كشف الأسرار النورانيّة القرآنيّة - ج ٢

محمّد بن أحمد الإسكندراني الدمشقي

كشف الأسرار النورانيّة القرآنيّة - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن أحمد الإسكندراني الدمشقي


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5282-4

الصفحات: ٤٦٤
الجزء ١ الجزء ٢

افتتاحا للحفر ، وذكروا أن هذا الداء قد ينتج من إفراط استعمال السكر وظن آخرون أن السكر هو الدواء لهم ، وذكروا أخطارا تحصل من استعماله مع أنه مات من أفرط تعاطيه ، وتجريبات ماجندي تدل على كثرة الانخرامات العظيمة التي تتولد من التغذية الوحيدة من هذا الجوهر للكلاب فإن تلك الحيوانات تهزل ويزيد بولها وتنقص قواها وتنقرح قرينتها الشفافة ثم تنثقب وتسيل أخلاط العين منها ثم تموت بعد شهر تقريبا بدون أن تظهر فيها آفة سوى الهزال الشديد وفقد الشحم ويقرب فيها البول والصفرة لما في الحيوانات التي تتغذى من النباتات ، وثبت من تجريبات بعضهم أن الحيوانات كلما بعدت عن الإنسان كان السكر لها أكثر إيذاء ، وهو يقتل في الوقت الحيوانات ذوات الدم البارد كالضفادع ونحوها ولو بالوضع من الظاهر ، ويسهل النعاج ولا يؤثر شيئا على الكلاب إذا أكلته مع غيره فيستنتج من ذلك أن السكر لا يكفي وحده لتغذية الإنسان عموما ، وأنه لا ينبغي الإفراط في استعماله أما استعماله باللطف مع غيره من الأغذية فنافع.

(في الخواص الدوائية للسكر):

السكر محبوب لطعمه الحلو المقبول ، ويحلى به أغلب المشروبات التي تستعملها المرضى ، ويستر الطعم الكريه لكثير من المستحضرات الدوائية فيصير استعمالها سهلا لإخفائه مرارتها ، وغير ذلك فإذا أذيت وحده في الفم وسيما المبلور المسمى بالسكر النبات فإنه يلطف الحرارة ، ويسكن لذع الحلق ، ويزيد في رخاوة أجزاء الحنجرة ، ويسهل قلع النخامة بل الكلام ، وذلك معلوم عند المنشدين والمغنين وغيرهم ، وإذا أذيب في الماء وشرب بين الأكلات كان أحسن لتقوية المعدة ، فهو مفضل على السوائل الروحية القوية لكونه مشروبا بلسميا ، وسيما إذا أضيف إليه بعض نقط من ماء زهر النارنج ، وإنما يستعمل بالأكثر في آفات الصدر من النجاح فهو مشروب صدري معروف مستعمل حتى في المنازل الأهلية في الاستواء أي النزلة الصدرية والسعال ، وسيما السكر النبات ، والمشروبات المحلاة بالسكر هي الأكثر استعمالا في مثل تلك الأحوال ، وينفع مثل ذلك في التهيجات المعوية فيؤثر كداء وغذاء ولذا كان قاطعا للحميات المطبقة إذ ليس هناك مريض يستعمل مشروبا سكريا إلا ويزدرد أكثر من عشرين درهما من السكر في اليوم ، وذلك يسد جزء التغذية ، فهو من الجواهر الكثيرة الاستعمال للأطباء ، وبدونه يعسر عليهم ممارسة صناعتهم ؛ لأنه ما عدا كونه ملطفا صدريا مسكنا مقويا للهضم مغذيا ، وغير ذلك يكون أيضا مساعدا للطبيب على إعطاء الجواهر الكريهة جدا إذا خلط بها ، ونسبوا له أيضا شفاء أمراض كثيرة كالنقرس والأوجاع الروماتزمية والداء الزهري والديدان وغير ذلك ، ولكن هذا غير ثابت بالتجريبات ، واستعمل

٢٦١

السكر أحيانا من الظاهر ، فقد تنفتح بلوراته المسحوقة على بياضة القرنية وقروحها لأجل محوها وكذا على القلوعات وشقوق الحلمات والقروح اللعابية ونحو ذلك ، فتزيد بفعلها المهيج حيوية الأجزاء ، وذلك محرض للشفاء ، وأوصى باستعماله سنويا ، وزعم بعضهم أن وضعه على الجروح المسمومة الحاصلة من نهش الأفاعي يمنع إتلاف سمها ، ولو صح ذلك لكان واسطة ثمينة نافعة عموما ، ويحرق السكر لإزالة الرائحة الكريهة من المساكن ، ولا يخفيها إلا مدة الحرق فقط ، ومن المعلوم أن السكر الخام المسمى بالسكر الأحمر أو الأسمر مسهل إذا أعطي حقنا ، وقد أكدوا بالتجربيات أن السكر يحلل تركيب الأملاح النحاسية والزرنيخة ، وهذا الأمر لا شك فيه الآن ، فقد أعطى من شرابه أربعة وعشرون درهما في كل نصف ساعة لكلب أزدرد أربعة دراهم من محلول الزنجار فمنع ذلك تأثيره السمي بدون أن يقيء ، مع أن هذا المقدار أهلك كلبا آخر بعد سبع ساعات لم يعط له السكر ، وجرب ذلك أيضا في الإنسان وكرّر التجربة به (أورفيلا) ، وأعادها مرارا (بوستيل) فتأكد أنه مضاد للتسمم بهذا الملح قوي الفعل في كثير من الأحوال ، ويظهر أنه يحلل تركيب أملاح الرصاص والزرنيخ والزئبق ، ولكن هذا غير أكيد ، ويلزم أولا في جميع الأحوال حتى في أملاح النحاس تحريض القيء قبل إعطاء السكر إذا نودي الطبيب حال تعاطي السم.

(جذر الغاب):

وقد يقال للنبات غاب بروونسه ، ويسمى باللاطينية دونكس بضم الدال وفتح النون ، وقد يقال أرندو بفتح الهمزة وضم الراء وسكون النون وضم الدال فجنسه أرندو ، وصفاته أن المحيط الظاهر أخلافه غير مستوية وحادة تحتوي على أزهار عددها من خمسة إلى سبعة ، والأزهار السفلى مذكرة أو عقيمة ومجمعها عار ، والأزهار العليا خنثية ومجاميعها المكون كل منها من قطعتين مغطاة بوبر حرير ، فالقطعة السفلية من المجموع مخرازية قليلا ، والعليا ثنائية الشقق مسننة ، والفلوس السفلية الاندغام مقطوعة مشرفة ، والفروج ذوات مرشات والتزهير قمي ، أي إن حوامل الأزهار تخرج من جهات مختلفة وتعلو على التساوي فتكون مركبة كثيرة التفرع ، والنبات المذكور يعلو عن الأرض من اثنى عشر ، قدما إلى خمسة عشر وينبت في أغلب البلاد في المحال الرطبة ، واسمه العام بوص ، وجذوره عذبة الطعم سكرية إذا كانت صغيرة السن ، فإن تقدمت في السن صارت عديمة الطعم ، وسيما إذا جفت وهي أسفنجية خفيفة سنجابية اللون ، ولأجل الاستعمال تقطع قطعا رقيقة وقد حللها (شوفليير) فرأى أنها لا تحتوي على دقيق ، وهذا أمر عظيم الاعتبار ، وأثبت أن فيها مادة راتنجية مرة عطرية شبيهة بالمادة التي تنال من الوانيلا ، وإن كان ذلك الغاب عديم الرائحة ولم يوجد فيه أيضا سكر إذا

٢٦٢

كان قديما ويوجد فيه ذلك إذا كان صغير السن بحيث يدرك فيه طعمه ، وأكثر استعمال هذا الجذر إنما هو لأجل مضادته للبن ، أي يقلل إفراز اللبن وينفع في الأمراض التي يسمونها لبنية ، أي ناشئة من ارتضاع اللبن ، وعوام الأرياف يسقونها للوالدات جديدا إذا أرادوا انقطاع لبنهن ، وللمرضعات اللاتي يرون فطامة أولادهن بمقدار ثمانية دراهم ، وقال بعض المتأخرين : هذا الجذر يؤثر ماء مطبوخه كمذيب وحامل لغيره ، وكان القدماء يضعونه من الظاهر على الجروح كمادات وعلاجا للسعفة ونحو ذلك ، وبراعيم هذا الجذر النجيلي تؤكل كبراعيم الهليون ، وسوقه التي تقرب للخشبية تستعمل للحرق والصنائع ، وإذا قطعت وشققت عمل منها نوع حصير ومقاعد وكراسي وغير ذلك وشاهدوا أحيانا غبارا وأسود غطى سوق هذا النبات ففسد تركيب قشرته فحمل الهواء ذلك المسحوق لوجه العملة الذين يقلعون هذا القصب فسبب لهم صداعا وانتفاخا في الوجه والرأس مع تكون حوصلات ، وإذا ازدرد هذا الغبار حصل منه أعراض التهاب معدي معوي حاد بالاختصار نوع تسمم ، وكثيرا ما يحصل أيضا شبه فيضان نحو أعضاء التناسل مع (ساتريازس) في الرجال أي إنعاظ مشد أم لا ينطفئ أو مع نمو (فومانيا) أي غلمة في النساء ، وتلك الآفات تشفى بالحمامات الفاترة والمشروبات المحللة والدهانات الزيتية ونحو ذلك ، وتعالج بمضادّات الالتهاب ، وظن مثيل أن تلك الآفة متسببة عن تولد كر يتوجامي من طبيعة (أرجوت) الشيلم أي الشيلم المقرن.

