عيون التفاسير للفضلاء السماسير - ج ٤

شهاب الدين أحمد بن محمود السيواسي

عيون التفاسير للفضلاء السماسير - ج ٤

المؤلف:

شهاب الدين أحمد بن محمود السيواسي


المحقق: الدكتور بهاء الدين دارتما
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار صادر
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
9953-13-157-0

الصفحات: ٣٥١

١
٢

٣
٤

سورة الصافات

مكية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (١))

(وَالصَّافَّاتِ صَفًّا) [١] هو قسم ، أقسم الله تعالى به والمراد منها طوائف الملائكة الذين يصفون نفوسهم في العبادة أو يصفون أجنحتهم في الهواء منتظرة لأمر الله أو المراد طوائف المسلمين الصافين في الصلوة أو في الجهاد.

(فَالزَّاجِراتِ زَجْراً (٢))

(فَالزَّاجِراتِ زَجْراً) [٢] هي الملائكة الذين يزجرون السحاب ويسوقونه إلى البلد الذي أمطر أو المسلمون الزاجرون خيولهم في المعترك (١) على حرب الكفار أو هي زواجر القرآن والتورية والإنجيل والزبور وما كان من الله من كتب الأولين.

(فَالتَّالِياتِ ذِكْراً (٣))

(فَالتَّالِياتِ ذِكْراً) [٣] هي الملائكة الذين يتلون الوحي على الأنبياء عليهم‌السلام كما يتلو جبرائيل عليه‌السلام القرآن على محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو القرآن من المؤمنين الذين يتلون آيات الله ويدرسون شرائعه أو الذاكرون الله ذكرا كثيرا والذاكرات ، وجاء بالفاء للدلالة على أن القسم لمجموع المذكورات لا لكل (٢) منها ، والواو لا يفيده ، وقيل : للترتيب في الصفات أو في الموصوفات (٣).

(إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ (٤))

(إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ) [٤] جواب القسم رد لقول المشركين ، أي ربكم وخالقكم لواحد لا شريك له.

(رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ (٥))

(رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما) أي خالق كل شيء (وَرَبُّ الْمَشارِقِ) [٥] أي مشارق الشمس ومغاربها ، حذفه اكتفاء بذكر المشارق ، لأن للشمس كل يوم مشرقا ومغربا ، وقيل : أراد مشارق الصيف والشتاء ومغاربهما (٤).

(إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ (٦))

(إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا) أي القربى ، لأنها أقرب إلى الأرض (بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ) [٦] بالجر لا بتنوين «زينة» لإضافتها إلى (الْكَواكِبِ) ، ومعناه بضوء الكواكب وبتنوين «زينة» ونصب (الْكَواكِبِ) فال «زينة» بمعنى

__________________

(١) في المعترك ، وي : في المعركة ، ح.

(٢) لكل ، ي : بكل ، ح و.

(٣) اختصره المؤلف من الكشاف ، ٥ / ١٠٦.

(٤) نقل هذا المعنى عن الكشاف ، ٥ / ١٠٧.

٥

التزيين ، أي بتزييننا الكواكب أو بجر الكواكب بدلا من «زينة» (١) ، أي زينا السماء الدنيا بزينة بالكواكب ، قيل : «الكواكب في السماء معلقة كالقناديل» (٢) ، وقيل : مكوكبة عليها كالمسامير على الصناديق (٣).

(وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ (٧))

قوله (وَحِفْظاً) منصوب بمحذوف ، أي وحفظنا السماء حفظا بالشهب (مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ) [٧] أي عات وهو الخارج عن الطاعة.

(لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ (٨))

(لا يَسَّمَّعُونَ) بالتشديد ، أصله «يتسمعون» و «يسمعون» بالتخفيف (٤) وهو كلام مبتدأ لاقتصاص ما عليه حال المسترقة للسمع وليس بصفة لكل شيطان ولا استئناف بمعنى جواب عن سؤال مقدر لفساد المعنى وهو ظاهر ، أي حفظناها منهم كيلا يصغوا (إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى) وهم الكتبة وصفوا بالعلو لسكونهم في السموات العلى (وَيُقْذَفُونَ) أي يرمون (مِنْ كُلِّ جانِبٍ) [٨] أي ناحية ، يعني من كل جهة صعدوا للاستراق.

(دُحُوراً وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ (٩))

(دُحُوراً) أي طردا من السماء وكانوا من قبل يسمعون إلى كلام الملائكة (وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ) [٩] أي دائم في الآخرة لا ينقطع.

(إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ (١٠))

(إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ) «مَنْ» بدل من واو (يَسَّمَّعُونَ) ، أي لا يسمع جماعة الشياطين إلا الشيطان الذي ٨ خطف ، أي اختلس الخطفة أي المرة الواحدة ، يعني كلمة واحدة من كلام الملائكة (فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ) أي كوكب مضيء (ثاقِبٌ) [١٠] يثقب ، أي يحرق الجني فيقتله أو يخبله ، روي : «ان الله تعالى إذا قضى أمرا يسبحه حملة العرض وأهل السماء السابعة ، يقولون ما ذا قال ربكم فيخبرونهم فيستخبر أهل كل سماء أهل السماء حتى ينتهي الخبر إلى السماء الدنيا ، فيختطف الجن فيرمون فما جاؤا به على وجهه فهو حق ، ولكنهم يزيدون فيه ويكذبون» (٥) ، قيل : «كان ذلك في الجاهلية أيضا ولكن غلظ المنع وشدد حين بعث النبي عليه‌السلام» (٦).

(فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ (١١))

قوله (فَاسْتَفْتِهِمْ) خطاب للنبي عليه‌السلام والضمير لمشركي مكة ، أي استخبرهم توبيخا (أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا) من الملائكة والسموات والأرضين والكواكب والمشارق والمغارب والشهب الثواقب والشياطين المردة ، وجيء ب (مَنْ) تغليبا للعقلاء على غيرهم ، والاستفهام على معنى الرد لإنكارهم البعث ، يعني من هان عليه خلق هذه الخلائق العظيمة ولم يصعب عليه اختراعها كان خلق البشر ابتداء وانتهاء عليه أهون لضعفهم ، لأن من خلق من ضعيف فهو ضعيف ، قوله (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ) [١١] بيان لضعف خلقهم ، أي خلقنا أصلهم وهو آدم وهم من نسله من طين لاصق يلصق باليد ، وقيل : هو الطين المنتن (٧) ، وهم يعلمون أنهم مخلوقون منه فكيف يجادلون الرسل ويتكبرون على الله الذي خلقهم من ضعف فهلاكهم عليه يسير.

__________________

(١) «بزينة الكواكب» : قرأ شعبة بتنوين «زينة» ونصب باء «الكواكب» ، وحفص وحمزة بالتنوين والجر ، والباقون بترك التنوين والجر. البدور الزاهرة ، ٢٦٨.

(٢) عن ابن عباس ، انظر السمرقندي ، ٣ / ١١٠ ـ ١١١.

(٣) أخذه عن السمرقندي ، ٣ / ١١١.

(٤) «يسمعون» : قرأ حفص والأخوان وخلف بفتح السين والميم وتشديدهما ، والباقون باسكان السين وتخفيف الميم. البدور الزاهرة ، ٢٦٨.

(٥) أخرج الترمذي نحوه ، تفسير القرآن ، ٣٥ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ١١١.

(٦) عن معمر مع الزهيري ، انظر السمرقندي ، ٣ / ١١١.

(٧) وهذا الرأي لمجاهد والضحاك ، انظر القرطبي ، ١٥ / ٦٩.

٦

(بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (١٢))

قوله (بَلْ عَجِبْتَ) بفتح التاء خطاب للنبي عليه‌السلام و (بَلْ) هنا لابتداء الكلام ، أي إنك عجبت يا محمد من نزول الوحي عليك وتركهم الإيمان به بعد قيام البراهان (وَ) هم (يَسْخَرُونَ) [١٢] منك ومن تعجبك ويكذبونك حين سمعوه منك وبضم التاء (١) حكاية من الله تعالى ، والمعجب منه بمعنى الإنكار الشديد لقولهم وفعلهم والاستفهام لهما (٢) ، وقد يكون العجب منه بمعنى الإحسان في قوله عليه‌السلام : «إن الله ليعجب من الشاب ليس له صبوة» (٣).

