كم» في «أنذركم» ، أي وأنذر من بلغه القرآن وأبشره إلى يوم القيامة ، قال عليه‌السلام : «بلغوا عني ولو آية ، ومن بلغه القرآن فهو نذير له» (٣) ، قيل : «من بلغه القرآن فكأنما رأى محمدا عليه‌السلام» (٤) ، ثم استفهم عنهم موبخا بقوله مع الإنكار (أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى) من الأصنام ، فان قالوا نعم فأنت (قُلْ لا أَشْهَدُ) مثل شهادتكم (قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ) أي بل أشهد أنه إله واحد لا شريك له (وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) [١٩] به من الأوثان.

(الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٢٠))

ثم قال تقريرا لنبوة محمد عليه‌السلام (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) أي التورية والإنجيل (يَعْرِفُونَهُ) أي محمدا ونعته معرفة حقيقية بالكتاب (كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ) بنعوتهم وحلاهم (٥) ، قال عبد الله بن سلام : «أنا أعرف بالنبي عليه‌السلام مني لابني ، لأني أشهد أنه رسول الله ، ولا أشهد لابني أنه ابني ، لأني لا أدري ما أحدث النساء بعدي» (٦) ، ثم ميز عنهم بعضهم بقوله (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) في علم الله باختيار الشرك مكان التوحيد (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [٢٠] بمحمد أو بالبعث ككعب بن الأشرف وأصحابه.

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢١))

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى) أي اختلق (عَلَى اللهِ كَذِباً) حيث قالوا والله أمرنا باتخاذ الآلهة (٧) ، وقالوا الملائكة بنات الله وغير ذلك مما نسبوا إليه من الحلال والحرام كذبا (أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ) أي بالقرآن أنه ليس من الله (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [٢١] أي الكافرون من عذابه.

(وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٢٢))

قوله (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ) نصب بعامل محذوف ليكون أبلغ في التخويف بسبب الإبهام ، أي يكون كيت وكيت يوم نجمعهم ، أي العابد والمعبود من الصنم (جَمِيعاً) يوم القيامة (ثُمَّ نَقُولُ) بالنون (٨) في الفعلين للتعظيم (لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا) بالله آلهة (أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) [٢٢] أنهم آلهة تعبدون (٩) من دون الله باشراكهم معه تعالى ليشفعوا لكم.

__________________

(١) عن الكلبي ، انظر الواحدي ، ١٨٠ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٤٧٧.

(٢) نصبه ، ب م : نصب ، س.

(٣) انظر السمرقندي ، ١ / ٤٧٧. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.

(٤) عن محمد بن كعب القرظي ، انظر السمرقندي ، ١ / ٤٧٧.

(٥) وحلاهم ، ب م : وبحلاهم ، س.

(٦) انظر السمرقندي ، ١ / ٤٧٨.

(٧) الآلهة ، ب م : آلهة ، س.

(٨) «نحشر» و «نقول» : قرأ يعقوب بالياء التحتية فيهما ، والباقون بالنون فيهما كذلك. البدور الزاهرة ، ١٠١.

(٩) تعبدون ، س : يعبدون ، ب م.

١٥

(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٤٨))

ثم قالوا للنبي عليه‌السلام أما وجد ربك رسولا غيرك أرنا من يشهد أنك رسول الله ، وما نرى من أهل الكتاب أحدا يشهد برسالتك فنزل (١)(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً) نصبه (٢) تميير ، أي أعظم حجة وبرهانا على صدق رسالتي فان أجابوك وإلا فأنت (قُلِ اللهُ) أكبر شهادة بحذف الخبر ليطابق الجواب السؤال ، وقدر بعده هو مبتدأ ، خبره (شَهِيدٌ) أي الله شهيد (بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) جملة اسمية وقعت موقع الجواب ، لأن الله إذا كان شهيدا بينه وبينهم فهو أكبر شيء شهادة له ، أي هو يشهد بأني رسول الله إليكم ، والشهيد بمعنى الشاهد ، وهو المبين للحق المبهم