(أرندو):

أي الغاب المقشاتي ، جذوره طويله زاحفة ترتفع منها أنابيب مستقيمة تعلو من ذراع ونصف إلى ذراعين ونصف ، وعليها أوراق ذوات شريط طويل ملون ، وهي خالية من الزغب ومقطعة مسننة الحافتين ، والسوق الجديدة منتهية بورقة ملوية على شكل مخروط محدد القمة ، والقمة الزهرية واسعة مجتمعة مع كونها متخلخلة ، ولونها أحمر مسود ، وينبت هذا النبات في المحال المائية كشواطئ الأنهر والسواقي والخلجان ، وغاباته تسقف بها الأماكن والعشش ، والقمة الزهرية يؤخذ منها لون أخضر يستعمل للصبغ ، ويصنع من قممه قبل كمال نموها مقشات ، واستعملوا المطبوخ المركز للجذر في الداء الزهري العتيق والداء الروماتزمي ونحو ذلك عوضا عن العشبة ، وكان يستعمل كذلك في الداء الزهري العتيق في المارستانات الحربية بمقدار ستة عشر درهما لأجل مائتين من الماء ، ومدحوه أيضا في الاستسقاء ، ولكنه الآن قليل الاستعمال ويقال : إنه قاعدة لما يسمى رب لفكتور ، وذلك أن من المؤلفين من يرى أن من أجزاء الرب جذر الغاب والسنا والبردانا ، مع أن من الغلظ ما يذكر في بعض كتب الأقراباذين من تسمية الشراب المضاد للزهري باسم الرب المضاد لزهر الفكتور ، وإنما يكون

٢٦٣

هذا الرب قريبا للشراب فقط لا أنه عينه.

(الغاب الخيزراني):

أو يقال الغاب القنوي ، ويسمى خيزرانا وقنا ، وأغصانه هي أعواد القنا وأعواد الخيزران ، ويوجد في كتب المؤلفين اختلاط في هذا النوع ، فمنهم من جعله نوعا من أرندو ، ومنهم من جعله أساسا لجنس سماه ببموزا ثماني الذكور ثنائي الإناث ، وهذا المبحث ليس من خصوصيا تنابل من خصوص علم النبات ، وإذا جرينا على كونه جنسا نقول : من أنواعه ما يسمى بمبوزا أرندقار أي القنا الخيزراني ، وهو النوع الذي ذكرناه باسم أرندوبمبوزا الذي أقطاره في الهند عظيمة المقدار ، فإن ارتفاعه قد يبلغ ستين قدما بحيث يصل إلى علو النخل فتكون قامته مثله ، ويساويه في عدد الذكور ، وساقه فيما بين العقد ملساء متينة ، وإن كانت سهلة الانثناء ، ويتجهز منه ما يسمى بالخيزران الطويل ، وتتخذ منه القصبات التي تمسك باليد ، وأما السوق الغليظة فإنه إذا خلا جوفها استعملت قنوات للمياه ، وإذا بقيت كاملة نفعت في نصب العشش والأخصاص ، وإذا شقت إلى خيوط عمل منها حصير ومقاعد وكراسي وأسرة ونحو ذلك ، والغلالة الخارجة أو القشرة كلها إذا لينت نفعت لعمل ورق الصين ، وبراعيمه الصغيرة تؤكل كجذوره مرباة بالخل في جميع الهند إلى اليابونيا ، وتباع بأسواق بمبوان ، وتكون إحدى قواعد ما يسمى عندهم أشار وقد يقال : وهو تابل هندي مركب من الأطراف الطرية لبعض نباتات ، ومن الثمار الصغيرة السن ويربى كل ذلك في خل النخل فيكون ذلك عندهم من التوابل والأفاويه ، ونخاع هذا النبات سكري بل يظهر أنه يسيل منه عصارة سكرية تتجمد في الشمس ، وتستعمل في الهند استعمالا مدنيا ، وذكر بعض المؤلفين : أن هذه العصارة المتجمدة كانت معروفة عند القدماء باسم طباشير ويقال : طباكشير.

وقال ميرة : وربما قيل باعتبار المشابهه القريبة أن المسمى بذلك سائل شرابي منسوب لقصب السكر الذي ينبت في الهند أيضا ، ووضعه المتأخرون على العصارة المذكورة. اه. وقال أيضا في مبحث طباشير يوجد في عقد القنا أي الخيزان كما في بعض نباتات من تلك الفصيلة النجيلية قريبة لهذا النبات تجمدات سلبية أي حجرية ، بل أحيانا فصفورية مشهورة باسم طباشير ، وحللها وكلين تحليلا كيماويا فوجدها مركبة من سبعين جزءا من السليس وثلاثين من القلى وعصارة النبات نفسه تحتوي على سليس وأزوت أي العنصر المولد لماء الكذاب ؛ ولذا كانت قابلة لأن يحصل فيها تعفن حيواني والبشرة تحتوي أيضا على سليس ، ويحمل هذا الطباشير من الهند ويغشونه غالبا بغيره ، وقد يقوم أحيانا من الرماد المنال من

٢٦٤

حرق القنا فحينئذ يكون ملونا سهل التفتت ، وأما الطبيعي فيكون صلبا ويقدح شررا بالزناد ، وأحيانا يوجد فيه عظام ضأن محرقة ، ويسمى ذلك عند المؤلفين بالطباشير الهندي وبالأفرنجية أسيود ، وكان القدماء يستعملون هذا ، وينسبون له خواص جليلة كما نرى ذلك في ابن سينا والرازي وغيرهما من أطباء العرب ، ويعتبره الهنديون مقويا عظيما وينسبون له فاعلية كبيرة لمداواة الرض والأنزفة ، وأهل فارس يستعملونه مقويا للمعدة والقلب وهنا وجه لظن هذه الخواص الغير القابلة لذلك ؛ لأن السليس تراب غير قابل للإذابة بحيث لا يدخل في رطوباتنا ، وبالاختصار خاصية القبض هي الأحسن اختيارا على حسب تركيب هذا الجوهر المعدني. اه. ملخصّا من ميرة.

(في بيان استعمال القدماء):

وقد ذكر القدماء هذا الجوهر بخواصه فقالوا في ترجمته الطباشير هو الطباكشير بالهندية أصول القنا المحرقة أي حراقة القنا ورماديته ، وهو أنه إذا حاك بعضه بعضا من هبوب الأهوية يقدح نارا فيستعمل ويرمد فيخرج منها الطباشير ، قال علي بن محمد : هو رماد أصول القنا الهندية. وقال ماسرحويه : هو شيء يتكون في جوف القناة الهندية. اه. ولذا يقال : إنه يوجد في جوف القنا العتيق وأجوده ما كان عند العقد ، وكان خفيف الوزن أبيض سريع التفرك ، والمسحوق يجلب من ساحل الهند كله. وقالوا : إنه يوجد حيث يكون الفلفل الأسود ، ويكون قطعا مستديرة كالدرهم ، وقد يغش بعظام الضأن المحرقة خصوصا رأسها ، وقالوا : إنه ينفع من قروح الفم والبثور والقلاعات العارضة في أفواه الصبيان ذروا أو مع ورد أحمر ، وسكر طبرزذ وهو مركب القوى كالورد فيه قبض وتحليل بسبب ما فيه من المرارة وتبريده أكثر من تحليله ، وهو شديد التجفيف لقبضه وتحليله فيقوي القلب وينفع من أورام العين الحارة ومن الخفقان الحار ، والقيء الحادث من مرارة نصب إلى المعدة سقيا وطلاء ومن البواسير النضاحة شربا ، ويقطع الإسهال الصفراوي وينفع في الحميات الحادة ويسكن العطش ويمنع من انصباب الصفراء إلى المعدة ، وينفع من التوحش والغم ويزيل الكرب وذكروا أن قدر ما يؤخذ منه نصف درهم.

