كشف الأسرار النورانيّة القرآنيّة - ج ٢

محمّد بن أحمد الإسكندراني الدمشقي

كشف الأسرار النورانيّة القرآنيّة - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن أحمد الإسكندراني الدمشقي


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5282-4

الصفحات: ٤٦٤
الجزء ١ الجزء ٢

الخاتمة

(بسم الله الرحمن الرحيم)

الحمد لله المنفرد بإبداع المركبات والبسائط ، الغني فلا نفتقر في فعل من أفعاله إلى شيء من الأسباب والوسائط ، تعالى شأنه : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢)) [يس : الآية ٨٢]. (فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٨٣)) [يس : الآية ٨٣].

(أحمده) حمد عالم بأنه الفعال لما يريد ، وأشكره شكر جازم بتنزه ذاته الأقدس عن الكمية والكيفية والانحصار والتحديد ، وأصلي وأسلم على فاتح مغلقات كيمياء السعادة ومانح جواهر المعارف بكلماته المفرغة في أجمل قوالب الإجاده عنصر عناصر المجد ، وأصل أصول الفضائل ، وأشرف معادن الأسرار الربانية وموصلها إلى أهلها على حسب القوابل سيدنا محمد الذي هو خلاصة الكائنات والموصوف بأكمل الصفات.

(أما بعد) :

فأقول أعلم أن الله تبارك وتعالى لما أمرنا في مواضع عديدة من القرآن الشريف أن نتفكر في آلائه كما قال تعالى : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [آل عمران : الآية ١٩١]. وقال تعالى : (قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [الأنعام : الآية ٩٧]. وقال تعالى : (أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ) [السّجدة : الآية ٤]. بين لنا من ذلك أعظم الدلالة على عظم قدرته في تكون الأجرام والمولدات بقوله تعالى : (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) [الرّعد : الآية ١٧]. ولنذكر هنا ما مكث وكيفية تكون طبقات الأرض طبقة فطبقة وكيفية دورانها فنقول.

(بيان كيفية تكون طبقات الأرض)

(اعلم) أرشدك الله تعالى أنا قد اعتبرنا الأرض على ما تحقق نجمة من الكواكب الفلكية المالئة للفضاء الذي لا حد له ، وعرفنا المحل الذي تشغله من المجموع الشمسي ، والطريق الذي خطته لها القدرة الإلهية والحركات المخصوصة بها وشكلها الشبيه بالكروي المفرطح جهة الأقطاب ، وذكرنا أن هذا الشكل نشأ من لينها ورخاوتها ، وأحسن من ذلك أن يقال من سيولة تلك الكرة زمن نشأتها ووجودها ، وأثبتنا أيضا أنها مكونة من مقدر عظيم من جواهر

٨١

تختلف في كونها صلبة أو مائعة أو سائلة مرنة أعني هوائية أو سائلة غير قابلة للضبط ولا للوزن ، وبحثنا عن التي تتعلق بالأجزاء السائلة والهوائية من كرتنا بحثا جغرافيا.

وقد تقدم الكلام عليه ولنبحث الآن في جزئها الجامد فنقول الذي يظهر أن التقلبات والتغيرات التي تكابدها الكرة إنما تحصل في هذا الجزء فقط ، وأن الدنيا القديمة تختلف بالكلية عن الدنيا الجديدة ، بل الدنيا الجديدة الموجودة بين القطبين لا تشبه بوجه من الوجوه البر المتصل الجنوبي ولا الأرض الموجودة عند القطب الشمالي ، وأن الجبال ليست متماثلة في الاتجاه ، وأن السهول والأودية لها اختلافات شتى ، وبالاختصار فعدم انتظام الأشياء متسلطن في ذلك الجزء فقد يعسر أو يستحيل أن يوجد تماثل وتساو تام بين شيئين متوازيين بحسب ذلك ، وهذا كله ناشئ من التقلبات والتغيرات التي تحصل دائما في الأرض ، والظاهر أن هذه الصخور الموجودة في تلك الكرة تبلورت من قديم في سائل لم يوجد الآن في الكون ما يدل عليه ولا ما يوفقنا على حقيقته.

قال بعض المؤلفين : إذا كان الأمر كذلك فلا يكون هذا السائل إلا سائلا ناريا مائيا أي ماء مبيضا بالنار بعد الاحمرار ، وعرض لضغط شديد جدا بحيث لا يمكن تصعيده وانتشاره في الفضاء فأثر على الأجرام المذابة فيه بقوة مساوية لقوته الانبساطية ولا يمكننا حسبان تلك القوة ؛ إذ الماء الذي هو على هيئة بخار في حرارة مساوية لحرارة الحديد الأحمر ، وهي ثلاثمائة وسبع درجات من مقياس ريمور يرفع وزنا مساويا لوزن مائة وثلاثين ألف جو ، ويرفع في حرارة أربعمائة وخمس وستين درجة من ذلك المقياس وزنا ساويا بالأربعة وأربعين مليونا من الجو.

انظر ما مقدار القوة العظيمة لهذا الماء المبيض بعد الاحمرار إذا كانت درجة حرارته مساوية لحرارة ذوبان الذهب أعني ألفين وثلاثمائة وسبعا وعشرين درجة ، وهذا كله جائز متى أثرت قوة شبيهة بما ذكر ، وهذا الماء الأبيض قد ذكر فيما تقدم في بحث البحر المسجور ، ثم إن تلك الصخور يتحلل تركيبها سريعا بمماسة الماء والهواء والضوء ، وقد تتراكب عليها صخورا أخر تكون أولا على هيئة طبقات متوازية للسطح الذي رسبت واستندت عليه ، ثم تتسلطن عليها تقلبات وصروف دهرية تفسد انتظامها وتغير معالمها ، والفواعل لهذه التقلبات مجهولة أيضا كأزمنتها.

والفيلسوفي المشتغل بالبحث عن الكائنات لا يمل من منظر تلك الهيولي ، بل يبحث عن الأجزاء التي يمكنه الوصول إليها مع غاية الانتباه ، ثم يجمع أعماله ويقابل بينها ويستنتج منها نتائج صحيحة بدون أن يفتش على توضيح تلك الأعمال نفسها وبدون أن يعتني بربطها

٨٢

وتطبيقها على رأي من الآراء ، ونهاية ما يكون أنه ربما بجاسر على استنباط آراء تضاف إلى الآراء.

والمذاهب السابقة التي عرضت إلى وقتنا هذا في كيفية تكون الكرة ، ومعرفة أصول تلك التقلبات والتغيرات التي يظهر لنا أنها غيرت سطحها هذا ، وينبغي أن نعتبر تبعا لبعض المعلمين القواعد الآتية أصولا صحيحة وحقائق ثابتة في الجيولوجيا وهي :

(أولا) : أن الكرة الأرضية الغير التامة الاستدارة ليست من طبيعة واحدة.

(وثانيا) : أن كثافة طبقات هذه الكرة تأخذ في الزيادة كلما قربت إلى المركز.

(ثالثا) : أن هذه الطبقات مهيأة تقريبا بانتظام حول مركز ثقل الأرض.

(رابعا) : أن سطح هذه الكرة المغطى بعضه بالبحر له شكل بختلف قليلا عن الشكل الذي تأخذه الكرة بموجب نواميس الموازنة لو قدرت سائلة.

(خامسا) : أن عمق البحر إنما هو يسير قليل بالنسبة للفرق بين محوري الأرض.

(سادسا) : أن عدم انتظام الأرض والأسباب التي تحدث وتضاريسها غير متوغلة فلا تقدح كرويتها.

