كشف الأسرار النورانيّة القرآنيّة - ج ٢

محمّد بن أحمد الإسكندراني الدمشقي

كشف الأسرار النورانيّة القرآنيّة - ج ٢

المؤلف:

محمّد بن أحمد الإسكندراني الدمشقي


المحقق: الشيخ أحمد فريد المزيدي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
978-2-7451-5282-4

الصفحات: ٤٦٤
الجزء ١ الجزء ٢

والأوراق صغيرة متقابلة منفرجة الزاوية كاملة ضيقة من الأسفل بحيث يتكون منها نوع ذنيب ، وهي خالية من الزغب وفيها تقاعير صغيرة غددية في الوجه السفلي ، والأزهار أرجوانية محيطة المنشأ صغيرة ، والمحيطات متباعدة من الأسفل ومتقاربة في الجزء العلوي حيث يتكون منها هناك سنبلة تقرب للاستدارة ، أي للكروية ، والكأس أنبوبي زغبي مضلع من الأسفل ذو شفتين هما عليا قائمة مثلثة الأسنان والسفلى ذات سنين محزازيتين وأطول من أسنان الشفة العليا ، والمدخل منسد بصف مستدير من وبر مبيض ، والتويج طول أنبوبته كطول الكأس ، وشفته العليا قصيرة ومحدبة قليلا مقورة ، والسفلى ذات فصوص ثلاثة قريبة للتساوي منفرجة الزاوية ، والذكور غير بارزة من التويج ، والمهبل والفرج يجاوزان الشفة العليا ، ويكثر هذا النبات في الغابتا والجافة وبطون الأودية والطرق وغير ذلك ، والمستعمل أطرافه المزهرة بل النبات كله.

(في الصفات الطبيعية):

هذا النبات عطري مقبول الرائحة جدا ؛ ولذا سمي بالعربية نماما ؛ لأنه لشدة رائحته كأنه ينم على نفسه ، وفيه بعض حرافة ؛ ولذلك لا تأكله الحيوانات ، بل تلمسه الأرانب أصلا وإن زعموا أنه يعطي لها رائحة مقبولة لا كما يعطي للضأن ، ومنه صنف ليموني الرائحة يستنبت في بعض البساتين ، وقال القدماء من أطباء العرب للنمام بزر كالريحان لكنه أصغر عطري قوي الرائحة.

(في خواصه الكيماوية):

وجد فيه مادة شحمية ، ودهن طيار ، ومادة عفصية تحضر بالحديد ، ووجد فيه وفي رماده أملاح قلوية.

(في الاستعمالات الطبية):

يوجد في هذا النوع خواص نباتات الفصيلة ، وسيما الحاشا الاعتيادية فخواصه كخواصها فهو منبه مقو مضاد للتشنج وللصداع ، مخرج للرياح ونحو ذلك فينفع تأثيره الدوائي في بعض انخرامات المعدة كضعف الهضم ورياح الأمعاء ، وبعض آفات عصبية ولتحريض فعل الكليتين ، أي إدرار البول وعلاجا للأيبوخندريا والماليخوليا ولتسهيل النفث في المصابين بالنزلة المزمنة كالشيوخ وتسهيل سيلان الطمث ولمقاومة الأوذيما العامة ، وسوء القنية والخلوروز والعفن العام ونحو ذلك ، ونسب المعلم لينوس لهذا النبات وسيما منقوعه

٣٦١

الشائي ، الذي هو كثير الاستعمال خاصية إذهاب السكر والصداع الذي يحصل عقبه ، ويجهر ذلك حمامات عطرية مقوية علاجا للضعف العضلي والآلام الروماتزمية المزمنة والخنازيرية ونحو ذلك ، ويستعمل مغليه أيضا غسلات علاجا للجرب والحكة وتعمل منه كمادات في الانصبابات الأوذيماوية والارتشاحات والأكدام وغير ذلك ، ويستخرج منه بالتقطير دهن طيار ، وذلك الدهن كاو يحتوي على كافور ، ويدخل ذلك الدهن أحيانا في الجرعات المقوية للقلب ، ويضع على الأسنان المتسوسة وغير ذلك.

(في الاستعمالات الطبية للأطباء المتقدمين من العرب):

وقال المتقدمين بعد أن قسموا النبات إلى بستاني وبري : إن كلا النباتين حار يابس يدر البول والطمث شربا ، ويذهب المغص وأوجاع العضل وكذا رض الأطراف شربا وضمادا ، وينفع من الأورام الكبدية شربا وضمادا ومن أوجاع الصدر المعدة ، وما اشتد من الرياح والنفخ وضعف الكبد والطحال ، ويقاوم العفونات وضرر الهوام الباردة شربا والحارة ضمادا ، وهو يسكن الصداع إذا تضمد به مع خل ودهن ورد أو كمد بطبيخه ، وإذا شرب قدر مثقالين بخل سكن قيء الدم ، وطبيخه يقتل القمل وينقي البشرة ، ويذهب العرق الكريه وينفع من الأورام الباردة ومن القلفموني الشديد الصلابة ، وهذا النبات يخرج الديدان وحب المقرع والجنين الميت شربا وجلوسا في طبيخه وأوجاع الأرحام طلاء وقطورا ، وشربه ينفع الفواق والحصي وتقطير البول ، وقالوا : إن بزره أقوى في ذلك ، وليس لهذا النبات كبير فعل في روح القلب ، كذا يؤخذ من كلام ابن سينا في الأدوية القلبية ، والأشبه أن يكون له فعل في ذلك لما ذكرنا من خواصه هكذا ذكر ابن البيطار بترويج على القلب ، ودهنه المأخوذ بطيخ في الشيرج ، أو بترك زهره فيه معلقا في الشمس وتكرار الدهن فيه ليأخذ قوته وحدته نافع من سدد الدماغ الغليظة وسدد المنخرين وللنبات خاصية عظيمة في النفع من لدغ الزنبور إذا شرب منه مثقال بلسكنجبين وللعقرب بماء العسل مجرب انته.

(في المقدار وكيفية الاستعمال):

يقال هنا كما قيل في غيره من نباتات الفصيلة ، والأكثر استعمال منقوعه الشائي من الباطن بمقدار من ثلاثة دراهم إلى خمسة ؛ لأجل مائة درهم من الماء ، ودهنه الطيار بمقدار نقطتين إلى أربع في جرعة.

(الباذروج أي الريحان):

جنس لنباتات من الفصيلة الشفوية يسمى باليونانية أوقيمون قال صاحب كتاب «ما لا

٣٦٢

يسع الطبيب جهله» : الباذروج اسم فارسي لبقلة ريحانية معروفة ، وتسميها العرب الحوك ، وتبع في ذلك ابن البيطار حيث قال الحوك ريحان معروف.

وقال داود : الباذروج نبطي باليونانية (أوقيمن) ، وهو بقلة تستنبتها النساء في البيوت ، وقد ينبت بنفسه ، وعند المصريين يعرف بالريحان الأحمر وبعضهم يسميه بالسليماني ؛ لأن الجن جاءت به لسليمان ـ عليه‌السلام ـ فكان يعالج به الريح الأحمر ، ويسمى أيضا جمسقرم ؛ لأن جم اسم سليمان ـ عليه‌السلام ـ وهو عريض الأوراق مربع الساق حريف غير شديد اليبوسة قوي التحليل والتجفيف انته.

وقال بعضهم : الباذروج بقلة طيبة الرائحة كالريحان بزرا وورقا إلا أن ورقها أكبر من ورقه فيستفاد من كاف التشبيه أن البذروج غير الريحان وإنما يشبه ولا يخالفه إلا في كبر الأوراق ، وهذا الاختلاف اليسير إنما يستدعي كون أحدهما صنفا من الآخر ، ونحن نعول على ذلك ونجعل الباذروج صنف من الريحان ، ومعادلا للاسم اليوناني أوقيمن وكذا هو في الترجمة اللطينية لابن سينا ولا غرابة في ذلك فإنه اسم الريحان أطلقوه على أحباق كثيرة ليست من الباذروج في شيء.