(الغاب الأمريقي)

يوجد بالأمريقة صنف يسمى هناك (جوادوا) بضم الجيم والدال وفتح الواوين ، ويتكون منه غابات في جملة محال وساقه تحتوي على ماء شديد الصفاء مقبول للشرب ، وأحيانا يشاهد في العقد تجمدات سليسية أي ، طباشير ويستعمل هذا النبات في الاستعمالات التي

٢٦٥

يستعمل فيها خيزران الهند القريب منه.

(أرندوا زياكا)

هذا النبات يوجد على الشاطئ ، وعلى السطح الأزياكي ، وهذا يدل على أنه كان له بعض استعمالات عند القدماء قال : ويسمى بمصر ساري كذا نقل ميرة في الذيل ، وقال في مبحث ساري : هو اسم لقصب النيل أي بوصة الموضوع على السطح الأزياكي ، وهو الذي سماه دليل إرندوتزياكي بكسر الهمزة ، ويكون مع الحلفاء المسماة عند العرب أحورس ، وأحيانا يكون مع السعد. اه.

(الحزنبل)

يسمى أيضا كف النسر وكف الدابة ، هو من الفصيلة النجيلية متعدد النوع أي الذي أزهاره المذكرة والمؤنثة مخلوطة بأزهار خنثية ، وهو وحيد المسكن أي أزهاره ، وإن كانت منفصلة إلى مذكرة ومؤنثة ، إلا أنها مجتمعة في شجرة واحدة وصفات هذا الجنس أن السنابل الصغيرة أي الفروع السنبلية المركبة للسنبلة التامة ثنائية الزهر أو ثلاثيته فسنيبلات المركز عديمة الحامل وحيدة الزهر خنثية ، والسنيبلتان الجانبيتان لهما حاملان صغيران وأزهارهما مذكرة أو خالية من نوعي التناسل ، والسنيبلات الخنثية تتركب من غلاف ذي ضفتين ، وهيئة كوز مكون من قشرتين غشائيتين ، فالسفلى منهما غير منتهية بشيء ، والعليا منتهية بحافة علوية خشنة ، والسنبلتان الجانبيتان سواء كانتا مذكرتين أو خاليتين من نوعي التناسل ليس فيهما تلك الحافة العلوية ، فالأزهار كلها تكون على هيئة سنابل تتساوى في القمة وإن اختلفت حواملها ، وهذا الجنس كثير الأنواع ويبحث عن كثير منها للاستعمال الطبي كأنواع الحزنبل والإذخر ، وسيما الحزنبل الذي نحن بصدده المسمى في المتجر بالناردين الهندي والناردين والشامي والناردين الشوكي ، والنوع الآخر منه على ظن كما يفهم من الشرح النباتي والطبيعي الذي ذكره المتقدمون من العرب للحزنبل حيث قالوا : يطلق الحزنبل على أصل نبات يسمو حتى يقارب اليبروج إلا أنه مزغب ، ويرتفع من وسط النبتة قصبة مجوفة بين صفرة وحمرة مرغبة تحيط بها أوراق صغار وزهر إلى بياض أو صفرة ، وترتفع فوق ذراعين ، ويتكون في رأسها جسم إسفنجي داخله رطوبة يسيرة ، وفي أطرافه شوك صغار وله أصول غلاظ بيض ترمي إلى غيرة يسيرة مع صفرة ، وهي دهنة طعمها حلو مع يسير مرار ، وإذا قلع هذا الأصل في الربيع كان لينا كالشمع بحيث يكاد يقبل الانطباع ويتعجن إذا ومضغ إذا قلع في الصيف عند جفاف النبتة كان صلبا متينا ، ويبقى هذا الأصل سنين كثيرة بدون تآكل اه.

٢٦٦

وقالوا أيضا : إنه ينبت بطرسوس وجميع أرض الشام وطبرية وجبال المقدس والعذر وجبل الحكار بالموصل وغير ذلك. اه. وقال ميرة : من المتأخرين ما محصله أن جذر هذا النبات النجيلي رائحته عطرية قوية مقبولة ، وطعمه عطري أيضا عذب فيه بعض مرار ، ويوجد في المتجر على هيئة صرر مركبة من خيوط يظهر أنها حزمة أعصاب أوراق غير تامة ، ولونها كالصدأ ، وليست هي إلا شوشة من شروش محمرة دقيقة رقيقة ملززة على بعضها ، ومتعلقة بجذور في غلظ ، ولكن بدون أوراق اه.

فالشرح الطبيعي الذي ذكره المتأخرون للجذر موافق تقريبا لما ذكره أطباء العرب من المتقدمين ، وقولهم أيضا في الشرح النباتي : إنه يوجد في رأس القصبة المرتفعة من وسط النبتة جسم أسفنجي في أطرافه شوك صغار يقرب مما ذكره المتأخرون في الشرح النباتي للجنس من قولهم : إن السنيبلات الخنثية تتركب من غلاف ذي ضفتين ، وهيئة كوز مكون من قشرتين غشائيتين علياهما تنتهي لحافة ملوية خشنة ، ومما ذكره ميرة أيضا في النوع الذي أخذ منه بعضهم جنسا مستقلا سماه (ويطغير) وأن الذي يميز هذا الجنس عن الآخر هو أن أزهاره عديدة وشوكية الكوز ، وأما الحزنبل المتقدم فذو شعر هدبي على زهر الكوز ، فقد اتضح لنا تعدد أنواع الحزنبل وأن الأنواع التي يخرج منها بالأكثر هي الحزنبل ، ولعل ذلك سبب تنوع الحزنبل ، عند عطاري العرب ، قال ميرة : والمظنون أن هذا النبات النجيلي هو المجهز لأحد أنواع الناردين الهندي ، واعتبره بعضهم مجهزا لقصب الذريرة كما ظن بعضهم أن هذا الدواء ليس بنجيلي ، وإنما هو الألياف الجذرية لنبات من جنس (والريانا) يسمى (جنا ملنس) ، وكل هذا ليس بشيء يجهز الحزنبل يقينا أندريوغون وذكر أنزلي : أن هذا النبات إذا كان رطبا كان طعمه كالزنجبيل ، وذلك هو السبب في تسميته عند الأنقليزيين بالزنجبيل الشحمي ، وذلك يوافق ما ذكر قدماء أطباء العرب من أنه إذا قلع في الربيع كان لينا كالشمع بحيث يكاد يقبل الانطباع ويتعجن إذا مضغ ، وفي بعض المؤلفات قد يشتبه بالإذخر ، وذكر قدماء العرب من الأطباء أيضا أن الحزنبل يعرف في الكتب القديمة (بالمريوفلن) عند أطباء الشام ، وعلمائها والحال أنه غيره فإن المريوفلن ينسب لفصيلة تسمى (أجروبيته) وهو جنس وحيد الغرس ثماني الذكور بعيد بالكلية عن جنس الحزنبل ؛ لأن نباتات مريوفلن الذي تسميه العامة سارق الماء لأن مائيته سابحة ساقها أسطوانية وأوراقها إحاطية المنشأ مقطعة إلى فصوص خيطية ، والأزهار صغيرة إبطية وحيدة عديمة الذنيب ومنضمة نحو الجزء العلوي من الساق ، والمبيض ملتصق رباعي الفصوص ، ويوجد في الأزهار المذكرة تويج مكون من أربعة أهداب مستطيلة ، والذكور ثمانية قائمة مندغمة أيضا كالتويج على الجزء العلوي من الكأس ، والأعصاب دقيقة والحشفات ، مستطيلة رباعية الزوايا ذوات مسكنين ، ومركز الزهرة مشغول

٢٦٧

بحلمة لحمية هي المبيض الغير التام المنتهي من الأعلى بأسنان أربعة ، والكأس في الأزهار المؤنثة ملتصق التصاقا تاما ، وحافته مربعة الأسنان ، ولا يوجد تويج ، والمبيض ذو أربعة مساكن ، وقد يكون ذا مسكنين ، لكن ذلك نادر ، وكل من تلك المساكن يحتوي على بزرة معلقة ، ويعلو المبيض أربعة فروج أو فرجان ، وهو نادر ، وتلك الفروج عديمة الحامل مستطيلة وكثيرة الزغب والثمر أربعة مخازن أو اثنان ، وهو نادر ، وهي وحيدة البذرة ، ولا تنفتح ويعلوه الفرج المستدام ، فهذا الجنس يخالف بالكلية الحزنبل بتلك الصفات النباتية ، وكذلك أنواعه التي هي مريوفلن أسبيكا توم أي الشوكي العظيم الاعتبار بأزهاره التي يتكون منها نوع سنبلة انتهائية ، وبما ذكرناه من الصفات النباتية للحزنبل يعلم بعده بالكلية عن جنس مريوفلن.

