عيون التفاسير للفضلاء السماسير - ج ٤

شهاب الدين أحمد بن محمود السيواسي

عيون التفاسير للفضلاء السماسير - ج ٤

المؤلف:

شهاب الدين أحمد بن محمود السيواسي


المحقق: الدكتور بهاء الدين دارتما
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار صادر
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9953-13-157-0

الصفحات: ٣٥١

قريش (فَحَقَّ وَعِيدِ) [١٤] بكسر الدال (١) ، أي وجب عليهم عذابي فلا يضيق صدرك.

(أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (١٥))

(أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ) أي أعجزنا عن الخلق الأول ابتداء فنعجز عن إعادته ، يعني كما لم نعجز عن ابتداء خلقهم ولم يكونوا شيئا كما علموه فلا نعجز عن إحيائهم بعد إماتتهم ، لأنه أيسر في رأي العين من الابتداء ، فلما لم (٢) يؤمنوا قال تعالى (بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ) أي في شك (مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) [١٥] له شأن عظيم بعد الموت ، يعني هم مقيمون على شكهم من البعث الذي حقه أن يهتم به كل من سمع ويخاف ويبحث عنه.

(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦))

قوله (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ) فيه دلالة لهم على قدرته الباهرة على كل شيء من البعث وغيره ، أي لقد خلقنا كل إنسان (وَ) الحال أنا (نَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ) أي تحدث (بِهِ نَفْسُهُ) أي قلبه ويتفكر فيه (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ) أي إلى الإنسان في القدرة عليه (مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [١٦] وال (حَبْلِ) هو العرق و (الْوَرِيدِ) العرق الذي يرد من الرأس داخل العنق ، وإضافة ال (حَبْلِ) إليه إضافة البيان كبعير سانية وللإنسان وريدان يكتنفان لصفحتي (٣) العنق وسمي وريدا لورود الروح فيه.

(إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (١٧))

قوله (إِذْ يَتَلَقَّى) ظرف ل (أَقْرَبُ) ، أي إذ يتلقن (٤) ويأخذ بالحفظة (٥) والكتبة (الْمُتَلَقِّيانِ) أي الملكان الموكلان بالإنسان ، قوله (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ) خبر المبتدأ وهو (قَعِيدٌ) [١٧] وأراد قعيدان ، أي عن يمين ابن آدم وعن شماله قعيدان ، لأنه يعم القليل والكثير أو هو من قبيل الاكتفاء بأحدهما ، يعني عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد يكتبان عمله ومنطقه ونحن أقرب إليه من كل قريب وقت كتابة ملكين ما عليه من فعل (٦) وقول.

(ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨))

(ما يَلْفِظُ) الإنسان (مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ) أي عنده (رَقِيبٌ) يرقب قوله ، أي حافظ يحفظه عليه (عَتِيدٌ) [١٨] أي حاضر معه وأراد رقيبين عتيدين فاكتفي بأحدهما عن الآخر ، قيل : «هما يكتبان عليه كل شيء يصدر عنه حتى أنينه في مرضه» (٧) ، وقيل : «لا يكتبان إلا ما يؤجر عليه أو يوزر به» (٨) ، ويدل عليه قوله على السّلام : «كاتب الحسنات على يمين الرجل وكاتب السيئات على يسار الرجل ، وكاتب الحسنات أمير على كاتب السيئات ، فاذا عمل حسنة كتبها ملك اليمين عشرا ، وإذا عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر» (٩) ، وقيل : «إن الملائكة يجتنبون الإنسان عند غائطه وعند جماعه» (١٠).

(وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩))

(وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ) أي غمرته وشدته (بِالْحَقِّ) أي ملتبسة (١١) بالصدق والحقيقة لك أيها الإنسان أو أحضرتك سكرة الموت حقيقة ما أخبرت به رسلنا (ذلِكَ) أي الموت (ما كُنْتَ) أي الذي كنت (مِنْهُ) في الدنيا

__________________

(١) «وعيد» : أثبت الياء وصلا ورش ، وفي الحالين يعقوب ، وحذفها الباقون مطلقا. البدور الزاهرة ، ٣٠٢.

(٢) فلما لم ، ح و : فلم ، ي.

(٣) لصفحتي ، ح : صفحتي ، ي ، صحفتي ، و.

(٤) إذ يتلقن ، وي : إذا يتلقن ، ح.

(٥) بالحفظة ، ي : بالحفظ ، ح و.

(٦) وترك ، + ح.

(٧) عن مجاهد ، انظر البغوي ، ٥ / ٢١٤ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٦ / ٢٦.

(٨) عن عكرمة ، انظر البغوي ، ٥ / ٢١٤ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٦ / ٢٦.

(٩) انظر البغوي ، ٥ / ٢١٤ ـ ٢١٥ ؛ والكشاف ، ٦ / ٢٦. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث الصحيحة التي راجعتها.

(١٠) عن الحسن ، انظر البغوي ، ٥ / ٢١٤ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٦ / ٢٦ ـ ٢٧.

(١١) ملتبسة ، ح : ـ وي.

١٤١

(تَحِيدُ) [١٩] أي تميل وتهرب منه وتحسب (١) أنه لا ينزل عليك لمحبتك الحيوة الدنيا.

(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (٢٠))

(وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) أي وكذلك ينفخ في الصور وهو النفخة الأخيرة للبعث بعد الموت (ذلِكَ) أي وقت النفخ (يَوْمُ الْوَعِيدِ) [٢٠] أي اليوم الذي كان الكفار يوعدون بالعذاب فيه.

(وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (٢١))

(وَجاءَتْ) أي وكذلك تجيء (كُلُّ نَفْسٍ) يوم القيامة (مَعَها) ملك (سائِقٌ) يسوقها إلى المحشر (وَشَهِيدٌ) [٢١] أي وملك يشهد عليها بعملها ثم يقضي عليها إما (٢) إلى الجنة أو إلى النار أو ملك واحد جامع بين الأمرين.

(لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (٢٢))

(لَقَدْ كُنْتَ) أي يقال للكافر إذا رأى أهوال القيامة لقد كنت (فِي غَفْلَةٍ) أي في غطاء (مِنْ هذا) أي من هذا اليوم فلم تؤمن بربك وبرسوله (فَكَشَفْنا) أي أزلنا (عَنْكَ غِطاءَكَ) وهو الغفلة هنا فقد ظهر عندك بالمعاينة ما كنت مكذبا به في الدنيا (فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) [٢٢] أي حاد ناقد تدرك به الأشياء التي كنت تنكرها.

(وَقالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ (٢٣))

(وَقالَ قَرِينُهُ) بواو العطف على (جاءَتْ) ، أي وقال الشيطان الذي قيض له ، أي وكل به للإغواء ، يعني يقول قرينه يومئذ (هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ) [٢٣] أي هذا الرجل شيء حاضر لدي ، يعني في ملكي قد اعتقدته لجهنم باغوائى في الدنيا ، ف (ما) موصولة و (عَتِيدٌ) صفتها و (لَدَيَّ) معمول (عَتِيدٌ) ، والموصوف مع الصفة والمعمول في محل الرفع خبر المبتدأ وهو (هذا) أو (ما) موصولة مبتدأ و (لَدَيَّ) صلتها و (عَتِيدٌ) خبرها ، والجملة خبر (هذا) أو الموصول مع الصلة بدل من (هذا).

(أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (٢٤) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (٢٥) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ (٢٦))

قوله (أَلْقِيا) خطاب من الله للملكين السائق والشهيد (٣) ، وقيل : خطاب للواحد بتكرير الأمر للتأكيد ، أي ألق ألق (٤)(فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) [٢٤] أي كل جاحد بتوحيد الله مستكبر عن الإيمان.

(مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ) أي يمنع الزكوة من ماله (مُعْتَدٍ) أي ظالم لغيره (مُرِيبٍ) [٢٥] أي شاك في دين الله تعالى.

(الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) يعني أشرك بالله وهو مبتدأ ضمن معنى الشرط ، جوابه (فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ) [٢٦] من النار.

(قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَلكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (٢٧))

(قالَ قَرِينُهُ) بلا واو ، لأنه استئناف الكلام الواقع في حكاية التقاول بين الكافر والشيطان ، أي قال شيطانه حين ألقي الكافر في النار قال رب هو أطغاني (رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ) أي ما جعلته طاغيا ، إذ لا قوة لي أن أضله (وَلكِنْ كانَ) أي ولكنه طغى ووقع (فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) [٢٧] عن الحق والإيمان به.

(قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (٢٨))

(قالَ) أي يقول الله للكافر وشيطانه (لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ) أي عندي ، لأن الخصام لا ينفع بين أهل النار (وَقَدْ قَدَّمْتُ) في محل النصب على الحال من (لا تَخْتَصِمُوا) ، وهذا يقضي التقديم في الدنيا والخصومة في الآخرة ،

__________________

(١) وتحسب ، وي : وتجتنب ، ح.

(٢) إما ، ح : ـ وي.

(٣) هذا القول مأخوذ عن الكشاف ، ٦ / ٢٧ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٢٧١.

(٤) نقل المفسر هذا الرأي عن الكشاف ، ٦ / ٢٧ ـ ٢٨. وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٢١٥.

١٤٢

والحال يقتضي أن يكون العامل في مقارنا في الوجود وقد أولوه بأن المعنى لا تختصموا وقد صح عندكم أني قدمت إليكم بالوعيد (١) فحينئذ يجتمع صحة ذلك عندهم في الآخرة مع الخصومة كما هو مقتضى الحال ، أي والحال أنكم عرفتم تقديمي (إِلَيْكُمْ) في الدنيا (بِالْوَعِيدِ) [٢٨] والباء زائدة فيه أو «قدم» بمعنى تقدم ، فيكون متعدية (٢) ، يعني أخبرتكم وخوفتكم بالكتاب والرسل فيها ، أي بما أعددت لكم من العذاب هنا إن لم يؤمنوا (٣) ولا بد منه ، لأنه مقضي.

(ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٢٩))

(ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ) أي ما يغير حكمي (لَدَيَّ) بالثواب أو بالعقاب (٤)(وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [٢٩] أي لا أعذب أحدا بغير ذنب ما ، لأنه إفراط في الظلم عن العدل بالحق فنفى ذلك عنه ، وقيل : أطلق الظلام في العرف باعتبار جماعة المظلومين وأطلق الظالم باعتبار الواحد (٥).

(يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠))

(يَوْمَ نَقُولُ) أي اذكر يوم نقول (لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ) بمن ألقي فيك ، والاستفهام لوفاء الوعد بقوله (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ)(٦) وتوبيخ لداخليها (٧)(وَتَقُولُ) أي جهنم (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) [٣٠] أي من يزاد فيكون اسم مفعول كالمبيع أو مصدر ، أي هل من زيادة من الإنس والجن ، وإنما طلبت الزيادة تغيظا لداخليها (٨) ، روي : «أنه لا يلقى فيها فوج إلا ذهب ولا يمملأها شيء فتقول جهنم أقسمت يا رب لتملأني فيضع فيها قدمه ـ بفتح القاف ، أي قدم صدقه ـ ورحمته فتقول جهنم يا رب قط قط ـ بالسكون ، أي حسبي حسبي ، وفي رواية بكسر القاف ـ وهو أقوام سالفة فتمتلأ بهم» (٩) ، وقيل : معنى قوله (هَلْ مِنْ مَزِيدٍ) قد امتلأت فلم يبق في موضع يمتلئ (١٠) ، فيكون ردا للمزيد.

(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (٣١) هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (٣٢))

(وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ) أي قربت (لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ) [٣١] نصب على الظرف ، أي مكانا لا يبعد عنهم فينتطرون إليها قبل دخولها فاذا شاهدوا الجنة وما فيها يقال لهم (هذا) أي المشاهد (ما تُوعَدُونَ) من الجزاء في الدنيا ، قوله (لِكُلِّ أَوَّابٍ) قيل : بدل من (لِلْمُتَّقِينَ)(١١) ، والجملة بينهما اعتراضية ، وقيل : خبر مبتدأ محذوف (١٢) ، أي ذلك لكل رجاع عن الكفر والعصيان إلى التوحيد والطاعة (حَفِيظٍ) [٣٢] أي حافظ لأمر الله وحدوده جدا.

(مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (٣٣) ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (٣٤) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (٣٥))

قوله (مَنْ خَشِيَ) بدل بعد بدل أو خبر مبتدأ محذوف ، أي هو من خشي (الرَّحْمنَ) خشية ملتبسة (بِالْغَيْبِ) منه تعالى أو بسبب الغيب الذي أوعده من عذابه ، وإنما قرن اسمه الدال على سعة الرحمة بالخشية للثناء البليغ على الخاشي وهو خشية مع علمه أنه الواسع الرحمة كما أثني عليه بأنه خاش مع أن المخشي عليه غائب ، يعني من يخافه ويعمل بأمره ونهيه وهو في غيب منه (وَجاءَ) إليه (بِقَلْبٍ مُنِيبٍ) [٣٣] أي (١٣) مقبل على طاعته مخلصا ، وإنما وصف القلب بالإنابة ، لأن الاعتبار منها لما ثبت في القلب فيقال لهم (ادْخُلُوها) أي الجنة (بِسَلامٍ) حال ،

__________________

(١) إليكم بالوعيد ، ح : ـ وي.

(٢) متعدية ، ح : معدية ، وي.

(٣) إن لم يؤمنوا ، ح و : إن لم تؤمنوا ، ي.

(٤) أو بالعقاب ، ح و : والعقاب ، ي.

(٥) ولم أجد له مرجعا في المصادر التفسيرية التي راجعتها.

(٦) الأعراف (٧) ، ١٨ ؛ هود (١١) ، ١١٩ ؛ السجدة (٣٢) ، ١٣ ؛ ص (٣٨) ، ٨٥.

(٧) لداخليها ، وي : لداخلها ، ح.

(٨) لداخليها ، وي : لداخلها ، ح.

(٩) عن ابن عباس ، انظر البغوي ، ٥ / ٢١٦.

(١٠) هذا المعنى مأخوذ عن البغوي ، ٥ / ٢١٦.

(١١) هذا القول منقول عن الكشاف ، ٦ / ٢٩.

(١٢) ولم أجد له أصلا في المصادر التفسيرية التي راجعتها.

(١٣) أي ، وي : ـ ح.

١٤٣

أي بسلامة من العذاب والموت ومن كل مخوف أو يسلم الله تعالى عليهم أو بعضهم بعضا (ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ) [٣٤] أي الدخول يوم الدوام في الجنة لا خروج منها.

(لَهُمْ ما يَشاؤُنَ) أي يتمنون (فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) [٣٥] أي زيادة فوق ما عملوا (١) من التحف والكرامات ، وقيل : هو رؤية الله تعالى (٢).

(وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٦))

(وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ) أي قبل كفار مكة (مِنْ قَرْنٍ) أي أهلكنا قرونا كثيرة (هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ) أي من كفار مكة (بَطْشاً) أي أخذا وقوة (فَنَقَّبُوا) الفاء للسببية ، أي بطشوا بطشا شديدا فبذلك نقبوا ، يعني طافوا وتقلبوا في أسفارهم وتجاراتهم (فِي الْبِلادِ) أو (٣) فتشوا فيها ، فقيل (هَلْ مِنْ مَحِيصٍ) [٣٦] أي ملجأ ، يعني لم يجد وافيها مفرا لهم ولغيرهم من عذاب الله تعالى وإهلاكه.

(إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ (٣٧))

(إِنَّ فِي ذلِكَ) أي فيما فعل بهم (لَذِكْرى) أي لعظة (لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) أي قلب حاضر مع الله تعالى أو عقل يعقل بالقلب ولا يغفل ، لأن من لا يعي قلبه فكأنه لا قلب له (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ) أي أنصت إلى استماع القرآن ومواعظه (وَهُوَ شَهِيدٌ) [٣٧] أي والحال أنه حاضر بقلبه غير غائب عنه ، يعني غير غافل عن فهمه.

(وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ (٣٨))

قوله (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) نزل تكذيبا لليهود حين قالوا إن الله لما خلق السموات والأرض وفرغ منه استراح يوم السبت واستلقى على العرش (٤) ، أي لقد خلقناهما (وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) أولها الأحد وآخرها الجمعة (وَما مَسَّنا) أي ما أصابنا (٥)(مِنْ لُغُوبٍ) [٣٨] أي تعب وإعياء ، وإنما يستريح من يتعب ويعيى ونحن منزهون عن صفات المخلوقين.

(فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (٣٩))

(فَاصْبِرْ) يا محمد (عَلى ما يَقُولُونَ) أي اليهود أو المشركون من التشبيه والتكذيب والإيذاء ، ونسخ بآية السيف ، وقيل : محكم ، لأن الصبر مأمور به في كل حال (٦)(وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) أي صل لله حامدا له (قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) أي صلوة الفجر (وَقَبْلَ الْغُرُوبِ) [٣٩] وهي الظهر والعصر.

(وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبارَ السُّجُودِ (٤٠))

(وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ) أي صل له صلوة المغرب والعشاء (وَأَدْبارَ السُّجُودِ) [٤٠] بكسر الهمزة مصدر أدبر ، أي صل له وقت انقضاء السجود ، والمراد ركعتا المغرب ، وبفتح الهمزة (٧) جمع دبر ، أي وقت أدبارها وهي أعقاب الفرائض ، والمراد النوافل المسنونات أو المراد حقيقة التسبيح في هذه الأوقات.

(وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ (٤١))

(وَاسْتَمِعْ) أي أحضر سمعك يا محمد بما أخبرك به من حال يوم القيامة ، وفيه تهويل وتعظيم لشأن المخبر به ، قوله (يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ) ظرف لفعل مقدر ، يدل عليه ما بعده من يوم الخروج ، أي يخرجون من القبور يوم

__________________

(١) عملوا ، ح ي : علموا ، و.

(٢) هذا الرأي مأخوذ عن البغوي ، ٥ / ٢١٨.

(٣) أو ، ح و : أي ، ي.

(٤) عن الحسن وقتادة ، انظر الواحدي ، ٣٢٨ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٢٧٤ ؛ والكشاف ، ٦ / ٣٠.

(٥) ما أصابنا ، ح : ما أصابني ، وي.

(٦) أخذه المفسر عن الكشاف ، ٦ / ٣٠ ؛ وانظر أيضا هبة الله بن سلامة ، ٨٦.

(٧) «وأدبار» : كسر الهمزة المدنيان والمكي وحمزة وخلف ، وفتحها غيرهم. البدور الزاهرة ، ٣٠٣.

١٤٤

ينادي إسرافيل (مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ) [٤١](١) إلى السماء أقرب من جميع الأرض بثمانية عشر ميلا ، وهو صخرة بيت المقدس وهي وسط الأرض نافخا في الصور أيتها العظام البالية والأوصال المنقطعة واللحوم المتمزقة والشعور المتفرقة أن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء.

(يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ (٤٢))

قوله (يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ) بدل من (يَوْمَ يُنادِ) ، أي يخرجون يوم يسمعون النفخة الأخيرة من الصحرة ، وقيل : من تحت أقدامهم أو من منابت شعورهم يسمع من كل شعرة ذلك النداء (٢)(بِالْحَقِّ) أي بالبعث (ذلِكَ) أي يوم النداء (يَوْمُ الْخُرُوجِ) [٤٢] من القبور.

(إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ (٤٣))

(إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ) في الدنيا (وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ) [٤٣] في الآخرة بعد الإحياء من الموت لا يفوت منا أحد منهم.

(يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ (٤٤))

قوله (يَوْمَ تَشَقَّقُ) بتشديد واحد وبتشديدين (٣) ظرف ل (الْمَصِيرُ) أو بدل من (يَوْمَ) قبل ، أي يوم تصدع (الْأَرْضُ عَنْهُمْ) فيخرجون من القبور (سِراعاً) أي مسرعين إلى إجابة الداعي من غير التفات يمينا وشمالا (ذلِكَ) أي الخروج (حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ) [٤٤] أي هين سهل.

(نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ (٤٥))

قوله (نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَقُولُونَ) في البعث والتكذيب تهديد لهم وتسلية للنبي عليه‌السلام (وَما أَنْتَ) يا محمد (عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) أي بمسلط تقهرهم على الإسلام بل عليك بالبلاغ فقط ، نسخت بآية القتال (٤)(فَذَكِّرْ) أي عظهم (بِالْقُرْآنِ) أي بمواعظه وخوفهم بالعذاب الذي ذكر فيه (مَنْ يَخافُ وَعِيدِ) [٤٥] أي وعيدي بعقابي في الآخرة أو وعيدي بالهلاك في الدنيا دون المصر على كفره.

__________________

(١) أي ، + ح.

(٢) هذه الآراء منقولة عن الكشاف ، ٦ / ٣١.

(٣) «تشقق» : شدد الشين المدنيان والمكي والشامي ويعقوب ، وخففها غيرهم. البدور الزاهرة ، ٣٠٣.

(٤) نقل المؤلف هذا القول عن القرطبي ، ١٧ / ٢٨ ؛ وانظر أيضا هبة الله سلامة ، ٨٦ ؛ وابن الجوزي ، ٥٤.

١٤٥

سورة الذاريات

مكية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(وَالذَّارِياتِ ذَرْواً (١) فَالْحامِلاتِ وِقْراً (٢) فَالْجارِياتِ يُسْراً (٣))

قوله (وَالذَّارِياتِ) قسم أقسم الله بالرياح التي تذرو التراب وغيره (ذَرْواً) [١] مصدر ، عامله «الذَّارِياتِ» (فَالْحامِلاتِ) أي السحب التي تحمل الماء (وِقْراً) [٢] أي ثقلا ، مفعول به (فَالْجارِياتِ) وهي السفن التي تجري على الماء (يُسْراً) [٣] أي بسهولة في موضع الحال ، يعني ميسرة.

(فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً (٤) إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ (٥) وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ (٦))

(فَالْمُقَسِّماتِ) وهي الملائكة التي تقسم الأرزاق والأمطار وغيرها بين العباد والبلاد (أَمْراً) [٤] مفعول به ، أي أمر العباد أو حال ، أي مأمورة بالتقسيم أو مفعول له ، أي لأجل أمره تعالى لها ، والفاء في هذه الكلمات للتعقيب لاختلاف المعطوف والمعطوف عليه بالذات ، أي أقسم بالرياح فبالسحاب التي تسوقه فبالفلك الجارية بهبوبها فبالملائكة التي تقسم الأطار لتصريف الرياح السحاب ، وقيل : أقسم بها والمراد ربها ، وجواب القسم (١)(إِنَّما تُوعَدُونَ) أي إن الذي توعدونه من البعث والحساب (لَصادِقٌ) [٥] أي لوعد صادق (وَإِنَّ الدِّينَ) أي إن المجازاة على الأعمال (لَواقِعٌ) [٦] أي كائن لا محالة.

(وَالسَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ (٧) إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ (٨))

قوله (وَالسَّماءِ) قسم آخر أقسم الله بها (ذاتِ الْحُبُكِ) [٧] أي صاحبة الطرق ، جمع حبيكة كالطرق في الرمل إذا هبت عليه الريح أو حبكها النجوم التي تزينها ، قوله (إِنَّكُمْ) جواب القسم ، أي إنكم يا كفار قريش (لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ) [٨] أي متناقض بمعنى مصدق ومكذب في شأن محمد عليه‌السلام والقرآن أو مختلف بأن تقولوا شاعر ساحر كاهن ، وشعر سحر كهانة ، وهذا من التحير الشديد والجهل الغليظ فيكم.

(يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ (٩))

(يُؤْفَكُ) أي يصرف (عَنْهُ) أي عن الإيمان بمحمد عليه‌السلام (مَنْ أُفِكَ) [٩] أي من صرف في علمه تعالى عن الهداية بأن حقت (٢) عليه الشقاوة ، وذلك أن المشركين كانوا يصرفون الناس عن النبي عليه‌السلام والإيمان به ، ويجوز أن يعود الضمير في (عَنْهُ) إلى «ما توعدون» أو إلى (الدِّينَ).

(قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ (١٠) الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ (١١))

(قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ) [١٠] أي لعن الكذابون (الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ) أي في جهله تغمرهم وتغشاهم عن أمر الآخرة (ساهُونَ) [١١] أي غافلون عن المراد بهم وهو الإيمان والطاعة.

__________________

(١) لعل المصنف اختصره من الكشاف ، ٦ / ٣٢.

(٢) حقت ، وي : حققت ، ح.

١٤٦

(يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ (١٢) يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (١٣))

(يَسْئَلُونَ) أي الكفار يسألون استهزاء (أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) [١٢] أي أي وقت وقوع يوم الحساب بحذف المضاف عن ال (يَوْمَ) ، فأخبر الله تعالى عن ذلك اليوم بقوله (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) [١٣] أي يعذبون بالإحراق ، و (يَوْمَ هُمْ) منصوب بمضمر دل عليه السؤال أو مفتوح محله نصب كذلك ، أي يقع الوقوع يومهم أو خبر مبتدأ محذوف ، فمحله رفع ، وبني على الفتح لفظا لإضافته إلى الجملة بعده.

(ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (١٤) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٥) آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ (١٦) كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ (١٧))

(ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ) أي يقال لهم إذا عذبوا ذوقوا جزاء تكذيبهم (هذَا) أي العذاب الواقع بكم ، مبتدأ ، خبره (الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) [١٤] على وجه الاستهزاء ، ثم بين حال المصدقين بالبعث بقوله (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) [١٥] أي في بساتين وأنهار (آخِذِينَ) حال منهم ، أي قابلين وراضين بسرور (ما آتاهُمْ) أي أعطاهم (رَبُّهُمْ) من الثواب ، يعني ليس فيه ما يرد ، لأنه في غاية الجودة (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ) أي في الدنيا (مُحْسِنِينَ) [١٦] في أعمالهم ، وبين ذلك بقوله (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) [١٧] أي ينامون ، و (ما) زائدة و (قَلِيلاً) صفة مصدر محذوف ، أي هجوعا قليلا ، و (يَهْجَعُونَ) خبر «كان» ، يعني يذكرون ويصلون أكثر الليل ، وينامون أدناه ولا يصح أن يكون (ما) نافية ، ويكون المعنى : كانوا يحيون الليل كله ، لأن ما النافية لا يعمل ما بعدها فيما قبلها.

(وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (١٨))

(وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [١٨] من سيئاتهم ، قيل : يا رسول الله كيف الاستغفار؟ قال : «قولوا اللهم اغفر لنا وارحمنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم» (١).

(وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (١٩) وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ لِلْمُوقِنِينَ (٢٠))

(وَفِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ) أي نصيب (لِلسَّائِلِ) أي الذي يستجدي (وَالْمَحْرُومِ) [١٩] أي المتعفف الذي لا يسأل فيحرم لتعففه ، لأنه يحسب غنيا (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ) أي علامات ودلائل على التوحيد (لِلْمُوقِنِينَ) [٢٠] أي للموحدين السالكين طريق الهدى الناظرين بعيون باصرة ، فكلما رأوا آية من آيات الأرض كالبحار والأنهار والجبال والأشجار وغير ذلك عرفوا وجه تأملها فازدادوا يقينا مع يقينهم في إيمانهم.

(وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ (٢١) وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ (٢٢))

(وَفِي أَنْفُسِكُمْ) أي وفي خلق أنفسكم آيات أيضا تنقلها من حال إلى حال إلى الزوال ، وفي ظواهرها وبواطنها من عجائب الفطر وبدائع الخلق ما تتحير فيه العقول والأفهام (أَفَلا تُبْصِرُونَ) [٢١] صنع الله فتستدلون به على صانعه فتعلمون أنه قادر على أن يبعثكم بعد موتكم (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ) أي المطر الذي جعل سببا له (وَما تُوعَدُونَ) [٢٢] من الثواب والعقاب ، قيل : «الجنة والنار في السماء» (٢) ، وقيل : معناه أن الموعود كله مقدر مكتوب في السماء (٣).

(فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (٢٣))

(فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) أقسم الله بنفسه (إِنَّهُ) أي إن ما ذكر من الآيات والرزق وأمر النبي عليه‌السلام (لَحَقٌّ) أي لصدق (٤) لا ريب فيه (مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) [٢٣] أي مثل نطقكم ، ونصب «مثل» صفة مصدر

__________________

(١) روى ابن ماحة نحوه ، الأدب ، ٥٧.

(٢) ذكر الضحاك نحوه ، انظر البغوي ، ٥ / ٢٢٥ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٦ / ٣٥.

(٣) هذا المعنى مأخوذ عن الكشاف ، ٦ / ٣٥.

(٤) لصدق ، ح : صدق ، وي.

١٤٧

محذوف ، أي لحق حقا مثل نطقكم ، ورفعه صفة (لَحَقٌّ) ، لأنه نكرة لكثرة المماثل و (ما) مزيدة.