وجعل النباتيون الآن أوقيمن جنسا لأنواع من النباتات الشفوية ذا قوتين عاري الثمر ومعنى هذا الاسم اليوناني يشم منه رائحة مقبولة ؛ لأن نبات هذا النوع يشم منها ذلك والنوع المترجم له هنا هو الريحان الحقيقي أو الباذروج الحقيقي أو الباذروج الكبير ، أو الريحان الكبير أو الريحان الملكي أو شاهسفروم ، أي سلطان الرياحين أو الحبق الصعتري أو الكرماني أو غير ذلك وبعض هذه أصناف له ، ويسمى بالإفرنجية باسليق وذلك الاسم آت من اليونانية ، ومعناه ملكي ، وذلك يدل على علو رائحته غيره من النبات ، وسمى باللسان النباتي أوقيمن باسلقيون ، وهذا النوع هو الكثير الاستعمال ، وهو سنوي في الهند واستنبت بالبساتين في جمع الجهات حتى بالبيوت عندنا ، وفي أوروبا وغيرها بسبب رائحته الجميلة التي تظهر حتى بوضع اليد على أوراقه ونباتات هذا الجنس حشيشية غالبا ، وأحيانا سنوية ، وأزهاره قليلة الظهور ، وتنبت بين المدارين انته.

(في صفاته النباتية):

ساقه سنوية قائمة مربعة الزوايا تربيعا غير واضح زغبية متفرعة ، والأوراق ذنيبية قلبية الشكل خالية من الزغب مغطاة بنقط غددية مسننة تسنينا غير واضح ، والذنيب أقصر من الأوراق والأزهار وردية محيطة المنشأ مهيأة بهيئة سنبلية في طرف الساق والأغصان ، وكل

٣٦٣

محيط أي ما تركب من خمس زهرات أو ست مصحوب بوريقتين زهريتين شكلهما قلبي وهما حادتان زغبيتان تأخذان في الضيق ليتكون منهما هيئة ذنيب والأزهار قصيرة الحوامل ، والكأس ذو خمسة أقسام غير متساوية زغبية مهيأة بهيئة شفتين قسم علوي أكبر مستدير على هيئة قرص مسطح واثنان جانبيان بيضاويان حادان واثنان سفليان ضيقتان جدا ، والتويج ثنائي الشفة مقلوب ، وأنبوبته قصيرة ، والحافة منتفخة من الأعلى وذات شفتين علياتاهما عريضة مقسومة أربع فصوص مستديرة مسننة والفصان المتوسطان أصغر من غيرهما بقليل ، والشفة السفلى فص واحد بيضاوي منفرج الزاوية مسنن مغطى بأعضاء التناسل التي هي مائلة ميلا واضحا ، والشفة السفلى تضيق جدا في وجهها الخلفي وأصل هذا النبات من الهند الشرقي واستنبت الآن بجميع البساتين لأجل رائحته.

(في صفاته الطبيعية):

جميع أجزاء هذا النبات عطرية قوية العطرية ذكية ، وطعمه مر ، ويحتوي على دهن طيار ذكي الرائحة جدا فيه خاصية التبلور ، والنبات الذي يستخرج منه البابونيون دهنا معروفا عندهم يظن أنه أوقيمن باسليق.

(في الاستعمالات الطبية):

خاصية التنبيه في هذا النبات واضحة فيستعمل منبها مقويا كغيره من نباتات الفصيلة ، وإن كان الآن قليل الاستعمال ، ومدحوه في أوجاع الرأس المستعصية كالشقيقة ، وفي الأوجاع العصبية المصاحبة للضعف ، وفي بعض أحوال من الشلل ، وسيما شلل العصب البصري ، أي الكمنة وبعض الأوجاع الروماتزمية ونحو ذلك ، وتقطر في الهند عصاة أوراقه لتصب في الأذن علاجا للصمم واعتبروا بزوره مرطبة ومسكنة فتعطى منقوعه في الخبوريا وحرقة البول والآفات الكلوية بمقدار نصف طاس يكرر مرتين في اليوم كذا قال المعلم أنزلى لكن قال ميرة : من المشاهد أن الخواص الفعالة للنباتات الشفوية لا تسمح لنا بظن هذه الخواض المسكنة إذ قد ذكروا أن الريحان يستعمل في جزيرة جاوة دواء منبها ومع ذلك ذكر المعلم جميلان أن البزور توضع في الماء فتنفتح ، ثم تدق مع الجليد ، وتعطى كدواء مرطب في الحرورات الشديدة زمن الصيف ، وقال ميرة : استعمل ورق الريحان بمصر كفوه من الأفاويه ، واستعمل أيضا في بلاد أوروبا. اه.

(في استعمالاته الطبية للمتقدمين):

قد أطنب أطباء المتقدمين في خواص الباذروج ، فقالوا : هو حار مع يبس قليل ظاهر ،

٣٦٤

وفيه رطوبة فضلية سريعة التعفن وتحليل وانضاج وقبض وإسهال لتركبه من قوى متضادة ، فإذا أكثر من أكله أحدث في العينين ظلمة ، وفي الذهن نقصانا بسبب رداءة أبخرته وغذائه ويلين البطن ويهيج الباه ، وإذا تضمد به مع السويق ، ودهن الورد والخل نفع من الأورام الحارة ، وإذا تضمد به وحده نفع للسع العقرب والزنبور ونهش التنين البحري حتى قالوا : إذا أكثر من أكله شخص ، ثم ضربه عقرب لم يؤلمه ، وفي ابن البيطار أيضا أن إذا تضمد به مع الشراب الحيوسي المنسوب إلى حيوسي جزيرة من جزائر المغرب ، وهو شراب عفص حاد بسبب ما يخالطه من ماء البحر فإنه يسكن ضربان العين وبرزه ، وينبغي أن يغمض المستنشق عينه تغميضا شديدا وقت العطاس ، وجالينوس وجماعة لا يرون أكله ولا استعماله من داخل ، وزعم قوم أنه يولد دودا ؛ لأنه إذا مضغ وجعل في الشمس صار دود ، وسما إذا أكل من الكوامينج المالحة ، ويصلحه الخل والبقلة الحمقاء وهو جيد لفم المعدة والقلب والخفقان نافع من الغشي إذا استعمل دواء لا غذاء ، وقال الشيخ الرئيس في الأدوية القلبية إن فيه عطرية مع قبض وتسخين وفيه رطوبة فضلية فيفرح خاصيته العطرية التي يصاحبها قبض مع تلطف ، ولكن عاقبة التفريح غبر محمودة ؛ لأن الجوهر الغذائي الذي فيه مضر للجوهر الدوائي الذي فيه ؛ لأن جوهره الدوائي يفعل ما ذكرنا وجوهره الغذائي يتولد منه دم عكر سوداوي ورطوبته الفضلية يحدث منها النفخة في العرق فمضرة هذين لا تفي بتفريح الروح ، وقال في مفردات القانون : إن فيه قوى متضادة ويولد خلطا رديئا سوداويا ، وعصارته نافعة قطورا تقطع الرعاف ، ولا سيما بخل خمر وكافور في فتيلة تجعل في الأنف ، ومضغه يذهب بالضرس وهو مما يسكن العطاس في مزاج آخر ويجفف الرئة والصدر من رطوباتهما العرضية ، ويعقل البطن فإن صادف خلطا مستعدا للخروج أسهله ، ودهنه في قوة دهن المرزنجوش ، ولكنه أضعف منه ، ومن غريب ما ذكره الشريف أن من خواصه أنه إذا مضغ وقت نزول الشمس في برج الحمل مضغا متتابعا سلمت أسنان الماضغ لم تؤلمه طول سنته ، وأغرب من ذلك ما قيل : إن أكل إنسان عدسا بلا ملح أياما ، ثم مضغ الباذروج وحشاه في قرن ودفنه في زبل أربعين يوما ، ويخرج ويجعل في قارورة في الشمس يوما كان قيراطا منه قاتلا بصورته ، وهو سريع التعفن مولد للحميات مظلم للبصر مفسد للكيموسات ، فلا ينبغي إلقاؤه في الأطعمة ، وذكر داود أن به تعبث السمياوية على نحو الطباخين ولم يبين كيفية ذلك ، وقال أيضا : فيه سرا يأتي في الخطاطيف مع أنه لم يذكر في مبحثها شيئا يتعلق بالباذروج ، ثم اعلم أن اسم الريحان في مؤلفات المتقدمين يطلق على اسم أنواع من الأحباق التي هي كثيرة ، وأما ما يطلق عليه اسم ريحان فأنواع وأصناف كثيرة ، فمنها الريحان الكافوري ، وهذا الريحان يقال له : كافور اليهود والكافور اليهودي ، وهو كثير

٣٦٥

بفارس وخراسان ونبته شبيه بنبت المنثور وزهره شبيه بزهره أو كزهر الخزامى لا يغادر منه شيئا وورقه صغيرة في صورة ورق الرمان أو صغار ورق الهندبا البري ، وهذه الشجيرة كلها بورقها وزهرها تؤدي رائحة الكافور الرباحي القوي الرائحة إذا شمت أو فركت باليد يابسة كانت ، أو رطبة ولكن مع مشاكلة ريح الريح الكافور ليست باردة المزاج مثله ، بل هي حارة يابسة تحلل بدوام شمها ما في الدماغ الرطوبات الفاسدة والأخلاط الصدرية وينفع شمها من كان بارد المزاج ولا يوافق المحرور وإن شرب ماؤها فتح السدد ماؤها فتح السد وأزال اليرقان ، وحبس الدم حيث كان وكذا انثر سحيقها على الجرح وإن غسل به في الحمام نعم البشرة ، وأزال الأوساخ وشربته درهم ومن مائه سبعة.