(في خواصه الدوائية)

قال ميرة : هذا الجذر النجيلي منبه عظيم مقو للباه كثير الاستعمال عند الهنود ، فيستعمل منقوعه مقويا عاما مشجعا للقلب ، وقال أيضا : كان القدماء يستعملون نار دينهم مدرا للطمث ، ومقويا للمعدة ، ومضاد للوجع الكلوي كما يؤخذ ذلك من كتاب جالينوس ، وأطنب القدماء من أطباء العرب في خواص الحزنبل ومنافعه نظما ونثرا ، وذكروا أن فعله في السموم وتهيج الباه أمرا جماعي خصوصا بالشراب أكلا وطلاء ، وقالوا : إذا نقع في اللبن وشرب أمن من السم سنة بل قيل : الدهر كله فهو بادازهر السموم كلها نباتات كانت أو حيوانات ، وشربته لذلك مثقال ، لكن هذه كلها مبالغات يبعد أن نؤكدها بالتجريبات ، وذكروا أنه يمنع تصاعد الأبخرة للدماغ ، ويقطع النزلات وأوجاع اللهاة واللثة والصدر والسعال والربو وضيق النفس ، وإذا شرب بالسكنجبين لطف الأخلاق وحسن ألوان الأبدان وكساها بهجة وإشراقا ، وينفع من ضعف المعدة والرياح الغليظة والقولنج والسدد وضعف الكبد والطحال ، ويفتت الحصى شربا بالعسل ، وإذا أخذ كل يوم على الريق على أسبوعين قطع الاستسقاء وأسهل الزقي ، وفي أسبوع يخرج الريحي ، ومع لب البطيخ يصلح الكلى ، ومع الجلنار يقطع الدم ، ومع الصبر يقطع وجع المفاصل وعرق النساء ، وإن طبخ مع السذاب والثوم في الزيت حتى يتهري كان طلاء مجريا في عرق النساء والفالج واللقوة والخدر والكزاز ، ويقطر في الأذن فيفتحها وإذا شرب بماء الكراث نفع من البواسير بل يسقطها بدون قطع وإذا تمودي على أكله وأخذ عليه ماء الكرفس على الجوع حلل ما في الأنثيين ويقال : إنه يضر الرئة ويصلحه الأنيسون مع أنهم ذكروا نفعه في النزلات والسعال ، والربو ولذا يلزم إعادة التجريبات.

٢٦٨

(الإذخر)

يسمى بمصر حلفا مكة وبالخلال المأموني ، لأن المأمون كان يتخلل بعيدانه قال المتقدمون من الأطباء : هو من الحشائش التي تنبت بالسهول والحزون ، وأكثر المواضع الناشفة والحارة ، قال أبو حنيفة ـ رحمه‌الله تعالى ـ : له أصل دقيق وقضبان دقاق أذفر الريح ، وأصله مثل أسل الأصل الذي هو الكولان أي السمار إلا أنه أعرض منه وأصغر كعوبا ، وله ثمرة كأنها مكاسح القصب أي مكانسه ، إلا أنها أدق وأصغر يطحن فيدخل في الطيب ، وقلما نبت الإذخرة منفردة اه.

وذلك الأصل مدفون في الأرض غليظ كثير الفروع ، ولونه إلى حمرة وصفرة ، ورائحته قوية عطرية ، وطعمه حاد عطري ، وزهره أي فقاحه وقصب الأصول هما المستعملان في الطب ، وقالوا : أجود الإذخر هو الحديث المائل للحمرة الكثير الزهر الذي فيه الرائحة الوردية ويلذع اللسان ، وقال جيبور من الأطباء : المتأخرين الأسخيننط أو الأسل المريح أي الإذخر كثير الأعراس وحيد المحل من ذات الفلقة ذكوره سفلية الاندغام بالمبيض ، وهو من الفصيلة النجيلية وعلى مقتضى ما قال ليمري : هو كثير الوجود في البلاد العامرة من أراضي العرب ، وفي سفح جبل لبنان يستعمل هناك لعلف الجمال والافتراش لنوم الحيوانات وهو مكون من جذر أبيض زغبي متين فيه طول ، وساقه تعلو نحو قدم ، وتحاط من الأسفل بشوشة من ورق تبني الطبيعة ، وعلى شكل سنبلي وتنتهي من الأعلى بباقة حاملة لأزهار صغيرة محمرة مغطاة بزغب ملزز ، وجميع النبات ممتع بخواص قوية الفاعلية ، فالأوراق قوية الرائحة وسيما إذا مرست بين الأصابع ، وطعمها حريف عطري راتينجي شديد المرار كريه جدا أو الجذر فيه تلك الخواص ولكن بدرجة أسفل والأزهار التي هي جزء النبات الذي يلزم دخوله في الترياق يلزم أن يكون طعمه أيضا أوضح ، وأكثر كافورية من الأوراق ، ولكن الذي عتق منها قليل الرائحة وضعيف الطعم يقينا بسبب قدمه ، ولذلك استعوضوا الشوشة الجذرية بالأوراق التي فيها الخواص قوية أيضا اه.

وقال ميرة : هذا النبات النجيلي الذي ينبت بالهند ومكة وصعيد مصر استعمله بقراط ، ويدخل في الترياق وديسقورديون وغيرهما قال : وليس له جذر عطري بحيث إن المستعمل أوراقه والسوق ، وهذا عكس النبات المسمى ويطفير والإنكليزيون يصنعون في الهند من أوراقه ، والرطبة شايا مقبولة لا يعتبرونه معديا أي مقويا للمعدة ومقويا عاما نافعا في عسر الهضم وتحمص أحيانا وقت استعمالها ، وذكروا أن أهالي جزيرة جاوة يعتبرون هذا النبات منبها ويستعملونه لذلك كثيرا ، ولا يعرف على أي شيء أسس ظن أن جذره سم في جزائر

٢٦٩

أنتيلة ، وقد علمت قول ميرة وليس له جذر عطري ، بل له سوق لم يقل به أحد من قدماء الأطباء ولا من أطبائنا كما أن المستغرب كون جذره سما ، وذكر جيبور أن وكلين حلل جذر الإذخر تحليلا كيماويا فاستخرج منه أولا مادة راتنجية لونها أحمر مسمر قائم وطعمها حريف ورائحته شبيهة برائحة المر وظن أنه نفس راتينج المر وثانيا مادة ملونة تذوب في الماء ، وثالثا حمضا ورابعا ملحا كلسيا ، وخامسا أوكسيد الحديد ، وسادسا مقدارا كبيرا أيضا من مادة خشبة اه.

ونقل القدماء من أطباء العرب عن ديسقوريدس أن أجوده الحديث المائل إلى الحمرة الكثير الزهر الذي في رائحته وردية ، وإذا تفتح كان في لونه فرفيرية ، وطيب رائحته ، وإذا دلك بالأيدي يلذع اللسان ، يحذو حذوا يسيرا ، ومنفعته في الزهر المسمى بالفقاح وقصب الأصول ، ونقلوا عن جالينوس أن زهره أي فقاحه يسخن أسخانا يسيرا ويقبض قبضا يسيرا أيسر من تسخينه ولا يخلو عن لطف ، ولذا يدر البول ويحدر الطمث إذا استعمل تكميدا بزهرة وشرب منه بقدر مثقال ويضمد به للأورام الحادثة في الكبد والمعدة وفمها وأصل هذا النبات أي جذره قبضا من زهرته ، وزهرته أكثر أسخانا من أصله والقبض موجود في جميع أجزائه لمن ذاقه ، إلا أن ذلك في بعضها أكثر وفي بعضها أقل ، وبسبب هذا القبض يخلط من الأدوية التي تسقى لنفث الدم ، وفي ديسقوريدس قوته قابضا مسخنة إسخانا يسيرا ملينة منضجة مفتتة للحصى مفتحة لأفواه العروق مدرة للبول والطمث محللة للنفخ وفقاحه نافع لمن ينفث الدم ولأوجاع المعدة والرئة والكبد والكلى ، وأصله يسقى منه وزن مثقال مع مثله فلفلا أياما لمن كان به غشيان مزمن أو حبن فإنه يبرأ منه ، (والحبن داء في البطن يعظم منه ويرم) ، وطبيخه موافق للأورام الحادثة في الرحم إذا حلبت المرأة فيه وشرب طبيخه ينفع من أوجاع المفاصل الباردة وفي أواخر الحميات البلغمية ، وكذا من وجع الأسنان تمضمضا ودلكا بسحيقه ، وقال الرازي في «الحاوي» : إن من الإذخر صنفا آجاميا وعزاه إلى جالينوس تابعه على ذلك جماعة كابن سينا وصاحب المنهاج وصاحب الإقناع وغيرهم ، وهذا غلط وسببه أن جالينوس ذكر الإذخر في المقالة الثانية ، وسماه باسمه اليوناني ، وأورد ما سبق لنا ذكره عنه ، ثم ذكر دواء آخر بهذا الاسم عينه ونسبه للآجام وليس بإذخر ولا من أنواعه ، وإنما هو النبات المسمى بالعربية أسل ، وهو السمار عند أهل مصر ، ويسمى عند عامة المغرب الداس ، وهو الذي يصنع منه الحصر فمنه الغليظ ومنه الدقيق ، ومنه ما يثمر ومنه ما لا يثمر وهو مشهور معروف فظن من رأى ذلك ظن غلط محض أن الاشتراك في الاسمية يوجب الاتحاد في الماهية والقوة ، وليس الأمر كذلك اه. من ابن البيطار.