(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤))

(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ) [٢٤] أي أكرمهم الله تعالى كقوله (بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ)(١) ، أي بالعصمة والتأييد أو إكرامهم بأن إبراهيم خدمهم بنفسه وأخدمهم امرأته وعجل لهم القرى ، الاستفهام فيه تفخيم للحديث وتنبيه على أنه بالوحي لا من علم النبي عليه‌السلام.

(إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٢٥))

قوله (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ) نصب ب (الْمُكْرَمِينَ) أو باذكر مقدرة ، وهم كانوا اثني عشر ملكا منهم جبرائيل وميكائيل أو عشرة مع جبرائيل أو ثلاثة هو وميكائيل وملك آخر ، وسماهم ضيفا لأنه أضافهم بحسبانه كذلك (فَقالُوا) أي فعند دخولهم قالوا (سَلاماً) أي سلموا عليه سلاما ، فمعنى «قالوا» سلموا أو قالوا نسلم عليكم سلاما بالنصب المشعر على الفعل ليدل على التجدد المناسب لحال إبراهيم (قالَ) إبراهيم في رد السّلام عليهم الجملة الاسمية ليدل على الثبات المناسب لوصفهم وليكون أحسن السّلام كما أمر الله تعالى (سَلامٌ) بالرفع (٢) مبتدأ ، خبره «عليكم» ، فنكرهم من سلامهم الذي لم يكن علم الإسلام فقال لهم بالاستفهام أنتم (قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) [٢٥] لي فعرفوني من أنتم.

(فَراغَ إِلى أَهْلِهِ فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (٢٦) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٢٧) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (٢٨))

(فَراغَ) أي فمال (إِلى أَهْلِهِ) سرا للتأدب (فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ) [٢٦] أي مشوى.

(فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ) ليأكلوه فتركوه (قالَ) إنكارا عليهم بالهمزة أو حثا لهم على الأكل (أَلا تَأْكُلُونَ) [٢٧] فقالوا نحن لا نأكل بغير ثمن ، فقال كلوه وأعطوا الثمن فقالوا ما ثمنه قال بسم الله في أول الأكل والحمد لله في أخره فعجبت الملائكة لقوله فلما رآهم (٣) لا يأكلون ولم يتحرموا بطعامه.

(فَأَوْجَسَ) أي أضمر في نفسه (مِنْهُمْ خِيفَةً) أي خوفا ، لأنه ظنهم أعداء لعدم أكلهم ولغرابة شكلهم (قالُوا لا تَخَفْ) روي : «أن جبرائيل عليه‌السلام مسح العجل بجناحه فقام يمشي خلف أمه» (٤)(وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ) [٢٨] قيل : هو إسحق (٥) أو إسمعيل (٦).

(فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَها وَقالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (٢٩) قالُوا كَذلِكَ قالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٣٠) قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (٣١))

(فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ) أي صيحة وهو حال ، يعني فجاءت امرأته سارة تعجبا من البشارة بالولد (فَصَكَّتْ وَجْهَها) أي ضربت بيدها خديهما (وَقالَتْ) أنا (عَجُوزٌ عَقِيمٌ) [٢٩] أي عاقر فكيف ألد (قالُوا) أي قال جبرائيل لها (كَذلِكَ) أي مثل قولنا لك (قالَ رَبُّكِ) يعني يكون لك ولد (إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ) في أمره يحكم بالولد بعد الكبر (الْعَلِيمُ) [٣٠] بسر خلقه ووقت الولادة ، فلما علم إبراهيم أنهم (٧) ملائكة (قالَ) لهم (فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ) [٣١] أي ما شأنكم ولماذا جئتم.

__________________

(١) الأنبياء (٢١) ، ٢٦.

(٢) «سلام» : قرأ الأخوان بكسر السين وإسكان اللام ، وغيرهما بفتح السين واللام وألف بعدها. البدور الزاهرة ، ٣٠٣.

(٣) فلما رآهم ، ح : وإذ رآهم ، وي.

(٤) ذكر عون بن شداد نحوه ، انظر الكشاف ، ٦ / ٣٦.

(٥) عن الحسن ، انظر الكشاف ، ٦ / ٣٦.

(٦) عن مجاهد ، انظر الكشاف ، ٦ / ٣٦.

(٧) أنهم ، وي : أنه ، ح.

١٤٨

(قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٣٢) لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ (٣٣) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ (٣٤) فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٣٥))

(قالُوا إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) [٣٢] وهم قوم لوط (لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ) [٣٣] مطبوخ بالنار (مُسَوَّمَةً) من السومة وهي العلامة ، أي معلمه عليها باسم من يرمى بها (عِنْدَ رَبِّكَ) أي جاءت الحجارة من عند ربك (لِلْمُسْرِفِينَ) [٣٤] الذين لم يقنعوا بما أبيح لهم من النسوان للحرث بل أتوا الذكران فاغتم إبراهيم عليه‌السلام لأجل لوط فيهم فقال تعالى (فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها) أي في قرى لوط (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [٣٥] ولم يجر لها ذكر لكونها معلومة.

(فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٣٦) وَتَرَكْنا فِيها آيَةً لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٣٧))

(فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ) أي إلا بيتا (مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [٣٦] وهو بيت لوط وأهله وكانوا ثلاثة عشر ، وصفوا بالإيمان والإسلام لأنهما صفتا مدح ، وفيه دليل أن الإيمان والإسلام واحد أو إشارة إلى أنهم جمعوا بين الوصفين لا إلى أنهما واحد (وَتَرَكْنا فِيها آيَةً) أي عبرة (لِلَّذِينَ يَخافُونَ الْعَذابَ الْأَلِيمَ) [٣٧] من بعد إهلاكهم.

(وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨))

قوله (وَفِي مُوسى) عطف على قوله (وَتَرَكْنا فِيها آيَةً) ، أي وجعلنا في موسى ، يعني في شأن ، وخبره (آيَةً) ، قوله (إِذْ أَرْسَلْناهُ) ظرف ل «تَرَكْنا» (إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) [٣٨] حال من «موسى» ، أي ملابسا بحجة واضحة كاليد والعصا.

(فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٣٩) فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ (٤٠))

(فَتَوَلَّى) أي أعرض فرعون (بِرُكْنِهِ) أي بجنوده عن الإيمان ، وسماهم ركنا لأنهم له كالركن للبناء في التقوية (وَقالَ) فرعون لموسى هو (ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ [٣٩] فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ) أي طرحناهم (فِي الْيَمِّ) أي في البحر ، يعني أغرقناهم أجمعين (وَهُوَ) أي فرعون (مُلِيمٌ) [٤٠] أي والحال أنه يلوم نفسه بذنبه وكفره ويلومه الناس به من قولهم ألام الرجل إذا أتى بذنب يلام عليه ، وهو تكذيب الرسل ودعوى الألوهية ، واللوم يقع على الصغيرة والكبيرة.

(وَفِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (٤١) ما تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (٤٢) وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُوا حَتَّى حِينٍ (٤٣))

(وَفِي عادٍ) أي تركنا في إهلاك عاد آية (إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ) [٤١] أي التي لا خير فيها لأنها ريح الهلاك.

(ما تَذَرُ) أي ما يترك (مِنْ شَيْءٍ) أي من أنفسهم وأموالهم (أَتَتْ) أي مرت (عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ) أي صيرته (كَالرَّمِيمِ) [٤٢] أي كالورق البالي المتفتت ، من رم إذا تفتت من البلي كالعظم والنبات.

(وَفِي ثَمُودَ) أي (١) وتركنا في إهلاك ثمود آية وهم قوم صالح (إِذْ قِيلَ لَهُمْ) أي قال نبيهم صالح (تَمَتَّعُوا) أي عيشوا (حَتَّى حِينٍ) [٤٣] أي إلى انقضاء آجالكم وهي ثلاثة أيام.

(فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ (٤٤) فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ (٤٥) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (٤٦))

(فَعَتَوْا) أي تكبروا (عَنْ) امتثال (أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ) أي النار النازلة التي تحرق (وَهُمْ

__________________

(١) أي ، وي : ـ ح.

١٤٩

يَنْظُرُونَ) [٤٤] إليها نهارا يعاينوها (فَمَا اسْتَطاعُوا مِنْ قِيامٍ) أي ما قدروا على النهوض عن نزول العذاب حتى أهلكوا (وَما كانُوا مُنْتَصِرِينَ) [٤٥] أي ممتنعين ممن أهلكهم بدفع عذابه.

قوله (وَقَوْمَ نُوحٍ) بالجر عطف على (وَفِي ثَمُودَ) وبالنصب (١) بمضمر ، أي أهلكنا قوم نوح (مِنْ قَبْلُ) أي قبل إهلاك هؤلاء المذكورين (إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ) [٤٦] أي عاصين أمر ربهم.

(وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (٤٧))

ثم بين لأهل مكة قدرته الباهرة ليعتبروا فيؤمنوا بقوله (وَالسَّماءَ بَنَيْناها) أي خلقناها (بِأَيْدٍ) أي بقوة وقدرة (وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) [٤٧] أي قادرون على أن نوسع ما بين السماء والأرض أو نوسع الرزق بالمطر لمن بينهما.

(وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (٤٨) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٤٩))

(وَالْأَرْضَ فَرَشْناها) أي بسطناها مسيرة خمسمائة عام من تحت الكعبة (فَنِعْمَ الْماهِدُونَ) [٤٨] نحن (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ) من الحيوان (خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) ذكرا وأنثى أو من كل شيء صنفين كالسماء والأرض ، والسهل والجبل ، والصيف والشتاء ، والشمس والقمر ، والليل والنهار ، والدنيا والآخرة ، والأسود الأبيض ، فكل اثنين زوج والله فرد (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [٤٩] أي فعلنا ذلك كله لعلكم تتعظون فتعرفون الخالق فتوحدونه وتطيعونه.

(فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥٠) وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٥١))

(فَفِرُّوا) أي فقل يا محمد توبوا (إِلَى اللهِ) من الذنوب أو فروا من عذابه إلى رحمته (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ) أي من الله (نَذِيرٌ مُبِينٌ) [٥٠] أي مخوف بالنار المحرقة (وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) أي لا تشركوا به شيئا (إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) [٥١] وكرره حرصا على هدايتهم.

(كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢))

قوله (كَذلِكَ) الآية تعزية للرسول (٢) صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أي مثل ما قال كفار قريش في شأنك من الأوصاف المذمومة والتكذيب (ما أَتَى) لم يجئ (الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي قبل كفار مكة من الأمم الماضية (مِنْ رَسُولٍ) أي لم يأتهم رسول و (مِنْ) زائدة (إِلَّا قالُوا) لرسولهم هو (ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) [٥٢].

(أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٥٣))

ثم قال بالاستفهام الإنكاري مبالغة في تكذيبهم رسولهم (أَتَواصَوْا) أي الأولون والآخرون (بِهِ) أي بالقول الذي قالوه من الوصف والتكذيب فجعلوا كلمتهم كلمة واحدة ، فقال تعالى لم يتواصوا به (بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) [٥٣] أي لم يقع تكذيبهم توصية منهم لبعد الزمان بل جمعهم على ذلك العلة الواحدة وهي كونهم طاغين أي عاتين في معصية الله.

(فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ (٥٤) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (٥٥))

(فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) أي أعرض عن إنذارهم (فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ) [٥٤] لأنك بلغت الرسالة فلا تلام على ذلك (وَذَكِّرْ) أي عظ بالقرآن (فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) [٥٥] أي من علم تعالى أنه يؤمن أو تزيد التذكرة إيمان المؤمن.

(وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (٥٦))

(وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [٥٦] أي ليعرفون ، وهذا الكلام خاص بمؤمني (٣) الفريقين أو عام ، ومعنى «يعبدون» يوحدون ويطيعون ، أي لم أخلقهم إلا لأجل العبادة باختيارهم لينالوا الشرف والكرامة عندي ولم أقسرهم عليها ، إذ لو قسرتهم عليها لوجدت منهم وأنا غني عنهم وعن عبادتهم.

__________________

(١) «وقوم» : قرأ البصري والأخوان وخلف بخفض الميم ، والباقون بنصبها. البدور الزاهرة ، ٣٠٤.

(٢) للرسول ، وي : للنبي ، ح.

(٣) بمؤمني ، وي : بمؤمن ، ح.

١٥٠

(ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (٥٧) إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٥٨))

(ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ) لي ولا لأنفسهم وغيرهم بالتكليف (وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) [٥٧] بكسر النون ، أي أحدا من خلقي بالتكليف ، لأن الخلق عيال الله فمن أطعم عيال رجل فكأنما أطعمه (إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ) لجميع خلقه (ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [٥٨] أي الشديد الغالب على أعدائه ، فاشتغلوا بما أمرتكم به تفلحوا وتسعدوا ، فإني لم أكلفكم ما يصدكم عن تحصيل ذلك.

(فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوباً مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحابِهِمْ فَلا يَسْتَعْجِلُونِ (٥٩))

(فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) أنفسهم بالشرك والمعصية (ذَنُوباً) أي نصيبا من العذاب (مِثْلَ ذَنُوبِ) أي نصيب (أَصْحابِهِمْ) الهالكين قبلهم والذنوب في الأصل هو الدلو الكبير ، فاستعير للنصيب (فَلا يَسْتَعْجِلُونِ) [٥٩] بالعذاب نهي عن الاستعجال به والنون للوقاية.

(فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٦٠))

(فَوَيْلٌ) أي شدة العذاب (لِلَّذِينَ كَفَرُوا) ولم يؤمنوا (مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) [٦٠] فيه بالهلاك في الدنيا أو بالعذاب يوم القيامة كالنضر بن الحارث ، فانه استعجل بالعذاب فأهلك يوم بدر.

١٥١

سورة الطور

مكية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(وَالطُّورِ (١))

قوله (وَالطُّورِ) [١] قسم وهو جبل في اللغة السريانية ، والمراد به الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه‌السلام بمدين واسمه زبير.

(وَكِتابٍ مَسْطُورٍ (٢) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (٣))

(وَكِتابٍ مَسْطُورٍ) [٢] أي مكتوب (فِي رَقٍّ) أي جلد (مَنْشُورٍ) [٣] أي مفتوح يقرأ وهو القرآن أو الذي كتب لموسى من التورية أو اللوح المحفوظ أو الذي كتب فيه أعمال بني آدم (١) يقرؤنه يوم القيامة مفتوحا.

(وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (٤))

(وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ) [٤] وهو البيت الذي في السماء الثالثة حيال الكعبة معمور بالملائكة ، لأنه يحجه كل يوم سبعون ألف ملك ولا يعودون إليه أبدا ، وقيل : هو الكعبة لعمارتها بالحجاج والعمار والمجاورين (٢) ، وقيل : كان بيت أنزله الله تعالى بمكة من ياقوتة يطوف به آدم وذريته من بعده إلى زمان الطوفان ، فرفع إلى السماء وهو البيت المعمور وطوله كما بين السماء والأرض (٣).

(وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ (٥) وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (٦) إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ (٧) ما لَهُ مِنْ دافِعٍ (٨))

(وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ) [٥] وهو العرش أو السماء ، (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) [٦] أي المحمى بالنار ، من سجرت التنور إذا أحميته أو المملو تحت العرش وهو بحر الحيوان يمطر منه على الموتى بعد النفخة الأخيرة فينبتون في قبورهم ، وواو القسم ما في (وَالطُّورِ) ، والباقي للعطف ، وجواب القسم (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ) [٧] أي نازل (ما لَهُ مِنْ دافِعٍ) [٨] أي ليس له من يدفعه إذا نزل بمستحقه.

(يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً (٩))

قوله (يَوْمَ تَمُورُ) ظرف ل «واقع» أو ل (دافِعٍ) ، أي في يوم تدور (السَّماءُ) بأهلها (مَوْراً) [٩] أي دورا بحيث يموج بعضهم في بعض (٤) من الخوف.

(وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً (١٠) فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١١))

(وَتَسِيرُ الْجِبالُ) عن أماكنها (سَيْراً) [١٠] بحيث تصير هباء منثورا على وجه الأرض لهول ذلك اليوم (فَوَيْلٌ) أي شدة العذاب (يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) [١١] الرسل.

__________________

(١) بني آدم ، وي : الخلائق ، ح.

(٢) هذا القول منقول عن الكشاف ، ٦ / ٤٠.

(٣) أخذه المؤلف عن السمرقندي ، ٣ / ٢٨٢.

(٤) بعض ، وي : بعضهم ، ح.

١٥٢

(الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (١٢) يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (١٣) هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ (١٤))

ثم وصفهم بقوله (الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ) أي في اندفاع في الباطل (يَلْعَبُونَ) [١٢] استهزاء بالرسول (١)(يَوْمَ يُدَعُّونَ) ظرف للقول المقدر ، أي يقال لهم تبكيتا يوم يدفعون بعنف (إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا) [١٣] أي دفعا عنيفا بأن يجمع أيديهم إلى أعناقهم ونواصيهم إلى أقدامهم ، ثم يدفعون في النار ، والمقول لهم (هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ) [١٤] في الدنيا.

(أَفَسِحْرٌ هذا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ (١٥))

(أَفَسِحْرٌ هذا) أي العذاب الذي ترون لأنفسكم ، لأنهم قالوا للرسل قولهم سحر (أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ) [١٥] النار ، والاستفهام للتقريع ، أي أأنتم عمي عن هذا (٢) المخبر عنه كما كنتم عمياء عن خبره.

(اصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٦))

(اصْلَوْها) أي ادخلها (فَاصْبِرُوا) عليها (أَوْ لا تَصْبِرُوا) قوله (سَواءٌ) خبر مبتدأ محذوف ، أي صبركم وعدمه سواء (عَلَيْكُمْ) لأن صبركم لا ينفعكم لعدم النجاة لكم منها أبدا (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [١٦] في الدنيا من (٣) الشرك والتكذيب فلا منفعة للصبر.

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ (١٧) فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ (١٨))

قوله (إِنَّ الْمُتَّقِينَ) بيان لحال المتقين من الشرك والتكذيب ، أي إنهم يوم القيامة (فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ) [١٧] أي تنعم بأنواع النعم (فاكِهِينَ) أي متلذذين فرحين (بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) في الجنة من الكرامة ، قوله (وَوَقاهُمْ) عطف على (فِي جَنَّاتٍ) أو على (آتاهُمْ) ، أي حفظهم ودفع عنهم (رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ) [١٨] أي النار.

(كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٩))

ثم يقال لهم (كُلُوا وَاشْرَبُوا) من ألوان الطعام والشراب (هَنِيئاً) أي هنأكم الأكل والشرب ، لأنه لا تنغيص فيه ولا خوف من الآفات كما كان في الدنيا.

قوله (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [١٩] متعلق ب (هَنِيئاً) أو متعلق ب (كُلُوا وَاشْرَبُوا) ، أي بسبب أعمالكم التي عملتم في الدنيا.

(مُتَّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ (٢٠) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ (٢١))

قوله (مُتَّكِئِينَ) حال من ضمير (فِي جَنَّاتٍ) عائد إلى «الْمُتَّقِينَ» (عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ) أي قد صف بعضها إلى جنب بعض (وَزَوَّجْناهُمْ) أي قرناهم (بِحُورٍ عِينٍ) [٢٠] أي ببيض (٤) حسان الأعين وعظامها.

