كشف الأسرار النورانيّة القرآنيّة - ج ٢

محمّد بن أحمد الإسكندراني الدمشقي

كشف الأسرار النورانيّة القرآنيّة - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن أحمد الإسكندراني الدمشقي


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5282-4

الصفحات: ٤٦٤
الجزء ١ الجزء ٢

وشاهد هذا العالم أحوالا كان السيلان فيها عرضا لسرطان في الرحم وانقطع النزيف بهذا الجوهر في أقل من ست وعشرين ساعة ، وبمقابلة الأمور الواقعية السابقة واللاحقة لبعضها يستنتج منها أن ميل الرحم لقبول تأثير الشيلم ليس ناشئا بإيضاح من حالة ألياف هذا العضو ، ويظهر أن مدة زمن المرض لها تأثير كبير في سرعة الشفاء ، فقد شوهد أن النزيف الذي له مدة شهر أو ستة أسابيع انقاد للدواء في ست ساعات أو سبع بل في ربع ساعة واتفق في أحوال شبيهة بذلك أنه لم يقف إلا بعد عشرين ساعة أو أربع وعشرين ، ويصح أن ينظر بهذا النظر باعتبار سن المرضى ، وقد يظهر النزيف أحيانا بعد انقطاعه بالكلية ، ولكن بصفات تختلف جدا عن التي كانت فيه أولا ، والغالب أن لا يكون هذا فيضانا دمويا نقيا ، وإنما يكون فيضانا مصليا مدمما شبيها بالسيلان النفاسي الذي يوجد له أحيانا رائحة فلا يكون مترو راجيات حقيقة ، وإنما هو رشح دم أقل كثرة من الذي تقوم منه الإطماث ، والظاهر أنه ليس هناك حالة مخصوصة في الرحم ولا في مدة المرض ولا في سن المرضى ولا في مزاجهن لها تأثير على تولد هذا العارض الخفيف ، وإنما الغالب أن يكون سببه عدم تدبير أحوال المرضى أو الغلط في كيفية استعمال الدواء أو ورود بعض أحوال على غفلة ، وأما القولنجات الرحمية فنقول فيها إن انقطاع النزيف لا يكون في حال من الأحوال نتيجة معزلة عن الظاهرات الأخر الرحمية ، وإنما مسبوقا أو مصحوبا بقولنجات تختلف شدتها ويظهر كونها مرتبطة بنقص السيلان الدموي فلا ينقطع النزيف ولا يتنوع بدون قولنجات تحدث قبل ذلك فهي في الغالب تقدمة لنفض الأنزفة الرحمية أو لتنوع عظيم فيها ، ويظن من تلك الموافقة أن كيفية تأثير الشيلم واحدة في شفاء الميتوراجيات وخمود الرحم والأنزفة التابعة لهذا الخمود فالدواء المذكور يؤثر بإحداثه انقباضا في ألياف الرحم نعم يظهر ببادئ النظر عسر إدراك وجود الانقباضات في منسوج مندمج ملذذ كمنسوج رحم بكر مثلا ، ولكن نقول : إنه حينئذ لا يخلو عن اتساع من وجود احتقان فيه وتراكم الدم في تجويفه فيسهل عليه قبول الانقباضات ، فتكون حركاته الميكانيكية كحركة الانقباضات التي تصحب الإجهاض بعد ثلاثة أسابيع أو شهر من الحمل أي فتكون التغيرات التي يكابدها منسوجة خفية جدا ، وأما شفاء الأنزفة السرطانية بهذا الدواء ، فبانقباض الألياف الرحمية أيضا التي جزء منها محوي في الجزء المتسرطن ، وأغلب الشرايين التي تجهز الدم للرحم تمر في ألياف جسم الرحم قبل أن تصل إلى عنقه الذي يكون السرطان مستوليا عليه في الغالب ، فبانقباض الألياف التي بقيت سليمة يمكن أن ينقطع النزيف ، بقي علينا أن نقول : إن القولنجات الرحمية بقطع النظر عن ارتباطها بانقطاع الأنزفة لها خصوصيات.

(فأولا) : تكون في الغالب أول عرض ظاهر لتأثير المقرن.

٢٨١

(وثانيا) : أنها تتجدد غالبا بعد استعمال كل مقدار ، والزمن الفاصل بين ظهور وازدراد الدواء واحد تقريبا ، فتظهر بعد عشر دقائق أو ربع ساعة وأما مدتها فقد تدوم نصف ساعة ، أو ساعة بل ساعتين وتارة تنقطع فلا تدوم كل مرة إلا بعض دقائق فإذا اعتبرنا زيادة سرعة تولدها وقلة طول مدتها استنتجنا من ذلك أن المقرن له الرحم تأثير قوي بديهي ، وذكر ذلك جميع القوابل ، وأما طبيعة تلك القولنجات فهي رحمية تشبه النساء اللاتي سبق لهن الحمل بالقولنجات التي تسبق الولادة ، وأما قولنجات رحم البكر فلها شبه بالقولنجات المصاحبة بالطمث الشاق ، وتأثير المقرن على أعضاء آخر غير الرحم فأعظم ظاهرته اعتبارا هي ما يحصل من فعله على الجهاز المخي الشوكي ، وهي اتساع الحدقتين والصداع والدوار والسبات ، والغالب كونها لا تظهر إلا بعد الظاهرات الرحمية ، وإنما تستطيل زمنا طويلا وتكتسب أحيانا زيادة شدة في كل كمية جديدة ، ثم بعد أن أطال الكلام توروسو في ذلك قال : يستنتج مما سبق أن المقرن له فعل قوي على الرحم لكنه وقتي وأن ، ذلك الفعل يذهب بالأكثر لألياف هذا العضو ، فيحدث فيها انقباضات مصاحبة دائما للأوجاع أي القولنجات ، ويحصل منها سريعا قطع الأنزفة الرحمية مهما كان سببها وأن حالة الرحم ليس لها تأثير على تولدها ، بل قد تشاهد إذا كان جزء من ألياف عنق الرحم مستوليا عليه السرطان أن الشيلم يؤثر على العضو العصبي المركزي أي بكيفية الجواهر المسبتة وأن الظاهرات الناتجة منه بطيئة ، ولكن مستدامة وأنه لا يوجد ثقل فيها إذا اقتصر على مقاومة المتروراجيا وأنه يمكن بدون خطر أن يزاد المقدار إلى جملة دراهم في أربعة أيام أو خمسة ، وأنه إذا أريد مقاومة متروراجيا يكون من الجيد تكثير المقادير وإعطاؤها بفترات متساوية ، وأنه لا ينبغي أن يخاف من أن يبتدأ بمقدار فيه عظم كأربع جرامات أي درهم مثلا في أربع وعشرين ساعة انته.

وعولج بهذا الدواء الاحتقانات الرحمية التي تكون في الغالب مبدأ للالتهابات المزمنة في الرحم بناء على ما علم أن الرحم تنقبض بعد الولادة بقليل من فعل هذا الدواء ، وأن المظنون بالعقل أن النزيف الرحمي ينقطع في حالة الفراغ بمثل تلك الحركة الميكانيكية فكذلك الاحتقان الرحمي المذكور بل والالتهاب الرحمي المبتدئ ، وظن أيضا من ذلك أن الأنزفة الأخر تنقاد لهذا الدواء لذا جربوه في الرعاف ونفث الدم وقيء الدم وبول الدم ونحو ذلك بل انقادت ليقوريا مستصعبة سريعا استعماله ، ولا يخفى تأثيره الحميد في هذا الداء الأخير إذ كثير ما نشاهد الليقوريا من تفلس بوزطنشيا أو من التهاب آخر في العنق أو في المهبل ، أو من أسباب أخر كثيرة بحيث لا يظن شفاء تلك الآفات الظاهرة ، والاحتقانات الرحمية التي هي سبب هذه الأزهار البيض المسماة بالليقوريا بكيفية واحدة ، فإذا كانت الرحم متمددة ببوليبوس أو بالضغ المسماة مولى ، فإن المقرن قد ينفع لتعجيل اندفاعها ، وقد ذكر كثير من الأطباء

٢٨٢

منفعته في ذلك ، ويقرب للعقل أنه حينئذ ينوع المجموع العصبي الذي يؤثر بنفسه أيضا على جمل من العضلات ، ولما تخيل ذلك ذلك بربيير ظن صحة استعماله في الأحوال التي تنجح فيها مستحضر جوز القيء أعني لين النخاع إلى شلل النصف الأسفل ، فعالج مريضين مصابين بذلك فشفى واحد منها وحصل لكل منهما في الساقين والفخذين اهتزازات شبيهة بما يحصل من الأسزكنوس.