(سابعا) : أن الأرض كلها كانت في الابتداء سائلة ، وهذه الأصول مختارة عموما ولم يزل. في الفلكيون والمشتغلون بالكائنات يؤسسون أعمالهم عليها ، فمن العبث الاشتغال بالمجادلة فيها وطالما تكلم في جميع الأعصار من ابتداء نظام العالم والاشتغال بالعلوم إلى وقتنا هذا أناس منهمكون على دراسة العلوم في كيفية تكون الأرض ، وأول من أظهر الآراء والأقوال في كيفية خلق الأرض هم الهنود ، والكلدانيون ، والمصريون ، والعبرانيون ، ثم اشتغل بعدهم بهذا الموضوع فلاسفة اليونانيين ووصلت إلينا آراؤهم ، ولم تزل العلماء تتذكر في هذه المسألة بعدهم زمن سطوة الرومانيين ومن خلفهم في المملكة مع أن العلوم كانت في تلك الأزمنة محدودة غير متسعة وغير نامية ، ثم لما ظهرت المعارف وأخذت العلوم في الاتساع والنمو بذل الحادثون بعدهم غاية اجتهادهم فيها بعد الوقوف على القصة لكرة الأرض ومع ذلك كان آراؤهم في ذلك غير تامة السدس لكونهم أساسوها على ما قاله القدماء طلبا للوقوف على مشاهدات قليلة أو لم تبلغ حد التواتر أو رديئة الأرصاد.

وأما الآن فإن المتأخرين من علماء العرب عرضوا كالقدماء أيضا آراء وبينات تعليمية غير أنها بديعة الاستنباط لكونها مستخرجة من أفكار نيرة قادحة وأقيسة واضحة كشفوا بها هذا السر

٨٣

الخفي ، أعني كيفية تكون الأرض ويمكن إرجاع تلك الآراء إلى أربعة رئيسة :

(الأول) : نسبة الكل للنار ، والمختارون لهذا الرأي يسمون بالمسجوريين ، وهو مأخوذ من قوله تعالى : (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ (٦)) [الطّور : الآية ٦]. أي البركانيين.

(الثاني) : نسبة الكل للماء والمتمسكون بذلك هم النبطونيون المنسوبون لنبطون إله البحر في خرافات القدماء.

(الثالث) : هو القول بتوافق هاتين القوتين ، أعني الماء والنار بأن أحدثا فعلهما على التعاقب.

(الرابع) : هو القول بتكوين فواعل تجددت على التعاقب فحصل من فعلها تجديد جواهر مختلفة.

ومن المعلوم أن أصحاب هذه المذاهب أسسوا آراءهم على أشياء واقعية مخصوصة بأماكن من الأرض استندوا إليها بحثوا كثيرا في توضيحها ، ثم أجروها في بقية أجزاء الأرض على حد سواء ومع ذلك فآراؤهم زيادة عن كونها فرضية وجدت مختلة بالنسبة لمشاهدات وأمور واقعية أخر مختلفة الطبيعة كانت مجهولة عندهم أو أنهم لم يستحسنوا التأمل فيها والالتفات إليها ، والذي انحط عليه الرأي في الحالة الراهنة هو أنه لا يمكن الوقوف على حقيقة الأرض ولا على كيفية تكوينها بوجه يمكن تطبيقه على جميع كتلتها ، غاية ما يكون أنه ينبغي أن يجتهد في مشاهدة الأمور الواقعية فيها يقابل بينها وبين بعضها ، ثم تستنبط منها النتائج التي توضح وتشرح بغاية التدقيق والصحة فينبغي للمشتغل بالبحث في ذلك أن لا يتعب نفسه في دراسة القطع والكسر الأرضية ، فإنها تكون دائما غير تامة غير كافية للدراسة ، وإنما عليه أن يتحاسر على ارتكاب الأخطار ومشاق الأسفار الطويلة ، ويتسلق على قلل الجبال وينزل في المهاوي والهلكات ، ويدخل في أفوه الجبال من جبال النيران ، ويتتبع الحفر المعدنية في مجازاته وطرقه العميقة ، وينتقل من محال إلى محال أخر من الكرة ؛ ليشاهد آثار التقلبات الأرضية في أماكنها ، ويقابل بينها وبين بعضها ، ويدخل في بوراتها بعد غيبوبته عنها سنين كثيرة ، ويهب الباقي من حياته لزيادة غناء وثورة وطنه الذي شرفه بثمرة استكشافاته التي ما وصل إليها إلا بعسر شديد ، ثم إن بحثنا في الجزء الصلب من الكرة الأرضية بالنسبة لتركيبه نرى أنه يختلف لا إلى نهاية ، وأن اختلاف طبيعة الجواهر أكثر من اختلاف أشكالها ؛ ولذا عد ذلك من الأشياء التي لا يمكن تعريفها ولا حصرها في أقسام لما أن الصفات والهيآت التي تميزها عن بعضها غير واضحة الدلالة كفاية من أول الأمر ومع ذلك كان من اللازم للوقوف

٨٤

على حقيقتها معرفتها في أثناء هذه الهيولي ، وهذه التقلبات والتغيرات ، والمعدنيون هم أول من ميّز الأرض وقسمها إلى نوعين :

(الأول) : يشتمل على الأراضي التي تحتوي على عروق غنية من المعادن.

(الثاني) : يشتمل على الأراضي المكونة من طبقات خالية بحسب الظاهر من ذلك ، ثم بعد زمن ما قسمت الأراضي إلى ثلاثة أنواع :

أرض ذات سهول وأراضي ذات تلول ، وأراضي ذات جبال ، ثم بعد قسمت الأراضي إلى أراضي أولية أو أصلية ، وأراضي ثانوية وأراضي ثالثية وأراضي جرفية ، وأراضي بركانية ، وأراضي انتقالية.

فالأراضي الأولية : هي التي اعتبر كونها أقدم تكوينا ، وأنها موجودة من ابتداء تجمد الكرة ، وصفاتها الأصلية هي أنها تحتوي على بقايا حفرية من الكائنات العضوية نباتية كانت أو حيوانية ولا يوجد في تركيبها أجزاء أرضية فيها علامة كونها أقدم منها.

وهذه الأراضي إما جبال وأما سهول تكون أحيانا متسعة جدا ولا تغطي غيرها من الأراضي بل تكون مستورة بأراض أحدث منها ، وهذه كثيرة الغور بحيث لا يمكن الوصول إلى أعماقها ومعظم الكرة مكون منها أو لا أقل من كونها تمتد على جميع سطحها على هيئة قشرة متصلة غير منقطعة مكونة أقواسا كثيرة عظيمة غير منتظمة ، وقد تحقق حسبما شاهدنا سابقا أن هذه الأراضي كابدت تبلورا حقيقيا غير أنه لم يكن هناك عندنا ما يدل على طبيعة السائل الذي كان ماسكا في محلوله هذا الأصول المختلفة لتلك الصخور التي هي في غاية الصلابة ، ولتلك المعادن التي لا يمكن أن تقلدها الصناعة ، ومعظمها فيه غنى وثورة لمن يملكها ، ويظهر أن هذا التبلور أقدم ، ثم يأخذ في التناقض شيئا فشيئا حتى ينتهي بأن تتغير الأرض إلى راسب غير منتظم ، ثم إن من الصخور المتبلورة ما يدل على زيادة حداثة أزمنته غير أنه تكون فيه محدودية السعة أكثر ، ويظهر أن الأقدم من هذه الأراضي الأصلية رسب على هيئة كتل أو طبقات أفقية تكون أظهر وأوضح وأكثر ميلا وانحناء واختلافا كلما كانت الطبقات أحدث ، وقد قسمت الأراضي الأصلية سابقا إلى أجناس كثيرة يمكن حصرها أو إرجاعها إلى خمسة رئيسة ، فإنها تحتوي على الصوان أي الأغرانيت المختلف التكوين والإغنيس ، والمكاشيست ، والفيلاد المسمى أيضا بالشيست الأصلي ، والسرنيتين المسمى أيضا أوفوليت ، والبرفير أي السماق ، والكلس المحبب والفلزات ، والجواهر الثمينة ، وتكون تلك الأراضي عموما على هيئة طبقات منجرفة جدا ، وهي أقل صلابة من الأراضي الأصلية