(وَالَّذِينَ آمَنُوا) أي وبالرفقاء والجلساء الذين صدقوا بالرسل والبعث ، يعني يتلذذون تارة بمصاحبة الحور وتارة بموانسة الإخوان المؤمنين (وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ) وقرئ «ذرياتهم» بضم التاء فيهما فاعلا و (أَتْبَعْناهُمْ) بقطع الهمزة وسكون التاء والعين مع جمع «ذرياتهم» (٥) ، وكسر التاء فيه مفعولا ثانيا ل «أَتْبَعْناهُمْ» (بِإِيمانٍ) بالرسل والبعث إن كانوا كبارا ، فالتنوين فيه للتقليل أو بايمان آبائهم إن كانوا صغارا ، فالتنونين للتعظيم (أَلْحَقْنا بِهِمْ

__________________

(١) بالرسول ، وي : بالرسل ، ح.

(٢) هذا ، وي : هذه ، ح.

(٣) من ، وي : بين ، ح.

(٤) ببيض ، ح : بيض ، وي.

(٥) «ذريتهم» : قرأ البصري بألف بعد الياء على الجمع مع كسر التاء ، وابن عامر ويعقوب بألف بعد الياء على الجمع أيضا مع رفع التاء ، والباقون بحذف الألف على التوحيد مع رفع التاء. البدور الزاهرة ، ٣٠٥.

١٥٣

ذُرِّيَّتُهُمْ) مفردا وجمعا (١) ، أي أدخلناهم مع آبائهم الجنة ، قيل : إن الولد الصغير يحكم باسلامه تبعا لأحد ألأبوين ، والولد الكبير المسلم ألحق بأبيه الصالح في درجته بايمان نفسه وإن لم يبلغ عمله عمله تكرمة لأبيه (٢)(وَما أَلَتْناهُمْ) بفتح اللام وكسرها (٣) ، أي ما نقصناهم (مِنْ عَمَلِهِمْ) أي (٤) من ثواب عمل الآباء بسبب الأبناء (مِنْ شَيْءٍ) أي شيئا ، ف (مِنْ) زائدة (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ) من عمله الخير (رَهِينٌ) [٢١] أي مرهون نفسه عند الله بعمله الصالح الذي هو دين عليه إن أداه كما هو المطلوب منه فكه (٥) من الرهن وإلا أوبقه أو المعنى : أن المرء يوم القيامة محبوس بعمله الخير والشر ومطالب لأجل الجزاء به.

(وَأَمْدَدْناهُمْ بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (٢٢) يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ (٢٣))

قوله (وَأَمْدَدْناهُمْ) عطف على قوله (وَما أَلَتْناهُمْ) ، أي زدناهم في وقت بعد وقت (بِفاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ) [٢٢] وإن لم يصرحوا بطلبه.

(يَتَنازَعُونَ) أي يتعاطون بينهم (فِيها) أي في الجنة (كَأْساً) أي قدح الخمر (لا لَغْوٌ فِيها) أي لا باطل من القول في شربها (وَلا تَأْثِيمٌ) [٢٣] بالفتح والرفع فيهما (٦) ، أي لا عمل لهم فيها يوجب الإثم بسبب شرب الخمر كشاربي خمر الدنيا ، لأنها لا تزيل العقول.

(وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ (٢٤))

(وَيَطُوفُ) أي يدور (عَلَيْهِمْ) مع ذلك التنعم للخدمة (غِلْمانٌ) أي أرقاء (لَهُمْ) مخصوصون (٧) بهم (كَأَنَّهُمْ) حسنا ولطافة (لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ) [٢٤] أي مصون في الصدف لم تمسه الأيدي ، قال عليه‌السلام : «إن أدنى أهل الجنة منزلة من ينادي الخادم من خدامه فيجيبه ألف ببابه لبيك لبيك» (٨).

(وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٥))

(وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) بعد اجتماعهم ودوران الكأس عليهم (يَتَساءَلُونَ) [٢٥] أي يسأل في الجنة بعضهم بعضا تلذذا واعترافا بالنعمة العظيمة عن سبب الوصول إليها.

(قالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ (٢٦) فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ (٢٧))

(قالُوا) أي أجابوا عن ذلك بقوله (إِنَّا كُنَّا قَبْلُ) أي في الدنيا (فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ) [٢٦] أي (٩) خائفين من عذابه تعالى بعصيانه (فَمَنَّ اللهُ) أي تفضل (عَلَيْنا) بالرحمة والمغفرة (وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ) [٢٧] أي دفعه عنا ، و (السَّمُومِ) اسم من أسماء جهنم.

__________________

(١) «ذريتهم» : قرأ المدنيان والبصريان والشامي بألف بعد الياء على الجمع مع كسر التاء ، والباقون بحذف الألف على التوحيد مع نصب التاء. البدور الزاهرة ، ٣٠٥.

(٢) أخذه المؤلف عن البغوي ، ٥ / ٢٣٤.

(٣) «ألتناهم» : قرأ ابن كثير بكسر اللام ، وغيره بفتحها. البدور الزاهرة ، ٣٠٥.

(٤) أي ، وي : ـ ح.

(٥) فكه ، ح و : ففكه ، ي.

(٦) «لا لغو» ، «ولا تأثيم» : قرأ المكي والبصريان بفتح الواو من «لغو» والميم من «تأثيم» من غير تنوين ، والباقون برفعهما مع التنوين وأبدل همز «تأثيم» في الحالين ورش والسوسي وأبو جعفر وفي الوقف حمزة. البدور الزاهرة ، ٣٠٥.

(٧) مخصوصون ، ي : يحضرون ، ي ، محضرون ، و؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٦ / ٤٢.

(٨) انظر الكشاف ، ٦ / ٤٢. ولم أعثر عليه بهذا اللفظ في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها. وروى أحمد بن حنبل في مسنده (٣ / ٧٦): «إن أدنى أهل الجنة منزلة الذي له ثمانون ألف خادم واثنان وسبعون زوجة ..».

(٩) أي ، وي : ـ ح.

١٥٤

(إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (٢٨))

(إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ) أي قبل البعث (نَدْعُوهُ) أي نعبده بالتوحيد (إِنَّهُ) بالفتح ، أي لأنه ، وبالكسر استئناف (١) ، أي إن الله (هُوَ الْبَرُّ) أي المحسن الصادق في وعده (الرَّحِيمُ) [٢٨] أي العظيم الرحمة.

(فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ (٢٩))

(فَذَكِّرْ) أي دم يا محمد على تذكير المشركين بالقرآن وإن لم يصدقوك ولا تبال عن قولهم لك ساحر شاعر كاهن مجنون ، لأنه قول متناقض (فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) الباء للسببية ، أي بأنعامه عليك بصدق النبوة ورجاحة (٢) العقل (بِكاهِنٍ وَلا مَجْنُونٍ) [٢٩] الباء زائدة للتأكيد في النفي.

(أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (٣٠))

قوله (أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ) «أَمْ» فيه بمعنى بل وكذلك في الباقي إلا أن ما بعد بل متيقن وما بعد (أَمْ) مشكوك فيه مسؤول عنه ، تقديره : بل أيقولون هو شاعر (نَتَرَبَّصُ) أي ننتظر (بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) [٣٠] أي ما يقلق النفوس من حوادث الدهر فيهلك كما يهلك غيره من الشعراء أو ال (رَيْبَ) بمعنى الرائب ، أي القالع و (الْمَنُونِ) الموت ، من المن وهو القطع ، لأن الموت قطوع ، يعني ننتظر موته كما مات أبوه شابا.

(قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (٣١) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ (٣٢))

(قُلْ) يا محمد (تَرَبَّصُوا) أي انتظروا موتي (فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ) [٣١] هلاككم فعذبوا بالسيف يوم بدر (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ) أي عقولهم وتدلهم (بِهذا) أي بهذا القول الباطل المتناقض (٣) وهو ساحر شاعر كاهن ، إذ الكل يفتقر إلى دقة نظر مع قولهم له مجنون وهو مغلوب العقل عن دقة النظر (أَمْ) أي بل (هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) [٣٢] أي عاتون في عصيان الله.

(أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ (٣٣) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (٣٤))

(أَمْ) أي بل (٤)(يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ) أي اختلق القرآن محمد (٥)(بَلْ لا يُؤْمِنُونَ) [٣٣] أي لم يمتنعوا عن الإيمان بالقرآن ، لأنه (٦) مختلق بل لا يؤمنون لفرط تكبرهم ، فان كان القرآن ما زعموا مختلقا (فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ) مختلق (مِثْلِهِ) أي مثل القرآن (إِنْ كانُوا صادِقِينَ) [٣٤] في قولهم إنه مختلق.

(أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ (٣٥))

(أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ) أي احدثوا على هذا الشكل من غير محدث أو من غير أب وأم ، فهم جماد لا يعقلون أو خلقوا لغير شيء من الأمر والنهي (أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ) [٣٥] أنفسهم والكل مستحيل فلا بد للخلق من خالق وهو الله ، فهلا يوحدون خالقهم ويؤمنون بأنه يبعثهم يوم القيامة.

(أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ (٣٦))

(أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) فلذلك لا يعبدون خالقهما (بَلْ لا يُوقِنُونَ) [٣٦] أي إنهم لا ينكرون عند السؤال عنهم من خالقهما يقولون هو الله بل لا يوقنون فيما يقولون ، لأنهم شاكون فيه (٧) ، فلذا يشركون به.

__________________

(١) «إنه» : فتح الهمزة المدنيان والكسائي ، وكسرها غيرهم. البدور الزاهرة ، ٣٠٦.