(في مقدار الشيلم ومركباته)

مسحوقه هو أحسن كيفيات استعماله ، وقبل سحقه يجفف في محل دفيء ، ثم يسحق بدون إبقاء فضله ، ولا يستحق إلا عند الحاجة وبالقدر المناسب ، ويحفظ في قنينة جيدة السد ، والمقدار منه من عشرين قمحة إلى أربعين يكرر مرتين إذا احتيج إليه ، وبعبارة أخرى لبعضهم يعطى بمقدار من ست قمحات إلى اثنتي عشرة تكرر من أربع مرات إلى ثمان في اليوم والليلة ، ومنقوعه يصنع بأخذ درهم وثلث لأجل مائة وستين درهما من الماء المغلي ، ويستعمل بالأكواب بين كل كوبين أربع ساعات ، ومطبوخه بهذا المقدار وبتلك الكيفية ، وأما إذا أريد استعماله منقوعا أو مطبوخا فإنه يجرش فقط ، ويصح أن يستعمل بدون خطر مدة يومين أو أربعة ، بل إلى خمسة عشر يوما متعاقبة ، قال سوبيران : ومنقوع المقرن المسمى بشاي القوابل يصنع بأخذ مقدار من مسحوقه من ثلث درهم إلى درهم لأجل مائة وعشرين درهما من الماء المغلي ينفع ذلك ويصفى ، ثم يضاف له عشرون درهما من شراب السكر ، ويستعمل بالملاعق أو يستعمل مرتين ، قال بوشرده : إنما يستعمل المقرن منقوعا أو مطبوخا إذا كانت المعدة مريضة فإن كانت سليمة فالمختار المسحوق الجديد والممزوج الولادي لجوبيل يصنع بأخذ درهم ونصف من مسحوق الجوهر وخمسة عشر من شراب السكر ، وثلاث نقط من روح النعنع يمزج ذلك ويحرك عن كل استعمال ، ويستعمل منه ملعقة في كل عشر دقائق وممزوج (دفير) يصنع بأخذ ثلثي درهم من مسحوقه وأربعة دراهم من السكر ، وثلاثة دراهم من ماء القرفة يمزج ذلك ، ويستعمل على ثلاث مرات بين كل مرتين عشر دقائق لأجل تنبيه الانقباضات الرحمية وقت الولادة إذا كان العنق متسعا اتساعا كافيا ، وخلاصة المقرن تصنع بأخذ المقدار المراد منه ، ويعالج بالماء البارد في جهاز الغسل الخلوي ، ثم يبخر على حمام مارية حتى يكون في قوام الخلاصة ، فالمقرن يحصل منه خمس وزنه خلاصة موقفة للنزف ، وليست مسمة أصلا ؛ لأنها تكاد لا تحتوي على شيء من الزيت ، ويستعمل على شكل جرعات أو حبوب بمقدار ثلث درهم ، والجرعة الموقفة للدن تصنع بأخذ درهم وثلث من خلاصته وخمسة وثلاثين درهما من ماء مقطر القرفة ، وأربعة دراهم من شراب

٢٨٣

الخشخاش ، وثمانية من شراب السكر يستعمل ذلك بالملاعق في كل نصف ساعة ، والماء الموقف للنزيف يصنع بأخذ ثلاثين درهما من مكسر المقرن ، ومائة وخمسين درهما من الماء المغلي يعالج ذلك في الجهاز الغسل القلوي ، ثم يضاف له بعد التصفية بالمرشح خمسة دراهم من مغلي قشر الليمون ، ويستعمل وضعا كواسطة قوية مضادة للنزيف ، وحبوب الأرجوت تصنع بأخذ ثلثي درهم من مسحوقه الجديد ونصف قمحة من خلاصة الأفيون ، ومقدار كاف من شراب الصمغ يمزج ذلك ويعمل ست حبوب يستعمل منها حبتان كل يوم في الليقورية أي السائل الأبيض ، والممزوج المناسب لعلاج الشلل للطبيب بيان يصنع بأخذ ثلث درهم من الأرجوت ومائة وخمسين درهما من الماء المغلي ينفع ذلك ويضاف له شراب بسيط ، والمقدار منه خمسة دراهم تستعمل مدة النهار في مرتين ، واستعمل بيان المذكور هذا المنقوع علاجا للشلل في الأطراف السفلى ، وهو نافع أيضا في شلل المثانة والمستقيم ، ويصح ازدياد مقدار الشيلم إلى ثلثي درهم ، وجرعة الشيلم المقرن لبودان تصنع بأخذ قمحتين من الأرجوت ، وعشرين درهما من الماء يستعمل ذلك في ثلاث مرات علاجا للإسهال المزمن المصاحب لضعف المستقيم ، وكذا في شلل المستقيم أو فتوره وفي شلل المثانة ولأجل اندفاع بعض حصيات مثانية أو حالبية ، وفي ضعف الأطراف السفلى وشللها ، وأمر بودان أيضا بربع حقنة منه بذلك المقدار نفسه ، والحقنة الولادية تصنع بأخذ ثلاثة دراهم من الجوهر تنفع مدة عشر دقائق في مائة درهم من الماء وتصفى.

(أرجوتين)

أما أرجوتين جبره هذا المؤلف بعلاج الشيلم المقرن بالأيتير لأجل إزالة المواد الشحمية ، ثم يعالج بالكؤل المغلي ثم يبخر ويغسل بالماء ، فالارجوتين يبقى غير ذائب ، وهو مسحوق محمر رائحته مغثية ، وطعمه مر قليل الحرافة وليس حمضيا ولا قلويا ولا يذوب في الماء ويذوب في الحمض الخلي ، ويعتبره محضره الجزء الفعال للمقرن وإعطاءه بمقدار عشر قمحة فوجد ذلك كافيا لإحداث عوارض مهلكة ، ولكن على يد بنجان لم ينتج شيء من الظاهرات العظيمة في الحيوانات حتى بمقدار واحد وربع حتى إنه جربه بنفسه فلم يحصل له عرض نهايته بعض حرافة في الحلق ، وعلم من تجريبات (بالورا) أنه ينتج بطء عظيم في النبض ، واستعمل تلميد الأقرباذيني لمصاب بضخامة البطن الأيسر للقلب عشر قمحات منه فأرخى نبضه بعد أن كان صلبا ممتلئا ونزلت ضرباته بعد الكمية الأولى من سبع وستين ، إلى إحدى وستين وبعد الكمية الثانية نقصت الضربات وهبطت القوى ، وبعد الكمية الثالثة التي كانت ثلاث قمحات كانت النتائج أعظم ونزل النبض إلى ست وأربعين ، وصار الشخص

٢٨٤

ضعيفا منتقعا متغيرا ، وأما أرجوتين بنجان فيحضر كما قال بوشرده : بالغسل القلوي ما في مسحوقه المقرن ، ويسخن على حمام مارية ذلك المحلول المائي فيفعل الحرارة تارة يتجمد هذا المحلول بسبب وجود كمية من الزلال وتارة لا يتجمد ففي الحالة الأولى يفصل الجزء المتجمد بالترشيح ويركز السائل المرشح على حمام مارية حتى يكون في قوام الشراب ثم يضاف له مقدار مفرط من الكؤل الذي يرسب جميع المواد الصمغية ، ويترك المخلوط ساكنا حتى يرسب جميع الصمغ ، ويصير السائل صافيا شفافا رائقا ، ثم يصفى السائل ليعاد ثانيا لحمام مارية حتى يكون في قوام الخلاصة الرخوة ، وفي الحالة الثانية يوصل مباشرة بالسائل المائي لحالة نصف شرابي ، ثم يعالج بالكؤل كما قلنا لتنال من ذلك خلاصة ، ثم تغسل بالماء وتعاد للتبخير ، فإذا فعل ذلك نيلت خلاصة رخوة حمراء مسمرة شديدة التجانس رائحتها مقبولة كرائحة اللحم المشوي ، وطعمها فيه بعض لذع ومرارة يشبه كثيرا أو قليلا طعم القمح الفاسد ، ويتكون منها مع الماء محلول جميل الحمرة صاف شفاف ومائة وستة وستون درهما من المقرن تجهز مقدار من الخلاصة من ثلاثة وعشرين درهما إلى ستة وعشرين درهما من ، والتجريبات التي فعلها هذا الطبيب على الحيوانات أثبتت عنده أن هذه الخلاصة هي التي فيها خاصية إيقاف الدم ، وجربها في ذلك كثيرون من الأطباء في البشر ، وسيما الأنزفة الرحمية ، وألزم أرباب المجمع الأقراباذيني جملة من الأطباء بإعادة تلك التجريبات ، فأكدوا أنها سكنت العوارض النزيفية ، بل قطعتها بالكلية في أكثر الأحوال ، وأعاد بنجان تجريباته واستعملها في أنواع من الأنزفة كالأرعفة ونفث الدم وقيء الدم وبول الدم ، وأعطاها مع نجاح كان غير مؤلم في حالة من السيلان المنوي ، وكذا لمريض بقيء شاق استعصى على الأدوية الأخر فزعم أن هذا الدواء نجح في جميع تلك الأحوال ، وقال أيضا : إنه يصح إعطاؤه في جميع الأحوال التي يحكم بمناسبة الشيلم المقرن فيها ما عدا الحالة التي يراد التأثير فيها على المجموع العصبي ، ثم استعمله أخيرا أرنال في الآفات المزمنة في الرحم وذكر أنه شفي به ست وثلاثون امرأة بمقدار عشرة قمحات بل بمقدار عشرين في كل يوم أي بمقدار لا يوجد إلا في ثمانية جرامات أي درهمين وكسور من المقرن ، وأما النتائج التي أنتجها هذا الدواء عنده فتختلف كثيرا فباستعمال ست قمحات أو ثمانية حصل لبعضهن أوجاع بطنية وقطنية شبيهة بالأوجاع التي تسبق الحيض ، واعتبرها المعلم أرنال علامة جيدة للنجاح وتظهر فجأة كالبرق ثم تنقطع دفعة ثم تظهر ثانيا وأحيانا بشدة بحيث اضطر لأن يضم مع الدواء جواهر مختلفة ولكن لا تظهر هذه النتائج إلا في بعض النساء ولا تزيد بازدياد المقدار وتختلف أزمنة ظهورها فتارة بعد ساعة ، وتارة أكثر ، وقد تنقطع أياما كاملة مع عدم انقطاع استعمال الدواء ، وأما من جهة الأعضاء الأخر كالمجموع العصبي مثلا فلم تظهر ظاهرات قريبة متعلقة بها فلم يشاهد