ثم قالوا للنبي عليه‌السلام أما وجد ربك رسولا غيرك أرنا من يشهد أنك رسول الله ، وما نرى من أهل الكتاب أحدا يشهد برسالتك فنزل (١)(قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً) نصبه (٢) تميير ، أي أعظم حجة وبرهانا على صدق رسالتي فان أجابوك وإلا فأنت (قُلِ اللهُ) أكبر شهادة بحذف الخبر ليطابق الجواب السؤال ، وقدر بعده هو مبتدأ ، خبره (شَهِيدٌ) أي الله شهيد (بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) جملة اسمية وقعت موقع الجواب ، لأن الله إذا كان شهيدا بينه وبينهم فهو أكبر شيء شهادة له ، أي هو يشهد بأني رسول الله إليكم ، والشهيد بمعنى الشاهد ، وهو المبين للحق المبهم

من النبيين وهو الوحي بالنبوة فلا تستبعدوه مني (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى) أي الجاهل أو الكافر (وَالْبَصِيرُ) أي العالم أو المؤمن (أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ) [٥٠] في عدم استوائهما فتؤمنون أو في مواعظ القرآن وأمثاله ، فلا تكونوا ضالين كالعميان.

(وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٥١))

قوله (وَأَنْذِرْ بِهِ) أي خوف بالقرآن (الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ) أمر للنبي عليه‌السلام بالإنذار لأهل الكتاب بعد إنذار المشركين ، لأن الحجة عليهم أوجب لإقرارهم بالبعث بتلاوة الكتاب ، ويجوز أن يكون المراد المسلمين ليمتنعوا عن المعاصي بعد الإيمان بالإنذار (لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ) أي من عذاب الله (وَلِيٌّ) أي قريب في الدنيا ينصرهم (وَلا شَفِيعٌ) لهم في الآخرة ، ومحل هذه الجملة نصب على الحال من ضمير (يَخافُونَ) ، يعني خوفهم بالقرآن (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) [٥١] الله فينزجرون عن الكفر والمعاصي.

(وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (٥٢))

قوله (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) أي يعبدونه ويتضرعون إليه بالدعاء (بِالْغَداةِ) وقرئ «بالغدوة» (١٠)(وَالْعَشِيِّ) أي دائما ، وقيل : المراد الصلوات الخمس (١١) ، نزل حين قالت قريش كأقرع بن حابس وأصحابه تدني إليك هذه السفلة ، يعنون عبد الله بن مسعود وصهيبا وبلالا وأمثالهم ، ونحن ساداة قومك ، فلو أدنيتنا

__________________

(١) «لم تكن فتنتهم» : قرأ نافع وأبو جعفر وأبو عمرو وشعبة وخلف بتأنيث «تكن» ونصب «فتنتهم» ، وقرأ ابن كثير وابن عامر وحفص بالتأنيث والرفع ، وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب بالتذكير والنصب. البدور الزاهرة ، ١٠١.

(٢) وبنصب ، ب م : ونصب ، س.

(٣) «فتنتهم» ، م : الفتنة ، ب س.

(٤) لا تكون ، ب س : لا يكون ، م.

(٥) «ربنا» : قرأ الأخوان وخلف بنصب الباء ، والباقون بجرها. البدور الزاهرة ، ١٠١.

(٦) تعجيبا ، ب م : تعجبا ، س.

(٧) عن الكلبي ، انظر البغوي ، ٢ / ٣٤٧ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٤٧٩ ؛ والواحدي ، ١٨٠ ـ ١٨١ (عن ابن عباس).

(٨) أخذه المصنف عن البغوي ، ٢ / ٣٤٨ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ١ / ٤٧٩ ؛ والواحدي ، ١٨١.