(٢) رجاحة ، وي : زجاجة ، ح.

(٣) المتنافض ، وي : المناقض ، ح.

(٤) أي بل ، ح : ـ وي.

(٥) عليه‌السلام ، + ح.

(٦) لأنه ، ح ي : لأن ، و.

(٧) فيه ، وي : ـ ح.

١٥٥

(أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ (٣٧))

(أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ) أي مفاتح خزائن (رَبِّكَ) من الرزق والنبوة وغيرهما فيخصوا من شاؤا بما شاؤا (١) كقولهم أألقي الذكر عليه من بيننا (أَمْ هُمُ) المسيطرون) [٣٧] أي المسلطون الجبارون على الناس فيجبرونهم على ما يشاؤن بل الله يختار من يشاء منهم ، قرئ بالسين والصاد (٢).

(أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (٣٨))

(أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ) أي سبب منصوب يرتقون عليه إلى السماء (يَسْتَمِعُونَ فِيهِ) الوحي من الله أو من الملائكة فيقولون ما شاؤا ، فان كان كذلك (فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ) فرضا على دعواه (بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) [٣٨] أي بحجة واضحة.

(أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (٣٩))

قوله (أَمْ لَهُ الْبَناتُ) بزعمكم (وَلَكُمُ الْبَنُونَ) [٣٩] تقريع بالخطاب وبيان لفرط جهلهم وغاية حماقتهم بأنهم جعلوا لله ما كرهوا لأنفسهم.

(أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٠))

(أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً) يا محمد على الإنذار (فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ) أي من غرم وهو ما يجب أداؤه ، يعني من أجله (مُثْقَلُونَ) [٤٠] أي يثقل عليهم فلا يؤمنون لأجل الأجر ، يعني لا عذر لهم أصلا في الامتناع من الإيمان.

(أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (٤١))

(أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ) أي اللوح المحفوظ فيعلمون منه أن محمدا يكذب وإنه يموت قبلهم (فَهُمْ يَكْتُبُونَ) [٤١] من اللوح المحفوظ ويخبرون الناس أن لا بعث ولا جزاء أو معنى (يَكْتُبُونَ) يحكمون بذلك.

(أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (٤٢))

(أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً) أي مكرا بك ليهلكوك به وهو كيدهم في دار الندوة بك وبالمؤمنين (فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ) [٤٢] أي المغلوبون المهلكون جزاء كيدهم كما أهلكوا يوم بدر.

(أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٤٣))

(أَمْ لَهُمْ إِلهٌ) يستحق العباد (غَيْرُ اللهِ) أو يمنعهم من عذابنا فلذلك (٣) أشركوا به تعالى (سُبْحانَ اللهِ) أي تنزيها لله تعالى (عَمَّا يُشْرِكُونَ) [٤٣] به من الآلهة والاستفهام في جميع هذه الأقوال مع علمه تعالى بأحوالهم للتقبيح عليهم والتوبيخ (٤) لهم ، وقيل : للزجر والوعيد (٥).

(وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ (٤٤))

ثم قال تجهيلا لهم (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً) أي قطعا (مِنَ السَّماءِ ساقِطاً) عليهم ليعذبوا به (يَقُولُوا) عنادا وجهلا هذا (سَحابٌ مَرْكُومٌ) [٤٤] أي متراكب بعضه على بعض لنرتوي (٦) به بعد ، قالوا لا نؤمن بك حتى تسقط علينا كسفا من السماء فلا يؤمنون من قساوة قلوبهم لو فعلنا ذلك.

__________________

(١) بما شاؤا ، وي : ـ ح.

(٢) «المسيطرون» : قرأ قنبل وهشام وحفص بخلف عنه السين ، وحمزة بخلف عن خلاد باشمام الصاد زايا ، والباقون بالصاد الخالصة وهو الوجه الثاني لحفص وخلاد ، والإشمام لخلاد أصح وجهيه ولا يخفى ترقيق الراء لورش. البدور الزاهرة ، ٣٠٦.

(٣) فلذلك ، وي : لذلك ، ح.

(٤) للتقبيح عليهم والتوبيخ ، وي : التقبيح عليهم وللتوبيخ ، ح.

(٥) ولم أجد له مأخذا في المصادر التفسيرية التي راجعتها.

(٦) لنرتوي ، وي : لترتوي ، ح.

١٥٦

(فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ (٤٥))

(فَذَرْهُمْ) أي دعهم يخوضوا ويلعبوا (حَتَّى يُلاقُوا) أي يعاينوا (يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ) [٤٥] أي يموتون أو يعذبون وهو يوم القيامة ، قرئ معلوما ومجهولا (١).

(يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٦))

قوله (يَوْمَ لا يُغْنِي) بدل من (يَوْمَهُمُ) ، أي يوم لا ينفع (عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) [٤٦] أي يمنعون من العذاب النازل بهم.

(وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً دُونَ ذلِكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٤٧))

(وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذاباً) أي القتل ببدر أو عذاب القبر (دُونَ ذلِكَ) أي قبل عذاب النار (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [٤٧] بذلك.

(وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ (٤٨))

(وَاصْبِرْ) يا محمد (لِحُكْمِ رَبِّكَ) فيهم بالإمهال أو بما أمرك به ونهاك عنه أو اصبر على تكذيبهم وآذاهم (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) رعاية فنحن نحفظك (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) أي قل سبحان الله وبحمده (حِينَ تَقُومُ) [٤٨] من منامك أو من مجلسك ليكون كفارة لكلام الدنيا فيه أو صل صلوة الفجر والظهر والعصر.

(وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبارَ النُّجُومِ (٤٩))

(وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ) أي فصل (٢) صلوة المغرب والعشاء أو المراد حقيقة التسبيح ، قوله (وَإِدْبارَ) بالكسر مصدر ، وبالفتح (٣) جمع دبر ظرف للتسبيح المقدر ، أي سبح عقيب غروب (النُّجُومِ) [٤٩] حقيقة أو صل الركعتين اللتين (٤) قبل الفجر عند غروب النجوم.

__________________

(١) «يصعقون» : ضم الياء ابن عامر وعاصم ، وفتحها غيرهما. البدور الزاهرة ، ٣٠٦.

(٢) فصل ، ح : صل ، وي.

(٣) هذه القراءة مأخوذة عن الكشاف ، ٦ / ٤٥.

(٤) اللتين ، وي : ـ ح.

١٥٧

سورة النجم

مكية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(وَالنَّجْمِ إِذا هَوى (١) ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (٢))

(وَالنَّجْمِ) أي أقسم بالقرآن أو الثريا أو بجميع النجوم ، والعامل في (إِذا هَوى) [١] أقسم ، أي إذا نزل نجوما في عشرين سنة أو إذا غاب وسقط (ما ضَلَّ) أي لم يعدل (صاحِبُكُمْ) أي محمد عن طريق الهداية (وَما غَوى) [٢] أي ما انهمك في الباطل ، نزل السورة حين قال قريش يا محمد تركت دين آبائك وتنطق من تلقاء نفسك (١) ، فقال تعالى ما ترك دين أبيه إبراهيم.

(وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى (٣) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى (٤))

(وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) [٣] أي عن (٢) هوى نفسه ، لأنه كلف باظهار التوحيد ورفع الشرك ونشر شريعة ربه (إِنْ هُوَ) أي ما نطقه بالقرآن (إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) [٤] إليه من السماء لا يتكلم من تلقاء نفسه كزعمكم.

(عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى (٥) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى (٦) وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى (٧))

(عَلَّمَهُ) أي علم محمدا الموحى ملك (شَدِيدُ الْقُوى) [٥] جمع القوة وهي الطاقة ، أي شديد قواه وهو جبرائيل عليه‌السلام وهي قلعه قرى قوم لوط من الماء الأسود بجناحه إلى السماء وتقليبها وصيحته صيحة بثمود فأهلكوا ونفخه (٣) إبليس بجناحه وإلقاؤه في أقصى جبل في الهند لما رأى (٤) أنه يكلم مع عيسى عليه‌السلام (ذُو مِرَّةٍ) أي صاحب منظر حسن عري عن الآفات أو ذو قوة لا يضعف عن اتيانه بالوحي من السماء إلى الأرض ، لأن نزوله وصعوده في أسرع وقت من رجعة الطرف ثم طلب رؤيته (فَاسْتَوى) [٦] أي استقام جبرائيل عليه‌السلام على صورته الحقيقية فرآه محمد (وَهُوَ) أي جبرائيل (بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) [٧] أي أفق الشمس أو سدرة المنتهى ، قيل : كان ينزل بالوحي في صورة دحية ، ثم أحب رسول الله عليه‌السلام أن يراه في صورته التي جبل عليها فاستقر بالأفق فملأها حتى يراه وما يراه أحد من الأنبياء في تلك الصورة إلا محمد ، فانه رآه مرتين في الأرض قد ملأ بين المشرق والمغرب ومرة في السماء لما أسري به عند سدرة المنتهى (٥).

(ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى (٨) فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى (٩))

(ثُمَّ دَنا) أي قرب جبرائيل إلى محمد عليهما‌السلام من الأفق الأعلى فكلما دنا منه انتقص صورته (فَتَدَلَّى) [٨] أي تعلق عليه في الهواء أو زاد في القرب حتى إذا قرب منه ولم يشك أنه جبرائيل عليه‌السلام (فَكانَ) أي مقدار مسافة قربه منه مثل (قابَ قَوْسَيْنِ) أي مقدارهما في القرب ، والقوس الذراع ، لأنه يقاس به

__________________

(١) نقله عن السمرقندي ، ٣ / ٢٨٨.

(٢) عن ، ح : ـ وي.