٢٨٥

اضطراب ، ولا تقلص ولا حركات تشنجية ، ولا سهر ولا نعاس ، وحصل لمريضة واحدة تنميل في يديها ورجليها وست منهن استشعر بوجع عميق شاق في الجزء الخلفي من الرأس والعنق ، وأما النبض فبحث فيه في أوقات مختلفة من النهار فلم يوجد فرق إلا في مريضتين كانت ضربات القلب فيهم أقوى منها قبل العلاج والأعضاء الهضمية لم يحصل لها انخرام كبير فالشهية بقيت محفوظة وكان الهضم مستداما والبراز لم يزد مقداره ولم يحصل شيء في حشاشية البطن ولا في البول بل كان في بعضهن أمراض وتنوعت بالدواء تنوعا حميدا فمنهن من كانت مكدرة بألم معدي شاق وأخرى بقراقر وأخرى باستسقاء طبلي مؤلم وأخرى بسلس بول موضعي ، وجميع هذه الأمراض زالت أو حسنت حالتها من تأثير الأرجوتين ، فبمقتضى ذلك يكون هذا الدواء أولا : في الأنزفة ، وثانيا : في احتقانات عنق الرحم وثالثا : في بعض الأوجاع المعدية والمعوية ورابعا : في بعض أحوال من سلس البول ، وأما الطبيب سيه بفتح السين فأعاد تلك التجريبات في مرض ، فلم ينل من ذلك نتائج واضحة مثل ما نال بنجان ، قال توروسو : فنرى على حسب مشاهداته أن النزيف تنوع حالا بعد المقدار الأول أو الثاني في أغلب المرضى اللاتي كان معهن نفث الدم أو متروراجيا أو أنزفة أخر ، ثم وقف فيهن النزيف الذي كان كثير ، ولم يرجع مدة استدامة تعاطي الدواء ، وأما النزيف الذي لم يحصل فيه التنوع ولم يكن نسبة ذلك لمزاج المرضى ولا لأمراضهن ، فإن السيلان ينقص نحو النصف في العادة ، ويظهر أن الدواء يفقد تأثيره على الأنزفة الخفيفة التي كان القدماء يسمونها بالنقطية أو الدمعية ؛ لأن انقطاعها التام يتعوق جدا ، وسيما نفث الدم إذ منها ما لا ينقطع إلا بعد ثلاثة أيام بل خمسة بمساعدة درهمين أو درهمين ونصف من الخلاصة ، وهناك مثال أوضح من ذلك ، وهو بول دم خفيف بقي بدون انقطاع مع استعمال المقادير التدريجية المعارضة له ، وأما الأنزفة فإنها تنقطع في زمن قصير مثل ثمان وعشرين ساعة إلى أربعين بمساعدة مقدار من نصف درهم إلى درهم ومتى انته النزيف سواء قطع التداوي أو لم يقطع فإن السيلان قد ينتج ثانيا في بعض الأحوال بعد أربعة أيام ، وذلك يحصل كثيرا في نفث الدم الذي يرجع كثيرا بعد انقطاعه ، ولكن رجوعه إنما يكون بمقدار يسر من الدم في مرة واحدة ، قال توروسو : ونظن أن ذلك أقل وضوحا في الأنزفة التي لم تنوع إلا فيما بعد ، ولكن انقطعت منهن عند التنوع الأول ، وتأثير الأرجوتين على الدورة واضح ففي جميع المرضى ما عدا حالة النزيف المعوي يكابد النبض من الكميات الأول من الدواء أعني بعد ثلاث قمحات على ثمانية منه بطء يختلف من ست ضربات إلى ست وثلاثين وربما كان ذلك البطء أوضح إذا كان مع المرض تواتر في الدورة بدون أن ترتبط تلك الحالة بسبب عقلي فإذا دووم أو زيد تدريجيا أو نقول وهو الأحسن إذا ثنى المقدار أو ثلث فإن البطء يكون أوضح مما كان أولا ، وأما تأثير الدواء على الوظائف

٢٨٦

العصبية أو على الرحم في حالة الفراغ فلم يتيسر للطبيب سيه تأكيد الاهتمام به وقد اختصر هذا المؤلف ما أكده من كيفية تأثير هذا الجوهر حيث قال : فأولا تنوع دائم الوجود وقريب غالبا ، ولكنه وقتي فيندر جدا أن يحصل شفاء قطعي للنزيف.

(وثانيا) : غيبوبة تامة لكل تأثير فعال على الأجهزة المختلفة العضوية ما عدا المجموع الدوري والعصبي هذا الأخير لا يتنوع إلا تنوعا وقتيا عارضيا.

(وثالثا) : يحصل في الدورة تغيير عميق دائم ، لا في حالة الصحة ، فقط بل كذلك أيضا في أحوال الضخامة بحيث إن التجربة توصل إلى استعمال هذا الدواء كتابع للديجتال في آفات القلب.

(في المقدار وكيفية الاستعمال)

يصح أن يعضي الأرجوتين جرعة أو حبوبا بمقدار من خمس عشرة قمحة إلى درهم جملة أيام متتابعة ، ومن تراكيبه جرعة تصنع بأخذ ثمان عشرة قمحة منه وخمسة وثلاثين درهما من الماء ، وعشرين درهما من شراب زهر النارنج يعمل ذلك جرعة حسب الصناعة تستعمل ملاعق في النهار لأجل النزيف ، وبفترة ربع ساعة في حالة خمود الرحم حتى أن الأوجاع الدافعة تتمم الولادة ، فإذا كان المراد علاج أنزفة صاعقية كالتي تعرض بعد الولادة لزم أن تكون الجرعة محتوية على مقدار من الأرجوتين من درهم إلى درهمين ، ويستعمل ذلك بالملاعق مع فترات قصيرة بينها ، وشراب الأرجوتين يصنع بأخذ درهمين ونصف منه وعشرة دراهم من زهر النارنج ، ومائة وستة وستين من شراب بسيط يغلي الشراب ويضاف له المحلول فينال بذلك مقدار الشراب ، تحتوي كل عشرة منه على عشرة قمحات من الأرجوتين ، فالمقدار من هذا الشراب من معلقتين إلى أربع في اليوم ويزاد المقدار أو يقلل على حسب ما يستدعيه الحال ، وحبوب الأرجوتين تصنع بأخذ درهم وثلث منه ومقدار كاف من مسحوق السوس تعمل ستين حبة ويمكن استعمالها بمقدار من ست حبات إلى عشر في اليوم واستعمل ذلك الطبيب ارنال علاجا للآفات المزمنة في الرحم ، وحبوب القروح القوباوية الرحمية لارنال تصنع بأخذ ست قمحات من الخلاصة المائية للمقرن واثنتي عشرة قمحة من يودود الكبريت تعمل حسب الصناعة أربع قمحات تستعمل في أحوال تقرحات عنق الرحم التي قوباوية ، وحبوب القونيون والأرجون لأرنال تصنع بأخذ ست قمحات من الخلاصة المائية للمقرن ، وأربع قمحات من خلاصة القونيون يعمل ذلك أربع حبوب تستعمل في يومين ، ثم في يوم واحد لمقاومة الأوجاع المعوية التي تصحب أحيانا استعمال المقرن ، وحبوب الأرجوت ويودور الحديد تصنع بأخذ أربع قمحات من كل من يودور الحديد

٢٨٧

وخلاصة الأرجوت ، ويعمل ذلك حسب الصناعة أربع قمحات تستعمل في النهار للنساء المصابات بالخلوروز ، وللنساء اللينفاويات المنتزحات من النزلة الرحمية.