٨٥

وأقل تبلورا منها ، والأراضي الأصلية هي مركبة كما قلنا من صخور حبوبية ، ومن ميكاشيستي كلمة يوناينة معناها الورقي اللامع ، وقد تكونت في الزمن الأول ولا تزال آخذة في التكوين إلى الآن ، فالصخور الحبوبية تشتغل الجزء السفلي من الأراضي الأصلية وما بقي من الصخور التي ذكرناها يشغل الجزء العلوي منها ، ويتسلطن وجود ثلاثة جواهر معدنية في صخور الأرض الأصلية ، هي الميكا أي الجوهر اللامع والفلدسيات ، والكواريس أي حجر البلور فإذا كانت هذه الجواهر الثلاثة متوزعة في الصخور على السوية على هيئة حبوب مختلفة الغلظ سميت الصخور حبوبية ، ولا تكون الصخور الحبوبية على هيئة طبقات ، بل تكون جبالا وهي قاعدة أغلب سلاسل الجبال ، وتركز عليها جميع أراضي الرسوب ، وتتميز أنواع الميكا الشيستي والطلق الشيستي عن الصخور الحبوبية بأنها على هيئة طبقات ورقية قد تكون رقيقة جدا وهي مكونة أيضا من الميكا والفلدسيات والكواريس ، وقد يفقد الكوارس ويتسلطن الميكا والفلدسيات اللذان يعرفان بلمعانهما ونسيجهما الورقي ، فيكسبان هذه الصخور نسيجا ورقيا يميزها عن غيرها ، وأحيانا يوجد في وسط هذه الصخور طبقات حجرية جيرية ذات ثخن عظيم تدل على أن الحجر الجيري تكون في الزمن الأول وأنواع الميكا الشيستي والطلق الشيستي أقل انتشارا من الصخور الحبوبية وموضوعة فوق الصخور المذكورة غالبا.

فإن قيل : ما سبب اختلاف النسيج في هذين التكوينين. قلنا : إن الصخور الأولى ببرد المواد المضطرمة بسرعة صار تبلورها غير واضح فاكتسب نسيجا ورقيا ، وذلك كالميكا الورقي ، والطلق والورقي وغيرهما ، فهذه الطبقة حينئذ أقدم جميع الصخور فهي الصخور الأصلية حقيقية.

وأما الصخور الحبوبية والصخور الأسوانية ، فلم تتكون إلا بعدها ببرد بطيء تحت الأرض ؛ ولذا صارت حبوبية بلورية وحينئذ فالصخور الحبوبية والصخور التي تتكون منها الطبقة السفلى من الأراضي الأصلية ليست هي الصخور المتكونة أولا كما كان يظن قديما ، بل لا تنسب كلها إلى الزمن الأول نعم ابتدأ تكونها أثناء الزمن الأول لكن استمر تكونها تحت القشرة الأرضية الأولى أواخر الأزمنة الأخرى ، ولم تزل تتكون تحت أقدامنا إلى الآن وحينئذ يكون وضعها في ضمن تكوينها الزمن الأول ، وعدها من جملة أقسام الأرض الأصلية خطأ فالصخور الأصلية التي تنسب للزمن الأول حقيقة صخور الطبقة العليا من الأراضي الأصلية.

وأما الطبقة السفلى فتنسب إلى جميع الأزمان وجميع الأراضي كالمتحصلات البركانية ، وهذا لا يمنع ضمها إلى الطبقة العليا في الدراسة حيث إن هذين التكوينين ترتيبهما واحد.

٨٦

(في بيان أوصاف الصخور الأصلية)

(اعلم) أن أوصاف الصخور الحبوبية هي صخور حبوبية أصلية مكونة من الميكا ، والفلدسيات ، والكوارس ، وهذه العناصر الثلاثة تكون على هيئة حبوب بلورية متوزعة فيها على حد سواء ، وترى بالنظر وأغلب صلابتها ناشئ عن الكوارس ، وهي قابلة للصقل وكثيرا ما تفقد صلابتها بتأثير المياه فيها فتستحيل بمضي الزمن إلى طفل ورمل وسبب ذلك تحلل الفلدسيات ، ومتى تسلطن مقدار الميكا في الصخرة الحبوبية صارت ورقية ، ويتكون من الصخرة الحبوبية في بر مصر جبال مستديرة يندر أن تكون جوانبها رأسية ، وتوجد هذه الصخرة أيضا على هيئة آكام منفصلة عن بعضها ، والمسافات التي بينها مشغولة بصخور نارية أخرى حاصلة من برد بعدي ، وذلك كالصخور الأسوانية والبورفيرية ، والصخرة الثعبانية ، ومجموع هذه الصخور تتكون منه السلسلة التي تتجه موازية لخليج العرب السمي بحر القلزم وبالبحر الأحمر ، وهي أعلى الجبال التي ببلادنا الآن منها ما يبلغ سبعة آلاف قدم إلى ثمانية آلاف بالنسبة لمستوى البحر الأحمر.

(في أوصاف الميكا الشيستي):

هي صخرة على هيئة صفائح قد تكون مختلطة ببعض جواهر معدنية متوزعة فيها مجردة في الغالب عن الكوارس والفلدسيات اللذين يدخلان في تركيب الصخور الحبوبية.

(في أوصاف الطلق الشيستي):

هو صخرة طلقية صفوحية هشة أو مندمجة ، وهي تتكون منها طبقات في الأراضي الأصلية كما في وادي القصير ووادي أسوان وغير ذلك.

(في أوصاف الحجر الصابوني):

هي صخرة لينة دسمة اللمس ، كالصابون توجد كتلا ، وهي طلق مندمج وهذه الصخرة توجد في جبل البرامات من أسوات ، وتصنع منها البرامات ونحوها والطين الأسواني الذي في هذا الجبل وتصنع منه قوالب الآجر الجيدة التي تتحمل تأثير الحرارة الشديدة ، وحجارة الشبقات ليست إلا من هذه الحجر الغير النقي ومعدن النحاس الذي ببلادنا يوجد في جبل البرامات.

(في أوصاف الصخرة الأسوانية):

هي صخرة مكونة من الكوارس والفلدسيات ، وتخالف الصخرة الحبوبية في أن الميكا

٨٧

يستدل فيها بالأمتيبول وإنما سميت بهذا الاسم لكثرة وجودها في أسوان.

(في أوصاف البورفير أي حجر السماق):

هو صخرة تركيبها من الفلدسيات ، ويوجد فيها بعض جواهر معدنية ، ويوجد فيها أيضا بلورات من الفلدسيات ، وأصلها ناري ويتكون منها عروق تقطع الأراضي الأصلية ، وهي تستعمل للزينة ويوجد في القطر المصري جملة أنواع من حجر السماق في الجبال الأصلية.

(في أوصاف الصخرة الثعبانية):

هي صخرة نارية أغلبها مكون من الطلق ، أي كوكب الأرض ، وهي ذات لمعان توجي ومكسرها راتنجي ، وتحتوي على جواهر معدنية متوزعة فيها بقع تشبه البقع التي تشاهد على جلد الثعبان ؛ ولذا سميت بالصخرة الثعبانية ، ويتكون عنها كتل في الوادي الذي بين قنا والقصير ، وقد استخرجها القدماء واستعملوا منها رخاما أخضر للزينة.

(في أوصاف الميكا):

هو جوهر لامع لونه يختلف ، وهو مكون من أوراق رقيقة جدا قابلة للانثناء ، تنفصل عن بعضها بسهولة أملس لا دسومة فيه ، ولمعانه يشبه لمعان الذهب أو الفضة أحيانا فيحصل الاشتباه فيه ، ويكفي في التحقق أنه ليس إلا مادة ترابية مجردة عن الذهب والفضة تمرسه بين الأصابع فيستحيل إلى مسحوق ، وهو مركب من سايس وشب وجير ومغنيسيا ومكلس الحديد ، وهو أحد العناصر الداخلة في تركيب الأراضي الأصلية.