(٩) عن محمد بن الحنفية والسدي والضحاك ، انظر الواحدي ، ١٨١ ؛ والبغوي ، ٢ / ٣٤٨.

(١٠) «بالغداة» : قرأ ابن عامر بضم الغين وإسكان الدال وبعدها واو مفتوحة ، والباقون بفتح الغين والدال وبعدها ألف. البدور الزاهرة ، ١٠٣.

(١١) أخذه عن البغوي ، ٢ / ٣٦٣.

١٦

لأسلمنا (١) ، فهم النبي عليه‌السلام أن يفعل ذلك رجاء حسن إسلامهم ، فنهى الله عن طردهم تكريما لهم (٢) ، ثم وصفهم بالإخلاص في العمل بقوله (يُرِيدُونَ) بعملهم (وَجْهَهُ) أي ذاته تعالى لا شيئا آخر منه ، وهو نصب على الحال من ضمير «يدعون» ، ثم تكلموا في دينهم وطعنوا في إخلاصهم عند النبي عليه‌السلام فنزل (٣)(ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) مبتدأ ، و (مِنْ) زائدة و (عَلَيْكَ) خبره ، و (مِنْ حِسابِهِمْ) بيان له ، أي حسابهم عليهم لازم لهم لا يتعداهم إليك إن كان في باطنهم أمر غير مرضي (وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ) أي وحسابك عليك لا يتعداك إليهم ، والجملتان بمنزلة جملة واحدة في قصد معنى واحد ، وهو لا يؤاخذ كل منكما بحساب صاحبه كقوله (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى)(٤) ، يعني لا يلزمك الا اعتبار الظاهر وسيرة الاتقياء (٥) وإن كان لهم باطن غير مرضي ، قوله (فَتَطْرُدَهُمْ) نصب في جواب النفي ، أي لا تكلف أمرهم فتطردهم من مجلسك (فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) [٥٢] إن طردتهم من مجلسك.

(وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (٥٣))

ثم قال تعالى (وَكَذلِكَ) أي ومثل (٦) ذلك الاختبار (٧)(فَتَنَّا) أي اختبرنا (بَعْضَهُمْ) أي بعض الناس (بِبَعْضٍ) يعني ابتلينا الغني بالفقير والشريف بالوضيع ، فاذا رأى الأغنياء الفقراء أو الشرفاء (٨) الوضعاء سبقوهم بالإيمان امتنعوا أن يؤمنوا تكبرا ، أي خذلناهم بالافتنان (لِيَقُولُوا) أي المشركون احتقارا بهم (أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا) أي أنعمهم الله بالإسلام دوننا ، وفضلهم علينا ولو كان الإيمان خيرا ما سبقونا إليه ، ثم قال مستفهما تقريرا (أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) [٥٣] أي بمن يعرف الله ويشكر نعمته منكم من غيرهم ، وأعمل «أعلم» في (بِالشَّاكِرِينَ) ، لأنه ظرف ولا يعمل أفعل التفضيل في المفعول الصريح.

(وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٤))

قوله (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا) وهم الضعفة من المسلمين ، نزل إكراما لهم (٩) ، أي إذا أتاك المقرون بالقرآن العاملون به (فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) أي ابتدئهم (١٠) بالسلام إكراما لهم وتطييبا لقلوبهم وبشرهم بقولك لهم (كَتَبَ رَبُّكُمْ) أي أوجب (عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) لكم بقبول توبتكم وعذركم (أَنَّهُ) بفتح «أن» بدلا من (الرَّحْمَةَ) ، وبكسرها (١١) استئناف ، فكأن سائلا قال ما الرحمة؟ فقيل إنه ، أي إن الشأن (مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً) أي ذنبا (بِجَهالَةٍ) أي جاهلا بتحريمه أو جاهلا بجلالة ربه لإيثاره المعصية على طاعته (ثُمَّ تابَ) أي رجع إليه (مِنْ بَعْدِهِ) أي بعد عمله (١٢) المعصية (وَأَصْلَحَ) أي أخلص العمل تائبا (فَأَنَّهُ) بالفتح على أنه مع ما بعده (١٣) مبتدأ وخبره محذوف ، تقديره (١٤) : فله أنه ، وبالكسر (١٥) استئنافا ، أي إن الله (غَفُورٌ) بالتجاوز عن ذنبه (رَحِيمٌ) [٥٤]

__________________

(١) لأسلمنا ، ب م : أسلمنا ، س.