(مقالة مهمة

في قوله تعالى : (وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحانُ (١٢)) [الرّحمن : الآية ١٢])

اقتصر من الأشجار على النخل لأنها أعظمها ، ودخل في الحب القمح والشعير ، وكل حب يقتات به ، وقد بينا أنه أخره في الذكر على سبيل الارتقاء درجة فدرجة فالحبوب أنفع من النخل وأعم وجودا في الأماكن ، وقوله تعالى : (ذُو الْعَصْفِ) [الرّحمن : الآية ١٢].

فيه وجوه :

(أحدها) : التبن لعموم النباتات الذي تنتفع به دوابنا التي خلقت لنا.

(ثانيها) : أوراق النبات الذي له ساق خارجة من جوانبها كأوراق السنبلة من أعلاها إلى أسفلها.

(ثالثها) : العصف هو ورق ما يؤكل قوله : (وَالرَّيْحانُ) [الرّحمن : الآية ١٢]. فيه وجوه : قيل : ما يشم. وقيل : الورق. وقيل : هو الريحان وما يشتبه به. كما قال تعالى : (مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ) [الأنعام : الآية ٩٩]. وينفع في الأدوية والأظهر أنه رأسها كالزهر وهو أصل وجود المقصود فإن ذلك الزهر يتكون بذلك الحب ويعقد إلى أن يدرك ، فالعصف إشارة إلى ذلك الورق والريحان إلى ذلك الزهر وإنما ذكرهما لأنهما يؤولان إلى أن المقصود من أحدهما علف الدواب ومن الآخر دواء الإنسان ، وقرئ (الريحان) بالجر معطوفا على العصف وبالرفع عطفا على الحب ، وهذا يحتمل وجهين :

(أحدهما) : أن يكون المراد من الريحان المشموم فيكون أمرا مغايرا للحب فيعطف عليه.

(والثاني) : أن يكون التقدير ذو الريحان بحذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه كما في : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : الآية ٨٢]. وهذا مناسب للمعنى الذي ذكرناه ، ليكون الريحان الذي ختم به أنواع النعم الأرضية أعز وأشرف ، فذلك أردنا أن نقدم لك أنواع الريحان وما وضع الله سبحانه وتعالى فيه من الخواص الدوائية والمنافع وسنوردها عليك واحدا بعد واحد ، وهذه النباتات تسميها الأطباء بالنباتات الشفوية.

٢٨٨

(في بيان النباتات الشفوية)

سميت بذلك بسبب الشكل الظاهر لنباتاتها حيث يظهر فيها ما يشبه الشفتين ؛ لأن تويجها وحيد الهدب أنبوبي غير منتظم تنقسم حافته إلى شفتين عليا وسفلى ونباتاتها حشيشية سنوية أو معمرة ، ويندر كونها شجيرة أو تحت شجيرات وأجناسها عديدة ، ولذلك انقسمت إلى أقسام : (القسم الأول) : ما فيه ذكران فقط : (والقسم الثاني) : ما فيه أربعة ذكور وتويجه إما وحيد الشفة وإما ثنائي الشفة ، وفيه ثلاثة أقسام ثانوية ، فكما توجد مشابهة قاطعة بين نباتاتها في الصفات النباتية والطبيعة توجد كذلك مشابهة بينها في تركيبها الكيماوي وخواصها الدوائية ، وذلك لأنها عظيمة الاعتبار برائحتها القوية النفاذة التي سميت النباتات بها عطرية في أعلى درجة ، وتلك القاعدة المريحة العطرية ناشئة من دهن طيار عطري شبيه بالكافور منفرز بكثرة من غدد كثيرة توجد في معظم أجزاء هذه النباتات ، فتنشق تلك الغدد من ذاتها أو بواسطة الاحتكام فينتشر دهنا في الجو فيتعطر الهواء ، فاذا كان الجو محتويا على ماء خالص انضمت جزئيات الدهن بالجزئيات المائية فتبقى بمساعدة هذا الحامل ممسوكة معلقة في الجو بل كثيرا ما تنتشر في مسافات كثيرة واسعة وتكون بحالة بحيث تؤثر على عضو الشم ولذلك تجد رائحة أزهار البساتين الخارجة عن المدن أقوى حساسية في الصباح والمساء منها في وسط النهار وإفراز هذا الدهن يحصل بقوة عظيمة إذا كان الهواء الجوي جافا حار أي في حرارة شديدة ، ويبطئ هذا الإفراز ويقل في حالة الرطوبة ، وسيما إذا كانت درجة حرارة الهواء منخفضة ، وهذا الدهن يكون أكثر وأنضج وأكمل في البلاد الجنوبية منه في البلاد الشمالية ، وظن بعضهم أن هذا الدهن كافور في بعض الأنواع كالخزامى والسعتر والمرزنجوش ، وإكليل الجبل ، ولكن يظهر أنه يختلف عن الكافور ، لأنه لا يتكون منه ، ويوجد في تلك النباتات قاعدة ثابتة وهي مادة صمغية راتنجية هي التي تعطيها الطعم المر ، وتكون أحيانا واضحة جدا قال المعلم بربيير : وعلى حسب سلطنة إحدى هاتين القاعدتين تختلف خواص تلك النباتات. فإذا كان الدهن الطيار هو المتسلطن كانت النباتات عطرية منبهة منتشرة بحيث تحمل لجميع البنية تنبها عاما وقوة وفاعلية قليلة الثبات والدوام ، ولكن تنشر أحيانا لجميع الأجهزة العضوية بدون اختلاف ، وأحيانا يتوجه فعلها على الخصوص لجهاز عضو مخصوص ، ولذلك نرى منها ما يكون مدرا للطمث أو معرقا أو مضادا للتشنج أو غير ذلك ، ويوجد في هذا القسم أغلب أجناس هذه الفصيلة ، وسيما المريمية والسعتر والحاشا والباذرنجوية والخزامى وإكليل الجبل والنعنع وغير ذلك ، فإذا كانت القاعدة العطرية ضعيفة جدا ، وتسلطنت القاعدة المرة ، تغيرت الخواص وصارت النباتات أدوية مقوية فقط ، ويكون

٢٨٩

تأثيرها على المعدة بطيئا أقل شدة ، ولكن أكثر استدامة ، وذلك هو ما يفعله جنس صفريون ، وسيما كمادرس وكما فيطوس وسقورديون ونحوها ، وقد تكون هاتان القاعدتين مجتمعتين على التساوي في كثير من تلك النباتات فتؤثران معا في البنية وهذا تنويع لطيف ، وتنويع توروسو أقعد من ذلك وملخص كلامه أن من تلك النباتات ما تكون فاعليته من الدهن الطيار ، فتكون نتائجه العلاجية بسيطة أي مقصورة على حدود مداواة واحدة ، ويشهد لذلك دائما لدلالاتها التي تتمها ، ومنها وهو الأكثر ما يحتوي على جزء عظيم من كافور محلول في الدهن الطيار الذي هو القاعدة الموجودة في نباتات الفصيلة كلها ، فوجود هذا الكافور في تلك النباتات يطبع فيها صفات علاجية مخصوصة ، ومنها ما يكون فيه مع دهنه الطيار مقدار كبير من قاعدة مرة واضحة وليس فيه كافور واضح ، ولذا يكون لتلك النباتات زيادة عن خواص الدهن الطيار العطري تأثير مخصوص من جنس تأثير الجواهر المرة ، وهناك نباتات شفوية قوية التأثير جدا يجتمع فيها الدهن الطيار مع عطريته وخواصه العصبية والكافور مع خواصه المضادة للتشنج والمسكنة والقاعدة المرة مع قوتها المقوية والمشددة ويظهر أن تأثيرها العلاجي ناتج من اتحاد جميع هذه القواعد ببعضها فتجتمع فيها القوى المتفرقة في غيرها من النباتات الشفوية بحيث تقوم مقامها في الاستعمال.

(والقسم الأول) : العلاجي من ذلك النباتات تكون فيه المليسا أي الباذرنجوية هي أم الباب فتكون نتائجها من الدهن الطيار الغير المخلوط بغيره من القواعد الدوائية.

(والقسم الثاني) : يكون في أوله النعنع فيكون أنفع من غيره في مضادات التشنج.