(في أوصاف الفلدسيات):

هذا الجوهر إما أن يكون مندمجا أو متبلورا يكون إما أحمر أو ورديا ، أو أخضر أو أسود أو أبيض ، وهو مركب من سايس وشب وبوتاس أو صودا ، أي قلي ، وقد يحتوي على قليل جدا من الجير ، وهو أحد العناصر الكثيرة الوجود في الأراضي الأصلية من القطر المصري ونحوه.

(في أوصاف الكوارس وهو البلور الصخري):

هذا الجوهر شكله هو ذو الأسطحة المعيتية ، وشكله الثانوي هو المنشور ذو الأسطحة الستة الذي ينتهي بهرمين ، مسدسي الأسطحة ، وتوجد على أسطحته خطوط عمودية على

٨٨

أضلاعه وهيئته زجاجية ، ومكسره متموج لامع ، والكوارس الزجاجي يكون كتلا أو عروقا في الصخرة الأسوانية ، وقد يكون لون البلور الصخري بنفسجيا فيسمى بالكركهان ، وقد يكون وردي اللون أو أصفر أو أزرق أو مائلا للسواد والكوارس الراتنجي بشبه الراتنج ، والمكسور جديدا ، والكوارس أحد العناصر التي تدخل في تركيب الصخور والأراضي الأصلية أيضا.

(في أوصاف الطلق):

هذا الجوهر يشبه الميكا ، فهو مكون من جملة أوراق رقيقة مثله ، وألوانه كألوانه لكنه أكثر رخاوة ، وأقل لمعانا منه ، وملمسه صابوني ينقطع بالسكين ويتخطط بالأظافر ، وهو مركب من سليس ومغنسيا ، ويدخل في عدة صخور أصلية وكثيرا ما يصاحب الحرير الصخري في الصخور النارية من وادي القصير.

(في أوصاف الحجر الجيري السكري):

هو كربونات الجير النقي ، وهو أبيض لطيف مكون من صفائح صغيرة لامعة ، وقد يكون شبيها بالسكر المكرر فيسمى برخام التماثيل ، وهو نسبة إلى الطبقة العليا من الأراضي الأصلية ، وقد يوجد في الطبقة السفلى منها أو في الأراضي المتوسطة ، وقد تتنوع الحجارة الجيرية المندمجة التي في الأرض الثانية متى لامستها الصخور النارية فتصير سكرية الهيئة ولا تحصل هذه الاستحالة إلا في جزء قليل منها ، والحجر الجيري يكون ميكائيا إذا احتوى على الميكا ، وطلقيا إذا احتوى على الطلق ، ومغنيسيا إذا احتوى على المغنيسيا.

(في المواد النافعة من الأراضي الأصلية):

تشتمل الأراضي الأصلية على مواد كثيرة الاستعمال في الفنون والصنائع ، فقد صنع القدماء عمدا ومسلات وصناديق لحفظ أمواتهم من الصخور الأسوانية ، وكل من القاولين أي الطين والصيني والبيتونزية الذي هو صخرة مكونة من الفلدسيات والكوارس يستعمل في صناعة الصيني باختلاطهما مع الطين الصيني ، والبلور الصخري الذي يصنع منه البلور.

الصخور الحبوبية المختلفة يوجد منه مقدار عظيم في الطبقة السفلى من الأرض الأصلية.

وينبغي لمن أراد استعمال الصخور الحبوبية أو الصخور الأسوانية في أدوات الزينة أن يأخذها من الجبال الجنوبية ذات الجوانب الرأسية أو ذوات النتوءات ؛ لأنها تقاوم تأثير الهواء لكن استخراجها وصنعها يستدعيان مصاريف جسيمة ، فإذا كان المراد صخورا حبوبية سهلة

٨٩

الانفصال تصنع بسهولة فلتؤخذ من الجبال الحبوبية ذوات الرؤوس المستديرة ؛ لأنها تقطع بسهولة وتتحصل منها كتل كبيرة إلا أن الهواء يفسدها بمضي الزمن فتفقد أشكالها ، ويوجد طين الصيني في هذه الجبال المستديرة ، وكل رخام التماثيل والحجر الجيري السكري والطلق والرخام الأخضر القديم ، والمرمر الحصي الأبيض ، وحجر البرامات تنسب إلى الطبقة السفلى من الأرض الأصلية أيضا ، وأكثر وجودها في الطبقة العليا من الأرض المذكورة ، ويوجد في الأراضي الأصلية أيضا جواهر معدنية نافعة فيوجد في شقوق الأراضي الأصلية أو عروقها أحجار ثمينة وذلك كالتورمالين والياقوت الأصفر والريركونا والكورندون والياقوت الأحمر والزمر ذو الزبرجد واللاذورد الكثير الاستعمال في الصباغة.

والصخور الحبوبية ذات الحبوب الغليظة تحتوي على صفائح رقيقة من الميكا الشفاف بسبب قابليتها للانثناء تكون جيدة الاستعمال في شبابيك السفن البحرية ؛ لأن خاصيتها أن نقاوم الارتجاجات القوية التي تحصل في السفن ، ويوجد في هذه الصخور أيضا قصدير وعروق من نحاس وكوارس ذهبي اللون. والطبقة العليا من الأراضي الأصلية أي التي يتسلطن فيها الميكا الشيستي والطلق الشيستي تحتوي على جواهر معدنية أكثر من الصخور الحبوبية ، فجملة من معادن الطبقة السفلى توجد أيضا في الطبقة العليا كما أن السفلى تحتوي على جملة معادن من الطبقة العليا ، ولا غرابة في ذلك فإن الأرض واحدة وأصل الطبقتين واحد ، والعناصر التي يتكونان منها واحدة ، فالزمرد ذو الياقوت الأزرق ونحوهما من الأحجار الثمينة وحجر الصنفرة والحرير الصخري والبلومياجينا ، أي مادة الأقلام الرصاصية يؤخذ أغلبها من صخور الطبقات العليا ، ويوجد فيها الصخرة الثعبانية ، والطلق جملة معادن من الكروم والأوذوريد والكوبلت ، وهي مواد نافعة جدا في النقش ومعادن مختلفة من الحديد والنحاس ، وبعض عروق من الرصاص والذهب والفضة ، هذا والأراضي الأصلية مجردة عن الحفريات فلا يوجد منها شيء في باطن الصخور ، وهذا يدل على أن سطح الأرض لم يكن معمورا بنباتات ولا بحيوانات أثناء تكون الأراضي الأصلية.

(في الأراضي المتوسطة):

الأراضي المتوسطة المسماة أيضا بالانتقالية هي المحتوية على بعض بقايا من الأجسام الآلية من الحيوانات الرخوة وطبقات منها مغطاه بالبقايا المذكورة ، وتكون تلك الأراضي عموما على هيئة طبقات منحرفة جدا ، وهي أقل صلابة من الأراضي الأصلية وأقل تبلورا منها ، وهي موضوعة دائما بين هذه الأراضي الأصلية والأراضي الثانوية ، وتختلط بها اختلاطا

٩٠

تاما بحيث يعسر ، بل يتعذر تعيين محل منشئها أو انتهائها فإذا لا يستغرب أن يوجد في معظمها صفات القسم الأول والثالث.