(وَإِذا ذُكِّرُوا لا يَذْكُرُونَ (١٣) وَإِذا رَأَوْا آيَةً يَسْتَسْخِرُونَ (١٤))

(وَإِذا ذُكِّرُوا) أي وعظوا بالقرآن (لا يَذْكُرُونَ) [١٣] أي لا يتعظون (وَإِذا رَأَوْا آيَةً) أي علامة كانشقاق القمر يدل على صدقك (يَسْتَسْخِرُونَ) [١٤] أي يستهزؤن بك (٤) أو يطلب بعضهم السخرية بك من بعض.

(وَقالُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (١٥) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (١٦) أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ (١٧) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ (١٨))

(وَقالُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) [١٥] أي بين (أَإِذا مِتْنا) أي قالوا أإذا متنا (وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) [١٦] بعد الموت (أَوَآباؤُنَا الْأَوَّلُونَ) [١٧] بهمزة الاستفهام وب (أَوَ) العاطفة ، أي أنبعث نحن ويبعث آباؤنا الأقدمون ، قالوا ذلك استبعادا للبعث ، لأن آباءهم أقدم فبعثهم أغرب فقال تعالى (قُلْ) يا محمد (نَعَمْ) تبعثون (وَأَنْتُمْ داخِرُونَ) [١٨] أي صاغرون.

(فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ فَإِذا هُمْ يَنْظُرُونَ (١٩))

(فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ) أي إذا أمر الله بالبعث فما نفخة البعث إلا صيحة (واحِدَةٌ) أي لا يحتاج إلى الأخرى (فَإِذا هُمْ) أي الخلائق كلهم أحياء (يَنْظُرُونَ) [١٩] ما يفعل بهم أو ينظرون إلى السماء كيف غيرت وإلى الأرض كيف بدلت.

(وَقالُوا يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ (٢٠) هذا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢١) احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ وَما كانُوا يَعْبُدُونَ (٢٢) مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ (٢٣))

(وَقالُوا) أي قال الكافرون إذا عاينوا بالبعث (يا وَيْلَنا هذا يَوْمُ الدِّينِ) [٢٠] أي يوم الحساب فيقول لهم الملائكة (هذا يَوْمُ الْفَصْلِ) أي القضاء بين الخلائق (الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) [٢١] أي كنتم تقولون (٥) أنه لا يكون ، ثم ينادي مناد للملائكة (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي أشركوا أو كل ظالم (وَأَزْواجَهُمْ) أي أتباعهم وأعوانهم (وَما كانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) [٢٢] أي احشروهم مع إبليس وجنوده الذين اتبعوهم وأضلوهم من الشيطان ومع معبوديهم (٦) من الأوثان (فَاهْدُوهُمْ) أي عرفوهم طريق النار ليسلكوها أو سوقوهم (إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ) [٢٣] وهي ما عظم من النار.

(وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ (٢٤))

(وَقِفُوهُمْ) أي إذا ذهبوا بهم إلى النار أرسل الله إليهم ملكا فيقول قفوهم ، يعني احبسوهم (إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) [٢٤] عن ترك قول لا إله إلا الله أو عن جميع أفعالهم (٧) وأقوالهم.

__________________

(١) «عجبت» : ضم التاء الأخوان وخلف ، وفتحها غيرهم. البدور الزاهرة ، ٢٦٨.

(٢) لهما ، وي : بهما ، ح.

(٣) رواه أحمد بن حنبل ، ٤ / ١٥١.

(٤) بك ، وي : لك ، ح.

(٥) أي كنتم تقولون ، ح و : أي يقولون ، ي.

(٦) معبوديهم ، ح ي : معبوديهم ، و.

(٧) أفعالهم ، وي : أحوالهم ، ح.

٧

(ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ (٢٥) بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ (٢٦))

(ما لَكُمْ لا تَناصَرُونَ) [٢٥] أي لم لا ينصر بعضكم بعضا اليوم لدفع العذاب عنه كما كنتم فاعلين في الدنيا (بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ) [٢٦] أي منقادون عاجزون عن نصرة (١) ذليلون.

(وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٢٧) قالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ (٢٨))

(وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) [٢٧] أي يتلاومون بالخصومة ، يعني الأتباع والمتبوعين ، (قالُوا) أي الأتباع للمتبوعين (إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنا عَنِ الْيَمِينِ) [٢٨] أي عن جهة الحلف بأنكم على الحق فصدقناكم أو عن جهة قوتكم وقهركم لنا فاتبعناكم خوفا منكم أو المراد ب (الْيَمِينِ) جميع الجوانب ، واكتفى بذكره عن غيره لشرفه وقوته ، قيل : من أتاه الشيطان من جهة اليمين أتاه من قبل الدين لتلبيس الحق عليه ، ومن أتاه من جهة الشمال أتاه من قبل الشهوات ، ومن أتاه من بين يديه أتاه من قبل تكذيب القيامة ، ومن أتاه من خلفه أتاه من قبل تخويفه بالفقر على نفسه وعلى من بعده فلم يصل رحما ولم يؤد زكوة (٢).

(قالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٢٩))

(قالُوا) أي قال لهم المتبوعون (بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [٢٩] أي بل أبيتم الإيمان وقبوله ، يعني أعرضتم عنه مع تمكنهم منه ولم نقهركم على الكفر.

(وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ (٣٠) فَحَقَّ عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا إِنَّا لَذائِقُونَ (٣١))

(وَما كانَ لَنا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ) أي من تسلط نسلبكم به اختياركم وقوتكم (بَلْ كُنْتُمْ قَوْماً طاغِينَ) [٣٠] أي عاصين أمر ربكم فقالوا جميعا (فَحَقَّ) أي وجب (عَلَيْنا قَوْلُ رَبِّنا) بالعذاب وهو (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ)(٣)(إِنَّا لَذائِقُونَ) [٣١] جميعا العذاب في النار.

(فَأَغْوَيْناكُمْ إِنَّا كُنَّا غاوِينَ (٣٢))

(فَأَغْوَيْناكُمْ) أي أضللناكم عن الهدى (إِنَّا كُنَّا غاوِينَ) [٣٢] أي ضالين فعدلوا به عن الخطاب إلى التكلم بذلك عن أنفسهم لعلمهم بحالهم واستحقاقهم العقوبة بها (٤).

(فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٣) إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (٣٤) إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ (٣٥) وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ (٣٦) بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ (٣٧))

(فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ) أي إن المتبوعين يوم القيامة (فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ) [٣٣] لاشتراكهم في الغواية فقال تعالى (إِنَّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ) [٣٤] أي إنا نجمع بين المشركين ومضليهم (٥) في العذاب (إِنَّهُمْ كانُوا) في الدنيا (إِذا قِيلَ لَهُمْ) قولوا (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ) [٣٥] فلا يقولونها (وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا) أي أنترك عبادة الأصنام (لِشاعِرٍ) أي لأجل قول شاعر (مَجْنُونٍ) [٣٦] يعنون محمدا عليه‌السلام فرد الله عليهم ، فقال (بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ) أي بالقرآن الحق (وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ) [٣٧] الذين جاؤا قبله كقوله (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ)(٦).

(إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ (٣٨) وَما تُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٩) إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (٤٠) أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (٤١))

(إِنَّكُمْ) أي العابد والمعبود (لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ) [٣٨] أي الوجيع الدائم (وَما تُجْزَوْنَ إِلَّا ما كُنْتُمْ

__________________

(١) نصرة ، ح : نصره ، وي.

(٢) نقل المؤلف هذه الأقوال عن السمرقندي ، ٣ / ١١٣ ـ ١١٤.

(٣) هود (١١) ، ١١٩ ؛ السجدة (٣٢) ، ١٣.

(٤) بها ، وي : ـ ح.

(٥) ومضليهم ، ح و : ولمضليهم ، ي.

(٦) البقرة (٢) ، ٩٧ ؛ آل عمران (٣) ، ٣ ؛ المائدة (٥) ، ٤٨ ؛ فاطر (٣٥) ، ٣١ ؛ الأحقاف (٤٦) ، ٣٠.

٨

تَعْمَلُونَ) [٣٩] أي بسبب عملكم القبيح (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) [٤٠] استثناء منقطع ، أي لكنهم (أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ) [٤١] أي لأهل الجنة رزق معروف مقدر حين يشتهونه على قدر غدوة وعشية.

(فَواكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (٤٢) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٤٣) عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ (٤٤) يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (٤٥))

ثم بين الرزق فقال (فَواكِهُ) بالرفع بيان ل «رِزْقٌ (١) مَعْلُومٌ» أو بدل منه (٢) ، جمع فاكهة وهي ما تؤكل من الثمار تلذذا لا لحفظ الصحة لاستغنائهم عن حفظ الصحة بالغذاء في الجنة (وَهُمْ مُكْرَمُونَ) [٤٢] أي منعمون بالثواب (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ [٤٣] عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ) [٤٤] لا ينظر بعضهم إلى قفا بعضهم لدوران الأسرة بهم (يُطافُ عَلَيْهِمْ) صفة (مُكْرَمُونَ) أو استئناف ، أي يطوف عليهم خدمهم (بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ) [٤٥] أي بقدح خمر جار من معين على وجه أرض الجنة كأنهار الماء والكأس هو القدح بشرابه وإلا فهو قدح.

(بَيْضاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (٤٦) لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ (٤٧))

قوله (بَيْضاءَ) صفة الشراب ، أي بخمر بيضاء أشد بياضا من اللبن (لَذَّةٍ) أي شهية طيبة (لِلشَّارِبِينَ [٤٦] لا فِيها غَوْلٌ) أي ليس فيها ما يغتال عقولهم من نوم ولا سكر ولا وجع في الرأس أو في البطن كما كان في خمور الدنيا أو لا إثم في شربها ، والغول البعد والذهاب والهلاك (وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) [٤٧] بضم الياء وكسر الزاء من أنزف ، أي ذهب عقله أو فرغ شرابه ، يعني لا يذهب عقولهم بشربها أو لا ينفذ شرابهم أبدا ، وبفتح الزاء (٣) معناه : أنهم لا يسكرون من الشرب.

(وَعِنْدَهُمْ قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ (٤٨) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (٤٩))

(وَعِنْدَهُمْ) أي وعند المخلصين مع ذلك (قاصِراتُ الطَّرْفِ) أي زوجات مانعات أبصارهن عن النظر إلى غير أزواجهن لحسنهم عندهن وبهم يقنعن ولا يطلبن بدلا بهم (عِينٌ) [٤٨] أي حسان الأعين وعظامها ، يعني يكون شدة البياض في شدة السواد فيكون السواد أكثر من البياض مع كون كل واحدة من العين كبيرة مستوية (كَأَنَّهُنَّ) أي كأن القاصرات (بَيْضٌ) للنعام (٤) ، أي شبيهة في البياض ببيض النعام والعرب تشبه النساء ببيضه (مَكْنُونٌ) [٤٩] أي مستو بريش النعام لا يصل إليه غبار ، أي لم تنله الأيدي.

(فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ (٥٠))

(فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) [٥٠] عطف على (يُطافُ عَلَيْهِمْ) ، أي يشربون بكأس فيتحادثون ويسأل بعضهم بعضا عما كانوا عليه في الدنيا وعما وصلوا إليه في الآخرة.

(قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ (٥١) يَقُولُ أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ (٥٢) أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ (٥٣) قالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ (٥٤))

(قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ) أي قال بعضهم لبعض (إِنِّي كانَ لِي قَرِينٌ) [٥١] أي صاحب ينكر البعث وهو الأخ (٥) الكافر الذي له جنتان في قوله (جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ)(٦) ، والأخ الآخر مؤمن صرف ماله في طريق الخير إلى الآخرة (يَقُولُ) أى يقول لي ذلك الكافر (أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ) [٥٢] بالعبث بقوله له في الدنيا تبكيتا وإنكارا (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ) [٥٣] أي لمحاسبون مجزيون ، (قالَ) المؤمن لأصحاب الجنة (هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ) [٥٤] في النار حتى تنظروا إلى حاله وإلى منزله ، قاله لأصحابه تأدبا معهم لئلا يستبد بشيء دونهم ، يعني هل تحبون

__________________

(١) بيان لرزق ، و : بدل من رزق ، ح ي.

(٢) أو بدل منه ، و : أو بيان منه ، ح ، ـ ي.

(٣) «ينزفون» : قرأ الأخوان وخلف بكسر الزاي ، وغيرهم بفتحها. البدور الزاهرة ، ٢٦٩.

(٤) للنعام ، وي : بيض النعام ، ح.

(٥) الأخ ، ي : أخ ، ح و.

(٦) الكهف (١٨) ، ٣٢.

٩

الاطلاع والنظر معي إلى قريني ، فيقولون له اطلع أنت فانك أعرف به فانظر إليه.

(فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ (٥٥) قالَ تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ (٥٦) وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ (٥٧) أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ (٥٨) إِلاَّ مَوْتَتَنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (٥٩) إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (٦٠) لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ (٦١))

(فَاطَّلَعَ) أي نظر في النار (فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ) [٥٥] أي في وسطها ، فلما رأى قرينه أسود الوجه مزرق العين (قالَ) متشمتا به (تَاللهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ) [٥٦] أي والله لقد قاربت لتغويني وتضلني أو تهلكني ، والردي الموت والهلاك (وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي) على الإيمان والإسلام (لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) [٥٧] معك في النار ، ثم أقبل المؤمن على أصحابه في الجنة فقال يا أهل الجنة (أَفَما نَحْنُ بِمَيِّتِينَ) [٥٨] أي أنحن منعمون مخلدون فما نحن بميتين في الجنة (إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولى) أي بعدها في الدنيا ، فالمراد بالاستفهام النفي ، والغرض تحدثه بنعم الله تعالى وتلذذه بها ، فيقال له لا نموت أبدا سوى الموتة الأولى وذلك حين يذبح الموت فيأمنون من الموت (وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) [٥٩] أي لم تكن ممن يعذبهم الله مثل عذاب أهل النار فيقول (إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [٦٠] أي النجاة الوافرة (لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ) [٦١] أي لمثل هذا الثواب الدائم فليبادر العاملون ، قاله لهم تطييبا لقلوبهم واغتياطا بحاله وتوبيخا لقرينه المستمع لقوله ليزيد به عذابه وليحكيه الله فيكون لنا لطفا وزاجرا ، وقيل : هو قول الله تعالى (١) ، أي فازوا بالجنة ونجوا من العذاب بعملهم الصالح.

(أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (٦٢) إِنَّا جَعَلْناها فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (٦٣) إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (٦٤) طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ (٦٥))

(أَذلِكَ) أي الرزق المعلوم للمؤمنين (٢) في الجنة (خَيْرٌ نُزُلاً) تميير وهو ما يعد للضيف (أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ) [٦٢] للكافرين في النار وهي شجرة مرة من أخبث الشجر يكون بتهامة يعرفها المشركون (إِنَّا جَعَلْناها) أي ذكر الشجرة في النار (فِتْنَةً) أي بلاء (لِلظَّالِمِينَ) [٦٣] أي المشركين ، قيل : ذكرها زادهم تكذيبا ، فقالوا يخبركم محمد إن في النار شجرة والنار تحرق الشجرة (٣) أو قالوا الزقوم هو الزبد والتمر بلغة بربر ، فأطعمهم ذلك أبو جهل وقال (٤) : هذا ما يتوعدكم به محمد فنزل في وصف الشجرة قوله تعالى (٥)(إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ) [٦٤] أي في قعر جهنم خلقت من النار وعذب بها وأغصانها مرتفعة إلى درك النار (طَلْعُها) أي ثمر تلك الشجرة (كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ) [٦٥] وهي شجرة في البادية قبيحة منتنة تسمى رؤس الشياطين ، وقيل : شبهت برؤوس الشياطين في قبح المنظر (٦) ، فان العرب إذا وصفت الشيء بالقبح تقول كأنه شيطان (٧) أو المراد الحيات (٨).

(فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ (٦٦) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها لَشَوْباً مِنْ حَمِيمٍ (٦٧))

(فَإِنَّهُمْ) أي الكفار (لَآكِلُونَ مِنْها) أي من ثمرها مع قبحها (فَمالِؤُنَ) أي يملئون (مِنْهَا الْبُطُونَ) [٦٦] بحيث لا تحمل شيئا لشدة جوعهم وهي حارة تحرق بطونهم وتعطشهم (ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْها) أي على الزقوم (لَشَوْباً) أي لخلطا (مِنْ حَمِيمٍ) [٦٧] أي من ماء حار في جهنم فتختلط في أجوافهم بشربهم إياه لزيادة عقوبة لهم ، (ثُمَّ) فيه لتراخي (٩) حال الشراب عن حال الطعام ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أيها الناس اتقوا الله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ، فلو أن قطرة من الزقوم قطرت في الأرض لأمرت على أهل الدنيا معيشتها ، فكيف لمن هو طعامه وشرابه وليس له

__________________

(١) أخذ هذا الرأي عن الكشاف ، ٥ / ١١٤.