(الريحان السليماني):

وهو ريحان سليماني ، ويسمى أيضا جمسفرم ، وهو اسم فارسي معناه ما ذكر كما سبق : لأن جم اسم سليمان ، ويوجد كثيرا بجبال أصفهان قالوا : ويظهر أن نباته يختلف فما يكون برؤوس الجبال يشبه الشبث وما يكون بالأودية والمواضع الظليلة يكون ورقه كاللبلاب ، وصغار ورق الخطمية ، ويزهر زهرا إلى الحمرة والبياض حسن الصورة ، وهو حار مسكن للنفخ والرياح محلل لها ، وإذا وجد شجرة تسلق عليها ، وهو يحلل الرطوبات اللزجة من المعدة ، ويحدث نفخات في المرطوبين والصبيان صالح لرياح الأرحام حمولا منه بدهن ورد ، وطبيخه نافع للمبوسرين ، وكذا جرمه ضمادا للأورام البلغمية مع العسل وللحارة بالخل وعصيره وزهره دواء للعقرب طلاء وشربا.

الريحان الملكي):

قال المتقدمون : الريحان الملكي ريحان الملك ، وهو الشاهفرم اسم فارسي ، معناه سلطان الرياحين ، وهو الحبق الكرماني ، والمعروف عندهم بالريحان مطلقا ، وهو صنفان سعتري صغير الورق وخضرته تميل إلى صفرة وباذروجي كبار الورق ، والأول أجود وأعطر وهو حار يابس إذا رش بالماء سقطت رائحته واشتدت ، وهو صالح للمحرورين والمصدوعين والمكروبين ، ويدفع الوباء برائحته واستفراشه ويحلل الأورام حيث كانت ، ويذهب الخفقان وضعف المعدة والرياح الغليظة شربا وأمراض اللثة كالقلاع مضغا ، وبرزه يقطع الإسهال المزمن إذا شرب منه من درهم إلى ثلاثة ، ويقاوم السموم ، ويعدل سائر الأمزجة بالخاصية ، ورائحته تجلب النوم وتفتح سدد الدماغ ، وقالوا إذا ألصق على العين جذب ما فيها من الفساد وعصارته بالسكر تقطع أوجاع الصدور والربو والسعال ، وقيل : إن الهوام تنفر من رائحته.

٣٦٦

(ريحان الحماحم):

وهو حبق السودان ، والحبق النبطي ، وهو المسمى عند النباتيين أوقيمون جينشنس ، وهو كثير الاستعمال عند السودان وسيما في الحميات الصفراوية.

(ريحان القبور):

وهو المرداسفرم قالوا : وهو زهر وقضبان دقاق منعركة على الغبرة والصفرة. ومنه ما يكون أميل إلى البياض ، ومنه ما يكون أميل إلى الصفرة ، وقيل : إنه الآس البري ، وقوته قوة الباذاورد والأفسنتين الرومي ، وهو حار ينفع من الصرع والرطوبات الدماغية والسقطة على الأحشاء ، ويقوي المعدة والكبد ، ويتحمل لإخراج ديدان المقعدة اه.

(في المقدار وكيفية الاستعمال):

يستعمل من الداخل منقوع الريحان المصنوع بمقدار منه من ثلاثة دراهم إلى خمسة ؛ لأجل مائة درهم من الماء المغلي ، وماؤه المقطر يصنع بجزء منه وثلاثين من ماء الريحان وستين من السكر ، والمقدار للاستعمال من عشرة دراهم إلى ثلاثين ، ودهنه الطيار كدهن بقية النباتات الشفوية ، وأما مسحوقه فلا يستعمل إلا معطا.

(حشيشة الهر أو السنور):

تسمى بالإفرنجة قاطير ، وبما معناه حشيشة الهر أو السنور ، وباللسان النباتي نبتا قطاريا ، فجنسه نبتا بفتح النون من الفصيلة الشفوية عاري الثمر ، واسمه آت من اسم مدينة نبيت بإيطاليا ينبت فيها نوع منه ، وقد ذكر هذا النبات بليناس ، وهو النوع الرئيس لجنسه ، وأنواع هذا الجنس المذكور في الكتب العامة تزيد عن ثلاثين نوعا كذا في قاموس الطبيعات ، وقال ميرة : في قاموسه في المفردات إن هذا الجنس يحتوي على ستين نوعا من نباتات حشيشية ، رائحته عطرية قوية الوضوح. اه.

ومسكنها الأوروبية الجنوبية ، وشواطئ الغرب ، واستنبت كثير منها ببساتين النباتات للمنظر الجميل لأزهارها العديدة ولونها الذي يكون تارة ورديا وتارة أحمر بنفسجيا ، ولكن رائحتها القوية الكريهة وطعمها العفن النتن يبعدان اللذة منها ، والنوع المقصود لنا هو المترجم.

(في صفاته النباتية):

الجذر معمر ، والساق حشيشة متفرعة رباعية الزوايا زغبية تعلو من قدم إلى قدمين ،

٣٦٧

والأوراق قلبية الشكل حادة ، ذوات ذنيب قصير مسننة بأسنان غليظة حادة وتلك الأوراق خالية من الزغب من الأعلى ، وزغبية منتقعة من الأسفل ، والأزهار مبيضة أو فيها بعض احمرار ، وهي إبطية وإحاطية في أطراف الأغصان بحيث يتكون منها سنابل انتهائية ، والكأس أنبوبي زغبي مضلع ذو خمسة أسنان حادة مفتوحة غير متساوية قليلا ، والتويج ثنائي الشفة وأنبوبته ضيقة جدا طويلة مقوسة ، وهو أقصر من الكأس ، وحافته منفتحة ذات شفتين ، فالعليا قائمة مقورة أو يقال ذات فصين عميقين مستديرين منفرجي الزاوية ، والسفلى ذات أقسام ثلاث فالقسمان الجانبيان أصغر ومنفرجا الزاوية ومنحنيان والقسم السفلى وهو المتوسط أكبر من أخويه ومستدير مقعر مسنن الحافة ، والذكور الأربعة متقاربة تحت الشفة العليا ويجاوزونها قليلا ، والبذور أربعة ليست بيضاوية ، وهذا النبات ينبت في المحال الغير المزروعة وعلى حافات الطرق والحفر والمروج والأماكن الحارة الجافة بأوروبا وغير ذلك من البلاد المجاورة لها.