٢٧٠

(الويطفير)

هو نوع نجيلي أساسا لهذا الجنس ، وذلك النبات كبير قريب الشبه من الإذخر إذا كان متميزا عنه ، ويعرف جيدا بأزهاره الصغيرة العديدة الشوكية على الكوز ، وأما الإذخر فهو ذو شعر هدبي على ظهر الكوز ، وينبت نباتنا المذكور على خنادق فلفوطة وامبواز وسيلان وغير ذلك حيث يسمى ويطي فير ، وأوراقه عديمة الرائحة وسوقه تخدم لتغطية سقف عشش السودان ، وجذوره عديمة الطعم تشبه جذور النخيل في ذلك وفي الحجم وفي اللون والطول وغير ذلك ، وإذا كانت جافة كان لها عطرية مقبولة جدا وتستعمل في الهند لتوضع مع ملابس والخرق والثياب لتعطيرها ، ويقال : إنها تبعد الحشرات عنها ، ولكن هذا غير صحيح ، لأننا رأينا هذه الجذور متآكلة بالسوس ، وتلك حالة تدل على عتاقتها ، وقد أرسلت لأوروبا في ابتداء هذا القرن من الهند وبريون وتباع للعطرين ويعمل منها رووب للبساتين ، وينحصل منها الآن متجر عظيم وأدى الحال حتى صارت تباع في أزقة جميع بلاد أوروبا على ظن أنها تحفظ الخرق والثياب من السوس والديدان ، والناس يصدقون ذلك مع أن الأمر ليس كذلك ، ورائحتها تفقد منها إذا عتقت ، ولكن إذا غمثت في الماء أخذ الماء منها جزءا والهنود يستعملون تلك الجذور منقوعة نقعا حارا لعلاجات الحميات والوجع الروماتزمي أي كأدوية معرفة ومنبهة قليلا بل كمشروب لذيذ فقط كذا فقال (أنزلي) من المؤكد استعمالها كتابل من التوابل وعطري من العطريات ، ويفعل من النبات في الهند مراوح اه.

ويغلب على الظن أن هذه الجذور نوع من الحزنبل ، قال ميرة : وحلل وكلين هذا الجذر حين وجد رائحته شبيهة برائحة الإذخر فوجد فيه مادة ملونة قابلة للإذابة في الماء ، ومادة راتنجية تشبه بالكلية مادة المر ، وحمضا خالصا ، وملحا كلسا ، وأكسيد الحديد ، ونشاء ، ومادة خلاصية ، ونال منه بالتقطير دهنا طيارا.

(الذرة)

الأزهار الذكور سنبلية متفرقة انتهائية لها قشرة ثنائية الأزهار ، والأزهار الأنثى على هيئة سنبلات غليظة إبطية ، والمبيض ينتهي بفوهة مهبلية خيطية طويلة ، والثمار غليظة مستديرة بدون انتظام موضوعة صفوفا طولية ، ومرصعة في المحور اللحمي للسنبلة ، وتحت هذا الجنس نوع واحد وهو الذرة المستنبت.

(الذرة المستنبت)

ساقه قصلية تعلو من ذراعين إلى ثلاثة أسطوانية ، والأوراق متوالية غمدية طولها نحو

٢٧١

ذراع ، والأزهار مغلفة بعدة أوراق يظهر أن هذا النبات أصله من الأمريكا الجنوبية.

(في بيان الاستعمال)

وقد استنبت هذا النبات في بلاد مصر وغيرها ، والدقيق الذي يستخرج من ثمره أبيض مائل للصفرة لعمل الخبز ؛ لأنه قليل القبول للتخمر ، لكنه يصنع منه فطير مغذ جدا لذيذ الطعم ، يستعمل غذاء في كثير من البلاد ، وكذا يستعمل لتغذية الطيور وتسمينها.

(الشوفان)

القشرة ذات صدفتين تشتملان على زهرتين أو أكثر ، وهاتان الصدفتان غشائيتان وهما أطول من الأزهار ، والغلالة مكونة من صدفتين أيضا ، وتحته نوع واحد وهو الشوفان المستنبت.

(الشوفان المستنبت)

جذره سنوي شعري ، تخرج منه سوق قصلية طولها ذراع أو ذراع ونصف ، تخرج منها أوراق غمدية حادة ، والأزهار عنقودية قليلا ، والثمر مستطيل حاد مائل للسمرة.

(في بيان الاستعمال)

هو الغذاء الرئيس للخيول في بلاد أوروبا ، والمطبوخ المكون من عشرة دراهم ومائة درهم من الماء مدر للبول ، ويمكن طبخ الشوفان المقشر في اللبن أو في المرقة الدسمة ، فيتكون منه مطبوخ مغذ جدّا.

(الشيلم)

الشيلم يسمى باللسان النباني سيكال سيرال بفتح السينين ، وليس هو الزوان كما ظن أبو حنيفة ذلك من المتقدمين من أطباء العرب ، وهو نبات جميل سنوي واسم جنسه سيكال من الفصيلة النجيلية ، وأصل هذا الاسم من اللغة الأفليطية (سيكال) معناه محشة أو منجل ؛ لأن نوعه الرئيس يقطع بهذه الآلة ، واستنبت هذا النبات بأوروبا ؛ وأزهاره خنثية سنبلية بهيئة سنبلة طويلة ، ومحيطها الظاهر مزدوج الضفف وضففه ضيقة حادة خشنة ، والكأس ذو ضفتين ، فالضفة الخارجة أكبر فتكون كزورق ، ومغطاة زاويتها الخارجة بوبر قصير خشن ، ومنتهية قمتها بسفاية خيطية مستقيمة خشنة جدا ، والضفة الباطنة أقصر قليلا ، والثمر محاط بالكأس

٢٧٢

بيضاوي مستطيل ، وجذر هذا النبات شعري سنوي ، وساقه خوارة حشيشية عقدية تعلو من أربعة أقدام إلى ستة ، والأوراق متعاقبة غمدية ، والخبز المصنوع من الشيلم قليل الاندماج دسم أسمر اللون مقبول الطعم وكثير التغذية مرطب قليلا ويمكث سبعة أيام أو ثمانية بدون أن يجف ، ومن المحقق أنه أسلم للجسم من دقيق الحنطة فإنه مبرد ، ويسهل الاستفراغات الثفلية ، وإذا خلط بدقيق القمح نيل من ذلك خبز أكثر جوهرية وتغذية ، ويعمل من دقيقة ضمادات محللة ، وحب الشليم يحتوي على نخالة أقل ودقيق أكثر من الحنطة ، وإذا جنى الحب قبل نضجه بقليل وجفف فإنه يؤكل كالفريك واللوبية الصغيرة والجلبان ، ويعمل من دقيقه المعلق في الماء أو اللبن والمطبوخ ضماد كدواء مرخ أو محلل أو غسال أو منضج للأورام الالتهابية وغير ذلك ، ونخالة الشيلم مرخية ، ملطفة تستعمل حقنا ومطبوخة ومرخية وذلك الدقيق يحول السليماني إلى الكالوميلاس ، وستمائة جزء لأجل جزء واحد من هذا الملح حتى يحصل هذا التحويل ، فإذا يعد هذا الدقيق من مضادات التسمم بالسليماني ، وأنه يصح أن يقوم مقام الجلوتين الذي يندر وجدانه محضرا في الوقت اللازم.

(الزوان)

وأما الزوان فهو ثلاثي الذكور ثنائي الإناث يحتوي على أنواع كثيرة ، واشتهر واحد منها بأنه مسم وهو الزوان المذكور هنا ، وجذره سنوي شعري تعلوه خوارة قائمة ترتفع من قدم إلى قدمين عقدية ، والأوراق غمدية طويلة عريضة خشنة الملمس قليلا ، والأزهار سنبلية في الجزء العلوي من الخوارة ، والمحيط الخارج ثنائي الضفف يحتوي على ستة أزهار تقوم منها سنبلة مستطيلة ، والضفف غير متساوية ، فالظاهرة طولها كطول السنبلة حادة محززة بالطول ، والباطنة أصغر وكأس كل زهرة ثنائية الضفف فالخارجة أكبر منتهية بسفاية طويلة مستقيمة مخرازية خشنة قليلا ، والثمر مستطيل وصغير ، وذكر القدماء من أطباء العرب أن الزوان حب مفرطح مستطيل مسود ضارب للصفرة أو يميل إلى السواد ، وخضرته ، ونباته كالحنطة إلا أنه خشن ، وذلك الحب في سنبل يقارب الشعير في أقماعه ، وأهل اليمن ومن والاهم يزعمون أن الحنطة تتقلب زوانا في سني المحل اه.