(والقسم الثالث) : يكون في أوله الكمادرس والفراسيون والعليق الأرضي ، واذا عرضت خواص المريمية ذكر النباتات الشفوية لقسم رابع فغير نافع أي مستغنى عنه ، وقد علم مما ذكر أن النباتات الشفوية تؤثر تأثيرا قويا على الأجزاء الحية التي تلامسها وأغلبها يحمر الجلد إذا طال مكثها عليه زمنا ما وعطرية قواعدها الطيارة تؤثر على عضو الشم كتأثير مسحوقها إذا وضع عليه فتحرض عطاسا ، وتحدث مع ذلك تنبها في السطح الشيمي يسعى للمخ ويسبب نموا وقتيا في حيوية الجهاز المخي فيظهر ازدياد في القوى الطبيعة والآدابية وبعض تلك النباتات يكون له طعم لذاع ، وهذه تسخن بل تهيج باطن القسم تهيجا خفيفا برهيا يبعد أن يكون كريها بل قد يكون فيه بعض جودة ، وبعضها يكون فيه مرارة قوية ، ففي النباتات الأول نجد أصل القوة المنبهة ، وأما المرة فتأثيرها أبسط من تأثيرها في النباتات الأول ، ويوجد في التغيرات العضوية الناشئة منها ما يفيد بعض تقوية النباتات الشفوية التي لها طعم لذاع يتصاعد منها مع ذلك رائحة ذكية ولذلك تدخل في المطابخ لتعديل نقاهة المواد

٢٩٠

الغذائية ، وتتبيل المآكل المستعملة على الموائد ، فكما تلذذ الفم تنبه المعدة وتوقظ قواها الهضمية ، وثبت بالتجريبات الصحية أن النباتات الشفوية التي اجتمعت فيها خواص التنبيه والتقوية تؤثر تأثيرا خاصا على الجهاز التنفسي حيث توصل له تنبها مناسبا ، ولذا يستعمل مع النفع منقوع الزوفا والعليق الأرضي ونحوها في النزلات الرئوية المزمنة إذا زال التهيج ولم يبق الإسعال مستعصيا غالبا متعب متسبب عن المواد المخاطية المقيمة في الشعب ونقول بالاختصار كما قال المعلم ريشار : ليس شيء من النباتات الشفوية خطرا بل كلها عطرية منبهة أو مرة مقوية ، وتستعمل في العادة الأوراق ، والأطراف المزهرة لتلك النباتات فيحضر منها في الغالب منقوعات شائبة تصنع بأخذ درهمين من النبات لمائة درهم من الماء المغلي ، وعصارة تلك النبات قليلة الاستعمال وتحتوي على قليل من الماء فلذلك إذا أريد دقها يضاف لها منه ثم تنقى العصارة بالترشيح ، ويستعمل كثير من ماء مقطر تلك النباتات وهي شديدة العطرية مغليات وخلاصات وأدهانا طيارة وغير ذلك.

(النعنع)

يسمى بالإفرنجي منت وباللطينية منتا بفتح الميم وسكون النون ثم تاء مثناة آخره ، وقد جعل هذا الاسم جنسا من الفصيلة الشفوية يحتوي على أنواع ، وصفاته أن الكأس أنبوي قريب للأسطوانية ذو خمسة أسنان حادة والشفتان العلويتان أصغر من غيرهما ، والتويج قمعي الشكل أطول بقليل من الكأس ، وذو أربعة فصوص حادة قريبة للتساوي ، والذكور أربعة ذوات قوتين ومتباعدة عن بعضها ، وتكاد لا تجاوز أنبوبته التويج والمهبل دقيق خيطي الشكل بارز خارج التويج ومنته بفرج ثنائي التشقق فيشاهد أن هذا الجنس عظيم الاعتبار بالانتظام الظاهر لمحيطه الزهري وإنما قلنا بالانتظام الظاهر ؛ لأنه يوجد دائما فصا متصفان بعدم التساوي قليلا مع غيرهما ، وذلك يلزمه عدم التساوي أيضا في الذكور ويفيد أن هذا الجنس غير منثن بالنظر لذلك من الصفات العامة لهذا النبات ، والنباتات النعنعية تسهل معرفتها أيضا بتزهرها فإن أزهاها مهيأة بهيئة إحاطية متكاثفة جدا ، أو إبطية أو بهيئة سنبلية ، وجميع أجزاء النباتات تتصاعد منها رائحة نفاذة مقبولة غالبا ، وناشئة في وجود مقدار كبير من دهن طيار ، والأنواع النعنعية كثيرة تزيد عن ستين نوعا ، ولكن كثيرا ما يعتبرون الأصناف أنواعا ، وأغلبها يألف المحال الرطبة المظللة من البلاد الجنوبية ، ويوجد منها أنواع بمصر والهند الشرقي ، ويمكن أن يعد من أنواعه التي لها استعمال مشهور في الطب سبعة أنواع :

(النوع الأول النعناع الغلغلي)

هو أعظم الأنواع ، يسمى باللسان النباتي عند المعلم كميت منتاببيرينا ، ومعناه ما ذكر.

٢٩١

(في صفاته النباتية)

الساق رباعية الزوايا قائمة متفرعة تعلو من قدم إلى قدمين وزغبية قليلا ، والفروع متقابلة قائمة والأوراق بيضاوية سهمية حادة مسننة تسنينا منشاريا وزغبية قليلا ، ومحمولة على ذنيب قصير قنوي ، والأزهار بنفسجية يتكون منها سنبلة قصيرة بيضاوية ملززة في طرف الأغصان ، وتلك الأزهار التي لها حوامل قصيرة يقوم منها عناقيد مركبة من نحو عشرين زهرة ، والكأس أنبوبي قريب للأسطوانية منتظم ذو خمسة أسنان ، والثنتان العلويتان منها أصغر من غيرهما بقليل ، والتويج قمعي الشكل ذو أربعة أقسام تقرب للتساوي ، وأنبوبته أسطوانية متسعة من الأعلى ، وطولها كالكأس ، والحافة ذات أربعة فصوص وطولها كذلك ، والفص الأعلى أطول قليلا ومقور يسيرا ، والذكور ذوات قوتين ومتباعدة عن بعضها ولا تجاوز كثيرا أنبوبة التويج والمهبل رقيق خيطي الشكل بارز خارج التويج ومنته بفرج ثنائي التشقق.

(النوع الثاني النعنع الأخضر)

المسمى بالبلسم الأخضر ، والنعنع الرومي ، والنعنع السنبلي ، ويسمى باللسان النباتي منتا ويريدس أي الأخضر.

(في صفاته النباتية)

ساقه مربعة تكاد تكون بسيطة زغبية القمة تعلو نحو قدم ، والأوراق عديمة الذنيب خضر خالية من الزغب مسننة تسنينا منشاريا غير منتظم سهمية بيضاوية منتهية بطرف حاد ، والأزهار إحاطية وحويملاتها خالية من الزغب ككأس أيضا ، وهي شكل سنابل مستطيلة ، والذكور أطول بيسير من التويج ، والوريقات الزهرية دقيقة قصيرة هدبية مكرشة فيها بعض خشونة ، والأزهار محمرة ، ويوجد ، هذا النوع في الأماكن الجافة.

(النوع الثالث النعنع المجعد)

المسمى باللسان النباتي (منتا كرسيا) ومعناه ما ذكر.

(في صفاته النباتية)

أوراقه قلبية الشكل مسننة متموجة عديمة الذنيب ، والأزهار كرأس مستدير ، والكأس كثير الزغبية وأسنانه تقرب لمساواة أهداب التويج ، والذكور أطول من التويج ويصح اعتبار هذا النوع صنفا من النوع الآتي الذي هو كثير الوجود بخلاف هذا فإنه نادر.

٢٩٢

(النوع الرابع النعنع المكرش)

يسمى أيضا بما معناه نعنع المقابر ، ونعنع الآجام ، والمستدير الأوراق ، وهو معنى اسمه النباتي مانتاروتند فوليا.

(في صفاته النباتية)

ساقه بسيطة مربعة زغبية سنجابية وجميع أجزاء النبات والأوراق ثخينة معانقة للساق بيضاوية باستدارة أو تقرب للشكل القلبي ، ومكرشة سفينية زغبية وسيما من الأعلى حيث تكون أكثر بياضا ، وهي عديمة الذنيب والأزهار الإحاطية يتكون منها سنابل انتهائية مستطيلة تتباعد عن بعضها كلما امتدت ، والذكور أطول من التويج ، والوريقات الزهرية سهمية قصيرة هدبية ، والأزهار محمولة على حويملات قصيرة فيها بعض وبر قائم لا زغب فهي غير زغبية كالكأس ، والأزهار بيض وردية ، ويوجد هذا النبات في المحال الرطبة.