(في صفاته واستعمالاته):

طعم هذا النبات مر حريف ، ورائحته قوية نفاذة عطرية ، ولكنها قليلة القبول عند البشر ومقبولة للسنانير ؛ ولذلك تتقلب عليه وتحتك به ، وتعضه مع الالتذاذ وتسقيه ببولها وبسبب ذلك يعسر حفظه في البساتين ، ولتلك الخاصية سمي بحشيشة القط أو السنور في لسان العامة ، ويظهر أن فيه لها قوة تهيج الباه كما يفعل ذلك أيضا المارماخور والوالريانا ، وشاهد المعلم رية أن هذا النبات إذا لم ينقل من محل إلى آخر ، بل نبت ببذر بذره في الأرض فإن تلك الحيوانات لا تلمسه أبدا ، ويوضع هذا النبات قرب خلايا النحل ؛ لأجل أن يبعد عنها الفيران التي تفتش على العسل ، وهذا النبات له شبه بالنعنع في الصفات والخواص ، وبسبب ذلك يسمى في بريطانيا الكبرى ، أي ببلاد الإنكليز بما معناه نعنع السنور ، ومع ذلك هو قليل الاستعمال ، بل متروك الآن بالكلية مع أنه يحتوي على خواص مقوية ومنبهة وغير ذلك مما في النباتات الشفوية ، ويظهر أن أشهر خواصه وأوضحها مضادته للاستيريا ، وأكد جملة من الأطباء نتيجته الحميدة في الخلوروزس واحتباس الطمث إذا استعمل منقوعا ، أو كمادا أو تبخيرا أو حقنا أو غير لك ، ومدح أو قمان فاعلية مطبوخه عسلا في الحب ، وأوصى بعضهم بمنقوعه في ماء العسل البسيط علاجا للسعال واليرقان ، وبالجملة فالأطراف المزهرة لهذا النبات معدية مقوية للمعدة طاردة للرياح ومدرة للطمث ، والمقدار منه للاستعمال من ستة دراهم إلى عشرة ؛ لأجل مائة درهم من الماء منقوعا ، ومطبوخه الذي يستعمل من الظاهر يصنع بقبضة منه لأجل مائة درهم من الماء أيضا.

٣٦٨

(مسألة مهمة) :

في قوله تعالى : (فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا (٢٧) وَعِنَباً وَقَضْباً (٢٨) وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً (٢٩) وَحَدائِقَ غُلْباً (٣٠) وَفاكِهَةً وَأَبًّا (٣١)) [عبس : الآيات ٢٧ ـ ٣١].

وفيه مسائل :

(الأولى) : ذكر تعالى ثمانية أنواع من النبات أولها : الحب وهو المشار إليه بقوله : (فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا (٢٧)) [عبس : الآية ٢٧]. وهو كل ما حصد من نحو الحنطة والشعير وغيرهما كما تقدم ، وإنما قدم ذلك ؛ لأنه الأصل في الأغذية.

(وثانيها) : قوله : (وَعِنَباً) [عبس : الآية ٢٨]. وإنما ذكره بعد الحب ؛ لأن الفاكهة غذاء من وجه وفاكهة من وجه.

(وثالثها) : قوله : (وَقَضْباً) [عبس : الآية ٢٨]. وفيه قولان :

(الأول) : أنه الرطبة ، وهي التي إذا يبست سميت بالقت ، وأهل مكة يسمونها بالقضيب ، وأصله من القطع وذلك ؛ لأنه يقضب مرة بعد أخرى ، وكذلك القضيب ؛ لأنه يقضب ، أي يقطع ، وهذا قول ابن عباس والضحاك ومقاتل واختيار الفراء وأبي عبيدة والأصمعي.

(والثاني) : قال المبرد : القضيب هو العلف بعينه وأصله من أنه يقضب ، أي يقطع ، وهو قول الحسن.

(ورابعها وخامسها) : قوله : (وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً (٢٩)) [عبس : الآية ٢٩]. ومنافعهما قد تقدّمت.

(وسادسها) : قوله : (وَحَدائِقَ غُلْباً (٣٠)) [عبس : الآية ٣٠]. الأصل في الوصف بالغلب الرقاب فالغلب الغلاظ الأعناق الواحد أغلب يقال : أسد أغلب. ثم هاهنا قولان:

(الأول) : أن يكون المراد وصف كل حديقة بأن أشجارها متكاثفة متقاربة ، وهذا قول مجاهد ومقاتل قالا : الغلب الشجر الملتف بعضه في بعض يقال : اغلولب العشب واغلولبت الأرض إذا التف عشبها.

(الثاني) : أن يكون المراد وصف كل واحد من الأشجار بالغلظ والعظم كالدلب والصنوبر قال عطاء عن ابن عباس يريد الشجر العظام كالسرور والحور ، وقال الفراء : الغلب ما غلظ كالجوز والنخل.

٣٦٩

(وسابعها) : قوله : (وَفاكِهَةً) [عبس : الآية ٣١]. وقد استدل بعضهم بأن الله تعالى لما ذكر الفاكهة معطوفة على العنب والزيتون والنخل وجب أن لا تدخل هذه الأشياء في الفاكهة معطوفة على الظاهر ؛ لأن المعطوف مغاير للمعطوف عليه.

(وثامنها) : قوله : (وَأَبًّا) [عبس : الآية ٣١] ، الأب هو المرعى قال صاحب الكشاف : لأنه يؤب أي يؤم وينتجع والأب والأم إخوان قال الشاعر :

جذمنا قيس ونجد دارنا

ولنا الأبّ به والمكرع

وقيل : الأب الفاكهة اليابسة ؛ لأنها تؤب للشتاء ، أي تعدّ ، ولما ذكر الله تعالى ما يغتذى به الناس والحيوان قال : (مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ (٣٣)) [النّازعات : الآية ٣٣].

قال الفراء : خلقناه منفعة ومتعة ولكم ولأنعامكم.

وقال الزجاج : هو منصوب ؛ لأنه مصدر مؤكد لقوله : (فَأَنْبَتْنا) [النّمل : الآية ٦٠] لأن إنباته هذه الأشياء إمتاع لجميع الحيوان.

(واعلم) أن الله تعالى لما ذكر هذه الأشياء وكان المقصود منها أمورا ثلاثة إلى عبيده :

(الأول) : الدلائل الدالة على التوحيد.

(الثاني) : الدلائل الدالة على القدرة على المعاد.

(الثالث) : أن هذ الإله الذي أحسن إلى عبيده بهذه الأنواع العظيمة من الإحسان لا يليق بالعاقل أن يتمرد عن طاعته ، وأن يتكبر على عبيده أتبع هذه الجملة بما يكون مؤكدا لهذه الأغراض وهو شرح أحوال القيامة فإن الإنسان إذا سمعها خاف فيدعوه ذلك الخوف إلى التأمل في الدلائل والإيمان والإعراض عن الكفر ، ويدعوه ذلك أيضا إلى ترك التكبر على الناس وإظهار التواضع إلى كل أحد.

(المسألة الثانية) :

في قوله تعالى : (وَحَدائِقَ غُلْباً (٣٠)) [عبس : الآية ٣٠]. أصل الوصف بالغلب الرقاب ، فالغلب الغلاظ الأعناق ، والحدائق الغابات ، والمراد الأشجار الغلاظ الطوال كالسرو والصنوبر وفيه مباحث : الأول :

(في الفصيلة المخروطية):

جعل تعالى في هذه الفصيلة كثيرا من أشجار عظيمة الاهتمام ثمرها مخروطي ؛ ولذا

٣٧٠

سميت مخروطية ، أي مكون من قشور متراكبة على بعضها يقرب شكلها للشكل المخروطي ، ومع ذلك يوجد فيها أجناس مشتملة على جميع صفات الفصيلة غير أن ثمرها ليس مخروطيا ، ومنها الشجر الشبيه بالسرو كالعرعر وغير ذلك وأجناس تلك الفصيلة ليست كثيرة وصفاتها المميزة لها عن بعضها قد تكون مؤسسة على فروق يعسر إدراكها ، ومع ذلك قسموها إلى ثلاثة مذكورة في كتب النباتات ، وأشجارها تعلو علوا كبيرا من ثمانين قدما إلى مائة ويندر أن يوجد فيها شجيرات ، وأوراقها غالبا ضيقة بسيطة مستدامة متعاقبة أو متقابلة ، وعصارة تلك الأشجار راتنجية ، ويصنع من الصنوبر والتنوب لعظم أشجارهما صواري للسفن ، ويتجهز من تلك الفصيلة أيضا مقادير كبيرة من جواهر بلسمية وراتنجيات ، وأغلب الترنبتينات والراتنجيات والبلاسم آتية من أشجارها كما ستراه.