من ابن البيطار ويوجد هذا النبات بكثرة في المزارع ، وكان معروفا عند القدماء بأنه أحد النباتات المؤذية للحبوب المحصودة لأجل الإنسان ، قال ريشار : ويظهر أن هذا الزعم من مبالغات الريم فيلزم تحقيق حالة بالضبط ، ولكن يظهر أن ثمره يحتوي على قاعدة مسمة مؤذية كثيرا ما تسبب عوارض ثقيلة إذا خلطت بالقمح أو بالشيلم غير أن العوارض لم تصل لإحداث الموت ، بل عملت تجريبات جديدة يظهر منها أنه لا ينسب لهذا النبات خواص مهلكة أصلا

٢٧٣

قال : وهذا رأي يبعد أن نقول به ، وذكر لتخليص هذه الحبوب من حرافتها فيكفي تجفيفها في فرن دفئ قبل أن تطحن ، فالخبز الذي يعمل منها حينئذ لا يكون رديئا على الصحة ، وسيما إذا أكل حين ما يكون باردا ، وشاهد دوقندول مشاهدة صحيحة أنه كثيرا ما يدخل في الخبز ويؤكل بدون أن يحدث عوارض وقال : إنه في زمن القحط يكون غذاء للبشر بدون خطر ، ويشرب الفقاع الذي يعمل منه وبالجملة بزوره في الذوق سكرية الطعم قليلا كأغلب نباتات هذه الفصيلة ، وذلك ربما حمل على ظن أنها غير مضرة ، ولكن يظهر أن الحب إذا استعمل وحده كان مضرا ؛ لأنه يسبب عوارض مغمة ، وذلك يحصل بالأكثر في السنين الكثيرة المطر ، وهذا حمل العامة على ظن أن الحنطة في تلك السنين تتغير إلى زوان بالعكس كما ذكر مسيول شارح ديسقوريدس فقد اتفق أن شخصا أكل خبزا أربعة من خمسة من هذا الزوان فمات في اليوم الرابع بقولنجات شديدة وخبزه أسمر لا مرار فيه فإذا لم يكن في الدقيق تسع أي واحد من تسعة منه فإن الزوان يمنع التخمير العجيني ، ولا تكون نتيجته في التخمير محسوسة إلا إذا لم يكن منه إلا واحد من ثمانية عشر ، ولكنه بهذا المقدار يسبب عوارض نسبها جاليت لجوهر راتنجي وجد فيه ولماء استنباته ، وتلك العوارض تبطل نتائجها على رأيه بخلطه بمثل مقداره من دقيق الذرة في الخبز ، وذكر هذا المؤلف أن السكر مضاد للتسمم بالزوان ، وأكد فعله المسم سرازوان حيث شاهد من أعراضه الرئيسة دوارا وقمورا وأوجاعا في الرأس ، ونوع سبات من سكر ونحو ذلك ، ومع ذلك لم يشاهد هذا الطبيب شخصا مات به ، وشاهد أيضا أن الفقاع الذي يدخل هذا الجوهر تركيبه يسبب أيضا عوارض ، وأكد جماعة من الأطباء من تجريبات فعلوها مباشرة أنه سم مخدر للإنسان والكلاب والضأن والخيل والأسماك ، ويكون قليل الإيذاء أو غير مؤذ بالكلية للخنازير والبقر والبط والدجاج ، بل ذكر بعضهم أنه يسمن الديكة المخاصي والدجاج السمان ، إذا أطعمت من عجينته ، ويظهر أن القاعدة المؤذية فيه طيارة ؛ لأن المستحضر المضر هو الماء المقطر لبزوره المتخمرة ، وخبزه الحار هو الأخطر ، فبخاره كاف للسكر ، وإذا كان هذا الخبز غير متخمر لم يظهر كونه مؤذيا ، وعلى رأيهم لا يكون الخبز مضر إلا إذا كان محتويا على الزوان بمقدار الرابع ، وقال سيجيران : العلامة الأكيدة للتسمم بالزوان هي الاضطراب أي الارتعاش العام ، ثم يحدث سدر ودوار وطنين في الأذن وعسر في الازدراد وفي النطق بالكلام ، ثم تسقط الأشخاص في السبات ومداواة عوارضه تكون بالقيء ثم تستعمل المشروبات الحمضية ثم المقويات ، وبعبارة أخرى للمتقدمين من الأطباء دواؤه القيء ، وأخذ الربوب الحامضة وذلك الأطراف السفلى ، وأن ينشق الروائح المنبهة المقوية للدماغ ، وكان هذا الزوان مستعمل في زمن ديسقوريدس في الطب الخارج لإحياء القروح وشفاء القوابي والخنازير والسلع ونحو ذلك ، وكذا عند حكماء

٢٧٤

العرب حيث قالوا : إنه جرب لإخراج السلاء والشوك والنصول وتحليل الأورام طلاء بالعسل ، وينبت الشعر في داء الثعلب وإن سخن وجعل على الصداع سكنه وهو مخدر مكسل مثقل للحواس مسكر منوم يملأ الرأس فضولا وأكله ضار بضعاف الأدمغة. انته.

(الجويدار أي الشليم المقرن)

وضع هذا الجوهر في هذه الفصيلة بالنظر للنباتات التي ينبت عليها وسيما الشيلم وذلك الجوهر يسمى بالإفرنجية (إرجوت) بكسر الهمزة وسكون الراء كما يسمى أيضا سجل أرجوتيه ، ومعناه ما في الترجمة لأن السجل بالإفرنجية هو الشيلم بالعربية المسمى باللسان النباتي سيكال سريال بفتح السين (٧) في الكلمة الأولى وكسرها في الكلمة الثانية ، وإنما وصف بالمقرن نظر الشكلة وهو معنى اسمه الإفرنجي أرجوت ، وقد يقال له ارجوت الشيلم والقمح المقرن والشيلم الأسود والقمح الأسود وغير ذلك بالجملة هو تولد مرضي يشاهد كثيرا على الشيلم المأكول وعلى غيره من النباتات النجيلية كجنس فرومان أي الحنطة والأفوان أي الشوفان أو الهرطمان والزوان والذرة وغير ذلك ، وعلى النباتات السعدية كالتي من جنس كاركس وسبيروس وغير ذلك.

(في طبيعة هذا الدواء)

كان القدماء يرون أن هذا التولد استحالة أي تشوه في المرضى لنطفة الشيلم أي أصل بزرته ناشئ ذلك من الرطوبة والأرض الرديئة ونحو ذلك ، ثم نسبوه للدغ حشرات نظير ما يشاهد في الورد وأوراق البلوط وغير ذلك ، ولذا رأى (دو برج) أنه ناتج حيواني أو أقله أنه ناتج من حيوان من الحشرات يضع سائلا من سوائله في حبة الشيلم فينتج من ذلك هذا الجوهر ، ولو صح ذلك لأمكن إنتاج ارجوت بالاختيار بعصر هذا السائل على حبات الشيلم المتوسط النضج ، وإذا نقعت هذه الحشرة في الكؤل نتج منها سائل يسمى بالسائل الولادي لكونه يؤثر بقوة في وقت الولادة ، ولا فعل له على الرحم في مدة الحمل ، وذكر دليلا على ذلك أن هرة كانت في الطلق فأبطات ولادتها لبطء الانقباضات الرحمية فسقاها عشرة نقط من سائله فاندفعت أجنتها بعد بعض دقائق ، وقال (تروسو) إن تجريبات دو برج كبيانه التعليمي لا تخلو عن تشكك ، وذكر متأخر والنباتيين أنه فطر فاعتبر بوليت نوعا من الفطر المستطيل يسمى قلافير ، واعتبره دوقندول من فصيلة أيبوكسيلية التي هي من خفيات أعضاء التناسل بين الفطر والحزاز.

__________________

(٧) قوله : بفتح السين الأولى ... إلخ. كذا بالأصل وقد تقدم أنه بفتح السينين. اه.