(النوع الخامس مشكطرا مئيغ)

نوع من الفوتنج عند العرب ، ويسمى بالإفرنجية بوليوت وباللطينية بولجيوم ، ويصح أن نقول في تقريبها فويفوم وهو الذي يقال في كتب العرب إن اسمه اليوناني غليجن ويقال إن غليجن اسم للفوتنج ، ومنه غليجن اغريا وهو المشكطرا مئير ، وهو الفوتنج الجبلي كذا في المنهج المنير في أسماء العقاقير ، ويقال : إنما سمي بوليجوم لأن رائحته تطرد البراغيث التي تسمى بولكس أو يقال قلولكس ، وتلك خاصية مشكوك فيها ، وإن ذكرها بيليناس كما تطرد أيضا سوس القمح وإذا كان هذا صحيحا كان متميزا من غيره من الأنواع ، ولذا كان القدماء يعلقونه في المحال التي يحفظون فيها اللحم لأجل طرد الذباب عنه كما يصنعون تيجانا للتحرس من الدوار والغشى ونحو ذلك ، وهو يسمى باللسان النباتي منتا بولجيوم أو فولينوم.

(في صفاته النباتية)

ساقه خشبية زاحفة مستديرة نائمة من قاعدتها ودقيقة متفرعة قليلا زغبية ، طولها قدم ، وأكثر الأوراق صغيرة بيضاوية كاملة غالبا تكاد تكون عديمة الذنيب وعديمة الزغبية ، وهي منفرجة الزاوية ، والأزهار إحاطية كثيرة العدد ، والكأس دقيق زغبي كحوامل الأزهار مسدود بشعر في مدة نضج الأزهار ، والتويج ليس فصه العلوي مشقوقا والذكور بارزة وتلك الأزهار وردية ، ويوجد هذا النوع في الأماكن الرطبة وشواطئ بعض الأنهر ولهذا النوع شهرة كبيرة في إدرار الطمث إذا أخذ منقوعه ، وقال المتقدمون : المشكطرا مئيغ ويقال : مشكطرا وقد تبدل

٢٩٣

الراء عينا مهملا وهو اسم نبطي وقيل : فهلوي وهو الفوتنج البستي الذي هو نوع من الفوتنج الجبلي ، وأطباء الشام والروم يستعملونه وكأنه النوع الأبيض من الهيوفار فاريقون وهو غلط منهم وذلك النوع إذا مضغت أوراقه وهي رطبة خرج منها ماء أحمر كالدم ، ولذا يقول أطباء العراق والشام : إن المشكطرا مئيغ إذا رعته الغنم حلبت دما أي لانصباغ لبنها بمائه لا أنه دم حقيقي ، ثم قال ابن البيطار : ومنه يعرف بالكاذب يوجد بحماة من أرض الشام إذا حركت شيئا من أوراقه أدى إليك رائحة الفوتنج المعروف بحبق التمساح ، وهو مفترش على الأرض وله زهر صغير أحمر قان ، وينبت في العمارات والحروث والجبل ، قال : ورأيت نوعا ثالثا بالرها وهو أكبر من الذي ينبت بأرض حماة انته.

وقالوا في شرح المشكطرا مئيغ في مبحث الفوتنج إنه فوتنج جبلي له ورق ناعم فيه زغب وإذا جف أشبه الريحان اليابس ، وأقواه المائل إلى صفرة وحمرة ، وقال في كتاب ما لا يسع : هناك صنف يسمى مشكطرا مئيغ زور وهو أصغر مما قبله ، وله ، ورق لا زغب له ويفعل كفعله ، لكن بضعف ، ومنه صنف له أوراق دقاق طوال ملس ، وهو أسود طيب الرائحة حادها يميل للصفرة وهو أضعف الكل.

(النوع السادس النعنع البري)

يسمى باللسان النباتي سلوستريس ومعنا ما ذكر.

(في صفاته النباتية)

ساقه رباعية الزوايا زغبية بيضية كجميع أجزاء النبات قائمة فيها بعض تفرع ، وتعلو نحو قدم ، والأوراق بيضاوية سهمية عديمة الحامل مسننة لا على التساوي تسنينا منشاريا حادة زغبية ، وسيما من الأسفل حيث تكون أكثر بياضا ، والأزهار إحاطية وحويملاتها زغبية كالكأس أيضا ، ويتكون منها جملة سنابل انتهائية تقرب لأن تكون بيضاوية الشكل ، والذكور أطول من التويج ، والوريقات الزهرية طويلة رخوة دقيقة فيها خشونة ، وتلك الأزهار محمرة ، ويوجد هذا النوع في المروج الرطبة.

(النوع السابع النعنع المائي)

المسمى أيضا بلسم الماء وباللسان النباتي منتا اكواتيكا أي المائي.

(في صفاته النباتية)

ساقه مربعة قائمة متفرعة زغبية تعلو قدما ، وأوراقه بيضاوية مستديرة في القاعدة عريضة

٢٩٤

مسننة تسنينا منشاريا زغبية ، وسيما من الأسفل حيث تكون مبيضة وخصوصا في القاعدة ، والأوراق عديمة الذنيب كما في الأخضر والبري والمستدير الأوراق بخلاف غيرها من الأنواع ، فإن الأوراق فيها ذنيبية ، والأزهار حواملها زغبية ، ويتكون منها سنبلة غليظة قصيرة أو رأس مستدير بطيء أو انتهائي ، والكأس محززة ، والذكور بارزة ، والأزهار محمرة ويوجد هذا النوع في الآجام وشواطئ المياه ، وهو كثير الوجود ومعمر.

(النعنع الظريف)

ويسمى باللسان النباتي منتا جنتليس ، ومعناه ما ذكر كما يسمى أيضا بما معناه النعنع البلسمي ، وبلسم البساتين والنعنع العام أي الكثير الوجود ، وساقه قائمة متفرعة قد تقذف جذور من قاعدتها تتثبت بها في الأرض تثبتا جيدا وتلك الساق متينة محمرة مربعة تكاد تكون عديمة الزغب ، وتعلو نحو قدم ، والأوراق خضر متقابلة بيضاوية أو قلبية حادة مسننة تسنينا منشاريا ، وتضيق حتى تنتهي بذنيب قصير مزغب كالوجه السفلى للورقة والأزهار قليلة العدد إحاطية صغيرة جدا موضوعة في الأطراف العليا من تفاريع الساق ومهيأة بهيئة سنابل مستطيلة وحواملها عديمة الزغب والكأس محزز ذو خمسة أسنان حادة مستطيلة ، والتويج ذو أربعة فصوص تقرب للتساوي ، والفص مقور تقويرا قلبيا ، والذكور الأربعة متباعدة عن بعضها ولا تجاوز أنبوبة التويج وهذا النوع ينبت على شواطئ الطرق وهو معمر.

(النعنع المستنبت)

المسمى باللسان النباتي منتا ساتيقا ، ومعناه ما ذكر ، وساقه قائمة ضعيفة متفرعة مربعة زغبية تعلو قدما ، والأوراق بيضاوية مسننة تسنينا منشاريا زغبية تنتهي بذنيب ، والأزهار إحاطية عديدة ، والكأس قصير زغبي ، والحوامل الإحاطية دقيقة عديمة الزغب ، والذكور بارزة والأزهار حمر ويوجد هذا النوع في حفر بعض غابات ، والنوع المسمى منتا شراتا أي الليموني تشم منه رائحة الليمون ، والنوع الذي سماه لينوس منتا سروتيا أي المعمر ينبت غالبا في بروونسه وخواصه كالأنواع السابقة.

(النعنع المجعد)

له عند الأطباء النمساويين ستة أنواع ، وضع لها النباتيون بتلك البلاد أسماء مخصوصة ، ويمكن أن يقال مثل ذلك في البري الذي ليس الأخضر إلا صنفا منه ، والبلاد الحارة يوجد فيها قليل من أنواع النعنع أو أقله أنه يقل معرفة النباتيين لها وإنما المشاهد أن كل محل ينبت فيه

٢٩٥

نوع من أنواع النعنع كثير الاستعمال هنا حتى أنه يعرف بجزائر انتيلة وسيما قوبا نبات معروف هناك باسم بلسم ، واستنبت بالبساتين ، ويستعمل علاجا لدودة القرح بمقدار أربع وعشرون درهما من أوراقه تحول إلى عجينة بالعسل فبعد ست ساعات تخرج الدودة وصيوانه المستدير الأوراق أو الفلفي ونعنع كوك ، قال ميرة : ويمكن تحقيق ذلك بتجربة الأنواع التي عندنا في داء الديدان ، والنوع الذي سماه لينوس منتا أورقولاتا نسبة للأذن يستعمل في الهند حيث ينبت علاجا للصمم ، والنوع الذي سماه لمرك منتا أوسموئيد أي الشبيه بما يسمى أوسموم أي ريحان ينبت بالهند ويستعمل في مدينة ببوشيري مضادا للحمى ، وبالجملة أنواع جنس منتا كثيرة كما عرفت ، ولكن أشهرها معرفة وأكثرها استعمالا في كتب المفردات الطبية كما قال تروسو ثلاثة أنواع : النعنع الفلفلي ، والنعنع المجعد ، والنعنع المسمى بليوت أي مشكطرا مئيغ وأكثر الجميع استعمالا هو الأول أي الفلفلي فهو الأساس العلاجي لجنس منتا.