(في الصنوبر):

يسمى باليونانية بينوس بكسر الباء ، وهذا هو اسمه عند النباتيين ، وهو من المخروطية ، وحيد المسكن ووحيد الإخوة ، والصفات النباتية لهذا الجنس أن الأزهار المذكرة والمؤنثة على شجرة واحدة فالمذكرة بهيئة سنابل فلوسية هرّية ، أي بشكل ذنب الهر تنضم ببعضها فيقوم منها عنقود هرمي انتهائي بيضاوي متفرع ، والحشفات محمولة على حوامل قصيرة ومنتهية في قمتها بغشاء صغير فيتكون من كل زهرة مذكرة ، وتلك السنابل مركبة من فلوس عديدة متراكمة على بعضها ، وكل منها يحمل حشفتين موضوعتين على الوجه الباطن للفلس ، والأزهار المؤنثة يتكون منها سنابل كما ذكر أيضا ، وتحمل فلوسها على وجهها الخارج نحو جزئها السفلي فلوسا أخر لحمية أصغر منها يوجد على الوجه الباطن لكل منها زهرتان عديمتا الحامل موضوعتان مباشرة على الفلس بأحد وجهيهما ولهما تركيب مخصوص ؛ وذلك أنهما تتركبان من الخارج من كأس وحيد القطعة ملتصقة قاعدته بالمبيض وضيق في حلقة ، ثم يتسع قليلا ، وينتهي بحافة يكون لها غالبا فصان يأخذان في التباعد عن بعضهما كلما امتدّا وهما ملوّنان وغدديان قليلا غضروفيان شرحهما المعظم بأنهما فرجان يوجد بينهما نحو قاعدتهما فتحة يسهل مرور حبوب المادة الملقحة التي تلقح البزرة فيها ويوجد أسفل هذا المحيط الزهري البسيط عضو إناث يلتصق الكأس بجزء من مبيضه والباقي من ذلك المبيض تتكون منه حلمة مخروطية يوجد في قمتها أثر التحام صغير غددي هو الفرج العديم الحامل ، والثمر مخروطي يختلف في الشكل والعظم باختلاف الأنواع ، ويوجد في باطن قاعدة كل فلس ثمرتان ، وتلك الثمار شبه أكمام جلدية غشائية لا تنفتح منتهية أو محاطة بجناح غشائي كبير أو صغير يسقط فيما بعد ، والغلاف الخارج لتلك الثمار لا ينفتح وقد يكون صلبا عظيما ويحتوي

٣٧١

على بزرة واحدة تتركب من غلاف باطني ثمري أبيض لحمي ، والفلوس المكونة له صلبية خشبية ثخينة من قمتها وتنتهي دائما بجزء كبير الانتفاخ ، ويشبه غالبا رأس مسمار ويوجد هذا الشكل في بعض الأنواع ، وأنواع الصنوبر عديدة وهي في الغالب أشجار طويلة مرتفعة وسوقها قائمة مستقيمة ، وتحمل فروعا إحاطية وأوراقا خشنة محزازية وأحيانا طويلة جدا تنضم لبعضها على هيئة حزم وتلك الأنواع تألف غالبا المحال الجبلية والسواحل والبلاد الرملية ، وتكثر جدا في الأقاليم الشمالية حيث يتكون منها غابات واسعة ومستنتجاتها الراتينجية التي تجهزها للصنائع وصناعة العلاج عظيمة الاهتمام وأخشابها تستعمل في استعمالات كثيرة.

(في الاستعمال للصنوبر عموما):

قد علمت أن هذه الأشجار كبيرة هرمية الشكل أوراقها خضر دائما متغمدة غالبا من قاعدتها اثنين اثنين أو ثلاثة ثلاثة أو خمسة خمسة ، وهي خيطية مغبرة متينة وجذعها قائم باستقامة بسيط يعلو علوّا كبيرا ولذا تعمل منه صواري للسفن وقرابات ، وهو مغطى بقشرة لعابية يمكن أن يؤخذ منها بعض غذاء ؛ ولذا كانوا سابقا يدخلونها في بلاد الشمال زمن القحط في خبزهم ، ويختارون لذلك قشور الأغضان الصغيرة فتطحن وتضم لدقيق الشعير أو الشيلم السليم ، ومع ذلك كانوا يظنون أن التغذية بهذا النوع مضرة للصحة وأن المستعملين له تقل معيشتهم ، أي يكونون أقصر أعمارا من غيرهم مع أن بعض الأطباء ذكر أن هؤلاء الأشخاص لا يصابون بالحميات المتقطعة ؛ فلذا مدحوا هذه القشور بخاصية مضادة الحمى وخشب هذه الأشجار أبيض خفيف طريّ يسهل إدخاله في أشغال النجارة ، ولا تخرج تلك الأشجار غصونا من جذورها ، ومتى قطعت سوقها ماتت ؛ ولذا يضرب بها المثل عند القدماء فيقال : كشجر الصنوبر أن أتلف جذعه لا يعود.

وقد علم أن أزهاره المذكرة السنبلية موضوعة على محور واحد ومنفصلة عن بعضها ومادتها الملقحة كثيرة تنتشر أحيانا لمحال بعيدة محمولة بالهواء ، ومن ذلك ما ظن حصول أمطار كبريتية وزعموا أن هذه المادة قابلة للالتهاب ، والأزهار المؤنثة متراكة على بعضها بشكل مخروطي فلوسي يسمى تسمية غير مناسبة بتفاح الصنوبر ، وكان القدماء يستعملون ذلك التفاح قبل نضجه كدواء قابض في أمراض مختلفة ، والثمار دهنية أو يقال زيتية موضوعة بين تلك الفلوس منها ما يؤكل ومنها ما لا يؤكل ، ويمكن استخراج زيتها منها أو عملها مستحلبا.

والفلق الأصبعية الخارجة من البذرة بالاستنبات تسمى في المؤلفات القديمة صنعة الله البديعة ، وجعلوا من خواصها مضادة الحمى إذا استعملت وترا ، أي زوجا ، ثم نقول

٣٧٢

بالاختصار إن الاهتمام بتلك الأشجار إنما يكون بالأكثر بسبب ما تحتوي عليه من المواد الراتنجية الشبيهة بالبلسمية ، وهي حارة مرة الطعم حريفة ، وتسمى في حال الصلابة بالراتنج ، وفي حالة السيولة بالترنبتينا بحيث إن الإغصان أغلبها يحترق كالمشاعل ، وتستعمل في الجبال للاستصباح والإضاءة ، وكان ذلك معروفا عند اليونانيين الذين كانت عندهم لأنواع الصنوبر ومستنتجاتها رموز مختلفة ، وأصحاب الدرجة الأولى من المصريين وغيرهم يتنوحون بأوراقها.

وأزرار الصنوبر كثيرة الراتنجية ؛ ولذلك تستعمل في الطب منقية ومضادة للحفر ونحو ذلك ، ويصنع منها نوع فقاع ، ويوجد أيضا على الصنوبر مستنتج إفرازي آخر سكري ، وهو نوع من المن عظيم الاعتبار وإن كان قليلا ، وقد يوجد عليه مادة صمغية شبيهة بالصمغ العربي ، ويخرج راتينج الصنوبر بنفسه إذا تراكم بين الخشب والقشر ، وذلك يحصل بالأكثر في الراتنج السائل ، وقد يضطر لعمل شقوق في الشجر ، ويسمى الخارج حينئذ بأسماء مختلفة ، ويذاب هذا الراتنج بالحرارة ، وهو في الماء ويضرب فيه ثم يصفى ، وبذلك تزول منه وساخته ، ويسمى حينئذ بالزفت الأبيض والزفت الدسم والراتينج الأصفر ، أما إذا قطر فإنه ينال منه الدهن الطيار وتسمى الفضلة الزفت اليابس وقفونيا ، وإذا أحرق خشب الصنوبر في جهاز مناسب سال منه عصارة راتينجية سوداء تسمى بالقطران ويسبح على وجهها جوهر أكثر سيولة يسمى زيت كاد فإذا قرب هذا القطران لدرجة الغلي في الماء حصل الزفت الأسود الذي يفصل منه أيضا جزء سائل يسمى دهن الزفت ، وإذا أخذ مناسبا دخان الأجزاء الراتنجية للصنوبر وأخشابها الملتهبة حصل منه هباب يسمى بالهباب الأسود ، وجميع الجوار الراتنجية المسماة بأسماء مختلفة باختلاف المحال متشابهة في الخواص ، وتتجهز أيضا في نباتات فصائل أخر كما هو مذكور في مبحث الترنبتينا وراتينج الصنوبر مستنتجاته الأخر مستعملة في الصنائع وفي الطب ، ويستخرج منها دهن الترنبتينا الذي استعماله شهير في الطب ، يصنع منها صابون ، ويصنع منها أيضا مراهم وقيروطيات ، وأطال أطباء العرب من القدماء الكلام في الصنوبر وأصنافه وصفاته ومنافعه وهو قريب من تجريبات المتقدمين.