٢٧٥

(في الصفات الطبيعية للشيلم المقرن)

هو تولد مستطيل مقوس يميل لشكل حبة الشيلم ، ولكنه يعظم عنها بثلاث مرات بل أربع فيكتسب طولا ، ولونه بنفسجي من الظاهر ومبيض مائل للبنفسجية من الباطن ، وطعمه حريف أكّال ، ورائحته ضعيفة كريهة لا تظهر إلا إذا تجمع بمقدار كبير وهو سهل التفتت صلب كأنه قرني ، ومكسره نقي كمكسر اللوزة ، ويوجد غالبا على أحد جوانبه ثلم مستطيل ، وقد يكون ذلك على جانبيه معا ، ولهذا الحب طرفان غالبا على أحدهما يلتصق بالزهرة وهو في العادة مصفر كامل أي غير مشقوق ، وثانيهما علوي سائب دقيق كأنه مشقوق ، وقد يشاهد على جميع الحبة تمزقات في طولها فيقال إن المادة الباطنة المندمجة تبرز من جدرانها ، لأن كل حبة لها غلالة خارجة مسودة رقيقة وجوهر باطن مبيض مندمج منظره كمنظر الشمع الوسخ ، بل ظن بعضهم أن الغلالة الخارجة هي الجزء الفعال للشيلم وقال ميرة : رائحة الجويدار خاصة به وفيها بعض شيء من القوة والغثيان فتقرب من رائحة بعض أنواع الغاريقون المتقدم في السن كالمتعفن ، وطعمه يكاد يكون معدوما ، ومتى كان سليما جديدا كان غالبا قوي الفعل ، فإذا شوهد خموده سئل عن سبب ذلك فالمجنى في السين الشديدة المطر يكون أحيانا كذلك والشديد العتاقة يكون قليل الفعل أو عديمه ، والمخزون في علب أو أحقاق أو قناني مسدودة يسخن ويتغير ولا توجد فيه نتائجه الاعتيادية ، وذكر بعضهم أنه إذا كان محفوظا في محل رطب ومضى عليه سنة كان خاليا من الخواص فمن اللازم لحفظ خواصه أن يجنى طريا في زمن يابس ، ويحفف في محل دفيء ، ويحفظ في إناء معتم جيد الطلي مسدود ، ويوضع في محل جاف ولا يستعمل إلا ما كان جديد الاجتناء ، ويحول على مسحوق وقت الاحتياج إليه ، وثبت من تجريبات بونجان أن الشيلم الذي مكسره أبيض يكون قوي الفعل كالذي مكسره بنفسجي ، وأن ما يجنى به ظهوره حالا ليس له تأثير مسم إذا استعمل منه المقدار المهلك في العادة لو كان جيد النضج فلا يظهر سمه إلا إذا تم نضجه ويكفي ستة أيام أو سبعة لإعطائه الفاعلية التي تجعله سيما وأن الجويدار العتيق أو المسوس للثقب إذا سحق وعرض للهواة مدة طويلة لم تفقد خواصه الدوائية أو المسمة فلا فائدة في زيادة التحرس في حفظه كذا استفيد من تجريبات بونجان.

(في الصفات الكيماوية)

هو على حسب تحليل وكلين يحتوي على مادة ملونة صفراء مزعفرة ، ومادة زيتية بيضاء ، ومادة ملونة بنفسجية لا تذوب في الكؤل ، وحمض خالص جزء منه فوصفوريك

٢٧٦

ومادة نباتية حيوانية كثيرة قابلة للتعفن ، وتجهز كثيرا من دهن تخين ، ومن نوشادر بالتقطير ومقدار قليل من روح النوشادر الخالص الذي يمكن إنالته في درجة حرارة الماء المغلي ، قال بوشرده : وظن وكلين أن مادته الفعالة زيت أي دهن شحمي رخو حريف رائحته كرائحة السمك. انته. وظن بعضهم فيه وجود مرفين ونشا لكن ذلك غير محقق ، وحلله وججير فوجد فيه دهنا شحميا مخصوصا ومادة أخرى مبلورة شحمية مخصوصة وسبرين وارجوتين اوسمازوم ومانيت ومادة صمغية خلاصية مع مادة ملونة وزلال وفنجين بضم الفاء وفوصفات البوتاس الحمض وكلس ، واشتغل بالنجان عن قريب بتحليله فعلى رأيه ليست قاعدته الفعالة قلوية وإنما يوجد فيه قاعدتان متمزيتان عن بعضهما إحداهما ايموسنانيك أي موقفة للدم سادة لفوهات الأوعية ، وهذه فيها الخواص الدوائية الثمينة وهي الأرجوتين الذي هو خلاصة رخوة متناسبة الأجزاء رائحتها مقبولة وطعمها فيه بعض لذع ومرارة ، ويتكون منها مع الماء محلول جميل الحمرة ، وثانيتهما دهنية راتنجية وهي السم الحقيق المخدر فالخلاصة الجويدارية وهي الدواء الحقيقي للأنزفة حتى الناشئة من الرحم ، فمقدار درهمين من هذه الخلاصة يعادل عشرة من الجويدار أي الشيلم المقرن ، وإن سدادة غمست في ارجوتين مذاب في مثل وزنه خمسة عشر أو عشرين مرة من الماء ثم وضعت على جروح شريانية ودووم على صب بعض نقط من ذلك عليها أوقفت الدم وتنال المادة الدهنية الراتينجية بالايتر البارد مع التحرس وقت عمليتها عن كل حرارة ونتيجتها المسماة تشبه نتيجة المخدرات ، وسيما نتيجة المرفين ، ودرهم من هذا الدهن يقتل طيرا وهو مساو لثلاثة دراهم من الشيلم فتصاب العضلات والمعدة بالشلل وينتج ما يسمى بالداء الشيلمي بأسرع مما ينتجه الأرجون ، وخمسة دراهم من هذا الدهن أنتجت الداء الشيلمي التشنجي في كلب مع شلل المشي إلى الخلف ، وذلك يدل على أن فعله يتجه لأعصاب النخاع الفقري ، ويوجد بعد الموت احتقان دموي في الجانب الأيمن للرأس وفي القناة العصبية والمجموع الدموي ، فمن الغلط ظن أن خاصية إيقاف الدم التي في الشيلم موجودة في ذلك الدهن ، وسنذكر مبحثا مخصوصا للأرجوتين.

(في النتائج الصحية)

من المعلوم أن بعض قبائل كاملة تتغذى من الشيلم السليم ، ويختلط به الشيلم المقرن حتى أن ستة أقاليم كاملة بل سبعة من فرنسا ليس لهم غذاء غيره في الأصياف الباردة الرطبة تحتوي سنابل الشيلم على مقدار كبير من الأرجوت ، والفلاحون لا يلتقطون قبل طحن الشيلم إلا المقرن الغليظ ، ويبقى الباقي من المقرن مع الشيلم السليم فيصنعون خبزهم في جميع السنة من مخلوط الشيلم بالمقرن ويتغذون منه ، والأعراض التي تظهر فيه من هذا الخبز

٢٧٧

المخلوط هي سكر شبيه بما يحصل من المشروبات الكؤلية ، ويصحبه تفريح ولا يعقبه شيء من عوارض شرب المشروبات الكؤلية كالقرف والهبوط ، فإذا لم يحتو الشيلم إلا على قليل من المقرن ، فإنه لا يشاهد عارض كبير ، ولو استعمل هذا الغذاء كل يوم مدة سنين فيلزم لإنتاجه عوارض ثقيلة أن يكون في دقيق الشيلم بمقدار كبير كالسدس أو الخمس أو الربع ، وأن يستعمل زمنا طويلا ، ويظهر أن التخمر والطبخ يقللان أخطاره كثيرا ، بل زعموا أن تحميصه يفقد جميع صفاته الرديئة ويصيره عديم الفعل غير مضر ؛ وإنما يصير غذاء فقيرا قليل التقوية والحيوانات ، الأهلية ترفض أكله بالكلية ، والتي تزدرد منه مقدارا كبيرا تموت بعد زمن ما ، ويوجد فيه آثار من الغنغرينا حتى في المعدة والأمعاء ، وقال بوشرده وغيره : نسبوا للشيلم المحتوي على كثير من المقرن أوباء شرحوها مسماة باسم تشيخات شيلمية ، ولكن أثبت دنس أن هذه الأوباء تشبه الوباء المعروف باسم أكرورينا الذي تسلطن ببعض الأقاليم من أوروبا فليس الاكرورينا متعلقا باستعمال الشيلم المقرن ، ولا مانع من أن مرضين مختلفين قد تتشابه أعراضهما. انته.

وقال ميرة : عوارض خبز الشيلم المقرن في الإنسان على نوعين فإما دوار وتقلصات وتشنجات وانقباضات في الأطراف ونحو ذلك وإما غنغرينا أي سفاقلوس الأطراف ، وهاتان الحالتان تسميان أرجونزم أي داء الشيلم المقرن ، والمصابون بهذا الداء يحصل لهم هبوط وغثيان وتعب في البدن وغشي وقيء ، ويستشعرون في الأطراف المصابة ، وغالبا في أصابع الرجلين بعد ازدراد مقدار كبير منه بتنميل وبرد ، ويتلون جلدهم بلون وردي منقطع ، وينقطع الإحساس بالنبض ويصير لحمهم أصفر ، ثم يسود وينتفخ ويتقرح ، ويسيل منه مواد كأنها مدممة ، ثم يسقط في الغنغرينا وينفصل من الجسم جزء من الطرف أو الطرف كله ، ثم يموت الشخص ويداوى هذا الداء عند ظهوره أي عند ما يستشعر به بالتباعد عن الخبز الشيلمي ، وبشرب مطبوخ الكينا والمشروبات القوية القلبية المعدية ، وأوصى بعضهم بإضافة بعض نقط من روح النوشادر للمغليات ، وتغسل بذلك الأعضاء المصابة. انته.