(في الصفات الطبيعية للنعنع)

طعم النعنع وسيما الفلفي شديد العطرية حار فلفي كافوري لذاع فيه بعض مرارة ، ويبقى في الفم حس برد واضحا مقبولا جدا ورائحته منتشرة جدا ذكية بلسمية شديدة ، ولأجلها أعطى النبات أحيانا اسم بلسم ، وتبقى فيه تلك الخاصية كلها بعد التخفيف أيضا ، وقال الأطباء من قدماء العرب : إذا أريد تجفيفه في الظل فإنه أحفظ لعطريته ولبقاء قوته والنعنع المستدير الأوراق هو كالنعنع الفلفلي إلا أنه لا ينتج حسا واضحا ببرد في العم.

(في الصفات الكيماوية)

يخرج من هذا النبات دهن طيار مصفر اللون يحتوي على كافور يرسب فيه مع الزمن ويحتوي هذا النبات أيضا على راتنج ومادة خلاصية غير أن كمية هاتين القاعدتين قليلة بحيث يكون تأثيرهما في التغيرات العضوية التي تنسب عن استعمال تلك النباتات ضعيفا جدا ، والدهن الطيار في النعنع الفلفلي كثيرا جدا بل تمكن مشاهدته برؤية أوراقه في مقابلة الضوء ، وكمية الكافور فيه غزيزة أيضا بحيث يمكن رسوبه مع الزمن ، وإذا قطر هذا الدهن مع كربونات البوتاس نيل منه كما قال المعلم فيليب مادة قابلة للتبلور شبيهة بالكافور ، وقال ميرة في الذيل : إن الدهن الطيار للنعنع الفلفلي قابل للتبلور فيحصل منه ما يسمى منتسين وقد يسمى استياروتبين الذي كانوا يعتبرونه سابقا ، ويمكن أن ينال ذلك من نوع آخر من أنواع النعنع. اه.

(في النتائج الصحية)

المستحضرات الدوائية المجهزة من النعنع لها رائحة قوية جدا ، وإذا مضغ النعنع قليلا

٢٩٦

حصل منه كما ذكرنا طعم لذاع حار مع مرارة يسيرة ، فإذا وصل مسحوق النبات أو الماء المتحمل لقواعده الفعالة إلى المعدة أثر على السطح المعدي تأثيرا منبها فتظهر الخواص الحيوية فيه ظهورا وقتيا ، ويحس في الباطن بحرارة تكون أشد كلما كانت المعدة أقوى حساسية وأعظم تهيجا ، وثبت من المشاهدات أنه يفتح الشهية ويحدث فاعلية غير اعتيادية في ممارسة الوظائف الهضمية وغير ذلك ، وقد علمت أن سبب هذه النتائج هو التنبه الحادث منه ، فإذا استعمل منه مقدار كبير بحيث نفذت قواعده الفعالة في المجموع الحيواني امتد تأثيره لجميع المجموعات العضوية ويشهد لذلك حالة وظائف الحياة فيصير النبض أسرع والحرارة الحيوانية أعظم شدة ، وإذا انضم لذلك ملازمة السرير والتدثر مثلا استيقظت حيوية الجلد فيكثر التبخير الجلدي ، ولذلك يعدون النعنع من الجوهر المعرقة ، ولما شاهد الأطباء تأثيره في المخ والضفائر العصبية المنسوبة للعصب العظيم الاشتراكي قالوا : إن استعماله يقوي الحافظة ويحد الذهن ، ويفرح النفس ، ويزيل الهم ، وتلك النتائج تكون أقوى وأوضح في النعنع الفلفلي منها في غيره لما عملت أنه يحتوي على مقدار عظيم من الدهن الطيار الكافوري كما يحتوي أيضا جزء يسير من قاعدة قابضة ، فلذا كانت رائحته قوية جدا ، وتأثيره في الفم عند المضغ أشد ، تكون أولا حرارته في اللسان وسقف الحنك ، ثم تمتد لجميع تجويف الفم ثم تتبدل ببرد يزيد إذا فتح الفم أو استنشق الهواء الخارج ، ويظهر أن ذلك إحساس في هذا النوع أو في غيره ناشئ من التصاعد للمواد الموجودة في الفم ، وذلك التأثير المزدوج المتتابع للحر والبرد هو الذي صير أقراص النعنع مقبولة لطيفة ، فإذا استعمل منها جملة كثيرة في مرة واحدة سخنت المعدة وربما آذت الأشخاص الذين فيهم هذا العضو قابل للتهيج ، وكذلك الهدن الطيار لها النعنع شديد الحرافة فإذا كان خالصا سبب تهيجا محرقا في الأغشية المخاطية التي تلامسه وإذا كان مخلوطا بالسكر في القراص فإن فاعليته تنكسر بذلك السكر ، إذا ذاب السكر المشتت لأجزائه السوائل المحوية في المعدة ، فإن شدة حدته ترجع له ، وربما حصل من ذلك ضرر شديد ، وكذلك ماؤه المقطر والذي يدل على سعة تأثيره في الطرق الهضمية والمحال المتهيجة حس احترق يحدث فيها.

(في النتائج الدوائية)

تستعمل النباتات النعنعية مع النجاح إذا صار الهضم المجهز للتغذية ضعيفا أو غير تام بسبب الضعف المادي لأغشية المعدة أو نقص حيويتها وكذا إذا كانت الأغذية تنفذ للأمعاء قبل أن تتحول إلى كيموس وقد تتطلف القولنجات بالنعنع إذا كانت ناشئة من تكدر في الهضم ناتج من الضعف المادي أو الحيوية للمنسوجات المعوية وكذا لقطع الإسهال الناشئ من عدم كمال

٢٩٧

هضم الأغذية في القناة المعدية المعوية وتأثير النعنع على المعدة والأمعاء إنما هو بالتنبيه الذي يسببه فيهما فلذا كان دواء مقويا للمعدة ونافعا لدفع القولنجات والرياح والإسهال ولكان إذا كان في تلك القناة الهضمية تهيج أو التهاب لم يكن استعماله نافعا لأنه يحدث منه عوارض جديدة حينئذ ، قال بربيير : ونتج من المشاهدات أن النعنع نافع من القيء فإذا كان هذا العارض ناشئا من آفة مرضية في المعدة أو من استحالة مرضية سرطانية فيها أو نحو ذلك كان استعماله غير نافع لكن من المعلوم أن القيء ليس دائما ناشئا من آفة في هذا العضو إذا قد يحصل الغثيان والقيء المتكرر الشاق من آفة في المخ والنخاع الفقري أو من تغير في حالة الضفائر العصبية أو من آفة في الرحم أو غيره من الأعضاء بطريق الاشتراك فإذا نجح منقوع النعنع أو ماؤه المقطر في قطع القيء قرب للعقل أنه حصل منه تنوع فجائي في كيفية التأثير الذي فعلته المراكز العصبية في الأعضاء التي حصلت فيها هذه الظاهرة ، وأجمعوا على أن في هذا النبات خاصية إفراز الطمث ففي ذلك نجد أيضا ناتجا جديدا لقوته المنبهة لأن استعماله إذا كان محرضا للطمث فما ذاك إلا بسبب أن قطعه كان من ضعف في جميع الجسم أو في المجموع الرحمي على الخصوص منع تكون الاحتقان الطمثي أو أن الأفعال القوية الحاصلة من الطبيعة لإحداثها الاستفراغ الدوري كانت غير كافية. وذكر بعض الأطباء أن صبغة النعنع إذا استعملت بمقدار كبير حصل منها سيلان الطمث بكثرة زائدة ، وتسبب عنها نزيف رحمي وليس هناك أحد يخالف ما ذكرنا من النتائج الصحية لتلك الصبغة فالتنبه الذي تحدثه في مجموع الرحم ، والانزعاج الذي يتسبب منها في جميع المجموع الشرياني ، والسرعة التي تطبعها في سير الدم جميع ذلك يوضح نتيجتها المشاهدة منها توضيحا كافيا ، وقال توروسو : إن قوة انتشار النعنع وسيما الفلفي صيرته قابلا للاستعمال في أحوال مرضية كثيرة من الأحوال التي مدح فيها استعمال الأيتير والكافور ونخص منها القيء العصبي والوجع المعدي التقليص والقولنجات التي من هذه الطبيعة ، ومجلسها في المراق الأيمن وقسم الكليتين ، ومنقوع النعنع الفلفلي ينجح أيضا نجاحا زائدا في الأحوال التي مدح فيها الجندبادستر ، والكافور مثل الطمث المؤلم العسر الذي يصحبه قشعريرات خفيفة وتمط وتقلصات مختلفة وخصوصا قولنجات رحمية ممزقة ، فذلك المشروب المقبول يحدث حرارة مقسمة تقسيما متساويا قولنجات رحمية ممزقة فذلك المشروب المقبول يحدث حرارة مقسمة تقسما متساويا على الأعضاء فينال من ذلك تعريف خفيف أو فيضان طمثي مع هدوء واستدامة ، والبنات المصابات بالخوروزس ، أي عسر الطمث كثيرا ما يكن موضوعات لأوجاع معدية وسيما بعد الأكل ، ثم فيما بعد الأوجاع معوية شديدة القوة جدا فموقع النعنع المشروب كالشاي يمنع حصول تلك الأوجاع أو يزيلها إذا وجدت ، فإذا استعمل قبل الأكل بزمن ما فإنه يحرض