(في أنواع الصنوبر):

أنواع الصنوبر كثيرة مشتتة في أماكن يقل في بعضها ذهاب المعلمين لها ، والعلة اشتباه مستنتجاتها ببعضها ولا خطر في ذلك ؛ لأن خواصها متشابهة ولنجعل الأنواع ثلاثة :

(النوع الأول من الصنوبر الذي ورقه ثنائي):

من أنواع الصنوبر الثنائية الورق ، أي التي أوراقها ينضم كل اثنين منها في غمد ما يسمى

٣٧٣

بالصنوبر البحري وهر شجر كبير يكثر على شواطئ البحر المتوسط ، وجذعه له قشرة ثخينة لونها سنجابي محمر ، ويعلو من ثمانين قدما إلى مائة وهو في الغالب معتدل قائم ، وتتكون منه غابات جميلة ، وفروعه إحاطية متباعدة عن بعضها عاليا ، ويتكون من الشجرة كلها شكل هرمي ، وطول الأوراق من ستة قراريط إلى عشرة ، وهي خشنة واخزة خضرة قاتمة خيطية ومخروطها بيضاوية مستطيلة ، واللوز محوى بين الفلوس وأقل غلظا وصلابة من لوز النوع الآتي ، وطعمه يبعد كونه عذبا وإنما فيه طعم ترنبيتي كريه ، والضأن تأكل أوراقه القصيرة ، ويتميز عن غيره بأوراقه الطويلة الخشنة التي تتغمد اثنين اثنين ، وعجز وطاته المعلقة الغليظة القصيرة التي فلوسها هرمية ، ويتم نمو هذا النوع في خمسين سنة بخلاف النوع الآخر ، وهذا النوع يجهز أيضا ترنبتينا بورود ودهنها الطيار والقلفونيا والقطران وغير ذلك فهو نافع في الطب والصنائع ، ومن أنواعه الصنوبر الفستقي وهذا النوع جميل تسهل معرفته بمنظره وشكله العام الذي يكتسب ، فإذا وصل إلى درجة ما من عمره كان كشكل مظلة ، أي شمسية واسعة فيكون جذعه بسيطا منقسما من جزئه العلوي إلى أغصان كثيرة يقوم منها رأس جميل مقبب ، ويعلو أكثر من مائة قدم ، وأوراقه ثنائية الاندغام ، أي كل ورقتين في غمد ، وهي محزازية ضيقة وطولها من خمسة قراريط إلى ستة ، والسنابل الهرية المذكرة منضمة كعنقود لونه أصفر كصفرة الكبريت ، والسنابل المؤنثة موضوعة في أسفل السنابل المذكرة وفي زمن نموها تقوم منه مخروطات بيضاوية في حجم قبضتي يد وفلوسها متقاربة منتفخة في قمتها ، ويرتبط في باطن قاعدتها ثمرتان بيضاويتان صلبتان يعلوهما جناح غشائي يبكر انفصاله منهما وهما مسودتان من الظاهر وتحتويان على بزرة أو لوزة بيضاء لحمية ، وهذه الثمار لا يتم نضجها إلا بعد تلقيح الأزهار المؤنثة المعقبة لها بأربع سنين ، وثمر هذا الشجر معروف في المتجر بالصنوبر العذب والمحيط الثمري صلب عظمي مسود ، واللوزة لحمية مقبولة الطعم شبيه طعمها بطعم البندق ولكن مع طعم ترنبتيني خفيف.

وكان القدماء يستعملون هذا اللوز في الطب كثيرا وله الآن استعمال أيضا ، ويصح أن تعمل منه مستحلبات ملطفة فيها خواص المستحلب اللوزي ، ويؤكل هذا اللوز في جميع الأقاليم كمصر والشام ، وهو عظيم التغذية وهو الذي نقلنا فيه ما قال القدماء من العرب في الخواص ، وكانوا يربونه بالسكر وتصنع منه عجائن ومستحلبات للزكام ، والنزلات والسعال العصبي ويتجهز من شجرة ما يتجهز من النوع السابق ، ومن أنواعه الصنوبر البري والصنوبر الحلبي والقدسي.

(النوع الثاني من أنواع الصنوبر ثلاثي الغمد):

يسمى بالستريس ، أي الآجامي ، وهو عظيم الاعتبار بعظم طول أوراقه التي لا تنقص

٣٧٤

عن قدم ، وكل ثلاثة منها في غمد واحد ، والسنابل الهرية المذكرة طويلة ولونها بنفسجي ، ويتكون منها عناقيد غليظة ، والمخروطات الثمرية مستطيلة هرمية طولها من سبعة قراريط إلى ثمانية ، ورأس فلوسها يحمل في قمته كلابا صغيرا مثخنيا إلى الخلف ، وهذا النوع الأمريقي هو الذي يستخرج منه أعظم جزء من المستنتجات الراتنجية ، وترنبتينية معروفة في المتجر باسم بوستون وراتينجية يعمل منه صابون ، ويدخل في المراهم وغيرها.

(النوع الثالث من أنواعه خماسي الغمد):

ينبت طبيعة بجبال الألب والبروونسة وغير ذلك ، وهو شجر متوسط القامة ، وطول أوراقه من قيراطين إلى ثلاثة ، ولونها أخضر زاه ومغير ، وخروطاته بيضاوية محمرة طولها من ثلاثة قراريط إلى أربعة ، ورأس فلوسها محدب مستدير منضغط قليلا ، وخشبه خفيف يسهل قطعه ؛ ولذا كان أغلب الصور الخشبية المنقوشة مصنوعة من خشبه ، وأول من ذكر هذا النوع ديسقوريدس ، وأوراقه تنضم كل خمسة منها في غمد واحد ، ويخرج منه راتنيج أبيض ، وخشبه جيد لعمل الألواح ومرغوب فيه وتؤكل بزوره.

(التنوب):

إنه مذكور في المؤلفات القدمية أن التنوب ذكر الصنوبر ، وفي الحقيقة إذا لم نلتفت كما هو اللازم عموما إلا لأعضاء التناسل لم نجد عظيم فرق بين الصنوبر والتنوب ؛ لأن تركيب الأزهار والثمار والبزور تقرب للاتحاد في أشجار هذين الجنسين ، وإنما يوجد في منظرهما بعض اختلافات في الهيآت ثانوية بحيث يمكن بالنظر تمييزهما إلى جنسين مع توافقنا على أن ذلك صناعي فقط ، وذلك أن الأوراق في جميع أنواع التنوب وحيدة متفرقة قصيرة ، وفي نبات الصنوبر ثنائية بلا حزمية ، أي تنضم جملة منها إلى حرم في غمد خاص ، وهذا أمر دائم لا يتخلف ، أي فلا تكون الأوراق فيها وحيدة ، والأزهار المذكرة في الأنواع الأولى يتكون منه سنابل هرية منعزلة وتنضم دائما إلى جمل في الأنواع الثواني ، وفلوس المخروطات في أنواع الصنوبر منتفخة سميكة من قمتها ، وفلوس أنواع التنوب لا توجد فيها تلك الصفة ، ويلزم في أنواع الصنوبر أقله سنتان بل ثلاثة حتى يصل الثمر لكماله التام.