(٢) لعله اختصره من السمرقندي ، ١ / ٤٨٧ ؛ وانظر أيضا الواحدي ، ١٨٢ ـ ١٨٤ ؛ والبغوي ، ٢ / ٣٦٢ ؛ والكشاف ، ٢ / ٦٨.

(٣) لعل المفسر اختصره من الكشاف ، ٢ / ٦٨ ، ٦٩.

(٤) فاطر (٣٥) ، ١٨.

(٥) وسيرة الأتقياء ، ب م : والاتسام بسيرة الأتقياء ، س.

(٦) أي ومثل ، ب س : أي مثل ، م.

(٧) ذلك الاختبار ، ب س : ذلك الاختيار ، م.

(٨) أو الشرفاء ، ب س : والشرفاء ، م.

(٩) اختصره المصنف من السمرقندي ، ١ / ٤٨٧ ؛ والكشاف ، ٢ / ٦٩.

(١٠) ابتدئهم ، ب س : ابتدأ لهم ، م.

(١١) «أنه» : قرأ نافع وأبو جعفر والشامي وعاصم ويعقوب بفتح الهمزة ، والباقون بالكسر. البدور الزاهرة ، ١٠٣.

(١٢) عمله ، ب م : علمه ، ب.

(١٣) مع ما بعده ، ب س : ـ م.

(١٤) تقديره ، ب س : أي ، م.

(١٥) «فأنه» : قرأ الشامي وعاصم ويعقوب بفتح الهمزة ، والباقون بالكسر. البدور الزاهرة ، ١٠٣.

١٧

بقبول توبته ، والفاء جواب شرط متقدم ، وهو من عمل ، وقيل : نزلت الآية في قوم جاؤا إلى النبي عليه‌السلام قد أصابوا ذنوبا عظاما فأعرض عنهم (١).

(وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (٥٥))

(وَكَذلِكَ) أي مثل ذلك البيان (نُفَصِّلُ) أي نبين شيئا بعد شيء (الْآياتِ) أي آيات القرآن لتعرف سبيل المؤمنين لماذا يؤمنون (وَلِتَسْتَبِينَ) أي ولتعرف (سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) [٥٥] أي طريق الكافرين لماذا لا يؤمنون ، فانهم إذا رأوا الضعفاء يؤمنون بك قبلهم أبوا عن الإيمان تكبرا وحسدا ، قرئ بنصب ال «سبيل» مفعولا وتاء «تستبين» على خطاب الرسول ، وبرفع ال «سبيل» مع التاء والياء في «تستبين» (٢) فاعلا ، والطريق يذكر ويؤنث ، ومعناه ليظهر طريقهم.

(قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (٥٦) قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ (٥٧))