والغالب أن الفحم الحجري وحجر البلاط المسمى الأغريس الأحمر هما اللذان يفصلان الصخور الانتقالية عن الصخور الثانوية ، واعتبر هذا التكوين أول تكوين لهذه الثانوية ، ويوجد في أثناء الصخور الانتقالية صخور متبلورة ، أعني من السماق ربما تنسب للصخور الأولية إذا لم يكن عندنا يقين بأنها رسبت على جوهر كلس مسود مملوء بالحيوانات النباتية فبموجب ذلك تكون من الانتقالية ولا بد ، وتشتمل الأراضي على ثلاث طبقات هي الأرض السيلورية والأرض الديونيزيرية والأرض الفحمية.

(في الأراضي السيلورية):

بكسر السين وضم اللام وكسر الراء المهملة ، وإنما سميت بهذا الاسم نسبة إلى قسم من إنكلترة كان يسكنه السيلوريون والأرض المذكورة المكونة من الرسوبات البحرية واضحة فيه ، وهي مرتكزة على الطبقة العليا من الأراضي الأصلية ، وثخنها عظيم فقد يبلغ في بعض الجهات ألفين وستمائة ذراع لكن الغالب أن لا يتجاوز تسعمائة ذراع ، وهي مكونة من شيست طفلي وحجارة جيرية وفي بعض محال منها حجارة رملية ، وكان البحر يشغل أغلب سطح الكرة أثناء تكون الأرض المذكورة ؛ لأنه لا يعرف أثر نبات ولا حيوان عاش في ذلك الزمن في المياه العذبة أو على سطح وهذه الأرض واضحة في بعض أراضي انكلترة والبرهيم ، وتوجد هذه الأراضي أيضا بفرنسا بأكناف أنجبية على هيئة اردواس يستعمل في تغطية سقوف المنازل وفي الكتابة عليها بالطباشير ، وتشتمل الأرض السيلورية على حفريات كثيرة وهذا دليل على أن البحار كانت مشغولة بحيوانات فنيت وانقطع نسلها فيشاهد فيها مساكن أخطبوطية ، ورتبة الحيوانات القشرية التي تشاهد فيها كثيرة وأشكالها عجيبة مخالفة لأشكال الحيوانات القشرية التي تعيش في زماننا هذا ، وتتميز الأرض السيلورية عن غيرها بأنها متمزقة فلا يتضح منها في البلاد التي توجد فيها إلا قطع لم تنفذ منها الطفحات العديدة ، وطبقاتها التي كانت أفقية أولا صارت مائلة أو رأسية.

(في الأراضي الديونيزرية):

بكسر الدال المهملة وضم الواو وسكون الزاي والراء ، وسميت بهذا الاسم ؛ لأنها تظهر بوضوح في أرض من أراضي انكلترة تسمى بذلك ، وهي تركز على الأرض السيلورية ،

٩١

ويوجد في جزئها السفلي زلط منضم بخافقي يتعاقب مرارا مع حجر رملي القديم حجارة رملية وشيستية ، أي طفلية ، وفي مدة تكون الأرض الديونيزرية كانت ترتفع فوق المياه لكنها كانت متفرقة عن بعضها ، فكانت البحار تغطي أغلب الأرض القارة ، وهذه الأرض يوجد فيها بعض أنواع نباتية وحيوانية ، بنيتها أكثر تضاعفا من بنية النباتات والحيوانات التي خلقت قبلها في المدة السيلورية ، وأشكال النباتات الخاصة بالمدة الديونيزرية كانت تخالف أشكال النباتات المنسوبة إلى زماننا هذا فكانت من فصيلة الأشنة وفصيلة الكبريت النباتي ، وهي نباتات بسيطة التركيب خفية الزهر حشيشية في زمننا هذا لكنها كانت في ابتداء الخلقة أكبر حجما ، وكانت أنواعها أكثر عددا ، ويوجد في هذه الأرض حيوانات رخوة كثيرة فيها ، وهي من رتبة ذات الأرجل الرأسية ، ومنها الحيوانات الرخوة القوقعية ، وقد وجدوا أسماكا رخوة عجيبة ؛ لأنها كانت ذات درقة ؛ ولذا سميت بالاسماك ذات الدرقة ، وبنيتها مخالفة لبنية أسماك زماننا هذا ، وهو يحمل على نحو الجزء المقدم من جانبي جسمه عوامين مدببين ، وذنبه ينتهي بسن مدبب ، والأرض الفحمية قد ذكرت في المقدمة.

(واعلم) أن مجموع الأراضي الثلاثة المتقدم ذكرها أي السيلورية ، والديونيزية ، والفحمية تتكون عنها الأراضي المتوسطة ، وهي توجد في القطر المصري بوادي «أزهل» الذي هو قريب من البحر الأحمر في نحو الجنوب الشرقي ، وهذه الأراضي وإن وجدت فيها علامات الأرض الفحمية فالفحم الجيري مفقود منها ؛ لأن القليل الذي يوجد منه أثري ، والأرض المتوسطة قليلة الوضوح في القطر المصري ، وقد ارتفعت الجبال البورفيرية والأسوانية من باطن الأرض في انتهاء تكون أرض الانتقال فتكونت عنها ارتفاعات على شكل قباب كانت محرقة فكان سطحها غير صالح للانبات فارتفعت قحلة مجردة عن الإنبات ، والصخور المميزة للأراضي المتوسطة أولها الأركوز ، وحجر بريش سكري ، وبودنج كوارسي ، وحجر كوارسي ، وحجر رملي ، وحجر أحمر ، وحجر رملي فحمي ، وحجر شيست اذرواري ، وشيست ثخين وحجر شيست سليسي ، وحجر المسن ، وحجر طرابلسي ، وحجر جير طفلي ، ورخام حجر جيلي جيري قاري وحجر جيري مدني بعدني وحجر شبت وحجر جص مندمج هذا ما تألفت منه الطبقة الوسطى.

(في المواد النافعة التي في الأراضي المتوسطة):

يوجد في أنواع الشيست من أرض الانتقال كل من حجر الاختبار وحجر المسن ، والقلم الأسود ، وحجر ايطاليا ، والقلم الأحمر ، ويوجد فيها أيضا الشب والزاج الأخضر ،

٩٢

والشب ، والأنتراسيت ، أي الحجر الفحمي الذي يحترق بدون لهب ، وعروق كثيرة بدون فلزات مختلفة وخصوصا النحاس والرصاص والخارصين ، أي التوتيا والحديد ويوجد الزئبق في الطبقة العليا من هذا الشيست الذي يتحصل منه نحاس وقار أيضا والحجارة الجيرية المنسوبة لأرض الانتقال تحتوي على مواد نافعة أقل مما تحتوي عليه أنواع الشيست الطفلي لكنها يتحصل منها أحسن الجير ، وأغلب أنواع الرخام ذات الألوان المختلطة ، وأنواع الرخام السنجابية والسود المتجانسة ، والرخام المحتوية على الأنكيرين ينسب إلى هذا التكون ، وهو مشحون بحفريات أغلبها من الأنكيرين تشاهد فيه على هيئة بقع صغيرة مستديرة ، ويوجد في وسط هذه الحجارة الجيرية مرمر حصى ، وحصى جيد ، وشب ، ومعادن حديد على هيئة طبقات وعروق ورصاص فضي وخارصين ، ونحاس وبزموت ، أي مرقشيثا ومعادن الحديد المهمة ومثلها معادن المنقنيز يكون بين الأراضي والحجارة الجيرية المنسوبة لأرض الانتقال ، وينبثق أغلب المياه المعدنية من بين هاتين الطبقتين وكثيرا ما تستعمل الحجارة الرملية والبودنج التي في أراضي الانتقال حجارة نحت ، ويوجد في وسط هذه الصخور وفي الجزء العلوي منها الرسوبات العظيمة المهمة المكونة من الفحم الحجري الذي هو ينبوع الصنائع العظيمة في البلاد التي تشتمل أراضيها عليه ، وهذه الرسوبات تكون مصحوبة بحجارة رملية وأنواع من الشيست الأسود تحتوي عادة على كثير من انطباعات نباتية ، وهي أي الرسوبات تكون متوزعة في باطن الأرض أحواضا قليلة الاتساع تدل على برك ومستنقعات عتيقة ، ولنشرح بعض هذه المواد النافعة في الأراضي المتوسطة لتعلم حقيقتها فنقول كل حجر صلب أسود ذي حبوب دقيقة لا يتأثر بالحوامض يستعمل حجر اختبار ، وهذه الشروط مجتمعة في الشيست السليسي المنسوب لأراضي الانتقال ، وحجر إيطاليا شيست طفلي مشتمل على مادة فحمية ؛ ولذا يؤثر خطوطا سودا في الورق ، ويلون الأصابع ، وتصنع منه أقلام مربعة ، والنجارون يسمونه بالقلم الأسود والقلم الأحمر ، طفل محتوي على أوكسيد الحديد الأحمر وتصنع منه أقلام للرسم أيضا ، والشب والبوتاسا والنوشادر ، وهو كثير الاستعمال في الصنائع ، وخصوصا في الصباغة لتثبيت الألوان ، ويستعملونه في الطب أيضا الزاج الأخضر والزئبق يستعمل كثيرا في آلات طبيعية وكيماوية وخصوصا في استخراج الذهب والفضة من معدنيهما بالتملغم.