(٣) ونفخه ، وي : ونفخته ، ح.

(٤) رأى ، وي : روي ، ح.

(٥) نقله المفسر عن الكشاف ، ٦ / ٤٧ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٢٤٦.

١٥٨

أو قوس السهم ، وقدر بقوسين لأن الحليفين إذا عقد الصفا بينهما ألصقا بين قوسيهما (أَوْ أَدْنى) [٩] أي أقرب منه في رأي العين ، وقيل : (أَوْ) بمعنى بل (١) ، في الحديث : «لقاب قوس أحدكم وموضع قده خير من الدنيا وما فيها» (٢) ، والقد السوط.

(فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى (١٠))

(فَأَوْحى) أي الله (إِلى عَبْدِهِ) محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بجبرائيل عليه‌السلام (ما أَوْحى) [١٠] وأبهم الموحى تفخيما له ، قيل : هو أن الجنة محرمة على الأنبياء حتى تدخلها أنت (٣) وعلى الأمم حتى يدخلها أمتك (٤) ، وقيل : إنك القاسم بين الجنة والنار (٥) ، وقيل : كن آيسا من الخلق فليس بأيديهم شيء واجعل صحبتك معي ، فان مرجعك إلي ولا تجعل قلبك معلقا بالدنيا بأني ما خلقتك لها (٦).

(ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى (١١))

(ما كَذَبَ الْفُؤادُ) بالتخفيف والتشديد (٧) ، أي لم يكذب قلب محمد عليه‌السلام (ما رَأى) [١١] ببصره مما يعجز عنه الأفكار ويحار فيه الأبصار من عجائب قدرة الله وعظم سلطانه أو من رؤية جبرائيل عليه‌السلام كما هو هو (٨) أو من رؤية الله بقلبه ، لأنه لما سئل النبي عليه‌السلام هل رأيت ربك؟ قال : «رأيته بفؤادي ولم أره يعيني» (٩).

(أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى (١٢) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (١٣))

قوله (أَفَتُمارُونَهُ) أي أفتجادلونه من المراء وهو النزاع والجدال ، وقرئ «أفتمرونه» (١٠) ، أي أتجحدونه وتغلبونه (عَلى ما يَرى) [١٢] خطاب للمشركين ، لأنهم أنكروا إسراءه عليه‌السلام ومشاهدته جبرائيل فأكذبهم الله تعالى بقوله (وَلَقَدْ رَآهُ) أي محمد جبرائيل على صورته الحقيقية (نَزْلَةً) أي رؤية (أُخْرى) [١٣] وإنما عبر الرؤية بالنزلة ، لأنه نزل عليه نزلة أخرى فرآه بها.

(عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى (١٤) عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى (١٥))

(عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) [١٤](١١) حين أسري به إلى السماء السابعة أو السادسة وهي طوبى أو شجرة نبق عن يمين العرش فوق السماء السابعة يخرج أنهار الجنة من أصلها وسميت بسدرة المنتهى ، لأن الملائكة تنتهون إليها ولا يتجاوزونها أو علم كل أحد ينتهي إليها ولا يدري ما فوقها (عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) [١٥] وسميت بها ، لأن أرواح الشهداء أو المتقين أو الملائكة تأوي إليها ، أي تنزل.

(إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى (١٦))

قوله (إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ) ظرف ل (ما زاغَ) بعده ، أي في الوقت الذي يغطي السدرة (ما يَغْشى) [١٦] أي ما يغطيها من الخلائق الدالة على عظمة الله تعالى وجلاله ، قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «رأيت على كل ورقة من أوراقها

__________________

(١) أخذه عن السمرقندي ، ٣ / ٢٨٩.

(٢) أخرجه أحمد بن حنبل ، ٣ / ١٤١ ، ١٥٣ ، ١٥٧ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٦ / ٤٧.

(٣) أنت ؛ وهذه الكلمة موجودة في البغوي ، ٥ / ٢٤٤. أثبتناها ليفهم المعنى بسهولة.

(٤) قد أخذه المصنف عن الكشاف ، ٦ / ٤٧ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٥ / ٢٤٤.

(٥) ولم أجد له مرجعا في المصادر التي راجعتها.

(٦) ولم أجد له مأخذا في المصادر التفسيرية التي راجعتها.

(٧) «كذب» : شدد الذال هشام وأبو جعفر وخففها غيرهما. البدور الزاهرة ، ٣٠٦.

(٨) هو ، وي : ـ ح.

(٩) أخرج مسلم نحوه ، الإيمان ، ٢٨٦ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ٢٨٩.

(١٠) «أفتمارونه» : قرأ الأخوان وخلف ويعقوب بفتح التاء وسكون الميم ، وغيرهم بضم التاء وفتح الميم وألف بعدها. البدور الزاهرة ، ٣٠٦.

(١١) أي ، + وي.

١٥٩

ملكا قائما يسبح الله تعالى» (١) ، وقيل : يغشاها رفرف من طير خضر (٢) أو نور مثل جراد من ذهب (٣) أو فراش من ذهب (٤).

(ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى (١٧) لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى (١٨))

(ما زاغَ الْبَصَرُ) أي لم يمل بصر محمد عليه‌السلام عما رأى (وَما طَغى) [١٧] أي ما جاوز عنه إلى غيره ، يعني اثبت ما رآه إثباتا مستيقنا صحيحا من غير أن يعدل عنه بصره إلى غيره فلا يكذب في أخباره عما رأى والله (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) [١٨] أي من عظماها (٥) حين أصعد إلى السماء فأري عجائب الملكوت من السموات وطوائف الملائكة وسدرة المنتهى وجنة المأوى وما في الجنان لأهل الإيمان وما في النيران لأهل الطغيان والحجب والبحار والظلم والأنوار.

(أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى (٢٠))

(أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ) أي أكفرتم بالله فرأيتم اللات من لوى إذا أقام ، لأنهم كانوا يلوون ، أي يقيمون عليها للعبادة (وَالْعُزَّى) [١٩] تأنيث الأعز في الأصل ، سمي بها صنم (وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى) [٢٠] وقرئ «مناءة» (٦) بالهمزة وسمي بها صنم ، لأن دماء النسائك كانت تمنى ، أي تراق عليها ، أي ثالثة الأصنام مستحقة للعبادة التي لا ينفعكم في الآخرة واللات أول الأصنام صنم ثقيف بالطائف ثم العزى صنم قريش وكان نخلة يعبدونها ، فبعث النبي عليه‌السلام خالد بن الوليد فقطعها فخرجت من أصلها امرأة تجر شعرها على الأرض فقتلها (٧) ، ثم مناة صنم الأنصار وهذيل وخزاعة (٨) وهي من حجارة يعبدونها ، وقيل : كان كل الأصنام من الحجارة داخل الكعبة تعبد (٩) ، فوصف مناة بالثالثة لأنها ثالثة الصنمين ووصفها ب (الْأُخْرى) وصف ذم ، أي المناة (١٠) الحقيرة ، لأن (الْأُخْرى) تستعمل في الضعفاء كقوله تعالى (قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ)(١١) ، أي ضعفاؤهم لرؤسائهم ، المعنى : ألهذه الآلهة قدرة على شيء ما فتعبدونها دون الله تعالى.

(أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى (٢١))

قوله (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى) [٢١] نزل حين قال بنو مليح : الملائكة بنات الله نعبدها لتشفعن لنا (١٢) ، فقال تعالى ألكم الذكر وله الأنثى ، أي كيف تجعلون لكم البنين ولله تعالى البنات وأنتم لها كارهون.

(تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى (٢٢))

(تِلْكَ إِذاً) أي جعلكم البنات له ولكم البنين (قِسْمَةٌ ضِيزى) [٢٢] بالهمز وغيره (١٣) ، أي جائرة أو ناقصة ، والمصدر ضأز أو ضوز وأصلها ضوزى بضم الضاد كطوبى ، لأن فعلى بكسر الفاء في الصفات قليل كسرت الضاد (١٤) فقلبت الواو ياء كما فعل ببيض.

__________________

(١) انظر البغوي ، ٥ / ٢٤٧ ؛ والكشاف ، ٦ / ٤٨. ولم أعثر عليه في كتب الأحاديث المعتبرة التي راجعتها.

(٢) وهذا منقول عن الكشاف ، ٦ / ٤٨. وروى البخاري في صحيحه (٥٣ / ١): «قال رأى رفرفا أخضر قد سد الأفق».

(٣) عن الحسن ، انظر السمرقندي ، ٣ / ٢٩٠.

(٤) عن ابن مسعود ، انظر البغوي ، ٥ / ٢٤٧ ؛ والكشاف ، ٦ / ٤٨.

(٥) عظماها ، وي : عظمائها ، ح.

(٦) «ومنوة» : قرأ المكي بهمزة مفتوحة بعد الألف فيصير المد عنده متصلا فيمد حسب مذهبه ، والباقون بغير همز ، وكلهم يقفون عليه بالهاء. البدور الزاهرة ، ٣٠٦.

(٧) نقله عن السمرقندي ، ٣ / ٢٩١.

(٨) وهذيل وخزاعة ، ح : ـ وي.

(٩) أخذه عن البغوي ، ٥ / ٢٤٩.

(١٠) المناة ، ح : مناة ، وي.

(١١) الأعراف (٧) ، ٣٨.

(١٢) وهذا منقول عن السمرقندي ، ٣ / ٢٩١ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٦ / ٤٩.

(١٣) «ضيزى» : قرأ المكي بهمزة ساكنة بعد الضاد ، وغيره بياء تحتية ساكنة بعد الضاد. البدور الزاهرة ، ٣٠٦.

(١٤) كسرت الضاد ، ح و : ـ ح.

١٦٠