أما أنواع التنوب فينضج ثمرها في مدة سنة ، وبالجملة فالصفات التي يصح أن تنسب لهذا الجنس هي أن الأزهار وحيدة المحل ، أي المذكرة والمؤنثة على شجرة واحدة ، فالمذكرة سنابل هرية وحيدة انتهائية أو إبطية ، والمؤنثة سنابل هرية أسطوانية مكونة من فلوس متراكبة على بعضها ، وكل منها يحمل في وجهه الباطن زهرتين منقلبتين والثمر مخروطي

٣٧٥

بيضاوي أو أسطواني مركب من فلوس متراكبة على بعضها غير منتفخة القمة التي تنتهي أحيانا بنقطة دقيقة يختلف طولها ، والغلف الثمرية الموضوعة على أعلى الوجه الباطن للفلوس جدلية ، وتحمل على أحد جانبيها أجنحة غشائية ، وأنواع هذا الجنس كثيرة تنبت في الأقسام الشمالية ، ونباتها أشجار كبيرة جميلة راتنجية هرمية الشكل تدق كلما ارتفعت ، وفروعها إما منفرشة انفراشا أفقيا ، أو مخروطية قائمة ، وأوراقها أقصر غالبا من ورق الصنوبر ووحيدة أو يتكون منها شبه شراريب أو حزم ليست هي إلا أغصانا قصيرة جدا ، فمن الأنواع ما يسمى بالتنوب العام ، وهذا التنوب العام شجر كبير جميل جذعه مستقيم أسطواني عارفي جزئه السفلي ، وينتهي من الأعلى برأس هرمي مكون من أغصان منفرشة ، بل معلقة إحاطية ، ويعلو ذلك الجذع إلى مائة وعشرين قدما ، بل قد يجاوز ذلك ، وأوراقه وحيدة مسطحة ضيقة خطيطية ولونها أخضر قاتم في وجهها العلوي وأخضر مغبر في وجهها السفلي ، وتسقط فيما بعد وهي منفرجة الزاوية كأنها مقورة في قمتها ومهيأة بهيئة مضفيرتين متقابلتين ، وذلك يعطي الأغصان الصغيرة منظر أوراق ريشية ، والسنابل الهرية المذكرة منعزلة واحدة في إبط الأوراق والمخروطات أسطوانية أبطية مكونة من فلوس عريضة كاملة ومعها زوائد ورقية ، وتلك الفلوس تنتهي بنقطة طويلة في فمها ، وينبت هذا النبات بالأماكن الجبلية الحجرية من جبال الألب والبرينسيا حيث يخرج منه مستنتج كثير من ترنبتينا ، ويستخرج منه مستنتجات غير ذلك ، وتستعمل في الطب براعيمه ومستنتجاته التي سنذكرها ، ومن أنواعه التنوب المرتفع ، وهو يجهز القار الأبيض ، وشجره يعلو من ثمانين قدما إلى مائة ، وأغصانه إحاطية تنحني لثقلها إذا بلغت تمام كمالها ، ويتكون منها هرم ، والأوراق وحيدة مستدامة مشتتة رباعية الزوايا ولونها أخضر معتم ، والسنابل المذكرة إبطية وطولها نحو ستة خطوط والمخروطات أسطوانية انتهائية ، وفلوسها مقطوعة أو مقورة من قمتها ، ويخرج من هذا النوع راتينج قليل جاف أكثر من كونه سائلا ، وكان القدماء يحضرون من ثمره الأخضر ماء مقطر يستعملونه للزينة ، ويؤكل لوزه وإن كان فيه بعض مرار ، ويقل مراره إذا نقع في الماء ، وأكدوا أيضا أنه نافع من الاهتزازات العضلية والأوجاع العصبية والنقرس ونحو ذلك ، وخشبه مستعمل ومشهور باسم خشب التنوب ، وجميع أنواع التنوب يخرج منها ترنبتينا وبلسم كندة.

(في أرز لبنان أو الشربين):

جنس هذا النبات يسمى سيدروس ، وهو أحد الأشجار العظمى ارتفاعا في المملكة النباتية ، وجذعه يطول أكثر من مائة قدم ، ودائرته من أربع وعشرين قدما إلى ثلاثين عند القاعدة ، وينقسم إلى فروع متضاعفة تمتد فريعاتها أفقية فروع المركز قائمة تقرب ، وأوراقه

٣٧٦

قصيرة محزازية متفرقة على أغصانه الجديدة ، وقائمته غالبا ووحيدة مستدامة ، وتعقب السنابل الزهرية الهرية التي للأزهار المؤنثة مخروطات ثمرية بيضاوية متراكبة في حجم قبضتين ، ويلزم سنتان لبلوغ الحبوب غاية كمالها ، وهذا الشجر الجميل الذي كان في الأزمنة السابقة مغطيا لمنحدرات جبل لبنان بالشأم صار الآن في هذا الجبل نادرا حتى ذكر من جاب هذه الأقاليم في هذه الأزمنة أن النباتات السيدروسية متباعدة هناك عن بعضها ، وكان الخشب هذا النبات سابقا شهرة عظيمة ، ويسأل عنه كثيرا بحيث يقال : إنه لا يتغير ولا يفسد ، ومعبد بيت المقدس الشهير الذي بناه سيدنا سليمان ـ عليه‌السلام ـ كان خشبه من السيدروس ، أي الأرز ، ومع ذلك هذا الخشب أبيض أليافه قليلة الاندماج شبيهة بألياف خشب الصنوبر والتنوب بحيث يعسر تمييزه عنهما ، وهو كأشجار الفصيلة المخروطية يجهز كثيرا من ترنبتينا فيها خواص الترنبتينا المستخرجة من التنوب وغيره ، وترنبتينا الأرز ينال منه جوهر سموه سديريا ، ويظهر كما قال المتقدمون : إنه نوع القار الذي يسيل إذا أحرق خشب الأرز ، أو نوع آخر غيره من طبيعته ، ويقال له : صمغ الأرز ، ويستعمل للأجسام ، والقدماء ينسبون له خاصية منع تعفن الأجسام التي تطلى به ، ومع ذلك لا يظهر أن موميا المصريين تحتوي عليه ، وإنما تحتوي بدله على أجسام عطرية ونطرون ، والخواص التي ذكرها القدماء للأرز ، أي الشاربين ومستنتجاته تقرب مما ذكر للصنوبر ومستنتجاته.

(ثمر العرعر):

هو من الفصيلة المخروطية ، وكما يسمى بالعربية عرعرا يسمى أيضا عرعارا (١٣) وسروا جبليا ، وأنواعه تعلو من عشرين إلى خمسة وعشرين قدما ، وهي عموما شجيرات أو أشجار صغيرة راتنجية ، وأوراقها مستدامة ضيقة خيطية خشنة أو متراكبة على بعضها ، وجميع هذه النباتات الشجيرية راتنجية عطرية وأوراقها بسيطة شديدة اللذع خضر دائما وثمارها عنبية الشكل ، ويؤخذ من نباتات هذا الجنس راتنج أقل مما يؤخذ من جنس الصنوبر والتنوب وغير ذلك غير أن دهنه الطيار أكثر ؛ وذلك يعطي لأنواعه الساكنة في البلاد الحارة فعلا منبها قويا.

(في الصفات النباتية):

هو شجيرة كثيرة الوجود في المحال الغير المزروعة والحجرية ، والغالب كون هذا النبات صغيرا عاجزا عن الارتفاع وأحيانا ينمو نموا زائدا بحيث يكون شجرة صغيرة تعلو من

__________________

(١٣) قوله : يسمى أيضا عرعارا الذي في القاموس ، وشرحه أن عرعارا مبنية اسم للعبة تلعبها الصبيان. اه.

٣٧٧

خمسة عشر قدما إلى ثمانية عشر ، والأوراق وسخة إحاطية منقرشة عديمة الحامل خيطية حادة خشنة ، ووجهها السفلى مبيض ، والأزهار ثنائية المحل ، أي كل نوع على شجرة ، والسنابل الهرية الزهرية صغيرة جدا وحيدة في إبط الأوراق ، فالسنابل المذكرة عديمة الحامل كروية الحشفات ، والمؤنثة محمولة على حامل قصير ومغط بفلوس متراكبة على بعضها والمحيط الزهري مركب من فلوس كثيرة ثخنية ملتصقة بعضها ببعضها وتحتوي على ثلاثة أزهار عديمة الحامل ، أي فيكون كل ثلاثة منها في شبه مجمع لحمي مستدير مثلث السنن من طرفه والتمر أسود عنبي كروي سري القمة في غلط الحمص الصغير لحمي ، وهو في الحقيقة المحيط الثمري الذي نما ، وفيه من النوى ثلاثة صلبة عظيمة هي الثمر الحقيقي ، وخشب هذا العرعر محمر صلب قابل للصقل الجيد ، فإذا كان آتيا من شجرة اكتسبت ارتفاعا كبيرا أمكن عمله دوائر ومكايل وأواني ، وهو كبقية أجزاء النبات يحتوي على جوهر راتنجي ينفرز منه في الحرورات الشديدة الصيفية.