(في الأراضي الثانوية):

صخور الأراضي الثانوية أقل صلابة من السابقة ومعظمها مكون من رواسب أو من

٩٣

منقولات وطبقاتها قليلة الميل ، ثم تصير غالبا أفقية ، وقد يتكون منها طبقات مقعرة أو محدبة في جزء من كتلتها وسعتها دائما محدودة أكثر من المكونات المتوسطة ، والكائنات الحفرية في هذا القسم أكثر انتشارا وعددا واختلافا منها في القسمين السابقين ، والأقدم من تلك الأراضي يختلط مع أراضي الانتقال بطبقاته المائلة.

والغالب كونه معوجا متعرجا ، ويتعاقب مع المكونات البلورية ويجتني من المعدني عروق معدنية كثيرة وهاتان الصفتان لا يوجد شيء منهما في الطبقات العليا مع ما فيها من كثرة الاختلاف ؛ ولذلك بما ساغ لنا أن نقول : إنه كلما قربت تلك الأراضي الثانوية إلى الأراضي الانتقالية كانت الطبقات أكثر اختلافا ، وكانت الكائنات الحفرية أقل عددا سيما في الجنس والنوع ، ثم إن الطبقات القديمة تمتد على هيئة سطح كبير وتركيبها متساو في معظم الجهات بل في كلها.

وأما الطبقات الجديدة فهي صغيرة محدودة ، وتختلف عن بعضها مسافة فإذا تكون الفواعل المؤثرات التي حصل منها التقلبات والتغيرات في الطبقات الأولى ، أعني القديمة أثرت في سطح كبير منها ، وهذه الأراضي من حيث إن بينها وبين الأراضي السابقة الأشكال والهيآت الكثيرة الخفية يعسر وضع تعريف جامع مانع لها.

وبعض الجيولوجيون سماها بذوات الطبقات المائلة لكن هذه التسمية غير مقبولة لما أن كثيرا من طبقاتها أفقي ، وبعضهم سماها بأراضي الأغريس الأحمر ؛ لأنهم رأوا أن هذا النوع متسلطن في جميع أراضي هذا القسم وهذه التسمية غير مختارة أيضا ؛ لأن كثيرا من البلاد التي يوجد فيها كثير من تلك الأراضي لا يوجد فيها شيء من هذا الأغريس ، وهي عند المعدنيين معروفة بأنها هي التي تتكون منها الأراضي ذوات الطبقات ، أعني التي فيها الكتل الأرضية المعدنية والوسخة ، أي المحتوية على المعادن تكون موازية للطبقات ، وهذا التعريف يكون جيدا إذا لم تحتو تلك الأراضي على عروق معدنية لكن لما كان كثير من أنواع هذا القسم محتويا على كثير من الإغريس الأحمر اضطروا لتسميته اضطر بالاسم السابق ، وإن كان فيه بعض إبهام ، ويطلق اسم الأراضي الثانوية على ثلاثة أراضي أي تكوينات الأولى الأرض الثانية والسفلى وتسمى بالأرض الثلاثية وبأرض الحجر الرملي المصري من وادي أزهل وبأرض الحجر الرملي المدبج والثانية الأرض الوسطى وتسمى بالأرض الجوراوية. وبأرض الحجر الجيري المصري من وادي عربا ووادي أركس والثالثة الأرض الثانية العليا وتسمى بالأرض الطباشيرية من وادي قنا ولنشرحها على هذا الترتيب فنقول :

٩٤

(في الأرض الثانية السفلى أو الثلاثية):

إنما سميت بهذا الاسم ؛ لأنها مكونة من ثلاث طبقات تعد من أسفل إلى أعلى ، وهي الحجر الرملي المدبج أي المنقش والحجر الجيري القوقعي ، والمارن القزحي ، فالحجر المدبج تركز على الطبقة العليا من الأراضي المتوسطة وألوان الحجارة الرملية التي تتكون عنها هذه الأراضي لطيفة ، وهي مختلطة بثنيات كثيرة من الميكا فتارة تكون حمراء ، وتارة صفراء ، وتارة سنجابية ؛ ولذا سميت بالحجارة الرملية المدبجة والحجر الجيري القوقعي إنما سمي بهذا الاسم بالنظر للقواقع الكثيرة التي توجد فيه ، وهي تختلط بالحجر الرملي المنقش أولا ، ثم تتميز عنه كأعني أن طبقات الحجارة الرملية تتعاقب أولا مع طبقات من الحجر الجيري القوقعي ، ثم تنتهي هذه الطبقات الأخيرة بأن تتكون عنها الكتلة كلها ، والحجارة الجيرية مندمجة ضاربة للسنجابية أو الخضرة أو الصفرة ، والغالب أن تكون محتوية على المغنيسيا وهذه الطبقة قليلة الوضوح في وادي أزهل ، والمارن القزحي ويسمى أيضا بمارن كوبير نسبة لمن أظهره مركب من طبقات من مارن تتعاقب مع طبقات من طفل أحمر نبيذي اللون أو ضارب للزرقة أو الخضرة كان سببا في تسمية هذه الطبقة بالمارن القزحي ، وهذه الطبقة واضحة جدا في وادي عربا ووادي أزهل ووادي قنا ، ويوجد في هذه الطبقة رسوبات كثيرة من ملح الطعام تستخرج من الأرض في بعض البلاد وهي السبب في تسمية الأرض الثانية السفلى ، أي الثلاثية بالأرض الملحية ، وإنما كانت الينابيع الملحية محتوية على كثير من ملح الطعام في بلاد النمسا وإنكلترة ؛ لأن مياهها تمر على طبقات ملحية في جوف الأرض قبل أن تنبجس على سطحها ، وكثيرا ما يكون ملح الطعام مصحوبا بالحجر الجص أي كبريتات الجير الأندراني ، وأحيانا يكون هذا الملح الأخير بمفرده والمارن القزحي كثير الوضوح في القطر المصري ؛ لأن ارتفاعه من مائتي قدم إلى أربعمائة.

(في حفريات الأرض الثانية السفلى):

اعلم أن الكائنات التي كانت تعيش في مدة الأرض الثانية السفلى تخالف الكائنات التي تعيش أثناء تكون الأرض المتوسطة ، فالحيوانات القشرية العجيبة لا توجد في الأرض الثانية السفلى ، والحيوانات الرخوة ذوات الأرجل الرأسية قليلة العدد فيها ومثلها الأسماك الدرقية التي ينقرض نسلها في الأرض المذكورة.