٢٩٨

حصول الشهية الطبيعية فتستحسن المرضى الأغذية السليمة المعوضة لما فقد منها وتكره الأطعمة الفجة والحامضة التي لها شراهة فيها في العادة وكذا تسكن بالمنقوع لما فقد منها وتكره وكذا تسكن بالمنقوع الحار للنعنع خفقات القلب والاهتزازات العصبية والفواق والصداع والشقيقة الخفيقان في الخلوروزيات ، وفي أغلب النساء السوداويات ، أي المصابات بمثل الماليخوليا ، وأكثر ما يناسب استعماله في التجمعات الريحية العصبية في النساء اللاتي ذكرناهن. اه. وقال بوشرده : المغلي أو المشروب الاعتيادي للنعنع له شهرة عظيمة الاعتبار في الحميات يستعمل أيضا في الحميات التيفوسة المتشكلة بشكل مخاطي كالحميات التي شاهدها ريدرير ووجلير حيث أكدا أن المشروبات المنبهة تعارض هذا الشكل الذي تكتسبه هذه الحميات الثقيلة نحو الأدوار الأخيرة ، أعني الصفة العنيفة العصبية ، ومنقوع النعنع الاعتيادي المصنوع بهيئة الشاي يكون مشروبا عظيم النفع للناس الأنيكما ، أي الضعاف المكدرات في مدة النقاهة من الأمراض الثقيلة بكثير من عوارض عصبية وسهر وفقد شهية وعسر هضم وغير ذلك. اه.

(قال توروسو) : ونحن لم نستعمل مشروبا آخر غيره في دور تركز الهيضة الأسية (٨) ؛ لأن هذا المشروب جيد الاستعمال جدا في جميع الفيضانات الزائدة التي يظهر أنها تتسلطن حينئذ بحالة تقلصية عصبية ثقيلة عميقة ويعرض في أثناء ذلك سريعا تبريد وصغير النبض ، وعدم انتظام فيه ، وهو عظيم في وظائف التنفس وإخفاء في الصوت وحس حرارة محرقة مركزة في بعض التجاويف الحشوية وانقباضات وتشنجات جزئية وغير ذلك ؛ لأن هذه الأعراض ليست من خواص الهيضة الأسية فقط ، وإنما هي أعراض لكل فيضان زائد كبعض حميات متقطعة خبيثة ، ثم من المعلوم أيضا أن الأطفال الرضع قد يعتريهم في مدة الرضاع وبعد الفطامة الحاصلة قبل أوانها تقيآت من طبيعة مغمة جدا ، وذلك يعلن غالبا بضعف معدي مع تقلص إذا قطع عن هؤلاء الأطفال أغذيتهم الطبيعية سريعا ، وقد تعلن هذه التقيآت بابتداء لبن في الغشاء المخاطي للمعدة ففي هاتين الحالتين نرى منافع جليلة من الماء المقطر للنعنع ومن شراب النعنع فيسكنان القيء فيهم سريعا ، فإذا عولجوا بالجمعية وبالمرخيات ونحوها لم يحصل من ذلك إلا ازدياد الاستعداد للقيء فتسقط الأطفال سريعا في كاشكيا ، أي سوء القتية مجتمعة مع التهابات ولبن مفسد للأنسجة سريعا ، وخاصية مضادة البقيع للبن غير معروفة لنا وجزم بها ديسقوريدس سابقا جزم بها في زمننا هذا طبيب شهير وهو ديواس الرشفوري ، وهي

__________________

(٨) قوله : الهيضة الأسية كذا بالأصل ، ولعلها محرفة عن القاسية بدليل تقسيمها فيما سيأتي إلى خفيفة وقاسية. اه.

٢٩٩

أن النعنع إذا استعملته الوالدات جديدا منقوعا أو وضع كمادا على الثديين فإنه يمنع الإفراز الجديد للبن ، ويبطل استعداد البنية لإفراز اللبن ويعارض العوارض المنسوبة لذلك الزعم الذي تكرر ذكره آلافا من المرات بعد ديسقوريدس غير مستند على مشاهدة متقنة نهايته أن الأب الأكبر لعلم النباتات الدوائية أعني يسقوريدس قال : إن أوراق النعنع إذا ألقيت في اللبن منعت تجمده وتحببه فبناء على ذلك يقينا أمر للنساء اللاتي يراد إذهاب لبنهن بالنعنع ، وإنما المحقق الثابت عندنا بالتجربة هو أن تجمد اللبن يتقهر إذا وضع فيه بعض أوراق من النعنع ، ونحن في ذلك وافقنا لاويس الذي ذكر ذلك في مفرداته الطبية ولسنا مخالفين للينوس ، وكثير من المؤلفين حين جزموا بأن البقر التي تأكل النعنع في مرعاها يكون لبنا أكثر مصلية. اه.

والطبيب بربيير بعد أن ذكر أنه يوصي بالنعنع للمرضعات إذا أريد إيقاف إفراز لبنهن ذكر بيانا تعليما بذلك بصورة الترديد فقال هل هذا النبات بواسطة تنبهه التبخير الجلدي الكثير جدا وتكثيره جملة إفرازات في الجسم حول المواد التي كانت تتجه نحو الثديين إلى جهات أخر يقل إفراز اللبن ؛ ولذلك يوضع هذا النبات على الثديين إذا حصل فيهما احتقان كما توضع أكياس مملوءة منه مجروشا على القسم المعدي لتقوية المعدة ، وحصل نجاح عظيم من التمريخ بصيغة النعنع على السلسلة الفقارية للأشخاص الرقاق البنية الذين وظائفهم الباطنية ضعيفة الممارسة ، وللأطفال الضعاف ، وكثيرا ما يضاف لهذه السوائل مواد مرة أو مقوية ككبريتات الكنين ونحوه فتلك المروخات توقظ فعل النخاع الفقري ، وتعطي لهذا المركز العظيم قوة تنتشر في جميع المجموع الحيواني فتستشعر بتأثيره ، وقد توضع تلك المستحضرات الصبغية النعنعية على القسم المعدي لأجل التقوية فتوقظ حيوية الضفائر العصبية المتكونة من العصب العظيم الاشتراكي ، وينتج من ذلك تنبه فجائي ينتقل لجميع الأحشاء ، ويتولد منه إحساس عميق بقوة شديدة فيها ، ومدح استعمال النعنع للسعال التشنجي ، وفي الربوي ، أي ضيق النفس والمنافع التي قد تنال في تلك الآفات تنشأ من التنوعات التي تفعلها قواعد النعنع في تأثير الأعصاب على الرئتين والحجاب الحاجز وعقلات الصدر ، ويستعمل النعنع بمنفعة إذا أريد صيرورة نفث النخامة أطلق وأسهل ، وكان المضعف والمبطئ لها ضعف الجهاز الرئوي ، ويستعمل النعنع الفلفلي استعمالا شهيرا للتعطير ، وتصنع منه أقراص مع السكر ليحصل منها في الفم ترطيب وعطرية في النفس وتثبيت للثة وغير ذلك ، ويعمل من النبات كله أو من مسحوقه أكياس محللة توضع على الأورام الباردة الغير المؤلمة ونحو ذلك ، ويحضر منه ماء مقطر كثير الاستعمال في الجرعات المقوية والقلبية والمضادة للتشنج ونحو ذلك ، وكذا يدخل شرابه ودهنه في الجرعات المذكورة ، ومسحوقه يستعمل ضمادا محللا ولكنه في تلك الحالة ينفط ما يلامسه كأغلب النباتات الشفوية ، واستعمل علاجا للجرب

٣٠٠