(٢) للمؤمنين ، ح ي : ـ و.

(٣) نقله عن السمرقندي ، ٣ / ١١٦.

(٤) وقال ، و : فقال ، ي ، ـ ح.

(٥) أخذه عن السمرقندي ، ٣ / ١١٦.

(٦) نقله المصنف عن الكشاف ، ٥ / ١١٤ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ١١٦ ؛ والبغوي ، ٤ / ٥٦٣.

(٧) أخذه المؤلف عن البغوي ، ٤ / ٥٦٣.

(٨) هذا الرأي منقول عن البغوي ، ٤ / ٥٦٣.

(٩) لتراخي ، ح و : للتراخي ، ي.

١٠

طعام غيره» (١).

(ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (٦٨) إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ (٦٩) فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ (٧٠))

قوله (ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ) [٦٨] فيه دليل على أن الحميم خارج الجحيم ، فاذا أكلوا الزقوم في النار بالشبع غلبهم العطش فسيقوا إلى الحميم فشربوه مع كراهية ، قوله (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آباءَهُمْ ضالِّينَ) [٦٩] سبب لما بستوحبون العقوبة به ، أي هم وجدوا آباءهم ضالين عن طريق الهدى (فَهُمْ عَلى آثارِهِمْ يُهْرَعُونَ) [٧٠] أي يسرعون ويتبعون سنتهم في مثل (٢) أعمالهم آبائهم ، من أهرع إذا أسرع شديدا.

(وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ (٧١) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ (٧٢) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ (٧٣) إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (٧٤))

(وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ) أي قبل قومك قريش (أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ) [٧١] أي أضلهم إبليس وأتباعه (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ) [٧٢] أي رسلا ينذرونهم كما أرسلناك إلى قومك فكذبوهم كما كذبوك فعذبهم الله تعالى في الدنيا (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ) [٧٣] أي الذين أنذروا وحذروا ، يعني أهلكوا جميعا بالعذاب (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) [٧٤] فانهم لم يعذبوا لإخلاصهم الإيمان بالله بتوفيقه.

(وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (٧٥) وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (٧٦) وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ (٧٧))

ثم زاد إنذارهم بذكر نوح عليه‌السلام ودعائه إياه حين أيس من إيمان قومه فقال (وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ) أي دعانا على قومه للانتصار بقوله «إني مغلوب فانتصر» (فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ) [٧٥] أي فو الله لنعم المجيبون نحن (وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) [٧٦] وهو الغرق (وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ) [٧٧] مدة الدنيا ، لأن جميع الناس من أولاد سام وحام ويافث ، وهم الذين نجوا من الغرق في السفينة ، قيل : «سام أبو العرب وفارس وحام أبو الحبش ويافث أبو الروم ويأجوج ومأجوج والترك» (٣).

(وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (٧٨) سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (٧٩) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (٨٠) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (٨١))

(وَتَرَكْنا) أي أبقينا (عَلَيْهِ) أي على نوح ذكرا حسنا (فِي الْآخِرِينَ) [٧٨] من الأمم (سَلامٌ عَلى نُوحٍ) أي البركة والسعادة عليه (فِي الْعالَمِينَ) [٧٩] أي بين العالمين لكرامته علينا ، فهو دعاء بثبوت هذه التحية فيهم جميعا ، وقيل : (سَلامٌ عَلى نُوحٍ) مفعول (تَرَكْنا)(٤) ، أي جعلنا هذا اللفظ يقال له بعد موته لذلك (إِنَّا كَذلِكَ) أي جزائنا نوحا (نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [٨٠] إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) [٨١] أي المتصدقين بالتوحيد.

(ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ (٨٢) وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ (٨٣))

(ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) [٨٢] من قومه الكافرين (وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ) أي ممن شايع ، يعني تابع نوحا على أصل الدين ومنهاجه (لَإِبْراهِيمَ) [٨٣] وإن اختلفت الشرائع وكان بين نوح وإبراهيم ألفان وستمائة وأربعون سنة.

(إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (٨٤) إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ (٨٥))

[٨٥](إِذْ جاءَ رَبَّهُ) ظرف لمعنى المتابعة في الشيعة ، أي ممن شايع نوحا إبراهيم وقت مجيئه ربه (بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [٨٤]

__________________

(١) روى الترمذي نحوه ، صفة جهنم ، ٤ ؛ وابن ماجة ، الزهد ، ٣٨ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ١١٦.

(٢) سنتهم في مثل ، ح : سنتهم مثل ، ي ، بسننهم في مثل ، و.

(٣) عن سعيد بن مسيب ، انظر البغوي ، ٤ / ٥٦٤ ـ ٥٦٥ ؛ وانظر أيضا الكشاف ، ٥ / ١١٦ (عن قتادة).

(٤) وهذا الرأي منقول عن البيضاوي ، ٢ / ٢٩٦ ؛ وانظر أيضا القرطبي ، ١٥ / ٩٠.

١١

من الشك والشرك ، والمراد من مجيئه إقباله على طاعة الله ، أي إذ أقبل على طاعته بقلب مخلص ، قوله (إِذْ قالَ) بدل من (إِذْ جاءَ) ، أي قال (لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ) توبيخا (ما ذا تَعْبُدُونَ) [٨٥] وهو لا يصلح لأن يعبد.

(أَإِفْكاً آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ (٨٦))

(أَإِفْكاً) مفعول به لفعل بعده و (آلِهَةً) بدل منه (دُونَ اللهِ) صفتها ، وذلك الفعل (تُرِيدُونَ) [٨٦] أي أتريدون كذبا آلهة كائنة دون الله ، يعني أتعبدون غير الله بالإفك لا بالحق.

(فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ (٨٧) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (٨٨) فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (٨٩) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (٩٠) فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٩١))

(ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ (٩٢) فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ (٩٣))

(فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) [٨٧] الذي استحق عليهم عبادته ، إذا لقيتموه أيعاقبكم أم يترككم ، إذ عبدتم غيره ، قيل : كان قوم إبراهيم نجامين خرجوا إلى عيد لهم وتركوا طعامهم عند أصنامهم للتبرك عليه بزعمهم ، فاذا رجعوا أكلوه وقالوا لإبراهيم اخرج معنا إلى العيد (١)(فَنَظَرَ) إبراهيم (نَظْرَةً فِي النُّجُومِ) [٨٨] أي في حسابها إيهاما لهم أنه يعتمد على علم النجوم (فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ) [٨٩] أي مريض بمرض (٢) الطاعون وهم يتطيرون من ذلك أو كان أغلب الاسقام عليهم ، وإنما جاز الكذب منه عليه‌السلام مع أنه حرام على كل حال ، لأنه نوى بالتعريض من الكلام أن من في عنقه الموت سقيم ، وقيل : معناه إني سقيم النفس من كفركم (٣)(فَتَوَلَّوْا) أي أعرضوا (عَنْهُ مُدْبِرِينَ) [٩٠] يعني هربوا من إبراهيم بالادبار مقبلين إلى عيدهم وتركوه في بيت الأصنام ليس معه أحد (فَراغَ) أي مال (إِلى آلِهَتِهِمْ) أي إلى أصنامهم وبين أيديهم الطعام (فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ) [٩١] استهزاء بهم فلم ينطقوا فقال (ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ [٩٢] فَراغَ عَلَيْهِمْ) أي أقبل إليهم يضرب (ضَرْباً) أو مصدر بمعنى الحال ، يعني ضاربا (بِالْيَمِينِ) [٩٣] أي بيمينه الجارحة أو بقسمه أنه ليكيدن أصنامهم فسمعوا ذلك أو بقوته ، لأن القوة في اليمين.

(فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (٩٤) قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ (٩٥))

(فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ) [٩٤] بضم الياء وفتحها (٤) ، أي يسرعون في مشيتهم وكان بعض رآه يكسرها فسأله من لم يره يكسرها ، من فعل هذا بآلهتنا؟ فقال : ذلك إبراهيم ، ثم قال له جميعهم : نحن نعبدها وأنت تكسرها (قالَ) توبيخا لهم (أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ) [٩٥] من الحجارة وغيرها بأيديكم أصناما.

(وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ (٩٦) قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (٩٧))

(وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَ) خلق (ما تَعْمَلُونَ) [٩٦] أي الذي تصنعونه من منحوتكم وتعبدون غيره الذي لا ينفعكم ولا يضركم أف لكم ولما تعبدون من دون الله ، قيل : الشيء الواحد لا يكون مخلوقا لله معمولا لهم ، أجيب بأن إيجاد جوهره من الله والتصوير من الصانع كما يريد الله (٥)(قالُوا) أي قال (٦) الكفار بينهم (ابْنُوا لَهُ) أي لإبراهيم (بُنْياناً) أي منجنيقا (فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ) [٩٧] أي في النار الشديدة.

(فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ (٩٨))

(فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً)(٧) بالقائه في النار وحرقه بها (فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ) [٩٨] أي المقهورين الأذلين وعلاهم إبراهيم فخرج من النار.

__________________

(١) نقله عن البغوي ، ٤ / ٥٦٥.

(٢) بمرض ، ح و : لمرض ، ي.

(٣) هذا المعنى مأخوذ عن الكشاف ، ٥ / ١١٧.

(٤) «يزفون» : قرأ حمزة بضم الياء ، وغيره بفتحها. البدور الزاهرة ، ٢٧٠.

(٥) أخذ المولف هذا الرأي عن الكشاف ، ٥ / ١١٨.

(٦) قال ، و : ـ ح ي.

(٧) أي ، + ح.

١٢

(وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ (٩٩))

(وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي) أي إلى أمره الذي أمرني بالهجرة إليه وهو الشام ، يعني من أرض حران إلى بيت المقدس لطاعة ربه (سَيَهْدِينِ) [٩٩] أي سيرشدني إلى مهاجري أو إلى ما فيه صلاح ديني.

(رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠٠) فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (١٠١))

ثم قال (رَبِّ هَبْ لِي) ولدا (مِنَ الصَّالِحِينَ) [١٠٠] أي من المرسلين ، (فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ) [١٠١] في كبره عليم في صغره.

(فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢))

(فَلَمَّا بَلَغَ) الغلام (مَعَهُ السَّعْيَ) أي صلح أن يمشي مع أبيه إلى مهامه وآنس به وأحبه وهو ابن سبع سنين ، قيل : هو إسمعيل (١) ، وقيل : اسحق (٢) ، والأول أظهر لما يجيء ولفظ (مَعَهُ) للبيان ، يعني لما بلغ حد السعي ، قيل : مع من؟ فقال : مع أبيه ، ولا يتعلق بالسعي لامتناع تقدم صلة المصدر عليه ولا ب (بَلَغَ) لفساد بلوغهما معا حد السعي (٣) ، روي : أنه لما بشر بالولد قال هو إذن لله ذبيح ، فلما بلغ معه السعي قيل له أوف بنذرك في نومه (٤)(قالَ) لولده (يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ) أي رأيت فيه (أَنِّي أَذْبَحُكَ) قربانا لله (فَانْظُرْ ما ذا تَرى) أي رأيت رأيك ، وإنما كان ذلك بالمنام دون اليقظة للدلالة على كونه صادقا في الحالتين فيكون ذلك كرؤية يوسف في المنام سجود أبويه وإخوته ودخول رسول الله عليه‌السلام المسجد الحرام في المنام وما سوى ذلك من مقامات (٥) الأنبياء عليهم‌السلام (٦)(قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ) به (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) [١٠٢] على ما أمرت به من الذبح ، وإنما شاوره في أمر من الله ليهون عليه البلاء ، ويصبره ويكتسب المثوبة بالانقياد لأمر الله قبل نزوله ، فلما عزما على الذبح قال يا أبت أوصيك بثلاثة أشياء : أن تربط يدي كي لا أضطرب فأوذيك وأن تجعل وجهي إلى الأرض كيلا تنظر إلى وجهي وترحمني وان تذهب بقميصي إلى أمي تذكرة لها مني وتسلم عليها وتقول لها اصبري على أمر الله ، فقال : نعم العون أنت يا بني على أمر الله.

(فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣))

(فَلَمَّا أَسْلَما) أي استسلما وانقادا لأمر الله تعالى بالإخلاص منهما (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) [١٠٣] أي صرعه على شقه فوضع إحدى جبينيه وهما جانبا الجبهة على الأرض ، وكان ذلك (٧) بمنى عند الصخرة تواضعا لله على مباشرة الأمر بصبر وجلد ليرضيا الرحمن ويخزيا الشيطان ، وجواب «لما» محذوف ، أي لما أسلما وتله للجبين.

(وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥))

(وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ [١٠٤] قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) استبشرا وشكرا لله تعالى على ما أنعم به عليهما من دفع البلاء العظيم بعد حلوله وما حصل لهما من الثواب ورضوان الله الذي ليس وراءه مطلوب ، وقيل : الجواب (نادَيْناهُ) بزيادة الواو (٨) ، ومعنى (صَدَّقْتَ الرُّؤْيا) جئت بما رأيت في نومك بأنك فعلت ما أمكنك من أمر الذبح ، روي :

__________________

(١) عن ابن عباس ومجاهد وابن عمر ومحمد بن كقب القرظي ، انظر السمرقندي ، ٣ / ١١٩.

(٢) عن كعب وعلي بن أبي طالب وعكرمة وقتادة وأبي هريرة وعبد الله بن سلام ، انظر السمرقندي ، ٣ / ١١٩.

(٣) أخذه المفسر عن الكشاف ، ٥ / ١١٩.

(٤) نقله عن الكشاف ، ٥ / ١٢٠ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٥٦٨.

(٥) مقامات ، ح ي : منامات ، و.

(٦) عليهم‌السلام ، وي : ـ ح.

(٧) ذلك ، ح و : ـ ي.

(٨) أخذ المصنف هذا الرأي عن الكشاف ، ٥ / ١٢٠.

١٣

أنه وضع السكين على حلقه فلم يعمل فشحذه مرارا ووضعه عليه فمنعه القدرة الإلهية (١) ، فكان ذلك بمنزلة الذبح الصادق (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) [١٠٥] أي المطيعين بأمرنا وهو تعليل لإعطائهما الفرج بعد الشدة.

(إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (١٠٦) وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (١٠٧))

(إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ) [١٠٦] أي هذا الذبح هو الاختبار البين لإبراهيم وولده الذبيح وأمه (وَفَدَيْناهُ) أي خلصنا الذبيح ببدل من الذبح (بِذِبْحٍ) بالكسر ، أي بكبش (عَظِيمٍ) [١٠٧] من الجنة وهو اسم ما يذبح ، وبالفتح مصدر ، وأسند الفداء إلى السبب الممكن من الفداء بهبته فكأن الفادي إبراهيم عليه‌السلام حقيقة لا الله ، لأنه المفتدي منه لكونه آمرا بالذبح فلا يكون فاديا ، والكبش هو الذي قربه هابيل وكان عظيم الجسم فلما ذبحه قال جبرائيل الله أكبر ، فقال الذبيح لا إله إلا الله والله أكبر فقال إبراهيم الله أكبر ولله الحمد ، فبقي سنة ، والفائدة في وضع ذبح الكبش مقام حقيقة الذبح في نفس إسمعيل أن يكمل منه الوفاء بالمنذور وإيجاد المأمور به من كل وجه.

(وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (١٠٨) سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ (١٠٩) كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١١٠))

(وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ) [١٠٨] أي أبقينا على إبراهيم الثناء الحسن وهو (سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ) [١٠٩] في الأمم الباقين بعده (كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) [١١٠] وإنما ترك «إنا» ههنا اكتفاء بذكره مرة.

(إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١١١) وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٢))

(إِنَّهُ) أي إبراهيم (مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) [١١١] أي المصدقين بالتوحيد ، (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ) أي بوجوده بعد ما أمرناه بذبح إسمعيل وكان أكبر من إسحق بثلاث عشرة سنة ، قوله (نَبِيًّا) حال مقدرة من «إسحاق» ، والعامل فيها الوجود المقدر ، أي يوجد نبيا لا فعل البشارة لأنه لم يكن نبيا حينئذ ، قوله (مِنَ الصَّالِحِينَ) [١١٢] حال ثانية ذكره لزيادة (٢) مبالغة في مدحه ، إذ كل نبي صالح ، قيل : ومما يدل على أن الذبيح إسمعيل دون إسحق ، قوله (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ)(٣) وقوله (وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ)(٤) ، فلو كان الذبيح إسحق لكان خلفا للوعد في يعقوب.

(وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (١١٣))

(وَبارَكْنا عَلَيْهِ) أي على إبراهيم بتكثير ذريته وأمواله (وَعَلى إِسْحاقَ) ولده وبركته جعله تعالى أكثر العلماء من نسله (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ) أي مؤمن كموسى وهرون وداود وسليمان وعيسى ومن آمن من أهل الكتاب (وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ) [١١٣] أي بين الظلم وهو من كفر بآيات الله ولقائه.

(وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ (١١٤) وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (١١٥) وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (١١٦) وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ (١١٧) وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (١١٨))

(وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ (١١٩) سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ (١٢٠) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٢١) إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١٢٢))

(وَلَقَدْ مَنَنَّا) أي أنعمنا (عَلى مُوسى وَهارُونَ) [١١٤] بالنبوة (وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما) بني إسرائيل (مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) [١١٥] أي من الغرق والاستعباد (وَنَصَرْناهُمْ) أي بني إسرائيل (فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ) [١١٦] بالجنة على فرعون وقومه (وَآتَيْناهُمَا) أي موسى وهرون (الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ) [١١٧] أي المتناهي في بيان الأحكام من الحلال والحرام (وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) [١١٨] أي ثبتناهما عليه (وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ) [١١٩] أي في

__________________

(١) اختصره المؤلف من البغوي ، ٤ / ٥٦٩.

(٢) لزيادة ، ح : ـ وي.

(٣) هود (١١) ، ٧١.

(٤) هود (١١) ، ٧١ ؛ نقل المفسر هذا الرأي عن البغوي ، ٤ / ٥٦٨.

١٤

الباقين (سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ) [١٢٠] أي الثناء الحسن (إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [١٢١] إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) [١٢٢] أي المرسلين.

(وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٢٣) إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ (١٢٤))

(وَإِنَّ إِلْياسَ) بقطع الهمزة مع الكسر وبوصلها (١)(لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) [١٢٣] إلى بني إسرائيل.

قيل : إنه إدريس نبي من أنبياء بني إسرائيل (٢) ، وقيل : هو إلياس صاحب الخضر وكان الخضر في الجزائر وإلياس في البراري ويجتمعان كل سنة في يوم عرفة بعرفات (٣) ، روي : أن ملك بعلبك كان يعبد صنما من ذهب اسمه بعل ، طوله عشرون أو ثلاثون ذراعا وكان له امرأة قتلت جارها وأخذت بستانه فغضب الله تعالى على الملك فبعث إليه إلياس ، وقال قل له فتردن بستانه على ورثته وإلا لتهلكن (٤) ، فأخبر تعالى عنه فقال اذكر (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ) [١٢٤] الله ، أي اتقوه وردوه البستان إلى الورثة.

(أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ (١٢٥) اللهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (١٢٦))

ثم وبخهم فقال (أَتَدْعُونَ) أي أتعبدون (بَعْلاً) أي الصنم (وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ) [١٢٥] أي تتركون عبادته وهو خالقكم ، قوله (اللهَ) بالنصب بدل من (أَحْسَنَ) و (رَبَّكُمْ) صفته (وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) [١٢٦] عطف عليه ويقرأ بالرفع (٥) على أنه مبتدأ و (رَبَّكُمْ) خبره.

(فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٢٧) إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (١٢٨) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (١٢٩) سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ (١٣٠) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٣١) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١٣٢))

(فَكَذَّبُوهُ) أي إلياس (فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) [١٢٧] أي هم وأصنامهم في النار (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) [١٢٨] فانهم لا يحضرون النار لإيمانهم به بالإخلاص (وَتَرَكْنا عَلَيْهِ) أي على إلياس (فِي الْآخِرِينَ [١٢٩] سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ) [١٣٠] وقرئ «آل ياسين» بالإضافة (٦) ، أي سلام على إلياس ومن آمن به من قومه وجمعوا معه كقولهم إدريسين لإدريس وقومه ، قيل : غضب الملك غضبا شديدا على إلياس وهم بقتله فدعا الله أن يريحه منهم فرفعه الله إلى السماء وأهلك الملك وقومه بالقحط (٧)(إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [١٣١] إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) [١٣٢] أي المخلصين في إيمانه وطاعته.

(وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٣) إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (١٣٤) إِلاَّ عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ (١٣٥) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (١٣٦))

(وَإِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ) [١٣٣] إلى قومه فكذبوه فأرادوا إهلاكه فقال : رب نجني وأهلي مما يعملون ، فنجاه

__________________

(١) «وإن إلياس» : قرأ ابن ذكوان بخلف عن بوصل همزة «إلياس» ، فيصير اللفظ بلا ساكنة بعد «إن» ، فان وقف على «إن» ابتدأ بهمزة مفتوحة ، لأن الأصل ياس دخلت عليه أل ، وغيره بهمزة قطع مكسورة في الحالين ، وهو الوجه الثاني لابن ذكوان ، والوجهان عنه صحيحان. البدور الزاهرة ، ٢٧٠.

(٢) عن عبد الله بن مسعود ، انظر البغوي ، ٤ / ٥٧١ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ١٢٣ ؛ والكشاف ، ٥ / ١٢٣.

(٣) هذا الرأي مأخوذ عن السمرقندي ، ٣ / ١٢٣.

(٤) ولم أجد له أصلا في المصادر التفسيرية التي راجعتها.

(٥) «الله ربكم ورب» : قرأ حفص والأخوان ويعقوب وخلف بنصب الهاء من لفظ الجلالة ، والباء من «ربكم» و «رب» ، والباقون برفع الثلاثة. البدور الزاهرة ، ٢٧٠.

(٦) «إلياسين» : قرأ نافع والشامي ويعقوب بفتح الهمزة ومدها وبعدها لام مكسورة مفصولة من «ياسين» كفصل اللام من العين في «آل عمران» ؛ وعلى هذا تكون آل كلمة وياسين كلمة ، فيجوز قطع آل عن ياسين ، والوقف على آل عند الاضطرار أو الاختيار بالباء الموحدة ، والباقون بكسر الهمزة وبعدها لام ساكنة فتكون كلها كلمة واحدة ، فلا يجوز فصل بعضها من بعض ، فيجب الوقف على آخرها. البدور الزاهرة ، ٢٧٠.

(٧) ولم أجد له مرجعا في المصادر التفسيرية التي راجعتها.

١٥

الله وأهله فذلك قوله (إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ [١٣٤] إِلَّا عَجُوزاً فِي الْغابِرِينَ) [١٣٥] أي امرأته في الباقين للهلاك (ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ) [١٣٦] أي أهلكنا الباقين.

(وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (١٣٧) وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٣٨))

(وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ) يا أهل مكة (عَلَيْهِمْ) أي على آثار قوم لوط إذا سافرتم (مُصْبِحِينَ) [١٣٧] أي بالنهار (وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) [١٣٨] أي أليس لكم فهم الإنسانية لتدركوا به ما حل بمن قبلكم فتعتبروا فتؤمنوا.

(وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٣٩) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (١٤٠) فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (١٤١) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (١٤٢) فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٤٤) فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (١٤٥) وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (١٤٦))

(وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ [١٣٩] إِذْ أَبَقَ) أي هرب (إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) [١٤٠] أي المملوء حين لم ينزل العذاب على قومه ، فغضب منه فجاء إلى البحر وركب مركبا ، فلما لحجوا في البحر وقفت السفينة فقال الملاحون هنا عبد آبق (فَساهَمَ) أي قارع أهل السفينة من الآبق (فَكانَ) يونس (مِنَ الْمُدْحَضِينَ) [١٤١] أي المقروعين (١) المغلوبين ، والمدحض هو المغلوب في الحجة ، وأصله من الدحض وهو زلة القدم من مكانها فألقوه أو ألقى نفسه في البحر (فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ) أي ابتلعه (وَهُوَ مُلِيمٌ) [١٤٢] أي يلوم نفسه باتيان ما يلام عليه (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) [١٤٣] أي الذاكرين في بطن الحوت (لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [١٤٤] أي لصار بطن الحوت له قبرا إلى يوم البعث (فَنَبَذْناهُ) أي ألقيناه من بطن الحوت من يومه أو بعد ثلاثة أيام أو أزيد (بِالْعَراءِ) أي بالساحل أو بالفضاء (وَهُوَ سَقِيمٌ) [١٤٥] أي عليل كهيئة الطفل لا قوة له (وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ) أي فوقه بعد خروجه (شَجَرَةً) مظلة (مِنْ يَقْطِينٍ) [١٤٦] وهو القرع ليستظل بظلها وكانت وعلة تجيئه ويشرب (٢) من لبنها صباحا ومساء حتى اشتد لحمه ونبت شعره وتقوى ، فنام نومة فاستيقظ وقد يبست الشجرة فأصابته الشمس فبكى فأوحى إليه ربه أتحزن على شجرة يبست ولا تحزن على مائة ألف أو يزيدون أرسلناك إليهم لتنجيهم من العذاب ، فلم يتبعوك وأردت هلاكهم وهم في يد الكافر الذي منعهم عن الاتباع بك.

(وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (١٤٧))

ثم أخبر عنه بقوله (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) [١٤٧] أي كما أرسلناه من (٣) قبل الحوت إليهم (٤) إرسالا ثانيا إليهم (٥) بعد الحوت أو إلى غيرهم ، روى : أنهم أسلموا فسألوه أن يرجع إليهم فأبى ، لأن النبي إذا هاجر لم يرجع إليهم مقيما فيهم (٦) ، وهم أهل نينوى بأرض الموصل وهم كانوا مائة ألف أو يزيدون في مرأى العين ، أي إذا رآها الرائى قال هي مائة ألف أو أكثر ، والغرض الوصف بالأكثر ، وقيل : (أَوْ) بمعنى الواو (٧) ، وكانت الزيادة عشرين ألفا (٨) أو ثلاثين (٩).

(فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (١٤٨) فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (١٤٩) أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ (١٥٠) أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ (١٥١) وَلَدَ اللهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (١٥٢))

(فَآمَنُوا) عند نزول العذاب بهم وصرفناه عنهم (فَمَتَّعْناهُمْ) أي أبقيناهم (إِلى حِينٍ) [١٤٨] أي إلى وقت انتهاء آجالهم متمتعين بأموالهم (فَاسْتَفْتِهِمْ) أي فاستخبر أهل مكة توبيخا لهم (أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ وَلَهُمُ

__________________

(١) المقروعين ، وي : مقروعين ، ح.

(٢) يشرب ، ح و : تشرب ، ي.

(٣) من ، ح : ـ وي.

(٤) أرسلناه إليهم ، + و ، أرسلناه ، + ح.

(٥) إليهم ، ح ي : ـ و.

(٦) نقله عن الكشاف ، ٥ / ١٢٦.

(٧) وهذا الرأي مأخوذ عن البغوي ، ٤ / ٥٨٢.

(٨) عن مقاتل ، انظر البغوي ، ٤ / ٥٨٢.

(٩) عن الحسن ، انظر البغوي ، ٤ / ٥٨٢.

١٦

الْبَنُونَ) [١٤٩] أي أتجعلون أوضع الجنسين له وأرفعهما لكم مع قدرته عليه ، ففيه تفضيل لأنفسكم على ربكم ، وهذا مما لا يقبله سليم العقل ، ثم زادهم التوبيخ فقال (أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِناثاً وَهُمْ شاهِدُونَ) [١٥٠] أي حاضرون حين خلقهم (١) إناثا فيجترؤون على ما يقولون ، وإنما خصهم بعلم المشاهدة استهزاء بهم وتجهيلا لهم ، أي ليس باخبار صادق ولا باستدلال صحيح فصرح بكذبهم بقوله (أَلا إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ) أي من أجل كذبهم (لَيَقُولُونَ [١٥١] وَلَدَ اللهُ) بزعمهم الملائكة بنات الله (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) [١٥٢] في قولهم لله ولد الولد يعم الذكر والأنثى ، وفيه تجسيم له تعالى علوا كبيرا ، لأن الولادة مختصة بالأجسام ، وفي جعلهم الملائكة الذين هم أكرم خلق الله (٢) إناثا استهانة شديدة ولو قيل لأدناهم فيك أنوثة لتمزقت نفسه من الغيظ لقائله.

(أَصْطَفَى الْبَناتِ عَلَى الْبَنِينَ (١٥٣) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (١٥٤) أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٥٥) أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ (١٥٦) فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٥٧))

(وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (١٥٨))

قوله (أَصْطَفَى الْبَناتِ) استفهام بمعنى الزجر والإنكار ، والأصل أاصطفى ، حذفت همزة الوصل استغناء عنها بهمزة الاستفهام ، أي أاختار الله تعالى بالبنات (عَلَى الْبَنِينَ [١٥٣] ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) [١٥٤] هذا الحكم الفاسد ارتدعوا عنه فانه جور ، ومن قرأ بكسر الهمزة (٣) جعله بدلا من قول الكفار ولد الله (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) [١٥٥] أي أفلا تتعظون فتمتنعوا عن ذلك القول (أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ) [١٥٦] أي حجة واضحة أن لله ولدا أو لكم عذر (٤) بين في كتاب منزل إليكم (فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [١٥٧] في مقالتكم (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ) أي جعل مشركو مكة بين الله تعالى (وَبَيْنَ الْجِنَّةِ) وهم حي من الملائكة يقال لهم الجن ومنهم إبليس (نَسَباً) أي نسبة جامعة له وللجنة بقولهم إنهم بنات الله تعالى (وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ) أي الملائكة الذين قالوا لهم البنات (إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ) [١٥٨] النار ومعذبون فيها بما يقولون.

(سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٥٩) إِلاَّ عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٠))

قوله (سُبْحانَ اللهِ) أي تنزيها له (عن ما (يَصِفُونَ) [١٥٩] بأن له ولدا اعتراض (٥) بين الاستثناء وبين ما وقع منه ، قوله (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) [١٦٠] استثناء منقطع من «محضرون» ، أي لكن عباد الله المخلصين من الشرك ناجون من النار ، قيل : هذه الآيات المتوالية في بطلان قولهم أن لله ولدا صدرت عن سخط عظيم واستبعاد شديد له ونطقت بتسفيه أحلام قريش واستركاك عقولهم مع استهزاء وتهكم بهم (٦).

(فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ (١٦١) ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ (١٦٢) إِلاَّ مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ (١٦٣))

(فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ) [١٦١] أي مع (٧) معبودكم يا أهل مكة (ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) أي على الله (بِفاتِنِينَ) [١٦٢] أي بمضلين أحدا من الناس ، من فتن فلان على فلان امرأته ، أي أفسدها عليه (إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ) [١٦٣] أي سيصلي النار في سابق علمه تعالى مفردا ، أصله صالى من الصلى وهو الدخول في النار.

(وَما مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ (١٦٤))

ثم أخبر جبرائيل أن لكل واحد منهم مقاما مختصا به بقوله (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) [١٦٤] أي قال الله تعالى لجبرائيل بعد قولهم الملائكة بنات الله تكذيبا لهم قل يا جبرائيل لمحمد نحن معاشر الملائكة ما منا أحد إلا له

__________________

(١) خلقهم ، وي : خلقتهم ، ح.

(٢) عليه ، + و.

(٣) «اصطفى» قرأ أبو جعفر بوصل الهمزة فيسقطها في الدرج ويكسرها في الابتداء ، وغيره بهمزة قطع مفتوحة وصلا وابتداء. البدور الزاهرة ، ٢٧١.

(٤) عذر ، ح و : ـ ي.

(٥) اعتراض ، وي : اعتراضا ، ح.

(٦) ولم أجد له أصلا في المصادر التفسيرية التي راجعتها.

(٧) مع ، وي : ـ ح.

١٧

مقام معلوم في السماء يعبد فيه ولا يتجاوزه إلا باذن ، أي لا نستطيع أن نزل عنه ظفرا خشوعا لعظمته أذلاء بين يديه فكيف يكون جنسية بيننا وبينه تعالى كما روي : فمنهم راكع لا يقيم صلبه وساجد لا يرفع رأسه (١).

(وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (١٦٥) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (١٦٦) وَإِنْ كانُوا لَيَقُولُونَ (١٦٧) لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٦٨) لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ (١٦٩))

(وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ) [١٦٥] أقدامنا للصلوة خاشعين خاضعين أو الصافون حول العرش (وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ) [١٦٦] أي نسبح الله تعالى عما لا يليق بجلاله ونمجده كما يجب على العباد لربهم فلا نكون مناسبين لرب العزة أصلا ، قوله (وَإِنْ كانُوا) «إِنْ» مخففة من الثقيلة واللام في (لَيَقُولُونَ) [١٦٧] هي الفارفة بينها وبين «إن» النافية ، نزل حين قال كفار مكة لو كان لنا كتاب مثل اليهود والنصارى لكنا نؤمن مخلصين (٢) ، فلما جاءهم محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالقرآن كفروا فأخبر تعالى بأنهم كانوا يقولون (لَوْ أَنَّ عِنْدَنا ذِكْراً) أي كتاب (مِنَ) كتب (الْأَوَّلِينَ) [١٦٨] الذين نزل عليهم التورية أو الإنجيل (لَكُنَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) [١٦٩] أي لأخلصنا العبادة لله.

(فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (١٧٠))

(فَكَفَرُوا بِهِ) أي بالقرآن وهو سيد الأذكار والكتب ، إذ هو معجز من بينها (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) [١٧٠] عاقبة كفرهم وتكذيبهم وما حل بهم من الانتقام في الدنيا والآخرة.

(وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ (١٧١) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ (١٧٢) وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ (١٧٣))

(وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا) أي عدتنا بالنصر (لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ) [١٧١] والكلمة التي هي العدة ، قوله (إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ [١٧٢] وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ) [١٧٣] أي المؤمنون منهم الغالبون على الكفار بالحجة في الدنيا والعزة في الآخرة وإن انهزموا وغلبوا في بعض المشاهد (٣) في أثناء الحال.

(فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٤))

(فَتَوَلَّ عَنْهُمْ) أي أعرض عن كفار مكة وعن أذاهم (حَتَّى حِينٍ) [١٧٤] أي حين تؤمر فيه (٤) بالقتال ، فنسخت بآية القتال (٥).

(وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٥) أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ (١٧٦) فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ فَساءَ صَباحُ الْمُنْذَرِينَ (١٧٧) وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (١٧٨) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٩) سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠) وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٨٢))

(وَأَبْصِرْهُمْ) إذا نزل بهم العذاب هنا من القتل والأسر والعقوبة في الآخرة (فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) [١٧٥] أي يبصرونك وما يقضى لك من النصرة والغلبة والثواب في العاقبة وفي الأمر للنبي عليه‌السلام بأبصارهم على الحال الموعودة الدلالة على أنها كائنة لا محالة وتسلية له ، وفي «سوف يبصرون» تهديد شديد لهم ليتوبوا ، فثم قال الكفار متى ينزل العذاب بنا يا محمد استهزاء واستعجالا فنزل (٦)(أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ) [١٧٦] لزيادة التخويف ، أي أفبعذاب مثلي وأنا رب العزة يستعجلون (فَإِذا نَزَلَ بِساحَتِهِمْ) أي العذاب بقربهم وحضرتهم (فَساءَ) أي يقال بئس (صَباحُ الْمُنْذَرِينَ) [١٧٧] أي بئس الصباح صباح من أنذر بالعذاب وكذب به فلم يؤمن ، روي : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما نزل بقرب خيبر قال : «الله أكبر هلكت خيبر ، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح

__________________

(١) أخذه عن الكشاف ، ٥ / ١٢٨ ١٢٩.

(٢) لعل المفسر أخذه عن الكشاف ، ٥ / ١٢٩.

(٣) المشاهد ، ح و : المشاهدة ، ي.

(٤) فيه ، وي : فيهم ، ح.

(٥) عن مقاتل بن حيان ، انظر البغوي ، ٤ / ٥٨٤ ؛ وانظر أيضا هبة الله بن سلامة ، ٧٦ ؛ وابن الجوزي ، ٤٨ ـ ٤٩ (عن قتادة وابن زيد).

(٦) أخذه عن البغوي ، ٤ / ٥٨٤.

١٨

المنذرين» (١)(وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ [١٧٨] وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) [١٧٩] كررها تهديدا لهم وتسلية بعد تسلية للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وتأكيدا لوقوع الوعد إلى تأكيد ، وفيه فائدة زائدة وهي إطلاق الفعلين معا عن التقييد بالمفعول لتعميم المبصر منهما مما لا يحيط به الوصف من المسرة للنبي عليه‌السلام ومن المساءة للمنذرين ، وقيل : كرر للإيذان بأن المراد بأحدهما عذاب الدنيا وبالآخرة عذاب الآخرة (٢).

قوله (سُبْحانَ رَبِّكَ) الآية حطاب للنبي عليه‌السلام وتعليم له ولمن تابعه من المؤمين أن يقولوا ذلك من غير إخلال به وتساهل من مضموناتها منها تنزيه ذاته عما وصفه به المشركون بقوله «سُبْحانَ رَبِّكَ» (رَبِّ الْعِزَّةِ) باضافة (رَبِّ) إلى (الْعِزَّةِ) لتفيد (٣) اختصاصه بها ، أي ما من عزة لأحد إلا هو مالكها فهو منزه (عن ما (يَصِفُونَ) [١٨٠] من اتخاذ الولد والشريك ومنها التسليم على الأنبياء بقوله (وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ) [١٨١] أي الذين يبلغون رسالات الله إلى الأمم ، ومنها التمجيد لرب العالمين على كل حال بقوله (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) [١٨٢] على إهلاك الكافرين ونجاة المؤمنين ، روي عن علي رضي الله عنه : «من أحب أن يكتال له بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه إذا قام من مجلسه (سُبْحانَ رَبِّكَ) إلى آخر السورة» (٤).

__________________

(١) رواه البخاري ، الصلوة ، ١٢ ؛ والأذان ، ٦ ؛ وانظر أيضا السمرقندي ، ٣ / ١٢٦.

(٢) نقل المفسر هذا الرأي عن الكشاف ، ٥ / ١٣٠.

(٣) لتفيد ، ح و : فيفيد ، ي.

(٤) انظر البغوي ، ٤ / ٥٨٥.

١٩

سورة ص

مكية

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ)

(ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (١))

قرئ (ص) بالسكون ، أي الله صادق في قوله ، وبالكسر (١) أمر للنبي عليه‌السلام من المصاداة وهي المعارضة ، أي عارض القرآن بعملك فاعمل بأوامره وانته عن نواهيه ، وقيل : هو خبر مبتدأ محذوف على أنه اسم السورة (٢) التي أعجزت العرب (٣) ، قوله (وَالْقُرْآنِ) قسم (ذِي الذِّكْرِ) [١] أي ذي الشرف أو ذي العظة أو فيه ذكر ما يحتاج إليه من الشرائع وغيرها من الوعد والوعيد وقصص الأنبياء قبلك ، وجواب القسم محذوف لدلالة التحدي عليه ، تقديره : والقرآن ذي الذكر انه لكلام معجز منزل بالحق ، فحقه أن يؤمن الناس به.

(بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (٢))

(بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا) من أهل مكة (فِي عِزَّةٍ) أي في حمية واستكبار عن الاعتراف بالحق والإيمان به (وَشِقاقٍ) [٢] أي في خلاف وعداوة وتكذيب لله ولرسوله ، والتنكير في الكلمتين (٤) للدلالة على شدتهما.

(كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (٣))

قوله (كَمْ أَهْلَكْنا) وعيد لذي العزة والشقاق ، أي كم أهلكنا بالعذاب (مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ) أي من أمة من الأمم (فَنادَوْا) أي استغاثوا في الدنيا ليخلصوا (٥) من العذاب ، فقيل لهم (وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) [٣] بنصب (حِينَ) ، أي ليس الحين حين فرار ، ف «لا» بمعنى ليس ذيد عليها تاء التأنيث للتأكيد كما يزاد في «رب» و «ثم» للتأكيد واسمها محذوف و (حِينَ مَناصٍ) خبرها ، قيل : «كانت العرب إذا قاتلوا يقول بعضهم لبعض مناص مناص» (٦) ، والمراد المنجأ فينجو من نجا ويهلك من هلك فلما أتاهم العذاب قالوا مناص مثل ما كانوا يقولون ، فقال الله تعالى لهم ولات حين مناص ونزل حين قال لهم النبي عليه‌السلام إن إلهكم إله واحد وهو الله فوحدوه بقول «لا إله إلا الله» فتعجبوا ونفروا من التوحيد ولا يتعجبون من الشرك إظهارا لجهلهم (٧).

(وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (٤) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ (٥))

(وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ) أي رسول مخوف (مِنْهُمْ) أي من أنفسهم وهو محمد عليه‌السلام (وَقالَ الْكافِرُونَ) بالإظهار ولم يقل وقالوا إيذانا بشدة الغضب عليهم لقولهم (هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ) [٤] أي يكذب على

__________________

(١) «ص والقرآن» : سكت أبو جعفر على «ص» سكتة خفيفة من غير تنفس ، ونقل المكي همزة القرآن إلى الراء كحمزة إن وقف. البدور الزاهرة ، ٢٧١.

(٢) وتقديره هذه السورة ، + و.

(٣) هذا الرأي منقول عن الكشاف ، ٥ / ١٣٢.

(٤) الكلمتين ، وي : كلمتين ، ح.

(٥) ليخلصوا ، ح و : لتخلصوا ، ي.

(٦) عن الكلبي ، انظر السمرقندي ، ٣ / ١٢٩ ؛ وانظر أيضا البغوي ، ٤ / ٥٨٧ (عن ابن عباس).

(٧) قوله ، + و.

٢٠