وأما القواقع الرخوة فإنها تبتدئ في الظهور في الأرض المذكورة ، ويتكاثر عددها في

٩٥

الأرض الثانية الوسطى والنباتات الخفية الزهر التي وصلت إلى أعلى درجات نموها في الأرض المتوسطة تكون أقل عددا في الأرض الثانية السفلى.

وأما النباتات التي تنسب للفصيلة المخروطية فتكتسب بعض نمو وأنواع الورل تكتسب فيها نموا عظيما ، ثم تظهر بعدها في الأرض الثانية الوسطى أنواع الورل مهولة الجثة ذات هيكل عظيم الحجم غريب الشكل بحيث إن من رأى بقاءها تعجب منها وحصل له الفزع ، ولنتكلم على الحفريات التي تتميز بها الأرض الثانية السفلى فنقول : كانت الأرض مغطاة بنباتات مضاعفة التركيب وكانت مغمورة كالبحار بحيوانات عديدة فتحتوي على قوقع كثير ، وكانت هذه الحيوانات كثيرة العدد في الزمن القديم ، ثم انقرضت.

والقوقع ذو الصدفتين صغير جدا يوجد منه مقدار عظيم في الأرض الثانية السفلى وخصوصا في الحجر الجيري القوقعي ، فالميتيلوس المسمى بأم الخلول ينسب إلى الحجر الجيري القوقعي ، وهو حيوان رخو عديم الرأس وقوقعته مستطيلة ذات ثلاث زوايا ومنه أنواع كثيرة في البحار الآن.

ومن الحيوانات ذوات الجلد الشوكي التي تتميز بها هذه الأرض نوع من الأنكرين يسمى انكرينوس أي الشبيه بزهر الزنبق ، وقد وجد في الأرض الثانية السفلى زاحف كبير الجثة خلق قبل الزواحف المهولة الجثة التي خلقت أثناء تكون الأرض الثانية الوسطى ، وهذا الحيوان هو نوع تمساح بحري ، ومن الأنواع النباتية التي تتميز بها هذه الطبقة الفصلية المخروطية أي السنورية كانت نباتات ذات أوراق عريضة متقاربة وموضوعة على بعضها ، كقشور السمك ، وأنواع الوولتيز التي كان يتكون عنها أغلب غابات ذاك الزمن عبارة عن جنس من الفصيلة السروية ، وقد فني وله صفات تدل عليه وتميزه عن غيره من نباتات الفصيلة المخروطية الحفرية ، فأوراقه متوالية حلزونية تتكون عنها خمسة صفوف أو ثمانية على الساق ، وهي عديمة الذنيب جناحية ، وثماره مخروطية مستطيلة ذات فلوس غير متراكمة موضوعة على بعضها كقشور السمك إسفينية ذات ثلاثة فصوص أو خمسة ، ولأجل إتمام الكلام على الأرض الثانية السفلى ينبغي أن نذكر كيفية تكون ملح الطعام الذي يوجد منه مقدار عظيم في الطبقة العليا من هذه الأراضي أي في المارن القزحي فنقول : الأرض ذات الاتساع التي تكونت من الأرض الثانية السفلى أخيرا تسمى بالأرض الملحية ؛ لأنها تعرف بوجود مقدار عظيم من ملح الطعام فيها ، فإن قيل ما منشأ هذه الرسوبات الملحية الكثيرة التي توجد في هذه الأرض وتتعاقب دائما مع الطفل ، والمارن على شكل طبقات رقيقة قلنا : إن سبب ذلك تصاعد مقدار عظيم من ماء البحر الذي دخل في منخفضات أو في تجاويف أو خلجان ، ثم

٩٦

فصلتها أكام عن البحر بعد ذلك ، وهذه الظاهرة حصلت وتكررت في مساحة عظيمة من الشواطئ أثناء تكون الأرض الملحية تتكون عنها الكتل العظيمة من ملح الطعام الذي يوجد الآن في الأرض المذكورة وحيث إن هذا الملح موضوع في طبقات غائرة من الأرض لا يمكن استخراجه بسهولة كالملح الذي ينسب للأراضي الثالثة.

(في الأراضي الثانية الوسطى أو الجوراوية):

رسبت طبقات الأرض الجوراوية فوق الأراضي المحتوية على ملح الطعام ، وإنما سميت بهذا الاسم ؛ لأن جبال جورا التي بفرنسا مكون أغلبها من الأراضي التي رسبت من البحار في المدة الجوراوية ، وللمدة الجوراوية صفات واضحة تتخذ من الحيوانات والنباتات ، فجملة من أجناس الحيوانات التي تنسب للمدد السابقة فنيت واستبدلت بحيوانات كثيرة غيرها ، وتنقسم الأرض الجوراوية إلى تكوينين هما التكوين اللباسي ، والتكوين البطارخي ، فالتكوين اللباسي هو مكون من ثلاثة أجزاء :

(أولها) : طبقات من حجر رملي قليل الصلابة يحتوي على رسوبات معدنية كأملاح المنقنيز والكروم وهذه الطبقات تسمى بالحجارة الرملية اللباسية.

(وثانيها) : حجارة جيرية لباسية قليلة الاندماج مائلة للسنجابية أو للسواد توجد فيها عروق بيض من كربونات الجير دخلت في شقوق ناشئة ، إما من الزلازل وإما من الانكماش الذي يحصل في جميع الصخور المحتوية على كثير من الطفل ، وهذه الحجارة الجيرية تحتوي على كثير من الحفريات :

أحدها : كثير الانتشار فيها وهو قوقع ذو صدفتين من فصيلة المحار.

(وثالثها) : مارن شيستي طفلي يحتوي على كثير من بقايا عضوية وخصوصا القوقع المغزلي ، وهو حيوان رخو من ذوات الأرجل الرأسية ولم يبق من هذا الحيوان إلا عظم مخروطي محجر يشبه العصا ، وكان هذا الحيوان يسبح في قاع البحر ، ويفرز مدادا كالسبيد ، وقد وجد الكيس المحتوي على مداد هذا الحيون جافا ، وجنس القوقع الأموني خاص بالزمن القديم ، وقد فني ولم يتجدد بعد ذلك ، وكان أول ظهوره في الأرض الثانية السفلى ، وقد تكاثر في المدة اللباسية فصار مميزا لهذا التكوين.

ولنذكر من جملة الحيوانات الرخوة التي يتميز بها التكوين اللباسي فصيلة المحار الكبير الحجم ، وكان يوجد في بحار المدة اللباسية حيوانات نباتية وحيوانات رخوة غير التي ذكرناها

٩٧

وأسماك ذات قشور صلبة لامعة وأنواع من الورل ذات جثة مهولة ، ومن العجيب رؤية درجة الإتقان التي وصلت إليها معرفة الحيوانات التي خلقت قبل الطوفان الأول في عصرنا هذا فما أعجب هذه المخلوقات التي كانت في الزمن الذي نحن بصدده ، فإن البحار كانت مملوءة بحيوانات غريبة كالتي ذكرناها ، وكان يسبح على أمواجها قواقع أمونية عديدة كالزوارق ، كان محيطها كعجلة العربة ، وكانت سلاحف كبيرة وتماسيح تزحف على شواطئ النهيرات والبرك ولم يكن في الزمن المذكور حيوان ثديي ولا طير إنما خلقت فيه بعض حشرات ذات أجنحة كانت تطير في الهواء ، وكانت الأرض قد بردت قليلا في المدة الجوراوية وقل استمرار الأمطار وكثرتها ونقص الضغط الجوي أيضا ، وجميع هذه الأحوال كانت تناسب ظهور وتضاعف الحيوانات العديدة التي ظهرت على سطح الأرض حينئذ ولا يحصى مقدار كل من الحيوانات الرخوة والحيوانات الشعاعية التي يوجد من بقاياها في الأرض الجوراوية طبقات ذات ارتفاع واتساع عظيمين ، وتضاعفت في نفس هذه الأحوال النباتات فكما أن شواطئ البحار كانت معمورة بالزواحف المهولة التي ذكرناها ، كانت النباتات التي تنبت بالأراضي القارة ذات صفات مخصوصة مميزة لها فلا يوجد في عصرنا هذا من النباتات ما يشبه نباتات المدة التي نحن بصددها.