(في الصفات الطبيعية):

قد عرف أن الأزهار المؤنثة تخلف ثمارا مستديرة تبقى في السنة الأولى خضرا ، ثم تلين في السنة الثانية ، وتكمل وتصير سوداء عنبية كالحمص ذات قشور ثلاثة ملتصقة ببعضها على هيئة مخروطات صغيرة تنمو ، وتحتوي على عصارة لبنية سكرية فيها بعض مرار وبلسمية ، وبزورها عظيمة زووية محفورة بحفر صغير تحتوي على علاقات مملوءة بدهن طيار إذا كان الثمر أخضر ، ويتغير ذلك الدهن بعد النضج إلى ترنبيتينا حقيقية بحيث تستعمل الثمار في أحوالها الأول إذا أريد منها إنالة هذا الدهن ، وفي الثواني إذا أريد تحصيل الخلاصة التي لا تنال إلا بمساعدة العطن أو النقيع ولا تنال بالغلي أصلا ؛ لأنها تصير محببة نظر السكون الرتنبيتينا تغلب الغلافات ، وتختلط بالخلاصة ، وجميع أجزاء النبات تتصاعد منها رائحة عطرية وسيما إذا أحرقت وكانوا سابقا يستعملونها لتعطير المحال الكريهة الرائحة الفاسدة الأهوية فتستر رائحتها تلك الروائح الرديئة.

(في الصفات التركيبية):

عنب العرعر مركب من دهن طيار وشيمع وراتنج وسكر وصمغ ومادة خلاصية ، وأملاح ، وإن الدهن الطيار يكثر في العنب قبل نضجه إذا كان أخضر ، فإذا اكتسب لونا أزرق فإنما تغير جزء من ذلك إلى راتنج فإذا نضج نضجا تاما ما لم يكن فيه دهن أصلا ولا سكر ، وذلك الدهن عديم اللون ، وسكر هذا النبات كسكر العنب.

٣٧٨

(في بيان تأثيره واستعماله):

إذا مضغ هذا الشجر يحس في الفم بحرارة ، ويدرك فيه بآن واحد طعم مر راتنجي وطعم سطري ، وقد علمت أنه يتصاعد منه رائحة مقبولة فقواعده تؤثر في المنسوجات الحية تأثيرا منبها ، وكل من منقوعه وصبغته وربه لا بد وأن ينبه القوى الهضمية ، إذا استعمل بمقدار يسير فيفتح الشهية ويطرد الرياح ويعيد سلامة الهضم ، وإذا استعملت تلك الأدوية بمقدار كبير سخنت الجسم ، وحرضت التنفيس الجلدي ، والغالب أنها تنبه الأعضاء المفرزة للبول فتزيد في استفراغه.

وقد ذكروا أشخاصا نزل منهم البول مدمما بعد استعمالهم هذه الثمار الراتنجية مرات كثيرة أو مدة طويلة ؛ وذلك لأن القواعد التي أوصلتها الثمار للدم خرجت مع البول وأوصلت له رائحة البنفسج ، وقد ذكروا أن المنقوع المائي لتلك الثمار يكون مشروبا مناسبا للمصابين بالاستسقاء فإذا كان مدر للبول كان فيه بعض نفع في تلك الأمراض ، ويكون التأثير المنبه الذي يفعله في جميع المنسوجات نافعا أيضا بالأكثر في الارتشاحات الخلوية وفساد الأخلاط والكاشكسيا ، أي سوء القنية إذا لم تكن مصاحبة لالتهاب مزمن ولآفة عضوية ، وله أيضا تأثير في الأغشية المخاطية فيسهل اندفاع المواد الواقفة فيها ، ويقوي تلك الأعضاء ؛ ولذلك يستعمل في النزلات والسيلان الأبيض والخبوريا حتى التابعية كما ذكر هركير فإنه أعطى درهما من رب هذا الجوهر كل صباح في سبعين درهما من الماء ، وأثبتوا له تأثيرا واضحا في الأعضاء البولية ، وسيما المثانة فيسهل نزول البول منها.

وقالوا : إن أكثر نفعه في نزلات المثانة ولأجل اندفاع حصياتها ، وشاهد بعضهم طفلين خرج منهما تجمدات صغيرة بعد استعمال قبضة من تلك الثمار الرطب منقوعة في مائتين من ماء شعير ، قال بربيير : لكن يلزم أن لا يكون في تلك الأعضاء تهيج ولا التهاب حتى يكون ذلك المنقوع مناسبا. اه. وذلك لأنهم شاهدوا أن هذه الثمار قد تنتج نتائج رديئة عند ذلك المنقوع واستعمل أيضا منقوع هذه الثمار علاجا للحميات المتقطعة والآفات الحفرية ونحو ذلك ، واستعمل كل يوم كدواء صحي لسكان البلاد الرطبة الآجامية فتكون كحافظ للصحة ولا يتهاون في إعطائها إذا تسلطنت هناك حميات غير منتظمة أو حميات متقطعة أو نحو ذلك ، ويوصي بتلك الثمار خصوصا للأشجار المسترخية أبدانهم اللينة منسوجاتهم العضوية ونجح ذلك فيمن فقدت فيهم القوة المخية التي للتأثير العصبي ؛ لأن الجوهر النخاعي لمخهم ونخاعهم الشوكي يكون حينئذ فيه درجة ما من لين الأجزاء ، ويعمل من تلك الثمار حمامات منبهة وتلقى جافة على فحم متقد ، ويوجد دخانها على أجزاء الجسم التي يراد حصول تأثير

٣٧٩

فيها فكانوا يتلقون بخارها في بعض أحوال الربو والتقلص الصدري كما يحرقونها أيضا على النار لتعطير القاعات ، ويضمونها مع الأدوية المضادة للخنازير ، وتستعمل أيضا حقنا وغراغر ، ويعمل منها ربّ ويعمل منها أيضا لصوقات للسعفة.

وقال ميرة في الذيل : يجمع في بلاد الروسيا مسحوق حب العرعر مع قدر مساو له من حب الغار ، ويعمل دلكات من هذا المسحوق مع أزهار الكبريت علاجا للحرب. وقال تروسو : والمروخات التي قاعدتها هذه الثمار البلسمية الرتنبتينية تنفع يقينا في الأوجاع الروماتزمية العضلية والوجع القطبي وتكسر الأعضاء وفي الأوذيما العامة أو الجزئية. اه.

وكانوا سابقا يعدون خشب هذه الشجرة من أفراد المادة الطبية فإذا أحرق انتشر منه رائحة مقبولة ، وقد يحول إلى مسحوق بواسطة مبرد ويرطب منه حينئذ مغليات ، أي مطبوخات يوصي بها في الأمراض الزهرية والآفات الروماتزمية المزمنة فأكثر ما تؤمل إنالته منها هو التعريق.

قال تروسو : إذا قطر خشب العرعر نيل منه دهن ناري ، أي مولد للنار يسمى دهن كاد ، ورائحته قوية راتينجية تشبه رائحة القرطان ، وأحسن من ذلك أن يقال : تشبه رائحة اللحم المدخن ، ومدح عن قريب هذا الدهن وضعا في الأمراض الإفرازية في الجلد ، وفي الرمد الخباز يرى فيوضع بواسطة فرشة على أجزاء الجلد المصابة وكرروا تلك التجريبات فجزموا بتحقيق أن دهن كاد واسطة جيدة في علاج القوابي الإفرازية في الجدل ، وفي الإرماد الخنازيرية فهذه الوضعيات قد تقطع حالا الإفراز المرضي من الأسطحة الملتهبة ، ويوضع ذلك الدهن بفرشة على الملتحمة المتقرحة. اه.

وإذا عملت شقوق خشب هذا النبات خرج منه راتنج يسمى صمغ العرعر ، وهو غير السندروس على الأصح ، ويدخل العرعر في كثير من المركبات الدوائية كالماء الترياقي وبلسم دلو دك ، والبلسم الأخضر وغير ذلك واللابونيون يشربون مطبوخ هذه الثمار حارة كما نفعل ذلك في الشاي والقهوة ، وقد تستعمل حبوب كأحد التوابل لمأكل ، وما ذكره المتأخرون في خواصه ذكره المتقدمون من أطباء اليونان ، وأيضا حكماء العرب وزاد عليه أنه صالح لأوجاع الصدر والسعال والنفخ والمغص واختناق الرحم وهو جيد للسموم.

(في الاستعمال والمقادير):

يصنع منقوعه من مقدار من حبه من خمسة دراهم إلى سبعة ، بل عشرة لمائة درهم من الماء المغلي وتهرس قبل أن تلقى في السائل الذي يراد تحمله من خواصه فيكون كما قلنا منبها

٣٨٠