ثم قال (قُلْ) يا محمد استجهالا لهم (إِنِّي نُهِيتُ) أي زجرت من الظاهر والباطن ، يعني سمعا وعقلا (أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ) أي تعبدون (٣)(مِنْ دُونِ اللهِ) أي غيره من الأصنام ، وأمرت أن أعبد الله وحده ، فأنتم في عبادة غيره على غير بصيرة باتباع الهوى (قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ) في طرد الضعفاء المسلمين عن مجلسي وعبادة الأوثان وترك دين الإسلام (قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً) أي إن أتبعت أهواءكم في ذلك (وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) [٥٦] أي على طريق الحق ، أي إن فعلت ذلك (قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ) أي على حجة واضحة وهي القرآن المنزل (مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ) أي بالقرآن وهو حال بتقدير «قد» ، فقال النضر بن الحارث : إن كان ما تقول حقا فاتنا بعذاب من عند ربك فقال تعالى قل (ما عِنْدِي ما) أي ليس عندي الذي (تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ) أي العذاب (إِنِ الْحُكْمُ) أي ما القضاء في نزول العذاب (إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ) بالضاد المعجمة من القضاء (٤) ، أي يحكم الحكم الحق ، وبالصاد المهملة والتشديد (٥) من القصص ، أي يتبع الحق والحكمة فيما يحكم به (٦) ويقدره ، من قص أثره إذا اتبعه (وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ) [٥٧] أي الحاكمين.

(قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (٥٨))

(قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي) أي في قدرتي واختياري (ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ) من العذاب (لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) أي لأتم أمر جدالكم معي بأن أهلكتكم بالعذاب عاجلا وتخلصت منكم سريعا (وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ) [٥٨] أي بعقوبتهم ، يعني هو أعلم متى ينزل بهم العذاب ويجب بالحكمة.

(وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٥٩))

(وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ) أي الله مخصوص بثبوت الطرق الموصلة عنده إلى علم الغيب ، فلا يتوصل إليه غيره ،

__________________

(١) عن ماهان النخعي ، انظر السمرقندي ، ١ / ٤٨٨ ؛ والواحدي ، ١٨٤.

(٢) «سبيل» ، «تستبين» : قرأ نافع أبو جعفر بتاء الخطاب ونصب لام «سبيل» ، وقرأ شعبة والأخوان وخلف بالياء ورفع «سبيل» ، والباقون بالتاء والرفع. البدور الزاهرة ، ١٠٣.

(٣) أي تعبدون ، ب س : أي يعبدون ، م.

(٤) من القضاء ، ب م : ـ س.

(٥) «يقص الحق» : قرأ المدنيان والمكي وعاصم بضم القاف وبعدها صاد مهملة مضمومة مشددة ، والباقون بسكون القاف وبعدها ضاد معجمة مكسورة مخففة. البدور الزاهرة ، ١٠٣.

(٦) فيما يحكم به ، ب م : فيما يأمر به ، س.

١٨

جمع مفتح ، وهو المفتاح ، وقيل : جمع مفتح وهو المخزن (١) ، والمراد علم جميع المغيبات كمجيء المطر ونزول العذاب وغيض الأرحام من ذكر وأنثى وما في غد والموت في أي مكان يقع وقيام الساعة ، قوله (لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ) نصب على الحال ، وعاملها الظرف الذي ارتفع به «مفاتح» ، أي حال كونه لا يعلم الطرق الموصلة إلى علم الغيب إلا هو ، فهو يعلم فتح المغيبات لكون المفاتح في يده كمن عنده مفاتح أقفال المخازن ، ويعلم فتحها وما في المخازن ، ثم قال توضيحا لذلك (وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ) من النبات والحب والنوى (وَالْبَحْرِ) أي ويعلم ما في البحر من الدواب وغيرها (وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها) أي لا تسقط ورقة من الشجر إلا يعلم متى وقت سقوطها وأين مسقطها وعددها وأحوالها قبل السقوط وبعده (وَلا حَبَّةٍ) عطف على (وَرَقَةٍ) ، أي ولا تسقط حبة من الحبوب (فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ) أي في خبايا الأرض التي يخرج منها النبات (وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ) أي لا حي ولا ميت أو لا قليل ولا كثير ، عطف على (وَرَقَةٍ) على طريق الإدخال في حكمها ، كأنه قيل وما يسقط شيء من جميعها (إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) [٥٩] أي في علم الله أو في اللوح ، وهو كالتكرير لقوله (إِلَّا يَعْلَمُها).

(وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٦٠))

(وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ) أي يقبض أرواحكم (بِاللَّيْلِ) أي فيه إذا نمتم (وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ) أي كسبتم من خير وشر (بِالنَّهارِ) أي فيه من الآثام وغيرها (ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ) أي يوقظكم من النوم (فِيهِ) أي في النهار (لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى) أي ليتم أجلكم المعلوم عنده وهو مدة الحيوة (ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ) أي مصيركم بعد الممات إلى موقف حسابه (ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ) أي يعلمكم (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [٦٠] من خير وشر فيجازيكم به ، قيل : إذا نام الإنسان يخرج منه الذهن ، وهو بلسان الفارسية «روان» ولا يخرج روحه وإلا لمات (٢) ، وقيل : تخرج وتبقي الحيوة (٣) ، وقيل : النوم أمر لا يعرف حقيقته إلا الله (٤).

(وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ (٦١))

ثم قال (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) أي هو الغالب عليهم بالقدرة يتصرف فيهم كيف يشاء (وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ) أيها الكفار (حَفَظَةً) أي ملائكة تحفظ أعمالكم بالكتابة ، وهم الكرام الكاتبون ، جمع الحافظ ، قيل : يرسل لكل إنسان ملكين بالليل وملكين بالنهار ، يكتب أحدهما الخير والآخر الشر ، ويكون أحدهما عند مشيه بين يديه والآخر خلفه ، ويكون أحدهما عن يمينه عند جلوسه والآخر عن شماله (٥) ، وفي إرسال الحفظة عليهم مع غناه بعلمه عن الكتابة لطف من الله تعالى لعباده ، لأنهم إذا علموا أن الملائكة يحفظون عليهم أعمالهم بكتابتها في صحائف تعرض على رؤوس الأشهاد يوم القيامة كان ذلك أزجر لهم عن القبيح وأبعد من السوء ، يعني يحفظ (٦) الملائكة عليهم أعمالهم (حَتَّى إِذا جاءَ) أي حضر (أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ) عند انقضاء أجله (تَوَفَّتْهُ) أي قبضته ، وقرئ توفاه (٧) بلفظ التذكير بالإمالة ماضيا ومضارعا بمعنى تتوفاه ، أي تقبضه (٨)(رُسُلُنا) وهم ملك الموت وأعوانه ، قيل : إن الدنيا بين يدي ملك الموت كالمائدة الصغيرة يقبض من هنا وهنا ، فاذا كثرت عليه الأرواح يدعوها فتجيب (٩) ، وقيل : جعلت له الأرض مثل الطست يتناول من يتناوله وما من أهل بيت إلا يطوف عليهم

__________________

(١) أخذه عن الكشاف ، ٢ / ٧٠ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٢ / ٣٦٧.

(٢) نقله المؤلف عن السمرقندي ، ١ / ٤٩٠.

(٣) لعله اختصره من السمرقندي ، ١ / ٤٩٠.

(٤) أخذه عن السمرقندي ، ١ / ٤٩٠.

(٥) وهذا مأخوذ عن السمرقندي ، ١ / ٤٩٠.

(٦) يحفظ ، ب م : تحفظ ، س.

(٧) «توفته» : قرأ حمزة وحده بألف ممالة بعد الفاء ، والباقون بتاء ساكنة مكان الألف. البدور الزاهرة ، ١٠٤.

(٨) تقبضه ، ب س : يقبضه ، م.

(٩) نقله عن البغوي ، ٢ / ٣٦٩ ـ ٣٧٠.

١٩

في كل يوم مرتين (١)(وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) [٦١] أي الملائكة لا يقصرون بالزيادة والنقصان فيما يؤمرون.

(ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ (٦٢))

(ثُمَّ رُدُّوا) أي الملائكة أو العباد (إِلَى اللهِ) أي إلى حسابه وجزائه (مَوْلاهُمُ الْحَقِّ) بالجر صفتان ل «الله» ، أي مالكهم ومتولي أمورهم العدل الذي لا يحكم بينهم إلا بالحق (أَلا لَهُ الْحُكْمُ) أي اعلموا أن الحكم لله يوم القيامة لا لغيره (وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ) [٦٢] إذا حاسب ، لأنه لا يحتاج إلى فكرة وعدة.

(قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجانا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٦٣))

ثم قال توبيخا لهم بشركهم (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) أي من شدائدهما ومخاوفهما كالخسف والغرق ، يقال لليوم الشديد يوم مظلم وإن كان نهارا (تَدْعُونَهُ) أي الله (تَضَرُّعاً) أي علانية (وَخُفْيَةً) بكسر الخاء وضمها (٢) ، أي سرا إذا وقعتم في الشدائد تقولون له (لَئِنْ أَنْجانا) بتاء الخطاب ، وقرئ أنجانا بالألف (٣) ، أي لئن خلصنا (مِنْ هذِهِ) الشدائد (لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ) [٦٣] لله تعالى ، أي الموحدين له.

(قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْها وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٦٤))

(قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُمْ) بالتشديد والتخفيف (٤) ، أي يخلصكم (مِنْها) أي من تلك الشدائد (وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ) أي غم وشدة ، يعني يكشف الله ظلماتهم عنكم إذا دعوتموه (ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ) [٦٤] الأصنام به.

(قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (٦٥))

ثم قال وعيدا لهم بأصناف العذاب ليؤمنوا (قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ) كالرمي بالحجارة والريح العقيم وصيحة جبرائيل كما بعثها على من قبلكم (أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) كالخسف لقارون ، وقيل : هما حبس المطر والنبات (٥) ، وقيل : (مِنْ فَوْقِكُمْ) من قبل الأكابر والسلاطين الظلمة ، و (مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ) من قبل سفلتكم وعبيد السوء (٦)(أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً) أي يخلطكم (٧) فرقا مختلفة على أهواء شتى مع أئمة متجبرة (وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) أي يقتل بعضكم بعضا فتختلطوا وتشبكوا في ملاحم القتال (انْظُرْ) يا محمد (كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ) أي نبينها (لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ) [٦٥] أي يعقلون ما هم عليه من الشرك المحال (٨) فيتوبون عن ذلك ويوحدون.

(وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (٦٦))

(وَكَذَّبَ بِهِ) أي بالقرآن أو بالعذاب (قَوْمُكَ) أي قريش (وَهُوَ الْحَقُّ) أي الصدق ، لأنه وحي من الله أو لا بد أن ينزل بهم (قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) [٦٦] أي بحفيظ مسلط لأمنعكم من التكذيب إجبارا وألجئكم إلى الإيمان ، إنما أنا منذر (٩) ، وهذا قبل أن يؤمر بالقتال.

(لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٦٧))

__________________

(١) أخذه المفسر عن الكشاف ، ٢ / ٧١.

(٢) «وخفية» : قرأ شعبة بكسر الخاء ، والباقون بضمها. البدور الزاهرة ، ١٠٣.

(٣) «أنجينا» : قرأ الكوفيون بألف بعد الجيم من غير ياء ولا تاء ، والباقون بياء تحتية ساكنة بعد الجيم وبعدها تاء فوقية مفتوحة. البدور الزاهرة ، ١٠٤.

(٤) «ينجيكم» : قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وابن ذكوان ويعقوب باسكان النون وتخفيف الجيم ، والباقون بفتح النون وتشديد الجيم. البدور الزاهرة ، ١٠٤.

(٥) وهذا منقول عن الكشف ، ١ / ٧٢.

(٦) أخذه عن الكشاف ، ٢ / ٧٢.

(٧) أي خلطكم ، ب م : أي يخالطكم ، س.

(٨) المحال ، س : ـ ب م.

(٩) منذر ، ب م : منذر وما من إله إلا الله ، س.

٢٠