فإن ارتفاع درجة الحرارة وانشحان الجو بالرطوبة ، وتأثير الأشعة الشمسية كل ذلك كان يساعد على تقوية الإنبات كما يشاهد ذلك في عصرنا هذا في بعض الجزائر المدارية ، وقد فنيت أنواع الولتزيا المنسوبة للأرض الثلاثية في المدة المذكورة ونباتاتها شبيهة بنباتات الفصيلة النخلية وأجناسها كثيرة ، ولنذكر الأنواع النباتية التي تتميز بها اللباسية ، وهي الفصيلة السرخسية وفصيلة السبقاس والفصيلة الصنوبرية.

(في التكوين البطارخي الملبسي):

إنما سمي بهذا الاسم ؛ لأن جملة من الأحجار الجيرية التي يتكون منها تنشأ من انضمام حبوب صغيرة مستديرة تشبه بيض السمك المعروف بالبطارخ أو كبيرة تشبه الملبس ، وينقسم هذا التكوين إلى ثلاثة أدوار :

وهي الدور الملبسي السفلي والمتوس العلوي ، فالدور الملبسي يبتدئ بحجر جيري ملبسي حديدي ، وهذا الحجر يحتوي على كثير من الحفريات وخصوصا على أنواع من القوقع الأموني ، ويوجد فوقه طفل يسمى بطين الجوخ ؛ لأنه يستعمل ببلاد الإنجليز في إزالة المواد الدسمة.

٩٨

والدور الملبسي المتوسط : هو مكون من طبقتين منفصلتين عن بعضهما تسمى إحدهما الأوكفسوردية.

وثانيتهما : المرجانية فالطبقة الأوكسفوردية منسوبة إلى أوكسفورد بلدة من إنكلترة وهي ثخينة مكونة من طفل أزرق ، ويسمى بكلف ديف بلدة من فرنسا والطبقة المرجانية إنما سميت بهذا الاسم لكثرة المساكن الأخطبوطية الحفرية المرجانية فيها ، وهي مكونة من حجارة جيرية مندمجة أو ملبسية تحتوي على مقدار عظيم من مساكن أخطبوطية تشبه المرجان ، ويوجد حجر الطبع المنسوب إلى بلاد البافيير فوق الحجارة الجيرية المرجانية ، وقد وجدوا فيه بقايا حفرية كثيرة منها ذو الأجنحة الإصبعية وبقايا أسماك وحشرات وحيوانات قشرية وأنواع مختلفة من النباتات.

والدور الملبسي العلوي : هو مكون من طبقتين إحداهما مكونة من مارن متعاقب مع طفل أزرق أو ضارب للصفرة يسمى بإنكلترة طفل كيمبريلج ، وفي فرنسا طفل هو نفولوز.

والطبقة الثانية : مكونة من حجارة جيرية ملبسة تحتوي على كثير من الحفريات والحجارة المستخرجة نافعة في الأبنية لسكان انكلترة ، ومن أهم ما يوجد في هذا الدور أرض نباتية محفوظة فيه ، وهي ضاربة للسواد وتحتوي على مادة خشبية ترابية مدفون فيها جذوع نباتات مخروطية ، وغير مخروطية وقد اندفنت هذه الأماكن التي تنبت فيها فجذوعها موضوعة وضعا رأسيا وجذورها المثبتة في الأرض متباعدة عن بعضها كجذور أشجار الغابات ، ويوجد حول بقاياها مقدار عظيم من مادة فحمية.

(واعلم) أن تكوين الحجر الملبسي يوجد في القطر المصري وطور سيناء بين الدرجة الثامنة والعشرين من خطوط العروض الشمالية في الصحراء المشرقية من القطر المصري ، والدور الملبسي السلفي : هو ظهور حيوانات تنسب إلى الفصيلة الثديية لكن بنيتها الخاصة بها عجيبة تثبت أن الله سبحانه وتعالى خلق الحيوانات درجات متعاقبة ، أي أنه تعالى خلق الحيوانات البسيطة التركيب أولا ثم المتضاعفة فالحيوانات الثديية الأولى خلقت على وجه الأرض لم توجد فيها جميع الأوصاف الخاصة بالحيوانات الثديية التامة التركيب.

(واعلم) أن حيوانات هذه الرتبة تولد حية ولم تكن بنيتها تامة ، بل كانت تنسب إلى قسم مخصوص من الحيوانات الثديية نادر الوجود لا يضع أولاده إحياء ، بل يضع كتلة هلامية شبيهة بالبيضة والجنين معا ، والأم تحفظ هذه الكتلة زمنا ما في كيس يوجد تحت بطنها ومتى

٩٩

تم خلق الحيوان الصغير مزق أغشيته وخرج منها وذلك بعد أن يمكث في هذا الكيس متأثرا بحرارة الأم ، وهذه كيفية توالد متوسطة بين التوالد بالبيض ، والتوالد بالأجنة والحيوانات التي تتولد بهذه الكيفية تسمى بالحيوانات الثديية ذات الأخوين أو ذات الكيس البطني ، والحيوانات ذات الكيس البطني التي تعيش في زمننا هذا هي الكانجور والساريج وغير ذلك وأول حيوانات ظهر على وجه الأرض من ذوات الكيس البطني كشفت في الحجر الجيري الملبس الكبير ، وكانت البحار في هذه المدة معمورة بزواحف وأسماك وحيوانات رخوة وحيوانات شعاعية وورل ذات أجناس وكانت شواطئ البحار معمورة بالحيوانات الورلية.

(في المواد النافعة التي في الأرض الثانية والسفلى والوسطى)

يوجد حجر الجص ، وحجر الجير وحجارة جيرية طفلية تنفع للبناء تحت الماء ، ويوجد فيهما قليل من الرخام والحجارة الجيرية الملبسية البيضاء مرغوبة تتحصل منها حجارة النحت الجيد التي تصنع بسهولة ، ويستخرج حجر الطبع من الدور الملبسي.

(واعلم) أن كل حجر جيري قليل المسام يصلح أن يكون حجر طبع وهذه هي الصفة الأغلبية للحجارة هذه الأرض الملبسية ، ويوجد فيهما أيضا طبقات قليلة الثخن من مادة قابلة للاتقاد تسمى بالمادة الخشبية قد تكون شبيهة بالفحم الحجري ، ويوجد فيها أيضا معادن حديد ومعادن نحاس ورصاص وخارصين منقنيز وزئبق.

(في الأرض الثانية العليا والطباشيرية):

إنما سميت بهذا الاسم ؛ لأن أغلبها مكون من الطباشير ، وأول ظهور كربونات الجير في تركيب كرة أرضنا لم يكن في هذه الأرض فقد قلنا : إن هذا الملح من المواد الداخلة في تركيب الأراضي المتوسطة ، وإن أغلب طبقات الأرض الجوراوية مكونة منه ، وأن هذه الطبقات سميكة وعديدة ، وقد ذكرنا آنفا كربونات الجير التي تتكون منها الآن كتلة عظيمة من الأراضي يدخل منه في تركيب القشرة الأرضية مقدار عظيم لكن ينبغي هنا تكرار ما قلناه لأجل زيادة فهمه فنقول : قد قدمنا أن كربونات الجير يأتي إلى كرة أرضنا من المياه الحارة التي نبع مقدار عظيم منها من شقوق الأرض.

(واعلم) أن مركز الأرض هي الينبوع الأعظم لجميع المواد التي تتكون منها قشرتها الأرضية فكما أن باطن الأرض تحصلت منه المواد الصلبة المختلفة التي تكونت بواسطة

١٠٠