(في الخواص العلاجية)

اشتهر الآن عند معظم المؤلفين نفعه في خمود الرحم وقت الولادة والتخليص المتأخر عن وقته والأخلاط الدموية في الرحم والأنزفة الرحمية ، وأما غير ذلك من الخواص فسنذكر فيما بعد ففي خمود الرحم تظهر الانقباضات الرحمية المحرضة بالشيلم بسرعة غريبة ولا تعرض قبل عشر دقائق ، ولا بعد نصف ساعة نعم اتفق في بعض المشاهدات ظهورها بعد ثمان دقائق ومدة تأثير الدواء تختلف من مدة نصف ساعة إلى ساعة ونصف تقريبا ، فيأخذ في

٢٧٨

الضعف بعد نصف ساعة ، ولكن يكتسب شدة عظيمة إذا أعطي من الدواء مقدارا جديدا حتى ولو انقطعت الانقباضات التي تحرضت من المقدار الأول فتتراكم وتتوالى بشدة غريبة بحيث يظهر أن الرحم لا تزال مدة ساعة بعد ذلك تنقبض بدون انقطاع ، وذكروا أن هذا الدواء لا يعطي إلا إذا ضعف الطلق جدا وانقطعت الأوجاع وقت دخول الرأس في المضيق العلوي وتوافق جميع الأطباء على أن اتساع عنق الرحم شرط لاستعمال الدواء ، وأما في التخليص المتأخر فيؤمر بهذا الدواء فيه مع النفع إذا تأخر خروج المشيمة وسيما إذا تسبب عنها أنزفة أو لم تستشعر القابلة إذا وضعت يدها على الخثلة بانقباض الرحم أعلى العانة ، وأما في الأخلاط الدموية في الرحم فإنه يعين على اندفاع تلك الأخلاط التي توجد أحيانا بعد الولادة في النساء اللاتي تعوقت رحمهن عن الانقباض ، والغالب أن لا يستعمل المقرن إلا في الولادات الشاقة والتي نزح الطلق فيها قوة الأم وأتعب الجنين ، وكذا في كثير من الأحوال التي كانت عوائق الولادة منسوبة فيها للتكون المعيب في الحوض أو في ناتج العلوق وكذا إذا كان مرض الأم هو ضعف الانقلاب الرحمي ولا شك أن تلك الأحوال الشاقة قد يكون فيها عوارض محزنة فبمقتضى وقائع الأمور قد يعسر الحكم بلزوم استعماله أو عدم استعماله ، ولكن من الجزم أن يظن أن سرعة الطلق والضغط المستدام الشديد من الرحم على الجنين ، وتأثير الجنين على الرحم قد يحصل منها خطر على الأم أو الجنين ، وإنما الطبيب هو الذي يحكم هل هذه الأخطار تعادل بطبيعتها الأخطار التي قد تنتج من الانتظار أو من بعض أعمال جراحية ، قال تروسو : وعلى رأينا أن أعظم خطر يكون من عظم شدة الأوجاع الدافعة المحرضة من ازدراد المقرن ، فالنساء اللاتي يقهرن أنفسهن على الدفع بدون انقطاع يفعلن حركات عنيفة كثيرة فتبقى الرئتان والمخ في حالة احتقان يمكن أن يكون خطرا ، ولذا نرى من مضاد الدلالة استعمال هذا الدواء في التشنجات الولادية بقصد إسراع الولادة ما لم يحكم بأن الأفعال الضعيفة كافية لاندفاع الجنين ، ولذا نفضل في تلك الحالة استعمال الجفت ، وإن خالف في ذلك كثيرون ، لكن ذكروا عوارض تنشأ من استعمال هذا الجوهر في الولادات وإن لم ينازعوا في منفعته فيها فقد ينتج في الأم والجنين نتائج محزنة ، وذلك من الانضغاط المستدام الذي يكابده الحبيل السري من تواصل الانقباضات الرحمية المحرضة من الدواء ، وليست نتائجها مغمة إلا من كونها غير متقطعة كالانقباضات الطبيعية ، واستدامة تلك الانقباضات الشيلمية يحصل منها في جسم الجنين انضغاط مستدام ينضم لانضغاط الحبيل في الرحم ، وهذا كثيرا ما ينتهي بصيرورته محزنا للطفل ، قال بيلاريو : قد تحققت أن المقرن يؤذي الطفل إيذاء بليغا ، فقد شاهدت بعد استعماله أن الأطفال الذين يولدون موتى بذلك نسبتهم للذين يولدون أحياء كنسبة واحد لخمسة وكثير ممن يولدون أحياء يكونون منتقعين ونبضات حبيلهم ضعيفة

٢٧٩

وتكاد لا تدرك حركات قلوبهم وإنما يوصل لتنفسهم بمشقة وعسر ومشاهدات بعض أصحابنا موافقة لمشاهداتنا ، فيستفاد من تجربياتهم وجود نتائج مضرة للجنين من الشيلم ، وأما في الأنزفة الرحمية فنقسم الأنزفة الرحمية كما فعل توروسو إلى مترو راجية ولادية ومترو راجية غير ولادية ، فإذا حصل بعد الولادة خمود في الرحم بحيث بقيت الجيوب الرحمية مفتوحة في تجويف الرحم ، وكان ذلك هو سبب النزيف ، فإن المقرن يسبب انكماش ألياف العضو ، ويقارب جدران الأوعية لبعضها ، ويساعد على اندفاع الأخلاط الدموية التي قد تمسك في ذلك الحشى ، وذلك مؤكد بالأمور الواقعية ، وأما فعله في المترو راجية الغير الولادية فغير متفق عليه قد ذكر بعضهم أنه لا فعل على الرحم إلا إذا كانت أليافها متمددة أي متسعة ، وأن الرحم الغير المتحملة للسوائل لا تتأثر منه ، وإنه لا يستعمل في النزيف الناشئ من التأثير الشرياني القوي نظر الكون حجم الرحم في هذه الحالة قريبا لغاية صغره ، واستظهر مندفيل أنه لا ينتظر نفع من استعماله في المترو راجيات الضعيفة ؛ لأن مجلس النزيف في المجموع المنجر ، وأما المقرن فتأثيره في المجموع العضلي فقط ، وجزم ولنوف أنه لا يتضح فعله في الرحم إلا في وقت اندفاع ناتج العلوق أي بعد الاتساع المناسب للعنق ، وتكلم كثير من المؤلفين على خاصية مضادة للنزيف الطمثي ، فذكروا أحوالا من عسر الطمث حصل منه فيها تخفيف كثير ، وذكر بعضهم أيضا له خاصية مضادة لإفراط الطمث ، وبالغ بعض المتأخرين في ذلك وأيدوا ذلك بأمور واقعية ، بل ذكروا أنزفة أخر شفيت بهذا الجوهر كالرعاف وقيء الدم والنزيف الرئوي ، بل الليقوريا ، والطبيب توروسو له تجريبات فعلها بهذا الجوهر ، وحدثت منه في الأعضاء ظاهرات مختلفات ظاهرات مجلسها في الرحم ، وهذه نذكرها لعظم الاهتمام بها ولاستدامة وجودها ويمكن إرجاعها إلى شيئين انقطاع السيلان الدموي والقولنجات ، فأما انقطاع السيلان الدموي فذلك ، لأن النزيف لا يستعصي على فعل هذا الجوهر مهما كانت حالة الرحم وإنما ؛ سرعة نتائجه تختلف كثيرا باختلاف كميات الدواء وتعاقبها ، ويعسر تعيين هذه الاختلافات وربما ظن أن النتائج العلاجية تكون أكثر حساسية كلما كانت حالة الرحم أقرب لحالته مدة الحمل ، فبعد الإسقاط مثلا أو في النساء التي ولدن جملة أولاد بحيث صار منسوج رحمهن حافظا لبعض شيء من الحالة العضلية يلزم أن تنقاد الأنزفة لهذا الدواء بأسرع حال ، ولكن التجرية لم تؤكد ذلك لاختلاف زمن إيقاف السيلان بهذا الدواء في تجريبات فعلت في أبكار وفي نساء أسقطن أو ولدن أولادا ، فالأولى نسبة منفعته لمقداره الذي يبعد أن يكون مغما للأرحام الغير المتحملة للرطوبة أي التي لم تبلغ النمو العضلي ، ويستنتج من الاختلاف اليسير أن سرعة تأثيره واحدة سواء كانت ألياف الرحم متمددة بسبب الولادات السابقة القديمة أو الجديدة أو التي لم تكابد تأثرا ولا تمدّدا أصلا ،

٢٨٠